نظام النکاح فی الشریعه الاسلامیه الغراآ

اشارة

سرشناسه : سبحانی تبریزی، جعفر، - 1308

عنوان و نام پديدآور : نظام النکاح فی الشریعه الاسلامیه الغراآ/ جعفر السبحانی

مشخصات نشر : قم: موسسه الامام الصادق(ع)، 1416ق. = [1374] -.

شابک : 10000ریال(ج.1).

يادداشت : بالای عنوان: الاحوال الشخیصه.

یادداشت : کتابنامه

موضوع : زناشویی (فقه)

موضوع : زناشویی (اسلام)

رده بندی کنگره : BP189/1 /س2ن6 1374

رده بندی دیویی : 297/36

شماره کتابشناسی ملی : م 75-7088

الجزء الأول

[مقدمة المؤلف]

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الّذي رغب بالنكاح، و حرّم السفاح، و أغناهم بالحلال عن الحرام. فقال عزّ من قائل: (وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ).

و الصّلاة و السلام على سفيره، و مبيّن حلاله و حرامه القائل: «من تزوّج فقد أحرز نصف دينه فليتق الله في النصف الباقي» محمّد، و آله الطاهرين، حفظة سننه و نقلة آثاره الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهّرهم تطهيراً.

أمّا بعد:

فإنّ البحث عن الأحوال الشخصية الشاملة لكتب النكاح و الطلاق بأقسامه و اللعان و الايلاء و الوصية و الميراث و الاقرار من أهم البحوث الفقهية الّتي تدور عليها الحياة، فردية و اجتماعية. و هي من المباحث الهامة الّتي لا غنى للمجتمع عنها، حتّى المجتمعات الوضعية و المادية. و لأجل ذلك قد استغرقت هذه المباحث قسماً كبيراً من الفقه الإسلامي.

و قد طلب منّي حضار بحوثي الفقهية أن أقوم بدراسة الأحوال الشخصية في فقه الإمامية أعني: النكاح و الطلاق و الوصية و الميراث، لكثرة الابتلاء بها، و لزوم الوقوف عليها خصوصاً لمن يعمل في دوائر الأحوال الشخصية. و قد كان علماؤنا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 4

الأبرار في العصور الماضية، مسلّطين بالأحكام الخاصّة بالأحوال الشخصية، و

كانوا يجيبون أسئلة الناس على صعيد النكاح و الوصية و الطلاق و الميراث و نحوها بلا مطالعة كتاب أو ملاحظة باب، فنزلت عند رغبتهم سائلًا من الله سبحانه التوفيق و الاهتداء إلى ما هو الحقّ القويم:

و جعلت المحور للبحث كتاب الشرائع «1» للمحقّق الحلّي أعلى الله مقامه فقدّمت البحث عن النكاح على الطلاق، و الطلاق على الميراث و الفرائض، و أرجو من الله سبحانه أن يهديني إلى ما هو الصواب و يصونني عن الخطاء و الزلل إنّه بذلك قدير، و بالإجابة جدير.

______________________________

(1) و كان محور المحاضرة كتاب العروة الوثقى في الدورة السابقة الّتي ابتدأنا بها عام 1394 ه. ق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 5

النكاح لغة و كتاباً و سنّة

هل النكاح بمعنى العقد، أو هو بمعنى الوطء أو مشترك لفظي بينهما؟

يظهر من ابن فارس في «المقاييس» أنّه بمعنى الأوّل دون الثاني، و يظهر من «ابن منظور» في لسانه، العكس و نقل أنّه خيرة الأزهري و قبله الجوهري في صحاحه، و استشهد بأمثلة ادّعى أنّها ظاهرة في الوطء و هو مختار الجواهر، و قال في الأخير:

و من الغريب، دعوى عدم شيوع استعمال النكاح بمعنى الوطء في لسان الشرع، فإنّ ملاحظة الأخبار النبوية فضلًا عن غيرها الواردة في النكاح و المرغّبة فيه باعتبار النسل و نحوه ممّا لا يراد منه إلّا معنى الوطء، أقوى شاهد على بطلانها. «1»

إنّ استعمال النكاح في اللغة و الشرع في الوطء موضع تأمّل، لأنّ الموارد الّتي احتجّ بها صاحب اللسان على الاستعمال فيه قابل للتفسير بالعقد أيضاً فلاحظ، كما أنّ ما احتجّ به صاحب الجواهر على استعماله فيه شرعاً لا يثبت كونه فيها بمعنى الوطء لكفاية الاستعمال في الأمر الاعتباري سبباً أو مسبباً

في أداء ما يرميه الشارع من الأمر بالنكاح أعني: صيانة النفس و كثرة النسل حتّى في قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «تناكحوا تكثروا فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة و لو بالسقط». «2» و ذلك لأنّ العقد و التزويج ينتهيان طبعاً إلى الوطء الملازم للصيانة و كثرة النسل. على أنّ الوارد في أكثر الروايات هو التزويج لا لفظ النكاح.

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 87.

(2) البحار: 103/ 220.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 6

أضف إليه: ما ذكره الراغب: «أنّه محال أن يكون في الأصل للجماع ثمّ استعير للعقد، و ذلك لأنّ أسماء الجماع كلّها كنايات لاستقباحهم ذكره كاستقباح تعاطيه، و محال أن يستعير من لا يقصد فحشاً اسم ما يستفظعونه لما يستحسنونه». «1»

و قد جاءت مادة النكاح بالصيغ المختلفة في الذكر الحكيم بما يناهز ثلاثة و عشرين مورداً و لم يستعمل في مورد بمعنى الوطء حتّى في قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) «2» فإنّ شرطية الوطء علمت من النصّ لا من الآية. و لو كانت اللفظة حقيقة في الوطء لكان استعمالها في غيره مجازاً محتاجاً إلى القرينة و كونها مشتركة بين المعنيين لا تغنيها عن القرينة المعيّنة أيضاً.

و الظاهر كونه حقيقة في المعنى الاعتباري الدارج بين العقلاء سبباً و مسبباً من العقد و الزواج، و يؤيّده قوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ) «3» فالمراد هو العقد و الزواج بالمعنى المسبّبي دون الوطء، بقرينة قوله تعالى: (مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ). فيعلم أنّ «النكاح» قد يكون مع المس و قد يكون بدونه.

و الظاهر من بعض الآيات استعماله

في المعنى المسببي للعقد مثل قوله سبحانه: (وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ). «4» أي لا تعقدوا عقدة النكاح حتّى تنقضي العدة. و قوله سبحانه: (إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ) «5» فإنّ إضافة العقدة إلى النكاح تعرب عن كونه موضوعاً

______________________________

(1) مفردات الراغب: 526، مادة النكاح، ط دار الكتب.

(2) البقرة/ 230.

(3) الأحزاب/ 49.

(4) البقرة/ 235.

(5) البقرة/ 237.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 7

لمسبّبه و هو المنُشأ به.

فاتّضح بذلك: أنّه ليست للفظة النكاح حقيقة شرعية بل هي مستعملة في الكتاب و السنّة بما لها من المعنى لغة و عرفا، فلو شكّ في جزئية شي ء أو شرطيته للنكاح يصحّ التمسك بالإطلاقات الواردة في الكتاب و السنّة لو كانت صالحة له كما إذا كانت في مقام البيان.

إذا وقفت على معنى النكاح لغة و كتاباً و سنّة فاعلم أنّ كتابنا هذا يشتمل على فصول:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 9

الفصل الأوّل: في أحكام النظر

اشارة

و فيها مسائل:

1- النظر إلى المرأة عند الخطبة.

2- النظر إلى نساء أهل الذمّة و شعرهنّ.

3- نظر كل من الرجل و المرأة إلى مثله.

4- كشف المسلمة بين يدي الكافرة.

5- اشتباه من يجوز النظر إليه بغيره.

6- نظر الرجل إلى الأجنبية.

7- النظر إلى الوجه و الكفّين منها.

8- نظر المرأة إلى الرجل.

9- النظر إلى المرأة في موارد الضرورة.

10 النظر إلى القواعد من النساء.

1- 1 حكم الصبي و الصبية من جهات.

2- 1 صوت الأجنبية و مصافحتها.

خاتمة المطاف في الخنثى المشكل.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 11

أحكام النظر

المسألة الأُولى: في جواز النظر إلى المرأة عند الخطبة

اشارة

إنّ القول بجواز النظر إلى المرأة عند الخِطْبة، يعدّ تخصيصاً في أدلّة حرمة النظر إلى الأجنبية، و له نظائر كنظر الطبيب و الشاهد. و إنّما يصحّ عدّه تخصيصاً إذا لم نقل بجواز النظر إلى الوجه و الكفّين مطلقاً حتّى يكون الحكم بالجواز في المقام استثناءً بالنسبة إليه، أو قلنا بالجواز هناك أيضاً لكن مرّة واحدة لا مرّات، بخلاف المقام فيجوز تكرار النظر حتّى يحصل المطلوب و هو الوقوف على محاسنها و معايبها.

و المسألة معنونة في فقه الفريقين، قال الشيخ الطوسي في الخلاف: يجوز النظر إلى امرأة أجنبية يريد أن يتزوّجها إذا نظر إلى ما ليس بعورة فقط، و به قال أبو حنيفة و مالك و الشافعي إلّا أنّ عندنا و عند مالك و الشافعي أنّ ما ليس بعورة: الوجه و الكفّان فحسب، و عن أبي حنيفة روايتان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثانية: و القدمان أيضاً، و قال المغربي: لا يجوز أن ينظر إليها و لا إلى شي ء منها أصلًا، و قال داود: ينظر إلى كلّ شي ء من بدنها و إن تعرّت. «1»

و الظاهر أنّ أصل الجواز أمر مفروغ عنه و إنّما الخلاف في مقامين:
اشارة

الأوّل: في تحديد ما يجوز النظر إليها من أعضائها.

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 357، كتاب النكاح، المسألة 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 12

الثاني: في كيفية النظر مع الثياب أو بدونها.

أمّا المقام الأوّل: [أي في تحديد ما يجوز النظر إليها من أعضائها.]

فجوّز الشيخ النظر إلى ما ليس بعورة و فسّره في الخلاف بالوجه و الكفّين، و اختار في النهاية جواز النظر إلى المحاسن عامة قال:

«و لا بأس أن ينظر الرجل إلى وجه امرأة يريد العقد عليها، و ينظر إلى محاسنها: يديها و وجهها. و يجوز أن ينظر إلى مشيها و إلى جسدها من فوق ثيابها». «1»

و لم يعنون المسألة من القدماء غير الشيخ. و ليس في الكافي (لأبي الصلاح)، و لا المهذّب (لابن البرّاج)، و لا الوسيلة (لابن حمزة) من المسألة أثر.

قال المحقّق: يجوز أن ينظر إلى وجه امرأة يريد نكاحها و إن لم يستأذنها. و قال في الجواهر في شرح العبارة: «لا خلاف بين المسلمين في الجواز بل الإجماع بقسميه عليه». «2» و قال العلّامة في التذكرة: «لا نعلم خلافاً بين العلماء في أنّه يجوز لمن أراد التزويج بامرأة أن ينظر إلى وجهها و كفّيها مكرّراً». «3»

و قال السيد الاصفهاني: «يجوز لمن يريد تزويج امرأة أن ينظر إليها ... على وجهها و كفّيها و محاسنها». «4» هذا لدى الأصحاب و أمّا غيرهم:

قال ابن رشد القرطبي: «و أمّا النظر إلى المرأة عند الخطبة فأجاز ذلك مالك إلى الوجه و الكفّين فقط، و أجاز ذلك غيره إلى جميع البدن عدا السوأتين، و منع ذلك قوم على الإطلاق، و أجاز أبو حنيفة النظر إلى القدمين مع الوجه و الكفّين». «5»

______________________________

(1) النهاية: 484، كتاب النكاح.

(2) الجواهر: 29/ 63.

(3) التذكرة: 2، كتاب النكاح، المقدمة الثانية في النظر.

(4) وسيلة

النجاة: 2/ 305 ط. طهران منشورات مكتبة الصدر.

(5) بداية المجتهد: 2/ 3، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 13

و قال ابن قدامة: «و من أراد أن يتزوّج امرأة فله أن ينظر إليها من غير أن يخلو بها». «1»

ثمّ إنّ لسان الأحاديث الواردة في المقام بين: مطلق و مقيّد، بوجهها و معاصمها، أو خلفها و وجهها، أو شعرها و محاسنها، أو خصوص شعرها أو محاسنها فقط. و الذي يقتضي التحقيق، هو عدم اختصاصه بهما. «2» و يمكن استفادة ذلك من وجوه:

أ: التعليل المستفيض الوارد في عدّة من الروايات:

1- صحيحة أبي أيّوب الخزاز (و هو إبراهيم بن عثمان أو ابن عيسى الثقة) عن محمّد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ ينظر إليها؟ قال: «نعم إنّما يشتريها بأغلى الثمن». «3»

2- صحيحة يونس بن يعقوب (البجلي الثقة) قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يريد أن يتزوّج المرأة يجوز له أن ينظر إليها؟ قال: «نعم و ترقِّق له الثياب لأنّه يريد أن يشتريها بأغلى الثمن». «4»

3- موثقة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيه عن عليّ عليه السّلام في رجل ينظر إلى محاسن امرأة يريد أن يتزوّجها؟ قال: «لا بأس إنّما هو مستام فإن يُقضَ أمر يكون». 5

4- خبر الحكم بن مسكين، عن عبد اللّه بن سنان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) المغني: 7/ 17، كتاب النكاح.

(2) أي بالوجه و الكفّين.

(3) الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1، و العجب أنّ صاحب الجواهر عبر عنه «بخبر محمّد بن مسلم» مع أنّه صحيحة.

(4) 4 و 5 المصدر نفسه، الحديث 11، 8.

نظام

النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 14

الرجل يريد أن يتزوّج المرأة أ ينظر إلى شعرها؟ فقال: «نعم إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن». «1»

5- خبر مسعدة بن اليسع الباهلي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن ينظر الرجل إلى محاسن المرأة قبل أن يتزوّجها فإنّما هو مستام، فإن يقضَ أمر يكون». 2

6- مرسلة معلّى بن محمّد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: أنّه سأله عن الرجل ينظر إلى المرأة قبل أن يتزوّجها؟ قال: «نعم فَلِمَ يعطي ماله». 3

7- مرسلة (المجازات النبويّة) عنه عليه السّلام أنّه قال للمغيرة بن شعبة و قد خطب امرأة: «لو نظرت إليها فانّه أحرى أن يؤدم بينكما». 4

فانّ التعليل المستفيض كما عرفت يقتضي جواز النظر فيما هو دخيل في ارتفاع الثمن و انخفاضه و دوام العيش. و السؤال في خبر الحكم و إن كان عن الشعر لكن العلّة تعمّم الحكم.

ب: التصريح بجواز النظر إلى الشعر في مرسلة (عبد اللّه بن الفضل) 5 و خبر (عبد اللّه بن سنان) 6 ففي الأوّل قال عليه السّلام: «لا بأس بالنظر إلى شعرها و محاسنها، إذا لم يكن متلذذاً»، و في الثاني: «نعم إنّما يريد أن يشتريها بأغلى الثمن» بعد السؤال عن النظر إلى شعرها و هما و إن كانا خبرين لكن يصلحان للتأييد.

ج: و قد ورد جواز النظر إلى المحاسن في موثقة غياث بن إبراهيم 7 و خبر عبد اللّه بن الفضل 8 و هو يعمّ كلّ ما يعدّ موضع الحسن.

______________________________

(1) 1- 4 الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 7، 12، 4، 13.

(2) 5 و 6 المصدر نفسه، الحديث 5 و 7.

(3) 7 و 8 المصدر

نفسه: الحديث 5 و 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 15

د: الأمر بترقيق الثياب في صحيحة يونس بن يعقوب حيث يقول: «نعم و ترقّق له الثياب».

هذه الجهات الأربع يشرف الفقيه إلى الإذعان بعدم اختصاص الحكم، بالوجه و الكفّين بل الحكم أوسع من ذلك، غاية الأمر يقتصر على ما يعدّ من محاسن المرأة.

و بذلك يظهر النظر فيما اختاره المحقّق من التخصيص بالوجه و الكفّين، إذ لا وجه له، سوى صحيحة هشام بن سالم قال: «لا بأس بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها». «1»

و لا يخفى أنّ الحديث، على الخلاف أدلّ، لأنّ المعاصم أوسع من الكفّين إذ هي تطلق على فوق الزند الذي هو خارج عن مفهوم الكفّ.

و بذلك يعلم سرّ اختلاف لسان الروايات، فانّ الظاهر أنّ الكلّ من باب المثال و المقصود الإشارة إلى مواضع الحسن التي بها يرتفع المهر أو تشتدّ العلاقة أو تقلّ أو غير ذلك.

فلا معارضة بين ما خصّ الجواز بالوجه و المعاصم، و بين ما خصّه بالوجه و الخلف أو خصّه بالوجه و الشعر لما عرفت من حديث التمثيل.

ثمّ إنّ شيخ مشايخنا العلّامة الحائري رحمة اللّه عليه اقتصر بالموارد الواردة في الروايات قائلًا بأنّه لا يصحّ تعليل الخاص بما يكون علّة للعام، فلو كان العلم مثلًا علّة لإكرام كلّ من كان متّصفاً به، لم يصحّ تعليل إكرام خصوص زيد بما هو زيد بكونه عالماً و الإمام عليه السّلام علل جواز النظر إلى الوجه و المعاصم بإرادة التزويج و قال: «بأن ينظر إلى وجهها و معاصمها إذا أراد أن يتزوّجها». فيعلم كونه

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 36، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 16

علّة لخصوصهما دون غيرهما و إلّا يلزم تفسير الخاص بالعام. «1»

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على حمل الموارد في الروايات على التحديد فيرد عليه ما ذكره، و أمّا إذا حملت على التمثيل، فيأبى عن كونه علّة للخصوص إذ عندئذ يكون الوجه أو المعصم عنواناً للمحاسن. و الإصرار بأنّ المذكور في الروايات من باب التحديد لا التمثيل، تدفعه العلّة المستفيضة الظاهرة في أنّها من باب التمثيل.

و الحاصل أنّ الظاهر من الروايات هو النظر إلى ما يعدّ محاسن للمرأة و لها دخل في غلاء المهر و قلّته. و أمّا ما في العروة من أنّه لا يبعد جواز النظر إلى سائر جسدها ما عدا عورتها، فإثباته بالدليل مشكل. بل اللازم الاقتصار بمواضع الحسن. هذا كلّه حول المقدار.

و أمّا المقام الثاني: أعني الكيفية

، فلا تتجاوز عمّا هو المتعارف في ذلك المجال، من لبس الثياب و الجورب و لها ترقيق الثياب، على الوجه المألوف بينهم. كما في صحيحة يونس بن يعقوب. و الاكتفاء على المتعارف في باب الكيفية، هو الأحوط.

المسألة الثانية: في النظر إلى نساء أهل الذمّة و شعرهن

اشارة

هذا هو التخصيص الثاني تعرّض له الأصحاب في المقام و لم نجدها معنونة في كتب غيرهم و ما نقله العلّامة في المختلف عن الخلاف أنّه قال: «لا بأس بالنظر إلى نساء أهل الكتاب و شعورهن لأنّهنّ بمنزلة الإماء» لم نجده فيه و هو قريب ممّا

______________________________

(1) النكاح لشيخ مشايخنا العلّامة الحائري بقلم تلميذه الجليل الشيخ محمود الآشتياني قدّس سرّهما، ص 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 17

ذكره الشيخ في النهاية و العبارة المنقولة أنسب بسياق النهاية لا الخلاف كما هو واضح لمن مارسهما». «1»

و قال في المقنعة: «لا بأس بالنظر إلى وجوه نساء أهل الكتاب و شعورهن لأنّهنّ بمنزلة الإماء و لا يجوز النظر إلى ذلك منهنّ لريبة» و على ذلك جرى الأصحاب في كتبهم، ما عدا ابن إدريس فلم يجوّز النظر تمسّكاً بالعمومات، و استقر به العلّامة في المختلف، و حكى في الحدائق الجواز عنه في باقي كتبه.

استدلّ ابن إدريس بقوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) «2» و قوله تعالى: (لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ وَ لٰا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَنٰاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) «3» و الآية الأُولى عام يتوقّف التمسك بها على عدم ورود التخصيص عليها في السنّة، و القائلون بالجواز يدّعونه، و الآية الثانية لا صلة لها بالمقام، و المراد من الأزواج هو الأصناف، أي الأصناف من الكفّار إذا كان مفعولًا، لقوله تعالى: (مَتَّعْنٰا)، أو أصنافاً من النعم

إذا كان حالًا، و المراد لا تنظر إلى النعم التي أحاطت بهم، حسرة فانّها نعم زائلة و داثرة غير باقية نظير قوله سبحانه: (وَ لٰا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلىٰ مٰا مَتَّعْنٰا بِهِ أَزْوٰاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيٰاةِ الدُّنْيٰا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَ رِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَ أَبْقىٰ) «4» و المراد من مدّ العينين هو النظر إلى كلّ ما أُوتوا من زخارف الدنيا نظراً مزدوجاً «مكرّراً» مع الحسرة و الحزن. و الاستدلال بها في المقام حاك عن عدم التدبّر في الآية.

أدلّة المجوّز
اشارة

استدل المجوّز بوجوه:

______________________________

(1) لاحظ المختلف: 86، كتاب النكاح و النهاية: 484.

(2) النور/ 30.

(3) الحجر/ 88.

(4) طه/ 131.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 18

الأوّل: تعليل جواز النظر بأنّهنّ كالإماء فيترتّب عليهنّ كلّ ما يترتّب على الإماء

من جواز النظر إليها و إن لم يكن المالك راضياً، لأنّ الجواز شرعيّ لا مالكي. و الظاهر من الروايات عموم المنزلة كما سيظهر و إليك ما روي في المقام.

1- صحيحة أبي بصير يعني المرادي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوّج عليها يهودية؟ فقال: «إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام، و ذلك موسّع منّا عليكم خاصّة فلا بأس أن يتزوّج»، قلت: فإنّه تزوّج عليهما أمة؟ قال: «لا يصلح له أن يتزوّج ثلاث إماء، فإن تزوّج عليهما حرّة مسلمة و لم تعلم أنّ له امرأة نصرانية و يهودية ثمّ دخل بها فانّ لها ما أخذت من المهر فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت، و إن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت». «1»

ترى أنّه ينزّل الكتابية منزلة الإماء و ظاهره عموم المنزلة و ذلك من وجوه:

1- إنّ عدّتها عدّة الأمة.

2- لا يجوز تزويج أمة على الكتابيتين، لعدم جواز الجمع بين ثلاثة إماء.

3- لا يجوز تزويج الحرّة المسلمة على الكتابيتين، لأنّها بمنزلة نكاح الحرّة على الأمة. و على ذلك يترتّب عليه كلّ الآثار حتى جواز النظر إليها كالإماء.

2- صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن نصرانية كانت تحت نصراني و طلّقها هل عليها عدّة مثل عدّة المسلمة؟ فقال: «لا، لأنّ أهل الكتاب مماليك للإمام، أ لا ترى أنّهم يؤدّون الجزية كما يؤدّي العبد الضريبة إلى مواليه». «2»

و المراد من «عدّة المسلمة» هو عدّة الحرّة فنفيها يلازم كون عدّتها عدّة الأمة

______________________________

(1)

الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

(2) الوسائل: 15، الباب 45 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 19

فتكون عدّتها خمسة و أربعين يوماً. و الصحيحتان كافيتان في إثبات عموم المنزلة، كما لا يخفى. و لأجل ذلك اعتمد عليهما المحقّق من بين روايات الباب.

الثاني: تعليل الجواز في الروايات

بأنّهنّ لا ينتهين إذا نهين و قد جاءت في المقام روايات:

1- روى الكليني عن ابن محبوب، عن عبّاد بن صهيب قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا بأس بالنظر إلى رءوس أهل تهامة و الأعراب و أهل السواد و العلوج لأنّهم إذا نهوا لا ينتهون». «1»

و تذكير الضمير للتجوّز و التغليب أو تطرّق التصحيف إلى الرواية: و الصحيح كما في الجواهر: «لأنّهنّ إذا نهين لا ينتهين» و يوافقه لفظ «علل الشرائع» كما سيوافيك.

و المراد من «العلوج» هو الكافر كما في المجمع و غيره من كتب اللغة.

2- و رواه في الفقيه بتغيير يسير «و الأعراب و أهل البوادي من أهل الذمّة و العلوج». «2»

و ما في الوسائل من أنّ المنقول في الفقيه متّحد مع ما في الكافي غير تامّ لما عرفت.

3- و رواه في العلل بنحو آخر و هو «و أهل السواد من أهل الذمّة لأنّهن إذا نهين لا ينتهين». «3»

و النقل الأوّل سؤال عن مطلق أهل الذمّة، و الثاني يخصه لأهل البوادي من

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 113، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1 و عبّاد بن صهيب، وثّقه النجاشي.

(2) الفقيه: 3/ 144 ح 1438، باب النوادر.

(3) العلل: الباب 265، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 20

أهل الذمّة لا لأهل الحواضر، و الثالث يخصّه لأهل

السواد منهم.

و إلغاء الخصوصية بين ما ذكر و ما لم يذكر ممكن بفضل التعليل الوارد في الجميع الذي يشمل جميع أهل الذمّة إلّا إذا كانت المرأة ممّن تنتهي إذا نهيت.

و الرواية موثقة، لكون عبّاد بن صهيب عامّي وثّقه النجاشي و ذكر الشيخ الطوسي أيضاً أنّه عامّي، و الرواية قابلة للاستناد.

الثالث: ما يدلّ على الجواز بلا تعليل

و بمعناه روايات:

1- ما رواه النوفلي عن السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول الله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا حرمة لنساء أهل الذمّة أن ينظر إلى شعورهنّ و أيديهنّ». «1» و الأصحاب يعملون بروايات النوفلي و السكوني و هما ثقتان.

2- روى في قرب الإسناد عن السندي بن محمّد و هو ثقة عن أبي البختري، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام قال: «لا بأس بالنظر إلى رءوس نساء أهل الذمة»، و قال: «ينزل المسلمون على أهل الذمة في أسفارهم و حاجاتهم، و لا ينزل المسلم على المسلم إلّا بإذنه». «2»

و المجموع صالح لتخصيص الآية الكريمة: (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) و إن كان تخصيص الذكر الحكيم بالخبر الواحد، مشكل، لكن عرفت تضافر الروايات و لكن يجب الاقتصار على الرءوس و الأيدي مع السواعد مع عدم التلذذ و الريبة كما قيّده الأصحاب و الرجوع في غيرها إلى العمومات كما لا يخفى.

هذا كلّه في الذميات، و أمّا نساء أهل البوادي و القرى و السافرات من النساء المسلمات اللاتي لا ينتهين إذا نهين فهل يجوز النظر أخذاً بالتعليل بشرط عدم الريبة و التلذذ أو لا؟ وجهان: أحوطهما الاجتناب.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 112 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 1، ص: 21

المسألة الثالثة: في نظر كلّ من الرجل و المرأة إلى مثله

يجوز أن ينظر الرجل إلى مثله ما خلا عورته شيخاً كان أو شابّاً، حسناً كان أو قبيحاً ما لم يكن النظر لريبة أو تلذذ و كذا المرأة «1» و المسألة من ضروريات الفقه و قد استمرّ عليه عمل المسلمين في الأعصار، و تدلّ عليه روايات الحمّام، حيث خصّ ما يلزم ستره، بالعورة.

روى حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينظر الرجل إلى عورة أخيه». «2»

و الاختلاف إنّما هو في معنى العورة فهل هي السوأتان، أو بين السرة و الركبة لا في غيرها؟

هذا من غير فرق بين كونه شيخاً أو شاباً، و في الشاب بين الأمرد و الملتحي إذا تجرّد عن التلذذ و الريبة.

نعم روى ابن قدامة عن الشعبي قال: «قدم وفد عبد القيس على النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و فيهم غلام أمرد ظاهر الوضاءة فأجلسه النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وراء ظهره». «3»

و بما أنّه لم يأمره بالاحتجاب يستكشف أنّ الأمر كان للتعفف الشديد غير البالغ حدّ الوجوب.

و أمّا النظر إلى المثل عن تلذذ و ريبة، فخارج عن منصرف الدليل. و المراد من

______________________________

(1) الشرائع: 163، كتاب النكاح.

(2) الوسائل: 1، الباب 3 من أبواب آداب الحمّام، الحديث: 1، و لاحظ الأحاديث 52 من هذا الباب.

(3) المغني: 7/ 26.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 22

التلذذ: هو النظر الموجب لهيجان الشهوة و مادّة الجماع، و أمّا التلذذ الطبيعي الذي يحصل لكلّ إنسان عادي كالحاصل من النظر إلى المناظر الطبيعية الزاهرة، فليس بمحرم. فما في الجواهر من الحكم بالتسوية بينهما و أنّ التفريق من الشيطان و مصائده فلم يعلم كنهه، و الإنسان

على نفسه بصيرة. و هل يحتمل أحد أن يكون نظر الوالدين إلى أولادهما مع جمال الخلقة، حراماً؟!

المسألة الرابعة: كشف المسلمة بين يدي الكافرة

اشارة

يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف رأسها للكافرة و يجوز دخول الحمام معها و عليه استمرّت السيرة غير أنّ المنقول عن الشيخ عدم الجواز في أحد قوليه تمسّكاً بقوله سبحانه: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ أَوْ آبٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنٰائِهِنَّ أَوْ أَبْنٰاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوٰانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوٰاتِهِنَّ أَوْ نِسٰائِهِنَّ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ). «1» قائلًا بأنّ الذمّية ليست منهنّ.

يلاحظ عليه: أنّ في قوله (أَوْ نِسٰائِهِنَّ) عدّة احتمالات:

1- المراد: مطلق النساء و الهدف استثناء الجنس المماثل، و يكفي في الإضافة أدنى الملابسة ككونهم متجانسين و متماثلين و عندئذ يكون المراد من الجملة التالية: (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ) هو العبيد و إنّما عبّر بصيغة الإضافة لحفظ سياق الآية فانّ الكلمات فيها مضافة إلى الضمير، مثل آبائهنّ و أبنائهنّ.

2- المراد: الحرائر من النساء و أمّا الإماء فهي داخلة في قوله: (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُنَّ).

3- المراد: المؤمنات من النساء و ملاك الإضافة هو الإيمان.

______________________________

(1) النور/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 23

4- المراد: النساء اللاتي لهنّ المعاشرة من الأقوام و الجيران، دون غيرهن.

لا وجه للرابع و لم يقل به أحد. و أمّا الثالث، فلو صحّ فإنّما هو لأجل إضافة النساء إلى المؤمنات «1»، فيلزم أن يكون المضاف مؤمناً كالمضاف إليه، و لكنّه غير صحيح و إلّا يلزم تخصيص الآباء و الأبناء و غيرهم في قوله: (أَوْ آبٰائِهِنَّ ...) بالمؤمن منهم لإضافتها إلى المؤمنات مثل النساء و هو كما ترى، لأنّه ينتج حرمة ابداء الزينة للأب الكافر مع كون البنت مسلمة. على أنّ التزام

بالوجه الثالث بعيد لكثرة معاشرة النساء المؤمنات مع الكتابيات في عصر الأئمّة عليهم السّلام و كان قسم منهنّ في خدمة بيوتهم. فبقي الاحتمالان و على كلا التقديرين يثبت المطلوب. نعم في صحيحة حفص ابن البختري كراهة الكشف حيث روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا ينبغي للمرأة أن تنكشف بين يدي اليهودية و النصرانية فإنّهنّ يصفن ذلك لأزواجهنّ» «2» و لا بأس بالقول بها في حدّ الكراهة في مظنّة التوصيف لا مطلقاً.

بقي في المقام فرعان:
اشارة

1- نظر الزوج إلى الزوجة و بالعكس.

2- النظر إلى المحارم.

و إليك البيان:

أمّا نظر الزوج إلى الزوجة و بالعكس

فجائز بالضرورة، فللرجل أن ينظر إلى جسد زوجته باطناً و ظاهراً و كذا المرأة بتلذذ و غيره، مضافاً إلى ما تضافر من الروايات من جواز نظر الرجل إلى امرأته و هي عريانة و كراهة النظر إلى الفرج حين الجماع لأنّه يورث العمى كما أنّ التكلّم يورث الخرس في الولد. «3»

______________________________

(1) لأنّ الضمير في «نسائهنّ» يرجع إلى المؤمنات الواردة في صدر الآية: «قل للمؤمنات».

(2) الوسائل: 14، الباب 98 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه، الباب 59 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 24

و يمكن ادّعاء الكراهة مطلقاً في حال الجماع و غيره لأنّ القرآن يعبّر عن العورة بالسوأة و يقول: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطٰانُ لِيُبْدِيَ لَهُمٰا مٰا وُورِيَ عَنْهُمٰا مِنْ سَوْآتِهِمٰا). «1»

و أمّا النظر إلى المحارم

و المراد منها من يحرم عليه نكاحهنّ نسباً أو رضاعاً أو مصاهرة أو ملكاً، فيجوز للرجل النظر إليها ما عدا العورة و الأولى الاكتفاء بما لا يستر عادة عند المحارم و لا خلاف في الجواز، بشرط عدم التلذذ و الريبة لأنّه القدر المتيقن من السيرة. و لكن لا ملازمة بين كونها من المحارم بمعنى حرمة نكاحها و جواز النظر، فانّ أُخت الزوجة يحرم نكاحها و لا يجوز النظر إليها و على ذلك فليس كلّ من يحرم نكاحها يجوز النظر إليها، فلأجل ذلك لا بدّ من التعرّف عليها بدليل آخر.

المسألة الخامسة: فيما إذا اشتبه من يجوز النظر إليه بغيره

اشارة

إذا اشتبه من يجوز النظر إليه فهنا صور:

الأُولى: إذا اشتبه بالشبهة المحصورة وجب الاجتناب عن الجميع لمنجّزية العلم الإجمالي.

و مثله إذا اشتبه من يجب التستّر عنه بين من لا يجب، فيجب التستّر عن الجميع و الأمثلة واضحة.

و إن كانت الشبهة غير محصورة أو بدئيّة فلها صور:

1- إذا شكّ في كونه مماثلًا للناظر أو لا.

2- إذا علم أنّه امرأة و شكّ في كونها من المحارم النسبية.

______________________________

(1) الأعراف/ 20.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 25

3 إذا علم أنّه امرأة و شكّ في كونها من المحارم السببية كالزوجة.

4- إذا علم أنّه امرأة و شكّ في كونها من المحارم الرضاعية.

فذهب المشهور إلى حرمة النظر أو وجوب التستر في الجميع و علّل بوجوه:
الأوّل: التمسّك بعموم العام

أي عموم وجوب الغضّ على الرجال إلّا من المحارم النسبية و السببية، و على النساء إلّا من نسائهن و الرجال المذكورين في الآية، فكلّ فرد علم خروجه منه بعد التخصيص يؤخذ به و إلّا فيبقى تحت العام، فإذا شكّ في كون فرد من مصاديق تلك العناوين يتمسّك بالعام حتّى يثبت خروجه.

يلاحظ عليه: أنّه مبنيّ على القول بصحّة التمسك بالعام في الشبهة المصداقية للمخصِّص و قد تبيّن بطلانه.

و حاصله: أنّ التقييد بالمنفصل، كالتقييد بالمتصل. فالتقييد على كل حال يجعل الموضوع مركّباً من شيئين: ظاهراً كما في المقيّد المتّصل، أو لبّاً كما في المنفصل فإذا قلت: أكرم العالم العادل، أو قال: أعتق رقبة و لا تعتق رقبة كافرة، يكون الموضوع أمراً مركّباً من شيئين فلا يكفي كون الرجل عالماً أو عبداً، بل يجب إحراز كلا القيدين و التخصيص بالمنفصل و إن لم يجعل الموضوع مركّباً من شيئين ظاهراً لكنّه يجعل العام حجّة في غير عنوان الخاص، فإذا قال المولى: أكرم العلماء، ثمّ قال: لا تكرم العالم الفاسق، فالموضوع

حسب اللفظ و حسب الإرادة الاستعمالية هي العلماء لكن العام ليس حجّة فيه. بل حجّة فيه فيما لا يصدق عليه عنوان الخاص (الفاسق).

و إلى هذا يرجع ما ذكره المحقق الخراساني في كفايته حيث قال:

«إنّ الخاص و إن لم يكن دليلًا في الفرد المشتبه فعلًا إلّا أنّه يوجب اختصاص حجّية العام في غير عنوانه من الأفراد فيكون «أكرم العلماء» دليلًا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 26

و حجّة في العالم غير الفاسق. فالمصداق المشتبه و إن كان مصداقاً للعام بلا كلام إلّا أنّه لم يعلم أنّه من مصاديقه بما هو حجّة لاختصاص حجّيته بغير الفاسق». «1»

فنقول في المقام: إنّ قوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) «2» على فرض عمومه لكلّ إنسان مماثل أو غير مماثل، خصّ بالدليل المنفصل و خرج عنه المماثل، فالآية حجّة في الإنسان غير المماثل، و أحد الجزءين و إن أُحرز بالوجدان لكن الجزء الثاني أي كونه غير مماثل بعد غير محرز، و كون الموضوع في الآية مطلق الإنسان و هو محرز لا يكفي في التمسك بها، لأنّها ليست حجّة في موضوعه الأعم بعد التخصيص و إنّما هو حجّة في غير عنوان المخصص و هو عدم عنوان المخصص بعد لم يحرز.

على أنّه يمكن أن يقال: إنّ موضوع العام بعدُ غير محرز، إذ ليس موضوعه مطلق الإنسان، خرج عنه المماثل حتّى يكون المورد المشتبة من حيث التماثل و عدمه من قبيل الشبهة المصداقية للمخصص مع إحراز موضوع العام، بل الموضوع هو الجنس المخالف و غير المماثل، فإذا قيل للرجال: غضّوا أبصاركم، لا يفهم منه إلّا الغضّ عن النساء، و إذا قيل للنساء: غضنَ أبصاركنّ، لا يفهم منه إلّا الغضّ عن

الرجل و القرينة الحالية خصصت العامين بالجنس المخالف، فلو شكّ في كون المنظور إليه مماثلًا أو لا فهو شكّ في تحقّق نفس موضوع العام.

و ربّما يتوهّم من وجود العموم في الآيتين و أنّ الموضوع هو الإنسان بقرينة إخراج النساء بقوله سبحانه: (أَوْ نِسٰائِهِنَّ) و لكنّه مدفوع بأنّ قوله: (أَوْ نِسٰائِهِنَّ) ليس راجعاً إلى الغضّ حتّى يكون مخصِّصاً بالنسبة إليه، بل هو راجع إلى إظهار الزينة فلاحظ قوله سبحانه: (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ

______________________________

(1) الكفاية: 1/ 343342، طبعة المشكيني.

(2) النور/ 30.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 27

أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ ... أَوْ نِسٰائِهِنَّ). «1»

نعم يكون الشكّ في غير «الغضّ» أعني: الأفعال المعطوفة عليها، شكّ في الشبهة المصداقية للمخصّص لأنّ الموضوع فيها هو الإنسان، و بما أنّه محرز و الشكّ في صدق عنوان المخصّص فيكون الشكّ فيها من قبيل الشكّ في الشبهة المصداقية للمخصّص، لا للعام كما في الغضّ، على البيان المذكور أخيراً.

الثاني: التمسك بقاعدة المقتضي و المانع،

و الفرق بينها و بين قاعدة الاستصحاب هو أنّه لو كان الشكّ متعلّقاً ببقاء ما تعلّق به اليقين، كما إذا شكّ في الطهارة بعد اليقين بها، يكون المورد مصداقاً لقاعدة الاستصحاب و أمّا إذا تعدّد المتعلّق، كما إذا شكّ في النوم

______________________________

(1) النور/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 28

بعد الإذعان بالطهارة فهو من مصاديق قاعدة المقتضي و المانع، و على ذلك لو أذعن بالقتل و شكّ في كون المقتول مرتدّاً، أو أيقن بالملاقاة مع النجس، و شكّ في كون الملاقي كرّاً فالجميع من موارد القاعدة فيقال:

المقتضي للقصاص و التنجيس موجود، و الشكّ في وجود المانع من تأثير الارتداد و الكرّية فهو مرفوع بالأصل.

و هذه القاعدة لها جذور في كلمات القدماء و لكن جدّدها المحقّق الشيخ هادي الطهراني قدّس سرّه و استظهرها من روايات الاستصحاب خصوصاً من الصحيحة الأُولى لزرارة.

يلاحظ عليه: أنّ كون مورد الصحيحة من موارد القاعدة لا يقتضي أن تكون القاعدة المجعولة فيها، قاعدةَ المقتضي و المانع و كفى الاستصحاب في عدم وجوب الوضوء مع الشكّ في النوم، لأجل تحقّق أركانه و هو الشكّ في بقاء الوضوء بعد الإذعان به، لا لأجل إحراز المقتضي و الشكّ في المانع نعم صار الشكّ في النوم سبباً للشكّ في نفس الطهارة، و المعنى: لا تنقض اليقين بالطهارة بالشكّ فيها و إن كان هذا الشكّ ناشئاً من الشكّ في تحقق رافعها. و التفصيل موكول إلى محلّه.

هذا كلّه حول نفس القاعدة و على فرض صحّتها فهي غير تامّة في الصورة الأُولى، لعدم إحراز المقتضي و هو كون المرئي غير مماثل مع الناظر. نعم تتم القاعدة على فرض صحّتها في الصور الباقية.

الثالث: إحراز عدم عنوان المخصص بالأصل الموضوعي،

فانّ التمسك بالعام و إن كان غير جائز لكن العنوان الوارد في المخصِّص إذا كان وجودياً يمكن إحراز عدمه بالأصل فأحد الجزءين يحرز بالوجدان و هو كونه إنساناً، و الآخر أعني: عدم كونه مماثلًا، أو أُختاً نسبية أو رضاعية أو زوجة بالأصل، فانّ الأصل عدم تحقّق هذه الأُمور و هذا ما يسمّى بأصل العدم الأزلي، و يقال في المثال المعروف: «المرأة ترى الدم إلى خمسين إلّا القرشية فانّها ترى الدم إلى ستّين»: الموضوع للعام بعد التخصيص هي المرأة غير القرشية، فالأوّل محرز بالوجدان و الثاني محرز بأصالة عدم كونها قرشية حيث إنّها عند

ما لم تكن، كانت فاقدةً للوجود و وصفها (القرشية) و بعد التكوّن نشكّ في انقلاب وصفها إلى الوجود، فالأصل بقاؤها على ما كانت.

يلاحظ عليه: أنّ الأصل الأزلي مضافاً إلى كونه بعيداً عن الأذهان العرفية إذ لا يراه العرف مصداقاً لقوله: لا تنقض، إذا لو خالفه و قال بقرشيتها، فلا يقال إنّه نقض يقينه بالشكّ و إنّما يقال: إنّه حكم بلا علم و قضى بلا دليل أنّ الأصل المزبور مثبت فإنّ العدم المحمولي الذي يجتمع مع عدم الموضوع و إن كانت له حالة سابقة لكنّه ليس موضوعاً للحكم، و العدم النعتي الذي هو موضوع له، ليس له حالة سابقة. فالموضوع لرؤية الدم هي المرأة غير القرشية فهي ترى الدم إلى خمسين، و بعبارة أُخرى العدم المأخوذ في الموضوع عدم نعتي لا محمولي،

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 29

و المستصحب عدم محمولي لا نعتي.

توضيحه: أنّه يجب تنقيح ما هو الموضوع في جانب المستثنى منه في قولنا: «كلّ امرأة تحيض إلى خمسين إلّا القرشية» فانّها تحيض إلى ستّين فنقول: الموضوع في المقام له خصوصيتان، بمعنى أنّه مركّب من قيدين: 1 المرأة. 2 لم تكن قرشية، و بما أنّ الحكم الواحد أعني: ترى، أو (تحيض) يطلب لنفسه موضوعاً واحداً يجب أن تكون بين جزءين صلة و ربط. فلا مناص من أن يكون الجزء الثاني وصفاً له، حتى يقع بوحدته موضوعاً لحكم واحد و عند ذاك يصبح العدمُ عدماً نعتياً له، لا محمولياً فيكون الموضوع للدليل الاجتهادي «المرأة الموصوفة بأنّها لم تكن قرشية» لا (المرأة+ لم تكن قرشية بلا توصيف) و الأوّل ممّا لا سابقة له، فكيف يستصحب. و تصوّر أنّ العدم محمولي، غير تامّ لأنّه يستلزم

فقدان الصلة بين جزئي الموضوع و هو ينافي وحدة الحكم المقتضية لوحدة الموضوع، و عند ذلك يصبح الاستصحاب الأزلي في أمثال المقام مردّداً بين ما ليس موضوعاً للحكم (العدم المحمولي) و ما ليس له حالة سابقة (العدم النعتي).

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي دام ظلّه ممن أصرّ على صحّة ذلك الاستصحاب في تعليقته على «أجود التقريرات»، و محاضراته العلمية المختلفة، و في كتاب مستند العروة، و حاصل ما أفاد في الذبّ عن الإشكال يتلخّص في وجهين:

1- الإشكال وارد فيما إذا علم أنّ العدم مأخوذ على نحو النعتية، لظهور الدليل أو لجهة أُخرى نظير ما لو أجرى استصحاب عدم البصر في المشكوك كونه أعمى أو بصيراً فانّه لا يثبت كونه أعمى، و لكنّه في المورد غير تام، فانّه إنّما يتمّ في جانب المستثنى لا في جانب المستثنى منه، فإذا قيل: المرأة ترى الدم إلى خمسين إلّا القرشية، فالموضوع في جانب المستثنى هي المرأة الموصوفة بالقرشية، و أمّا في جانب المستثنى منه فليس الموضوع هو الفرد المتّصف بعدم الوصف المأخوذ في

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 30

المستثنى فانّه يحتاج إلى العناية و التكلّف و لا يقتضيه الدليل بنفسه، إذ أنّ الاستثناء لا يقتضي إلّا خروج العنوان المذكور المستثنى من الحكم الثابت للمستثنى منه. و أمّا اتّصاف المستثنى منه بعنوان آخر مضادّ للمستثنى فليس فيه اقتضاء لذلك، و عليه يكون الباقي تحت العام بعد الاستثناء في قولنا: «كلّ امرأة تحيض إلى خمسين إلّا القرشية» هي المرأة التي لا تكون قرشية على النحو السالبة المحصّلة بمعنى أنّ موضوع الحكم إنّما هي المرأة التي لا تتّصف بالقرشية لا المرأة المتّصفة بأنّها ليست قرشية.

و بعبارة أُخرى: الذي يقتضيه الاستثناء

إنّما هو كون الموضوع مقيّداً بكونه ليس من المستثنى فيكون القيد عدمياً لا محالة. أمّا كونه مقيّداً باتّصافه بأنّه غير المستثنى بحيث يكون القيد وجوديّاً، فهو بحاجة إلى عناية زائدة و لا يقتضيه الاستثناء.

2- أنّ العدم يستحيل أن يكون نعتاً و وصفاً لشي ء إذ لا وجود له كي يكون كذلك، و إنّما يؤخذ على نحو من العناية بأن يلحظ أمر وجودي ملازم له، فيكون ذلك الأمر الوجودي نعتاً له و إلّا فالعدم غير قابل للناعتية. «1»

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ الباقي تحت المستثنى منه هو العدم النعتي لا العدم المحمولي، و ذلك لأنّ وحدة الحكم تكشف عن وحدة الموضوع فانّ الحكم في جانب المستثنى منه واحد و هو «ترى» فيجب أن يكون الموضوع أيضاً واحداً و الجزءان عبارة عن امرين: 1 المرأة 2 التي لا تكون قرشية، و عندئذ إمّا أن يلاحظ كل من الجزءين أمراً مستقلًا من دون ارتباط الثاني بالأوّل، أو لا، فعلى الأوّل يكون الموضوع متكثّراً يستتبع تعدّد الحكم و هو خلف، و على الثاني يجب أن يكون بينهما ربط وصلة بأن يكون الثاني من متمّمات الأوّل و قيوده و هو عين كونه وصفاً و نعتاً،

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 1/ 123122، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 31

و إلّا يلزم أن تكون «المرأة» بوحدتها و «التي لا تكون قرشية» باستقلالها من دون أن يكون بينهما صلة و اتصال، موضوعاً للحكم الواحد و هو غير متصوّر.

و بعبارة أُخرى: إمّا أن يلاحظ كلّ مستقلًا و أن يكون وزان الثاني إلى المرأة كوزان سائر الأُمور غير المرتبطة بالمرأة فيستحيل أن يقع مثل ذلك موضوعاً لحكم واحد، و إمّا أن يلاحظا مرتبطين و

لا معنى للارتباط سوى كون الثاني من قيود الأوّل و متمّماته و حالاته و صفاته.

و ثانياً: أنّ ما أفاد من البرهان العلمي من أنّ العدم يستحيل أن يكون وصفاً و نعتاً إلخ، فهو خلط بين التكوين و الاعتبار ففي عالم الاعتبار يصحّ أن تقع السالبة المحصلة وصفاً للموضوع و الاعتبار خفيف المؤنة.

نعم العدم في صفحة التكوين، أمر باطل لا يمكن أن يحكي عن واقعية حتّى يقع وصفاً و لكن البحث في لسان التشريع و الاعتبار فله أن يأخذ الأمر السلبي وصفاً للموضوع و إلّا لما صحّ جعل المعدولة وصفاً مثل قوله: زيد اللاكاتب، مع أنّ حقيقة اللاكاتب ليس إلّا أمراً عدمياً يكون محصله عدم القدرة على الكتابة. هذا و قد بسطنا الكلام في المقام عند البحث عن تنقيح حال موضوع المخصص بالأصل، في علم الأُصول، فلاحظ.

الرابع: ما أفاده المحقق النائيني ره في تعليقته على العروة الوثقى

قال: يدلّ نفس هذا التعليق على إناطة الرخصة و الجواز بإحراز ذلك الأمر و عدم جواز الاقتحام عند الشكّ فيه فيكون من المداليل الالتزامية العرفيّة. و أوضحه تلميذه الكاظمي في تقريراته عند البحث عن البراءة و قال: إنّ تعليق الحكم على أمر وجودي يقتضي إحرازه فمع الشكّ في تحقّق ذلك الأمر الوجودي الذي علّق الحكم عليه يبنى ظاهراً على عدم تحقّقه لا من جهة استصحاب العدم، إذ ربّما لا يكون لذلك الشي ء حالة سابقة قابلة للاستصحاب بل من جهة الملازمة العرفية

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 32

بين تعليق الحكم على أمر وجودي و بين عدمه عند عدم إحرازه. و هذه الملازمة تستفاد من دليل الحكم و لكن لا ملازمة واقعية بل ملازمة ظاهرية، أي في مقام العمل يبنى على عدم الحكم مع الشكّ في وجود

ما علّق الحكم عليه.

و يترتّب على ذلك فروع مهمّة:

منها: البناء على نجاسة الماء المشكوك الكرّية عند ملاقاته للنجاسة مع عدم العلم بحالته السابقة، لأنّه يستفاد من دليل الحكم أنّ العاصمية إنّما تكون عند إحراز الكرّية لا من جهة أخذ العلم و الإحراز في موضوع الحكم بل من جهة الملازمة العرفية الظاهرية.

و منها: أصالة الحرمة في باب الدماء و الفروج و الأموال. فانّ الحكم بجواز الوطء، مثلًا قد علّق على الزوجية و ملك اليمين، و الحكم بجواز التصرّف في الأموال قد علّق على كون المال ممّا أحلّه اللّه كما في الخبر: لا يحلّ مال إلّا من وجه أحلّه اللّه، فلا يجوز الوطء أو التصرّف في المال مع الشكّ في كونها زوجة أو ملك اليمين أو الشكّ في كون المال مما قد أحلّه اللّه. «1»

أقول: إنّ ما أفاده و إن كان متيناً لكنّه يختصّ بما إذا كان طبع القضية يقتضي الاجتناب إلّا إذا دلّ دليل على الجواز ففي تلك الموارد، يكون الاجتناب أصلًا محكّماً في موارد الشبهة و لا يجوز الاقتحام إلّا إذا كان هناك دليل واضح و إن كانت الشبهة موضوعية، و على ذلك جرت سيرة الفقهاء، في أبواب الفقه و لعلّه أصل عقلائي في حياتهم و إليك بعض الأمثلة:

1- التصرّف في الوقف بالبيع و الهبة فإنّ الحكم الأوّلي فيه البطلان إلّا إذا أُحرز المجوّز، فلو قام رجل ببيعه لا يصحّ لنا منه الشراء إلّا بعد الوقوف على المجوّز و ليس المورد من موارد أصالة الصحّة، لأنّ الحظر في بيع الوقف غالب على إباحته،

______________________________

(1) فوائد الأُصول: 3/ 140، بحث البراءة (ص 384 من الطبعة الجديدة).

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 33

فالإباحة بالنسبة إلى

التحريم نادر.

2- التصرّف في مال اليتيم بالبيع و الشراء ممنوع ذاتاً إلّا إذا أُحرز المجوّز، فلو قام غير الولي ببيعه و إن احتمل وجود المسوّغ، لا يجوز لنا منه الشراء إلّا بعد الوقوف على المسوّغ، لأنّ الغالب في التصرّف في أموال الأيتام هو الحظر و لا يكون الموردان من مجاري أصالة الصحّة، مع أنّ ذلك البائع لو قام بالصلاة على الميّت و احتملنا فساد صلاته، يحمل عمله على الصحّة إذ ليس الفساد غالباً في الصلاة على الميّت.

3- الأصل في اللحوم هو حرمة الأكل و الحلال منه بالنسبة إلى المحرّم، قليل جدّاً فليس لنا الاقتحام على الأكل و إن كانت الشبهة موضوعية، و على ذلك جرت سيرة الفقهاء من هذه الأبواب، و نظائرها و لذلك ترى أنّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه يقول في فرائده عند البحث عن أصالة الصحّة: و أولى بعدم الجريان ما لو كان العقد في نفسه لو خلّي و طبعه مبنياً على الفساد بحيث يكون المصحِّح طارئاً عليه كما لو ادّعى بائع الوقف وجود المصحّح له و كذا الراهن أو المشتري من الفضولي إجازة المرتهن و المالك. «1»

و على ذلك فيجب التفريق بين الصور، ففي ما إذا شكّ في كون المرئي مماثلًا أو مخالفاً، لا يحكم بالتحريم إذ ليس نظر الإنسان إلى الإنسان محكوماً بالتحريم خرج عنه ما خرج، بل النظر على قسمين قسم جائز و قسم منه غير جائز و كلا الحكمين بالنسبة إلى المورد المشكوك سواء.

و هذا بخلاف ما إذا أُحرز أنّه امرأة فشكّ في كونها محرماً لأجل العلاقة النسبية أو السببية أو اللحمة الرضاعية، فالأصل الأوّلي هو التحريم حتى يثبت الجواز، أضف إلى ذلك وجود الأصل الحاكم المحرز لموضوع العام

المحرّم في بعض

______________________________

(1) الفرائد: بحث أصالة الصحّة، التنبيه الثالث.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 34

الصور: كأصالة عدم الزوجية أو عدم تحقق الرضاع المحرّم. نعم لو شكّ في كونه من المحارم النسبية فليس هناك أصل منقّح للموضوع لأنّ المرأة من أوّل يوم إمّا أُخت للرائي أو لا، و أمّا الصور الباقية فإليك البيان.

إذا شكّ في كون المرئي إنساناً أو حيواناً أو شجراً. لا ينبغي الشكّ في الجواز لعدم إحراز الموضوع و هو كونه إنساناً فضلًا عن كونه امرأة كما أنّه إذا شكّ في كون المرأة بالغة أو لا، فالظاهر هو الحكم بجواز النظر لاستصحاب عدم البلوغ المنقّح للموضوع. و منه يعلم إذا شكّ في كونها مميّزة أو لا فالأصل هو عدم التميز.

المسألة السادسة: في نظر الرجل إلى الأجنبية

قال المحقق: و لا ينظر الرجل إلى الأجنبية أصلًا إلّا لضرورة.

أقول: الحكم من الضروريات، فهو من ضروريات الفقه، أو ضروريات المذهب، و على حدّ قول الجواهر من ضروريات الدين، و على قوله يكون المنكر محكوماً بالكفر، لكنّه مبنيّ على كونه من ضروريات الدين لا من ضروريات الفقه و بينهما فرق، ففي الكتاب و السنّة نصوص كافية.

1- قوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ). «1»

الغض في الأصل بمعنى الكفّ و النقصان و هو غير الغمض الذي هو ضمّ الجفان يقال: ما ذقت غمضاً من النوم و لا غماضاً، أي كقدر ما تغمض فيه العين. و الغض هو نقصان النظر و إدناء الجفان، و الغمض هو ضمّها. «2»

______________________________

(1) النور/ 30.

(2) مقاييس اللغة: 4/ 383 و 396.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 35

و أمّا دخول لفظة (مِنْ) على قوله

(أَبْصٰارِهِمْ*) ففيه وجهان:

أ: ما ذكره الزمخشري و قال: «من» للتبعيض و المراد غضّ البصر عمّا يحرم و إنّما دخلت في غضّ البصر دون حفظ الفرج، لأجل دلالة أنّ أمر النظر أوسع، لأنّ المحارم لا بأس بالنظر إلى شعورهنّ و صدورهنّ و أمّا الفرج فالأمر فيها غير موسّع.

ب: يمكن أن يكون الوجه الإشارة إلى أنّ المراد من الغضّ هو نقصان النظر، لا ضمّ العيون و الأبصار، و على ذلك فالآية تشير إلى أنّ الواجب على المؤمنين نقص النظر و كفّه، بمعنى التبعيض في عمل العين و إبصارها فلا يفتحون العيون و الأجفان بل يدنونها فلأجل ذلك دخلت «من» الدالّة على التبعيض في الرؤية و المرئي.

فإن قلت: فعلى ذلك يكون المعنى هو النهي عن النظر الدقيق، لا النظر المسامحي و هذا ممّا لم يقل به أحد من الفقهاء فانّ النظر إلى الأجنبية حرام مطلقاً، كان على وجه الدقة أو غيره.

قلت: إنّ تنقيص النظر كناية عن عدم النظر إلى المرأة بمعنى عطف النظر إلى نقطة أُخرى كالأمام بعد النظرة الاتفاقية حتّى يعطى للنظر بذلك نقصاناً و كفّاً و لأجل ذلك لا يتبادر في الأوساط العربية من قوله: «غضّ بصرك» إلّا عدم النظر إلى المنهي عنه بعطف النظر إلى موضع آخر، و لا يتبادر منه غمض العين و طبق الجفنين حتّى لا يرى شيئاً و هذا هو مفاد الآية.

و على كلّ تقدير فالآية تدلّ بوضوح على حرمة النظر إلى المرأة خرج عنه ما خرج.

2- قوله سبحانه: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ) «1» فالآية

______________________________

(1) النور/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 36

تدلّ على ستر الزينة و حرمة إبدائها، و من المعلوم أنّه لا

موضوعية للستر إلّا لأجل حرمة نظر الرجل إليها. اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ النسبة بين وجوب الستر و حرمة النظر هو العموم من وجه، فتارة تجتمعان كما في غير الوجه و الكفّين من الأجنبية، و أُخرى يجوز النظر مع وجوب الستر كما في الكتابية و ثالثة يحرم النظر مع عدم وجوب الستر كما في المجنونة.

3- ما دلّ على جواز النظر لمن يريد أن يتزوّج، و ما دلّ على جواز النظر إلى الكتابيات و أهل البوادي و لو لا حرمة النظر إلى الأجنبية لما كان لهذه الروايات وجه فهي تدلّ على أنّ الأصل هو حرمة النظر إلّا في هذه الموارد.

4- الروايات الواردة حول النظر و أنّه سهم من سهام إبليس. «1» فإنّ أحاديث الباب و إن لم تخل عن علّة و لكن المجموع يفيد الاطمئنان بصدور مضمونها عن الأئمّة عليهم السّلام و القدر المتيقّن هو النظر مع الالتذاذ و الشهوة، لكن إطلاق غيرها يكفي في إثبات حرمة النظر مطلقاً.

المسألة السابعة: في النظر إلى الوجه و الكفّين منها

اشارة

«2» قال المحقّق: «و يجوز أن ينظر إلى وجهها و كفّيها على كراهية و لا يجوز معاودة النظر».

أقول: إنّ المسألة مع كونها عامة البلوى لم يهتمّ المتقدّمون لبيان حكمها فلم يتعرّض الصدوق لها في المقنع، و لا المرتضى في الانتصار، و المسائل الناصريات،

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 104، من أبواب مقدّمات النكاح.

(2) هنا مسألتان: 1 هل يجب على المرأة ستر الوجه و الكفّين أو لا؟ 2 هل يجوز للأجنبي النظر إليهما إذا كانتا مكشوفتين و المسألتان مخلوطتان في كلمات القوم و لو كانت المسألتان محرّرتين بحيالهما لكان أحسن و سوف نشير في ثنايا البحث إليهما.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 37

و لا القاضي في جواهر

الفقه، و لا سلّار في المراسم، و لا الشيخ علاء الدين أبو الحسن علي بن الحسن الحلبي في إشارة السبق، و لا ابن زهرة في الغنية، و لا ابن حمزة في الوسيلة، و لا المحقّق في نكت النهاية، و لا يحيى بن سعيد في الجامع للشرائع، و لعلّهم اكتفوا بما دلّ من الإطلاقات على وجوب الغضّ عن الأجنبية مطلقاً، إلّا أنّ الشيخ في المبسوط أفتى بكراهة النظر و قال: «لا تحلّ للأجنبي أن ينظر إلى أجنبية لغير حاجة و سبب، فنظره إلى ما هو عورة منها محظور، و إلى ما ليس بعورة مكروه، و هو الوجه و الكفّان لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ). و روى أنّ الخثعمية أتت رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في حَجَّة الوداع تستفتيه في الحَجّ و كان الفضل بن عبّاس رديف النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فأخذ ينظر إليها و أخذت تنظر إليه فصرف النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وجه الفضل عنها و قال: «رجل شاب و امرأة شابة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان».

و روي أنّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال لعلي عليه السّلام: «لا تتبع النظرة النظرة فإنّ الأُولى لك و الثانية عليك». «1»

و أمّا غير الشيخ و حتّى نفسه في غير المبسوط فلم يتعرّضوا للمسألة، نعم ذكروا جواز النظر عند التزويج و إليك كلماتهم في ذلك المقام:

1- قال المفيد في المقنعة في باب نظر الرجل إلى المرأة قبل أن يتزوّجها و ما يحلّ له من ذلك و ما لا يحلّ: «إذا أراد الرجل أن يعقد على امرأة فلا حرج عليه أن ينظر إلى

وجهها قبل العقد و يرى يديها بارزة من الثوب و ينظر إليها ماشية في ثيابها، و إذا أراد ابتياع أمة نظر إلى وجهها و شعر رأسها و لا يحلّ له أن ينظر إلى وجه امرأة ليست بمحرم ليتلذذ بذلك دون أن يراها للعقد عليها». «2»

______________________________

(1) المبسوط: 4/ 160.

(2) المقنعة: 521.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 38

2- قال الشيخ: لا بأس أن ينظر الرجل إلى وجه امرأة يريد العقد عليها: يديها و وجهها و يجوز أن ينظر إلى مشيها و إلى جسدها من فوق ثيابها و لا يجوز له شي ء من ذلك إذا لم يرد العقد عليها، و لا بأس أن ينظر الرجل إلى أمة يريد شراءها و ينظر إلى شعرها و محاسنها و لا يجوز له ذلك إذا لم يرد ابتياعها» «1» فقوله: «لا يجوز شي ء من ذلك» يشمل الوجه و الكفّين.

3- قال القاضي ابن البرّاج في المهذّب: «و يجوز للرجل النظر إلى وجه المرأة التي يريد العقد عليها و إلى محاسنها و جسمها من فوق ثيابها فإن لم يكن مريداً للعقد عليها لم يجز شي ء من ذلك و كذلك يجوز له في الأمة التي يريد ابتياعها فإن لم يرد ابتياعها لم يجز شي ء من ذلك أيضاً». «2»

فإنّ تخصيص جواز النظر إلى الوجه بصورة إرادة التزويج أو الابتياع دالّ على المنع في غير هاتين الصورتين.

4- و قال الحلبي: و لا يحلّ لأحدهما ذلك (النظر إلى وجهها و بدنها) من دون إرادة التزويج. «3»

5- و قال ابن حمزة في الوسيلة: و إذا زوّج الرجل جارية من الغير لم يجز له أن ينظر إليها منكشفة و إذا بانت منه جاز له ذلك. «4»

إلى هنا

لم نقف على أحد من القدماء ممّن يصرّح بجواز النظر إلّا ما عرفت من المبسوط، فهم بين ساكت عن الإشارة إلى المسألة أو مطلق حرمة النظر الشامل لهما.

6- نعم أوّل من عنون المسألة بصراحة بعد الشيخ الطوسي في المبسوط و أفتى بالجواز مع كراهية هو المحقّق فجوّز النظر الأُولى، دون الثانية و قد عرفت كلامه.

______________________________

(1) النهاية: 484.

(2) المهذّب: 2/ 221.

(3) الكافي: 296.

(4) الوسيلة: 75.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 39

7 و تبعه العلّامة في القواعد: حيث قال: و لا يحلّ النظر إلى الأجنبية إلّا لضرورة كالشهادة عليها و يجوز إلى وجهها و كفّيها مرّة واحدة لا أزيد. «1»

8- و مع ذلك فقد أفتى في التذكرة بخلاف ما قال به في القواعد فقال فيها:

النظر إمّا أن يكون لحاجة أو لا، «القسم الأوّل»: أن لا يكون لحاجة فلا يجوز للرجل النظر إلى الأجنبية التي لا يريد نكاحها في ما عدا الوجه و الكفّين، فأمّا الوجه و الكفّان فإن خاف الفتنة حرم أيضاً، لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ) و إن لم يخف الفتنة قال الشيخ رحمه اللّه: إنّه يكره و ليس بمحرّم لقوله تعالى: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) و هو مفسّر بالوجه و الكفّين و هو قول أكثر الشافعية، و لهم قول آخر أنّه يحرم إلى أن قال: و هو الأقوى عندي و ليس المراد من الكفّ مجرّد الراحة بل من رءوس الأصابع إلى المعصم، و للشافعية وجه و هو أنّه يختصّ الحكم بالراحة و أخمص القدمين. «القسم الثاني»: أن يكون هناك حاجة إلى النظر فيجوز إجماعاً. كمن يريد نكاح امرأة. «2»

9- و قال الشهيد في اللمعة: و لا

ينظر الرجل إلى الأجنبية إلّا مرّة من غير معاودة إلّا لضرورة كالمعاملة و الشهادة عليها و العلاج. «3»

10 و اختار المحدّث البحراني: الجواز استناداً إلى روايات ظاهرة في استثناء الوجه و الكفّين. «4»

1- 1 و اضطرب كلام السيد الطباطبائي قدس اللّه سره فاختار المنع في باب النكاح و أفتى بالجواز في كتاب الصلاة في باب الستر و قال: «و يجب ستر المرأة تمام

______________________________

(1) إيضاح القواعد: 3/ 7، قسم المتن.

(2) التذكرة: 2، كتاب النكاح، المقدّمة الثامنة في النظر.

(3) الروضة البهية: 2/ 54.

(4) الحدائق: 23/ 855.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 40

بدنها عن ما عدا الزوج و المحارم إلّا الوجه و الكفّين مع عدم التلذذ و الريبة».

2- 1 و قال السيد الفقيه الاصفهاني: و يحرم النظر إلى الوجه و الكفّين إذا كان بتلذذ و ريبة و أمّا بدونها ففيه قولان بل أقوال: الجواز مطلقاً و عدمه مطلقاً، و التفصيل بين نظرة واحدة فالأوّل و تكرار النظر فالثاني. و أحوط الأقوال بل أقواها أوسطها. «1»

3- 1 و اختاره السيد الأُستاذ ره إلّا أنّه جعل الأوسط أحوط الأقوال لا أقواها. و هذا يعرب عن كون الأقوى عنده هو الأوّل.

و هذه الآراء المختلفة تكشف عن عدم وجود إجماع في المسألة على واحد من الأقوال، و الأقوال تستمدّ من الكتاب و السنّة حسب الاستنباط.

و أمّا أهل السنّة، فقال ابن قدامة في المغني: فأمّا نظر الرجل إلى الأجنبية من غير سبب، فانّه محرّم إلى جميعها في ظاهر كلام أحمد، قال أحمد: لا يأكل مع مطلّقته، هو أجنبي لا يحلّ له أن ينظر إليها، كيف يأكل معها، ينظر إلى كفّها؟ لا يحلّ له ذلك. و قال القاضي: يحرم عليه

النظر إلى ما عدا الوجه و الكفّين لأنّه عورة، و يباح له النظر إليهما مع الكراهة إذا أمن الفتنة و نظر لغير شهوة. و هذا مذهب الشافعي لقول اللّه تعالى: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) قال ابن عبّاس: «الوجه و الكفّين» و روت عائشة: أنّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في ثياب رقاق فأعرض عنها، و قال: يا أسماء إنّ المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلّا هذا و هذا و أشار إلى وجهه و كفّيه رواه أبو بكر و غيره، و لأنّه ليس بعورة فلم يحرم النظر إليه بغير ريبة كوجه الرجل. «2»

______________________________

(1) وسيلة النجاة: 303 كتاب النكاح، و لاحظ تحريرها.

(2) المغني لابن قدامة: 7/ 2322.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 41

أدلّة المجوّزين
اشارة

استدل المجوّز بوجوه نأتي بها:

1- قوله سبحانه: (وَ قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلىٰ جُيُوبِهِنَّ وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ). «1»

و محلّ الاستشهاد هو قوله: (إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) حيث فسّر في الروايات بالوجه و الكفّين و على ذلك فأُطلق الحالّ (كالكحل و الخاتم) و أُريد المحلّ أي مواضع الزينة بجهة أنّ إبداء الزينة بما هو ليس بمحرّم. فتعيّن أن يكون المراد مواضعها و هو الوجه و الكفّين، لوجود الاتفاق على حرمة إبداء غيرهما. و لا يخفى ما في الاستدلال من النظر من وجهين:

1- إنّ إطلاق الزينة و إرادة مواضعها غير متعارف في القرآن الكريم و لا تجد له نظيراً في استعمالاته و إليك ما ورد

فيه ما يناسب المقام، قال سبحانه: (وَ قٰالَ مُوسىٰ رَبَّنٰا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً) «2» و قال سبحانه: (يٰا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). «3»

و قال سبحانه: (فَخَرَجَ عَلىٰ قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ). «4»

و نفس الآية: (وَ لٰا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مٰا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)، و المراد هو الخلخال، و على ذلك فلا وجه لتفسير الزينة بمواضعها مع كون الاستعمال غريباً.

فإن قلت: إنّ الداعي إلى هذا التفسير هو كون إبداء نفس الزينة بلا إبداء

______________________________

(1) النور/ 31.

(2) يونس/ 88.

(3) الأعراف/ 31.

(4) القصص/ 79.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 42

موضعها جائزاً بالاتّفاق و لا يحتاج مثله إلى الاستثناء فلأجل ذلك فسّر بإبداء مواضعها.

قلت: إنّ هنا احتمالًا ثالثاً، و هو أنّ المراد ليس نفس المواضع، و لا نفس الزينة مجرّدة، بل نفس الزينة إذا تحلّت بها المرأة فما ظهر منها يجوز، و ما لم يظهر لا يجوز، و جواز إظهارها لا يلازم جواز إظهار الوجه و الكفّين.

2- كما يحتمل أن يكون المراد من الزينة الكحل و الخاتم و نظائرهما ممّا يلازم إبدائها عند التحلّي بهما إبداءَ مواضعها كذلك يحتمل أن يكون المراد، الثياب الفاخرة التي تظهر بنفسها، و لا يلازم إبداؤُها إبداءَ موضع من مواضع بدنها، فتصير الآية مجملة من جهة المصداق فلا بدّ من الرجوع إلى الأخبار، فإن تمّت، و إلّا فلا تكون الآية سنداً للجواز. و سيوافيك البحث في الروايات.

ثمّ إنّ المحقّق الخوئي دام ظلّه استشكل على الاستدلال بالآية حتّى بعد ثبوت كون المراد من المستثنى هو الوجه و الكفّان قائلًا بأنّ البداء بمعنى الظهور كما في قوله تعالى: (فَبَدَتْ لَهُمٰا سَوْآتُهُمٰا) و الإبداء بمعنى الإظهار فإذا كان متعلّقاً

بشي ء و لم يكن متعدّياً باللام يكون في مقابل الستر، و إذا كان متعدّياً باللام كان في مقابل الإخفاء بمعنى الإعلام و الإراءة، كما يقال: يجب على الرجل ستر عورته و ليس له إظهارها فيما إذا كان يحتمل وجود ناظر محترم، و كذلك يقال: إنّ بدن المرأة كلّه عورة، فيراد به ذلك. و أمّا إذا قيل: أبديت لزيد رأيي أو مالي، فمعناه أعلمته و أريته.

و من هنا يظهر معنى الآية الكريمة. فإنّ قوله عزّ و جلّ أوّلًا: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) باعتبار عدم اقتران الفعل باللام إنّما يفيد وجوب ستر البدن الذي هو موضع الزينة و حرمة كشفه ما عدا الوجه و اليدين لأنّهما من الزينة الظاهرة، فيستفاد منه أنّ حال بدن المرأة حال عورة الرجل لا بدّ من ستره بحيث

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 43

لا يطّلع عليه غيرها باستثناء الوجه و اليدين فانّهما لا يجب سترهما، لكنّك قد عرفت أنّ ذلك لا يلزم جواز نظر الرجل إليهما، في حين أنّ قوله عزّ و جلّ ثانياً: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ ...) باعتبار اقتران الفعل باللام يفيد حرمة إظهار بدنها و جعل الغير مطلعاً عليه و إراءته مطلقاً من دون فرق بين الوجه و اليدين و غيرهما إلّا لزوجها و المذكورين في الآية الكريمة.

فيتحصل من جميع ما تقدّم أنّ الآية الكريمة بملاحظة النصوص الواردة في تفسير الزينة تفيد حكمين:

الأوّل: حكم ظهور الزينة في حدّ نفسه فتفيد وجوب ستر غير الظاهرة منها دون الظاهرة التي هي الوجه و اليدان.

الثاني: حكم إظهار الزينة للغير فتفيد حرمته مطلقاً من دون فرق بين الظاهرة و الباطنة إلّا للمذكورين في

الآية الكريمة حيث يجوز لها الإظهار لهم.

و حيث عرفت أنّ حرمة الإظهار، و وجوب التستر تلازم حرمة النظر إليها فتكون الآية الكريمة أولى بالاستدلال بها على عدم الجواز من الاستدلال بها على الجواز. «1»

يلاحظ عليه: أمّا أوّلًا: فلأنّ التفريق بين الجملتين في آية واحدة (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) و (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ) بأنّ المراد من الأُولى هو لزوم ستر الزينة إلّا ما ظهر، و من الثانية هو حرمة الإبداء و الإظهار للغير خلاف الظاهر، فانّ هنا حكماً واحداً و هو إبداء الزينة للغير فيحرم إبداؤها إلّا ما ظهر منها و هو مفاد الجملة الأُولى و يستثنى ممّا يحرم إبداؤه لهم، الزوج و المذكورون في الآية و هو مفاد الجملة الثانية، فكأنّه قال: يحرم إبداء الزينة إلّا ما ظهر منها و يستثنى من تحريم الإبداء البعول و ... فالتفكيك بين الجملتين

______________________________

(1) مستند العروة: 1/ 55، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 44

بصرف الأُولى إلى لزوم الستر، و الثانية إلى حرمة إبداء الزينة. كما ترى.

و بعبارة أُخرى إنّ الجملة الأُولى تكون بصدد بيان ما كانت الثانية في مقام بيانه و هو تحديد الإبداء و الإظهار، غاية الأمر، الأُولى يحدده من حيث الموضوع، و الثانية من حيث الناظر، و الثانية مكملة للأُولى و مفادهما: يحرم إبداء الزينة و إظهارها إلّا ما ظهر منها و يحرم إبداء غير ما ظهر منها إلّا للمذكورين في الآية.

ثمّ إنّه ما ذا يراد من وجوب ستر بدن المرأة فإن أريد مع عدم وجود الناظر فالقول بوجوبه عجيب، حتّى في عورة الرجل فضلًا عن بدن المرأة مع استثناء الوجه و

الكفّين. و العجب أنّه ملتزم بذلك حيث يقول بعد صحائف: أفاد الحكم الأوّل أنّ بدن المرأة ما عدا الوجه و الكفّين كعورة الرجل يجب ستره في نفسه و لا يتوقّف صدق عنوان البدء و الإبداء على وجود الناظر. «1»

و إن أُريد منه مع وجوده فهو يرجع إلى الإظهار و الإبداء فيحرم عليها إبداء زينتها لغير من استثنى و ليس حكماً مستقلًا وراء مفاد الجملة الثانية.

و ثانياً: أنّ ما ذكره من الضابطة منقوض بالآيات التالية التي استعملت فيها لفظة الإبداء بدون اللام و أُريد منه الإظهار ضدّ الإخفاء لا ضدّ الستر، قال سبحانه: (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِكُلِّ شَيْ ءٍ عَلِيماً). «2»

و قال سبحانه: (تَجْعَلُونَهُ قَرٰاطِيسَ تُبْدُونَهٰا وَ تُخْفُونَ كَثِيراً). «3»

و الظاهر أنّ المراد من اللفظة في كلا المقامين أمر واحد و هو إبداء الزينة و إظهارها فلو كان المستثنى في الجملة الأُولى، خصوص الزينة الظاهرة يكون المراد منها حرمة إبداء ما عدا الزينة الظاهرة لغير المذكورين في الآية لا وجوب الستر في نفسه.

______________________________

(1) مستند العروة، ص 60، كتاب النكاح.

(2) الأحزاب/ 54.

(3) الأنعام/ 91.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 45

و لأجل الاحتمالين، يجب في رفع الابهام عن الاستثناء الوارد في الآية إمعان النظر في الروايات الواردة في تفسير الآية من حيث إتقان الدلالة و صحّة السند.

فنقول: قد وردت في المقام روايات تفسّر «ما ظهر» تارة بالوجه و الكفّين و القدمين، و أُخرى بالزينة الموجودة في الأيدي و الوجوه الملازم مع إبداء العضو المتحلّى بها، و الروايات بين صحيحة و غير صحيحة لكن الثانية تصلح للتأييد.

الروايات و جملة «ما ظهر منها»

1- موثقة الحسين بن سعيد عن القاسم بن عروة، عن عبد اللّه بن بكير، عن

زرارة عن أبي عبد اللّه، في قول اللّه عزّ و جلّ: (إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) قال: «الزينة الظاهرة: الكحل و الخاتم». «1»

و السند معتبر، غير أنّ القاسم بن عروة لم يوثّق صريحاً في الكتب الرجالية.

أقول: إنّ القاسم بن عروة من مشايخ ابن أبي عمير المتوفّى سنة (217 ه)، و أحمد بن أبي نصر البزنطي المتوفى عام (221 ه) و الحسن بن علي بن فضال المتوفى قبله بثمانية أشهر أو سنة و الحسن و الحسين ابنا سعيد الأهوازي صاحبا كتب الثلاثين، و محمّد بن خالد المكنّى ب «أبي عبد اللّه» و غير ذلك من الثقات الأعاظم و لا يمكن طرح رواية مثل تلك بحجّة أنّه لم يوثق، و لأجل ذلك اعتمد عليه العلّامة، و كفى له فضلًا أنّه روى عنه الفضل بن شاذان (ت 260) و هذا المقدار من القرائن يكفي في اعتباره و اعتبار روايته.

2- معتبرة الحسين بن محمّد، عن أحمد بن إسحاق، عن سعد بن مسلم، عن أبي بصير، قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا)

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 109 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 46

قال: «الخاتم و المسكة و هي القلب». «1»

أقول: الذي صدّر به سند الحديث هو الحسين بن محمّد بن عامر الأشعري القمي الثقة، روى عن أحمد بن إسحاق بن عبد اللّه الأشعري المكنّى ب «أبي علي» كبير القدر، و قال العلّامة: ثقة، روى عن سعد بن مسلم صاحب الأصل، يقول المحقق الداماد: شيخ كبير جليل القدر، و هو من رجال كامل الزيارات، و ترجمه النجاشي و الشيخ في كلا كتابيه، و هو

يروي عن أبي بصير الثقة و كان قائده فالرواية معتبرة.

و أمّا ما أورد عليه المحقّق الخوئي من أنّ السؤال عن القسم الأوّل الوارد في الآية الكريمة، دون القسم الثاني فلا تدلّ إلّا على جواز كشف الوجه و اليدين، و عدم وجوب سترهما في نفسه، و ذلك لا يلازم جواز النظر، فقد عرفت أنّ التفكيك بين الجملتين غير تامّ و أنّهما بصدد بيان حكم واحد و هو حكم إبداء الزينة منعاً و جوازاً.

3- عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة ابن زياد، قال: سمعت جعفراً و سئل عمّا تظهر المرأة من زينتها؟ قال: «الوجه، و الكفّين». «2» و هارون بن مسلم: ثقة وجه، كما أنّ مسعدة بن زياد الربعي: ثقة، و أمّا المؤلف فهو عبد اللّه بن جعفر الحميري، قال النجاشي شيخ القميين و وجههم، و إنّما سمّي بقرب الإسناد لقلّة الوسائط بينه و بين الأئمّة عليهم السلام. «3»

4- صحيحة علي بن سويد، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام: إنّي مبتلى

______________________________

(1) المصدر نفسه، الحديث 4، و القُلب بالضم: السوار.

(2) الوسائل: 14، الباب 109 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 5.

(3) لاحظ أُصول الحديث و أحكامه 7978، للمؤلف.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 47

بالنظر إلى المرأة الجميلة، فيعجبني النظر إليها؟ فقال: «يا علي لا بأس إذا عرف اللّه من نيّتك الصدق، و إيّاك و الزنا فإنّه يمحق البركة و يهلك الدين». «1»

و قد استدلّ به الشيخ الأنصاري في نكاحه، و حمله المحقّق الخوئي على اقتضاء عمله لذلك و أنّ النظر إنّما يكون اتّفاقياً بمعنى أنّه يقع نظره عليها من دون قصد أو تعمّد فتكون أجنبية عن محلّ الكلام.

يلاحظ

عليه: أنّه لا يصحّ حمله على من كان النظر، مقتضى عمله حتّى يكون النظر لا عن اختيار، إذ لو كان كذلك، لكان مقتضاه الابتلاء بالنظر إلى النساء على وجه الإطلاق، لا خصوص الجميلة كما هو مورد السؤال، فلا محيص عن حمله على من اعتاد بالنظر إلى الجميلة عن اختيار، و يكون التلذذ الحاصل أيضاً كذلك، كيف و لو كان النظر اتّفاقيّاً، لما كان لقوله عليه السّلام «من نيّتك الصدق» وجه إذ لا نيّة في الاتّفاق، و لا يكون التلذذ الوارد فيه، تلذذاً بالاختيار كما هو ظاهر الرواية بل خارج عنه.

5- ما رواه في قرب الإسناد، عن علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن الرجل ما يصلح أن ينظر إليه من المرأة التي لا تحلّ له؟ قال: «الوجه و الكف و موضع السوار». «2»

و المراد من «لا تحل» أي لا يحلّ النظر إليها، لا ما لا يحلّ نكاحها حتّى يختصّ الحكم بالمحارم كما استظهره صاحب مستند العروة، فانّ الجواز فيها أوسع ممّا جاء في الرواية كما سبق.

6- صحيحة الفضيل: قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذراعين من المرأة هما من الزينة التي قال اللّه: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ) قال: نعم

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1 من أبواب النكاح المحرّم، الحديث 3.

(2) قرب الإسناد: 102 و رواه في البحار: 104/ 34.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 48

و ما دون الخمار من الزينة و ما دون السوارين. «1» الظاهر أنّ لفظة «دون» بمعنى «2» التحت، و المراد أنّ ما تحت الخمار أي ما يستره الخمار من الرأس و الرقبة، فهو من الزينة التي يحرم إبداؤها، و أنّ ما تحت السوار

و ما يستره ممتدّاً إلى الساعد و المرفق، منها أيضاً. قال الفيض «و ما دون الخمار» يعني ما يستره الخمار من الرأس و الرقبة و هو ما سوى الوجه منهما «و ما دون السوارين» يعنى من اليدين و هو ما عدا الكفين منهما «3».

7- مرسلة مروك بن عبيد عن بعض أصحابنا، عن أبي عبد اللّه فقلت: ما يحلّ للرجل أن يرى من المرأة إذا لم يكن محرماً؟ قال: «الوجه و الكفّان و القدمان». «4» و الرواية مرسلة، تصلح لتأييد الصحيح.

8- رواية عمرو بن شمر: عن أبي جعفر عليه السّلام عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري، قال: خرج رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يريد فاطمة عليها السّلام و أنا معه فلمّا انتهينا إلى الباب وضع يده عليه فدفعه ثمّ قال: «السلام عليكم، فقالت فاطمة عليها السّلام: و عليك السلام يا رسول اللّه، قال: أدخل؟ قالت: أُدخل يا رسول اللّه، قال: أدخل و من معي؟ قالت: ليس عليّ قناع، فقال: يا فاطمة خذي فضل ملحفتك فقنّعي به رأسك، ففعلت ثمّ قال: السلام عليك، فقالت: و عليك السلام يا رسول اللّه قال: أدخل؟ قالت: نعم يا رسول اللّه، قال: أنا و من معي؟ قالت: و من معك؟ قال جابر: فدخل رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و دخلت و إذا وجه فاطمة أصفر كأنّه بطن جرادة، فقال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: مالي أرى وجهك أصفر؟! قالت: يا رسول اللّه الجوع، فقال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: اللّهمّ مشبع الجوعة و دافع الضيعة أشبع فاطمة بنت محمّد. قال

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 109

من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2) الطريحي: المجمع، مادة «دون».

(3) الوافي 12/ 819.

(4) الوسائل: 14، الباب 109 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 49

جابر: فو اللّه لنظرت إلى الدم ينحدر من قصاصها حتّى عاد وجهها أحمر فما جاعت بعد ذلك اليوم». «1»

و في السند إسماعيل بن مهران: الثقة، عن عبيد بن معاوية بن شريح: المهمل، عن سيف بن عميرة: الثقة، عن عمرو بن شمر: الضعيف، و بما أنّ جابر ابن عبد اللّه توفّي عام 76 من الهجرة في عصر إمامة السجّاد عليه السّلام الذي توفّي عام 9594 ه، فطبع الحال يقتضي نقل القصة إلى والده لا إلى ولده الباقر الذي ولد عام 57 ه، و توفّي عام 114 ه، و كان له من العمر يوم مات جابر قرابة عشرين سنة.

9- رواية علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن أبي الجارود في قوله تعالى: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) فهي الثياب و الكحل و الخاتم و خضاب الكفّ و السوار. «2»

و الرواية مرسلة، و «أبو الجارود» هو زياد بن منذر الكوفي التابعي الذي يروي عن الباقر و الصادق عليهما السّلام و لمّا خرج زيد بن علي عليه السّلام التحق به و صار زيدياً و إن رجع أخيراً إلى الإمام الصادق عليه السّلام. و الجاروديّة منسوبة إليه.

10 ما رواه الحسن بن فضل، في مكارم الأخلاق، عن محاسن البرقي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله جلّ ثناؤه: (إِلّٰا مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) قال: «الوجه و الذراعان». «3»

هذا ما وقفنا عليه من الروايات من طرق الشيعة. و أمّا من طرق أهل السنّة:

فعن عبد اللّه بن مسعود تفسير

الزينة الظاهرة، بالثياب، لكن المروي عن

______________________________

(1) المصدر نفسه، الباب 120، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

(2) مستدرك الوسائل: الباب 85، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

(3) المصدر نفسه: الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 50

عدّة أُخرى من أعلام الصحابة كابن عباس، بالكحل و الخاتم و القلادة و القرط تارة، و بخضاب الكفّ و الخاتم أُخرى، و وجهها و كفّيها و الخاتم ثالثة و برقعة الوجه و باطن الكفّ، رابعة.

و عن عائشة: الزينة الظاهرة، القلب و الفتح و ضمّت طرف كمّها.

و عن سعيد بن جبير: الوجه و الكفّ.

روت عائشة: أنّ أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و عليها ثياب رقاق فأعرض عنها، و قال: «يا أسماء، إنّ المرأة إذا حاضت لم يصلح أن يرى منها إلّا هذا» و أشار إلى وجهه و كفّه. و عن قتادة مثله. «1»

و قد أيّده في الحدائق، قال: المشهور، أنّ بدن المرأة كلّه عورة ما خلا الوجه و الكفّين و القدمين، فلم يوجبوا سترها في الصلاة و هو أظهر ظاهر في تجويزهم النظر إلى هذه الثلاثة، و بإطباق الناس في كلّ عصر على خروج النساء على وجه يحصل منه بدوُّ ذلك من غير نكير. «2»

و الأوضح من الكلّ، أنّ كثرة الابتلاء يقتضي وجود النصوص البارزة الظاهرة في الحرمة في المقام و لا يصحّ الاكتفاء في مثل هذه المسألة بالإيماء و الإشارة إذا كان النظر حراماً واقعاً أو الستر واجباً كذلك، فليست المسألة من جهة الابتلاء بأقلّ من سائر المحرّمات التي ورد النصّ بالحرمة فيها بوضوح. فلا مانع من الاعتماد على هذه النصوص الظاهرة في جواز النظر التي يؤيّد

بعضها بعضاً إذا سلمت عن المعارض و إليك البحث عن أدلّة المانعين:

أدلّة القائلين بالتحريم

استدل المانع بوجوه من الآيات:

______________________________

(1) الدر المنثور: للسيوطى 5/ 4241.

(2) الحدائق: 23/ 53.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 51

1 إطلاق قوله سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ). «1»

يلاحظ عليه: أنّ التقييد لو تمّ، لما كان للاستدلال بالإطلاق مجال.

2- (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ) «2».

يلاحظ عليه: أنّ مصبّ الاستدلال لو كانت الفقرة الأولى فهي مخصصة بمخصّص متّصل (إلّا ما ظهر) مجمل بين الثياب، و الوجه و الكفّين فلا يصح التمسّك به في مورد النزاع. و لو كانت الفقرة الثانية في الآية، فالمراد منها أيضاً ما عدا (مٰا ظَهَرَ مِنْهٰا) بحكم توالي الفقرتين و هو أيضاً مجمل بين الأمرين و العام المخصص بمتّصل مجمل، لا يكون حجّة في مورد الشكّ.

3- قوله سبحانه: (وَ إِذٰا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتٰاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ ذٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ). «3» و الحجاب هو الستر الكامل.

يلاحظ عليه: أنّ الآية لا صلة لها بمورد البحث من جهات:

أوّلًا: أنّ البحث في ستر المرأة، و الحجاب هو الحاجز بين الشيئين، قال سبحانه: (حَتّٰى تَوٰارَتْ بِالْحِجٰابِ). «4» و قال سبحانه: (فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجٰاباً) «5» فالستر و الساتر ما تلبسه المرأة، و الحجاب ليس بهذا المعنى و يظهر مفاد الآية إذا لوحظ شأن نزولها فكان المؤمنون يسألون أزواج النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم مباشرة عن أشياء يحتاجون إليها فأُمروا أن لا يكلّموا إلّا من وراء حجاب.

و ثانياً: أنّ الآية و ما قبلها و ما بعدها راجعة إلى نساء النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فلهنّ شأن خاص، و وظائف خاصة، كما هو صريح قوله: (يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ

لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ ...) (الأحزاب/ 32) لا يشترك فيها غيرهنّ من النساء و إسراء حكمهنّ إلى غيرهنّ أشبه بالقياس.

______________________________

(1) النور/ 30.

(2) النور/ 31.

(3) الأحزاب/ 53.

(4) ص/ 32.

(5) مريم/ 17.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 52

4- (وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ). «1» حيث خصّ وضع الثياب بالقواعد.

يلاحظ عليه: أنّ المراد وضع الخمار و الجلباب لا إبداء الوجه و الكفّين مع التحفظ عليهما.

5- (يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوٰاجِكَ وَ بَنٰاتِكَ وَ نِسٰاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلٰا يُؤْذَيْنَ وَ كٰانَ اللّٰهُ غَفُوراً رَحِيماً) «2» و كان سيّد مشايخنا آية اللّه البروجردي قدّس سرّه يستدلّ بها على لزوم ستر الوجه في درسه الشريف عند البحث عن مقدار ما يجب ستره للمرأة في الصلاة قائلًا بأنّ إدناء الجلباب و إرخاءه يلازم ستر الوجه، و المراد يدنين جلابيبهن إلى جانب وجوههنّ فتكون النتيجة إسدالها إليها.

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ الآية لا تدلّ على ما رامه و إن كان السيد الأُستاذ قدّس سرّه مصرّاً على الدلالة فسواء فسّر الإدناء بالاقتراب و أخذ الجلباب، مقابل الخروج عن البيت بلا جلباب، أو فسّر بالتستر بها، فغاية الأمر به، هو التميّز عن الإماء حتّى لا يؤذين في الطرق و الشوارع حيث كان المنافقون يمازحون الإماء و ربّما يتجاوزون إلى ممازحة الحرائر، فإذا قيل لهم في ذلك قالوا: حسبناهنّ إماء، قطع اللّه عذرهم فأمرهنّ بإدناء الجلباب قائلًا بأنّ ذلك أدنى و أقرب إلى أن يعرفن بزينتهنّ إنّهنّ حرائر و لسن بإماء فلا يؤذيهنّ أهل الريبة. «3» فإذا كان الهدف ذلك فهو يحصل بستر الرأس و

الجيوب و الصدور مقابل الإماء حيث يخرجن كاشفات الرءوس و الجيوب، من دون توقّف على ستر ما عداها من الوجه و الكفّين.

و ثانياً: لو كان المراد ما يرومه لكان الأولى أن يقول: يرخين جلابيبهنّ

______________________________

(1) النور/ 60.

(2) الأحزاب/ 59.

(3) مجمع البيان 4/ 370.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 53

و يسدلنها على وجوههنّ إذ يكفي في إدناء الجلباب إدناؤه من فوق الرأس إلى بدء الناصية حتى يستر الشعر و الرأس جميعاً، و أمّا إرخاؤه مضافاً إلى ما عرفت إلى جانب الوجه و إسداله إلى الذقن، فاستفادته منها تحتاج إلى الدليل.

هذه حال الآيات التي استدل بها المانع و إليك ما استدلّ به من الروايات:

6- الروايات الواردة حول النظر، و أنّ النظر سهم من سهام إبليس، و أنّه زنا العين، و قد أوردها صاحب الوسائل قدّس سرّه في الباب 140 من أبواب مقدّمات النكاح.

و لكن لا صلة لها بموضوع البحث، فانّها ناظرة إلى النظر بقصد التلذذ و خوف الفتنة و أين هو من النظر المجرّد من ذلك أو من لزوم الستر عليها، لاحظ قوله عليه السّلام: «النظرة سهم من سهام إبليس مسموم و كم من نظرة أورثت حسرة طويلة». «1»

7- خبر سعد الإسكاف «2» عن أبي جعفر عليه السّلام، استقبل شابّ من الأنصار امرأة بالمدينة و كان النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ، فنظر إليها و هي مقبلة، فلمّا جازت نظر إليها و دخل في زقاق قد سمّاه ببني فلان فجعل ينظر خلفها و اعترض وجهه عظم في الحائط أو زجاجة فشقّ وجهه. فلمّا مضت المرأة نظر فإذا الدماء تسيل على ثوبه و صدره، فقال: و اللّه لآتينّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم

و لأخبرنّه فأتاه. فلمّا رآه رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «ما هذا؟» فأخبره. فهبط جبرئيل عليه السّلام بهذه الآية: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصٰارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكىٰ لَهُمْ إِنَّ اللّٰهَ خَبِيرٌ بِمٰا يَصْنَعُونَ). «3»

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 104 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1 و غيره.

(2) سعد الإسكاف و سعد الخفاف و سعد بن ظريف، واحد، راجع جامع الرواة و هو ناووسي لم يوثق و غيره ممّن ورد في السند كلّهم ثقات.

(3) الوسائل: 14، الباب 104 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 54

و لا يخفى ضعف الاستدلال به في ناحية حرمة النظر و في مقدار الستر، فانّ النظر في الخبر لم يكن مقصوراً على الوجه و الكفّين و كذا عدم سترها، لأنّه لم يكن عليها يومئذ أيّ ستر لازم، لقوله عليه السّلام: «و كانت النساء يتقنّعن خلف آذانهنّ».

8- ما رواه ابن قدامة في المغني، و المحدّث النوري في المستدرك، عن بعض نسخ فقه الرضا: «كان الفضل بن عبّاس رديف رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فجاءته الخثعمية تستفتيه فجعل الفضل ينظر إليها فصرف رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم وجه الفضل عنها و قال: «رجل شابّ و امرأة شابّة فخشيت أن يدخل بينهما الشيطان». «1»

و لا يخفى أنّه على العكس أدلّ، فهو يدلّ على أنّ وجه المرأة كان غير مستور، و قد حجّ النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم العام العاشر. و أمّا نهيه عن النظر، فلأنّه لم يكن خالياً عن الريبة و التلذذ كما يظهر ممّا نقله صاحب المستدرك عن بعض

نسخ فقه الرضا.

9- روى الصدوق في الفقيه قال: كتب محمّد بن الحسن الصفّار رضي الله عنه إلى أبي محمّد الحسن بن علي عليهما السّلام في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليست لها بمحرم، هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد عدلان أنّها فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها، أو لا تجوز الشهادة عليها حتّى تبرزنَّ و تثبتها بعينها؟ فوقّع عليه السّلام: «تتنقّب و تظهر للشهود إن شاء اللّه» و قال: هذا التوقيع عندي بخطّه عليه السّلام. «2»

يلاحظ عليه: ما سيوافيك عند البحث عن المستثنيات، من أنّ الإسفار أمر

______________________________

(1) المغني لابن قدامة: 7/ 22، و المسالك: 1/ 436، و المستدرك: 2/ 554 ح 7 و غيره، الباب 80 من أبواب مقدّمات النكاح.

(2) الفقيه: 3/ 40 باب الشهادة على المرأة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 55

إلزامي على الزوجة إذا لم يعرفها الشاهد أو لم يعرفها من يحضر المجلس من العدول و أمّا في غير هذين الموردين فلا يجب، و لمّا كان في مورد الرواية ما يرفع الإبهام كالعدلين خيّرها الإمام بين الظهور، و عدمه، حفظاً لحقوقها.

نعم يبقى وجه الأمر بالتنقّب عند إرادة الظهور: فلعلّه لأجل أنّ كثيراً من العفائف لا يرضين بالظهور بلا نقاب فأرشدها الإمام إليه حتّى تتمكّن من الظهور إذا شاءت و مع هذا الاحتمال، لا تكون الرواية سنداً لوجوب ستر وجهها مطلقاً.

10 الروايات الدالّة على جواز النظر إلى وجه المرأة و يديها إذا أراد تزويجها فإنّ مفهومها عدم الجواز إذا لم يكن مريداً تزويجها.

1- 1 ما ورد في جواز النظر إلى وجه الذمّية و يديها معلّلًا بأنّه لا

حرمة لهنّ فإنّه كالصريح في أنّ منشأ الجواز إنّما هو عدم وجود حرمة لأعراضهنّ فيدلّ على عدم الجواز إذا كانت المرأة مسلمة و ذات حرمة.

و لا يخفى ما في الدليلين من الضعف، أمّا الأوّل: فلأنّ الموضوع عند إرادة التزويج أوسع من غيرها فالجواز على النحو الموسّع مشروط بها، فانّ الروايات فيه بين مجوّزة مطلق النظر، أو مقيدة بالنظر إلى خلفها و وجهها، أو النظر إلى شعرها و محاسنها أو خصوص شعرها، أو محاسنها إلى غير ذلك مما يفيد كون الموضوع أوسع ممّا نحن فيه، و قد وردت في رواية واحدة: وجهها و معاصمها، و هي رواية حمّاد. «1» و من المعلوم أنّه ليس حجّة إلّا في مدلولها لا في نفي غيره ممّا ورد في سائر الروايات كما مرّت.

أمّا الثاني: فالموضوع فيها هو الشعور و الأيدي و الرؤوس «2» و الموضوع في المقام

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه، الباب 112، من أبواب مقدّمات النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 56

هو الوجه و الكفّان فقط فالاستدلال بهاتين الطائفتين على حرمة النظر إلى الوجه و الكفّين كما ترى.

2- 1 المرأة كلّها عورة، و قال العلّامة في التذكرة: و هو قول كلّ من يحفظ منه العلم، و العورة سوأة الإنسان و ذلك من العار، و أُطلقت عليها لأنّ ظهورها يورث العار.

و لكنّ الاستدلال بهذه الكلمة المأثورة من دون أن يعلم سندها غير تامّ، مع ذهاب الكثير إلى عدم العار في ظهور الوجه و الكفّين.

هذه هي الوجوه التي استدل بها المانع في مقابل الوجوه العشرة التي استدل بها المجوّز.

الجمع الدلالي بين الأدلّة

و الحق أنّه لا تعارض بين أدلّة الطرفين و قد

حصل الخلط بين المسألتين: مقدار الستر، و جواز النظر. فالحقّ كون الوجه و الكفّين خارجين عن مقداره، و مع ذلك لا يجوز النظر إليهما بلا حاجة مقتضية له على الأحوط و ليست في المقام ملازمة بين عدم لزوم الستر و جواز النظر.

توضيح ذلك: أنّ ما استدلّ به القائل للجواز من الآيات و الروايات، راجع إلى مقدار الستر و لا مانع من القول به، و قد اكتفى به الشارع دفعاً للعسر و الحرج خصوصاً في القرى و البلاد التي تقوم النساء بعمليات فلاحية أو نساجية أو صناعية أو تجارية أو غير ذلك.

و ليس للإنسان المتقشّف المتظاهر بالغيرة، الاعتراض على الحكم، و لا شكّ أنّ الستر أوفق بالعفّة و أحفظ من الزلّة هذا و من جانب أنّ الحكم ليس إلزامياً و إنّما هو باختيار المرأة حسب ظروفها و ملابساتها الحافّة بها.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 57

و أمّا جواز النظر، فالدليل عليه عبارة عن الأمرين:

1- الروايات الماضية، و هي لا تتجاوز عن ثلاثة: صحيحة علي بن سويد، و مرسلة مروك، و خبر علي بن جعفر «1» و العبرة بالأُولى، و الثانية مرسلة، و الثالثة قابلة للتأييد لا الاستدلال. و القدر المتيقن منه هو النظر لحاجة، كالمعالجة و المعاملة، و التدريس الذي لا يستقيم الإفهام إلّا به و الشهادة عليها أو لها و غير ذلك من الأُمور التي لا تتمّ إلّا بالنظر لكن العاري عن التلذذ المحرّك للشهوة و الافتتان، و أمّا جواز النظر إليها لا لحاجة، فالقول به غير تامّ في مقابل إطلاقات الغضّ. و حمل آيات الغضّ على النظر الشهوي لا المطلق دون إثباته، خرط القتاد، بل الظاهر الحرمة مطلقاً، حسماً لمادة الفساد،

و لا تجد فقيهاً يفتي بالجواز على وجه الإطلاق و لو لم يكن هناك حاجة. و أمّا سائر الروايات فالكلّ راجع إلى مقدار الستر.

2- إدّعاء الملازمة بين جواز الكشف و جواز النظر، و لكنّه مورد تأمّل خصوصاً إذا كان الملاك لجواز الكشف، هو دفع العسر و الحرج عنها، و لا يكون مثل ذلك دليلًا على جواز النظر إذا لم يكن الرجل في عسر و حرج عند الغضّ.

أضف إلى ذلك: أنّ السيرة المستمرة بين المتدينين هو الغضّ بل الغمض على الفرق الواضح بينهما.

و أمّا التفرق بين النظرتين: الأُولى و الثانية، فقد استدلّ عليه بما ورد من الروايات التي أثبتها صاحب الوسائل في الباب 104 من أبواب مقدّمات النكاح. مثل ما نقل الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «النظر بعد النظرة تزرع في القلب الشهوة، و كفى بها لصاحبها فتنة». «2» و لا يخفى أنّها أجنبية عن محلّ النزاع

______________________________

(1) تقدّمت الروايات فلاحظ الرقم 4، 7 و 5.

(2) الوسائل: 14، الباب 104، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 58

لأنّها راجعة إلى النظرات المتكرّرة مع الالتذاذ و الشهوة.

المسألة الثامنة: في نظر المرأة إلى الرجل

اشارة

لا شكّ في حرمة نظرها عند خوف الفتنة، أو بقصد الالتذاذ، و إنّما الكلام فيما إذا لم يكن فيه أحد هذين العنوانين،

المحتملات بل الأقوال أربعة:
الأوّل: التحريم مطلقاً،

ذهب إليه صاحب المسالك و قال: و نظر المرأة إلى الرجل كنظره إليها لوجود المقتضي فيها و لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) فلا يجوز لها النظر إلى وجهه و كفّيه. «1»

و يظهر ذلك من فخر المحققين في الإيضاح حيث قال: نظر المرأة إلى الرجل كنظره إلى المرأة لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) ثمّ ذكر رواية أُمّ سلمة و قول النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لها و لميمونة «أ فعميا و إن أنتما». «2»

و قريب منهما الشهيدان في اللمعة و الروضة حيث قال: يحرم على المرأة أن تنظر إلى الأجنبي أو تسمع صوته إلّا لضرورة كالمعاملة و الطب و إن كان الرجل أعمى لتناول النهي له و لقول النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم لأُمّ سلمة و ميمونة: «... أ فعميا و إن أنتما، أ لستما تبصرانه». «3»

و يقرب من ذلك قول العلّامة في القواعد و شارحه كاشف اللثام: يقول العلامة: «و لا للمرأة النظر إليه» أي للأعمى و بطريق أولى لغيره. «4»

و العجب أنّ كثيراً من الكتب الفقهية خالية من عنوان المسألة، فقد راجعنا الكتب التالية فلم نجد المسألة معنونة فيها: المقنع و الهداية للصدوق، و المقنعة

______________________________

(1) المسالك: 1/ 348.

(2) الإيضاح: 3/ 8.

(3) الروضة: 5/ 99.

(4) القواعد: 3/ 8، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 59

للمفيد، و الانتصار و المسائل الناصريات للسيد المرتضى، و النهاية و المبسوط للشيخ الطوسي، و المراسم لسلّار بن عبد العزيز الديلمي، و إشارة السبق

لأبي الحسن الحلبي، و جواهر الفقه، و المهذّب لابن برّاج، الغنية لابن زهرة، و الوسيلة لابن حمزة الطوسي و الجامع للشرائع ليحيى بن سعيد الحلي؛ و لعلّ وضوح المسألة عندهم أغناهم عن عنوانها.

الثاني: مساواة المرأة في الحكم في المستثنى و المستثنى منه،

و هو الذي حكاه العلّامة في التذكرة عن علمائنا قال: منع جماعة من علمائنا نظر المرأة إلى الرجل كالعكس. لقوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) فلا يجوز لها النظر إلّا إلى وجهه و كفّيه لأنّ الرجل في حقّ المرأة كالمرأة في الرجل و هو قول أكثر الشافعية. و قال بعضهم: إنّها تنظر إلى ما يبدو عنه عند المهنة دون غيره إذ لا حاجة إليه. و قال بعضهم: إنّها تنظر إلى جميع بدنه إلّا ما بين السرّة و الركبة و ليس كنظر الرجل إلى المرأة لأنّ بدنها عورة في نفسه، و لذلك يجب ستره في الصلاة و لأنّهما لو استويا لأُمر الرجل بالحجاب كالنساء. «1»

الثالث: التفصيل بين النظرة الأُولى و غيرها

و هو مختار المحقق قدّس سرّه في الشرائع فيجوز في الأولى دون الثانية.

الرابع: جواز النظر إليه، من دون اختصاص بالوجه و الكفّين

و هو مختار صاحب مستند العروة.

دليل القائل بالحرمة على الإطلاق

استدل القائل بالحرمة: بآية الغض من جانب المؤمنات حيث يقول سبحانه: (قُلْ لِلْمُؤْمِنٰاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) «2» من

______________________________

(1) التذكرة: 2/ 574، كتاب النكاح.

(2) النور/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 60

دون استثناء صالح يخصص عموم الآية، و الغضّ و إن كان بمعنى نقصان النظر، لكنّه كناية عن عدم النظر إلى الرجل، نعم ربّما يقال بأنّ استخدام الغضّ مكان الغمض لأجل أحد أُمور:

1- نقصان النظر، لأجل جواز النظر إلى بعض أجزاء المبصر كالوجه و الكفّ.

2- نقصان النظر، لأجل جواز النظر إلى بعض أفراده كالمحارم.

3- نقصان النظر، لأجل الانصراف عن المبصر، و التوجّه بالنظر إلى غيره و فرضه مغفولًا عنه.

4- نقصان النظر، بمعنى تقليل الدقة و عدم تعميق النظر، كما احتمله بعض. و لكن الظاهر أنّه كناية عن عدم النظر و المحتملات الأربعة الأخيرة خالية عن الدليل.

هذا هو الدليل الواضح للقول الأوّل، و أمّا ما تمسك به من الروايات فهو غير تام، فهي بين ضعيفة السند و ضعيفة الدلالة.

كمرسلة البرقي: استأذن ابن أُمّ مكتوم، على النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و عنده عائشة و حفصة فقال لهما: «قوما فادخلا البيت» فقالتا: إنّه أعمى؟! فقال: «إن لم يركما فإنّكما تريانه» «1» و ضعف السند ظاهر، و خبر الصدوق في عقاب الأعمال: قال النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «اشتدّ غضب اللّه على امرأة ذات بعل ملأت عينها من غير زوجها أو غير ذي محرم منها ...». «2»

يلاحظ عليه: أنّه مع كونه ضعيف السند، ضعيف الدلالة، لأنّ البحث في النظر المجرّد لا ما إذا ملأت عينيها بالنظر إلى الغير، و لا

ينفكّ مثله عن ريبة

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 129 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 61

و افتنان و التذاذ و شهوة. و مرسلة مكارم الأخلاق: عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّ فاطمة عليها السّلام قالت في حديث: خير النساء أن لا يرين الرجال و لا يراهنّ الرجال، فقال صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «فاطمة منّي». «1»

يلاحظ عليه: بالإرسال و كون الحكم فيها أخلاقيّاً.

و في مكارم الأخلاق أيضاً: عن أُمّ سلمة ما يتّحد مضمونه مع الأوّل، و على ذلك لا يمكن الاستدلال إلّا باطلاق الآية و هو إنّما يتمّ إذا لم يكن هناك مخصص.

دليل المساواة مع الرجل منعاً و ترخيصاً

و هذا القول هو الظاهر من العلّامة في التذكرة فرخّص نظرها إلى وجه الرجل و كفّيه مع أنّه منع نظر الرجل إليهما، و على كلّ تقدير فاستدل عليه:

أوّلًا: بالتلازم بأنّه متى جاز النظر منه إليها، جاز النظر منها إليه.

و لكنّ إثبات الملازمة مشكل لعدم العلم بوحدة الملاك مع كونهما صنفين، فمن الممكن أن يجوز من جانب دون جانب آخر.

و ثانياً: التمسك بلفظة (مِنْ) في قوله: (مِنْ أَبْصٰارِهِنَّ) مستظهراً بأنّ التبعيض في النظر لأجل خروج الوجه و الكفّين.

يلاحظ عليه: أنّه يحتمل أن يكون التبعيض لأجل خروج المحارم، أو لغير ذلك من الوجوه المذكورة في تفسير الغض الذي هو بمعنى نقصان النظر.

ثالثاً: إدّعاء الإجماع و لكنّه غير ثابت و قد عبّر العلّامة بقوله: «أكثر علمائنا».

و رابعاً: العسر و الحرج في الغضّ المطلق.

يلاحظ عليه: أنّه لو كان الملاك ذينك الأمرين يلزم التفصيل بين وجود

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 129 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 62

الحرج و عدمه لأنّ الملاك فيهما شخصيّ لا نوعي.

و خامساً: السيرة المستمرة بين المسلمات فإنّهنّ ينظرن إلى الرجال و إلى نفس الرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و الأئمّة عليهم السّلام و لو من وراء الحجاب و لم يرد النهي عنه، و يؤيّد ذلك عدم ورود السؤال عن نظرها إليه مع وروده في عكسه فمن البعيد أن يكون سببه كون النظر واضح الحرمة، بل من المحتمل جدّاً أنّ سببه كونه واضح الجواز.

لكن القدر المسلّم في الحكم هو ما جرت العادة على كشفه من الرجل كالرأس و اليدين أو الذراعين على تأمّل، و أمّا الزائد فهو مدفوع بإطلاق الآية كما لا يخفى.

المسألة التاسعة: في النظر إلى المرأة في موارد الضرورة

اشارة

و قد استثني من حرمة النظر، موارد الضرورة في الرجل و المرأة بأدلّة عامّة أو خاصّة.

منها: الشهادة

قال المحقق: و يجوز عند الضرورة إذا أراد الشهادة عليها و يقتصر، الناظر على ما يضطرّ الاطّلاع عليه من غير فرق بين التحمّل و الأداء. و يدلّ عليه قوله سبحانه: (وَ لٰا يَأْبَ الشُّهَدٰاءُ إِذٰا مٰا دُعُوا) «1» و قوله سبحانه: (وَ لٰا تَكْتُمُوا الشَّهٰادَةَ وَ مَنْ يَكْتُمْهٰا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) «2» فلو دعي من له الحقّ رجلًا، إلى تحمّل الشهادة على زوجته الزانية تجب الإجابة لإطلاق الآية الأُولى.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 62

و في الاستدلال بالآيتين تأمّل، لأنّ إطلاقهما لا يشمل ما إذا

______________________________

(1) البقرة/ 282.

(2) البقرة/ 283.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 63

كان في تحمّلها أو أدائها ارتكاب للحرام كما في المقام، و مثله وجوب الحجّ فانّه لا يشمل ما إذا كان في أدائه ارتكاب للمحظور. نعم لو كان مورد الشهادة تحمّلًا و أداءً من الأُمور المهمّة التي ترتفع عندها حرمة النظر و اللمس، كان جائزاً. و ليس كلّ شهادة من هذا القبيل.

و يمكن الاستدلال بصحيحة علي بن يقطين، عن أبي الحسن الأوّل عليه السّلام قال: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو يحضر من عرفها، و لا يجوز عندهم أن يشهد الشهود على إقرارها دون أن تسفر و ينظر إليها». «1» بناء على أنّ مفادها هو: أنّه إذا عرفت بعينها، أو حضر من العدول من يعرفها فلا حاجة إلى الإسفار. و أمّا إذا لم يعرفها، و لم

يحضر من العدول من يعرفها، فلا يجوز إلّا بالإسفار خلافاً لأهل السنّة حيث قالوا بالإسفار مطلقاً كما هو ظاهر قوله عليه السّلام: «و لا يجوز عندهم أن يشهد الشهود»، و لعلّ هذا هو المستفاد من المتن الذي نقله الكليني عن علي بن يقطين عن أبي الحسن الأوّل قال عليه السّلام: «لا بأس بالشهادة على إقرار المرأة و ليست بمسفرة إذا عرفت بعينها أو حضر من يعرفها فأمّا إن لا تعرف بعينها و لا يحضر من يعرفها، فلا يجوز للشهود أن يشهدوا عليها و على إقرارها دون أن تسفر و ينظروا إليها». «2»

و بما أنّ الستر و الإسفار من حقوق المرأة فلا تلزم على الإسفار أبداً إلّا في المورد الذي لا يعرفها الشاهد و لا يعرفها الحاضرون لما عرفت أنّ الحديث، حديث الحقّ و لا تلزم برفع اليد عنه إلّا إذا توقف عليه الأمر الشرعي. فلو توقف تحمّل الشهادة أو أداؤها على الإسفار، تلزم على الإسفار جمعاً بين الحقّين و إلّا فلا.

3- مكاتبة الصفّار المتقدّمة في رجل أراد أن يشهد على امرأة ليس لها بمحرم هل يجوز له أن يشهد عليها من وراء الستر و يسمع كلامها إذا شهد عدلان أنّها

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 41 ح 1، باب الشهادة على المرأة.

(2) الكافي: 7/ 400، كتاب الشهادات، باب الرجل يشهد على المرأة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 64

فلانة بنت فلان التي تشهدك و هذا كلامها، أو لا تجوز الشهادة عليها حتّى تبرزنَّ و تثبتها بعينها؟ فوقّع عليه السّلام: «تتنقّب و تظهر للشهود إن شاء اللّه». «1»

و يقيّد إطلاقها، بما تقدّمها. و قد تقدّم فقه الرواية فلاحظ.

فتلخّص أنّ الأظهر هو الاستدلال بالروايات دون الآيات ثمّ

الاستثناء على قول من لا يقول بجواز النظر إلى الوجه و الكفّين، و إلّا فلا حاجة إلى الاستثناء و يمكن القول بأنّ النظر في مقام الشهادة يتوقّف على إعمال النظر و تعميقه و هو ليس بجائز في غيرها. فالاستثناء لا بدّ منه مطلقاً.

منها: النظر لأجل العلاج

العلاج تارة يتوقّف على النظر، و أُخرى على المسّ، و ثالثة على الجرح و الكسر و على كلّ تقدير ثمّ العلاج بالأجنبي تارة مع إمكان المماثل، و أُخرى مع عدمه و وجود الضرورة، ثمّ العلاج تارة يتوقف على المباشرة في مقدّماتها، و أُخرى يقبل الاستنابة فيقوم أحد المحارم عليها و يخبره بالنتيجة، و على فرض المباشرة تارة يمكن المعالجة بالنظر إلى المرآة أو استخدام الوسائل التلفيزيونية، و أُخرى لا؟

و الجواب على الجميع يتوقّف على دراسة أدلّة الحكم.

أمّا إذا لم يوجد المماثل الذي يصدق عليه الاضطرار العقلي فتكفي فيه أدلّة رفع الحرمة عند الاضطرار في قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «رفع عن أُمّتي تسعة ... ما اضطرّوا إليه» «2» و قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «رفعت عن أُمّتي أربع خصال: «ما اضطرّوا إليه و ما نسوا و ما أُكرهوا عليه و ما لم يطيقوا». «3»

و في موثقة سماعة: «... و ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه اللّه لمن اضطرّ

______________________________

(1) من لا يحضره الفقيه: 3، باب الشهود على المرأة، الحديث 3347.

(2) الخصال: 417، باب التسع، الحديث 9.

(3) الوسائل: 11، الباب 25 من أبواب الأمر بالمعروف، الحديث 10، مرسلة العياشي.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 65

إليه». «1»

و في الأُخرى «... و ليس شي ء ممّا حرّم اللّه إلّا و قد أحلّه لمن اضطرّ

إليه». 2

و لا إشكال في جواز مراجعة المريضة المضطرّة إلى الطبيب. و ما عن السيد الحكيم قدّس سرّه من أنّ أدلّة الاضطرار مختصة بالمضطرّ و لا يعمّ الطبيب، غير تام للملازمة بين الرفعين أو الجوازين و إلّا يلزم لغوية الرفع و أيّ فائدة لجواز كشفها إذا حرم على الطبيب النظر و اللمس.

و إنّما الكلام فيما إذا لم يكن مضطرّاً بأن يوجد المماثل فلا شكّ أنّ أدلّة الاضطرار غير شاملة لها، لكن يمكن استكشاف جوازه من رواية أبي حمزة الثمالي و هي صحيحة على الأصحّ، لأنّ الظاهر أنّ علي بن الحكم فيها هو ما وثّقه الشيخ في الفهرست و العلّامة في الخلاصة، بقرينة رواية أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري عنه.

فعن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر و إمّا جرح في مكان لا يصلح النظر إليه يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أ يصلح له النظر إليها؟ قال: «إذا اضطرّت إليه فليعالجها إن شاءت». 3

و بما أنّ كلام الإمام عليه السّلام جواب عن سؤال السائل و هو لم يفرض فقدان المماثل بل أرفقية الرجل من النساء، يستفاد كون المراد من الاضطرار هو الحاجة و رجحان معالجة الرجل على المرأة.

نعم في رواية السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «سئل أمير المؤمنين عليه السّلام عن الصبي يحجم المرأة؟ قال: إذا كان يُحسِنُ يصف فلا». 4

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 4، الباب 1، من أبواب القيام، الحديث 6 و 7.

(2) 3 الوسائل: 14، الباب 130، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(3) 4 المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 66

و ما رواه علي بن

جعفر، قال: سألته عن المرأة يكون بها الجرح في فخذها أو بطنها أو عضدها هل يصلح للرجل أن ينظر إليه يعالجه؟ قال: «لا». «1»

و لكنهما محمولتان على صورة وجود المماثل و عدم الحاجة إلى الجنس المخالف و عدم أرجحيته، و إلّا فيجوز أخذاً بمفاد الرواية السابقة.

و أمّا الاستنابة أو الاستفادة من الأجهزة الصناعية، فلو كانت رافعة للحاجة و خالية عن العسر فالأحوط تقديمها على المباشرة و إلّا فيباشر بنفسه.

منها: النظر للشهادة على الزنا

و هل يجوز النظر للشهادة على كلّ عمل منكر له حد أو لا؟ جوّزه العلّامة قائلًا بأنّه وسيلة إقامة حدود اللّه و لما في المنع من عموم الفساد و اجتراء النفوس على هذا المحرّم و انسداد باب ركن من أركان الشرع. و يلزم من حرمة النظر أن لا تسمع شهادته بالزنا لتوقف تحمّلها على النظر المحرّم إلّا إذا علمت توبته. «2»

يلاحظ عليه: أنّ إقامة الحدود لو كانت واجباً مشروطاً لا يجب تحصيل شرطه أعني: النظر المباح، فكيف إذا كان الشرط أمراً محرّماً، و إن كان واجباً مطلقاً يجب تحصيل شرطه لكن إذا كانت المقدّمة محلّلة كما في النظر صدفة لا محرّمة و يكفي في رفع الفساد و إجراء الحدود في الموارد التي يتّفق فيها النظر، على أنّ عدم اكتفاء الشارع بشهادة عدلين و التماس شهادة أربعة أشخاص حاك عن قلّة اهتمامه بالثبوت.

و لعلّه لذلك استقرب في التذكرة المنع لأنّه نظر إلى فرج محرّم فيكون حراماً و ليست الشهادة على الزنا عذراً، لأنّه مأمور بالستر.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 130، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

(2) نقله الشهيد في المسالك في المقام عن القواعد و لم نعثر عليه في نكاح القواعد لاحظ إيضاح القواعد 3/ 7.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 67

و منها: النظر للشهادة على الولادة و الرضاع

استثنى في المسالك: النظر للشهادة بالولادة و الرضاع إذا لم يمكن إثباتهما بالنساء العادلات، أو لم يبلغ عددهنّ مرحلة تفيد الاطمئنان و علّل الجواز بكونه من مهامّ الدين و أتمّ الحاجات خصوصاً أمر الثدي و يكفي في دعاء الضرورة إلى الرجال، المشقّة في تحصيل أهل العدالة من النساء على وجه يثبت به الفعل. «1»

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره قليل الاتّفاق إذ قلّما يتّفق مورد لا يبلغ عدد النساء إلى حدّ يحصل من قولهم العلم بالرضاع و الولادة، نعم لو مسّت الحاجة الشديدة بحيث تصدق عليه الضرورة الدينية، لجاز.

المسألة العاشرة: في النظر إلى القواعد من النساء

اشارة

و الأصل في جواز كشفهنّ و النظر إليهنّ قوله سبحانه: (وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنٰاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيٰابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجٰاتٍ بِزِينَةٍ وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَ اللّٰهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). «2»

و يقع البحث عن أُمور:

1 ما هو المراد من القواعد؟

المراد من القواعد من النساء هي التي فسّرت بقوله سبحانه: (لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً) و المراد من النكاح هو التزويج و تفسيره بالحيض بعيد عن ظاهر اللفظ، و على المختار فالمراد: النساء اللاتي لا يرغب في تزويجهنّ غالباً و فسرتها الرواية ب «إذا كانت المرأة مسنّة» أو «ممن قعدن عن النكاح». «3»

______________________________

(1) المسالك 2/ 9.

(2) النور/ 60.

(3) الوسائل: 14، الباب 110، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 4 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 68

و الكلّ يشير إلى منشأ واحد، و هو بلوغ المرأة إلى حدّ لا يثير النظر إليها شهوة الرجال و لا يمكن تحديد ذلك بسنّ خاص و ربّ امرأة يائسة، حفظت جمالها يعجب الشبّان وجهها و سائر محاسنها، و ربّ امرأة لا يرغب في نكاحها و إن لم تبلغ حدّ اليأس. و لأجل ذلك قال سبحانه: (لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً)، و فسرت في النصوص بالمرأة المسنّة و هو تفسير بالفرد الغالب كما في صحيحة حريز «1» و بمن قعدن عن النكاح كما في خبر علي بن أحمد بن يونس 2. و على ذلك فالقدر المتيقّن هو المرأة المسنّة التي لا ترجي نكاحاً، و لا يرغب في نكاحها أغلب الناس فلا يكون النظر إلى تلك موجباً لثوران الشهوة بل يعاملهنّ الناسُ معاملة الأُمّهات، و أمّا إذا لم تبلغ إلى تلك المرحلة فاللازم حفظ ثيابها.

2- مقدار ما يجوز وضعهنّ من الثياب

أمّا مقدار ما يجوز وضعهنّ من الثياب فقد اختلفت الأخبار في حدّها ففي بعضها: الجلباب. روى محمّد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ الْقَوٰاعِدُ مِنَ النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا يَرْجُونَ نِكٰاحاً) ما الذي يصلح لهنّ أن يضعن من ثيابهن؟ قال:

«الجلباب» 3 و مثله خبر أبي الصباح الكناني 4 و خبر محمّد بن أبي حمزة بإضافة «وحده» 5 و لعلّها إشارة إلى إبقاء «الخمار» الذي أصغر منه.

و هناك روايات تدلّ على أنّ الموضوع أوسع من الجلباب، ففي صحيحة الحلبي: «الخمار و الجلباب». 6 و مثله صحيحة حريز قال: «الجلباب و الخمار إذا كانت المرأة مسنّة» 7 و في خبر محمّد بن سنان، عن الرضا عليه السّلام تفسير الآية

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 110، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 4 و 5.

(2) 3 و 4 و 5 الوسائل: 14، الباب 110، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1 و 6 و 3.

(3) 6 و 7 الوسائل: 14، الباب 110 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 69

بقوله: «أي غير الجلباب فلا بأس بالنظر إلى شعور مثلهنّ». «1»

و يمكن الجمع بالحمل على مراتب التعفف الذي يدلّ عليه ذيل الآية: حيث قال تعالى: (وَ أَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) فالتعفف الكامل عدم وضع أي ثياب، و دونه وضع الجلباب، و دونه الخمار و إن كان رفع كليهما جائزاً.

و لا يعدّ مثل هذا الجمع تبرعياً، و يدلّ على ذلك خبر الكناني «2»: حيث جوّز لخصوص الأمة إذا كانت من القواعد رفع الكل مع أنّ الأمة شابّتها و مسنّتها ليس عليها حجاب و لا ستر، و هذا يدل على أنّ التفريق بين الحرة و الأمة إذا كانتا من القواعد تنزيهي، و أمّا القول المحكي عن الشهيد من جواز كشف سائر الأعضاء من البدن أخذاً بإطلاق الثياب فلم يقل به أحد.

3 مقدار ما يجوز النظر إليها

و أمّا مقدار ما يجوز النظر إليها فيختلف حسب مقدار

ما تضع من ثيابها فعلى القول باختصاصها بالجلباب يجوز النظر إلى اليدين و الذراعين و بعض الشعر، لأنّ الخمار لا يكون ساتراً لجميع شعرها. و على الثاني أي: جواز وضع الجلباب و الخمار معاً، يجوز النظر إلى جميعها و عنقها و عليه يحمل ما في خبر علي بن أحمد بن يونس قال: ذكر الحسين أنّه كتب إليه يسأله عن حدّ القواعد من النساء التي إذا بلغت جاز لها أن تكشف رأسها و ذراعها؟ فكتب عليه السّلام: «من قعدن عن النكاح». 3

و ما في صحيحة البزنطي قال: سألته عن الرجل يحلّ له أن ينظر إلى شعر أُخت امرأته؟ فقال: «لا، إلّا أن تكون من القواعد»، قلت له: أُخت امرأته

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 104، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 12.

(2) 2 و 3 المصدر نفسه، الباب 110، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 56.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 70

و الغريبة سواء؟ قال: «نعم» قلت: فما لي من النظر إليه منها؟ فقال: «شعرها و ذراعها». «1» و مع ذلك ليس لهنّ التبرّج بالزينة. كما هو صريح الآية.

المسألة الحادية عشرة: في حكم الصبي و الصبية من جهات

1- حكم البالغ بالنسبة إلى غير المميّز

يجوز النظر من المخالف البالغ إلى غير المميّز صبياً كان أو صبية لانصراف الأدلّة عن مثلهما و السيرة القطعية، و يؤيّده ما دلّ على جواز غسل الرجل للصبية إذا كانت دون الخمس. «2»

و بذلك يعلم أنّه إذا كان الناظر غير مميّز و المنظورة بالغة فلا يجب على المرأة التستر، لانصراف الأدلّة عن مثله فعلم أنّ غير المميّز لا حكم له من النظر إليه، أو نظره إلى غيره حتّى يجب عليه التستر منه من غير فرق بين العورة و غيرها و التعفف أليق و أحوط.

2- حكم البالغ بالنسبة إلى المميّز صبيّاً أو صبيّةً

يقع الكلام تارة في حكم النظر إليهما، و أُخرى في وجوب التستر إذا كان هناك ناظر مميّز. أمّا الأوّل أعني: النظر إلى غير المماثل المميّز، فيجوز للرجل النظر إليها، لصحيح عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الجارية التي لم تدرك متى ينبغي لها أن تغطي رأسها ممّن ليس بينها و بينه محرم؟ و متى يجب عليها أن تقنع رأسها للصلاة؟ قال: «لا تغطّي رأسها حتّى تحرم عليها

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 107 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: 2، الباب 23، من أبواب غسل الميّت، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 71

الصلاة». «1» و حرمة الصلاة عليها: كناية عن صيرورتها حائضاً، و الرواية و إن دلّت على جواز كشف الصبية رأسها حتى تحيض، و تدلّ بالملازمة العرفية على جواز النظر إليها حتّى تحيض لكن خرجت عنها البالغة و إن لم تحض و بقيت غيرها.

و منه يعلم حكم نظر المرأة إلى الصبي المميّز لاتّحاد حكم الرجل و المرأة في باب النظر و يمكن الاستدلال على جواز نظرها إلى المميّز، بما سيأتي من

أنّه لا يجب عليها الستر من الغلام حتّى يحتلم، بتقريب أنّ جواز كشف الرأس يلازم جواز نظرها إليه.

هذا على قول من يقول بحرمة نظرها إلى الرجل، و أمّا على قول من يجوّز النظر كما هو الظاهر من صاحب مستند العروة، فلا حاجة إلى الاستثناء.

3 فيما إذا كانت المميزة ناظرة أو المميز ناظراً

هذا كلّه إذا كان المميّز و المميّزة منظوراً إليه أو إليها. أمّا إذا كانت المميّزة ناظرة فلا يجب على الرجل التستر من المرأة الناظرة البالغة فضلًا عن المميّزة.

و أمّا إذا كان الناظر هو المميّز فهل يجب على المرأة التستر؟ وجهان: الجواز، لصحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: «يؤخذ الغلام بالصلاة و هو ابن سبع سنين و لا تغطي المرأة شعرها منه حتّى يحتلم». «2» و نحوها خبر قرب الإسناد 3 و عدم الجواز بقوله سبحانه: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ ... أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلىٰ عَوْرٰاتِ النِّسٰاءِ). 4

قائلًا بأنّ الظهور كناية عن العلم و الاطّلاع و تمييز الأُمور. قال الطبرسي:

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 126 من أبواب مقدّمات النكاح الحديث 2.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 126 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3 و 4.

(3) 4 النور/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 72

يريد به الصبيان الذين لم يعرفوا عورات النساء و لم يعثروا عليها لعدم شهوتهم فيختصّ ذلك بغير المميّز.

و يمكن أن يقال: إنّ الآية كناية عن البلوغ و المراد من الظهور هو الغلبة و القدرة و المراد من غلبتهم على عورات النساء، قدرتهم على الجماع و الاستمتاع، قال سبحانه: (كَيْفَ وَ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لٰا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَ لٰا ذِمَّةً). «1»

و قال تعالى: (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ*). «2»

و يؤيده إيجاب الاستئذان

على الأطفال عند البلوغ. قال سبحانه: (وَ إِذٰا بَلَغَ الْأَطْفٰالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ اللّٰهُ لَكُمْ آيٰاتِهِ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). «3» فالبالغ يستأذن في كلّ الأوقات، و أمّا الأطفال و العبيد يستأذنون في الأوقات الثلاثة التي ذكرها سبحانه في قوله: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ وَ الَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلٰاثَ مَرّٰاتٍ). «4»

و نقله الطبرسي قولًا، و قال: و قيل: لم يطيقوا مجامعة النساء فإذا بلغوا مبلغ الشهوة فحكمهم حكم الرجال. و على ضوء هذا فالقول أي عدم وجوب الستر إذا كان الناظر غير بالغ هو الأظهر أخذاً بظاهر صحيحة البزنطي و منطوق الآية.

و يمكن حمل الآية إذا قلنا بأنّ الظهور كناية عن العلم على ما إذا ترتّب على الإبداء ما لا تحمد عاقبته مثل ثوران الشهوة، لا ما إذا لم يترتّب عليه ذلك، و قد جرت السيرة على الإبداء إلّا في هذه الصورة و القدر المتيقّن من الصحيحة أيضاً ما إذا لم يترتّب عليه ذلك.

و أمّا إذا كان النظر من المميّز و المميّزة موجباً لذلك، فانّهما و إن كانا غير

______________________________

(1) التوبة/ 8.

(2) الصف/ 9.

(3) النور/ 59.

(4) النور/ 58.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 73

مكلّفين، لكن كان العمل مبغوضاً بذاته، يجب قطع السبيل على الناظر و الناظرة، أمّا الأوّل فبستر المرأة و أمّا الثاني فبمنع الولي إيّاها و عدم السماح لها، للنظر.

و أمّا النظر منهما إلى عورة البالغ أو نظره إلى عورتهما فربّما يستدل على الحرمة بقوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حٰافِظُونَ*). «1»

مدّعياً بأنّ المراد الأعم من الجماع و النظر، و يمكن أن يقال: إنّ حكم العورة حكم الأشياء

التي تعدّ حسب الطبع أمراً محظوراً محرّماً فالجواز يحتاج إلى الدليل، و إنّما خرجنا عنها في غير المميز لدليل هذا كلّه فيما إذا لم يبلغا مبلغاً يترتّب على النظر منهما أو إليها ثوران الشهوة، و إلّا فلا كلام في الحرمة.

4- تقبيل الرجل الصبية

لا إشكال في تقبيل الصبية التي ليست بمحرم و وضعها في الحجر قبل أن يأتي عليها ستّ سنين للنصوص المتضافرة: كصحيح علي بن الحكم الكوفي (الثقة الجليل) عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي (الذي كان وجهاً عند أبي الحسن الأوّل عليه السّلام) و هو يروي عن أبي أحمد الكاهلي (المهمل الذي لم يوجد له في الكتب الأربعة إلّا رواية واحدة) و الرواية مضمرة و يقول: و أظنّني قد حضرته قال: سألته عن جارية «جويرية خ ل» ليس بيني و بينها محرم تغشاني فأحملها و أقبّلها؟ فقال: «إذا أتى عليها ستّ سنين فلا تضعها على حجرك». «2»

و روى الصدوق في الفقيه بسنده عن عبد اللّه بن يحيى، قال: سأل محمّد بن النعمان أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال له: عندي جويرية ليس بيني و بينها رحم و لها ستّ سنين؟ قال: «لا تضعها في حجرك». «3»

______________________________

(1) المؤمنون/ 5.

(2) الوسائل: 14، الباب 127، الحديث 1.

(3) الفقيه: 3، كتاب النكاح، الباب 128، ص 275، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 74

و ربّما يحتمل أن يكون أبو أحمد الكاهلي في الرواية الأُولى، هو نفس محمّد بن النعمان في الرواية الثانية فتتحد الروايتان، و على فرض صحّة الاحتمال فمحمّد بن النعمان مردّد بين محمّد بن علي بن النعمان الأحول البجلي الثقة، المعروف بمؤمن الطاق، و محمّد بن النعمان الأزدي الكوفي من رجال الصادق عليه السّلام الذي

ترجمه الشيخ في رجاله برقم (352) و محمّد بن النعمان الحضرمي الذي هو أيضاً كذلك و ترجمه الشيخ في رجاله برقم (351) و لكن وجود الاختلاف في المتن، يأبى عن توحيد الروايتين.

ثمّ إنّ دلالة الروايتين على عدم جواز التقبيل إذا مضت عليها ستّ سنين بالأولوية فإذا كان الوضع ممنوعاً فالتقبيل بطريق أولى، و أمّا دلالتهما على جواز التقبيل إذا لم تبلغ ستّ سنين فلأنّ الوضع على الحجر يلازم غالباً مع التقبيل فإذا جاز، جاز.

و أمّا ما أفاده صاحب مستند العروة: أنّ الإمام عليه السّلام أجاب عمّا هو أهون منهما، فيستفاد منه أنّه لا مانع من التقبيل و الحمل ما لم تبلغ ستّ سنين. ففيه: أنّ جواز الأهون لا يدلّ على جواز غيره و إنّما الملازمة في صورة العكس فلاحظ. ثمّ إنّ القول بالتحريم إذا جاوزت الستّ مشكلة.

أمّا أوّلًا: فلأنّه ورد التعبير في غير واحد من الروايات بلفظ «لا ينبغي» المشعر بالكراهة: روى زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا بلغت الجارية الحرّة ستّ سنين فلا ينبغي لك أن تقبّلها». «1»

و ثانياً: أنّ كثرة الابتلاء يقتضي تضافر النصوص و الإفتاء بها، و المسألة غير معنونة في كلماتهم و هذا آية كون الحكم على الكراهة.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 127، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 75

نعم هناك بعض المراسيل تحكي عن عمل الإمام حيث إنّه نحى عن اقتران الجارية إليه على اختلاف مضمونها.

ففي مرسلة هارون بن مسلم عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام: أنّ بعض بني هاشم دعاه مع جماعة من أهله فأتى بصبية له فأدناها أهل المجلس جميعاً إليهم، فلمّا دنت منه سأل عن

سنّها فقيل: خمس، فنحاها عنه. «1»

و في مرسلة علي بن عقبة: و قال: «إذا أتت على الجارية ستّ سنين لم يجز أن يقبّلها رجل ليست هي بمحرم له و لا يضمّها إليه». 2

و في مرفوعة زكريا المؤمن: رفعه أنّه قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بلغت الجارية ستّ سنين فلا يقبّلها الغلام، و الغلام لا يقبّل المرأة إذا جاز سبع سنين». 3 و كون المورد هو الغلام لا يضرّ بالمقصود، فإذا حرم في الأهون ففي غيره بطريق أولى.

لكن الكلّ مراسيل لا يصحّ الاستدلال بها، مع اختلافها في المضمون و القول بالكراهة ما لم تبلغ، هو الظاهر لكن إذا لم تكن عن شهوة لكون المنع في هذه الصورة، هو المرتكز، قبل البلوغ أو بعده.

المسألة الثانية عشرة: حكم صوت الأجنبية و مصافحتها

اشارة

يحرم على المرأة إسماع الصوت الذي فيه تهييج للسامع بتحسينه و ترقيقه، قال تعالى: (يٰا نِسٰاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسٰاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلٰا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَ قُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً) 4

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 127، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3 و 6 و 4.

(2) 4 الأحزاب/ 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 76

و الآية و إن كانت خطاباً لنساء النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلّا أنّ قوله: (فَلٰا تَخْضَعْنَ) بيان للتقوى في قوله: (إِنِ اتَّقَيْتُنَّ) كما أنّ الأحكام الواردة بعدها كلّها بيان له، أعني: قوله سبحانه: (وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لٰا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجٰاهِلِيَّةِ الْأُولىٰ وَ أَقِمْنَ الصَّلٰاةَ وَ آتِينَ الزَّكٰاةَ وَ أَطِعْنَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ). «1»

و قال سبحانه: (وَ اذْكُرْنَ مٰا يُتْلىٰ فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيٰاتِ اللّٰهِ وَ الْحِكْمَةِ إِنَّ اللّٰهَ

كٰانَ لَطِيفاً خَبِيراً). 2

و من المعلوم أنّ مراعاة التقوى واجبة على كلّ أحد، و عند ذلك لا فرق بين سائر النساء و نساء النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و احتمال كون الإمساك عن التخضع من مراتب كمال التقوى، خلاف الظاهر، بقرينة ما ورد بعد من قوله: (وَ قَرْنَ)، (وَ لٰا تَبَرَّجْنَ)، (وَ أَقِمْنَ الصَّلٰاةَ)، و بالجملة كون الإسماع في هذه الصورة حراماً لا شكّ فيه و يؤيده الارتكاز.

و إنّما الكلام فيما إذا كان صوتها مجرّداً عن ذلك.

فقال المحقّق: لا يجوز له سماع صوت المرأة الأجنبية، لأنّه عورة، و حكى عن القواعد و التحرير، و الإرشاد، و التلخيص، و قال في الجواهر: بل قيل إنّه مشهور، و إليك الأقوال:

قال في الحدائق: المشهور تحريم سماع صوت المرأة الأجنبية، مبصراً كان أو أعمى، و إطلاق كلامهم شامل لما أوجب إسماع التلذذ و الفتنة أم لا. 3

قال المحقّق في الشرائع: الثانية: الأعمى لا يجوز له سماع صوت الأجنبية.

و قال العلّامة في القواعد: و لا للأعمى سماع صوت الأجنبية. 4

و قال في التذكرة: و صوت المرأة عورة يحرم استماعه مع خوف الفتنة لا بدونه

______________________________

(1) 1 و 2 الأحزاب/ 33 و 34.

(2) 3 الحدائق: 23/ 66.

(3) 4 متن إيضاح القواعد: 3/ 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 77

و ينبغي لها أن تجيب المخاطبين لها أو قارع الباب، بصوت غليظ و لا ترخم صوتها. و للشافعية وجهان: في أنّه عورة، أم لا لكن يحرم الإصغاء إليه مع خوف الفتنة، لما رواه الصدوق أنّ أمير المؤمنين عليه السّلام كان يسلّم على النساء و كان يكره أن يسلم على الشابة منهنّ و قال عليه السّلام: «أتخوّف أن

يعجبني صوتها فيدخل من الإثم عليّ أكثر ممّا طلبت من الأجر». «1»

و قال في التحرير: لا يجوز للأعمى سماع صوت المرأة الأجنبية، و لا للمرأة النظر إليه، لأنّ ابن أُمّ مكتوم دخل على النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم .... «2»

و قال الشهيد الثاني في المسالك: يحرم على الأعمى سماع صوت المرأة لأنّ صوتها عورة. و إطلاق الحكم يشمل ما إذا خاف الفتنة، أو تلذّذ و عدمه، و يفيد تحريم سماع صوتها للمبصر بطريق أولى. لكنّه لم يذكره في حكم المبصر و اكتفى بالتنبيه عليه ضمناً. «3»

قال المحقّق الكركي «4» الرابع: صوت المرأة عورة يحرم استماعه مع خوف الفتنة لا بدونه ... و اعلم أنّه كما يحرم استماع صوتها يحرم عليها إسماعه الأجانب كما يحرم عليها التكشف.

و لكن الموافقة مع الحرمة على إطلاقها من دون تقييدها بالتلذّذ و الريبة مشكلة جدّاً بل غير صحيح، إذ يدلّ على جواز سماع صوتها أُمور:

1- تخصيص الآية النهي بصورة التخضّع، لا مطلق التكلّم، و إلّا لكان توجيه النهي إليه أولى.

2- السيرة القطعية بين المسلمين من تكلّم النساء مع الرجال و المحادثة

______________________________

(1) التذكرة: 2/ 574، كتاب النكاح.

(2) التحرير: 3، كتاب النكاح، الطبعة الحجرية.

(3) المسالك: 1/ 349.

(4) نكاح جامع المقاصد المطبوع في ذيل القواعد للعلّامة: 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 78

بينهم من دون تقيّد بحال الضرورة، و هذا هو التاريخ، ضبط كلام النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم مع النساء في الحروب و غيرها.

3- إنّ العيش في البادية التي تقام فيها المآتم و الأعراس لا ينفكّ عن اختلاط النساء مع الرجال و تكلّم كلّ مع الآخر و لو كان سماع صوتها حراماً

لكان للنبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و الأئمّة عليهم السّلام التصريح الأكيد بالمنع.

4- ما زالت النساء تتعامل مع الرجال في الأسواق و الشوارع من غير نكير. إلى غير ذلك من الوجوه التي يشرف الفقيه على القطع بالجواز.

و استدلّ على الحرمة بوجهين:

الأوّل: ما في الشرائع من أنّ صوتها عورة و لم نجد له سنداً. و مثله ما يقال: صوت المرأة كبدنها عورة.

الثاني: الروايات الناهية من ابتداء الرجل بالسلام على المرأة.

مثل موثقة ابن مسعدة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تبدءوا النساء بالسلام و لا تدعوهنّ إلى الطعام، فانّ النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: النساء عيّ و عورة فاستروا عيّهن بالسكوت و استروا عوراتهن بالبيوت». «1»

يلاحظ عليه: أنّ هذه الرواية و ما بمضمونها يحمل على الكراهة و التنزيه، لأنّه ثبت متواتراً من تكلّم فاطمة بنت النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و بناته الأُخر مع الناس، كما ثبت مخاطبة النساء للنبيّ و الأئمّة عليهم السّلام و لا يمكن حمل كلّ ذلك على الاضطرار الدينيّ أو الدنيوي، و الآية الكريمة المخصصة للنهي بصورة التخضع، مشعرة بالجواز في غير هذه الصورة، مع أنّ النساء في جميع الأجيال كنّ يتعاملن مع الناس في حوائجهنّ و كمالاتهنّ، فكيف يمكن رفع اليد عن هذه السيرة بهذه الرواية؟

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 131، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 79

و ممّا يؤيّد التنزيه، ما رواه الصدوق، قال: كان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يسلّم على النساء و يرددن عليه و كان أمير المؤمنين عليه السّلام يسلّم

على النساء و يكره أن يسلّم على الشابّة منهنّ و يقول: أتخوّف أن يعجبني صوتها فيدخل عليّ من الإثم أكثر ممّا طلبت من الأجر. «1»

فبالجملة: نفس التكلّم بما هو هو من غير فرق بين الشابّة و غيرها، لا شكّ في جوازه، و أمّا الطوارئ الموجبة لحدوث الفتنة، و اقتراب الإنسان من الذنب فهو خارج عن موضوع البحث.

مصافحة الرجل المرأة الأجنبية

لا شكّ في أنّ كلّ موضع حكم فيه بتحريم النظر، فاللمس أولى، إنّما الكلام في المصافحة باليد فقد وردت حرمتها، إلّا من وراء حجاب، و لا يغمز كفّها. «2»

و أمّا العضو المبان، فهل هو على حكمه الثابت في حال الاتصال، أو لا؟ أو الفرق بين الأظفار و السن و غيرهما من سائر الأجزاء، فالأحوط عدم جواز اللمس و النظر إلى الرأس المقطوع و البدن المقطوع إلّا إذا صار على وجه يعدّ شيئاً أشبه بالجماد لثبوت حرمته، قبل الانفصال و الأصل بقائها على ما كان خصوصاً حكم السوأتين.

خاتمة في الخنثى المشكلة

يقع الكلام تارة في الخنثى المشكلة في جواز نظر كلّ من الرجل و المرأة إليها و أُخرى في نظرها إلى كلّ من الطائفتين و تستّرها عنهما.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 131، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 3.

(2) الوسائل: 14، الباب 115، من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 80

أمّا الأوّل: فالظاهر جواز نظر كلّ منهما إليها لأنّ حرمة النظر في جانب الرجل، مشروط بإحراز الأُنوثية في الطرف المقابل و هي بعدُ لم تحرز و على العكس في جانب المرأة و ليس هناك خطاب واحد متوجّه إليهما، و هذا مثل واجدي المني في الثوب المشترك حيث لا يجب الاغتسال على كلّ واحد منهما، مع العلم بكون أحدهما جنباً، و ما هذا إلّا لأنّ كلًا منهما، شاكّ في توجّه الخطاب بالنسبة إليه و علم كل واحد بأنّ هنا خطاباً واحداً متوجّهاً إمّا إليه أو إلى شريكه غير منجّز بعد كون النتيجة، هو الشكّ في حدوث التكليف، و مثله المقام، فانّ كلًا من الرجل و المرأة، واقف بحكم (حرمة النظر إلى الخنثى) متوجّه

إلى واحد منهما و مثل هذا لا يخرج عن الشكّ في التكليف، و بهذا البيان لا تحتاج لإثبات الجواز إلى استصحاب الحكم في حال الصغر.

و أمّا الثاني: و هو تكليف نفس الخنثى، فلا يجوز لها النظر إلى كلّ من الرجل و المرأة لعلمها بحرمة النظر إلى واحد من الطائفتين، إمّا الرجال، و إمّا النساء، فتجتنب عنهما لتحصيل البراءة، إلّا إذا كان هناك عسر و حرج في الاجتناب.

نعم، لا يجب عليها ستر بدنها ما عدا العورة لعدم العلم بكونها امرأة و احتمال كونها رجلًا، نعم لو كانت هنا امرأة ناظرة و قلنا بوجوب ستر ما عدا العورة على الرجل أيضاً إلّا ما جرت العادة على عدم سترها وجب عليها ستر ما عداها أيضاً.

إلى هنا تمّت أحكام النظر و يليه بيان أحكام الوطء حسب ما ذكره المحقّق قدّس سرّه في الشرائع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 81

الفصل الثاني: في أحكام الوطء

اشارة

1- إتيان المرأة في دبرها

أ: أقوال الفريقين في المسألة

ب: الاستدلال بقوله سبحانه: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ)

ج: الاستدلال بآيات أُخر

د: الاستدلال بالروايات على الجواز و المنع

2- العزل عن الحرّة المنكوحة دواماً

* عزل المرأة عن الرجل

3- ترك وطء المرأة أكثر من أربعة أشهر

4- أحكام فروع مذكورة في العروة الوثقى

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 83

أحكام الوطء و هنا مسائل:

الأُولى: في حكم إتيان المرأة في دبرها

اختلفت كلمة أصحابنا في حكم إتيان النساء في أدبارهنّ،

فالمشهور على الجواز مع كراهة شديدة، و نقلت الحرمة عن قليل منهم، كما أنّ المشهور عند غيرهم هو الحرمة، و نقل الجواز عن مالك بن أنس و غيره كما سيوافيك تفصيله. لتوضيح الحال نقدّم كلماتهم:

قال السيد المرتضى: و ممّا يشنّع به على الإمامية و تنسب إلى التفرّد به و قد وافقها فيه غيرها القول بإباحة وطء النساء في غير فروجهنّ المعتادة للوطء، و أكثر الفقهاء يحظرون ذلك. «1»

و قال الشيخ في الخلاف: يكره إتيان النساء في أدبارهنّ و ليس ذلك بمحظور. «2»

و قال في المبسوط: يكره إتيان النساء «في أحشاشهن» يعني أدبارهن و ليس بمحظور، و قال جميع المخالفين: هو محظور إلّا ما روي عن مالك و عن الشافعي في القديم من جوازه. «3»

و قال القاضي عبد العزيز بن البرّاج في المهذّب: و يكره إتيان النساء في أحشاشهن. «4»

و قال العلّامة في كتاب الطهارة عند البحث عن أحكام الحائض: «و يحرم

______________________________

(1) الانتصار: 125.

(2) الخلاف: 2/ 362، المسألة 117.

(3) المبسوط: 4/ 243.

(4) المهذّب: 2/ 222.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 84

على زوجها وطؤها قبلًا ... و يجوز الاستمتاع ممّا عدا القبل». «1»

و قال أيضاً في أجوبة المسائل المهنّائية: ما يقول سيّدنا في الوطء في دبر

المرأة هل هو حرام أو مكروه، أم ليس بحرام و لا مكروه فإنّ للأصحاب اختلافاً كثيراً؟ الجواب: الأقوى الكراهة؛ لأصالة الإباحة. و قوله تعالى: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ). «2» إلى غير ذلك من العبارات المتّفقة على الجواز مع الكراهة الشديدة.

و أمّا القائلين بالحرمة، فأوّل من أفتى بالحرمة من الأصحاب على ما وقفنا عليه: ابن حمزة، في الوسيلة قال: «و حرّم عليه وطؤها في المحاش». «3»

و يظهر من الشهيد الثاني الجنوح إلى الحرمة قال: «و ذهب جماعة من علمائنا منهم القميون و ابن حمزة إلى أنّه حرام و هو، اختيار أكثر العامة، و قد اختلفت الرواية فيه من طريق الخاصة و أشهرها ما دلّ على الجواز، و اختلفت العامة أيضاً و أشهرها عندهم ما دلّ على المنع.

و في كشف اللثام: و عن القميين و ابن حمزة و الشيخ أبي الفتوح الرازي و الراوندي في اللباب، و السيّد أبي المكارم صاحب بلابل القلاقل و في كشف الرموز للمحقّق الأبي تلميذ المحقق، الحرمة.

و أمّا كلمات سائر الفقهاء:

قال الشافعي في كتاب الام: اختلف أصحابنا في إتيان النساء في أدبارهنّ فذهب ذاهبون منهم إلى إحلاله، و آخرون إلى تحريمه إلى أن قال: فلست أُرخّص

______________________________

(1) القواعد: 1/ 55.

(2) المسائل المهنائيّة: 71، المسألة 97.

(3) الوسيلة: 313، تأليف علي بن حمزة الطوسي عماد الدين المعروف بأبي جعفر الثاني (في مقابل الشيخ الطوسي المعروف بأبي جعفر) و ابن حمزة الطوسي المشهدي شرع في تأليف كتابه «ثاقب المناقب» سنة 560 و لم تعلم سنة وفاته، ذكره في الذريعة: 5/ 5، و الثقات العيون: 272.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 85

فيه بل أنهى عنه. «1»

و قال ابن قدامة في المغني: و لا يحل وطء الزوجة

في الدبر في قول أكثر أهل العلم، منهم عليّ و عبد اللّه، و أبو الدرداء و ابن عباس، و عبد اللّه بن عمر، و أبو هريرة، و به قال سعيد بن المسيب، و أبو بكر بن عبد الرحمن، و مجاهد، و عكرمة، و الشافعي، و أصحاب الرأي، و ابن المنذر، و رويت إباحته عن ابن عمر، و زيد بن أسلم، و نافع و مالك، و روي عن مالك أنّه قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال. و أهل العراق من أصحاب مالك ينكرون ذلك. «2»

و قال البيهقي عند تفسير الآية: و نقل عن جابر و أُمّ سلمة من أنّه قالت اليهود: إنّما يكون الحوَل إذا أتى الرجل امرأته من خلفها فأنزل اللّه عزّ و جلّ: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) من بين يديها و من خلفها و لا يأتيها إلّا في المأتي.

و الروايات بكثرتها تؤيّد ما قلناه حول الرواية: و أمّا حكم الإتيان في الدبر فقد رووا عن النبيّ الأكرم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «إنّ اللّه لا يستحيي من الحقّ لا تأتوا النساء في أدبارهنّ». «3»

و قال القرطبي: «ذهبت فرقة ممّن فسّر (أَنّٰى شِئْتُمْ) ب «أين شئتم» إلى أنّ الوطء في الدبر مباح، و ممّن نسب إليه هذا القول سعيد بن المسيب، و نافع و ابن عمر، و محمّد بن كعب القرظي، و عبد الملك بن الماجشون و حكي ذلك عن مالك في كتاب له يسمّى «كتاب السر». و حذاق أصحاب مالك و مشايخهم ينكرون ذلك الكتاب و مالك أجلّ من أن يكون له كتاب سرّ. و وقع هذا القول في العتبية. و ذكر

______________________________

(1)

الأُم: 5/ 156، و لاحظ 84.

(2) المغني: 7/ 227226.

(3) السنن الكبرى: 7/ 194- 199، باب إتيان النساء في أدبارهن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 86

ابن العربي أنّ ابن شعبان أسند جواز هذا القول إلى زمرة كبيرة من الصحابة و التابعين و إلى مالك من روايات كثيرة في كتاب جماع النساء و أحكام القرآن.

و قال الكيا الطبري: و روي عن محمّد بن كعب القرظي أنّه كان لا يرى بذلك بأساً و يتأوّل فيه قول اللّه عزّ و جلّ: (أَ تَأْتُونَ الذُّكْرٰانَ مِنَ الْعٰالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ مٰا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ) و قال: فتقديره تتركون مثل ذلك من أزواجكم. و لو لم يبح مثل ذلك من الأزواج لما صحّ ذلك، و ليس المباح من الموضع الآخر مِثلًا له حتى يقال: تفعلون ذلك و تتركون مثله من المباح. قال الكيا: و هذا فيه نظر إذ معناه: و تذرون ما خلق لكم ربّكم من أزواجكم ممّا فيه تسكن شهوتكم. و لذة الوقاع حاصلة بهما جميعاً فيجوز التوبيخ على هذا المعنى .... «1»

و إنّما نقلنا كلامه بطوله لأنّ بعض الكتّاب الجدد من أهل السنّة ينفون وجود القول بالجواز بينهم و يتحاملون على الشيعة بأنّ فيهم المجوّز، و بذلك علم مدى صحّة قولهم، و إن كان الأشهر عندهم حسب ما سمعت عدم الجواز.

إذا عرفت الأقوال فقد استدل القائلون بالجواز بآيتين.
الآية الأولى:

قوله سبحانه: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلٰاقُوهُ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ). «2»

قال السيد المرتضى في الانتصار: و معنى قول: (أَنّٰى شِئْتُمْ): كيف شئتم، و في أيّ موضع آثرتم و لا يجوز حمل لفظة «أنّى» هاهنا على الوقت لأنّ لفظة «أنّى» تختص الأماكن و

قلّما تستعمل في الأوقات، و اللفظة المختصة بالوقت «أيّان شئتم» على أنّه لو سلّمنا أنّ الوقت مراد بهذه اللفظة حملناها على الأمرين معاً من

______________________________

(1) القرطبي: جامع أحكام القرآن: 3/ 9493.

(2) البقرة: 223.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 87

الأوقات و الأماكن.

و أمّا من ادّعى أنّ المراد بذلك إباحة وطء المرأة من جهة دبرها في قبلها بخلاف ما تكرهه اليهود فهو تخصيص لظاهر القرآن بغير دليل.

و أمّا الطعن على هذه الدلالة بأنّ الحرث لا يكون إلّا بحيث يكون النسل و قد سمّى اللّه تعالى النساء حرثاً فيجب أن يكون الوطء من حيث يكون النسل فليس بشي ء لأنّ النساء و إن كنّ لنا حرثاً فقد أُبيح لنا وطؤهنّ بلا خلاف في غير موضع الحرث كالوطئ دون الفرج و لو كان ذكر الحرث يقتضي ما ذكروه لتنافي أن يقول لنا: «نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم من قبل أو دبر». «1»

أقول: إنّ لفظة «أنّى» تكون ظرف مكان تارة بمعنى «أين» و تجزم فعلين، نحو «أنّى تجلس أجلس»، و بمعنى «من أين» أُخرى، نحو (يٰا مَرْيَمُ أَنّٰى لَكِ هٰذٰا) أي من أين، و ظرف زمان ثالثة بمعنى متى نحو: (أنّى جئت) يعني متى جئت و استفهامية غير زمانية رابعة بمعنى كيف نحو: (أَنّٰى يُحْيِي هٰذِهِ اللّٰهُ بَعْدَ مَوْتِهٰا) (البقرة/ 259) أي كيف يحيي، و قوله سبحانه: (أَنّٰى يَكُونُ لِي غُلٰامٌ) (مريم/ 8) أي: «كيف يكون لي غلام» «2».

و بذلك يظهر عدم دلالة الآية على الجواز لأنّ «أنّى» لا تخلو إمّا أن تكون بمعنى «أين» فعند ذلك دلّت على جواز الإتيان في جميع الأمكنة و أنّه مباح فيه من دون اختصاص بمكان خاص. و لو كانت

بمعنى «من أين» فكما تحتمل أن يكون المراد الإتيان إلى الحرث من القبل و الدبر تحتمل أن يكون المراد هو الإتيان إلى الفرج من قبلها أو من دبرها، و عندئذ تكون الآية رادعة لما حكي عن اليهود «الذين كانوا يقولون إذا جامع المرأة في فرجها من ورائها جاء الولد أحول فأنزل اللّه: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) من بين يديها أو من خلفها غير أن يأتيها إلّا

______________________________

(1) الانتصار: 1/ 126125.

(2) أقرب الموارد: 22.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 88

في المأتي». «1»

بقي الكلام في الوجوه التي ذكرها السيد المرتضى، فإليك تبيين الحال فيها:

1- ذكر السيد المرتضى ره: أنّ هذا التفسير تخصيص بلا وجه و الظاهر هو الأعم من هذا، و من الإتيان من القبل و الدبر.

يلاحظ عليه: أنّ لفظة «حرث» قرينة على التخصيص فإذا قيل للحارث: احرث أيّ موضع شئت فلا يفهم منه إلّا الحرث في الأراضي الصالحة لا القاحلة من الرمل و الحجارة، فإذا قيل للزوج: ائت حرثك من أيّ طريق، فلا يفهم منه إلّا الحرث في المحلّ المعدّ له.

2- كيف تكون قرينة، مع جواز التصريح بالتعميم بأن قال: من قبل أو دبر و لما تنافي.

يلاحظ عليه: أنّ التصريح بالتعميم لا ينافي الظهور في الاختصاص و لو صرّح يقدم على الظاهر أو على الأظهر.

3- قد أُبيح وطؤهنّ في غير موضع الحرث كالوطئ دون الفرج.

يلاحظ عليه: أنّه قد علم من دليل آخر فلا يكون قرينة على التعميم في الآية.

الآية الثانية:

قوله سبحانه: (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجٰالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسٰاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ). «2»

و قوله سبحانه: (أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجٰالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسٰاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ

______________________________

(1) المغني: 7/ 227، و

غيره.

(2) الأعراف/ 81.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 89

تَجْهَلُونَ). «1»

و قوله سبحانه: (أَ تَأْتُونَ الذُّكْرٰانَ مِنَ الْعٰالَمِينَ* وَ تَذَرُونَ مٰا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوٰاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عٰادُونَ). «2»

و قوله سبحانه: (وَ جٰاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَ مِنْ قَبْلُ كٰانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئٰاتِ قٰالَ يٰا قَوْمِ هٰؤُلٰاءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللّٰهَ وَ لٰا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَ لَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ). «3»

وجه الاستدلال: لا يجوز أن يدعو إلى التعويض عن الذكران بالأزواج إلّا و قد أباح منهنّ في الوطء مثل ما يلتمس من الذكران.

يلاحظ على الاستدلال: أنّ الظاهر أنّ الذمّ لأجل أنّهم تركوا الاستمتاع و التلذذ بالنساء بالتوجّه إلى الذكران مع أنّ التمتع بالنساء أمر طبيعي بخلافه بالذكران، فعليهم رفع العزوبة بالتزوّج بالنساء عوضاً عن العمل المنكر الذي ما سبقهم بها من أحد من العالمين، و أمّا كون التمتع بهنّ مشابهاً لنفس التمتع بالذكران فليس مورداً للعناية كما لا يخفى.

قال السيد المرتضى: لا حجّة في هذا الضرب من الكلام لأنّه غير ممتنع أن يذمّهم بإتيان الذكران من حيث لهم عنه عوض، بوطء النساء، و إن كان في الفروج المعهودة لاشتراك الأمرين في الاستمتاع و اللذة و قد يغني الشي ء عن غيره و إن لم يشارك في جميع صفاته إذا أشركا في الأمر المقصود.

ثمّ إنّه ربّما يستدل ببعض هذه الآيات على التحريم بقوله سبحانه: (أَ تَأْتُونَ الْفٰاحِشَةَ مٰا سَبَقَكُمْ بِهٰا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعٰالَمِينَ).

فسمّى الإتيان

______________________________

(1) النمل: 55.

(2) الشعراء: 165، 166.

(3) هود: 78.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 90

بالدبر فاحشة، و في الدلالة ضعف ظاهر، لأنّه سمّى الإتيان بدبر الذكران فاحشة لا مطلقاً.

الكلام في الروايات
اشارة

و إجمال الكلام فيها قبل

التفصيل أن ما دلّ على الحلّ تسعة أحاديث، ثمانية منها وردت من طرقنا و واحدة من طرق العامّة و جلّ ما دلّ على المنع ثلاثة عشر حديثاً ثلاثة من طرقنا و عشرة من طرق العامّة و أكثرها ضعاف.

نعم قال بعض أصحابنا منهم العلّامة في المختلف و التذكرة: إنّ واحداً من أحاديث الحلّ صحيح و هو ما رواه الشيخ، عن أحمد بن محمّد بن عيسى عن معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد، عن حمّاد بن عثمان عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال:

«لا بأس به». «1»

و أمّا التفصيل: فهي على طوائف:

الطائفة الأُولى:

ما تتضمّن الاستدلال على الحكم بالذكر الحكيم من الجانبين و هي بين موثقة تدلّ على الجواز و تؤيدها مراسيل أربع، و صحيحة تدلّ على الحرمة و تؤيدها مراسيل ثلاث و إليك بيانها:

أمّا الموثقة فهي ما رواه عبد اللّه بن أبي يعفور قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي المرأة في دبرها؟ قال: «لا بأس، إذا رضيت»، قلت: فأين قول اللّه عزّ و جلّ: (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّٰهُ)؟ قال: «هذا في طلب الولد، فاطلبوا الولد من حيث أمركم اللّه، إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ

______________________________

(1) المسالك: 1/ 471، و لاحظ المختلف، 86، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 91

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)». «1»

و قد عبّر عنه في الجواهر بخبر ابن أبي يعفور و لكنّها موثقة رواها الشيخ بسند صحيح عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن علي بن أسباط الكوفي الفطحي الثقة، عن محمّد بن حمران الكوفي الثقة عن عبد اللّه

بن أبي يعفور الثقة. «2»

و أمّا مؤيّداتها من المراسيل الأربع:

1- مرسلة العياشي، عن عبد الرحمن بن الحجّاج، قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و ذكر عنده إتيان النساء في أدبارهنّ، فقال: ما أعلم آية في القرآن أحلّت ذلك إلّا واحدة (إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجٰالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسٰاءِ*). الآية. «3»

و الرواية مرسلة، مضافاً إلى مخالفتها مع مرسلة موسى بن عبد الملك حيث أسندت الحلّ إلى آية أُخرى كما ستوافيك:

2- مرسلة العياشي، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)، قال: «حيث شاء». 4

3- مرسلة العياشي عن عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن إتيان النساء في أعجازهن؟ قال: لا بأس به. ثمّ تلا هذه الآية: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)، قال: حيث شاء. 5

4- مرسلة موسى بن عبد الملك في رجل قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن إتيان الرجل المرأة من خلفها؟ فقال: «أحلّتها آية من كتاب اللّه، قول لوط: (هٰؤُلٰاءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) و قد علم أنّهم لا يريدون الفرج». 6

و هناك رواية صحيحة تعارض الموثقة و تفسر الآية بخلاف ما فسرت به

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 73 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

(2) راجع رجال النجاشي برقم 663، 965، 556.

(3) 3- 6 الوسائل: 14، الباب 73 من أبواب مقدّمات النكاح، الأحاديث 12، 11، 10 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 92

الموثقة و تؤيدها أيضاً مراسيل ثلاث و إليك البيان:

و أمّا الصحيحة فهي ما رواه معمّر بن خلّاد، قال: قال لي أبو الحسن عليه السّلام: «أيّ شي ء

يقولون في إتيان النساء في اعجازهن؟» قلت: إنّه بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً؟ فقال: «إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل المرأة من خلفها خرج ولده أحول فأنزل اللّه عزّ و جلّ: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) من خلف أو قدام خلافاً لقول اليهود و لم يعن في أدبارهن». «1»

و قد رواها الشيخ في التهذيب عن أحمد بن محمّد بن عيسى و سنده إليه صحيح في المشيخة و الفهرس كما في جامع الرواة. و أمّا مؤيداتها من المراسيل الثلاثة فهي عبارة:

1- روى علي بن إبراهيم في تفسيره، قال: قال الصادق عليه السّلام في قوله تعالى: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) أي متى شئتم في الفرج، و الدليل على قوله في الفرج قوله: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ) فالحرث الزرع في الفرج في موضع الولد. 2

2- روى العياشي: مرسلًا عن صفوان بن يحيى عن بعض أصحابنا، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)؟ قال: «من قدامها و من خلفها في القبل». 3

3- عن زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن قول اللّه عزّ و جلّ: (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)؟ قال: «من قبل». 4

فتلخّص من جميع ذلك أنّ في الطائفة الأُولى حديثان معتبران متعارضان، و لكلّ مؤيدات من المراسيل و لأجل التعارض يسقط الكلّ عن الحجّية و إليك بيان سائر الطوائف.

______________________________

(1) 1- 4 الوسائل: 14، الباب 72، من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1، 6، 7، 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 93

الطائفة الثانية:
اشارة

ما يدلّ على الجواز، من دون استناد إلى الذكر الحكيم، و هي

بين معتبرة و غير معتبرة.

أمّا الأُولى أي المعتبرة

فهي:

1- معتبرة ابن أبي يعفور، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل، يأتي المرأة في دبرها؟ قال: «لا بأس به» «1». رواها معاوية بن حكيم، عن أحمد بن محمّد، و المراد منه البزنطي.

2- معتبرة أُخرى، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام و أخبرني من سأله، عن الرجل يأتي المرأة في ذلك الموضع و في البيت جماعة؟ فقال لي و رفع صوته: «قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: من كلّف مملوكه ما لا يطيق فليعنه» ثمّ نظر في وجه أهل البيت ثمّ أصغى إليّ فقال: «لا بأس به». 2

و في السند ابن فضال عن الحسن بن الجهم، و الثاني ثقة روى عن الرضا عليه السّلام و أمّا ابن فضال فمشترك بين الأب و الأبناء الثلاثة، و عند الإطلاق ينصرف إلى الابن الأوّل ثمّ الأب.

و الأب هو: الحسن بن علي بن فضال، و أمّا الأبناء فهم عبارة عن:

1- على بن الحسن. 2 أحمد بن الحسن. 3 محمّد بن الحسن.

3- معتبرة صفوان، يقول: قلت للرضا عليه السّلام: إنّ رجلًا من مواليك أمرني أن أسألك عن مسألة فهابك و استحيا منك أن يسألك عنها قال: «ما هي؟» قال: قلت: الرجل يأتي امرأة في دبرها، قال: «نعم ذلك له». قلت: و أنت تفعل؟

______________________________

(1) 1- 2 الوسائل: 14، الباب 73، أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 5 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 94

قال: «لا إنّا لا نفعل ذلك». «1»

و في السند علي بن الحكم و هو مشترك بين الأنباري و النخعي و الكوفي و قد وثّق الأخير دون الأوّلين، و احتمل الأردبيلي، اتّحاد الجميع، إلّا أنّ

في نقل أحمد بن محمّد بن عيسى عنه في المقام نوع شهادة على كونه ثقة.

و أمّا الثانية أي غير المعتبرة

فهي بين مسندة و مرسلة و إن كان الكلّ يشتمل على ضعف فإليك البيان:

1- يونس بن عمّار قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام أو لأبي الحسن عليه السّلام: إنّي ربّما أتيت الجارية من خلفها يعني دبرها و نذرت فجعلت على نفسي إن عدت إلى امرأة هكذا فعليّ صدقة درهم، و قد ثقل ذلك عليّ؟ فقال: «ليس عليك شي ء و ذلك لك». 2

و يونس بن عمّار، هو أخو إسحاق بن عمّار، و في «معجم الثقات» أنّ النجاشي وثّقه في ترجمة أخيه إسحاق بن عمّار، و لكن عبارة النجاشي لا تدلّ على ذلك، لأنّه قال: «إسحاق بن عمّار شيخ من أصحابنا ثقة و إخوته يونس و يوسف و قيس و إسماعيل، و هو في بيت كبير من الشيعة» فإنّ الظاهر أنّ «إخوته» مبتدأ و خبره يونس و ما عطف عليه و لو أراد ما استظهره لكان عليه أن يقول بعد «و اسماعيل»: ثقات. فالسند غير تام.

و قال في الحدائق: و فيه دلالة على عدم انعقاد النذر على ترك المباح و مثله غيره.

يلاحظ عليه: أنّ ترك الوطء أمر راجح لأنّه فعل مكروه و في مثله ينعقد النذر، و لعلّ الإمام عليه السّلام حلّ نذره لأنّ الوفاء صار ثقيلًا على الناذر كما قال.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 73، أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 5 و 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 95

2- مرسلة علي بن الحكم، عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا أتى الرجل المرأة في الدبر و هي صائمة لم ينقض صومها و ليس

عليها غسل». «1» و السند عليل و المضمون معرض عنه.

3- مرسلة حفص بن سوقة، عمّن أخبره، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يأتي أهله من خلفها؟ قال: «هو أحد المأتيين، فيه الغسل». 2

4- مرفوعة البرقي، عن ابن أبي يعفور، قال: سألته عن إتيان النساء في اعجازهن؟ فقال: «ليس به بأس و ما أحبّ أن تفعله». 3

و هذه المراسيل تصلح للتأييد، لا للاستدلال، و لكن الإفتاء بمضمون الكلّ يتوقّف على رفع التعارض بينها و بين ما يدلّ على المنع و هي الطائفة الثالثة.

الطائفة الثالثة: ما تدلّ على الحرمة

1- خبر سدير، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «محاش النساء على أُمّتي حرام». 4

و سدير لم يوثّق و إن كان ابنه «حنّان» ثقة.

2- مرسلة الصدوق: قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «محاش نساء أُمّتي على رجال أُمّتي حرام». 5

و المحاش جمع «محشة» و هو الدبر، و المحش: المخرج و من هنا سمي الكنيف المحش لكونه بيت الغائط.

3- روى العياشي، في تفسيره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن

______________________________

(1) 1- 3 الوسائل: 14، الباب 73، أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 9، 7، 6.

(2) 4 و 5 المصدر نفسه: الباب 72، أبواب مقدمات النكاح، الحديث 2 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 96

الرجل يأتي أهله في دبرها، فكره ذلك و قال: إيّاكم و محاش النساء و قال: إنّما معنى (نِسٰاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ) أي ساعة شئتم. «1»

4- و عن زيد بن ثابت، قال: سأل رجل أمير المؤمنين عليه السّلام: أ تؤتي النساء في أدبارهن؟ فقال: «سفلت،

سفل اللّه بك. أما سمعت يقول اللّه: (أَ تَأْتُونَ الْفٰاحِشَةَ مٰا سَبَقَكُمْ بِهٰا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعٰالَمِينَ)». 2

و حصيلة الكلام: أنّ الاستدلال بالآيات على الجواز و المنع، مشكل لخفاء الدلالة على نحو يعوّل عليه في إثبات الحكم الشرعي، لا قوله سبحانه: (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّٰى شِئْتُمْ)، و لا قوله تعالى: (فَإِذٰا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ) حيث استدل بالأُولى على الجواز، و بالثانية على المنع. و قد عرفت وجه الخفاء.

و مثله قوله: (هٰؤُلٰاءِ بَنٰاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) لوجود الاحتمالين كما ذكر فبقيت دلالة الروايات و الأظهر الحرمة بدون رضاها لأنّها لا تعدّ من شئون التمتع الرائجة حتى يعدّ حقّاً للزوج، و أمّا مع الرضا فالأظهر الكراهة الشديدة، نظراً إلى أدلّة الجواز الموجبة لحمل النواهي على الكراهة و إن كانت قاصرة من حيث السند أيضاً.

و اللائق لشيعة أهل البيت التجنب تبعاً لأئمّتهم و لا يفوتنّك أنّ هذا النوع من العمل عمل جنسي انحرافي، فلا يطلبه إلّا من كان فيه زيغ جنسي. أعاذنا اللّه من شرور أنفسنا.

ثمّ إنّ هنا فروعاً ذكرها في الجواهر نشير إليها:

1- إنّ ظاهر قوله عليه السّلام في الموثق: «أنّه أحد المأتيين» أنّه يجب فيه الغسل، و إذا وطأها في الدبر و جاء بالولد لستّة أشهر فصاعداً فهل يلحق به الولد؟ الظاهر لا و الدليل منصرف عن هذه الصورة:

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 72، أبواب مقدمات النكاح، الحديث 9 و 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 97

2- لو طلّق بعد الوطء في الدبر لزمه تمام المهر لما عرفت من الموثق.

3- يحدّ حدّ الزاني إذا كانت أجنبية.

4- لها مهر المثل لو وطأها مع فساد العقد.

5- عليها العدّة، و القطع بعدم الحمل

لا ينافي وجوبها لاحتمال كون الولد حكمة الحكم لا علّة التشريع.

6- يحرم بالوطء في الدبر ما يحرم بالوطء في القبل فتحرم بنت الموطوءة و أُمّها، إلى غير ذلك من الأحكام المترتبة على الوطء في القبل.

المسألة الثانية: في العزل عن الحرّة المنكوحة دواماً

اتّفقت كلمتهم على جوازه في المتمتع بها، و الأمة، إنّما الكلام في جوازه في المنكوحة دواماً فهل يجوز مطلقاً، أو لا يجوز كذلك؟ أو يفصل بين إذنها و عدمه؟ وجوه:

قال الشيخ في المبسوط: «العزل أن يولج الرجل و يجامع فإذا جاء وقت الإنزال نزع فأنزل خارج الفرج، فإذا ثبت هذا فإن كان تحته مملوكة جاز له أن يعزل بغير أمرها، بلا خلاف، و إن كانت زوجة فإن كانت أمة كان له العزل أيضاً، و إن كانت حرّة فإن أذنت له فلا بأس و إن لم تأذن فهل له العزل؟ على وجهين:

أحدهما: ليس له ذلك و هو الأظهر في رواياتنا لأنّهم أوجبوا في ذلك كفّارة، و الثاني: أنّه مستحبّ و ليس بمحظور». «1»

فكأنّ الشيخ ره فهم من تعلّق الدية حرمته و سيوافيك مفاد الرواية و أنّها

______________________________

(1) المبسوط: 4/ 266.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 98

لا صلة لها بعزل الزوج، و إنّما هي راجعة إلى ما إذا أُفزع الزوج فعزل.

و قال في الخلاف: «من أفزع غيره و هو يجامع حتّى عزل عن زوجته الحرّة، كان عليه عشر دية الجنين «عشرة دنانير» و كذلك إذا عزل الرجل عن زوجته الحرّة بغير اختيارها فانّ عليه عشرة دنانير، و خالف جميع الفقهاء في ذلك». «1»

و قال في النهاية: «و يكره للرجل أن يعزل عن امرأته الحرّة، فإن عزل لم يكن بذلك مأثوماً غير أنّه يكون تاركاً فضلًا. اللّهمّ إلّا أن يشترط

عليها في حال العقد أو يستأذنها في حال الوطء فانّه لا بأس بالعزل عنها عند ذلك و أمّا الأمة فلا بأس بالعزل عنها على كلّ حال». «2»

و قال ابن حمزة في الوسيلة: «و في عزل الرجل عن امرأته الحرّة بغير إذنها عشرة دنانير لها و في إفزاعه حال الجماع حتى يعزل عشرة دنانير أيضاً». «3»

و قال في الشرائع: «العزل عن الحرّة إذا لم يشترط في العقد و لم تأذن قيل: هو محرّم بل يجب معه دية النطفة عشرة دنانير و قيل: مكروه، و إن وجبت الدية و هو أشبه.

و قال في الحدائق: «المشهور بين الأصحاب كراهة العزل عن الحرّة إلّا مع الإذن و هو مذهب الشيخ في النهاية، و ابن البرّاج، و ابن إدريس، و نقل عن ابن حمزة أنّه عدّه من المحرّمات، و هو الظاهر من كلام شيخنا المفيد حيث قال: «و ليس لأحد أن يعزل الماء عن زوجة له حرّة إلّا أن ترضى منه بذلك و نقل هذا القول في المسالك عن الشيخين و جماعة، و ظاهرهم الاتّفاق على جواز العزل عن الأمة و المتمتع بها، و الحرّة الدائمة مع الإذن. «4»

و المشهور عند أهل السنّة هو الكراهة، قال ابن قدامة: و العزل مكروه و معناه

______________________________

(1) الخلاف: 3، كتاب الديات، المسألة 123.

(2) النهاية: 282.

(3) الوسيلة: 755 في الجوامع الفقهية.

(4) الحدائق: 3/ 86.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 99

أن ينزع إذا قرب الإنزال فينزل خارجاً من الفرج و رويت كراهته عن عمر و علي و ابن عمر و ابن مسعود، و روي ذلك عن أبي بكر الصديق أيضاً لأنّ فيه تقليل النسل و قطع اللذة عن الموطوءة، إلى أن قال:

إلّا إذا دعت الحاجة للتقليل، مثل أن يكون في دار الحرب فتدعوه حاجته إلى الوطء فيطأ و يعزل ... و قد روي عن عليّ رضي اللّه عنه أنّه كان يعزل عن الحاجة، فإن عزل من غير حاجة كره و لم يحرم. «1»

و تدلّ على الجواز روايات متضافرة، و فيها صحاح:

منها: صحيحة محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العزل؟ فقال: «ذاك إلى الرجل يصرفه حيث شاء» و قد جاء هذا المضمون في روايات بلغت أربعاً. «2»

و في خبر عبد الرحمن الحذاء، قال: كان علي بن الحسين عليهما السّلام لا يرى العزل بأساً يقرأ هذه الآية: (وَ إِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) فكلّ شي ء أخذ اللّه منه الميثاق فهو خارج و إن كان على صخرة صماء. «3»

و في موثقة أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قلت له: ما تقول في العزل؟ فقال: «كان علي عليه السّلام لا يعزل و أمّا أنا فأعزل»، فقلت: هذا خلاف، فقال: «ما ضرّ داود إن خالفه سليمان و اللّه يقول: (فَفَهَّمْنٰاهٰا سُلَيْمٰانَ)». 4

و تظهر الكراهة من صحيح محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام أنّه سئل عن العزل، فقال: أمّا الأمة فلا بأس، فأمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك إلّا أن يشترط عليها حين يتزوّجها. 5

______________________________

(1) المغني: 6/ 228.

(2) الوسائل: 14، الباب 75، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1، 2، 4 و 5.

(3) 3 و 4 المصدر نفسه: الحديث 3 و 6.

(4) 5 الوسائل: 14، الباب 76، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 100

و لو لا ما دلّ على الجواز لصحّ حملها على الحرمة

لشيوع استعمال الكراهة في لسانهم في الحرمة، و في صحيح آخر عنه، عن أبي جعفر عليه السّلام: «إلّا أن ترضى أو يشترط ذلك عليها حين يتزوّجها». «1»

و بذلك، يتبين أنّ الحكم هو الكراهة و يرتفع بالاشتراط و الإذن.

و يظهر من رواية يعقوب الجعفي أو الجعفري «2» رفع كراهته في موارد ستة، قال: سمعت أبا الحسن عليه السّلام يقول: «لا بأس بالعزل في ستة وجوه: المرأة التي تيقّنت أنّها لا تلد، و المسنّة، و المرأة السليطة، و البذية، و المرأة التي لا ترضع ولدها، و الأمة. «3»

و لو صحّت الرواية لارتفعت الكراهة، في الموارد الستة، و إلّا فيحكم بها في غير صورتي الاشتراط و الإذن.

ثمّ إنّه لو قيل بالحرمة لما تعلّقت به الدية لكون الرجل مالكاً للماء كما هو مقتضى قوله عليه السّلام: «ذاك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء».

و أمّا الاستدلال عليها بما ورد عن ظريف بن ناصح، عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: «و أفتى في مني الرجل يفزع عن عرسه فيعزل عنها الماء و لم يرد ذلك: نصف خمس المائة: عشرة دنانير». «4»

فغير تام لوروده في الأجنبي إذا أفزع الزوج فعزل، لا في عزل الزوج باختياره، و القياس باطل مع كونه مع الفارق.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 76، من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 2.

(2) في الفقيه: 3، الباب 132، «الجعفي» و مثله نسخة الوسائل، و في الخصال باب 6، ج 1، ص 328 «الجعفري» و الرجلان مهملان أو مجهولان، و قد ذكر المحقّق الخوئي في مستند العروة، أنّ الجعفري ثقة، مع أنّه لم يذكر أيّ توثيق له في رجاله، راجع: 20/ 132.

(3) الوسائل: 14، الباب 76 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 4.

(4) الوسائل: 19، الباب

19 من أبواب ديات الأعضاء، ذيل الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 101

ثمّ إنّ جواز العزل يختص بغير الواجب في الأربعة أشهر، لأنّ المنساق منه غيره، كما سيوافيك. و أمّا عزل المرأة فغير جائز لكونه مخالفاً للتمكين. و لو عزلت لتتعلّق الدية عليها للزوج لإطلاق الرواية مع إلغاء خصوصية المفزع من كونه أجنبياً أو لا.

المسألة الثالثة: في ترك وطء المرأة أكثر من أربعة أشهر

اشارة

المشهور بين الفقهاء أنّه لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر.

قال ابن قدامة في المغني: الوطء واجب على الرجل إذا لم يكن له عذر، و به قال مالك، و على قول القاضي، لا يجب إلّا أن يترك للإضرار بها، و قال الشافعي: لا يجب عليه لأنّه حقّ له يجب عليه كسائر حقوقه، ثمّ قال: إذا ثبت وجوبه فهو مقدّر بأربعة أشهر، نصّ عليه أحمد و وجهه أنّ اللّه تعالى قدّره بأربعة أشهر في حقّ المولي فكذلك في حقّ غيره. «1»

قال الشيخ رحمه اللّه في النهاية: لا يجوز للرجل أن يترك المرأة و لا يقربها أكثر من أربعة أشهر فإن تركها أكثر من ذلك كان مأثوماً. «2»

و قال يحيى بن سعيد الحلي: و يجب عليه عقيب الأربعة الأشهر، جماعها فإن لم يفعل مع كراهتها تركه فهو آثم. «3»

و قال في الشرائع: لا يجوز للرجل أن يترك وطء امرأته أكثر من أربعة أشهر و في المسالك: إنّه موضع وفاق.

______________________________

(1) المغني: 7/ 234.

(2) النهاية: 482.

(3) الجامع للشرائع: 455.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 102

استدل على الوجوب بوجوه:
الأوّل: آية الإيلاء

قال سبحانه: (لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ). «1»

قال ابن قدامة: إنّ اليمين لا توجب ما حلف على تركه فيدلّ على أنّه واجب بدونها.

و من روايات الإيلاء ما رواه الصدوق باسناده عن حمّاد، عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أيّما رجل آلى من امرأته ... فإنّه يتربّص به أربعة أشهر ثمّ يؤخذ بعد الأربعة أشهر، فيوقف فإذا فاء و هو أن يصالح أهله، فإنّ اللّه غفور رحيم و إن لم يف أُجبر على الطلاق. «2»

و في الاستدلال ما

لا يخفى، إذ غاية ما تدلّ عليه أخبار الإيلاء، أنّ الإتيان أمر واجب على الرجل، أمّا كونه واجباً في كلّ أربعة أشهر فلا، و المدّة المضروبة في الإيلاء لا صلة لها بالمقام، لأنّ المدّة المضروبة في المقام ترجع إلى مقدار الفصل بين الجماعين، بخلاف المدّة المضروبة في الإيلاء فإنّها ترجع إلى مقدار الفصل بين رفع أمرها إلى الحاكم و بين رجوعه إلى المناكحة أو الطلاق فيكون الفصل في مورد الإيلاء إذا رجع أزيد من أربعة أشهر، فعن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «الإيلاء هو أن يحلف الرجل على امرأته أن لا يجامعها فإن صبرت عليه فلها أن تصبر، و إن رفعته إلى الإمام أنظره أربعة أشهر، ثمّ يقول له بعد ذلك: إمّا أن ترجع إلى المناكحة و إمّا أن تطلّق فإن أبى حبسه أبداً». «3»

______________________________

(1) البقرة: 226.

(2) الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب الإيلاء، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 103

نعم يمكن الاستئناس ببعض ما ورد في ذلك الباب كما سيجي ء.

الثاني: ما دلّ على رفع الحرج و الضرر

و المراد من الضرر في المقام هو الضيق الروحي.

يلاحظ عليه: أنّه لا يدلّ على أزيد من لزوم الإتيان بها إلى حدّ رفعهما لأنّ تجويز إمساكه حكم حرجي عليها بلا كلام، و أمّا لزومه في المدّة المضروبة، فلا يدلّ عليها:

الثالث: ما رواه العامة عن زيد بن أسلم

قال: بينا عمر بن الخطاب يحرس المدينة مرّ بامرأة في بيتها و هي تقول:

تطاول هذا الليل و اسودَّ جانبه و طال عليّ أن لا خليل أُلاعبُه

و و اللّه لو لا خشية اللّه وحده لحرّك من هذا السرير جوانبه

فسأل عنها عمر، فقيل له: هذه فلانة زوجها غائب في سبيل اللّه، فأرسل امرأة تكون معها و بعث إلى زوجها فاقفله ثمّ دخل على حفصة فقال: يا بنية كم تصبر المرأة عن زوجها، قالت: خمسة أشهر، ستة أشهر، فوقف للناس في مغازيهم ستة أشهر يسيرون شهراً و يقيمون أربعة أشهر و يسيرون شهراً راجعين. «1»

و لا يخفى، أنّه على خلاف المقصود أدلّ. نقله في الجواهر على خلاف ما نقلناه حيث قيل في جواب عمر حسب نقله أربعة أشهر فجعل المدّة المضروبة للغيبة أربعة أشهر.

الرابع: اتّفاق الإمامية على المدّة المضروبة

______________________________

(1) المغني لابن قدامة: 7/ 235.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 104

الخامس: صحيحة صفوان بن يحيى

و رواها الصدوق و الشيخ، و سند الصدوق إلى صفوان صحيح و إن كان في سند الشيخ إليه ضعف، في المشيخة، لكنّه صحيح في الفهرست و قد ذكر فيها طريقين آخرين فيهما ضعف عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام أنّه سأله عن الرجل تكون عنده المرأة الشابّة فيمسك عنها الأشهر و السنة، و لا يقربها ليس يريد الإضرار بها، يكون لهم مصيبة، يكون في ذلك اثماً؟ قال: «إذا تركها أربعة أشهر كان آثماً بعد ذلك». «1»

و الدليلان الأخيران صالحان للاحتجاج و يمكن الاستئناس للمسألة ببعض روايات باب الإيلاء.

روى حفص عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا غاضب الرجل امرأته فلم يقربها من غير يمين أربعة أشهر استعدت عليه، فإمّا أن يفي ء و إمّا أن يطلّق، فإن تركها من غير مغاضبة أو يمين فليس بمؤل». «2»

و الرواية و إن كانت ظاهرة في أنّ المغاضبة من غير يمين ملحقة بالإيلاء و مع ذلك كلّه فيها إشارة إلى أنّ ترك الإتيان في المدّة المضروبة، ترك لحقّ لها عليه. و على ذلك لا غبار في المسألة و إنّما الكلام في الفروع المتفرعة عليها.

و إليك ما ورد في العروة من الفروع:
1- هل هناك فرق بين الدائمة و المتمتع بها؟

وجهان: عدم التفريق و هو الأقوى لإطلاق صحيحة صفوان الظاهرة في أنّ الموضوع هو الزوجة و هي عامة تشمل كلا القسمين، و التفريق لانصرافها عن المتمتع بها لندرة وجودها في زمن

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 71 من مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب الإيلاء، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 105

صدور الرواية حيث كانت الحكومات تعتبرها غير مشروعة. و فيه تأمّل «1» أضف إليه أنّه لا إيلاء فيها و لا قسمة و لا نفقة و لا ميراث و

طريق الاحتياط معلوم.

2- هل هناك فرق بين الشابّة و الشائبة؟

مقتضى صحيحة صفوان، هو اختصاص الحكم بالأُولى و مع ذلك كلّه ليس على وجه لا يمكن إلغاء الخصوصية عنها، لكون القيد وارداً في كلام الراوي أوّلًا، و احتمال كونها وارداً مورد الغالب ثانياً.

نعم الرواية منصرفة عن المسنّة الكبيرة، و العجوزة من النساء اللاتي لا علاقة لهنّ بالأُمور الجنسيّة.

3- حكم المسافر

هل الحكم يختصّ بالحاضر، أو يعمّ المسافر؟ ظاهر قوله، في الصحيحة «من عنده امرأة» هو الحضور و لأجل ذلك يعتبر في الإحصان حضور الزوجة عند الرجل و لا يكفي مجرّد التزويج.

و لو كان السفر أمراً اتّفاقياً لا يحصل الغرض منه إلّا في الزائد عن المدّة لا يجب عليه الرجوع إلى الوطن، للسيرة المستمرة، نعم لو كان السفر على وجه يصدق عليه هجران المرأة فهو حرام لقوله سبحانه: (فَلٰا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهٰا كَالْمُعَلَّقَةِ). «2»

إنّما الكلام فيما إذا كان هنا عدة أسفار تتجاوز المدّة المزبورة، فهل يجب عليه الرجوع أو لا؟ مقتضى الأصل هو العدم. و الاستشهاد بما روي عن عمر من أنّه جعل الغيبة للغزاة أربعة أشهر، قد عرفت ما فيه.

______________________________

(1) وجهه: أنّ ندرة الوجود غير مؤثّرة في الانصراف و إنّما الباعث له، ندرة الاستعمال، كما لا يخفى.

(2) النساء: 129.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 106

نعم لا شكّ في خروج المعقودة غير المدخولة عن ظاهر النص و معقد الإجماع فلا يحرم ترك وطء المعقودة أربعة أشهر و إن كان الوطء ممكناً. ثمّ إنّ القول بالخروج إنّما يتمّ قبل الزفاف، و أمّا بعده و الإقامة في بيت الزوج فلا وجه للانصراف فيحرم ترك وطئها أربعة أشهر و إن لم تكن مدخولًا بها.

ثمّ إنّ المنصرف من النص، المحلّ المعهود للوطء و الكيفية المعهودة، فلا يكفي الدبر،

و لا الوطء بلا إنزال كما ذكرناه في مسألة جواز العزل. و ما ربّما يقال: بأنّه لو قيل بالانصراف إلى المحلّ و الكيفية لزم القول بوجوب مقدّمات الوطء حيث لا يخلو الوطء المتعارف منها قياس مع الفارق، لأنّ الواجب هو نفس الوطء و لو قيل بالانصراف فإنّما يقال في محلّه و كيفيته، و أمّا المقدّمات فهي خارجة عن الوطء و ليست مجرى للشمول أو الانصراف.

ثمّ إنّ إطلاق الدليل يقتضي كونه واجباً عليه من غير تقييد بمطالبتها، نعم تسقط مع رضاها بالترك لكونه مثل سائر الحقوق الساقطة بإسقاط صاحبها.

4- ثمّ إنّه كما يسقط برضاها يسقط بعدّة أُمور:

أ- إذا عجز عن الوطء لمرض أو خوف أو غير ذلك و القدرة من شرائط التكليف.

ب- إذا كان الوطء ضارّاً على الزوج أو الزوجة فيسقط الوجوب لحرمة الإضرار على النفس و الغير.

ج- إذا كانت الزوجة ناشزة تسقط المضاجعة و غيرها من الحقوق، قال سبحانه: (وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ). «1»

ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي في العروة الوثقى صرّح ببعض المسائل المربوطة

______________________________

(1) النساء: 34.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 107

بالمقام، قال قدّس اللّه سرّه:

5- إذا كانت الزوجة من كثرة ميلها و شبقها لا تقدر على الصبر إلى أربعة أشهر

بحيث تقع في المعصية إذا لم يواقعها، فالأحوط المبادرة إلى مواقعتها قبل تمام الأربعة، أو طلاقها و تخلية سبيلها:

لا شكّ أنّ ما ذكره هو الأحوط و ربّما يستدل عليه بقوله سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ نٰاراً وَقُودُهَا النّٰاسُ وَ الْحِجٰارَةُ). «1»

ببيان أنّ تفسيرها بالأمر و النهي اللفظيين من أوائل مراتب الوقاية و ليس النصوص بصدد حصر الوقاية فيهما و بما أنّ الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا يختصّ بذلك حتى بالنسبة إلى غير الأهل بل قد يجب الضرب أو ما هو أشدّ منه في بعض الأحيان، فلا يمكن أن يكون تكليفه بالنسبة إليهم أقلّ ممّا يجب عليه بالنسبة إلى غيرهم. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الأمر بالمعروف بالنسبة إلى غير الأهل و إن كان لا يختص بالأمر و النهي اللفظيين، بل قد يجب بالضرب و غيره، لكنّه من شئون الولاية، و لا يجوز لغير الحاكم الإسلامي و المنصوب من قبله، و إذا انتفى الوجوب في المقيس عليه ففي المقيس أولى، و لو قيل بإطلاق الآية لوجب القول بوجوب قيام العامي بكلّ ألوان الأمر بالمعروف و هو كما ترى.

و ربّما يستدل بوجه آخر

و هو أنّه إذا علمت مبغوضية الفعل للشارع على كلّ تقدير كالزنا و القتل و شرب الخمر، وجب على المكلّف سدّ طريق تحقّقه في الخارج، و من هنا يجب على الزوج مواقعة زوجته الشبقة دون الأربعة أشهر حفظاً لها من الوقوع في الحرام.

______________________________

(1) التحريم: 6.

(2) مستند العروة: 1/ 150149، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 108

يلاحظ عليه: أنّه يجب أحد الأمرين إمّا سدّها من نفس العمل بالمنع و الحبس، أو المواقعة لا لزوم خصوص الثاني، اللّهمّ إلّا أن يكون الواجب عنده هو الجامع بين الوطء و غيره، و إذا انحصر الطريق بها وجبت بالخصوص.

أضف إليه أنّه يلزم على هذا، لزوم تزويج الأجنبية إذا علم أنّه لو لا التزويج لوقع في الحرام، و هو كما ترى.

و الحقّ ما ذكره السيد من الاحتياط، و ليس هنا دليل على الإيجاب، و المراد من الوقاية في الآية، الوقاية بحسب المتعارف بين الناس لا أزيد.

6- إذا ترك مواقعتها عند تمام الأربعة أشهر لمانع من حيض أو نحوه أو عصيان،

يجب عليه إذا تطهّرت أداء ما عليه فوراً، إنّما الكلام في لزوم إرضائها بوجه من الوجوه لكون التأخير في صورة العصيان مصداقاً لتفويت الحقّ عليها كالدين العاجل الذي قصر في أدائه، و يكفي في المقام كونه حقّاً، و تفويته يحتاج إلى الجبران بنحو من الوجوه.

7- ثمّ إنّ اللازم عدم التأخير من وطء إلى وطء أزيد من الأربعة

فمبدأ اعتبار الأربعة اللاحقة إنّما هو الوطء المتقدّم لا حين انقضاء الأربعة الأُولى، فلو عصى و أخّر المواقعة إلى شهر ثمّ واقعها، فيجب أن لا يؤخّرها عن مبدأ المواقعة، أزيد من أربعة أشهر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 109

الفصل الثالث: في العقد و أحكامه

اشارة

1- اشتراط الصيغة في صحّة النكاح

2- كفاية مجرد «قبلت» في القبول

3- اشتراط الماضوية و عدمه

4- كفاية الإتيان بلفظ الأمر و عدمه

5- حكم القبول بلفظ المستقبل

6- مطابقة القبول مع الإيجاب

7- لو قال مستفهماً

8- اشتراط تقدّم الإيجاب على القبول و عدمه

9- كفاية القبول بكلّ لفظ صريح

10 جواز الإيجاب من الزوج

1- 1 اشتراط العربية في الصيغة

2- 1 نكاح الأخرس

3- 1 كفاية الكتابة و المعاطاة في النكاح و عدمها

4- 1 اشتراط قصد الانشاء

5- 1 اعتبار الموالاة العرفية

6- 1 اشتراط التنجيز في الصيغة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 111

العقد و أحكامه الكلام في مسائل:

[المسألة] الأُولى: في شرطية الصيغة في النكاح

لا شكّ أنّ النكاح ميثاق بين الزوج و الزوجة و هو يتوقّف على إنشائه إنّما الكلام في شرطية القول و عدم كفاية الفعل. و أنّ النكاح و الطلاق يفارقان أبواب البيوع و الإجارات، فلا يصحّ النكاح بالمعاطاة.

استدلّ الشيخ الأعظم قدّس سرّه على لزوم العقد «بأنّه لولاه لم يبق فرق بين النكاح و السفاح إذ الثاني أيضاً يقع غالباً بالتراضي»، و لكنّه غير تام لما عرفت أنّ النكاح ميثاق بين الزوجين و تعاهد من الطرفين على أمر له آثار شرعية و عرفية بخلاف السفاح فإنّه لا يتجاوز عن نفس العمل، و سفح الماء و التناكر بعده، فالفرق بين النكاح و السفاح يرجع إلى أمر جوهري لا صلة له باللفظ، و الذي يصحّ الاستدلال به مضافاً إلى السيرة المستمرة بين المسلمين من صدر الإسلام بل قبله كما هو الظاهر من تزويج النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم خديجة «1» هو السؤال عن الألفاظ التي تقع بها المتعة،

فعن أبان بن تغلب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوتُ بها؟ قال: «تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه لا وارثة و لا موروثة ...». «2» على أنّ أهمّية الموضوع تقتضي التلفّظ بما عزما عليه حتى

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

(2) المصدر نفسه: الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 112

لا يكون إبهام في الموضوع و لأجل ذلك لا تبعد كفاية الكتابة و إمضاؤها إذا كانت كافية في المقصود، نعم لا يكفي مطلق التعاطي و إن علم القصد إلّا إذا كانت هناك سيرة كما هي الحال بين العشائر البعيدة عن المجتمعات الإسلامية فيكتفون بالتعاطي مع المقاولة القبلية.

ثمّ الظاهر من الأصحاب افتقاره إلى الإيجاب و القبول، و لكن من المحتمل جدّاً كفاية الإنشاء الواحد إذا كان قائماً مقام الإيجاب و القبول و يفيد فائدتهما.

قال سبحانه: (فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا). «1»

فقد كان التزويج بولاية إلهية و بصيغة واحدة و كانت ولايته مغنية عن اعتبار رضا الزوجين و مع ذلك كان اللفظ الواحد كافياً في إنشاء الحقيقة.

و مثله ما ورد في نكاح آدم عليه السّلام و حوّاء «و قد زوّجتكها فضمّها إليك» «2» و الأوضح ممّا تقدّم، ما ورد في حديث امرأة أتت النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقالت له: زوّجني، فقال: «من لهذه؟» قام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، قال: «ما تعطيها؟» قال: مالي شي ء إلى أن قال: «قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه». 3

و توهّم صدور قبول منه بعد كلام الرسول صلَّى الله عليه و

آله و سلَّم أو جعل قوله: «أنا يا رسول اللّه» أو «زوّجنيها» كما في خبر سهل الساعدي قبولًا متقدّماً، خلاف الظاهر، بل هو بمنزلة التوكيل و الإذن في تزويجها إيّاه.

و نظير ذلك تزويج علي عليه السّلام الجارية من الغلام بأربعمائة درهم و النقد من ماله. 4

و توهّم صدور القبول من الغلام بعد تزويج الإمام عليه السّلام يدفعه خلوّ

______________________________

(1) الأحزاب: 37.

(2) 2 و 3 الوسائل: ج 14، الباب 1، من أبواب عقد النكاح، الحديث 31.

(3) 4 الوسائل: ج 14، الباب 1 من أبواب العقد، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 113

الرواية عنه. مضافاً إلى أنّ الصحيح في تزويج ولي الصغيرين، هو إنشاؤه بصيغة واحدة كما ستوافيك روايات الباب، و على ذلك يصحّ الاكتفاء في مورد الوكالة بإنشاء واحد، نظير الاكتفاء في مورد الولاية من دون حاجة إلى الإيجاب و القبول كما لا يخفى، و هذا و إن كان ثقيلًا على كثير ممّن اعتاد على كون النكاح متوقّفاً على الإيجاب و القبول لكن الحقّ أحقّ بالإصحار و الإجهار و مع ذلك فطريق الاحتياط معلوم.

ثمّ إنّه لا إشكال في صحّة الإيجاب بالتزويج و النكاح لورودهما في الذكر الحكيم، قال سبحانه: (فَلَمّٰا قَضىٰ زَيْدٌ مِنْهٰا وَطَراً زَوَّجْنٰاكَهٰا). و قال سبحانه: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ). «1»

إنّما الكلام في كفاية لفظ «التمتع» ففيه خلاف و تردّد ناش من عدم استعماله في القرآن إلّا في العقد المنقطع، قال تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً). «2» و قد نزلت الآية في المتعة باتّفاق الإمامية و كثير من مفسّري العامة.

استدل القائل بالكفاية بأنّ التمتع من ألفاظ النكاح و لذا لو نسى الأجل انقلب

دائماً، و أورد عليه بأمرين:

1- إنّ المذكور في النصوص هو ترك ذكر الأجل عن عمد لا نسياناً.

2- إنّها إنّما تتضمن الانقلاب عند عدم ذكر الأجل فيما إذا كان العقد قابلًا لأن يكون زواجاً دائماً فإذا لم يكن العقد كذلك فلا يوجب ترك الأجل عمداً و نسياناً، انقلابه دائماً. «3»

______________________________

(1) النساء: 22.

(2) النساء: 24.

(3) مستند العروة: 2/ 162، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 114

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره أوّلًا و إن كان وجيهاً لكن الثاني مبني على أن يكون الرائج في المتعة هو لفظة النكاح و التزويج القابلين للدوام و الانقطاع، فلو نسى الأجل انقلب دائماً. و أمّا إذا كان الرائج هو التمتع، كما هو الظاهر و كان العقد بغيرها نادراً في المتعة فحملها على ما إذا كان المحلّ قابلًا للدوام يستلزم حمل الرواية على الصورة النادرة، و يمكن أن يقال: إنّ الرائج في ذلك الزمان هو لفظ التزويج و النكاح لا المتعة، بدليل أنّ الإمام عليه السّلام عند تعليمه لأبان، كيفية الإنشاء في المتعة، قال: «تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه» هكذا غيره. «1»

و لنا هاهنا كلام آخر يقضي على كثير من المباحث المطروحة في أمثال هذا المقام، و هو أنّ المستفاد من كلام أكثر الفقهاء، أنّ شأن المعاملات شأن العبادات في كون الكلّ، توقيفية يجب الرجوع في كلّ خصوصية منهما إلى الشارع فلا يصحّ لنا الحكم بجواز معاملة و نفوذها، و صلاحية لفظ للإنشاء و الايقاع، إلّا بالرجوع إلى الكتاب و السنّة، و على هذا أفتى كثير من المشايخ خصوصاً في باب النكاح. فتراهم يتعاملون معه معاملة العبادات.

و لكن الظاهر خلافه، للفرق الواضح بين العبادات و

المعاملات و هو أنّ العبادات من الأُمور التوقيفية يتوقف كلّ شي ء منها على السمع من الصادقين عليهم السّلام و أمّا المعاملات فهي أُمور عرفية عقلائية يجري عليها العقلاء في عيشهم حسب ما توحي إليه مصالحهم، غير أنّ قصور علمهم بما فيه الصلاح و الفلاح و ما فيه الضرر و الفساد صار سبباً لخلط الصالح بالطالح فكان موقف الشارع في ذلك المجال، موقف الهادي إلى ما فيه الصلاح و ردّهم عمّا فيه من الفساد، فإذا نبّه على تحريمه و كراهته يُتبع، و أمّا ما سكت عنه فيكون المتّبع فيه سيرة العقلاء فلو

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 18، أبواب المتعة، الحديث 1، 2، 3، 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 115

كان عندهم نافذاً جائزاً تشمله العمومات، من قوله تعالى: (أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ) و (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) و قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «و المؤمنون عند شروطهم»، و إلّا فلا.

و على ذاك الأصل ينقلب النظر في باب المعاملات من التوقيفية إلى الإمضائية بل إلى كفاية السكوت عن الجواز و الحرمة مع كون الموضوع بمرأى و مسمع منه، و على ضوء هذا يجوز الإنشاء بكلّ ما يراه العرف كافياً في الإنشاء و راضياً عند المعاملة إلّا إذا نهى عنه الشارع كما في بيع المنابذة، حيث كانوا يكتفون في الإنشاء بنبذ الثوب على المبيع و وقوعه على واحد من الأشياء أو الاكتفاء ب «أنت خلية» في مقام الطلاق.

و بالجملة: ما اتخذه الأصحاب طريقاً، طريق لا تساعده روح الشريعة السهلة أوّلًا، و طبيعة المعاملات ثانياً، فالأولى إيكال الأمر إلى العقلاء و الاكتفاء بما يكتنفون به و رفض كثير من المباحث الآتية من كفاية المستقبل أو الأمر

مكان الماضي، أو لزوم تقدّم الإيجاب على القبول إلى غير ذلك من المباحث التي يرى العرف الالتزام بها من قبيل لزوم ما لا يلزم و مع ذلك فنحن تبعاً للقوم و إن كان المرضي عندنا ترك البحث نبحث عن فروع لا طائل تحتها عندنا.

المسألة الثانية: هل يكفي في القبول مجرّد «قبلت»؟

الظاهر كفاية لفظ «قبلت» بعد إيجاب الموجب بقوله: «زوّجتك نفسي أو زوّجتك موكّلتي، من دون لزوم أن يقول: قبلت التزويج أو النكاح، أو ما شابهه لصراحته في رجوعه إلى التزويج الصادر من الموجب، و احتمال كونه راجعاً إلى أمر آخر، مرجوح لا يعتنى به عند العقلاء.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 116

المسألة الثالثة: في اشتراط الماضوية في الإيجاب و عدمه

قال المحقّق: و لا بدّ من وقوعها بلفظ الماضي الدالّ على صريح الإنشاء لوجهين:

1- اقتصاراً على المتيقّن.

2- و تحفظاً من الاشتمار «1» المشبه للإباحة.

و ضعفه واضح، لأنّ الصراحة كما تتحقّق بنفس اللفظ، تتحقّق بالقرائن اللفظية و الحالية كما يتحقّق بها التحفظ من الاشتمار، و أمّا الاقتصار على المتيقّن فإنّما يتمّ لو لم يكن هنا دليل على غيره و سيوافيك ورود الإيجاب بالمستقبل في بعض الروايات، و على فرض كفاية غير الماضي يقع البحث في كفاية الأمر و عدمها.

المسألة الرابعة: في كفاية الإتيان بلفظ الأمر في القبول

هل يجوز القبول بلفظ الأمر؟ قال المحقّق: «و إن أتى بلفظ الأمر و قصد الإنشاء كقوله: «زوّجنيها» فقال: زوّجتك، قيل: يصحّ، كما في خبر سهل الساعدي و هو حسن». و تصحيح ذلك يتصوّر على أحد الأمرين:

1- أن يعدّ الأمر من الزوج قبولًا متقدّماً، اختاره الشيخ في المبسوط و المحقّق في الشرائع.

2- أن يكون إنشاء وكالة للمخاطب في أمر التزويج و عندئذ يكفي إيجاب

______________________________

(1) الاشتمار: شمر عن إزاره: رفعه مجمع البحرين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 117

الوكيل أو نفس المرأة لما ذكرنا من كفاية إنشاء واحد إذا كان المنشئ وكيلًا من الجانبين أو وكيلًا من جانب و وليّاً من الآخر، من دون حاجة إلى القبول.

و ربّما يستشكل على الثاني: بأنّه من قبيل استعمال اللفظ في أكثر من معنى، و لكنّه مدفوع بأنّ أحد المعنيين في طول الآخر، و اللفظ مستعمل في طلب التزويج و هو بالدلالة الالتزامية يدلّ على التوكيل، و هذا الوجه هو المتعيّن دون الأوّل.

ثمّ إنّ الشيخ في المبسوط، و المحقّق في الشرائع استدلّا على أنّ الأمر من الزوج قبول، بخبر سهل الساعدي الذي رواه البيهقي «1» من العامة، و ابن أبي

جمهور في عوالي اللئالي «2» و قد جاء في الحديث: أنّ امرأة أتت النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و قالت: يا رسول اللّه إنّي وهبتُ لك نفسي. و قامت قياماً طويلًا، فقام رجل و قال: يا رسول الله زوّجنيها إن لم يكن لك بها حاجة إلى أن قال: فقال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «هل معك من القرآن شي ء؟» قال: نعم، سورة كذا و سورة كذا سمّاها، فقال له رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «زوّجتك بما معك من القرآن».

قال الشيخ في المبسوط: لو تقدّم القبول في النكاح فقال: زوّجنيها فقال: زوّجتكها، صحّ و إن لم يُعد الزوج القبول بلا خلاف لخبر سهل الساعدي.

ثمّ إنّ كلّ من قال بالصحّة لم يستدل إلّا بخبر سهل، مع أنّ مضمونه ورد صحيحاً عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «جاءت امرأة إلى النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقالت: زوّجني. فقال: من لهذه؟ فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، فقال: ما تعطيها؟ قال: مالي شي ء إلى أن قال: فقال: أ تحسن شيئاً من القرآن؟ قال: نعم، قال: قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه». «3» و لعلّ الوجه في عدم

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 117

______________________________

(1) السنن الكبرى للبيهقي: 7/ 242.

(2) المستدرك: 3، الباب الثاني من أبواب المهور، الحديث 2.

(3) الوسائل: 14، الباب 1 من أبواب عقود النكاح، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

118

الاستدلال بها، لأجل أنّ موضوع البحث جعل الأمر من الزوج قبولًا، و لم يرد الأمر من الزوج في هذه الصحيحة بخلاف المروي عن طريق سهل ففيه الأمر من الزوج بالتزويج. نعم ورد الأمر من الزوجة في الصحيحة دون خبر سهل و لكنّه ليس مورداً للبحث.

المسألة الخامسة: في حكم القبول بلفظ المستقبل

و ممّا يترتّب على عدم لزوم الماضوية القبول، كفاية المستقبل في القبول.

قال المحقّق: و لو أتى بلفظ المستقبل كقوله: أتزوّجك فتقول: زوّجتك، جاز و قيل لا بدّ من بعد ذلك من تلفّظه بالقبول. أقول: إنّ المقام يحتمل فيه أمران:

الأوّل: أن يكون «أتزوّجك» إيجاباً من جانب الرجل لما عرفت من أنّ الزوجية من المفاهيم المتضايفة المتشابهة الأطراف كالأخوَّة، لا من قبيل غير المتشابهة كالعلّية و المعلولية، و على ذلك فكما أنّ الرجل زوج للمرأة فهكذا العكس، و على ذلك فهو إيجاب من جانب الرجل إذا قاله بقصد الإنشاء.

الثاني: أن يكون قبولًا متقدّماً من الرجل، و يؤيّده كون التزوّج من باب التفعّل و فيه معنى القبول و المطاوعة، أمّا تعيّن هذا الوجه كما عن بعضهم فلا وجه له، إذ ربّما يستعمل أفعال باب التفعّل و حتّى الافتعال في غير معنى القبول.

و يمكن تأييد الوجه الأوّل بما ورد في روايات المتعة، فعن أبان بن تغلب: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: كيف أقول لها إذا خلوت بها؟ قال: «تقول: أتزوّجك متعة على كتاب اللّه و سنّة نبيّه إلى أن قال: فإذا قالت: نعم، فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها». «1»

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 119

و أمّا العكس أي كون «نعم» في الحديث إيجاباً مؤخّراً من

الزوجة فهو كما ترى، لأنّ هذه الألفاظ وضعت للقبول و التصديق، لا للإنشاء الابتدائي و قد تكرّر مضمون الرواية في روايات الباب. و على ضوء هذه الرواية يكون قول الزوج في مسألتنا إيجاباً ويتعيّن الآخر للقبول.

المسألة السادسة: في مطابقة القبول مع الإيجاب و عدمها

و لا يشترط في القبول مطابقته بعبارة الإيجاب بل يصحّ الإيجاب بلفظ و القبول بلفظ آخر، فلو قال: زوّجتك، فقال: قبلتُ النكاح. أو أنكحتك، فقال: قبلت التزويج صحّ، و ذلك لشيوع استعمال المترادف مكان المترادف و المفروض صراحة اللفظين أو ظهورها في إنشاء النكاح و هو كاف، و كما لا يشترط التطابق في الفعل لا يشترط التطابق في المتعلّقات فيجوز أن يقول الموجب على الصداق و الآخر على المهر.

المسألة السابعة: فيما لو قال مستفهماً

لو قال مستفهماً: زوّجت ابنتك من فلان؟! فقال: نعم، فقال الزوج: قبلت، هل يصحّ العقد أو لا؟ إنّ قوله: «نعم» لا يخلو عن صورتين:

1- إمّا أن يكون إخباراً عن الإنشاء، لا إنشاءً للتزويج و عندئذ لا ينعقد قطعاً للفصل الطويل بين إيجاب الأب، و قبول الزوج.

2- إمّا أن يقصد به الإنشاء فيحتمل وقوعه لأنّ قوله: «نعم» بمنزلة أن يقول: «زوّجت بنتي من فلان» فإذا قال الزوج: «قبلت» يدخل تحت إطلاق الأدلّة،

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 120

كما يحتمل عدم وقوعه لعدم صراحتها في الإنشاء فلا يقوم مقام الألفاظ الصريحة و هو الأقوى.

و أمّا الاستدلال على الصحّة بما ورد في صيغة المتعة، من أنّه إذا قال: «أتزوّجك متعة على كتاب اللّه ... فإذا قالت: نعم فقد رضيت و هي امرأتك». «1» فغير تامّ، إذ من المحتمل جدّاً أن يكون قول الزوج إيجاباً كما ذكرنا فقولها: «نعم» قبولًا، إذ لا يصلح الاستفهام للايجاب. و كون باب التفعّل خالصاً في القبول لم يثبت على الإطلاق.

المسألة الثامنة: هل يشترط تقدّم الإيجاب أو لا؟

إذا كان القبول بصيغة «قبلت» و «رضيت» الصريحين في قبول شي ء قد وقع، فيشترط فيه تقدّم الإيجاب و تأخّر القبول إلّا إذا ذكر المتعلّق في القبول و دلّ بظاهره على أنّ متعلّقه الإنشاء الذي يليه فعندئذ يجوز تقدّمهما، و أمّا غيرهما كقوله: «أتزوّجك» فتقول المرأة: زوّجتك نفسي، فالظاهر صحّة تقدم القبول لكونه متعارفاً غير خارج عن المعمول به، و يدلّ على وقوعه و تعارفه ما ورد في صيغة المتعة حيث علّم الإمام عليه السّلام أبان أن يقول: «أتزوّجك متعة و تقول المرأة: نعم فقد رضيت» بناءً على القول بأنّ المتقدّم قبول، لا إيجاب كما احتملناه و مع ذلك يحتمل كون

المتقدّم من الزوج إيجاباً و قولها: «نعم» قبولًا. فلا يصلح للاستدلال على جواز تقدّم القبول.

و بالجملة: أنّ اللازم في باب العقود، كون العقد صريحاً في الإنشاء و شائعاً بين الناس و على ذلك لا فرق بين تقدّم القبول على الإيجاب أو العكس.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 1، 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 121

المسألة التاسعة: في كفاية القبول بكلّ لفظ صريح

إنّ اللازم في باب العقود تبعاً للعقلاء كون العقد صريحاً في المقصود حتّى لا يقع ذريعة للخلاف فكما يصحّ أن يقول: «قبلت» يصحّ أن يقول: «رضيت» و لو ذكر المتعلّق في الإيجاب و دلّت القرائن على أنّ القبول و الرضا راجعان إلى الإيجاب السابق لكفى و لا يشترط ذكر المتعلّقات في القبول و قد عرفت ما ورد في صيغة المتعة، و أنّها إذا قالت: «نعم» فهي امرأته، كلّ ذلك يعرب عن أنّ كثيراً من الاحتياطات في باب صيغ المعاملات، من قبيل الالتزام بما لا يلزم.

المسألة العاشرة: جواز الإيجاب من الزوج

المشهور الرائج كون الإيجاب من جانب الزوجة و القبول من جانب الزوج تشبيهاً لها بالبائع، فكأنّها تسلِّمُ بضعها في مقابل الصداق فتصير هي الموجبة و الزوج هو المشتري القابل، و لكن واقعية الزوجية غير ذلك و إن وردت في الروايات: «و إنّما يشتريها بأغلى الثمن» «1»، بل هي معاهدة من الطرفين على كون كلّ منهما زوجاً للآخر، و لكلّ حقوق على الآخر، من دون أن يكون هناك بيع و لا شراء، و لأجل ذلك يظهر من الكتاب أنّ النكاح علقة بين الشخصين و ربط بين الإنسانين، يقول سبحانه: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ) «2» و أمّا البيع فهو ربط بين المالين و يقول: بعت هذا بهذا.

و على ذلك فالزوجية في مقابل الفردية، رابطة قائمة بالطرفين فلكلّ من

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب مقدمات الزواج، حديث 1، 7، 11 و يستفاد أيضاً من الحديث 4، 8، 12.

(2) القصص: 27.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 122

الزوجين إنشاء تلك الرابطة و قبول الآخر إيّاها فلا وجه لاختصاص الإيجاب بالمرأة بعد كون كلّ منهما زوجاً للآخر، و

لأجل ذلك ترى أنّ القرآن كما يطلق الزوج على المرأة و يقول: (وَ يٰا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ) «1» يطلقه على الرجل و يقول: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). «2»

و على ذلك فالزوجية من التضايف المتشابه الأطراف مثل الإخوة، فكما أنّ كلّا من الأخوين أخ للآخر، فهكذا الزوجان.

المسألة الحادية عشرة: في اشتراط العربية

هل تشترط العربية مع التمكّن منها أو يكفي إجراء الصيغة بغيرها من سائر اللغات؟ المشهور هو الأوّل. قال المحقّق: «و لا يجوز العدول عن هذين اللفظين إلى ترجمتهما بغير العربية إلّا مع العجز عن العربية» و قد استدل له بكونه القدر المتيقن أوّلًا، و لورودها في القرآن و السنّة الشريفة، و عدم صدق العقد على غير العربي مع التمكّن منه، إلى غير ذلك من الوجوه غير التامّة خصوصاً الثالث، فإنّه إذا لم يكن العقد صادقاً على غير العربي فلا معنى لتقييده بالتمكّن منه، لأنّه إذا كان غير العربي مسلوباً عنه العقدية فلا معنى لتجويزه عند عدم التمكّن من العربي و أمّا كونه القدر المتيقّن فليس على وجه يمنع التمسّك بالإطلاق، إذا كان المانع هو وجود القدر المتيقّن في مقام الخطاب لا مطلقاً و الأوّل ليس بموجود، و الثاني على فرض وجوده غير مضرّ.

و الظاهر عدم القصور في الخطابات العامّة الواردة في القرآن نحو قوله تعالى: (وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ) «3» إذا كان

______________________________

(1) الأعراف: 19.

(2) البقرة: 230.

(3) النور: 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 123

المنشأ بغير العربي، إنشاء نكاح في متعارفهم. مضافاً إلى أنّ سيرة المسلمين في فتح البلاد غير العربية كانت على بعث رجال لتعليم الأحكام و القرآن و

لم ينقل في التاريخ دعوة المسلمين غير العرب على تعليم صيغ النكاح، مع أنّ الشارع أمضى نكاح كلّ أُمّة بقوله: «و لكل قوم نكاح» «1» و بالتالي أمضى ما يعبّرون به عن هذه العلقة و المعاهدة. و الظاهر الاكتفاء بغير العربية مطلقاً و طريق الاحتياط واضح. هذا كلّه في التمكّن من العربية و لو بالتوكيل كما هو المعمول، و أمّا فيما إذا لم يتمكّن فلا شكّ في كفاية غيرها لأنّ القدر المسلّم من تقييد الإطلاقات هو حالة التمكّن من العربية، لأنّ المقيّد دليل لبّي و هو التسالم بين الأصحاب و أمّا غير المتمكّن فهو باق تحته و إلّا يلزم تعطيل الزواج و النكاح و هو قطعيّ البطلان لاستلزامه الفساد العظيم.

و أمّا الاستدلال بما ورد في قراءة الأخرس و طلاقه من تحريك لسانه و إشارته بإصبعه على المقام فهو أشبه بالاستئناس لا الاستدلال.

المسألة الثانية عشرة: نكاح الأخرس

الأخرس يكفيه الإيجاب و القبول بالإشارة مع قصد الإنشاء سواء تمكّن من التوكيل أو لا، أمّا إذا لم يتمكّن منه فيدخل في البحث السابق و أمّا إذا تمكّن، فلكفاية الإطلاقات في المقام لأنّ المقيّد حسب ما عرفت لبّي و هو تسالم الأصحاب على لزوم العقد بالعربية و لا إطلاق له، حتّى يعمّ الأخرس، فالأخرس واقع تحت الإطلاقات و يؤيّد المقام ما ورد في طلاقه، ففي صحيحة البزنطي قلت: فإنّه لا يكتب و لا يسمع كيف يطلّقها؟ قال: «بالذي يُعرف به من أفعاله مثل ما

______________________________

(1) التهذيب: 7/ 472، برقم 99.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 124

ذكرت من كراهته و بغضه لها». «1»

و في موثقة السكوني قال: «طلاق الأخرس أن يأخذ مقنعتها و يضعها على رأسها و يعتزلها». «2» و ليس

النكاح أشدّ حالًا من الطلاق فقد اكتفى فيه بما يعرف به من أفعاله، فليكن النكاح مثله.

و على ذلك تكفي إشارته في نكاحه، إذا عرف منها قصد الإنشاء. و هل يعتبر تحريك لسانه مضافاً إلى إشارته؟ قيل: نعم، إذ لا تنفكّ إشاراته عن تحريك لسانه، و أمّا قوله عليه السّلام في صحيحة البزنطي: «بالذي يعرف به من أفعاله» فلا يخالف ما ذكر، لأنّ المفروض أنّه يُفهم مقاصده بالإشارة المقارنة مع تحريك لسانه، فالمقارنة الغالبية بين الإشارة و تحريك اللسان في الأخرس يصدّنا عن الاكتفاء بمطلق الإشارة.

و يؤيّده ما ورد في قراءته في موثّقة السكوني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تلبية الأخرس و تشهّده و قراءته القرآن في الصلاة تحريك لسانه و إشارته بإصبعه». «3»

المسألة الثالثة عشرة: في كفاية الكتابة و عدمها

المشهور عدم كفاية الكتابة، لعدم الدليل عليها، و جريان السيرة على اللفظ في الإنشاء. و لكنّه لو كانت الكتابة أمراً رائجاً بين الأقوام بحيث يكون الاعتبار بها دون اللفظ فالأقوى الاكتفاء بها، و قد عرفت أنّه «لكلّ قوم نكاح» و هو إمضاء له بكلّ ما يتحقّق به من الشئون، و مع ذلك طريق الاحتياط معلوم.

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الحديث 1.

(2) الوسائل: 15، الباب 19 من أبواب مقدّمات الطلاق و شرائطه، الحديث 3.

(3) الوسائل: 4، الباب 59 من أبواب القراءة في الصلاة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 125

المسألة الرابعة عشرة: في اشتراط قصد الإنشاء

هذا الشرط لا يختصّ بباب النكاح بل هو يعمّ جميع أبواب العقود، و من المعلوم أنّ الاستعمال الصحيح في الكلام لا يخرج عن القسمين: الإخبار و الإنشاء و لا ثالث لهما، فالأوّل يكون إخباراً عن أمر محقّق، أو ما يتحقّق في المستقبل، و لا يعدّ عقداً و لا عهداً بل يدور أمره بين الصدق و الكذب، و الثاني يكون اللفظ موجداً لمفاهيم عقلائية كالنكاح و الطلاق و البيع بألفاظ المعهودة في كلّ باب.

فكما أنّ الزوجية و التفرّق يتحقّقان بالتكوين فالتفاحتان المزدوجتان المعلّقتان على الشجرة زوجان، و اجتناء أحدهما من الشجرة، تفريق و فصل بينهما تكويناً، فهكذا الرجل و المرأة زوجان اعتباراً، و أمّا العاقد فهو يريد إيجاد ما رآه في التكوين في عالم الاعتبار لما فيه من الآثار المطلوبة في الحياة فيتصوّر أنّ كلّا من الرجل و المرأة يريد أن يكون زوجاً للآخر، و هذا إنّما يتحقّق بإنشاء الزوجية الاعتبارية بينهما، كما أنّه في مورد الطلاق، يريد أن يصوِّر تقطع الزوجية كاجتناء إحدى التفاحتين فيُنشأ ذلك

المعنى باللفظ المعهود.

و المراد من قصد الإنشاء، هو إيجاد هذه المفاهيم باللفظ في عالم الاعتبار لا إيجاد تلك المعاني في الذهن و إبرازها باللفظ فإنّه غير تامّ، و قد أوضحنا حاله في الأُصول و إن أصرّ عليه بعض المحقّقين «1» دام ظلّه.

المسألة الخامسة عشرة: في اعتبار الموالاة العرفية

إنّ إطلاقات الكتاب و السنّة ناظرة إلى العقد العرفي، فلو كان الفصل على

______________________________

(1) المحقّق الخوئي في غالب دراساته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 126

حدّ، لا يصدق معه العقد لا تشمله الإطلاقات، و إلّا فلا وجه لعدم الصحّة و مثله اتّحاد مجلس الموجب و القابل فلو فرض صدق العقد و إن اختلف مجلس الإيجاب و القبول لكفى كما إذا عقدا بالهاتف.

و بالجملة: فالمعيار صدق العقد عرفاً سواء اتّحد مجلسهما أم لا، توالى الإيجاب و القبول أم لا.

المسألة السادسة عشرة: في اشتراط التنجيز

التعليق له قسمان رئيسيان: الأوّل: أن يكون العقد معلّقاً عليه في الواقع سواء قصده العاقد أم لا، ذكره أم لا، كالزوجيّة في الطلاق، و الملكيّة في البيع، و الثاني: ما لا يكون كذلك، و على الثاني إمّا أن يكون المعلّق عليه أمراً معلوم التحقّق في الحال أو في الماضي أو المستقبل، أو لا، و القسم الأوّل خارج عن موضوع البحث، لأنّه معلّق على وجود ذلك الشرط شاء العاقد أو لا، و أمّا الثاني فباعتبار العلم بتحقّقه جزماً كما إذا قال: لو كان الأمس يوم الجمعة، أو اليوم يوم السبت، أو الغد يوم الأحد، أنكحت ينشأ العقد منجّزاً لا معلّقاً و إن كان في الظاهر معلّقاً إنّما الكلام فيما وراء ذلك من الشروط المشكوكة سواء أ كان أمراً فعلياً أم متقدّماً أم متأخّراً و قد ذكروا في بطلانه عدّة وجوه:

1- إنّ التعليق في الإنشاء كالتعليق في الإيجاد، فكما أنّ الثاني دائر بين الوجود و العدم و لا يقبل التعليق فهكذا الإنشاء.

يلاحظ عليه: إن أُريد من الإنشاء المعلّق، تعليق الاستعمال، فمعلوم أنّه لا يقبل التعليق لأنّ أمره دائر بين الوجود و العدم، و إن أُريد تعليق المستعمل

فيه أعني: الزوجية، فنمنع عدم قبوله له لأنّ المنشأ تارة تكون الزوجية المطلقة، و أُخرى

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 127

المعلّقة على شي ء، و على هذا فليس الإنشاء معلّقاً بل المعلّق هو المنشأ، فإذا قال: بعتُ إن قدم الحاجّ، فقد أنشأ البيع المعلّق على قدوم الحاجّ، و المنشأ بهذا المعنى حاصل و أمّا غير الحاصل فهو البيع المطلق و هو لم ينشأ.

2- لو صحّ التعليق لزم تفكيك المنشأ عن الإنشاء و يكون الإنشاء فعلياً و المنشأ استقبالياً:

و يلاحظ عليه: أنّه ليس هنا تفكيك بين الإنشاء و المنشأ، فانّ الإنشاء في المعلّق يستعقب منشأ واقعياً و هو الزوجية المقيّدة. أو البيع المقيّد، و إذا حصل القيد يكون منجّزاً، لحصول القيد و فائدة مثل ذلك الإنشاء عدم الحاجة إلى الإنشاء الجديد إذا حصل القيد كيف و قد دلّ الدليل على إمكانه و وقوعه، فإنّ الإيصاء بالملكية و الإيصاء بالعتق الذي يعبّر عنه بالتدبير أمر رائج و المنشأ فيهما هو الملكية و العتق المقيّدان و لا يتحقّقان منجّزاً إلّا بعد الموت أخذاً بمفهوم الوصية و التدبير و دعوى أنّ ذلك كلّه خلاف القاعدة، خلاف الإنصاف.

و على ذلك، فلا بدّ لإثبات ذلك الشرط في كلّ مورد من دليل خاص.

و يمكن أن يقال: إنّ المتعارف في النكاح هو التنجّز و القطعية، لا التعليق، فالإطلاقات و العمومات منصرفة عن مثل ذلك.

و أمّا الاستدلال على بطلان التعليق بما ورد في النصوص من أنّه: «إذا قالت (الزوجة): نعم فقد رضيت و هي امرأتك و أنت أولى الناس بها» «1» فغير تامّ فانّه و إن كان ظاهراً في ترتّب الأثر على العقد بلا فصل، لكنّه ناظر إلى طبيعة العقد بما

هو عقد. و منصرف عمّا إذا كان العقد مشروطاً بشي ء لم يحصل بعد.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 129

الفصل الرابع: في شرائط المتعاقدين في النكاح

اشارة

يشترط في العاقد أُمور:

1- العقل

2- البلوغ

3- عدم السهو

4- عدم الإكراه

5- بقاء المتعاقدين على الأهليّة إلى تمام العقد

6- حضور الشاهدين عند العقد لزوماً أو استحباباً

الكلام في مسائل:

الأُولى: في حكم جعل الخيار في النكاح

الثانية: في اشتراط الخيار في الصداق

الثالثة: فيما إذا اعترفا على الزوجية

الرابعة: فيما إذا زوّج واحدة من بناته و لم يسمّها عند العقد

الخامسة: في اشتراط امتياز الزوجة عند العقد

السادسة: فيما لو ادّعى زوجية امرأة و ادّعت أُختها الزوجية للمدَّعي

السابعة: فيما إذا عقد على امرأة و ادّعى آخر أنّها زوجته

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 131

شرائط المتعاقدين و ما يلحق بها

يشترط في العاقد المجري للصيغة أُمور:

الشرط الأوّل: العقل

فلا عبرة بعقد المجنون و إن أفاق بعد الإجراء، لعدم تحقّق القصد منه و على فرض تحقّق القصد كما إذا كان الجنون خفيفاً فالأدلّة منصرفة عن مثله، كما لا عبرة به بين العقلاء أيضاً.

الشرط الثاني: البلوغ
اشارة

فلا يجوز عقد الصبي، و له صور:

الصورة الأُولى: أن يكون مستقلًا في التصرف كالبالغ الرشيد بلا تفاوت بينهما،

و يدلّ على شرطيته في خصوص التصرف المالي قوله سبحانه: (وَ ابْتَلُوا الْيَتٰامىٰ حَتّٰى إِذٰا بَلَغُوا النِّكٰاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوٰالَهُمْ). «1»

فدفع المال مشروط بالبلوغ بضميمة الرشد و هو كناية عن الاستقلال في التصرف.

و أمّا الابتلاء فلو فرض تحقّقه ببعثهم إلى السوق لأجل الاختبار للبيع و الشراء فهو خارج عن هذا القسم و هو الاستقلال في التصرف بل هو بإذن الولي، على أنّ الابتلاء يتحقق بشكل آخر و هو أن يمارس الطفل مقدّمات المعاملة فإذا تمّت المفاوضة، يمارس الوليُّ نفس البيع.

______________________________

(1) النساء: 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 132

الصورة الثانية: أن يكون بإذن الولي

سواء كان التصرّف جليلًا أم حقيراً و هذا هو الذي وقع محلّ الخلاف و النقاش، و هل الروايات الواردة في عدم جواز بيع الصبي تشمله أو لا؟

أقول: ما ورد من الروايات على أصناف:

أما يدلّ على جواز أمر البالغ و عدم جواز أمر غيره: مثل ما عن أبي جعفر عليه السّلام: «إنّ الجارية إذا تزوّجت و دخل بها و لها تسع سنين ذهب عنها اليتم و دفع إليها مالها، و جاز أمرها في الشراء و البيع، و أُقيمت عليها الحدود التامة و أُخذ لها و بها» قال: «و الغلام لا يجوز أمره في الشراء و البيع و لا يخرج من اليتم حتى يبلغ خمس عشرة سنة أو يحتلم أو يشعر أو ينبت قبل ذلك». «1»

و قد استفاض هذا المضمون أي «جواز الأمر عند البلوغ و عدمه عند عدمه» مع الاختلاف في حدّ البلوغ و هذه الروايات مع تضاربها في حدّ جواز الأمر، ناظرة إلى عدم جواز أمره مثل جواز أمر البالغين إذا كان بدون إذن الولي، و أمّا إذا كان بإذنه

فالروايات غير ناظرة إليه.

ب ما يدلّ على رفع القلم عنه و قد ورد بهذا اللسان في عدّة من الروايات فعن عليّ عليه السّلام: «أما علمت أنّ القلم يرفع عن ثلاثة، عن الصبي حتّى يحتلم، و عن المجنون حتّى يفيق، و عن النائم حتّى يستيقظ». «2»

و الظاهر أنّ المراد قلم المؤاخذة، لا قلم التكليف حتّى يعمّ التكليف و الوضع، بقرينة أنّ النائم لم يرفع عنه قلم التكليف فلا يخرج النائم بنومه عن عداد المكلّفين و لا يقع في عداد المجانين. و يؤيّده ما روي عن عليّ عليه السّلام: «لا حدّ

______________________________

(1) لاحظ الوسائل: 1/ 30 و 18/ 251، 526، و 13/ 321، 430، 431، 432، 435 و 15/ 325.

(2) الوسائل: ج 1، الباب 4 من أبواب مقدّمات العبادات، الحديث 11، ص 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 133

على مجنون حتّى يفيق، و لا على صبيّ حتى يدرك، و لا على النائم حتى يستيقظ». «1»

و قال أيضاً: إنّ النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «رفع القلم عن المجنون حتّى يفيق، و أنّها مغلوبة على عقلها و نفسها، فردّوها إليه، فدرأ عنها الحدّ» 2 فدرء الحدّ عنها يعدّ قرينة على كون المرفوع قلم المؤاخذة و لا أقلّ أنّه القدر المتيقّن.

ج ما يعدّ عمده خطأ: و عن عليّ عليه السّلام أنّه كان يقول في المجنون، و المعتوه الذي لا يفيق، و الصبي الذي لم يبلغ: عمدهما خطاء تحمله العاقلة و قد رفع عنهما القلم. 3

و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «عمد الصبي و خطؤه واحد». 4

و عن علي عليه السّلام: «عمد الصبيان خطأ يحمل على العاقلة». 5

و الروايات ناظرة إلى المورد الذي

يختلف فيه حكم العمد و الخطأ، أعني: موارد الجنايات و بهذا لا يمكن الاعتماد عليها فيما يتحد فيه حكم الموردين.

أضف إلى ذلك أنّ تفسير قوله: «عمد الصبي و خطؤه واحد» بأنّ عمد الصبي مطلقاً خطأ، غير تام للفرق الواضح بين التعبيرين، فالأوّل ناظر إلى أنّ حكم العمد حكم الخطأ فيختصّ بالباب الذي يختلف فيه حكمهما و ليس هو إلّا باب الجنايات فيسقط القصاص و تبقى الدية، لأنّ عمده يعدّ خطأً، هذا بخلاف التعبير الثاني فانّه ناظر إلى عدم الاعتداد بقصوده و عقوده، و هذا لا يصحّ الالتزام به للاعتداد بقصوده في الصلاة و الصوم، فتبطل صلاته بكلامه و صومه بإفطاره العمديين.

و لأجل ذلك فالأقوى صحّة معاملاته مع إذن الولي و مراقبته و لا أقلّ فيما

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 18 الباب 8 من أبواب مقدّمات الحدود، الحديث 2 و 1.

(2) 3 الوسائل: 19، الباب 36 من أبواب قصاص النفس، الحديث 2.

(3) 4 و 5 الوسائل: 19، الباب 11 من أبواب العاقلة، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 134

تعارف بين المسلمين و جرت عليه سيرة العقلاء من الإذن للأطفال في ممارسة المعاملات الخالية عن الخطر و الغرر و الضرر.

الصورة الثالثة: أن يكون مجرياً للصيغة،

و لا شكّ في صحّته إذ لا دليل على كونه مسلوب العبارة، إذا كان عارفاً باللغة و قاصداً للمعنى، و قد ورد أنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم تزوّج أُمّ سلمة و زوّجها إيّاه عمر بن أبي سلمة و هو صغير لم يبلغ الحلم. «1»

و على ذلك لا شكّ في صحّة عقده إذا كان وكيلًا و لا دليل على شرطية البلوغ في الوكالة.

و العجب من بعض

المحقّقين: حيث حكم ببطلان عقد الصبي إذا كان بإذن الولي، و صحّح عقد الفضولي إذا لحقته إجازة الولي، مع أنّ الأوّل أولى بالصحّة. «2»

الشرط الثالث: كونه غير ساه

قال المحقّق: «و في السكران الذي لا يعقل، تردّد أظهره أنّه لا يصحّ، و لو أفاق و أجاز صحّ» و لو قيل بالبطلان مطلقاً و لو أجاز بعد الإفاقة لكان أوفق بالقاعدة لكونه مسلوب العبارة و لا اعتداد بقصده و إنشائه بين العقلاء.

و فصّل العلّامة في المختلف بين ما بلغ السكر إلى حدّ عدم التحصيل «3» كان العقد باطلًا، و لا ينعقد بإقرارها «أي رضاه به بعد الإفاقة» و إن لم يبلغ السكر إلى ذلك الحدّ صحّ العقد مع تقريره إيّاه. «4»

و عليه حملت الرواية الآتية.

و أورد عليه في المسالك: بأنّه إذا لم يبلغ السكر إلى ذاك الحدّ صحّ العقد

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 16 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) لاحظ مستند العروة: 187.

(3) كذا في المطبوع و الظاهر التمييز.

(4) المختلف: 90، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 135

و إن لم يقرّر و لم يرض.

و يظهر من الشيخ في النهاية «1» و صاحب الحدائق «2»، صحّة عقد السكرانة إذا رضيت بعد الإفاقة و أضاف الشيخ قدّس سرّه: و إن دخل بها الرجل في حال السكر، ثمّ أفاقت الجارية، فأقرّته على ذلك كان ذلك ماضياً، و استدلّ صاحب الحدائق بما رواه الصدوق و الشيخ صحيحاً عن أبي الحسن الثاني عن امرأة ابتليت بشرب النبيذ فسكرت فزوّجت نفسها رجلًا في سكرها ثمّ أفاقت فأنكرت ذلك، ثمّ ظنّت أنّه يلزمها ففزعت منه فأقامت مع الرجل على ذلك التزويج أ حلالٌ هو لها، أم التزويج فاسد لمكان السكر و لا

سبيل للزوج عليها؟

فقال عليه السلام: «إذا أقامت معه بعد ما أفاقت فهو رضا منها»، قلت: و يجوز ذلك التزويج عليها؟! فقال: «نعم». «3»

و الرواية مخالفة للقاعدة من وجهين:

الأوّل: تصحيح عقد السكران بالإجازة، و هي لا تصحّح ما وقع باطلًا لأجل فقدان القصد.

الثاني: تصحيح العقد بعد ردّه كما هو ظاهر قوله: «فأنكرت» و كذا قوله: «ففزعت منه» إلّا أن تحمل تلك الكلمة على أنّها جزعت و أظهرت الحزن تخيّلًا بأنّه لا محيص لها عنه. و هناك وجه ثالث لمخالفة الرواية للقواعد بانّ رضاها كان على تخيل صحّة العقد و لزومه، و لو كانت واقفة على عدم لزومه لما رضيت و مثل ذلك غير كاف في باب العقود، فلو أظهر الرضا بالتصرف في مال بتخيّل أنّه مال المتصرّف فلا يصحّ له التصرّف فيه إذا وقف المتصرّف على خطئه.

و على ذلك فالرواية مخالفة للقواعد فلا بدّ من الحمل على ما حمل عليه في

______________________________

(1) النهاية: 468.

(2) الحدائق: 23/ 173.

(3) الوسائل: 14، الباب 14 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 136

المختلف، أو على أنّ المراد من قوله: «فزوجت» هو التزويج بالتسبيب فالعاقد كان غيرها، و يستظهر ذلك الحمل من قوله: «فهو رضا منها» و بهذا الحمل يدفع به الإشكال الأوّل دون الثاني و الثالث فيجب ردّ علمها إليهم عليهم السّلام.

و أمّا السفيه فلا بأس بعقده إذا كان وكيلًا عن الغير في إجراء الصيغة لعدم كونه مسلوب العبارة بل محجور عن التصرف في الأموال على وجه الاستقلال، و كذا إذا كان أصيلًا مع إجازة الولي لارتفاع الحجر مع إذن الولي.

الشرط الرابع: كونه مختاراً

إذا أُكره على إجراء العقد فهو على قسمين: فتارة يُكْره على إجراء

الصيغة للغير فيصحّ إذا علم كونه قاصداً للإنشاء إذ ليس من الأُمور العبادية التي يعتبر الإخلاص فيها، و لا من التصرّف في الأموال التي لا يجوز إلّا بطيب النفس بل من الأُمور التوصلية التي تتحقّق تارة بلا قصد كما إذا غسل الثوب في الماء بإطارة الريح، و أُخرى بالقصد كما في المقام و ما دلّ على رفع الإكراه فإنّما هو إذا ترتّب الأثر على نفس المكره و هو مفروض الانتفاء، و إنّما يترتّب الأثر بالنسبة إلى غيره أعني: الزوجين.

و أُخرى على العقد لنفسه فلا يجوز إلّا إذا رضى و أجاز، و ذلك لوجود المقتضي و هو صدور العقد من العاقل البالغ القاصد للإنشاء، و المانع عن النفوذ كونه مكرهاً و هو لا يقتضي الفساد مطلقاً، سواء رضي به بعدُ أم لا، و إنّما يقتضيه إذا ردّ العقد، و أمّا إذا ارتفع بلحوق الرضا فيكون مؤثّراً، و وجهه أنّ حديث رفع الإكراه من الأدلّة الامتنانية كما يعرب عنه قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم «رفع عن أُمّتي» و لازم ذلك أن لا يوجب الفساد مطلقاً بل ما دام مكرهاً لأنّ الحكم بفساده بعد رضاه بحجّة أنّه كان مكرهاً سابقاً على خلاف الامتنان.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 137

و مثل ذلك، الاضطرار فهو مع كونه مرفوعاً كالإكراه لا يقتضي بطلان المعاملة، كما إذا اضطرّ لأجل معالجة مريضه إلى بيع ماله فالحكم بالبطلان في هذه الصورة يخرجه عن كونه حكماً امتنانياً بل هو على خلاف الامتنان.

و الحاصل أنّه لا دليل على لزوم نشوء العقد من الرضا، حتى لا يفيد لحوق الرضا المتأخّر بل السبب هو العقد مع الرضا فكلّما تحقّق ذاك العنوان ترتّب

عليه الأثر.

و ما يتوهم من شرطية نشوء العقد من الرضا في التجارات لقوله سبحانه: (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) «1» فقد حقّق في محلّه، أنّه محمول على الغالب و المقصود عدم كون المعاملة داخلة في الأكل بالسبب الباطل كما في صدر الآية: (لٰا تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ مِنْكُمْ) و من المعلوم أنّه مع لحوق الرضا لا يصدق عليه كونه أكلًا بالسبب الباطل، و التفصيل موكول إلى كتاب البيع.

الشرط الخامس: بقاء المتعاقدين على الأهليّة إلى تمام العقد

هل يشترط أن يكون كلّ من الموجب و القابل متّصفاً بصلاحية الإنشاء عند إنشاء الآخر أو لا؟ و على ذلك فلو أوجب، و القابل نائم أو مغمى عليه فأفاق و قبل، و مثله العكس، بأن قبل القابل و الموجب نائم أو مغمى عليه ففيه وجهان.

و استدلّ على اشتراط بقاء أهلية كلّ من المتعاقدين في حال إيجاب الآخر، أو قبوله بوجوه:

1- إنّ التخاطب بين المتعاقدين معتبر و هو منتف مع نوم صاحبه.

يلاحظ عليه: أنّ الدليل أخصّ من المدّعى، إذ ربّما لا يتوقف العقد على

______________________________

(1) النساء: 29.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 138

التخاطب كما في البيع إذا قال: بعت هذا بهذا، و قال الآخر: قبلت، و كما في النكاح، إذا عقد الوكيلان فقال: أنكحت الفتاة المعلومة وكالة للفتى المعلوم، و قال الآخر: قبلت النكاح وكالة للفتى المعلوم، نعم لو كان إنشاء العقد بنحو التخاطب يعتبر فيه بقاء الأهلية.

2- إنّ ظاهر أدلّة شرطية القصد و الرضا و نحوهما في العقد، اعتبار ذلك في تمام العقد المركّب من الإيجاب و القبول، لا اعتبار قصد الموجب في الإيجاب فقط و قصد القبول في القبول فقط، فإذا ارتفعت القابلية بعد الإيجاب و

قبل القبول لم يحصل الشرط في تمام العقد.

يلاحظ عليه: أنّ صحّة العقد الفضولي دليل على عدم اعتبار نشوء العقد من الرضا، بل يكفي وجوده و لو بعد مدّة عن زمان العقد، و أمّا اعتبار قصد الموجب و القابل فهو تابع لصدق المعاقدة و المعاهدة بين العقلاء، فالظاهر أنّ هنا صورتين يختلف حكمهما:

1- إذا جنّ القابل أو اغمي عليه حين الإيجاب، فأفاق فاطّلع على الإنشاء و قبل، فالظاهر صحّة العقد لأنّ الإيجاب باق ببقاء الموجب على الأهلية إلى قبول القابل فإذا انضمّ إليه القبول يكون عقداً تامّاً.

2- عكس الصورة، بأن خرج الموجب عن الأهلية حين قبول القابل فصدق المعاقدة مشكل، إذ لا اعتبار بما في ذهن المجنون و المغمى عليه من الإيجاب فلا يعدّ أمراً باقياً عرفاً حتّى ينضمّ إليه قبول القابل، و بذلك تظهر صحّة الفرعين اللذين ذكرهما المحقّق في المقام.

أ إذا أوجب ثمّ جنّ أو أُغمي عليه، فلو قبل بعد ذلك كان لغواً و ذلك لعدم الاعتداد بما في ذهن المجنون و المغمى عليه من الإيجاب.

ب لو سبق القبول و زال عقله فلو أوجب الولي بعده كان لغواً، و ذلك

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 139

لأجل عدم الاعتداد بما في ذهنهما من القبول المتقدّم.

و مبنى التفصيل أنّه لو خرج البادئ بالإنشاء عن الأهليّة عند إنشاء الثاني به، فلا يصحّ، و هذا بخلاف ما إذا خرج الثاني عن الأهلية عند إيقاع الأوّل، فيصحّ لأنّ الجزء المتقدّم من العقد حسب الفرض موجود عند لحوق الثاني.

و أمّا بقاء الطرفين على الأهليّة بين الإيجاب و القبول، فلا دليل عليه. فلو خرج البادئ عن الأهليّة لكن صبر القابل حتّى أفاق البادئ فقبل، يكون صحيحاً، لأنّ

كلًا من الإيجاب و القبول واجد للشرط.

و الحاصل: أنّ العقد من قبيل عقد الحبلين، فتتوقّف الصحّة على وجود كلّ منهما عند العقد، فلو جنّ البادئ، لا يصحّ إيقاع المتأخّر، لفقدان الحبل، و لو جنّ المتأخّر، فلا يضرّ لعدم الحاجة إلى قصده و ضمّ حبله إلّا عند قبوله و المفروض أنّه موجود عنده و إن لم يكن موجوداً عند إيجاب المتقدّم.

الشرط السادس: حضور الشاهدين عند العقد

قال الشيخ في الخلاف: لا يفتقر النكاح في صحّته إلى شهود، و به قال من الصحابة الحسين بن علي عليهما السلام، و ابن الزبير و ابن عمر و إليه ذهب عبد الرحمن بن مهدي و يزيد بن هارون، و به قال أهل الظاهر و قال الشافعي: لا يصحّ إلّا بشاهدين عدلين ذكرين، و رووا ذلك عن علي عليه السّلام و عمر و ابن عبّاس.

و قال مالك: من شرطه ترك التواصي بالكتمان، فإن تواصوا بالكتمان بطل و إن حضره الشهود، و إن لم يتواصوا بالكتمان صحّ، و إن لم يكن شهود. و قال أبو حنيفة: من شرطه الشهادة و ليس من شرطها العدالة و لا الذكورية. «1»

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 363، المسألة 13.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 140

و عنونه ابن قدامة، و ذكر اختلاف آراء قومه و نقل عن يزيد بن هارون ما ورد من رواياتنا أيضاً: من أنّه سبحانه أمر بالإشهاد في البيع دون النكاح فاشترط أصحاب الرأي الشهادة في النكاح و لم يشترطوها للبيع. ثمّ ذكر أنّ مستند القائلين بالاشتراط ما روي عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: لا نكاح إلّا بولي مرشد و شاهدي عدل.

و روى الدارقطني: لا بدّ في النكاح من أربعة: الولي و الزوج

و الشاهدان. «1»

هذا و المسألة مورد وفاق بين الأصحاب لتضافر الروايات على عدمهما. و لم ينقل الخلاف إلّا عن ابن أبي عقيل فاشترط في الدائم لخبر محمول على الاستحباب أو التقية. و في الروايات تفسير لما رواه العامة، عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم من أنّه لا نكاح إلّا بشاهدي عدل و أنّ الشهادة ليست شرطاً لصحّة النكاح بل شرط لثبوت النسب و المواريث ففي صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّما جعلت البيّنات للنسب و المواريث» «2» و في صحيح حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج بغير بيّنة، قال: «لا بأس» 3 و لأجل وضوح الحكم نكتفي بما ذكرنا من الخبرين.

هذه الأُمور هي المعتبرة في المتعاقدين، و تترتب عليها مسائل:

المسألة الأُولى: في اشتراط الخيار في النكاح
اشارة

هل يجوز اشتراط الخيار إلى مدّة محدودة أو غيرها في أصل النكاح كاشتراطه في البيع أو لا؟ و على فرض عدم الجواز فهل الشرط فاسد و مفسد، أو هو فاسد و غير مفسد؟

______________________________

(1) المغني: 6/ 483.

(2) 2 و 3 الوسائل: الجزء 14، الباب 43 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 141

ذهب الشيخ إلى كونه فاسداً و مفسداً، قال في الخلاف: من شرط خيار الثلاث في عقد النكاح كان العقد باطلًا و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: يبطل الشرط و النكاح بحاله، دليلنا أنّ العقد حكم شرعي يحتاج إلى دلالة شرعية و لا دلالة على ثبوت هذا العقد. «1»

و قال ابن قدامة: «و لا يثبت في النكاح خيار، سواء في ذلك خيار المجلس، و خيار الشرط و لا نعلم أحداً خالف في هذا، و ذلك لأنّ الحاجة غير

داعية إليه، و لا يقع في الغالب إلّا بعد ترو و فكر، و مسألة كلّ واحد من الزوجين في صاحبه، و المعرفة بحاله بخلاف الواقع في الأسواق من غير فكر و لا روية، و لأنّ النكاح ليس بمعاوضة محضة و لهذا لا يعتبر فيه العلم بالمعقود عليه برؤية و لا صفة و يصحّ من غير تسمية العوض و لأنّ ثبوت الخيار فيه يفضي إلى فسخه بعد ابتذال المرأة». «2»

و أكثر ما ذكره استحسان إلّا قوله: «إنّ النكاح ليس بمعاوضة حقيقية».

و على كلّ تقدير يقع الكلام في موردين:
اشارة

1- حكم شرط الخيار في النكاح و هل هو شرط فاسد أو لا؟

2- على القول بكونه فاسداً هل هو مفسد أو لا؟

[1- حكم شرط الخيار في النكاح و هل هو شرط فاسد أو لا؟]

أمّا الأوّل: فقد ذكر في تقرير فساده وجوه:

1- إنّ اللزوم في النكاح حكم شرعي، و ليس من حقوق المتعاقدين، أو أحدهما حتّى يكون زمامه بيدهما، و يدلّ عليه عدم وجود الإقالة فيه كما هو الحال في البيع.

يلاحظ عليه: أنّ التفريق بين البيع و الإجارة و مسألة النكاح من جعل اللزوم

______________________________

(1) الخلاف: ج 2، كتاب النكاح، المسألة 59.

(2) المغني: 7/ 560.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 142

في الأوّلين من حقوق المتعاقدين دون الثالث و جعله فيه حكماً شرعياً تفريق ذوقي لا دليل عليه. و عدم صحّة الإقالة فيه، (و تشريع الطلاق وسيلة للفراق) لا يدلّ عليه، إذ من الجائز منع الشارع عن التمتع بالحقّ بلا شرط لا معه لعلمه بملاكات الأحكام بل ربّما سوّغ للطرفين فسخ العقد بلا شرط في مواقع خاصة، كالجنون في الزوج و المعايب الخاصة في المرأة، و باختصار لا مانع من كونه من الحقوق لكنّه لا يجوز التمتع بها إلّا في ظروف خاصة لا مطلقاً.

2- إنّ جعل الخيار لمّا كان يرجع إلى تحديد المنشأ و توقيته بعدم الفسخ، لامتناع الإهمال و عدم معقولية الإطلاق و الشمول لما بعد الفسخ كانت الزوجية مقيّدة و متوقّفة بقبل الفسخ لا محالة و إذا كانت كذلك حكم ببطلانه لأنّ تحديد الأجل بنحو لا يقبل الزيادة من أركان العقد المنقطع و هو مفقود في المقام حيث إنّ تاريخ الفسخ مجهول و باختصار: أنّ هذا العقد لا يخلو من أمرين: إمّا أن يكون دائماً أو منقطعاً، و الأوّل لا يتصوّر في المقام

لاستلزام جعل الخيار التقييد و التحديد، و الثاني يقتضي البطلان لفقد ركن من أركانه و هو تحديد الأجل بنحو لا يقبل الزيادة أو النقصان.

يلاحظ عليه: أنّ جعل الخيار لا يخرجه عن كونه عقداً دائماً، لأنّ الملاك في كون العقد دائماً أو منقطعاً، كون المنشأ متّصفاً بأحدهما، و جعل الخيار لا يتجاوز عن إعطاء الخيار للزوجين في حلّ العقد و لو كان ذلك مخالفاً لدوام العقد يلزم أن يكون تمكّن الزوج من الطلاق مخالفاً لذلك أيضاً فيقال مكان قوله: هنا «كانت الزوجية مقيّدة و متوقفة بقبل الفسخ لا محالة»، «كانت الزوجية مقيّدة و متوقعة بقبل الطلاق».

و على ذلك فالعقد دائم لا منقطع حسب الإنشاء حتّى يكون فاقداً لركن من أركانه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 143

و الحاصل، أنّ التقييد بالقدرة على الفسخ لا يزيد على القدرة بالطلاق، غير أنّ أحدهما مذكور، و الآخر مقدّر مسلّم شرعاً فلا يجعل النكاح مقيّداً بما قبل الفسخ في مقام الإنشاء و أمّا علم الباري، و نفس الواقع فكلّ الأشياء مقيّدة بقيود و محدودة بها و النكاح أيضاً محدود، بطلاق أو فسخ أو تفاسخ.

و الذي يمكن أن يقال عدم تعارف شرط الخيار بين العقلاء و أنّهم يقدّسون عقدة النكاح من أن يمسّها خيار شرط و هذا يكفي في عدم شمول أدلّة الشروط للمورد.

و ربّما يتخيّل «كون الشرط منافياً لمقتضى العقد و مفهومه نظير بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أُجرة، أو منافياً لمقتضاه في نظر العرف و إن لم يكن منافياً لجوهره» و هو كما ترى، لأنّ المراد من الأوّل، كون الشرط مضادّاً لمفهومه، إذ لا معنى للبيع بلا ثمن، أو الإجارة بلا أُجرة، و مثله ما إذا

كان الاقتضاء عرفياً و إن لم يكن منافياً لجوهره و إن لم نقف على مثال له و ليس النكاح من أحد القسمين بل اللزوم من أحكام النكاح عرفاً و شرعاً. اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ عدم كونه متعارفاً بين العقلاء ربّما يوجب انسلاك شرط الجواز في عداد الشرائط المخالفة لمقتضى العقد و يكون قصد النكاح المشروط بخيار، كأنّه من قبيل قصد المتنافيين و هو كما ترى.

2- شرط الخيار مفسد للعقد أو لا؟

قد اتضح حكمه ممّا سبق لأنّ إفساد الشرط رهن أحد أمرين، إمّا كونه مخالفاً لمقتضى العقد حتى لا يصحّ معه قصد مفهومه، أو كونه موجباً للجهالة في الثمن أو المثمن، و الأوّل منتف، و الثاني مخصوص بباب المعاملات بالمعنى الأخص. و النكاح خارج عنه فلو شرط يكون الشرط لغواً و العقدُ صحيحاً.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 144

المسألة الثانية: في اشتراط الخيار في الصداق

قد عرفت حكم الخيار في النكاح و هل يصحّ جعله في الصداق؟

قال الشيخ في الخلاف: إذا أصدقها داراً و شرط في الصداق ثلاثة أيّام، شرط الخيار، صحّ الصداق و الشرط معاً و النكاح صحيح، و للشافعي في صحّة النكاح قولان: أحدهما، يبطل و الثاني يصحّ إلى أن قال: دليلنا، قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «المؤمنون عند شروطهم» لأنّ هذا الشرط لا يخالف الكتاب و السنّة فيجب أن يكون صحيحاً. «1»

وجه الصحّة: أنّ ذكر الصداق غير لازم في العقد فيصحّ العقد مع عدم ذكره، فلا يضرّ اشتراط الخيار فيه لأنّ غايته جعل العقد بغير صداق فيصير كالمنصوص على صحّته.

و إليه ذهب صاحب المسالك حيث قال: لا يضرّ اشتراط الخيار فيه مدّة مضبوطة فإذا انفسخ فإن كان دخل بها، يرجع إلى مهر المثل لو لم يتراضيا على شي ء غير الأوّل. و إن لم يكن دخل بها فتجب المتعة على ما سيجي ء شرحه.

نعم جعل الخيار في المتعة مشكل، لأنّ المهر و المدّة فيها ركنان، فلو اشترط الخيار و فسخ، يصير العقد بلا صداق، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ الركن وجود الصداق و أمّا المسمّى فلا لأنّ المفروض أنّه لو صحّ يرجع إلى مهر المثل فلا يكون العقد بلا مهر فلاحظ.

______________________________

(1) الخلاف: ج 2، كتاب

الصداق، المسألة 33.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 145

المسألة الثالثة: فيما إذا اعترفا أو أحدهما على الزوجية

إذا اعترف رجل بزوجية امرأة فصدقته، أو اعترفت هي فصدّقها قضى بالزوجية ظاهراً و توارثا.

و تدلّ عليه سيرة العقلاء أوّلًا، و كون الأمر لا يعدوهما ثانياً، و أنّها ممّا لا يعلم إلّا من قبلهما ثالثاً.

و أمّا التمسّك بقاعدة الإقرار فلا تثبت بها الزوجية بصورة كاملة إلّا إذا اتّفقا عليها لأنّ الإقرار بالزوجية اعتراف على الضرر و النفع فلا يسمع إلّا فيما فيه ضرر على المقرّ، و أمّا ما فيه نفع له فلا يسمع إلّا في صورة موافقة الآخر، فلو أقرّ الزوج دونها فيؤخذ عليه بحرمة تزويجه بأُمّها و أُختها، و أمّا إرثه منها أو جواز وطئها فلا يثبت بإقراره بها إلّا بموافقة الآخر، و مثله إذا اعترفت الزوجة دون الآخر، و لذا قال المحقّق: «و لو اعترف أحدهما بها قضى عليه بحكم العقد دون الآخر».

هذا إذا لم يكن لمدّعي الزوجية بيّنة، و إلّا تجري عليه قواعد الدعوى و ذلك لأنّ الزوجية تثبت إمّا بإقامة المدّعي البيّنة على الزوجية، أو بحلف اليمين المردودة، (على القول بجواز الردّ في مورد النكاح) و تنتفي إذا حلف المنكر على عدمها.

لكن حكم الحاكم لا يغيّر الواقع بل على كلّ منهما، العمل على الواقع بينه و بين اللّه.

و على ذلك فلو ثبتت الزوجية بالبيّنة أو بحلف اليمين المردودة، فإن كان المثبت الزوج فله الطلب ظاهراً و عليها المهرب باطناً، و إن كان المثبت الزوجة فلها طلب النفقة و حقّ القسم و المضاجعة و الوطء بعد مضي أربعة أشهر، و له المهرب

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 146

باطناً في الأُمور الأخيرة «1».

المسألة الرابعة: إذا زوّج واحدة من بناته و لم يسمّها عند العقد

إذا كان لرجل عدّة بنات فزوّج واحدة منها و لم يسمّها عند العقد لكن قصدها بالنيّة،

فاختلف الأب و الزوج بعد ذلك، قال الشيخ في النهاية: إن كان الزوج رآهنّ كلّهنّ كان القول قول الأب و على الأب أن يسلّم إليه التي نوى العقد عليها عند عقد النكاح، و إن كان الزوج لم يرهنّ كان العقد باطلًا. «2»

و تبعه ابن البرّاج «3» و جملة من المتأخّرين منهم المحقّق في الشرائع، و قال ابن إدريس بالبطلان، و يظهر الميل إليه من الشهيد في المسالك.

استدلّ الشيخ بما رواه الكليني بسنده، عن أبي عبيدة، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل كنّ له ثلاث بنات أبكار فزوّج إحداهنّ رجلًا و لم يسمّ التي زوّج للزوج و لا للشهود، و قد كان الزوج فرض لها صداقها، فلمّا بلغ إدخالها على الزوج بلغ الزوج أنّها الكبرى من الثلاثة، فقال الزوج لأبيها، إنّما تزوّجت منك الصغيرة من بناتك، قال: فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إن كان الزوج رآهنّ كلّهنّ و لم يسمّ له واحدة منهنّ فالقول في ذلك قول الأب، و على الأب فيما بينه و بين اللّه أن يدفع إلى الزوج الجارية التي كان نوى أن يزوّجها إيّاه عند عقدة النكاح، و إن كان الزوج لم يرهنّ كلهنّ و لم يسمّ له واحدة منهنّ عند عقدة النكاح فالنكاح باطل». «4»

______________________________

(1) هكذا ذكر المشايخ لكنّ القضاء بهذا الشكل امر عجيب غير قابل للتطبيق و لا بد للمسألة من حلول آخر. فلاحظ.

(2) النهاية: 468.

(3) المهذّب: 2/ 196.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 15 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 147

نعم ذهب ابن إدريس إلى البطلان قائلًا بأنّه يلزم تعيين الزوجة، بالاسم أو الوصف أو الإشارة إلى معيّن، أو الاتّفاق على

معيّن لأنّ العقد حكم شرعي، يحتاج في إثباته إلى دليل شرعي و من شرط صحّته، تميّز المعقود عليها و لأنّه إذا ميّزها من غيرها صحّ العقد بلا خلاف و إذا لم يميّزها ليس على صحّته دليل أو فيه خلاف. «1»

هذا و ظاهر الرواية أنّ رؤية الزوج لهنّ كافية في الصحّة و يرجع إلى ما عيّنه الأب و إن اختلفا في القصد، و عدم رؤيته كاف في البطلان مطلقاً و إن اتّفقا في القصد «2»، مع أنّ المدار في الصحّة و البطلان إنّما هو على التعيين و عدمه لا على الرؤية.

و لأجل ذلك نزّلها المحقّق على ظهور الرؤية و عدم التعيين، في إيكال الأمر إلى الأب فيصحّ و يجب أن يسلّم ما نواه و إن لم يكن رآها كان العقد باطلًا.

و اعترض في المسالك بما هذا حاصله: أنّ الرؤية أعمّ من تفويض الأمر إلى الأب، كما أنّ عدمها أعمّ من الرضا بتعيينه و عدمه فلا الرؤية دليل على التفويض، و لا عدمها دليل على عدمه و لكلّ حالات. «3»

أقول: مقتضى القاعدة إذا لم يثبت التفويض، هو التحالف لأنّ كلًا منهما مدع و منكر فيتحالفان و ينفسخ العقد، و أمّا إذا ثبت التفويض فالقول، قول المفوض إليه بيمينه لأنّه أعلم بقصده.

و لكن صحّة الرواية تصدّنا عن طرحها، مع عمل جماعة بها من القدماء و المتأخّرين. أمّا الصحّة في صورة الرؤية فلها صورتان:

1- إذا رآهنّ و اتّفقا على أنّه لم يسمّ واحدة منهنّ و كان الأب مأذوناً في إجراء

______________________________

(1) السرائر: 2/ 573.

(2) الرواية منصرفة عن صورة الاتفاق في القصد.

(3) المسالك: 1/ 481.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 148

العقد فالقول قول الأب، و إلّا كان

العقد فضولياً، فللزوج ردّه بلا حاجة إلى التحاكم.

2- تلك الصورة و لكن لا يتّفقان على أنّه لم يسمّ واحدة منهنّ، بل يقول الزوج سمّيت الصغيرة فالأخذ بقول الأب مشكل و القدر المتيقّن من الرواية هو الصورة الأُولى و حينئذ يصحّ تنزيل المحقّق و غيره من أنّها ظاهرة في التفويض، فيكون القول قول المفوض إليه بخلاف الصورة الثانية، و يندفع إشكال المسالك بأنّ الرؤية أعمّ من التفويض، و ذلك لأنّ الرؤية إذا انضمّت إلى تسليم أنّه لم يسمّ واحدة منهنّ و أنّه أذن للأب في إجراء العقد تكون ظاهرة في التفويض فقط دون ما إذا لم يسلِّم أنّه لم يسمّ واحدة منهنّ بل ادّعى أنّه سمّى واحدة منهنّ فيكون على طرف النقيض من التفويض، فالعمل بالصحيحة في الصورة الأُولى قريب جدّاً.

نعم إذا اتّفقا على عدم الرؤية سواء اتّفقا على عدم التسمية أو تخالفا فيه، فليس هناك ما يدلّ على واحد من الأمرين: التفويض، و عدمه، فلا مناص عن القول بالبطلان.

المسألة الخامسة: اشتراط امتياز الزوجة عند العقد

يشترط امتياز الزوجة من غيرها، بالإشارة، أو التسمية، أو الصفة، و يترتّب عليه أنّه لو زوّجه إحدى ابنتيه لم يصحّ.

و الفرق بين هذه المسألة و ما تقدّم عليها، أنّ مورد السابقة ما إذا كانت معلومة عند الولي دون الزوج، و أمّا هذه ففيما إذا كانت مجهولة عندهما.

و كما يشترط امتياز الزوجة بأحد الأنحاء الثلاثة، كذلك يشترط امتياز الزوج

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 149

فلو قال: زوّجت ابنتي فاطمة لواحد من ولديك، لم يصحّ.

و كما يكفي في حصول الامتياز، أحد الوجوه الثلاثة، يكفي في حصوله، قصد امرأة معيّنة و إن لم يصرّح في اللفظ. و على كلّ تقدير استدل على الاشتراط بالإجماع تارة،

و بأنّ الزوجة المعقودة عليها مقصودة للاستمتاع و يشترط تعيينها في صحّة النكاح، كما في كلّ معقود سواء أُريد عينه كالبيع أو منفعته كالعين الموجرة. «1»

أقول: أمّا الإجماع فمعلوم السند، و أنّ من المظنون جدّاً أن يكون سنده ما ذكروه من الدليل.

و أمّا الاستمتاع، فلا شكّ أنّه يتعلّق بالمعيّن لكنّه لا يلازم كونه معيّناً حين العقد بل يكفي التعيين، بعد العقد، بالتفويض، أو القرعة، أو ما أشبههما، و قياس المقام بالبيع موجب لضعف الاستدلال، لأنّه يجوز بيع الكلي غير المتشخص حين العقد، المتشخص حين التسليم.

على أنّ ظاهر الآية، هو الصحّة، فقد حكى سبحانه عن شعيب عليه السّلام أنّه قال لموسى عليه السّلام: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ وَ مٰا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شٰاءَ اللّٰهُ مِنَ الصّٰالِحِينَ). «2»

و حمل الآية على أنّه كان اقتراحاً من شعيب لا عقداً لواحدة منهما لا يلائمه قول موسى: (ذٰلِكَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلٰا عُدْوٰانَ عَلَيَّ وَ اللّٰهُ عَلىٰ مٰا نَقُولُ وَكِيلٌ). «3»

فإنّ المتبادر أنّ ما تكلّم به شعيب، كان إيجاباً و ما قاله موسى، قبولًا. فلو

______________________________

(1) الحدائق: 23/ 186.

(2) القصص: 27.

(3) القصص: 28.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 150

منع ظهور الآية في كفاية التعيين بعد العقد، فلا مناص عن اختيار القول الآخر تمسّكاً بسيرة العقلاء، في باب النكاح فإنّها جارية على التعيين، لا الإبهام. و أما الرضا في باب البيع بمصداق من الكلّي فلا يكون دليلًا على الصحّة في المقام لاهتمام العقلاء في باب النكاح بتعيين الزوجين و تمييزهما، دون البيع بل يكتفون بصدق التماثل في البيع عرفا.

نعم

يكفي التمييز الواقعي و إن لم يكن متميّزاً في الظاهر. كما إذا كان للرجل بنتان، و عقد على الجالس في البيت دون الخارج و لا يتميز الجالس عن الخارج في الظاهر و إن كان متميّزاً واقعاً.

المسألة السادسة: لو ادّعى زوجية امرأة و ادّعت أُختها الزوجية للمدَّعي
اشارة

لو ادّعى الرجل زوجية امرأة فأنكرته و ادّعت أُختها الزوجية له، أو ادّعى الرجل زوجية البنت و انكرته و ادّعت الأُم الزوجية له، فهنا دعويان، إحداهما من الرجل على المرأة الأُولى و الثانية من المرأة الأُخرى على الرجل، و للمسألة صور:

الأُولى: أن لا تكون لواحد من المدعيين بيّنة.

الثانية: أن تكون لأحدهما بيّنة دون الأُخرى.

الثالثة: أن تكون لكليهما بيّنة.

و إليك دراسة الصور:

الصورة الأُولى: إذا لم تكن لواحد منهما بيّنة

مقتضى القاعدة توجّه اليمين على المنكر في كلتا الدعويين و هي المرأة في الدعوى الأُولى، و الرجل في الدعوى الثانية، و في هذه الحالة إمّا أن يحلف المنكِر أو

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 151

يتناكر و يردّ اليمين إلى المدّعي أو يحلف أحد المنكرين دون الآخر، و إليك بيان أحكامها.

1- إذا حلف كلّ من المنكرين تسقط الدعوى، لا بمعنى تغيّر الواقع و انفساخ الزوجية على فرض وجودها، لوضوح أنّ حكم الحاكم لا يغيّر الواقع بل بمعنى سقوط الدعوى حسب الظاهر في نظر المحاكم الشرعية، و إلّا فلو كان الرجل صادقاً في دعواه الأُولى لم يصحّ للمرأة الأُولى التزويج من غيره، و كذلك لو كانت المرأة الثانية صادقة في دعواها لم يصحّ للرجل التزويج بمن لا يمكن الجمع بينهما.

نعم يظهر من صاحب الجواهر في مسألة «إذا اتّفق الزوج و وليّ الزوجة على أنّهما عيّنا معيناً و تنازعا في المعيّن» أنّه مع عدم البيّنة تنفسخ الزوجية إذا تحالفا أو تناكرا و كأنّه لم يكن عقد في البين و لكن الموافقة معه مشكلة، لما عرفت من أنّ حكم الحاكم لا يغير الواقع. روى الكليني بسند صحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم:

إنّما أقضي بينكم بالبيّنات و الايمان و بعضكم ألحن بحجّته من بعض فأيّما رجل قطعتُ له من مال أخيه شيئاً فإنّما قطعتُ له به قطعة من النار. «1»

2- إذا نكل كلّ من المنكرين عن اليمين و ردّ اليمين على المدّعيين «2» و حلف كلّ منهما اليمين المردودة تكون النتيجة كالسابق من سقوط الدعوى و انتهاء النزاع و ذلك لأنّ حلف الرجل اليمين المردودة من المرأة في الدعوى الأُولى يثبت دعواه و أنّها زوجته كما أنّه إذا حلفت المرأة الثانية اليمين المردودة من الرجل في الدعوى الثانية تثبت زوجيتها للرجل و تكون نتيجة اليمينين زوجية الأُختين أو زوجية البنت

______________________________

(1) الوسائل: ج 18، الباب 2 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2) على القول بجواز الردّ في النكاح كما مرّ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 152

و الأُمّ لرجل واحد و هو باطل شرعاً، و تكاذب الحلفين مسقط لكليهما.

لا يقال: إذا حلف الرجل اليمين المردودة من جانب المرأة الأُولى لا يبقى مجال ليمين المرأة الثانية المردودة من الرجل في الدعوى الثانية، و ذلك لأنّ تجويز الحلف الثاني بمعنى إبطال ما أثبتته اليمين الأُولى و لغويتها نتيجة، و على ضوء ذلك فيجب أن يكتفي باليمين الأُولى المردودة سواء كان المقدّم اليمين المردودة من المرأة إلى الرجل، أو من الرجل إلى المرأة.

لأنّا نقول: لمّا كانت الدعويان مشمولتين لأدلّة القضاء في عرض واحد، لا يكون فصل الخصومة في جانب إحداهما سبباً لخروج الآخر عن تحتها، و يجب على الحاكم القيام بقطع الدعوى و النزاع سواء كانت النتيجة ثبوت الزوجية أو انتفاؤها.

3- إذا حلف أحد المنكرين كالمرأة في الدعوى الأولى دون الآخر، و لكن حلف المدّعي كالمرأة في الدعوى

الثانية اليمينَ المردودة فتكون النتيجة بطلان الدعوى الأُولى لحلف المنكِر و ثبوت الدعوى الثانية لحلف المدعي اليمين المردودة. فلو حلف الرجل في الدعوى الثانية و حلف اليمين المردودة في الدعوى الأولى تثبت زوجية البنت و تنتفي زوجية الأمّ.

هذه الأقسام الثلاثة راجعة إلى الصورة الأُولى، أعني: إذا لم تكن لواحد منهما بيّنة من غير فرق بين أن يدخل الرجل بالثانية، أو لا، لأنّ الدخول حتّى الصحيح منه، أعم من النكاح، و حمله على الصحّة، لا يثبت عنوان النكاح لاحتمال أن يكون من قبيل الوطء بالشبهة.

الصورة الثانية: إذا كانت لواحد منهما بيّنة

إذا كان لواحد من المدّعيين بيّنة دون الآخر، فحينئذ ثبتت دعوى صاحب

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 153

البيّنة، سواء كان الرجل أو المرأة، فإن أقامها الرجل ثبتت زوجية المرأة الأُولى، و إن أقامتها المرأة الثانية ثبتت زوجيتها للرجل. هذا ممّا لا شكّ فيه.

إنّما الكلام فيما إذا أقام الرجل بيّنة لدعواه فهل تسقط الدعوى الأُخرى، أعني: ادعاء المرأة الثانية كونها زوجة له، بحجّة أنّ ثبوت الزوجية للأُخت الأُولى لا يجتمع مع ثبوت الزوجية للأُخت الثانية فتترك الدعوى الثانية بحالها، و مثله ثبوت الزوجية للبنت لا يجتمع مع ثبوتها للأُمّ أو تجري عليها قواعد الدعوى مستقلًا، من حلف المنكِر، أو ردّه، فلو حلف المنكِر تبطل الدعوى الثانية، و لكن لو ردّها على المدّعية و حلفت تثبت زوجية الأُخت الثانية له و هو لا يجتمع مع زوجة الأُخت الأُولى فلا مناص من سقوط الدعويين، و مثل ذلك ما إذا انعكس الأمر بأن أقامت المرأة الثانية البيّنة على كونها زوجة للرجل، دون الرجل بالنسبة إلى المرأة الأُولى فيجري فيه ما ذكر في الأُولى، إذا ردّت اليمين، إلى الرجل و حلف فتكون

النتيجة: زوجية الأُختين أو البنت و الأُمّ.

و يمكن ترجيح القول الأوّل (سقوط الدعوى) بأنّ البيّنة من الحجج الشرعية التي هي حجّة في لوازمها العقلية و العرفية و الشرعية، فإذا قامت في واحد من الدعويين، لا تصل النوبة إلى الدعوى الثانية لأنّ المفروض أنّ ثبوت الزوجية لواحدة منهما تلازم بطلان زوجية الأُخرى و لا يحتاج إلى إجراء قواعد الدعوى في الثانية من حلف الرجل أو ردّه على المرأة الثانية حتى يقال بأنّه كيف تردّ اليمين على المرأة الثانية فانّ نتيجة حلفها ثبوت زوجيتها، و قد ثبتت زوجية أُختها له سابقاً.

و ما ذكرنا في الصورة الأُولى من لزوم تصدي القاضي لكلّ من الدعويين إنّما هو فيما إذا لم تكن هناك بيّنة كاشفة بمضمونها المطابقي عن صحّة الدعوى الأُولى حتى يلازمها بطلان الدعوى الأُخرى، و إلّا فيكتفى بتصديق الأُولى.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 154

الصورة الثالثة: إذا كانت لكليهما بيّنة

إذا أقام كلّ من المدّعيين البيّنة، فهناك وجوه نشير إليها:

أ: أن تكون البيّنتان مطلقتين.

ب: أن تكونا مؤرختين متقاربتين.

ج: أن يكون تاريخ إحداهما أسبق من تاريخ الأُخرى.

فعلى الأوّلين تتساقطان لعدم إمكان الجمع و عدم وجود المرجّح.

و أمّا الثالث، أعني: ما إذا سبق تاريخ إحداهما على الأُخرى فيقع الكلام تارة في الأُختين و أُخرى في البنت و الأُمّ.

أمّا الأُولى: فتارة يكون مفاد الأسبق تاريخاً هو حدوث الزوجية في زمان سابق على الدعوى الثانية، أو على استمرارها إلى زمان الثانية من دون دلالة على كونها زوجة بالفعل، و أُخرى يكون مفادها هو الزوجية الفعلية مع سبقها حدوثاً.

أمّا إذا اشهد الأسبق تاريخاً على حدوث الزوجية في زمان سابق على الدعوى الثانية يكون الترجيح بغير الأسبق إذ لا تكاذب بينهما لإمكان صحّة مقولة كلتا البيّنتين

بأن يقال إنّه عقد على الأسبق و طلّقها ثمّ عقد على الثانية، فيؤخذ بكلا الدليلين، من غير فرق بين أن يقوم الأسبق على زوجية المرأة الأُولى، أو على استمرار زوجيتها المرأة إلى زمان الدعوى الثانية.

لا يقال: إذا ثبتت الزوجية حدوثاً فلا مانع من استصحابها إلى زمان تقارن الدعويين.

فانّه يقال: هذا إذا لم تكن هناك بيّنة مانعة عن إجراء الاستصحاب فانّ قيام البيّنة على زوجية المتأخرة تاريخاً لا يجتمع مع بقاء زوجية الأسبق تاريخاً فتكون البيّنة دليلًا اجتهادياً رافعاً لموضوع الأصل العملي أي الاستصحاب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 155

و أمّا إذا قامت البيّنتان على الزوجية الفعلية في جانب كلتا المرأتين فهناك احتمالان:

1- سقوطهما و سقوط الدعويين و انتهاء المخاصمة حسب الظاهر و إن كانت الوظيفة الواقعية غير ساقطة.

2- إنّ مصبَّ تعارض البيّنتين هو الزوجية الفعلية فيتساقطان في مورد التعارض و أمّا الزوجية السابقة على الزوجية الفعلية فلا تعارض بينهما و لا تكاذب، و عندئذ لا مانع من استصحاب الزوجية السابقة و يكون الترجيح للأسبق لا لأجل ترجيح تلك البيّنة على البيّنة الأُخرى و إنّما هو لأجل استصحاب ما أثبتته تضمّناً و هو حدوث الزوجية المتقدّمة. «1»

يلاحظ عليه: أنّه مبني على جواز التبعيض في العمل بمضمون البيّنة الساقطة لأجل التعارض فانّ الأسبق تاريخاً يتضمّن أمرين: حدوث الزوجية و استمرارها إلى زمان الدعوى و مصبّ التعارض إنّما هو استمرارها فلا يؤخذ به لأجل التعارض و أمّا حدوث الزوجية فخارج عن مصبها فيؤخذ به أوّلًا، ثمّ يستصحب ثانياً، و هل يستفاد من دليل حجّية البيّنة جواز التبعيض في العمل بها؟ فيه تأمّل.

هذا إذا كانت المرأتان أُختين و أمّا إذا كانت المرأتان أُمّاً و بنتاً، فله

قسمان:

1- إذا دلّت البيّنة على تقديم العقد على البنت فهذا كاف في بطلان العقد الثاني سواء دلّت الأُولى على بقائها، أو لا، لأنّ العقد على البنت إنّما يوجب تحريم الأُمّ مطلقاً.

2- إذا دلّت البيّنة على تقدّم العقد على الأُمّ في زمان فله قسمان:

______________________________

(1) مستند العروة الوثقى: 2/ 230.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 156

و ذلك لأنّ البيّنة القائمة في مورد الأُمّ إمّا أن تدلّ على حدوث الزوجية دون استمرارها، أو تدلّ على استمرارها إلى الزمان الحالي فيأتي فيهما ما ذكرناه في الأُختين حذو النعل بالنعل فلا نعيد، هذا كلّه حسب القاعدة.

غير أنّ في المقام رواية رواها الكليني و الشيخ بسندين غير نقيين، روى الأوّل عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، و عن علي بن محمّد القاساني، عن القاسم ابن محمّد، عن سليمان بن داود، عن عيسى بن يونس، عن الأوزاعي عن الزهري، عن علي بن الحسين عليهما السّلام في رجل ادّعى على امرأة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود، و أنكرت المرأة ذلك فأقامت أُخت هذه المرأة على هذا الرجل البيّنة أنّه تزوّجها بوليّ و شهود، و لم يوقّتا وقتاً فكتب عليه السّلام: «إنّ البيّنة بيّنة الرجل و لا تقبل بيّنة المرأة لأنّ الزوج قد استحق بضع هذه المرأة و تريد أُختها فساد النكاح فلا تصدق و لا تقبل بيّنتها إلّا بوقت قبل وقتها أو بدخول بها». «1»

و رواها الشيخ باسناده، عن محمّد بن الحسن الصفّار، عن علي بن محمّد، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن عبد الوهاب بن عبد الحميد الثقفي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «2» و السند عليل ففيه:

1- علي بن محمّد القاساني، و هو ممّن

ضعّفه الشيخ.

2- القاسم بن محمّد، مشترك بين الثقة و الضعيف.

3- عيسى بن يونس، الذي لم يوثق.

4- الأوزاعي و الزهري، عامّيان.

و في سند الشيخ، عبد الوهاب بن عبد الحميد و هو لم يوثق.

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 22، من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 18، الباب 12، من أبواب كيفية الحكم، الحديث 13.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 157

هذا كلّه حول السند، و أمّا المتن ففيه غموض من جهات:

1- إنّ الظاهر من قوله: «و تريد أُختها فساد النكاح فلا تصدق و لا تقبل» أنّ الجواب راجع إلى واقعة خاصة، وقف الإمام عليه السّلام على فساد نيّة الأُخت، فيقتصر في العمل على مورد.

2- كيف يمكن أن يكون الدخول مرجّحاً لبيّنة المرأة الثانية مع أنّه أعمّ من النكاح حتّى أنّ الصحيح من الوطء لا يلازم النكاح كالوطئ بالشبهة.

3- انّ لازم هذه الرواية، تقديم قول الرجل في خمس صور، و المرأة في سبعة صور، لأنّ البيّنتين إمّا مطلقتان أو مؤرختان، متقاربتان أو بيّنة الرجل مؤرخة دون الأُخرى أو بالعكس، أو تكون بيّنة الرجل أسبق تاريخاً من بيّنة المرأة أو بالعكس، و على كلّ تقدير فإمّا أن يكون هناك دخول أو لا فتكون الصور اثنتا عشرة، فعلى العمل بالرواية تقدّم بيّنة الرجل في صور خمس، أعني: ما إذا لم يكن هناك دخول و لم تكن بيّنة المرأة أسبق تاريخاً و لا وجه لهذا التقديم مع اشتراكهما في جميع الجهات.

و ربّما يقال: كيف تقدّم بيّنة الرجل على بيّنة المرأة مع أنّ الرجل منكِر، و البيّنة على المدعي «المرأة الثانية» و لكنّه مدفوع بأنّ الرجل في الدعوى الأُولى مدّع و في الدعوى الثانية منكِر، و تقديم بيّنته

لأجل كونه مدّعياً في الأُولى. نعم يمكن أن يقال: إنّ تقديم بيّنة الرجل لما استلزم ردّ بيّنة المدعي (المرأة) في الدعوى الثانية، و صارت النتيجة الأخذ بقول المنكِر فيها (الرجل) أشكل الحكم بتقديم بيّنة الرجل حتّى في الدعوى الأُولى لاستلزامه ردّ بيّنة المدّعي في الدعوى الثانية.

و على أيّ تقدير فلو ثبتت حجّية الرواية، فالإشكالات مندفعة لأجل التعبّد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 158

المسألة السابعة: إذا عقد على امرأة فادّعى آخر أنّها زوجته

لو عقد الرجل على امرأة برضاها و قولها بأنّها غير متزوّجة. ثمّ جاء رجل آخر فادّعى أنّها زوجته فمقتضى القاعدة هو القضاء للمدّعي إذا كانت له بيّنة، و إلّا فاليمين على المنكِر، فهو إن حلف تسقط الدعوى، و إن نكل و قلنا بالقضاء بمجرّد النكول أو ردّ على المدعي «1» و هو حلف، فيحكم للمدّعي.

و لكن الأصحاب قالوا باختصاص سماع الدعوى في المقام بإقامة البيّنة من المدّعي (الرجل الثاني) و إلّا فلا تسمع دعواه، فلا تصل النوبة إلى يمين المنكِر (الزوجة) و نكوله أو ردّه، و يدلّ على ذلك أمران:

1- وجود خصوصية في المقام، لأنّ اليمين إنّما تتوجه على المنكِر إذا كان بحيث لو اعترف له لزمه الحق، و المقام ليس كذلك لأنّ إقرارها إقرار في حقّ الغير «الزوج الفعلي» فلا يؤثر شيئاً، و منه يظهر أنّه لا يصحّ لها ردّ اليمين على المدعي «مدّعي الزوجيّة» و ذلك لأنّ اليمين المردودة إمّا بمنزلة إقرار المنكِر، أو بمنزلة بيّنة المدعي، و على كلّ تقدير فلا ينتج في المقام لأنّه لا يصحّ لها الإقرار لأنّه إقرار في حقّ الغير فلا ينتج ما هو مثله أعني: حلف المدّعي اليمين المردودة، و مثله كونه بمنزلة البيّنة، فانّها إنّما تفيد بالنسبة إلى المتداعيين دون

غيرهما، أعني: الزوج الفعلي فحينئذ لا يفيد ما هو مثلها، أعني: حلف المدّعي اليمين المردودة. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الممنوع هو سماع الدعوى إذا زاحم حقّ الزوج كما عرفت،

______________________________

(1) على القول بجواز الردّ في أمثال المقام.

(2) الجواهر: 29/ 164 بتصرّف.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 159

و أمّا سماعها فيما لم يزاحم حقّه فلا وجه لعدمه، مثلًا: إنّ كلًا من الإقرار و ردّ الحلف إلى المدّعي مع حلفه لا يوجب خروجها عن زوجية الزوج لما عرفت من أنّ إقرارها في حقّ الغير، و مثله حلف المدّعي اليمين المردودة فانّها تفيد بالنسبة إلى المتداعيين لا بالنسبة إلى الغير فلا تخرج الزوجة عن زوجيّته.

و لكنّه لا ينافي سماعهما فيما إذا خلا عن المزاحمة كما إذا أقرّت ثمّ مات الزوج أو طلّقها فتؤخذ بإقراره و مثله إذا كان ردّ اليمين إلى المدّعي بمنزلة اقرار المنكر لنفع المدّعي أو ببيّنة المدّعي إذا قلنا إنّ الردّ بمنزلة بيّنته و تكون محكومة بزوجيّة الآخر.

و ربّما يقال بظهور الثمرة في ضمان البضع في حياة الزوج فتغرم مهر المثل للمدّعي بحيلولتها بينه و بين البضع، فيكون نظير ما إذا أقرّ لزيد بمال ثمّ أقرّ به لآخر أو باع شيئاً من رجل ثمّ أقرّ به لغيره فيغرم للغير المثل أو القيمة.

لكن في ترتّب هذه الثمرة نظر و هو أنّ ضمان البضع غير معهود و لا أمر عرفي، و لأجل ذلك لو حبس زوجة حرّة لا يتوجّه على الحابس ضمان، و ثبوت الضمان في بعض الموارد بالدليل مثل ما إذا أرضعت الزوجة من يفسد نكاحها أو أسلمت و الزوج كافر، و مثلهما الوطء بالشبهة، ففي الكلّ تضمن مهر المثل لكن كلّ ذلك بالدليل، و

لأجل ذلك قالوا لا مهر لبغي و لا لزوجها. على أنّ في صحة الإقرار أو البيع الثابتين إشكالًا ذكر في محله.

2- النصّ الوارد في المقام بحيث يحصر سماع الدعوى في البيّنة، مثل: صحيحة عبد العزيز ابن المهتدي «1» قال: سألت الرضا عليه السّلام قلت: جعلت فداك إنّ أخي مات و تزوّجت امرأته، فجاء عمّي فادّعى أنّه كان تزوّجها سرّاً، فسألتها عن ذلك فأنكرت أشدّ الإنكار، و قالت: ما كان بيني و بينه شي ء قطّ،

______________________________

(1) عبد العزيز ابن المهتدي من أصحاب الرضا عليه السّلام قال النجاشي: الأشعري القمي ثقة روى عن الرضا عليه السّلام له كتاب، لاحظ الرجال: ج 2، برقم 640 فالرواية صحيحة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 160

فقال: «يلزمك إقرارها و يلزمه إنكارها». «1»

و روى يونس، قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة في بلد من البلدان، فسألها لك زوج؟ فقالت: لا، فتزوّجها، ثمّ إنّ رجلًا أتاه فقال: هي امرأتي، فأنكرت المرأة ذلك ما يلزم الزوج؟ فقال: «هي امرأته إلّا أن يقيم البيّنة» و رواه الشيخ، عن ابن سعيد بسند صحيح. 2

و لكن في دلالتهما على عدم سماع الدعوى مطلقاً إلّا بالبيّنة، نظر، فانّ الظاهر أنّ الحصر نسبي و المقصود أنّ خروجها عن زوجية الزوج الفعلي يتوقّف على إقامة البيّنة فقط.

و أمّا عدم سماع الدعوى حتى فيما إذا لم يزاحم حقوق الزوج كما عرفت فلا، و حينئذ يتوقف قطع الدعوى من رأس على إجراء قواعد القضاء.

نعم يظهر من مضمر سماعة تصديق المدّعي إذا كان ثقة، قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها فحدّثه رجل ثقة أو غير ثقة، فقال: إنّ هذه امرأتي و ليست لي بيّنة، فقال: «إن كان ثقة

فلا يقربها، و إن كان غير ثقة فلا يقبل منه». 3

و الخبر موثق قابل للتخصيص به و لكن لم يعمل به أحد، و حمل على الاستحباب، و لكن مجرّد عدم القرب لا يكفي في الاحتياط لاستلزامه تفويت حقّ آخر محتمل، و هو حقّ الزوجة في كلّ أربعة أشهر، فلا بدّ أن يحمل على التفحّص حتى يظهر الحال.

______________________________

(1) 1- 3 الوسائل: ج 14، الباب 23 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 3 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 161

الفصل الخامس: في أولياء العقد

اشارة

1- الأب و الجدّ من الأولياء

2- ولاية الجدّ غير مشروطة بحياة الأب

3- ليس للصغيرة و الصغير الخيار بعد البلوغ

4- ولاية الأب و الجدّ على البكر الرشيدة و فيها اقوال

القول الأوّل: استمرار الولاية

القول الثاني: استبدادها بالتزويج

القول الثالث: التفصيل بين الدائم و المنقطع و الولاية في الأوّل.

القول الرابع: عكس الثالث.

القول الخامس: التشريك في الولاية بين البنت و الأب خاصّة دون غيره من الأولياء

القول السادس: استقلال كلّ من الأب و البنت

القول السابع: استقلال البنت البالغة الرشيدة إلّا أن تختار ما فيه هتك شرف الولي.

5- في عضل الأب البالغة الرشيدة.

6- في عدم الولاية على الثيّب مع البلوغ و الرشد.

7- لا ولاية على البالغ الرشيد.

8- ولاية الأب و الجدّ مع جنون الولد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 163

أولياء العقد يقع الكلام في أُمور:

الأمر الأوّل: في ولاية الأب و الجدّ

المشهور أنّه لا ولاية لغير الأب، و الجدّ للأب، و إن علا، و قد خالف ابن أبي عقيل، و لم يذكر لغير الأب، ولاية كما خالف ابن الجنيد، فقد أثبت للأُمّ و أبيها ولاية و أنّهما يقومان مقام الأب و آبائه «1» كما خالف الشيخ فأثبت للأخ الاستئذان و إن لم تكن له ولاية، قال في الخلاف: إذا اجتمع أخ لأب و أُمّ، مع أخ لأب كان الأخ للأب و للأُمّ متقدّماً في الاستئذان عندنا و إن لم تكن له ولاية، ثمّ نقل عن أبي حنيفة و الشافعي في أحد قوليه: الولاية له. هذا ما لدى الخاصة. «2»

و أمّا العامة: فقد قال مالك بولاية الإخوة بعد الآباء و قبل العمومة، فالأولياء عنده الآباء و الإخوة و العمومة و المولى و السلطان.

و عند غيره فالولاية للأب، ثمّ

لابنها و ابنه ثمّ لأخيها لأبيها و أُمّها، أو للأب فقط ثمّ العمومة ثمّ المولى المنعِم ثمّ السلطان. و سيوافيك الكلام في ولاية الأب و الجدّ.

و على ذلك فالمخالف لفتوى المشهور القديمان من الفقهاء، فقد قال الأوّل بالضيق و عدم ولاية غير الأب، و قال الثاني: بالسعة و أنّ الأُمّ تقوم مقام الأب و قد ذكر خلافهما في المختلف «3» فلاحظ.

______________________________

(1) المختلف: 87، كتاب النكاح.

(2) الخلاف: كتاب النكاح، المسألة 24.

(3) المختلف: 87، الفصل الثاني، في العقد و أوليائه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 164

الأمر الثاني: في أنّ ولاية الجدّ غير مشروطة بحياة الأب

اشارة

لا شكّ أنّ للجدّ ولاية خلافاً لابن أبي عقيل، إنّما الكلام في مرتبته، و الأقوال فيها ثلاثة:

1- ولايته مطلقة غير مشروطة بحياة الأب

2- ذهب الشيخ في النهاية، إلى أنّ حياة الأب شرط في ولاية الجدّ على البكر البالغة، و الصغيرة، و موته مسقط لولايته عليهما و حكاه في المختلف. عن ابن الجنيد و أبي الصلاح و ابن البرّاج و الصدوق في الفقيه، و نقله في الجواهر عن كشف اللثام.

3- و ذهب بعض فقهاء العامّة على ما حكاه في المسالك إلى أنّ ولايته مشروطة بموت الأب.

استدل على قول المشهور بروايتين:

1- صحيحة عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الذي بيده عقدة النكاح، هو وليّ أمرها». «1»

2- و خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه و الذي يجوز أمره في مال المرأة فيبتاع لها و يشتري، فأيّ هؤلاء عفا، فقد جاز». 2

و قد وردتا في تفسير قوله سبحانه: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ). 3

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: الجزء 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2 و 4.

(2) 3 البقرة: 237.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 165

وجه الدلالة: أنّه عرّف: «من بيده عقدة النكاح» في الصحيحة بمن هو وليّ أمرها و المقصود ولاية أمرها في أموالها كما عرّف في خبر أبي بصير، بعد التمثيل بالأب ... بمن يجوز أمره في مال امرأة فيبتاع لها.

فإذا ثبت في محلّه أنّ الجدّ له الولاية في أموال

ولد الولد، يثبت: أنّ الجدّ له الولاية في النكاح. «1»

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ الاستدلال بهما فرع وجود الإطلاق فيهما و هو يتوقّف على كونهما في مقام البيان و أنّ للجدّ ولاية، سواء أ كان الأب حيّاً أم ميّتاً و هو كما ترى لأنّهما ليستا في مقام بيان هذه الجهة حتى تثبت للجدّ الولاية، الولاية المطلقة غير المقيّدة بحياة الأب.

و ثانياً: أنّ الظاهر من الروايات أنّ مورد الآية هي البالغات لأنّه فسر في خبر أبي بصير بالأب و الأخ و الرجل يوصى إليه. «2»

و من المعلوم أنّه لا ولاية للأخ و لا الوصي على الصغيرة في النكاح إذا لم يوص بالتزويج خصوصاً، و الظاهر أنّ الوصي في الحديث هو مطلقه لا الوصيّ في النكاح فيحمل على البالغة، إذا كانوا وكلاء عنها.

______________________________

(1) بقي هنا مطلب: و هو اختلاف المفسّرين مع قطع النظر عن الأحاديث في المراد ممّن بيده عقدة النكاح، ففسّره أهل السنّة بالزوج، و الشيعة بالجدّ و الأب، و الحقّ هو الثاني لأنّ صحّة إرادة الزوج منه تتوقّف على لحاظين مختلفين في ناحية الصداق إذ لو كان المراد منه الولي المنطبق على الجدّ و الأب، يكون معنى عفو الزوجة، و الولي معاً في قوله: (إلّا أن يعفون أو يعفوا الذي بيده عقدة النكاح) عدم مطالبة نصف الصداق المستحق بالطلاق قبل المس. و أمّا لو كان المراد هو الزوج يلزم التفكيك لأنّه يكون معنى العفو في ناحية الزوجة (إلّا أن يعفون) عدم مطالبة النصف و في ناحية الزوج (أو يعفوا الذي بيده ...) عدم استرجاع الصداق، و الأوّل يتوقّف على عدم أخذ شي ء من الصداق، و الثاني على أخذه جميعاً. و اعتبار عدم الأخذ في الأوّل، و

اعتبار أخذه في الثاني يحتاج إلى عناية ليس عليها دليل.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 166

و في رواية إسحاق بن عمّار قال: أبوها إذا عفا، جاز له، و أخوها إذا كان يقيم بها و هو القائم عليها فهو بمنزلة الأب يجوز له، و إذا كان الأخ لا يهتمّ بها و لا يقوم عليها لم يجز عليها أمره. «1»

و على ذلك فتحمل الصحيحة على وليّ أمر الزوجة، المباشر لأُمورها بإذنها، فتكون الولاية على الصغيرة مالًا و نكاحاً خارجة عن مدلول الآية، و على ذلك فلا بدّ في إثبات الولاية المطلقة للجدّ، من التماس دليل آخر.

و الأولى الاستدلال على إطلاق ولاية الجدّ، بما دلّ على ولاية الجدّ في حياة الأب، غير أنّ أخذ حياته في الموضوع ليس لأجل تقييد ولايته بحياة الأب، بل هو مقدّمة لما ورد فيها من السؤال و هو أنّه إذا زوّجها الأب برجل و الجدّ رجل آخر، فأيّهما يكون نافذاً.

روى محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، و لابنه أيضاً أن يزوّجها» فقلت: فإن هوى أبوها رجلًا و جدّها رجلًا؟ فقال: «الجدّ أولى بنكاحها». «2» فانّها ظاهرة في إثبات الولاية لكلّ واحد على وجه الاستقلال و أنّه إذا زوّجا الابنة من رجلين كان التزويج للمتقدّم و إذا هويا معاً فالجدّ أولى و فرض حياة الأب مقدّمة للسؤال و لا دخل له في ولاية الجدّ.

روى علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام قال: سألته عن رجل أتاه رجلان يخطبان ابنته فهوى أن يزوّج أحدهما و هوى أبوه

الآخر أيّهما أحقّ أن ينكح؟ قال: «الذي هوى الجدّ أحقّ بالجارية لأنّها و أباها للجدّ». 3

و هنا وجه آخر لفرض حياة الأب في ولاية الجدّ و هو الإيماء إلى ثبوت الولاية له مع حياة الأب ردّاً على المخالف حيث اشترط موت الأب في ثبوت الولاية.

______________________________

(1) الوسائل: ج 15، الباب 52 من أبواب المهور، الحديث 5.

(2) 2 و 3 الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 8، و لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 167

أضف إليه أنّ تخصيص ولايته بحياة الأب، يخالف مصالحها، فانّها في حال موته أشدّ حاجة إلى الولاية، ثمّ لو قلنا بجريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية الإلهية، فمقتضاه بقاء ولايته بعد موت الأب. و قد بيّنا كيفية جريانه فيها في الأصول.

حجّة القول الثاني:

استدلّ للقول الثاني بمعتبرة الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه، و كان أبوها حيّاً و كان الجدّ مرضيّاً، جاز» قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، و هوى الجدّ هوى و هما سواء في العدل و الرضا قال: «أحبُّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ». «1»

حيث استدل بمفهوم الشرط على أنّ ولاية الجدّ مشروطة بحياة الأب، حيث شرط جواز ولاية الجدّ بثلاثة أُمور:، تزويجه ابنة ابنه، و كون أبيه حيّاً، و كون عمل الجدّ مرضيّاً، و الشرط الأوّل محقّق للموضوع دون الشرطين الآخرين.

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر أنّ فرض حياة الأب لأجل التمهيد لما يأتي بعده من صورة التعارض لا أنّ لحياة الأب دخلًا في ولاية الجدّ، و لو لا حياة الأب لما كان للسؤال وجه.

و يمكن أن يكون التقييد لأجل الإشارة إلى استقلال

الجدّ في الولاية في حال حياة الأب و أنّ نكاحه يجوز و إن لم يمضه الأب، و ليس في مقام بيان شرطية ولايته بحياة الأب، فلاحظ.

نعم تثبت ولايتهما على الصغيرة و إن ذهبت بكارتها، قال المحقّق: و تثبت ولاية الأب و الجدّ للأب على الصغيرة و إن ذهبت بكارتها بوطء أو غيره. و وجهه، أنّ مناط الولاية عليها هو الصغر و هو محفوظ سواء أ كانت باقية على بكارتها، أم لا.

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 168

الأمر الثالث: هل للصغير و الصغيرة الخيار بعد البلوغ؟

ظاهر الأصحاب الاتّفاق على أنّه لا خيار للصبيّة بعد البلوغ إذا عقد عليها الأب و الجدّ، و إنّما الخلاف في الصبيّ، و المشهور أنّه كذلك ليس له الخيار، و نسبه المحقّق في الأوّل إلى أشهر الروايتين، و في الثاني إلى الأشهر، و وصفه في الجواهر بالمشهور مشعراً بأنّ خلافه هو الشاذ.

أمّا الأوّل: فتدلّ عليه مضافاً إلى الاتّفاق روايات:

1- صحيح ابن بزيع قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الصبية يزوّجها أبوها ثمّ يموت و هي صغيرة فتكبر قبل أن يدخل بها زوجها يجوز عليها التزويج، أو الأمر إليها؟ قال: «يجوز عليها تزويج أبيها». «1»

2- صحيح عبد اللّه بن الصلت (و هو أبو طالب القمي الثقة) قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها لها أمر إذا بلغت؟ قال: «لا». 2

3- صحيح ابن يقطين قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام: أتزوّج الجارية و هي بنت ثلاث سنين أو يزوّج الغلام و هو ابن ثلاث سنين و ما أدنى حدّ ذلك الذي يُزوّجان فيه، فإذا بلغت الجارية فلم ترض فما حالها؟ قال:

«لا بأس بذلك إذا رضي أبوها أو وليّها». 3

نعم تخالفه رواية يزيد الكناسي قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: متى يجوز

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 3.

(2) 3 المصدر نفسه، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 169

للأب أن يزوّج ابنته و لا يستأمرها؟ قال: «إذا جازت تسع سنين فإن زوّجها قبل بلوغ التسع سنين كان الخيار لها إذا بلغت تسع سنين». «1»

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّه لم تثبت وثاقة يزيد الكناسيّ، فقد عنونه الشيخ في رجاله و لم يوثقه.

نعم عنون النجاشي «يزيد أبو خالد القمّاط، و قال: كوفي، ثقة» و لم تعلم وحدة الرجلين، لو لم نقل بتعدّدهما إذ لو كانا واحداً لكان على النجاشي توصيفه بالكناسي، لأنّ اشتهاره به كما يظهر من الشيخ يوجب ذكر كنيته و هو دليل على أنّ أبا خالد القمّاط غير الكناسي.

و ثانياً: أنّها تشتمل على تفصيل غريب و هو أنّ الجارية البالغة إذا عقدت بعد البلوغ ليس لها الخيار بخلاف غير البالغة و هو عجيب جدّاً.

و على ذلك فلا تعارض صحاح الروايات المعمولة بها.

نعم احتاط السيّد المحقّق الخوئي في تعليقته على العروة اعتماداً على هذه الرواية، و لا يضرّ الإعراض عنده.

أمّا الثاني، أعني: تزويج الصبي فقد وقع فيه الخلاف، فذهب الشيخ «2» و ابن البرّاج «3» و ابن حمزة «4» و ابن إدريس «5» إلى أنّ له الخيار إذا بلغ، و لكنّ المشهور عدم الخيار، كالصبيّة. قال صاحب الجواهر بعد نفي الخيار: نعم خالف فيه جماعة من الأصحاب فاثبتوا له الخيار عملًا ببعض الأخبار. «6»

أمّا الروايات فمقتضى إطلاق الأكثر عدم الخيار نظير:

______________________________

(1) الوسائل: ج 14،

الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 9.

(2) النهاية: 644، قال: لأنّ له الخيار عند البلوغ.

(3) المهذّب: 197.

(4) الوسيلة: 300.

(5) السرائر: 2/ 568.

(6) الجواهر: 29/ 216.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 170

1- صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في الصبيّ يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟ فقال: «إذا كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم» قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». «1»

2- ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الصبيّ يتزوّج الصبيّة هل يتوارثان؟ فقال: «إن كان أبواهما اللّذان زوّجاهما حيّين فنعم». قلت: فهل يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا». «2»

3- ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصبي يتزوّج الصبية هل يتوارثان؟ قال: «إن كان أبواهما هما اللّذان زوّجاهما فنعم» قلنا: يجوز طلاق الأب قال: «لا». «3»

و الظاهر وحدة الروايتين.

4- ما رواه عبيد بن زرارة، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير قال: إن كان لابنه مال فعليه المهر، و إن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر، ضمن أو لم يضمن. «4»

5- ما رواه عبد الملك، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير؟ قال: «لا بأس» قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: «لا»، قلت: على من الصداق؟ قال: «على الأب إن كان ضمنه لهم و إن لم يكن ضمنه، فهو على الغلام، إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له». 5

6- ما رواه محمّد (الظاهر محمّد بن مسلم) عن أحدهما عليهما السّلام قال:

______________________________

(1) وسائل الشيعة: ج 14، الباب 12، من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) مستدرك

الوسائل: ج 14، الباب 5 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(3) الوسائل: ج 17، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

(4) 4 و 5 الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1، 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 171

قلت: الرجل يزوّج ابنه و هو صغير فيجوز طلاق أبيه؟ قال: «لا»، قلت: فعلى من الصداق؟ قال: «على أبيه إذا كان قد ضمنه لهم فإن لم يكن قد ضمنه لهم فعلى الغلام، إلّا أن لا يكون للغلام مال، فعلى الأب ضمن أو لم يضمن». «1»

إنّ في هذه الروايات تصريحاً لأُمور ثلاثة: 1 صحّة تزويج الصبيّ. 2 و أنّ الطلاق بيده إذا بلغ، 3 و أنّهما يتوارثان.

و يمكن أن يقال إنّها تتضمن أمراً رابعاً و هو عدم الخيار للصبي، إذ لو كان لذكره الإمام عليه السّلام في واحدة من الروايات، و تصوّر أنّها ليست بصدد بيان هذه الجهة كما ترى، و تؤيده رواية دعائم الإسلام عن علي عليه السّلام: «تزويج الآباء جائز على البنين و البنات إذا كانوا صغاراً و ليس لهم إذا كبروا خيار». «2»

و لأجل ذلك اختار السيّد الطباطبائي تبعاً للمشهور عدم الخيار في كلا القسمين و قال: لا خيار للصغيرة إذا زوّجها الأب أو الجدّ بعد بلوغها و رشدها بل هو لازم عليها، و كذا الصغير على الأقوى، و القول بخياره في الفسخ و الإمضاء ضعيف، و كذا لا خيار للمجنون بعد إفاقته. «3»

نعم هناك ما يدلّ على الخيار، أعني: ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الصبي يزوّج الصبيّة؟ قال: «إن كان أبواهما اللّذان زوّجاهما، فنعم جائز، و لكن لهما الخيار إذا أدركا».

«4»

و مثله رواية يزيد الكناسي، فقال: «يا أبا خالد إنّ الغلام إذا زوّجه أبوه و لم يدرك كان بالخيار إذا أدرك، و بلغ خمس عشرة سنة». 5

______________________________

(1) الوسائل: ج 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 5.

(2) مستدرك الوسائل: ج 14، الباب 5 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(3) العروة الوثقى: فصل أولياء العقد، المسألة 4.

(4) 4 و 5 الوسائل: ج 14، باب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 8 و 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 172

و الحديث الأوّل مشتمل على خلاف المجمع عليه، أعني: الخيار للصبية بعد البلوغ و قد عرفت ضعف الحديث الثاني في القسم الأوّل فما عن بعض الأعاظم من العمل بالرواية كالمحقّق الخوئي في تعليقته على العروة غير تام، مضافاً إلى أصالة اللزوم في العقود، فالأقوى عدم الخيار، و الأحوط العمل بالفسخ بضميمة الطلاق.

الأمر الرابع: ولاية الأب و الجدّ على البكر الرشيدة

اشارة

هذه المسألة كما قال الشهيد في المسالك من المهمّات و الإفتاء فيها من المشكلات لأجل اختلاف الروايات و اضطرابها.

لا شكّ في ثبوت الولاية على الأُنثى إن كانت صغيرة، أو كبيرة غير رشيدة، كما أنّه لا شكّ في سقوطها عن الثيّب الرشيدة، إلّا ما شذّ عن الحسن بن أبي عقيل، من بقاء الولاية و هو قول شاذ.

إنّما الاختلاف في البكر الرشيدة، فأقوال الأصحاب فيها مضطربة.

قال الشيخ في الخلاف: البكر إذا كانت كبيرة، فالظاهر من الروايات، أنّ للأب و الجدّ أن يجبراها على النكاح و يستحبّ لهما أن يستأذناها، و إذنها صماتها فإن لم تفعل فلا حاجة بهما إليه و به قال مالك و الشافعي و ابن أبي ليلى و أحمد و إسحاق و قال قوم من أصحابنا: ليس لوليها إجبارها على النكاح كالثيّب الكبيرة،

و به قال أبو حنيفة و أصحابه، و الأوزاعي و الثوري، فاعتبر أبو حنيفة الصغر و الكبر و فرّق بينهما، و اعتبر الشافعي الثيبوبة و البكارة. «1»

و قال ابن رشد في بداية المجتهد: و اختلفوا في البكر البالغة فقال مالك

______________________________

(1) الخلاف: كتاب النكاح، المسألة 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 173

و الشافعي و ابن أبي ليلى: للأب فقط أن يجبرها على النكاح، و قال أبو حنيفة و الثوري و الأوزاعي، و أبو ثور و جماعة: لا بدّ من اعتبار رضاها، و وافقهم مالك في البكر على أحد القولين عنه. «1»

و قال ابن قدامة في المغني: و أمّا البكر البالغة العاقلة فعن أحمد روايتان:

إحداهما: له إجبارها على النكاح و تزويجها بغير إذنها كالصغيرة، هذا مذهب مالك، و ابن أبي ليلى و الشافعي و إسحاق.

و الثانية: ليس له ذلك و اختارها أبو بكر، و هو مذهب الأوزاعي، و الثوري، و أبي عبيدة، و أبي ثور، و أصحاب الرأي، و ابن المنذر، لما روى أبو هريرة، أنّ النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «لا تنكح الايم حتى تُستأمر، و لا تنكح البكر حتى تُستأذن» فقالوا يا رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فكيف إذنها؟ قال: «أن تسكت».

و روى أبو داود، و ابن ماجة عن ابن عباس: أنّ جارية بكر أتت النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فذكرت أنّ أباها زوّجها و هي كارهة فخيّرها النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و لأنّها جائزة التصرّف في مالها فلم يجز إجبارها كالثيّب. «2»

و أمّا أقوال أصحابنا فتناهز السبعة، أو الثمانية:

أحدها: استمرار الولاية عليها، نقله شيخنا الشهيد

في شرح نكت الإرشاد، عن الشيخ في أكثر كتبه و الصدوق، و ابن أبي عقيل، و نقله أيضاً عن ظاهر القاضي.

ثانيها: و هو المشهور بين المتأخّرين، استقلالها بالعقد دونهما مطلقاً، و نقل عن الشيخ في التبيان، و المرتضى، و الشيخ المفيد في أحكام النساء، و ابن الجنيد و سلّار، و ابن إدريس، و هو مذهب المحقّق و العلّامة.

______________________________

(1) بداية المجتهد: 2/ 5، كتاب النكاح.

(2) المغني: 6/ 516.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 174

ثالثها: استمرار الولاية عليها في الدائم دون المنقطع و هو مذهب الشيخ في كتابي الأخبار.

رابعها: عكسه و هو ثبوت الولاية عليها في المنقطع دون الدائم و لم يعلم قائله، و نقله المحقّق في الشرائع.

خامسها: التشريك بينها و بين الولي، و هو منقول عن أبي الصلاح و الشيخ المفيد في المقنعة و هو خيرة الشيخ الحرّ العاملي في الوسائل، هذه هي الأقوال المشهورة بينهم.

و هناك أقوال غير مشهورة، إليك بيانها:

سادسها: التشريك في الولاية بين المرأة و أبيها خاصة دون غيره من الأولياء.

سابعها: ثبوت الولاية لكلّ من الأب و البنت و الأفضل لهما الاستئذان من الآخر.

ثامنها: ما اختاره كاشف الغطاء في حاشيته على تبصرة المتعلّمين، و هو استقلال البنت البالغة الرشيدة و إن كان الأحوط تحصيل إذن الولي، و لكن لو تشاحّا قدّم رضاها إلّا أن تختار ما فيه هتك شرف الوليّ، فيجوز له منعها منه حينئذ، لا إجبارها أو إكراهها على غيره ممّن يريد.

و لعلّ هناك أقوال أُخر لم نقف عليها.

إذا عرفت موقف المسألة بين فقهاء الفريقين، فالقول بالتشريك اى القول الخامس هو الأظهر سنداً و دلالةً و احتياطاً، و هو خيرة أبي الصلاح الحلبي. «1»

و لنذكر دليل المختار، أقول: تدلّ

عليه صحيحتان:

الأُولى: صحيحة منصور بن حازم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «تستأمر

______________________________

(1) الكافي: 293.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 175

البكر و غيرها و لا تنكح إلّا بأمرها». «1» و المراد من غيرها هو الثيّب، كما أنّ المراد من البكر، هي البالغة الرشيدة لا الصغيرة لأنّها لا تستأمر و ليست في مظنّة الاستئمار و حمل الاستئمار في مورد البكر على من ليس لها وليّ من الأب و الجدّ خلاف الظاهر لأنّ توقف تزويج غير الوليّ على الاستئمار ليس أمراً مخفياً حتّى يحتاج إلى البيان، إذ من المعلوم أنّه ليس لغير الوليّ تزويجها بلا إذن و لا استئمار، و إن كان ذلك الغير أخاً أو أُمّاً أو عمّاً المعدودين من الأولياء عرفاً.

و الحاصل أنّ حملها على الصغيرة تفسير بعيد، كما أنّ حملها على خصوص من لا وليّ لها شرعي مثله. و هذه الرواية لا غبار في دلالتها كما لا غبار في سندها، و العبّاس الوارد في السند هو العبّاس بن معروف و هو قمي ثقة يروي عن صفوان و هو من مشايخ أحمد بن محمّد بن خالد.

الثانية: موثقة صفوان، قال: استشار عبد الرحمن، موسى بن جعفر عليهما السلام في تزويج ابنته لابن أخيه فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فانّ لها في نفسها نصيباً» و استشار خالد بن داود، موسى بن جعفر عليهما السّلام في تزويج ابنته علي بن جعفر، فقال: «افعل و يكون ذلك برضاها، فانّ لها في نفسها حظّاً». «2» و رواها الشيخ باسناده عن أحمد بن محمّد بن عيسى و سنده إليه مصحّح في الفهرست و المشيخة.

و الرواية و إن كانت مطلقة من حيث البكر و الثيّب و لكن

الثيّب خارجة عنها، لأنّها مستبدة بفعلها و لا مورد للتشريك فيها، فتكون الرواية محمولة على البكر البالغة. و يشعر بذلك: معتبرة الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّاً و كان الجدّ مرضياً جاز» قلنا:

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 176

فإن هوى أبو الجارية هوى و هوى الجدّ هوى، و هما سواء في العدل و الرضا؟ قال: «أحبّ إليّ أن ترضى بقول الجدّ». «1»

وجه الدلالة: أنّ قوله «أحبّ إليّ أن ترضى» يعرب عن اشتراط رضاها في الجملة فاقترح الإمام عليه أنّ رضاها بقول الجدّ أحبّ إليه، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ اعتبار رضاها لأجل كونها مخيّرة في قبول أحد الزوجين و لو لم يكن هناك تشاح لتعيّن عليها قبول الواحد، و في سند الرواية محمّد بن زياد، و هو واقفي ثقة عن الحسن بن محمّد بن سماعة عن عمّه جعفر بن سماعة، و الكلّ من الواقفة الثقات.

و أمّا الفضل بن عبد الملك و هو أبو العبّاس البقباق فهو كوفي ثقة، فالرواية معتبرة. هذا ما يمكن الاستدلال به على هذا القول، فإذا عرفته نرجع إلى دراسة سائر الأقوال واحداً بعد الآخر.

القول الأوّل: استمرار الولاية عليها

استدل لهذا القول بروايات صحيحة صريحة، لا يمكن الخدش في سندها و دلالتها، إذا صحّت جهة الصدور و لكن اشتهار القول بمضمونها بين فقهاء العامّة يصدّنا عن الأخذ به و إن صحّت، سنداً و هي على قسمين صريح في المطلوب و غير صريح قابل للحمل و إليك

ما يدلّ على الحكم بصراحة.

الأولى: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يزوّج ابنته بغير إذنها؟ قال: «نعم ليس يكون للولد أمر إلّا أن تكون امرأة قد دخل بها قبل ذلك فتلك لا يجوز نكاحها إلّا أن تستأمر» «2»، و هي صريحة في المطلوب.

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 11، من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 177

الثانية: معتبرة الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «لا تستأمر الجارية التي بين أبويها إذا أراد أبوها أن يزوّجها، هو أنظر لها، و أمّا الثيّب فانّها تستأذن، و إن كانت بين أبويها، إذا أرادا أن يزوّجاها». «1»

الثالثة: خبر عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تستأمر الجارية في ذلك إذا كانت بين أبويها، فإذا كانت ثيّباً فهي أولى بنفسها». «2»

الرابعة: ما في ذيل معتبرة عبيد بن زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر؟ فقال: الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضاراً إن لم يكن الأب زوّجها قبله و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ. «3»

الخامسة: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما قال: «لا تستأمر الجارية إذا كانت بين أبويها ليس لها مع الأب أمر و قال: يستأمرها كلّ أحد ما عدا الأب». «4»

و الجارية و إن كانت مطلقة تشمل الثيّب و البكر، و الصغيرة و الكبيرة لكن الثيّب خرج بالدليل لوجوب استئمارها، و الصغيرة

خارجة عن الرواية إذ لا معنى لاستئمارها في قوله: «يستأمرها كلّ أحد» فتبقى البالغة الرشيدة.

السادسة: ما رواه أحمد بن عيسى بن محمّد في نوادره بسند صحيح، عن عبد اللّه بن أبي يعفور في حديث، قال: «و الجارية يستأمرها كلّ أحد إلّا أبوها». «5»

و هذه الروايات صريحة في هذا القول، و نافية لجميع الأقوال إلّا القول

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 13.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(5) المستدرك: ج 2، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 3، ص 589.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 178

السابع، و هو استقلال كلّ منهما في التزويج فانّ أقصى ما فيها أنّ الأب مستقلٌّ في التزويج إذا قدم عليه قبل البنت و ليس لها معه أمر و أمّا إذا كانت البنت مُقْدِمَة قبله فالروايات ساكتة عنه، و هناك روايات أُخرى ليست صريحة في هذا القول، و إليك دراستها:

الأُولى: صحيحة عبد اللّه بن الصلت، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الجارية الصغيرة يزوّجها أبوها، لها أمر إذا بلغت؟ قال: «لا ليس لها مع أبيها أمر». قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء أ لها مع أبيها أمر؟ قال: «ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر (تثيب خ ل)» «1» و هي صريحة في البكر البالغة و الصحيح تثيب مكان «تكبر» لأنّ السؤال عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء و هي تكون كبيرة قطعاً فلا يصحّ أن يقال: ما لم تكبر، أضف

إلى ذلك ورود هذا القيد في بعض الروايات الآتية ذكرها. و الرواية قابلة للحمل على نفي الاستقلال.

الثانية: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن البكر إذا بلغت مبلغ النساء أ لها مع أبيها أمر؟ فقال: «ليس لها مع أبيها أمر ما لم تُثَيّب» «2» و الحديث ليس نصاً في المطلوب لاحتمال كون المراد من الأمر الاستقلال كالثيّب في المسألة.

الثالثة: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في المرأة الثيّب تخطب إلى نفسها قال: «هي أملك بنفسها تولّي أمرها من شاءت إذا كان كفؤاً بعد أن تكون قد نكحت رجلًا قبله». «3»

و أمّا كونها غير صريحة في هذا القول فانّ الدلالة بالمفهوم لا بالمنطوق أوّلًا،

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 11.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 178

(3) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 179

و أنّها لا تنفي التشريك ثانياً، لأنّ كون غير الثيّب غير مالكة لنفسها يتصوّر بوجهين: استقلال الأب، أو التشريك بين الأب و البنت.

الرابعة: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الجارية يزوّجها أبوها بغير رضا منها؟ قال: «ليس لها مع أبيها أمر إذا أنكحها جاز نكاحه و إن كانت كارهة». «1»

و الرواية ليست صريحة في البالغة الرشيدة فيحتمل كونها واردة في الصغيرة و لو كانت مطلقة شاملة للبالغة الرشيدة فهي تقيّد بما دلّ على استقلالها أو

تشريكها مع الوليّ.

الخامسة: صحيحة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تنكح ذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ». «2» و الرواية لا تنفي نظرية التشريك فليست صريحة في هذا القول.

السادسة: مرسلة ابن بكير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس أن تزوّج المرأة نفسها إذا كانت ثيّباً بغير إذن أبيها إذا كان لا بأس بما صنعت». «3»

وجه عدم الصراحة: أنّ دلالتها بالمفهوم أوّلًا، و أنّها لا تنفي نظرية التشريك ثانياً.

السابعة: خبر سعيد بن إسماعيل عن أبيه، قال: سألت الرضا عليه السّلام، عن رجل تزوّج ببكر، أو ثيّب لا يعلم أبوها و لا أحد من قراباتها و لكن تجعل المرأة وكيلًا فيزوّجها من غير علمهم؟ قال: «لا يكون ذا». «4»

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 7.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 5.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 14.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 15.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 180

يلاحظ على الاستدلال: أنّ عدم الصحّة في الثيّب خلاف المتفق عليه أوّلًا، و أنّها لا تنفي نظرية التشريك ثانياً.

و منها: صحيحة محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام قال: «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه و لابنه أيضاً أن يزوّجها» فقلت: فإن هوى أبوها رجلًا و جدّها رجلًا؟ فقال: «الجدّ أولى بنكاحها». «1»

و الرواية ليست في مقام بيان اعتبار عدم رضاها و لعلّها كانت راضية بكلا الزواجين فعند ذلك يقدّم نكاح الجدّ على الأب، فدلالتها على استبداد كلّ من الجدّ و الأب ضعيفة.

و منها:

معتبرة الفضل بن عبد الملك، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زوّج الرجل ابنه فذاك إلى ابنه و إذا زوّج الرجل الابنة جاز». «2»

يلاحظ على الاستدلال: بأنّ الرواية ليست صريحة في البلوغ مع الرشد و لعلّها تهدف إلى تزويج الصغير و الصغيرة، و لو فرض لها الإطلاق بالنسبة إلى البالغة فتخرج بما دلّ على استقلالها أو لزوم تشريكها مع الأب فالابن الصغير له الخيار دون الابنة الصغيرة. و الكلام في البالغة لا الصغيرة.

و منها: صحيحة زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا ينقض النكاح إلّا الأب». «3»

و روى مثله في الصحيح عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام. 4

يلاحظ على الاستدلال: بأنّ الرواية تنفي استقلال البنت، لا نظرية التشريك و ما في الحدائق، من أنّها لو كانت شريكة لما انحصر النقض في الأب

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(3) 3 و 4 الوسائل: ج 14، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 181

مدفوع بأنّ الحصر نسبي في مقابل الأُمّ، و ليس بمطلق حتّى يعمّ نفس البنت فلا يجوز لها النقض إذا عقد الأب.

و منها: خبر إبراهيم بن ميمون عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كانت الجارية بين أبويها فليس لها مع أبويها أمر و إذا كانت قد تزوّجت لم يزوّجها إلّا برضا منها». «1»

يلاحظ على الاستدلال: مع أنّ إبراهيم بن ميمون لم يوثّق أنّ الجارية أعم من الصغيرة و الكبيرة فلو دلّ دليل على استقلال الباكرة الرشيدة

أو لزوم التشريك بينها و بين الوليّ، يقيّد إطلاقها.

و حاصل البحث في القسم الثاني من الروايات أنّها بين ما لا تنفي نظرية التشريك و ما ليست بصريحة في البكر البالغة، بل أقصاها أنّ إطلاقها يعمّ الصغيرة و الكبيرة البالغة فلو تمّت أدلّة استقلال الكبيرة أو اعتبار رضاها تخصص هذه الروايات بها.

إلى هنا وقفت على أدلّة القول الأوّل، و لكنّها مع تماميتها سنداً و دلالة لا يمكن الإفتاء بمضمونها لجهات:

الأُولى: أنّ مضمونها مخالف للكتاب و السنّة حيث إنّ الكتاب يعتبر في التجارة رضا المالك بها، و يقول: (إِلّٰا أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ) فكيف لا يعتبر رضا البنت في نكاحها بعد ما كبرت و بلغت مبلغ النساء.

و أمّا السنّة، فقد تضافر عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «رفع عن أُمّتي ما استكرهوا عليه» و قد رواه الصدوق بسند صحيح في باب التسع من كتاب الخصال. «2»

الثانية: كونها موافقة لفتوى مشاهير العامة و قد عرفت أنّ مالك و الشافعي

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(2) الخصال: 417 ح 9، باب التسع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 182

و ابن أبي ليلى و أحمد و إسحاق ذهبوا إليه. نعم ذكر في الحدائق ما هذا نصّه: إنّ مذهب العامة في الصدر الأوّل كانت على وجه يعسر ضبطه و تتعذّر الإحاطة به لما ذكره علماء الفريقين من أنّ مدار مذهبهم في الأعصار السابقة على من نصبه خلفاء الجور للقضاء، فترفع إليه الفتوى في جميع الأقطار، و لهذا قيل إنّ المعتمد في زمن هارون الرشيد على فتاوى أبي يوسف تلميذ أبي حنيفة قالوا قد استقضاه الرشيد و اعتنى

به حتّى لم يُقَلّد في بلاد العراق و الشام و مصر إلّا من أشار إليه أبو يوسف، و في زمن المأمون، على يحيى بن أكثم القاضي و في زمن المعتصم على أحمد بن أبي داود القاضي و هكذا.

و الأئمّة الأربعة المشهورون الآن لم يكونوا في الزمن السابق إلّا كغيرهم من المجتهدين الذين ليس لهم مزيد ذكر و لا مذهب منتشر، و الاجتماع على هؤلاء الأربعة إنّما وقع في حدود سنة خمس و ستين و ستمائة باصطلاح خليفة ذلك الوقت و استمرت إلى الآن و حينئذ فكيف يمكن الترجيح بالتقية و الحال هذه. «1»

أقول: ما ذكره و إن كان متيناً في حدّ نفسه إلّا أنّ القول باستقلال الأب كان رأي ابن أبي ليلى الذي تولّى القضاء بالكوفة و أقام حاكماً ثلاثاً و ثلاثين سنة، وليَ لبني أُميّة ثمّ لبني العبّاس و توفّي سنة (148 ه. ق) بالكوفة و هو باق على القضاء و كانت ولادته عام (74 ه. ق) فجعل أبو جعفر المنصور ابن أخيه مكانه، و على ذلك فيحتمل جدّاً صدور هذه الروايات تقية لكونه رأي ابن أبي ليلى و له مع محمّد ابن مسلم الثقفي قصّة «2» و يظهر من إرجاع الإمام الصادق عليه السّلام أبا كهمس إلى ابن أبي ليلى، أنّه كان القاضي المعروف في عصر الإمام الصادق عليه السّلام. «3»

أضف إلى ذلك، أنّ فتوى مالك أو الشافعي لم تكن فتوى ارتجالية مختصة

______________________________

(1) الحدائق: 3/ 226.

(2) الكافي: 5/ 215 ح 12، باب من يشترى الرقيق.

(3) روضات الجنات: 7/ 255252.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 183

بهما بل كان لفتواهما جذوراً بين التابعين بل الصحابة، فلا يضرّ عدم كون مالك أو

الشافعي مرجعين للفتيا في عصر الإمام الصادق عليه السّلام. باحتمال التقية في الروايات المطابقة لفتاواهما.

القول الثاني: استبدادها بالتزويج

و قد استدلّ عليه ببعض الآيات التي لا دلالة لها أصلًا، منها قوله سبحانه: (فَإِذٰا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ). «1»

و منها: قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ). 2

و منها: قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ). 3

و منها: قوله سبحانه: (وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلٰا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوٰاجَهُنَّ إِذٰا تَرٰاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ). 4

أمّا الآية الأُولى فهي ناظرة إلى المتوفّى عنها زوجها و هي تكون غالباً مدخولة فليس إطلاقها في مقام البيان حتّى يعمّ غير المدخولة و يستفادَ منها استقلالها، مع أنّها لا تنفي شرطية إذن الأب، أضف إلى ذلك أنّ كلمة «بالمعروف» يخدش الإطلاق لأنّه من المحتمل أن يكون إذن الأب، من المعروف.

و يظهر ممّا ذكرنا عدم تمامية الاستدلال بسائر الآيات.

و ربّما يستدل بالروايات العامية و قد ذكرنا بعضها في صدر البحث.

منها: قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «الايِّم أحقّ بنفسها من وليّها» فقد استدل به على استقلالها

______________________________

(1) 1- 4 البقرة: 234 و 230 و 232.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 184

و لكنّه لا يخالف التشريك أخذاً بمفاد صيغة التفضيل، فلأجل ذلك لا يصحّ عقد الوليّ إلّا بإذنها.

منها قوله: البكر تستأذن في نفسها و إذنها صمتها: و هي لا تنافي التشريك بل تدلّ عليه.

و منها: ما ورد من أنّ جارية بكراً جاءت إليه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فقالت: إنّ أبي زوّجني من

ابن أخ له ليرفع خسيسته و أنا له كارهة فقال صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «اجيزي ما صنع أبوك»! فقالت: لا رغبة لي فيما صنع إليّ! قال: «فاذهبي فانكحي من شئتِ». فقالت: لا رغبة لي عمّا صنع أبي، و لكنّي أردت أن أُعلم النساء أن ليس للآباء في أُمور بناتهم شي ء. «1»

و الحديث ظاهر في استقلالها، لكن يمكن حمله على التشريك حملًا بعيداً.

و قد استدل عليه بروايات مروية عن طرقنا أسدّها (صحيحة الفضلاء) الفضل بن يسار و محمّد بن مسلم و زرارة و بريد بن معاوية كلّهم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و لا المولّى عليها تزويجها بغير ولي جائز. «2»

كيفية الاستدلال هو أنّ الملاك في جواز تزويجها بغير وليّ هو كونها مالكة لنفسها، و هو كما يصدق على الثيّب يصدق على البكر البالغة الرشيدة.

و لكن المهم هو بيان ما هو المقصود من كونها لنفسها فتظهر الحال منه من الرجوع إلى الروايات التي وردت فيها هذه الكلمة.

منها: معتبرة أبي مريم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الجارية البكر التي لها الأب، لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها» و قال: «إذا كانت مالكة لأمرها تزوّجت متى (ما.

______________________________

(1) راجع في مصادر الحديث السنن الكبرى للبيهقي.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 185

خ) شاءت». «1»

فلو كان قوله: «و قال إذا كانت الخ» من جمع الإمام عليه السّلام بين القولين لا من جمع الراوي يكون المراد من المالكة لأمرها من ليس لها أب فيختص جواز التزويج بمن لا وليّ لها، و هو خلاف المطلوب.

و منها: معتبرة

عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: «تزوّج المرأة من شاءت إذا كانت مالكة لأمرها فإن شاءت جعلت وليّاً». «2»

و الرواية مجملة ليست صريحة في البكر البالغة و لا المطلقة فيحتمل كون المراد المرأة الثيب لورود هذه الكلمة في الثيّب. مضافاً إلى ما ذكرناه في الرواية المتقدمة.

و منها: صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، انّه قال في المرأة الثيّب تخطب إلى نفسها قال: «هي أملك بنفسها تولّي أمرها من شاءت إذا كان كفؤاً بعد أن تكون قد نكحت رجلًا قبله». «3»

و الرواية لا تدلّ على أزيد من كون الثيّب مالكة و هي ساكتة عن الباكر الرشيدة.

و منها: معتبرة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إذا كانت المرأة مالكة أمرها، تبيع و تشتري و تعتق و تشهد و تعطي من مالها ما شاءت، فانّ أمرها جائز تزوّج إن شاءت بغير إذن وليّها، و إن لم تكن كذلك فلا يجوز تزويجها إلّا بأمر وليّها». «4»

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 7.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 8.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 186

و في سند الرواية علي بن إسماعيل الميثمي، قال النجاشي: كوفي سكن البصرة، و كان من وجوه المتكلّمين من أصحابنا، كلّم أبا الهذيل و النظام. «1»

و الرواية تفسر «المالكة أمرها» بكونها التي «تبيع و تشتري، الخ» و يكون الملاك هو كونها بهذا الوصف لا الثيبوبة و لا البكارة، و لكن تحتمل

كون المراد من الشقّ الأوّل هو الثيّب، و من الشقّ الثاني الباكر لغلبة وجود الملاك في الأُولى و عدمه في الثانية.

و حملها في الوسائل، على من لا أب لها، و قال: و يحتمل تخصيص الوليّ بغير الأب.

و على ذلك تكون النتيجة جواز تزويجها بغير إذن الجدّ و عدمه بدون إذن الأب و هو كما ترى، و هو قول في المسألة.

و احتمل أيضاً أن تكون جملة «تبيع و تشتري» خبراً ثانياً لكان، فعلى ذلك لا يكفي ارتفاع الحجر المالي لأصل البيع و الشراء. بل لا بدّ من مالكية الأمر و عندئذ تصبح الرواية مجملة لعدم وضوح المراد من كونها مالكة لأمرها، فيحتمل كونها ثيّبة أو غير ذات أب.

و باختصار، أنّ الاستدلال بالروايات التي وردت فيها كونها مالكة لأمرها غير ظاهر.

و منها: معتبرة ميسر و المراد منه ميسر بن عبد العزيز و هو يروي عن الباقر و الصادق عليهما السلام قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها لك زوج؟ فتقول: لا، فأتزوّجها؟ قال: «نعم هي المصدّقة على نفسها». «2»

______________________________

(1) رجال النجاشي: برقم 1661.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 187

و دلالتها بالإطلاق، و لكنّها قابلة للتخصيص بأدلّة سائر الأقوال، مع أنّها أقرب إلى الحمل على الثيّب.

و منها: خبر سعدان بن مسلم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا بأس بتزويج البكر إذا رضيت بغير إذن أبيها». «1»

و الرواية ضعيفة السند، فانّ سعدان بن مسلم لم يوثّق.

و منها: مرفوع أحمد بن محمّد بن عيسى، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «لا

بأس بتزويج البكر إذا أُرضيت من غير إذن أبيها». «2» و الرواية مرفوعة ليست بحجّة.

القول الثالث: الولاية عليها في الدائم دون المنقطع

و القائل به يجعل استمرار الولاية هو الأصل، غير أنّه يخصص بما دلّ على استقلالها في المنقطع، و لكن ما دلّ على استقلالها فيه لا يخلو عن إشكال، لضعف رواياته و عدم خلوّها عن المعارض الصحيح، و إليك روايات الباب:

1- رواية أبي سعيد، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن التمتّع من الأبكار اللّواتي بين الأبوين، فقال: «لا بأس، و لا أقول كما يقول هؤلاء الأقشاب». «3»

و في السند موسى بن عمر بن يزيد و هو لم يوثّق، و محمّد بن سنان و قد اختلفت فيه الأنظار.

2- بالاسناد المتقدّم عن أبي سعيد القمّاط، عمّن رواه، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام، جارية بكر بين أبويها، تدعوني إلى نفسها سرّاً من أبويها فأفعل

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 9 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) المستدرك: ج 14، الباب 7 من أبواب المتعة الحديث 3، طبعة آل البيت.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 6. الأقشاب جمع القشب: من لا خير فيه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 188

ذلك؟ قال: «نعم، و اتق موضع الفرج» قال: قلت: فإن رضيت بذلك؟ قال: «و إن رضيت فانّه عار على الأبكار». «1»

و السند يتّحد مع ما تقدّم، و الظاهر وحدة الروايتين، و الظاهر أنّ السائل في الروايتين هو الحلبي، للرواية التالية:

3- روى الشيخ باسناده عن أبي سعيد عن الحلبي، قال: سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها، بلا إذن أبويها، قال: «لا بأس، ما لم يفتضّ ما هناك لتعفّ بذلك». «2»

فهذه الروايات الثلاث مرجعها إلى

رواية واحدة و هي غير صالحة للاستدلال.

4- خبر محمّد بن عذافر، عمّن ذكره، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن التمتّع بالأبكار، فقال: «هل جعل ذلك إلّا لهنّ، فليستترن و ليستعففن». «3»

و السند ضعيف، مضافاً إلى أنّ هذا القول، مردود بحديثين صحيحين، سيوافيك ذكرهما في القول الآتي.

5- خبر جميل بن درّاج، حيث سئل الصادق عليه السّلام عن التمتع بالبكر قال: «لا بأس أن يتمتع بالبكر ما لم يفض إليها كراهيّة العيب إلى أهلها». «4»

و الرواية و إن كانت ظاهرة في صورة عدم إذن الأب لكنه خبر لا يحتج به مضافاً إلى ما سيأتي في الرواية التالية.

6- رواية محمّد بن حمزة، قال: قال بعض أصحابنا لأبي عبد اللّه عليه السّلام:

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2) نفس المصدر، الحديث 9، و المقصود الاسناد الوارد في الحديث 6 من هذا الباب.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 4.

(4) المستدرك: ج 14، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 189

البكر يتزوّجها متعة؟ قال: «لا بأس ما لم يفتضها». «1»

و يمكن حمل الروايتين على ما إذا لم يكن لها أب.

القول الرابع: الولاية عليها في المنقطع دون الدائم

و استدل عليه بما يلي:

1- صحيحة البزنطي، عن الرضا عليه السّلام قال: «البكر لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبيها». «2»

2- صحيحة حفص البختري، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج البكر متعة؟ قال: «يكره للعيب على أهلها». 3

و الروايتان و إن كانتا صحيحتين لكن دلالتهما على المطلوب بالمفهوم و يمكن أن تكونا ناظرتين إلى ردّ توهم استقلالها في المتعة فلا يدلّ على إثبات استقلالها في الدائم.

3- صحيحة أبي مريم، عن

أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها». 4 و الجواب عن الاستدلال بها هو ما سبق في الصحيحتين المتقدمتين.

4- خبر المهلّب الدلّال، أنّه كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام أنّ امرأة كانت معي في الدار ثمّ إنّها زوّجتني نفسها و أشهدت اللّه و ملائكته على ذلك، ثمّ إنّ أباها زوّجها من رجل آخر فما تقول؟ فكتب عليه السّلام: «التزويج الدائم لا يكون إلّا بوليّ و شاهدين، و لا يكون تزويج متعة ببكر، استر على نفسك، و اكتم رحمك اللّه». 5

______________________________

(1) المستدرك: ج 14، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 4.

(2) 2- 5 الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 5، 10، 12، 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 190

و الرواية تحتمل التقية لعدّة جهات:

منها: اشتراطه في التزويج الدائم وجود شاهدين.

منها: حكمه بعدم تزويج البكر متعة، اللّهمّ إلّا أن يحمل على عدم الإذن من أبيها.

و منها: قوله: «استر على نفسك، و اكتم رحمك اللّه» و هذا يعرب عن أنّ الإمام عليه السّلام لم يكن في فسحة من الجواب الصحيح.

5- رواية الصدوق في المقنع، و لا تمتع بذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ. «1»

6- صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: يتزوّج بالجارية متعة؟ فقال: «نعم، إلّا أن يكون لها أب». «2»

و قد عرفت الإجابة عن مثل هذه الروايات بما سلف، فانّ من المحتمل كونها بصدد إثبات ولايته في المنقطع لا بصدد نفي ولايته في الدائم، و على هذا لا ينافي التشريك. و قد قدّمنا برهان القول الخامس فلنذكر دليل سادس الأقوال.

القول السادس: التشريك في الولاية بين البنت و الأب خاصة دون غيره من الأولياء

و يمكن الاستدلال له

بصحيحة زرارة بن أعين، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا ينقض النكاح إلّا الأب». «3»

و رواه أيضاً محمّد بن مسلم في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السّلام. «4»

______________________________

(1) المستدرك: الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 2، ص 589.

(2) المستدرك: الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(3) الوسائل: ج 14، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 4 من أبواب عقد النكاح، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 191

و يمكن أن يقال: إنّ المراد من الأب ما يعمّ الأب و الجدّ بقرينة ما دلّ على ولاية الجدّ على الباكر، و قد تقدّم، أنّ الأولى بالبنت أن ترضى بعقد الجدّ عند التشاح.

و قد استعمل الأب في القرآن الكريم في الأعمّ من الأب و الجدّ، قال سبحانه: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدٰاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قٰالَ لِبَنِيهِ مٰا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قٰالُوا نَعْبُدُ إِلٰهَكَ وَ إِلٰهَ آبٰائِكَ إِبْرٰاهِيمَ وَ إِسْمٰاعِيلَ وَ إِسْحٰاقَ إِلٰهاً وٰاحِداً وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). «1»

و لا شكّ أنّ إسماعيل كان عمّاً لأولاد يعقوب.

و قال سبحانه: (وَ مٰا كٰانَ اسْتِغْفٰارُ إِبْرٰاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلّٰا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهٰا إِيّٰاهُ فَلَمّٰا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّٰهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرٰاهِيمَ لَأَوّٰاهٌ حَلِيمٌ). «2»

ففي هذه الآية يتبرّأ إبراهيم عليه السّلام من أبيه مع أنّا نرى أنّه يدعو لوالده في أواخر عمره و يقول: (رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوٰالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسٰابُ) «3» و هذا يعرب عن أنّ الوالد الذي كان يدعو له في أُخريات عمره، غير الأب الذي تبرّأ منه في شبابه، و يكشف عن اختصاص الوالد بالأب المباشر، و أمّا الأب فيستعمل في العمّ فضلًا

عن الجدّ. «4» و المراد من الأب في الآية عندئذ هو العمّ، لعدم كونه جدّاً لإبراهيم، فتعيّن كونه عمّاً.

القول السابع: استقلال كلّ من الأب و البنت

و يمكن الاستدلال عليه بالأخذ بالطائفتين من الروايات اللتين دلّتا على

______________________________

(1) البقرة: 133.

(2) التوبة: 114.

(3) إبراهيم: 41.

(4) قال في الحدائق: قد ثبت بالآيات و الروايات كون الأب جدّاً و دلّت الأخبار على أنّ ولاية الجدّ أقوى من ولاية الأب، فإذا ثبتت الولاية للأضعف ثبتت للأقوى.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 192

صحّة عقد الأب من دون رضا البنت و ما دلّ على عكسه، و الروايات في كلا الجانبين لا تأبى هذا الجمع.

غير أنّك عرفت أنّ الطائفة الأُولى و إن كانت صحيحة، لكنّها موهونة من جهة صدورها، و أمّا الطائفة الثانية فهي عليلة من جهة الدلالة لما عرفت من المناقشة في دلالتها، و أنّ الصحيح منها ناظر إلى الثيّب أو من لا أب لها، و أمّا الصريح منها كرواية سعدان بن مسلم فلم تثبت صحّة سنده.

القول الثامن: استقلال البنت البالغة الرشيدة إلّا أن تختار ما فيه هتك لشئونها

هذا ما ذهب إليه كاشف الغطاء في حاشيته على تبصرة المتعلّمين، و قال باستقلال البنت البالغة الرشيدة إلّا أن تختار ما فيه هتك شرف الوليّ.

و يمكن استظهاره ممّا دلّ على أنّ الأب ينقض النكاح، و الاستظهار مبنيّ على أنّ متعلّق النقض هنا هو الأمر المبرم و الصحيح من جميع الجهات و مما دل على استقلال البنت في تزويج نفسها.

فبالجمع بين هاتين الطائفتين يمكن استظهار هذا القول، و هو أنّ الأب ينقض عقد البنت، الصحيح من جميع الجهات و لو في بعض الموارد، فيكون نقض الأب بمنزلة الفسخ كما في غير هذا المورد من موارد فسخ النكاح.

و لكنّه من المحتمل أن يكون المراد من الصحّة هو الصحّة التأهلية، أي الصادرة من أهله و الواقعة في محلّه، فيعمّ ماله أهلية الإتمام و الصحّة عند استكمال سائر الشروط المعتبرة، و

قد استعمل النقض في هذا المعنى في موارد، منها: ما رواه زرارة في الصحيح، عن أبي جعفر عليه السّلام، في رجل جهر فيما لا ينبغي الإجهار فيه و أخفى فيما لا ينبغي الإخفاء فيه فقال: «أيّ ذلك فعل متعمّداً فقد نقض

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 193

صلاته و عليه الإعادة». «1»

و على ذلك فيمكن أن يكون الحديث دليلًا على التشريك في الرضا كما استظهرناه أوّل البحث.

هذه دراسة الأقوال و قد عرفت أنّ الأحوط بل الأقوى هو التشريك. و ليعذرني الاخوان في إطالة البحث و قد سبق من صاحب المسالك في صدر البحث أنّه من المشكلات.

الإمرة الخامس: في عضل الأب البالغة الرشيدة

قال المحقّق في الشرائع: إذا عضلها الولي و هو أن لا يزوّجها من كفوء مع رغبتها، فانّه يجوز لها أن تزوّج نفسها و لو كرهاً إجماعاً.

العضل في اللغة، المنع، و المراد هنا منعها من التزويج بالكف ء إذا طلبت و صور المسألة ثلاث:

1- أن يمنعها من التزويج بغير الكفوء شرعاً و عرفاً.

2- أن يمنعها من التزويج بالكف ء الشرعي غير العرفي.

3- أن يمنعها من التزويج بالكف ء الشرعي العرفي.

و المراد من غير الكفوء الشرعي من يفقد الكفاءة المعتبرة شرعاً في صحّة النكاح كالإسلام، و من ورد النهي عن التزويج بهم كشارب الخمر و تارك الصلاة و المتجاهر بالفسق.

نعم النكاح بدون الإسلام باطل دون غيره.

أمّا الصورة الأُولى: فربما يصحّح العضل تمسكاً باطلاقات ولاية الأب،

______________________________

(1) الوسائل: ج 4، الباب 26 من أبواب القراءة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 194

و لكن لا حاجة إلى الولاية، فانّ التزويج بنفسه باطل.

و أمّا الصورة الثانية: فمثل الأُولى أخذاً بالإطلاقات.

و أمّا الصورة الثالثة: فلا شكّ في سقوط ولاية الأب، لأنّ ولايته

على البنت امتنانية، فإذا كان العضل بلا مصلحة و عن عناد و لجاج للبنت أو الزوج فالولاية ساقطة عندئذ.

و قد تمسّك في الحدائق بقاعدة «لا ضرر و لا ضرار» و رفع الحرج، وسعة الشريعة السمحة السهلة، و الاستدلال بالأُولى صحيح على القول بأنّ المراد هو نفي الحكم الضرريّ كما يصحّ على المختار من أنّ المراد عدم جواز إضرار بعض الناس ببعضهم و عدم كونه نافذاً.

أضف إلى ذلك أنّه لو منعها من التزويج بالكف ء، فانّه يخالف الفطرة الإنسانية، و يوجب شيوع الفساد المنفي في الإسلام، ففي صحيحة أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال لرجل أنت و مالك لأبيك، قال أبو جعفر عليه السّلام: «ما أحبّ أن يأخذ من مال ابنه إلّا ما احتاج إليه ممّا لا بدّ منه إنّ اللّه لا يحبّ الفساد». «1» فإذا كانت ولاية الأب في المال محدودة بعدم الفساد ففي الفرض بطريق أولى، على أنّ المسألة اتّفاقيّة.

اللّهمّ إلّا أن يكون الزوج كفوءاً شرعياً أو عرفياً، لكن الأب مطّلع على أنّ هذا التزويج ليس لصالح البنت و أنّه سوف ينفصم عقدهما لعدم مقوّمات الثبات بين الزوجين و ليس عضله في هذا التزويج عضلًا عن أصل التزويج فإطلاقات الولاية حسب ما قويناه من التشريك محكمة.

ثمّ إنّه إذا ثبت أنّ العضل من قبيل العضل الممنوع المسقط لولاية الأب،

______________________________

(1) الوسائل: ج 12، الباب 78 من أبواب ما يكتسب به، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 195

فهل تتولّى تزويجها بنفسها لعدم الوليّ عندئذ أو يتولّاه الحاكم؟ فالعامة، على الثاني، لكون الحاكم عندهم من الولاة بل الأخ، و العمّ، و الأُمّ،

كذلك و الظاهر هو استقلالها.

ثمّ إنّ القول بسقوط الولاية عند العضل ثابت على القول بالتشريك، و القول باستقلاله، فانّ استقلال الأب في التزويج لا في المنع دائماً.

ثمّ لو فرض إرادتها زوجاً، و إرادة الوليّ غيره و كان كلا الزوجين كفوءاً شرعياً و عرفياً، قال في المسالك: «يلاحظ المصدر، فعلى القول بأولويتها مطلقاً يقدم رأيها، و عند من اعتبر ولاية الأب و لو على بعض الوجوه ففي تقديم مختاره نظراً إلى أنّ رأيه في الأغلب أكمل، و لأنّه الوليّ على تقديره، أو مختارها لأنّه أقرب بعفّتها وجهان أجودهما، الثاني». «1»

و الظاهر أنّه، على القول بالتشريك ليس لها الاستقلال بالتزويج بمرادها و لا يصدق على منع الأب عن مختارها، العضل الممنوع حتّى تسقط ولايته.

و ما استجوده صاحب المسالك، مبنيّ على دليل اعتباري لا اعتبار به و لو كان المجال للاعتبارات مفتوحاً لقلنا إنّ الأب أكمل و أعقل و عقده أصحّ و أتمّ و أوفق للمصلحة.

ثمّ لو كان الولي غائباً، لا يمكن الاستئذان منه مع حاجتها إلى التزويج فالولاية ساقطة، لاشتراك هذه الصورة مع العضل في الضرر و الحرج. نعم لو أمكن الاستئذان فالولاية باقية لعدم الضرر و الحرج، اللّهمّ إلّا إذا كان الاستئذان متوقفاً على مرور زمن يستلزم مضيّه الحرج و الضرر.

______________________________

(1) الشهيد: المسالك: 1/ 488.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 196

الأمر السادس: في عدم الولاية على الثيّب مع البلوغ و الرشد

المشهور (بل لم ينقل الخلاف إلّا من ابن أبي عقيل) أنّه لا ولاية على الثيّب البالغة الرشيدة، و تدلّ عليه جملة من الأخبار، و قد مرّ قسم منها في المسألة السابقة و نذكر بعضها في المقام.

1- ما رواه في الكافي، في الصحيح، عن الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال

في المرأة الثيّب تخطب إلى نفسها، قال: «هي أملك بنفسها تولِّي أمرها من شاءت إذا كان كفؤاً بعد أن تكون قد نكحت رجلًا قبله». «1»

و المعيار هو أن تنكح رجلًا قبله، و أمّا تقييد استقلالها بما إذا شاءت كفؤاً فهو قيد وارد مورد الغالب فلا يكون قيداً ثانيا، و سيوافيك الكلام فيه.

2- روى الشيخ عن الحسين بن سعيد، عن القاسم، عن أبان، عن عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثيّب تخطب إلى نفسها؟ قال: «نعم، هي أملك بنفسها تولّي أمرها من شاءت إذا كانت قد تزوّجت زوجاً قبله». «2» و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه ثقة، وثّقه النجاشي في ترجمة ابنه إسماعيل بن همام، و الراوي عنه أبان، و لعلّ المراد هو أبان بن محمّد المسمّى بسندي البجلي الثقة.

إلى غير ذلك من الروايات و المسألة كما عرفت موضع اتفاق.

و نقل الخلاف عن ابن أبي عقيل، و لعلّه استند إلى ما روى عنه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا نكاح إلّا بوليّ» و على فرض صحّة صدوره، فهو مخصص بما دلّ على استقلال الثيّب.

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 197

و أمّا ما ورد في خبر سعيد بن إسماعيل، عن أبيه، قال: سألت الرضا عليه السّلام عن رجل تزوّج ببكر، أو ثيّب لا يعلم أبوها و لا أحد من قراباتها و لكن تجعل المرأة وكيلًا فيزوّجها من غير علمهم؟ قال: «لا يكون ذا». «1»

فهو محمول على ضرب من الإرشاد، و أنّه

لا يتحقّق حسب العادة.

غير أنّ المهمّ هو الوقوف على المراد من الثيّب حتّى يخرج ما يقع تحتها و يبقى الباقي تحت العام.

و قد أُشير إليها في روايات الباب بعناوين ثلاثة:

1- بمن قد نكحت زوجاً قبل ذلك. «2»

2- بمن تزوّجت زوجاً قبله. 3

3- أو امرأة قد دخل بها قبل ذلك. 4

فبين الأوّلين و الثالث عموم من وجه فلو قيل بإطلاقهما، يعمّ من تزوّجت و قد مات زوجها قبل الدخول أو طلّق قبله، كما أنّه لو قيل بإطلاق الثالث، يعمّ من دخل بها عن وطء بشبهة أو زنا.

و يمكن أن يقال: إنّ الحكمة الواضحة في التفريق بين البكر و الثيّب يصدّنا عن حمل الدخول على الأعم من الدخول الصحيح و الدخول عن زنا بل شبهة لعدم وجود الحكمة المزبورة في مطلق الوطء خصوصاً عن زنا، فينحصر الدخول، بالدخول عن نكاح صحيح و به يقيّد ما دلّ على أنّ الميزان مطلق الزواج و إن مات الزوج أو طلّق قبل الدخول.

و أمّا البحث عن مفاد البكر، فليس بلازم، لأنّ المهمّ هو الوقوف على مفهوم

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 15.

(2) 2 و 3 و 4 الوسائل: ج 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2، 4، 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 198

المخصِّص (الثيّب) فلو تعيّن حدوده، فيتمسك في غيره بالعام كما لا يخفى.

نعم يحتمل أنّ الحكم دائر مدار البكر و عدمها، و عليه يجب تفسير مفهومه و نقول فيها احتمالات:

1- من لم تذهب عذرتها أبداً، فلو ذهبت و لو بعثرة أو إجراء عملية جراحية فليست ببكر.

2- من لم تذهب عذرتها بالوطء و لو كانت عن زنا أو عن

شبهة، فالزائل عن عثرة أو وثبة بكر.

3- من لم تذهب عذرتها عن نكاح صحيح، فالذاهبة عن زنا أو شبهة، فضلًا عن المطلقة قبل الدخول أو المتوفّى عنها زوجها قبله بكر ليست بثيّب.

و الثالث: مرجوح جدّاً و لا يوافقه العرف و لا الكتاب العزيز يقول سبحانه: (إِنّٰا أَنْشَأْنٰاهُنَّ إِنْشٰاءً* فَجَعَلْنٰاهُنَّ أَبْكٰاراً). «1»

و يقول سبحانه أيضاً: (فِيهِنَّ قٰاصِرٰاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لٰا جَانٌّ). «2»

و المراد من الطمث هو الفضّ فلا يصدق على الثالث، و الأوّل بعيد حيث يقيد الطمث بالإنس و الجنّ، فلا يكفي الفضّ بوثبة أو عثرة، ويتعيّن كون المراد من البكر هو الثاني، فلا يصدق على من ذهبت عذرتها بالزنا أو الوطء عن شبهة فلا يعمّها حكم البكر، و لا تتوقّف صحّة عقدهما على إذن الوليّ، فتكون النتيجة خلاف ما استظهرناه عند البحث عن الثيّب، حيث قلنا إنّ الخارج هو الموطوء بعقد صحيح و بقي الباقي تحت العام، و لأجل ذلك فلا يترك الاحتياط في غير الموطوء عن نكاح صحيح بالاستئذان من الوليّ.

______________________________

(1) الواقعة: 3635.

(2) الرحمن: 56.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 199

الأمر السابع: لا ولاية على البالغ الرشيد

و المسألة اتّفاقية، و تدلّ عليها عدّة من الروايات:

1- موثقة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه أراد أن يتزوّج امرأة قال: «فكره ذلك أبي فمضيت فتزوّجتها». «1» لكن المضمون لا يخلو عن غموض، كيف يتزوّج الإمام مع كراهة أبيه.

2- موثقة ابن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له إنّي أُريد أن أتزوّج امرأة و أنّ أبويّ أرادا أن يزوّجاني غيرها؟ فقال: «تزوّج التي هويت ودع التي يهوى أبواك». 2

3- خبر أبان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا زوّج الرجل

ابنه كان ذلك إلى ابنه و إذا زوّج ابنته جاز ذلك». 3

الأمر الثامن: ولاية الأب و الجدّ مع الجنون

لا خلاف في ثبوت ولايتهما على المجنون من الأولاد ذكراً أو أُنثى، بكراً كان أو ثيّباً إذا اتصل الجنون بالبلوغ، و أمّا الطارئ بعد البلوغ و الرشد فمختلف فيه.

أمّا الأوّل: فقد ورد النص في غير واحد من الروايات ولايتهما عليه في الأُمور المالية كصحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «انقطاع يتم اليتيم

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2 و 1، و لاحظ باب 6 من تلك الأبواب.

(2) 3 الوسائل: ج 14، الباب 13 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 200

الاحتلام و هو رشده، و إن احتلم و لم يؤنس فيه رشد و كان سفيهاً أو ضعيفاً فليمسك عنه وليّه ماله». «1»

و مورد هذا و غيره هو الولاية على المال إلّا أنّه لا فرق بين المال و النكاح فالثاني أولى من الأوّل و دلّ النص على أنّ وليّ الأمر في المال، هو الذي بيده عقدة النكاح. «2»

و يؤيّده الاستصحاب و ما يقال بأنّ البالغ يغاير غيره و أنّهما عنوانان فكيف يحكم عليه بحكم غير البالغ، قد عرفت الجواب عنه عند تبيين كيفية جريان الاستصحاب في الأحكام الكلّية.

نعم حكى في الجواهر، عن المالك و غيره في باب الحجر، أنّ الأكثر على ثبوت الولاية للحاكم على من بلغ سفيهاً و إن كان أبوه حيّاً، لكنّه مخالف للنص و الاستصحاب و الاعتبار.

أمّا الثاني: فقد اعترف صاحب الحدائق قدّس سرّه على عدم وقوفه على النص، و عليه فهل يدخل تحت قوله عليه السّلام: «السلطان وليّ من

لا وليّ له» فيرجع أمره إلى الحاكم أو ينصرف عن مثل هذه الصورة فانّ العرف لا يرى المورد من مصاديق «من لا وليّ له» و أي ولي أشفق من الوالد و الجدّ، أضف إليه قوله سبحانه: (أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ*)، و لا وجه لتخصيصه بالإرث. على أنّ القول برجوع أمره إلى الحاكم ربّما ينتهي إلى التفصيل، في الجنون الأدواري بين اتّصاله بالبلوغ، فالولاية للأب و انفصاله عنه بالولاية للحاكم و هو غريب.

و على كلّ تقدير فلا خيار لواحد من البكر، و الثيّب اذا زوّجتا بعد الإفاقة لأصالة اللزوم في العقود أوّلًا، و لعدم معروفية النكاح الصحيح المتزلزل ثانياً.

______________________________

(1) الوسائل: ج 13، الباب 44 من أبواب الوصايا، الحديث 9.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 42.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 201

الفصل السادس: في ولاية الحاكم و الوصي و مسقطات الولاية

اشارة

1- ولاية الحاكم على الطفل في النكاح

2- لا ولاية للحاكم على البالغ الرشيد

3- ولاية الحاكم على من بلغ غير رشيد

4- في ولاية الوصي على الإنكاح

5- نكاح المحجور عليه

6- في توكيل المرأة المالكة لنفسها

7- في تزويج الوليّ بدون مهر المثل

8- حكم النكاح الفضولي

9- إذن الباكرة صماتها

10- في مسقطات الولاية

11- إذا اختار كلّ من الوليّين رجلًا

12- في تزويج الصغيرة بالمجنون و الخصي

13- في تزويج غير الوليّ الصغيرين

14- استحباب استئذان البكر أباها

15- إذا زوّجها الأخوان برجلين

16- لا ولاية للأُمّ

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 203

ولاية الحاكم و الوصي و المولى

بما أنّ البحث عن ولاية المولى على العبد بحث عمّا لا وجود له في الخارج نقتصر بالبحث

عن ولاية الحاكم و الوصيّ، فنقول: إنّ ولاية الحاكم تتصوّر على وجوه:

1- ولاية الحاكم على من لم يبلغ.

2- ولايته على البالغ الرشيد.

3- ولايته على من لم يبلغ رشيداً.

4- ولايته على من تجدّد فساد عقله.

البحث عن الموارد الأربعة فرع عدم وليّ منصوص له كالأب و الجدّ، كما أنّ ولايته على النكاح يتصوّر على ما إذا كانت هناك مصلحة في النكاح و بذلك تفترق ولاية الحاكم عن ولاية الوليّين، فانّ ولايتهما ولاية قرابية ناشئة من الإشفاق و الرأفة، فيكفي في إعمالهما عدم الضرر و المفسدة بخلاف ولاية الحاكم فانّها من باب الحسبة و صدقها فرع كون وجود مصلحة ملزمة في المورد كالنكاح كما سيوافيك.

1- ولاية الحاكم على الطفل

أمّا ولايته في النكاح على الصغيرة و الصغير، فقد نفى المحقّق ولايته عليه، و قال: و ليس للحاكم ولاية في النكاح على من لم يبلغ، و علّل في بعض الكلمات بالأصل أوّلًا، و بعدم الحاجة ثانياً. و الأوّل مردود بإطلاق دليل ولاية الحاكم، من قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «السلطان وليّ من لا وليّ له»، و قد عمل به الأصحاب، و رواه أصحاب

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 204

السنن. «1» و ما روي من طرقنا ليس منحصراً بمقبولة عمر بن حنظلة حتّى يقال باختصاصها بباب القضاء و الإفتاء كما في الحدائق في المقام. و الثاني مثل الأوّل إذ ليس الغرض منحصراً في الوطء و نحوه، و لأجل ذلك يجوز تزويج الأب و الجدّ الصغير و الصغيرة، على أنّه لا شكّ في كون الحاكم في المقام، هو الوليّ المالي فيكون وليّاً في النكاح لصحيح ابن سنان ... الذي بيده عقدة النكاح هو وليّ أمرها. «2»

و بذلك تعرف

قوّة ما ذكر في المسالك: من أنّه إن اعتبرت الإطلاقات و العمومات المتضمنة لولاية الحاكم وجب القول بثبوت ولايته في النكاح على الصغير و المجنون مطلقاً «سواء كان صغيراً أم بالغاً متصلًا كان الجنون أم لا».

و بذلك يظهر أنّ التفصيل المعروف من عدم ولايته على الصغير و الصغيرة، و ولايته على البالغ إذا طرأ عليه الجنون، ليس بتام. «3»

و الحاصل أنّ حفظ مصالح الصغير و الصغيرة أمر لازم فلو كان هناك أب أو جدّ فعليهما الحفظ، و إلّا فليس هنا أمر أقرب إليه من الحاكم، و لأجل ذلك قلنا في محلّه: إنّ كلّ مصلحة حيوية فرديّة أو اجتماعية ليس في حيازتها إشكال أو منع، إذا لم يسمّ فاعلها من الأب و الجدّ فالفاعل و القائم به هو الحاكم الإسلامي العادل.

و أمّا الاستدلال على عدم الجواز بما ورد في صحيحة محمّد بن مسلم: «في الصبي يتزوّج الصبية يتوارثان قال: إذا كان أبواهما اللذان زوّجاهما فنعم». «4»

______________________________

(1) صحيح الترمذي: 407 ح 2، كتاب النكاح، الباب 14، و صحيح ابن ماجة: 605، كتاب النكاح، الباب 15، عن عروة عن عائشة قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: أيّما امرأة لم ينكحها الولي فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها، فلها مهرها بما أصاب منها فإن اشتجروا فالسلطان وليّ من لا وليّ له.

(2) الوسائل: ج 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(3) زين الدين العاملي: المسالك 1/ 480.

(4) الوسائل: ج 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 205

و مثله صحيحة عبيد بن زرارة. «1»

فغير تام إذ ليس لهما مفهوم و يحتمل أن يكون

ذكر الأب من باب المثال لمن يصحّ العقد مع إذنه، لا لإخراج عقد الحاكم و الوصي. بل لإخراج الأم و الأخ.

2- لا ولاية للحاكم على البالغ الرشيد

إنّ عدم ولاية الحاكم على البالغ الرشيد من ضروريات الفقه، خصوصاً في الذكر، لعدم ولاية الأب عليه فالحاكم بطريق أولى.

نعم ربما يختلج بالبال، أنّ استقلال البنت في أمر النكاح مع عدم الأب و الجدّ، يوجب غبنها في أمر النكاح و عدم استهدائها إلى ما فيه صلاحها، و لكنّه ليس بمشكلة فانّ غالب البنات إذا فقدن الأب و الجدّ لا يفقدن الأُمّهات و الأعمام و الإخوة و غيرهم من الأقرباء، ففي مثل تلك الموارد يستحبّ لها أن تستشيرهم و لا تستبدَّ برأيها كما نصّ عليه المحقّق في المسألة الحادية عشرة في اللواحق.

3- ولاية الحاكم على من بلغ غير رشيد

أمّا ولايته على من بلغ غير رشيد، أو تجدّد فساد عقله إذا كان النكاح لصالحه فلا كلام فيه لثبوتها للوليّ من حيث القرابة فتثبت للوليّ من حيث الحسبة بتفاوت أنّ الملاك في ولاية الأب و الجدّ هو عدم المفسدة كما سيوافيك، و لكنّه في ولاية الحاكم، الحسبة و المصلحة اللازمة.

4- في ولاية الوصي على الإنكاح

اختلفت كلماتهم في ولاية وصيّ الأب و الجدّ على النكاح فقيل بالولاية و قيل

______________________________

(1) الوسائل: ج 15، الباب 33 من أبواب مقدمات الطلاق، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 206

بعدمها و قيل بالتفصيل بين الإيصاء بالنكاح و عدمه و هو الظاهر من الخلاف «1» حيث فرض الكلام في صورة الإيصاء و قيل بالفرق بين غير البالغ و من بلغ فاسد العقل إذا كانت هناك ضرورة إلى النكاح فلا ولاية إلّا في الثاني و هو صريح الشرائع. فصارت الأقوال أربعة.

و قال في الخلاف: إذا أوصى إلى غيره بأن يزوّج ابنته الصغيرة صحّت الوصيّة و كان له تزويجها و يكون صحيحاً سواء عيّن الزوج أو لم يعيّن و إن كانت كبيرة لم تصح الوصية، و قال الشافعي: الولاية في النكاح لا تستفاد بالوصيّة فإذا أوصى بالنظر في مال أطفاله صحّ و إن أوصى بإنكاحهنّ لم تصحّ الوصية صغيرة كانت أو كبيرة، عيّن الزوج أو لم يعيّن و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه، و قال مالك: إذا كانت البنت كبيرة، صحّت الوصية، عيّن الزوج أو لم يعيّن و إن كانت صغيرة صحّت الوصية إذا عيّن الزوج و لم تصحّ إذا لم تعيّن. 2

و قال المحقّق: لا ولاية للوصي و إن نصّ له الموصي على الإنكاح على الأظهر و للوصي أن

يزوّج من بلغ فاسد العقل إذا كانت ضرورة إلى النكاح.

و القول الرابع هو صريح المحقّق في الشرائع، و القول الثالث هو الأظهر كتاباً و سنّة.

أمّا الكتاب فيدلّ عليه قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذٰا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوٰالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ* فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). 3 إنّ صدر الآية و إن كان وارداً في الإيصاء بالمال و لكن المورد ليس بمخصص.

و قد استدل به في غير مورد المال في بعض الروايات:

______________________________

(1) 1 و 2 الخلاف: 2، كتاب النكاح، المسألة 9.

(2) 3 البقرة: 181180.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 207

مثل ما رواه علي بن مهزيار، قال: كتب أبو جعفر عليه السّلام إلى جعفر و موسى: «و فيما أمرتكما من الإشهاد بكذا و كذا نجاة لكما في آخرتكما، و إنقاذ لما أوصى به أبوكما و برّ منكما لهما، و احذرا أن لا تكونا بدّلتما وصيّتهما و لا غيّرتماها عن حالها، لأنّهما قد خرجا عن ذلك، رضي اللّه عنهما، و صار ذلك في رقابكما و قد قال اللّه تبارك و تعالى في كتابه في الوصية: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مٰا سَمِعَهُ فَإِنَّمٰا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)». «1»

و قوله سبحانه: (وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَ إِنْ تُخٰالِطُوهُمْ فَإِخْوٰانُكُمْ وَ اللّٰهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) «2» ببيان أنّ التزويج لأجل مصالح إصلاح لهم و لا يختص الإصلاح بالأُمور المالية، و لكن القدر المتيقّن منه هو صورة الإيصاء.

أمّا السنّة: فتدلّ عليه، صحيحة ابن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «الذي بيده عقدة النكاح

هو وليّ أمرها». «3» و لا شكّ أنّ الوصيّ هو الوليّ المالي فيكون وليّاً في النكاح.

و صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الذي بيده عقدة النكاح؟ قال: «هو الأب و الأخ و الرجل يوصى إليه». «4» و ذكر الأخ لعلّه لأجل كونه وكيل الأب. و مقتضى ما ذكرناه، نفوذ وصيته فيما إذا نصّ على الإنكاح، من غير فرق بين الصغير و الصغيرة، و من بلغ غير رشيد.

و أمّا صحيحة محمّد بن مسلم في الصبي يتزوّج الصبيّة يتوارثان؟! فقال:

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 32 من أبواب أحكام الوصايا، الحديث 2.

(2) البقرة: 220.

(3) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(4) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 208

«إن كان أبواهما اللّذان زوّجاهما فنعم». «1» فقد عرفت أنّه لا مفهوم لها على أنّه من المحتمل أنّ المقصود أنّه إن صدر العقد عمّن بيده الأمر سواء أ كان هو الأب أم غيره و أمّا ذكر الأبوين فهو من باب المثال.

و ربّما يستدل بصحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع قال: سأله رجل عن رجل مات و ترك أخوين و ابنة، و البنت صغيرة فعمد أحد الأخوين الوصي، فزوّج الابنة من ابنه ثمّ مات أبو الابن المزوِّج فلمّا أن ماتَ قال الآخر: أخي لم يزوّج ابنه فزوّج الجارية من ابنه فقيل للجارية: أيّ الزوجين أحبُّ إليك الأوّل أو الآخر؟ قالت: الآخر، ثمّ إنّ الأخ الثاني مات و للأخ الأوّل ابن أكبر من الابن المزوَّج فقال للجارية: اختاري أيّهما أحبُّ إليك الزوج الأوّل أو الزوج الآخر؟ فقال: «الرواية فيها أنّها للزوج الأخير و

ذلك أنّها قد كانت أدركت حين زوّجها و ليس لها أن تنقض ما عقدته بعد إدراكها». «2»

و لا يخفى أنّه ليس صريحاً و لا ظاهراً في الوصية بالإنكاح و لعلّه كان وصياً فيما ترك من الأموال أضف إلى ذلك اشتمال الرواية على ما يوهم التقية. و في المضمون أيضاً غرابة فلاحظ.

و بذلك يظهر ولايته على من بلغ فاسد العقل إذا اقتضت المصلحة النكاح إنّما الكلام فيما إذا لم يوص بذلك و لا دليل على ولايته فيما لم يوص به. نعم ظاهر الشيخ في المبسوط جواز النكاح عند الحاجة إلى التزويج و إن لم يوص. «3» فلاحظ.

5- نكاح المحجور عليه للتبذير

اشارة

ظاهر كلمات الأصحاب كما اعترف به في الحدائق هو أنّ المحجور عليه

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 12 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(2) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

(3) المبسوط: 4/ 60، كتاب الوصايا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 209

للتبذير يمنع من النكاح مع عدم حاجته إليه، فان اضطرّ جاز للوليّ تزويجه مقتصراً على ما تندفع به الحاجة كمّاً و كيفاً.

يلاحظ عليه: أنّ المحجور للتبذير، بالغ عاقل مكلّف بالتكاليف الشرعية مكلّف بها واجباتها و مستحبّاتها، و غاية ما تدلّ عليه أدلّة الحِجر هو عدم جواز تمكينه من المال خوفاً من أن يصرفه في غير مصارفه و ليس التزويج مع عدم الضرورة و الحاجة صرفاً له في غير مصارفه، و إلّا لما جاز لغيره لكونه تبذيراً و إسرافاً.

و لأجل ذلك فالظاهر جواز التزويج له مطلقاً في حالة الضرورة و عدمها، و مع ذلك لا يجوز تمكينه من المال خوفاً من أن يصرفه في غير المصارف الشرعية.

و على ضوء ذلك فجواز تزويجه غير مقيّد

بالاضطرار، و أمّا تقييده بإذن الوليّ، فالظاهر من الروايات بقاء الولاية عليه ذكراً كان أم أُنثى.

أمّا الأوّل: فيدلّ عليه ما رواه في الوسائل عن الخصال عن أبي الحسين الخادم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سأله أبي و أنا حاضر عن اليتيم متى يجوز أمره؟ قال: «حتى يبلغ أشدَّه» قال: و ما أشدّه؟ قال: «احتلامه»، قال: قلت: قد يكون الغلام ابن ثماني عشرة سنة أو أقلّ أو أكثر لم يحتلم؟ قال: «إذا بلغ و كتب عليه الشي ء و نبت عليه الشعر جاز عليه أمره إلّا أن يكون سفيهاً أو ضعيفاً». «1»

و الرواية صحيحة، و أبو الحسين الخادم هو آدم بن المتوكّل المعروف ببياع اللؤلؤ، كوفي ثقة روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، ذكره أصحاب الرجال له أصل. «2» و رواه في الخصال عنه عن عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و على كلّ تقدير فالسند صحيح.

و أمّا الثاني: فتدلّ عليه صحيحة الفضلاء، عن أبي جعفر عليه السّلام قال:

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 2 من أبواب أحكام الحجر، الحديث 5.

(2) رجال النجاشي: 1/ 261، برقم 258.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 210

«المرأة التي قد ملكت نفسها غير السفيهة و لا المولّى عليها تزويجها بغير وليّ جائز». «1»

بقي هنا أمران:
1- لو بادر إلى التزويج قبل الإذن من الوليّ.

فقال المحقّق في الشرائع: صحّ العقد و إن أثم و تبعه العلّامة في القواعد لأصالة الصحّة مع عدم كون التزويج من التصرفات المالية ....

و لكن الحقّ بالنظر إلى الصحيحتين عدم الصحّة إلّا إذا أذن الوليّ، لما عرفت من بقاء الولاية غاية الأمر يكون فضولياً موقوفاً على إذن الوليّ و ليس له الإذن إلّا فيما إذا لم يعدّ تبذيراً للمال، فلو تزوّج

بمن يحيط مهر مثلها بماله أو نصفه مع وجود من ليس كذلك لم يصح و إن أذن له الوليّ.

و لو وطأ و الحال هذه وجب لها مهر المثل مع جهلها بالتحريم و إن استغرق ماله لكونه كوطء الشبهة إذا كانا جاهلين أو كانت الزوجة جاهلة بالأمر و إلّا فلا.

2- إذا أراد التزويج بإذن الوليّ، فهل يجب عليه تعيين الزوجة و مهرها أو يكفي الإطلاق؟

الظاهر هو الأوّل لأنّ الغاية من استمرار الولاية منعه من الوقوع في التبذير في المال و إطلاق الإذن مع عدم التعيين مظنّة صدور التزويج من المبذر، بالمهر غير المناسب لحاله، الملازم للإتلاف.

و تصوّر أنّ المبذر مكلّف عاقل يحرم عليه تبذير ماله فينصرف الإذن إلى ما فيه المصلحة مدفوع بأنّ خفّة عقله و طيشه في الأُمور، دعى الشارع إلى حفظ الولاية عليه، و ليس المقصود من الجعل إلّا تحقيق ولايته في الخارج و تجسيدها و هو فرع تعيين الزوجة و مهرها.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 211

6- في توكيل المرأة شخصاً في تزويجها

إذا وكلت المرأة، المالكة لنفسها، شخصاً في تزويجها فله صور:

1- أن يعيّن الزوج.

2- أن تُطلِقَ.

3- أن تعمّم بالنسبة إلى كلّ أحد.

4- أن تعيّن الوكيل بعد التعميم.

أمّا الأوّل: فلا يجوز له التجاوز عن حدّ الوكالة فيبطل إذا زوّجها بغير من عيّنت، من غير فرق بين تزويجها بنفسه أو بغير من عُيِّنَ إذا كان خارجاً عن حدود الوكالة.

و أمّا الثاني: فلا يجوز تزويجها من نفسه لانصرافه إلى غير المخاطب فلا تعمّه الوكالة.

و أمّا الثالث: كما إذا قالت: زوّجني بمن شئت.

و الرابع: كما إذا قالت بعد التعميم و لو لنفسك، فتصحّ إذا زوّجها بنفسه، و لزوم وحدة الموجب و القابل مدفوع بكفاية التغاير الاعتباري أوّلًا، و لزومه ثانياً في تزويج الوليّ الصغيرة فانّ لكلّ من الأب و الجدّ أن يتولّيا طرفي العقد.

و ما رواه الحلبي «1» في المقام راجع إلى الصورة الأُولى لأنّه صريح في أنّها عيّنت الزوج بشهادة قولها: زوّجني فلاناً، لكن الوكيل خدعها و طلب منها أن تشهد له على الوكالة المطلقة ليتوسل بذلك إلى إدخال نفسه

و لما وقفت المرأة على الخدعة قالت: لا و لا كرامة و ما أمري إلّا بيدي و ما ولّيتك أمري إلّا حياء من الكلام قال: تنزع منه و يوجع رأسه.

نعم ربّما يستظهر من رواية عمّار بطلان توكيل المرأة رجلًا يزوّجها بنفسه

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 212

قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن امرأة تكون في أهل بيت فتكره أن يعلم بها أهل بيتها أ يحلّ لها أن توكل رجلًا يريد أن يتزوّجها؟ تقول له: قد وكلتك فاشهد على تزويجي؟ قال: «لا» قلت له: جعلت فداك و إن كانت أيّماً؟ قال: «و إن كانت أيّماً» قلت: فإن وكلت غيره فيزوّجها منه؟ قال: «نعم». «1»

و أورد عليه الشهيد في المسالك بضعف السند، و هو مبني على اعتبار الإيمان بالمعنى الأخص في قبول الرواية و قد اشتمل السند على فطحيين: 1 أحمد ابن الحسن و المراد منه أحمد بن الحسن بن فضال و هو فطحي. 2 عمّار الساباطي، و كلاهما ثقتان و الأولى أن يقال: إنّها أجنبية عن المسألة فإنّها واردة في نفي صلاحية الزوج للشهادة المعتبرة واجباً أو استحباباً في النكاح كما هو ظاهر قوله: «قد وكلتك فاشهد على تزويجي، قال: لا» فالنفي ليس لأجل اتّحاد الوكيل و الزوج بل لأجل عدم صلاحية الزوج لكونه شاهداً.

و أمّا قوله: «فإن وكلت غيره بتزويجها فيزوّجها منه، قال: نعم» فراجع إلى مسألة كفاية شهادة الوكيل في إجراء العقد دون الزوج و هو أحد الأقوال في الشهادة لدى النكاح.

7- في تزويج الوليّ بدون مهر المثل

لو زوّجها الوليّ بدون مهر المثل أو زوج الصغير بأزيد منه فهناك أقوال ثلاثة:

الأوّل: صحّ العقد و

المهر أخذاً بإطلاقات أدلّة الولاية.

الثاني: صحّ العقد و بطل المهر و يرجع فيه إلى مهر المثل.

الثالث: بطل العقد و المهر معاً.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 213

و المراد من البطلان عدم النفوذ بمعنى توقفه على إجازتها بعد البلوغ.

و اختار الشيخ في الخلاف القول الأوّل و قال: «إذا زوّج الأب أو الجدّ من له إجبارها على النكاح من الصغيرة أو البكر الكبيرة بمهر دون مهر المثل ثبت المسمّى و لا يجب مهر المثل و به قال أبو حنيفة، و قال الشافعي: يبطل المسمّى و يجب مهر المثل، قال: دليلنا أنّ المسمّى لا خلاف أنّه واجب عليه، و من أوجب مهر المثل فعليه الدلالة، و أيضاً قوله تعالى: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ). «1» و لم يفصّل بين أن يكون المفروض مهر المثل أو دونه أو فوقه فوجب حمله على عمومه. «2»

و الدليل الأوّل مبني على صحّة العقد و إنّما الشكّ في وجوب الأكثر من المسمّى، و المراد من العلم في قوله «لا خلاف انّه واجب عليه» هو العلم بوجوب ذات المسمّى لا بوصف كونه مسمّى، فإذا كان مهر المثل أزيد يقع الزائد، مجرى للبراءة.

و أمّا الدليل الثاني فموهون فإنّ الآية بصدد بيان أنّه إذا صحّ فرض المسمّى، فالطلاق قبل المس منصِّف و أمّا أنّه إذا شكّ في صحّته فالطلاق أيضاً منصِّف فليست في مقام بيانه.

و الحاصل أنّ مورد الآية، هو الطلاق الوارد على المسمى الصحيح، لا الطلاق الوارد على المسمّى المشكوكة صحّته كما في المقام.

و يظهر من المحقّق، اختيار القول الثاني، قال: الجارية

الحرّة المتوفّى عليها إذا زوّجها الوليّ بدون مهر المثل هل لها أن تعترض؟ فيه تردّد و الأظهر أنّ لها الاعتراض.

______________________________

(1) البقرة: 237.

(2) الخلاف: كتاب الصداق، المسألة 37.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 214

ثمّ إنّ الكلام مركّز فيما إذا زوّجها بالكف ء بدون مهر المثل و أمّا لو زوّجها بغيره فهو خارج عن محلّ البحث. و مع ذلك فمختار المحقّق ضعيف لأنّ المنشأ أمر واحد لا يتبعّض إلّا بالدليل فتصحيح العقد و الرجوع إلى مهر المثل شي ء غير منشأ، و إلزام الزوج به ضرر و حرج، خصوصاً إذا كان جاهلًا.

و عدم فساد النكاح بفساد المهر فيما إذا كان المهر مثل الخمر و الخنزير لا يصير دليلًا على التبعيض في المقام لأنّ الفساد هناك لأجل عدم كونه ممّا يملك بخلاف المقام فانّ البطلان على القول به مستند إلى رفض أحد المتعاقدين ما عيّن للمهر.

و الحاصل أنّ التفريق بين العقد و المهر مع كون المنشأ أمراً واحداً، يحتاج إلى دليل خاص.

و أمّا القول الثالث أي بطلان العقد و المهر، فإنّما يتمّ إذا لم يكن التزويج مقروناً بالمصلحة أو كان مقروناً بالمفسدة و أمّا إذا كان مقروناً بالصلاح بحيث يفوت لو ترك التزويج فلا وجه للبطلان، لأنّ اعمال الولاية تتوقّف عليه و المفروض كونه كذلك أي ذا صلاح.

نعم احتمل السيد الطباطبائي في العروة الوثقى «1»، البطلان و لو مع الإجازة بناء على اعتبار وجود المجيز في حال العقد، و لكن المبنى ضعيف، لأنّ الإجازة توجب انتساب العقد الصادر من الغير إلى المجيز من حينها فيكون العقد منتسباً إلى المجيز حين الإجازة و أمّا قبل الإجازة، فالعقد أشبه بالمقاولة بلا إمضاء و لا عقد و عدم وجود المجيز

حين العقد باعتبار كون المعقود صبيّاً، لا يضر.

فاتّضح أنّ الحقّ هو القول الأوّل بشرط مقارنة التزويج مع المصلحة للصغيرة.

______________________________

(1) العروة الوثقى: كتاب النكاح، فصل في أولياء العقد، المسألة 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 215

و اعلم عبارة المرأة معتبرة مع البلوغ و العقل في العقد سواء كانت في تزويج نفسها أو تزويج غيرها، سواء قلنا بثبوت الولاية على البكر البالغة الرشيدة للأب و الجدّ أو لا، لأنّ ثبوت الولاية لا يلازم كون عبارتها مسلوبة، و قد مرّ اعتبار عبارة الصبي غير البالغ فكيف بالبالغة و قد نقل الخلاف عن الشافعي و هو كما ترى.

8- حكم النكاح الفضولي

المشهور بين الأصحاب صحّة عقد النكاح فضولًا كما في غيره من العقود و لزومه موقوف على الإجازة، و عن المرتضى ادّعاء الإجماع على صحّته و وافقه ابن إدريس و قال الشيخ في الخلاف، بعدم صحّته و وافقه فخر المحقّقين في النكاح و البيع و إليك نصّ الشيخ في الخلاف:

النكاح لا يقف على الإجازة، مثل أن يزوّج رجل امرأة من غير إذن وليّها لرجل و لم يأذن له في ذلك لم يقف العقد على إجازة الزوج، و كذلك لو زوّج الرجل بنت غيره و هي بالغة فقبل الزوج لم يقف العقد على إجازة الوليّ و لا إجازتها، و كذلك لو زوّج الرجل بنته الثيّب الكبيرة الرشيدة أو أُخته الكبيرة الرشيدة لم يقف على إجازتها، و كذلك لو تزوّج العبد بغير إذن سيّده بالأمة بغير إذن سيّدها كلّ ذلك باطل لا يقف على إجازة أحد، و كذلك لو اشترى لغيره بغير أمره لم يقف على إجازته و كان باطلًا و به قال الشافعي و أحمد و إسحاق، و قال مالك:

إن أجازه عن قرب صحّ و إن أجازه عن بعد بطل، و قال أبو حنيفة: يقف جميع ذلك على إجازة الزوج و الزوجة و الوليّ و كذلك البيع إلى آخر ما نقل من الأقوال. «1»

ثمّ استدل الشيخ على البطلان بروايات أربع من طرقهم و رواية خامسة من طرقنا. فإليك ما روي من طرقهم:

______________________________

(1) الخلاف: كتاب النكاح، المسألة 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 216

1- روت عائشة، أنّ النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليّها فنكاحها باطل» «1» و في دلالتها بعد سلامة سندها نظر، لأنّها ناظرة إذا لم يكن هناك أيُّ إذن لا قبل النكاح و لا بعد النكاح و هو خلاف المفروض.

2- روى أبو موسى الأشعري قال: قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا نكاح إلّا بوليّ». 2 يرد عليه مثل ما ورد على السابق فانّ المتيقّن منه عدم إذن الوليّ لا سابقاً و لا لاحقاً، و لا يعمّ ما إذا لحقه الإذن.

3- روى جابر، عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مواليه فهو عاهر». 3 و الدلالة غير تامة لأنّها ناظرة إذا دخل بها بلا إذن و لا صلة لها بالمقام، لأنّ الكلام في صحّة العقد بما هو هو إذا لم يسبقه الإذن بل لحقه، و أين هو من مورد الرواية من مسّها بلا إذن من وليّها مطلقاً.

4- روى بن عمر عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «أيّما عبد نكح بغير إذن مواليه فنكاحه باطل». 4 و يرد عليه ما يرد على ما قبله.

و

بذلك يظهر الجواب عن الاستدلال برواية أبي العبّاس البقباق قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل تزوّج الأَمة بغير إذن أهلها؟ قال: «هو زنا إنّ اللّه تعالى يقول: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ)». 5

و الحاصل أنّ الروايات ناظرة فيما لم يكن هناك إذن و لا إجازة أي بإلغاء إذن الوليّ مطلقاً، لا ما إذا لحقه إذن الوليّ.

و بذلك يظهر الجواب عن دليل آخر للشيخ في الخلاف قال: إنّ العقود الشرعية تحتاج إلى أدلّة شرعية و لا دليل على أنّ هذه العقود واقفة على الإجازة

______________________________

(1) 1- 4 السنن الكبرى: 7/ 111107105 باب لا نكاح إلّا بوليّ،.

(2) 5 الخلاف: ج 2، كتاب النكاح، المسألة 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 217

فوجب القضاء بفسادها.

توضيح الجواب: أنّ قوله سبحانه: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) يخاطب أصحاب العقود بالوفاء بعقودهم، و كأنّ الألف و اللام عوض عن الضمير المضاف إليه و يقول سبحانه: أوفوا بعقودكم، فالعقد، الواجب الوفاء، عبارة عن العقد المستَند لصاحبه، فإذا استند إليه يتمّ الموضوع.

و العقد الفضولي و إن كان عقداً لكنّه فاقد الاستناد إلى صاحبه، فإذا لحقته الإجارة و تلقاه صاحبه بالقبول يصير العقد عقداً مستنداً. و العقد الفاقد للإذن، كالمحضر المحرّر بلا إمضاء فإذا أُمضي و ختم يكون المحضر لصاحب الإمضاء لا للكاتب و لا للمحرّر.

و بذلك يظهر أنّ العقد الفضولي ليس من مصاديق العمومات و الإطلاقات قبل لحوق الإذن بل هي أشبه بإيجاد بعض أجزاء المأمور به دون بعض.

و ما قاله الشيخ الأنصاري في متاجره من كون العقد الفضولي عقداً حقيقيّاً و مصداقاً للعمومات و الإطلاقات لكن ينقصه شرط العقد أو جزء منه ليس بتام ضرورة أنّ العرف لا يعدّه عقداً، و لا بيعاً

وارداً تحت العموم قبل لحوق الإذن فإذا لحقه، حصل الاستناد، و شملته العمومات و الإطلاقات.

و على ذلك يكون عقد الفضولي بعد لحوق الإجازة عقداً قانونياً مشمولًا لقوله سبحانه: (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فلا يحتاج إلى دليل آخر، غير العمومات و الإطلاقات.

نعم لا يصحّ عدّ كل عقد فضولي صدر من أيّ شخص، مصداقاً للعام بل لا بدّ أن تكون بين العاقد و المعقود له، صلة و رابطة نسبية أو سببية أو ملابسة من الملابسات المصحِّحة عرفاً للقيام بهذه الأُمور و إلّا فلو كان العاقد أجنبياً محضاً، و عقد لأجنبي فشموله للعمومات و الإطلاقات حتّى بعد الإذن بعيد و لأجل ذلك

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 218

ترى في الروايات الواردة في النكاح الفضولي أنّ العاقد ليس شخصاً أجنبياً محضاً.

هذا كلّه حسب القواعد.

و أمّا الروايات الخاصة، فقد وردت في خصوص النكاح الفضولي روايات نذكر منها ما يلي:

1- صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سأله عن رجل زوّجته أُمّة و هو غائب؟ قال: «النكاح جائز إن شاء المتزوّج قبل و إن شاء ترك، فإن ترك المتزوّج تزويجه فالمهر لازم لأُمه». «1»

و الرواية معتبرة، و كون المهر لازماً لأُمّه مخالف للقاعدة و لا بدّ من حملها على ادّعاء الأُمّ الوكالة و لم تكن وكيلة، و إن كان هذا التوجيه قاصراً أيضاً.

2- صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته، عن مملوك تزوّج بغير إذن سيّده؟ فقال: «ذاك إلى سيّده، إن شاء أجاز، و إن شاء فرّق بينهما» قلت: أصلحك اللّه، إنّ الحكم بن عيينة «2» و إبراهيم النخعي «3» و أصحابهما يقولون: إنّ أصل النكاح فاسد، و لا تحلّ إجازة السيّد له؟ فقال

أبو جعفر عليه السّلام: «إنّه لم يعص اللّه، و إنّما عصى سيّده، فإذا أجازه فهو له جائز». «4»

و أمّا التفكيك بين عصيان اللّه و عصيان السيّد، مع أنّ عصيان الثاني يلازم عصيان الأوّل فيظهر وجهه ممّا جاء في رواية ثانية لزرارة في نفس المسألة حيث قال للإمام: فإنّ أصل النكاح كان عاصياً، فقال أبو جعفر عليه السّلام: «إنّما أتى شيئاً

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(2) الصحيح حكم بن عتيبة (11350 ه) و كان زيدياً بتريّاً ذكره الشيخ في أصحاب السجّاد و الباقر و الصادق عليهم السلام، لاحظ سير أعلام النبلاء: 5/ 208 برقم 83، أعيان الشيعة: 6/ 209.

(3) الكوفي (9650 ه) ذكره الشيخ في أصحاب السجاد عليه السلام، لاحظ: سير أعلام النبلاء: 4/ 52 برقم 313، و أعيان الشيعة: 2/ 248.

(4) الوسائل: 14، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 21.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 219

حلالًا و ليس بعاص للّه إنّما عصى سيّده و لم يعص اللّه إنّ ذلك ليس كإتيان ما حرّم اللّه عليه من نكاح في عدّة و أشباهه». «1»

و الإمعان في الرواية يعرب عن أنّ العصيان المنفي، هو العصيان الذاتي بالنسبة إليه سبحانه، و أمّا العصيان الطارئ من جانب عصيان المولى فليس بمنفىّ عنه و لكنّه يرتفع بارتفاع عصيان المتبوع بالإجازة الطارئة.

و بهذا المضمون روايات في باب نكاح العبيد. «2»

و ربّما يستدل بصحيح أبي عبيدة الحذّاء، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما و هما غير مدركين؟ قال: فقال: «النكاح جائز، أيّهما أدرك كان له الخيار ...» و المراد من «وليّان» الوليّان العرفيان من

الأخ و العمّ، و القرينة عليه، ذيل الرواية. «قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام، و المهر على الأب للجارية». «3» و بذلك تستغني عن السؤال و الجواب اللذين ذكرهما الشهيد في المسالك بالنسبة إلى صدر الرواية و قال: «لا يقال الرواية متروكة الظاهر لتضمّنها أنّ عقد الوليّ يقع موقوفاً و أنتم لا تقولون به، فلا يصحّ الاستدلال بهما على موضع النزاع لسقوط اعتبارها بذلك، ثمّ أجاب بما لا حاجة إليه.

و الظاهر أنّه لم يلاحظ ذيل الرواية و إلّا لما أتعبَ نفسه، و مبنى السؤال زعم كون المراد من الوليّين هما الشرعيّان لكن الذيل شاهد على خلافه و لأجل ذلك عدَّ عقدهما فضولياً موقوفاً.

و على كلّ تقدير ففيما ذكرنا غنى و كفاية في تصحيح عقد النكاح الفضولي،

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 2.

(2) الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 31 و الباب 27، الحديث 1.

(3) الوسائل: 17، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 220

فالصحّة التنجيزية تتوقف على لحقوق الإذن ممّن يشترط إذنه من الأب و الجدّ في نكاح الصغير و الصغيرة و البنت الباكر الرشيدة على القول بالتشريك، و الزوجة و المولى في نكاح العبيد و الإماء.

9- إذن الباكر صماتها

قال المحقّق: «و يقنع من البكر بسكوتها عند عرضه عليها، و تكلّف الثيّب النطق» و هل المراد هو السكوت الكاشف عن الرضا قطعاً أو الكاشف عنه على وجه الاطمئنان أو مطلقاً، بشرط عدم ظهور أمارات الخلاف و عدم الرضا؟ وجوه:

و يدلّ على أصل الحكم صحيح

البزنطي، قال: قال لي أبو الحسن عليه السّلام: «في المرأة البكر، إذنها صماتها، و الثيّب أمرها إليها». «1»

و عن الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: و سئل عن رجل يريد أن يزوّج أُخته؟ قال: «يؤامرها، فإن سكتت فهو إقرارها و إن أبت لا يزوّجها». 2

و خبر داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل يريد أن يزوّج أُخته؟ قال: «يؤامرها فإن سكتت فهو إقرارها و إن أبت لم يزوّجها». 3 و الظاهر من قوله: «فإن سكتت» بحكم مقابلته لقوله: «و إن أبت لم يزوّجها» هو كفاية مطلق السكوت في مقابل الإباء فلا يشترط اقترانه بالقرينة المفيدة للعلم و الاطمئنان بالرضا، نعم هو منصرف عمّا علم أو استكشف من القرائن المفيدة للعلم و الاطمئنان عدم رضاها أو تعارضت القرائن، و لمّا كان حياء البكر يصدّها عن التصريح بالرضا بالتزويج، اكتفى الشارع بسكوتها ما لم يعلم أو يطمئن خلافه من غير فرق بين كون صماتها قبل العقد، أو بعده، بعد الوقوف عليه.

______________________________

(1) 1- 3 الوسائل: 14، الباب 5، 4، 3 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1، 4، 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 221

و ما ربّما يقال: إنّ موردها هو السكوت السابق على العقد فلا يعمّ اللاحق، مدفوع بأنّه إذا كان النكاح الفضولي على وفاق القاعدة، يكون السكوت اللاحق بمنزلة المقترن، أو السابق عليه.

و لأجل ذلك اكتفى بسكوت الوليّ عن الإذن الصريح إذا وقف على نكاح العبد، ففي صحيح معاوية بن وهب، قال: جاء رجل إلى أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: إنّي كنت مملوكاً لقوم و إنّي تزوّجت امرأة حرّة بغير إذن مواليّ ثمّ أعتقوني بعد

ذلك فأُجدّد نكاحي إيّاها حين أُعتقت؟ فقال له: «أ كانوا علموا أنّك تزوّجت امرأة و أنت مملوك لهم؟» فقال: نعم و سكتوا عنّي و لم يغيروا عليّ، قال: فقال: «سكوتهم عنك بعد علمهم إقرار منهم، أثبت على نكاحك الأوّل». «1» هذا كلّه في البكر.

و أمّا الثيّب، فقد عرفت المراد منها، فقيل: تكلّف بالنطق، فهل هو على إطلاقه و لو علم الرضا، أو دلّت القرائن عليه، أو هو وارد في غير ذينك الموردين فيكتفى في البكر بالسكوت إلّا إذا علم عدم رضاها أو دلّت القرائن عليه و تلزم الثيّب بالنطق، إلّا إذا علم الرضا أو دلّت القرائن عليه فالتقابل بين البكر و الثيّب في غير هاتين الصورتين:

ثمّ إنّه ربّما يحتمل لزوم اللفظ في الإجازة لقوله عليه السّلام إنّما يحلّل الكلام و يحرّم الكلام، و لأنّه الحاسم لمادّة النزاع، لكن ما عرفت من صحيح ابن وهب و ما ورد في مورد البكر، أقوى دليل على عدم لزومه، نعم البيع و النكاح من الأُمور الاعتبارية التي يتوقّف تحقّقها في عالم الاعتبار على الإنشاء و الإيجاد في عالم الاعتبار و المفروض وجود الإنشاء فيها.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 26 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 222

10- في مسقطات الولاية

مسقطات الولاية عندهم أربعة: و هي الكفر و عدم الرشد، و الإحرام، و الرقّية.

أمّا الأوّل: فللمسألة صورتان:

الأُولى: فيما إذا كان المولّى عليه محكوماً بالإسلام أو مسلماً حقيقة و الوليّ كافراً.

الثانية: فيما إذا كان المولّى عليه محكوماً بالكفر مثل الولي.

أمّا الصورة الأُولى: فلا خلاف عندهم في سقوط ولاية الأب فإذا أسلم الجدّ أو الأُم أو وصف الصبي الإسلام قبل البلوغ و كان الوالدان كافرين تسقط

ولاية الأب لأنّ الولد يتبع أشرف العمودين فتكون الولاية للحاكم الذي هو وليّ من لا وليّ له.

و مثله البالغ إذا أسلم ثمّ جنّ و قلنا بثبوت ولاية الأب عليه إذا كان مسلماً و لكن تسقط ولايته بالكفر. أو البكر الرشيدة إذا أسلمت بناء على الولاية على البكر، ففي هذه الموارد لو كان أحد العمودين مسلماً فهو، و إلّا فالولاية للحاكم.

و استدل له بعد الإجماع بقوله سبحانه: (وَ لَنْ يَجْعَلَ اللّٰهُ لِلْكٰافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا). «1» و النكرة في سياق النفي يعمّ كل السبل، و بقوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «الإسلام يعلو و لا يعلى عليه». «2» و هو مرسل و في الدلالة ما لا يخفى فإنّ الولاية إذا كانت لصالح الولد، لا تعدّ علواً على المسلم، خصوصاً إذا كانت مقرونة بالشفقة و المحبّة، و لا يقاس بإرث الكافر من المسلم فإنّه لصالح الوارث دون الميّت نظير

______________________________

(1) النساء: 141.

(2) الوسائل: 17، الباب 1 من أبواب موانع الإرث، الحديث 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 223

ما كان أحد الوكيلين كافراً و الآخر مسلماً، فلا تعدّ الوكالة ولاية للكافر، و على القول بالسقوط فلو لم يكن هناك وليّ قربي مسلم، كانت الولاية للحاكم الذي هو وليّ من لا وليّ له.

أمّا الصورة الثانية: أعني ما إذا كان المولّى عليه محكوماً بالكفر مثل الوالي، فهل له الولاية عليه مع كونه محكوماً بالكفر لأجل التبعية؟ الظاهر نعم، لقوله سبحانه: (وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيٰاءُ بَعْضٍ). «1» مضافاً إلى السيرة المألوفة بين المسلمين حتى في الأدوار التي كانت لهم قوّة و شوكة، على الكافرين.

أمّا الثاني: إذا كان الولي مجنوناً أو سفيهاً أو سكراناً، فعدم ولايتهم

لأجل عجزهم عن إدارة ما يتعلّق بأُمور المولّى عليه نعم لو زال الجنون و الإغماء و السكر عادت الولاية لوجود المقتضي و ارتفاع المانع، أمّا المقتضي، أعني: الأُبوة و الجدودة، فظاهر، و أمّا ارتفاع المانع فلأنّه يؤثّر ما دام موجوداً، و أمّا الوصي فعود ولايته يتوقّف على سعة جعل الوصاية فلو أوصاه على وجه الإطلاق و أوصى بالنكاح كذلك فيكون وصياً و وليّاً، و أمّا إذا كان قاصراً فلا يعود لكون ولايته تابعة للجعل و هذا بخلاف أدلّة ولاية الجدّ و الأب فإنّ إطلاقها أمر لا ينكر.

و أمّا الثالث أي الاحرام: فسقوط ولايته بمعنى أنّه يحرم عليه العقد إيجاباً و قبولًا و يبطل عقده لصحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوِّج فإن تزوّج أو زوّج محلّا فتزويجه باطل». «2»

و أمّا الرابع: فلا ولاية له على ولده حرّاً كان الولد أم مملوكاً لمولى الأب أو لغيره، و يدلّ عليه قوله سبحانه: (ضَرَبَ اللّٰهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لٰا يَقْدِرُ عَلىٰ

______________________________

(1) الأنفال: 73.

(2) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 224

شَيْ ءٍ) «1» أضف إلى ذلك أنّه لا يستطيع تزويج نفسه بغير وليّ فكيف يكون وليّاً في التزويج لغيره؟! هذا كلّه إذا لم يأذن له مولاه و إلّا فانّه يصحّ مع إذنه كما لا يخفى.

11- إذا اختار كلّ من الوليين زوجاً

اشارة

«2» لو زوّج الأب الصغيرة برجل، و الجدّ برجل آخر صحّ عقد المتقدّم و بطل عقد المتأخّر لاستقلال كلّ واحد بالولاية.

و يدلّ عليه صحيح هشام بن سالم «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأوّل، فإن كانا جميعاً في حال واحد

فالجدّ أولى». «3» و المراد من الأوّل هو السابق في العقد.

و موثق عبيد بن زرارة: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الجارية يريد أبوها أن يزوّجها من رجل و يريد جدّها أن يزوّجها من رجل آخر؟ فقال: «الجدّ أولى بذلك ما لم يكن مضارّاً، إن لم يكن الأب زوّجها قبله، و يجوز عليها تزويج الأب و الجدّ». 4 إلى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا المجال.

و لو تشاحَّ الأب و الجدّ قدّم اختيار الجدّ، و يدلّ عليه مضافاً إلى ما تقدّم من موثق عبيد بن زرارة صحيح محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام. «إذا زوّج الرجل ابنة ابنه فهو جائز على ابنه، و لابنه أيضاً أن يزوّجها»، فقلت: فإن هوى أبوها رجلًا و جدّها رجلًا آخر؟ قال: «الجدّ أولى بنكاحها». 5 إلى غير ذلك من الروايات، و هذا ممّا لا إشكال فيه، و لا ينافيه خبر فضل بن عبد الملك البقباق: «أنّ

______________________________

(1) النحل: 75.

(2) كان المناسب البحث عن هذا الفرع و ما بعده من الفروع بعد الفراغ من ولاية الأب و الجدّ، و قبل البحث عن ولاية الحاكم و الوصي و لكنّا اقتفينا أثر المحقّق لتسهيل الأمر على حضار البحث.

(3) 3- 5 الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3، 2، 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 225

الجدّ إذا زوّج ابنة ابنه و كان أبوها حيّاً و كان الجدّ مرضياً جاز»، قلنا: فإن هوى أبو الجارية هوى، و هوى الجدّ هوى، و هما سواء في العدل و الرضا؟ قال: «أحبُّ إليَّ أن ترضى بقول الجدّ». «1» فإنّ تكليف المزوّجة بالرضا لفعل الجدّ، دليل على أنّه وارد

في الكبيرة دون الصغيرة.

فلو كانا متشاحين و لكن سبق الأب بالتزويج على الجدّ، فهل يصحّ العقد و إن خالف الحكم التكليفي وجوباً أو استحباباً أو يبطل من أصل؟ لكن الظاهر الصحّة لأنّه فعل صدر من أهله و وقع في محلّه، و يدلّ عليه إطلاق صحيحة هشام ابن الحكم أعني قوله: «إذا زوّج الأب و الجدّ كان التزويج للأوّل» و إطلاق مفهوم صحيح عبيد بن زرارة حيث قال: «إن لم يكن زوجها قبله» فهو شامل لهذه الصور.

و ربّما يستظهر البطلان من قوله: «الجدّ أولى بنكاحها» بحجّة أنّ معناه، أنّ له الولاية دون الأب لكنّه غير تامّ، لأنّ استعمال صيغة التفضيل فيما إذا كان المفضّل واجداً للمبدأ دون المفضّل عليه، صحيح لكنه «2» غير ذائع، و الشائع ما إذا كان الطرفان واجدين له و على ذلك فمعنى قوله: «الجدّ أولى بنكاحها» أنّ لهما الولاية، و لكن للجدّ أولوية على الأب.

و بذلك يظهر عدم تمامية الاستدلال على البطلان بما في صحيح هشام فيما إذا تقارنا حيث قال: «فإن كانا جميعاً في حال واحدة فالجدّ أولى» «3» و ذلك لعدم دلالة البطلان على سلب الولاية عن الأب، و أمّا الحكم بالبطلان، فلعدم إمكان

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) و منه قوله سبحانه: (قل أ ذلك خيرٌ أم جنة الخلد التي وعد المتّقون) (الفرقان/ 15) و قوله سبحانه: (ربّ السجن أحبّ إليّ ممّا يدعوننى إليه) (يوسف/ 33) و ليس الزنا محبوبا للمعصوم مثل يوسف. و للمحقق الكراجكي، تحقيق في الموضوع، لاحظ كنز الفوائد: 209 الطبعة الأولى.

(3) الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

226

الحكم بصحّة كليهما، و تقديم صحّة عقد الأب تقديم للمفضول على الفاضل فتعيّن صحّة عقد الجدّ.

و الأشبه بالقواعد عند سبق عقد الأب (كون الولاية لهما و أنّ المخالفة مخالفة حكم تكليفي لا وضعي) صحّة عقد الأب، و يمكن استظهار الصحّة من خبر أبي العباس البقباق «إذا زوّج الرجل فأبى ذلك والده فانّ تزويج الأب جائز و إن كره الجدّ، ليس هذا مثل الذي يفعله الجدّ ثمّ يريد الأب أن يردّه». «1» فانّ المقام داخل في قوله عليه السّلام: «و إن كره الجدّ» و أمّا الذيل فالظاهر أنّ المراد منه أنّه لو قام الجدّ بالعقد و أراد الأب التزويج بالغير فليس للأب إبطاله و ليس المقام من هذا القبيل إذ لم يصدر من الجدّ شي ء و إنّما العقد صدر من الأب.

إذا عقد الأب و الجدّ معاً

إذا عقد الأب و الجدّ معاً، مع التشاح و عدمه ثبت عقد الجدّ دون الأب لصحيح هشام بن سالم و موثّق عبيد بن زرارة الماضيين.

و هل الأحكام مختصة بالجدّ الأدنى مع الأب، أو يعمّ للجدّ و إن علا مع الأب؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ الوارد في لسان الدليل هو الجدّ و الأب و هو يصدق على الأعلى مع الأب نعم لا يصدق ذلك العنوان إذا فقد الأب، و بقى الجدّان الأوّل و الثاني، فلا يصدق عليه الأب و الجدّ بالنسبة إلى البنت و إن كان صادقاً بالنسبة إلى أنفسهما.

و لكن الظاهر من رواية عبيد بن زرارة 2 الحاكية لقول رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «أنت و مالك لأبيك» و مثله خبر علي بن جعفر 3 هو العموم و أنّه يعامل مع الجدّين

______________________________

(1) 1- 3 الوسائل: 14، الباب 11 من

أبواب عقد النكاح، الحديث 6 و 2 و 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 227

معاملة الجدّ و الأب، فلاحظ.

12- تزويج الصغيرة بالمجنون و الخصي

قال الشيخ في الخلاف: «للأب أن يزوّج بنته الصغيرة بعبد أو مجنون أو مجذوم أو أبرص أو خصي، و قال الشافعي: ليس له ذلك دليلنا أنّ الكفاءة ليس من شرطها الحرّية و لا غير ذلك من الأوصاف، فعلى هذا يسقط الخلاف». «1»

و قال المحقّق: «إذا زوّجها الوليّ بالمجنون أو الخصيّ، صحّ و لها الخيار بعد البلوغ و كذا لو زوّج بمن بها أحد العيوب الموجبة للفسخ».

أمّا الصحّة فلأنّ كلّ واحد من المجنون و الخصي كفوء، و العيوب المذكورة لا تنافي الكفاءة، و أمّا ثبوت الخيار فلمكان العيب الموجب له لو كان هو المباشر للعقد جاهلًا، و فعل الوليّ له حال صغره بمنزلة الجهل و هناك وجه آخر و هو التفصيل بين علم الوليّ بالعيب فيبطل كما لو اشترى له المعيب مع علمه بالمعيب، أو الجهل فيصحّ و يثبت له الخيار للوليّ.

و لا يخفى، أنّ الكفاوة ليست من الحقائق الشرعية بل هي مفهوم عرفي و هي غير صادقة في المقام مع وجود العيوب المنفِّرة، أضف إليه أنّ إعمال الولاية و إن لم تكن مشروطة بالمصلحة و الغبطة إلّا أنّها مشروطة بالخلو عن المفسدة و الإقدام بالضرر، و لا شكّ أنّ التزويج المزبور حرجي فليس له الولاية في تلك المورد فالعقد باطل بمعنى أنّه فضولي موقوف على رضاها بعد البلوغ، و ما في المسالك من تخصيص المفسدة بالمفسدة المالية غير تام بل هي أعمّ منها، و الحكم المزبور من الشيخ على الصحّة بلا خيار، أمر عجيب و إن كان مع الخيار كما عن المحقّق

______________________________

(1)

الخلاف: كتاب النكاح، المسألة 49.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 228

أهون منه.

13- في تزويج غير الوليّ الصغيرين

اشارة

إذا زوّج الوليّ الصغيرين مراعياً كلّ ما يعتبر في جواز ذلك لهما يترتّب عليه أمران:

1- لزوم العقد و عدم ثبوت الخيار للمولّى عليه بعد البلوغ إجماعاً في الصبية و على المشهور في الصبي، فقد تقدّم الكلام فيه و لا نعيد.

2- الوراثة إذا مات أحدهما بل يرثه حتى على القول بالخيار لعدم منافاته لتحقّق موجب الإرث الذي هو الزوجية.

و أمّا لو كان المزوّج لهما غير الأبوين فله صور:

الأُولى: إذا مات أحد الزوجين قبل البلوغ بطل العقد و سقط المهر و الإرث بانتفاء المعقود عليه قبل لحوق الرضا أو الردّ.

الثانية: إذا بلغ أحدهما و رضى بالعقد لزم العقد من جهته و لكنّه مات و الحال هذه عزل من تركته نصيب الآخر و إذا بلغ و أجاز، حلف أنّه لم يُجز لطمع الميراث و الرغبة فيه، فإن حلف ورث.

الثالثة: الصورة السابقة لكن مات الذي لم يجز، بطل العقد و لا ميراث.

و المسألة في تزويج غير الولي مبني على صحّة عقد الفضولي في النكاح، و إن لم يجز الوليّ أو لم يوجد، و إلّا يبطل العقد.

و الأصل في هذه الأحكام الثلاثة صحيحة أبي عبيدة الحذّاء قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن غلام و جارية زوّجهما وليّان لهما، و هما غير مدركين؟ قال: فقال: «النكاح جائز، أيُّهما أدرك كان له الخيار فإن ماتا قبل أن يدركا فلا ميراث بينهما و لا مهر إلّا أن يكونا قد أدركا و رضيا» قلت: فإن أدرك أحدهما قبل الآخر؟

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 229

قال: «يجوز ذلك عليه إن هو رضي»، قلت: فإن كان الرجل

الذي أدرك قبل الجارية و رضي بالنكاح ثمّ مات قبل أن تدرك الجارية أ ترثه؟ قال: «نعم يعزل ميراثها منه حتّى تدرك و تحلف باللّه ما دعاها إلى أخذ الميراث إلّا رضاها بالتزويج ثمّ يدفع إليها الميراث و نصف المهر».

قلت: فإن ماتت الجارية و لم تكن أدركت أ يرثها الزوج المدرِك؟ قال: «لا، لأنّ لها الخيار إذا أدركت». قلت: فإن كان أبوها هو الذي زوّجها قبل أن تدرك؟ قال: «يجوز عليها تزويج الأب و يجوز على الغلام و المهر على الأب للجارية». «1» و قد اعترض على الاستدلال بالرواية بأمرين:

1- أنّ صدور الرواية حاك من كون التزويج واقعاً بالوليّ و هو ماض على الولد فكيف قال: «و أيّهما أدرك كان له الخيار»؟

و قد مضى الجواب عنه بأنّ المراد من «وليّان» هو الوليّان العرفيان من أُمّ أو أخ أو عمّ و ذلك لما في ذيله: «فإن كان أبوها هو الذي زوّجها».

2- حكمه فيها بنصف المهر على تقدير موته مع أنّ الموت غير منصّف و إن كان قبل الدخول، و يحمل على ما إذا دفع نصف المهر عند العقد كما هو، المستفاد من تقديم شي ء قبل الدخول و أنّ الباقي هو النصف خاصة.

ما ذا يراد من اللزوم؟

قد تعرفت على أنّه لو بلغ أحدهما فرضي لزم العقد من جهته، فما هو المراد من اللزوم؟ فهل المراد عدم جواز فسخه له و عليه يحرم المصاهرة عليه فلا يجوز لو كان الراضي هو الزوج نكاح الأُخت و الخامسة إلّا إذا فسخت الزوجة و إن كانت

______________________________

(1) الوسائل: 17، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 230

الراضية في الزوجة لم يحلّ لها نكاح غيره مطلقاً

إلّا إذا فسخ.

أو المراد هو الصحّة التأهلية و أنّه لو لحقه الرضا من الطرف الآخر تمّ العقد؟ و أمّا عدم جواز فسخه فضلًا عن ترتّب سائر الأحكام فلا لأنّها مترتّبة على التزويج و هو بعدُ غير متحقّق، لما عرفت من أنّ العقد الفضولي ما لم يلحق به الرضا المعتبر في العقد لا يعدّ مصداقاً للعقد فكيف يجب عليه الوفاء و لأجل ذلك لو بيع ماله من غيره بلا إذنه لم يمتنع عليه الانتفاع به و لو بالإتلاف، و على ذلك فلو فسخ المدرك المجيز، قبل رضا الآخر بطل العقد و إن رضي الآخر بعد الإدراك، و الرضا اللاحق إنّما يكون كاشفاً إذا لم يتوسّط بين العقد و الإجازة ما يبطله فإذا توسّط، فيرتفع الموضوع موضوع الإجازة و لا تتصف بالنقل و لا بالكشف و أمّا العزل في خبر الحذّاء، فلأنّ المفروض أنّ الراضي قد مضى، فلا يحتمل تطرّق البطلان من جانبه و إنّما يرجى الرضا من الآخر فيفرز سهمها أخذاً بالاحتياط.

نعم إنّ للمدرك المجيز الفسخ، و أمّا الطلاق قبل إجازة الآخر، فلا لأنّه فرع تحقّق النكاح و «لا طلاق إلّا بعد نكاح» و تصوّر أنّ الطلاق مبنيّ على فرض صدور الإجازة الكاشفة عن النكاح غير صحيح، لأنّ معنى الكشف هو إنشاء الزوجية من زمان صدورها إلى زمان العقد لا كونها كاشفة عن زوجية محقّقة في الواقع حتّى يصحّ لأجلها الطلاق فلا يصحّ الطلاق حتّى على القول بكونها كاشفة.

فلو بلغ و رضي و مات قبل اليمين لم يرث لأنّ الإرث ترتّب على الرضا الواقعي بالعقد و لا يعلم ذلك شرعاً إلّا باليمين و لا يكفي إظهار الرضا، و كون العقد كاملًا أو ناقصاً لا صلة له

بالبحث لأنّه على فرض كماله، لا يكفي في التوارث إلّا كشف الرضا الواقعي و هو غير مكشوف إلّا باليمين.

3- و لو أجاز الزوج و نكل عن اليمين ففي لزوم المهر عليه وجه لأنّ الزوجية قد تمّت بالرضا و اليمين شرط للإرث فهو لا يرث لعدم اكتشاف الرضا الواقعي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 231

و لكن يدفع المهر لأنّ إقرار العقلاء نافذ في حقّهم.

14- استحباب استئذان البكر أباها أو كراهة استبدادها

اشتهر بين الفقهاء بأنّه يستحب للمرأة أن تستأذن أباها في العقد، بكراً كانت أو ثيّباً فهو في الأُولى مؤكّد، و علّل ببعض الأُمور من كونه أعرف بمصالح ابنته، و هو كما ترى لا يثبت الاستحباب المولوي، و الظاهر كراهة استبدادها بالتزويج «على القول بجواز استبدادها» للنهي المحمول على الكراهة أعني: «و ليس لها مع أبيها أمر ما لم تكبر (تثيب خ ل)» «1»

و من ذلك يعلم حال الأخ الأكبر، حيث قالوا: يستحبّ لها أن توكل أخاها إذا لم يكن لها أب و لا جدّ لما ورد أنّه من الذي بيده عقدة النكاح. «2»

و ما ورد مرسلًا «الأخ الأكبر بمنزلة الأب». 3 إلى غير ذلك ما لا يستفاد منه إلّا كراهة استبدادها بالأمر لا استحباب إيكالها الأمر إليه.

15- إذا زوّجها الأخوان برجلين

اشارة

قد عرفت أنّه لا ولاية للأُم و الأخ و العمّ على التزويج و لكن ربّما يصدر التزويج عنهم بالنسبة إلى البنت و الأُخت و بنت الأخ، فلأجل تبيين حكمه نذكر صور المسألة باسم الأخ و النتيجة عامة لغيره ممّن ليسوا بأولياء و نقول: زوّجها الأخوان برجلين فله صور:

أ- فإمّا أن يكونا وكيلين.

ب- أو يكونا أجنبيين.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4 و 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 232

ج- أو يكون أحدهما وكيلًا دون الآخر.

إمّا أن يسبق أحد العقدين على الآخر، أو يتقاربان، و على التقادير إمّا أن يتحقّق الدخول من أحد الزوجين أو لا، فتصير الصور اثنتا عشرة، نذكر المهمّ منها و تعلم حال غيره ممّا ذكرناه.

أ: إذا كان الأخوان وكيلين:

إذا كان كلّ من الأخوين وكيلًا فالعقد للسابق منهما، سواء لم يدخلا، أو دخل السابق بها و أمّا لو دخل اللاحق بها، فإن كانا جاهلين، أُلحق الولد بهما، لكون الوطء عن شبهة و ردّت إلى الأوّل، بعد خروجها عن العدّة و إن كان أحدهما جاهلًا دون الآخر أُلحق بالجاهل دون العالم و ردّت إلى السابق أيضاً بعد خروجها عن العدّة و إن كانا عالمين يكون الوطء عن زنا فعلى القول بلزوم الاستبراء من الزنا، ردّت بعد الاستبراء هذا فيما إذا سبق أحد العقدين على الآخر.

و أمّا إذا كانا متقاربين فمقتضى القاعدة بطلانهما أ كان هناك دخول أم لا، و هناك احتمالات أو أقوال أُخرى.

1- إذا سبق أحد العقدين على الآخر، فالعقد للأوّل، إلّا إذا دخل الثاني بها، قال الشيخ في المبسوط بعد الحكم بصحّة المتقدم و بطلان

المتأخّر: «و فيه خلاف فقد روي أنّه إن كان دخل بها الثاني كان العقد له ...». «1»

روى الكليني عن وليد بيّاع الاسقاط، قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام و أنا عنده عن جارية كان لها أخوان زوّجها الأكبر بالكوفة و زوّجها الأصغر بأرض أُخرى؟ قال: «الأوّل بها أولى إلّا أن يكون الآخر قد دخل بها فهي امرأته و نكاحه

______________________________

(1) المبسوط: 4/ 182.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 233

جائز». «1»

يلاحظ عليه أوّلًا: أنّ الرواية ضعيفة بوليد لأنّه لم يوثق.

و ثانياً: لا قرينة في الرواية على كونهما وكيلين، و الظاهر أنّ الأخوين كانا فضوليين و كون الأخ الأكبر أحق، حكم أخلاقي لا شرعي ما دام لم يدخل الثاني بها، فإنّ الدخول كاشف عن الرضا بالعقد الثاني و معه لا يبقى محلّ للأوّل.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 233

و حمله الشيخ في التهذيب على ما إذا جعلت المرأة أمرها إلى أخويها، و اتّفق العقدان في حالة واحدة فيكون عقد الأكبر أولى ما لم يدخل الذي عقد عليه الأصغر. «2»

يلاحظ عليه: أنّ كونهما وكيلين لا قرينة عليه، و أبعد منه فرض تقارن العقدين مع كون المفروض أنّ أحدهما عقد عليه بالكوفة و الأُخرى في أرض أُخرى.

2- إذا سبق أحد العقدين و لكن دخل بها الثاني، تستحق مهر المثل من الثاني و المسمّى من الأوّل و تردّ إليه بعد العدّة.

3- ربّما يستظهر من صحيحة محمّد بن قيس، كون المستحق مطلقاً من غير فرق بين الداخل و غيره هو المسمّى، قال: إنّ أمير المؤمنين عليه السّلام قضى

في امرأة أنكحها أخوها رجلًا ثمّ أنكحتها أُمّها بعد ذلك رجلًا و خالها أو أخ لها صغير فدخل بها فحبلت فاحتكما فيها فأقام الأوّل الشهود، فألحقها بالأوّل و جعل لها الصداقين جميعاً و منع زوجها الذي حقّت له أن يدخل بها حتّى تضع حملها ثمّ ألحق الولد بأبيه. «3»

لظهور «الصداقين» في المسمّيين. و يحمل على صورة تطابقه مهر المثل كما هو

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، الحديث 4.

(2) الوسائل: 14 و الباب 7، الحديث 4 و عليه عبارة الشيخ في النهاية فلاحظ.

(3) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 234

الغالب و استحقاقها الصداقين دليل على كونهما وكيلين من جانبها و إلّا فلا معنى للاستحقاق على فرض كون الأوّل فضولياً.

ب- إذا لم يكونا وكيلين:

إذا لم يكونا وكيلين أو كانا أجنبيين فتختار ما تشاء منهما سواء كان هناك سبق أو لا، فلا السبق مفيد، و لا التقارن مضرّ، اللّهمّ إلّا إذا دخل أحدهما بها، فانّ الدخول يكون إجازة فعليّة أو كاشفة عنها.

ج- إذا كان أحدهما وكيلًا و الآخر فضولياً:

إذا كان أحدهما وكيلًا و الآخر فضولياً، فالعقد للوكيل سبق، أو تقارن أو تأخّر، إلّا إذا سبق الفضولي و دخل بها بعد العقد له، فإنّ الدخول يكون رضاً و لا يبقى موضع للوكالة كما إذا وكّل رجلًا لبيع مال ثمّ باعه قبل بيع الوكيل.

16- لا ولاية للأُمّ

لا ولاية لغير الأب و الجدّ، فإذا زوّجه كان فضولياً سواء كان المزوَّج صغيراً أو كبيراً، ذكراً أو أُنثى، فلو رضى بعد العقد يلزمه المهر، و إن ردّ، كما إذا كان بالغاً حين العقد أو بلغ و ردّ فلا يلزمه شي ء. نعم أفتى الشيخ في النهاية بأنّه لو زوّجت الأُمّ ولدها لزمها المهر إن ردّ الولد قال: و متى عقدت الأُمّ بابن لها على امرأة كان مخيّراً إذا بلغ في قبول العقد و الامتناع منه فإن قبله لزمه المهر، فإن أبى لزمها المهر «1» و تبعه ابن البراج. «2»

و قال ابن إدريس: لا يلزمها شي ء بحال و قد استند الشيخ في فتواه إلى رواية

______________________________

(1) النهاية: 468.

(2) المهذّب: 2/ 196.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 235

محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه سأله عن رجل زوّجته أُمّه و هو غائب؟ قال: «النكاح جائز إن شاء المتزوّج قبل، و إن شاء ترك فإن ترك المتزوّج تزويجه، فالمهر لازم لأُمّه». «1»

إنّ ضمان الأُمّ المهر مع ردّ الولد، مخالف للقواعد و تصوّر أنّ الأُمّ فوّتت البضع على المعقودة غير تام لأنّ الضمان بالاستيفاء لا بالتفويت، و قد نقل صاحب الوسائل: إنّ بعض علمائنا حمل الرواية على مورد دعوى الأُمّ الوكالة فتبيّن كذبها، و على كلّ تقدير، الإفتاء بالرواية مشكل خصوصاً ضمان المهر كلّه مع أنّها غير مدخولة، أضف إلى

ذلك أنّ صحيحة أبي عبيدة «2» تدلّ على ضمان النصف.

بقي الكلام في أسباب التحريم و هي ستة:

اشارة

1- النسب، 2- الرضاع، 3- المصاهرة، 4- استيفاء العدد، 5- اللعان، 6- الكفر.

و يبحث عن الجميع ضمن فصول:

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب عقد النكاح، الحديث 3.

(2) الوسائل: 17، الباب 11 من أبواب ميراث الأزواج، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 237

الفصل السابع: في السبب الأوّل: النسب

اشارة

1- المحرّمات النسبية السبعة:

2- النسب يثبت بأمرين: النكاح الصحيح و الوطء بشبهة.

3- تعريف الوطء بشبهة.

4- إذ وطأ ظاناً بالاستحقاق.

5- الوطء بالزنا و تعريفه و عدم ثبوت النسب به.

6- في ترتّب أحكام الأولاد على المولود عن زنا، من حرمة نكاحه و تحريم حليلته ....

7- إذا اجتمع الوطء الصحيح مع الوطء بشبهة.

8- فرعان للمسألة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 239

أسباب التحريم 1- النسب

ذكر المحقّقون أنّ للتحريم، واحداً و عشرين سبباً، و قد ذكر المحقّق منها ستة أسباب و نحن نقتفيه و نقول:

الأول: النسب يحرم بالنسب نساء سبع و إليك البيان:

1- المحرّمات النسبية السبعة:

تحرم بالنسب صنوف سبعة، ذكره الذكر الحكيم و قال: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُ الْأَخِ وَ بَنٰاتُ الْأُخْتِ). «1»

و هؤلاء السبع هنّ المحرّمات بالنسب، و قد روي عن ابن عبّاس أنّه قال: «حرّم اللّه من النساء سبعاً بالنسب» و إليك توضيح الأصناف:

1- الأُمّ: من اتصل إليها نسب الإنسان بالولادة كمن ولدته من غير واسطة أو بواسطة كوالدة الأب أو الأُمّ فصاعداً.

2- البنت: من اتصل نسبها بالإنسان بسبب ولادتها منه كالمولودة من صلبه بلا واسطة أو معها كبنت الابن و البنت فنازلًا.

______________________________

(1) النساء: 23.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 240

3- الأُخت: من اتصل نسبها بالإنسان من جهة ولادتهما معاً من الأب أو الأُمّ، أو منهما جميعاً بلا واسطة.

4- العمّة: أُخت الأب و كذا أُخت الجدّ من جهة الأب أو الأُمّ.

5- الخالة: أُخت الأُمّ و كذا أُخت الجدّة من جهة الأب أو الأُمّ.

6- بنات الأخ: سواء كان لأب أو لأُمّ أو لهما و هي كلّ امرأة تنتمي بالولادة إلى أخ الإنسان بلا واسطة أو

معها فتحرم عليه بنت أخيه، بنت ابنه، بنت ابن ابنه، و بنت ابنته، و بنت بنت ابنته و بنت ابن ابنته.

7- بنات الأُخت: كلّ أُنثى تنتمي إلى أُخته بالولادة على النحو الذي ذكر في بنات الأخ.

و المراد بتحريم الأُمّهات و ما يتلوها، حرمة نكاحهنّ على ما تفيده مناسبة الحكم و الموضوع كما في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ)، أي أكلها.

2- النسب يثبت بأمرين:
الأوّل: النكاح الصحيح:

و المراد من النكاح هنا هو الوطء لا العقد حتى يعمّ الوطء بملك يمين، أو التحليل فانّ الوطء في الجميع صحيح لأجل الأسباب الشرعية، و المراد من الوطء الصحيح هو الصحيح في نفس الأمر و نفس الواقع لا الصحيح ظاهراً و غير الصحيح باطناً، و إن شئت قلت: الوطء عن استحقاق في نفس الأمر بما هو هو سواء حرّم لأجل العناوين العارضة، كالصوم و الاعتكاف و الحيض و الإحرام و الحلف و النذر أو لا. و بالجملة الوطء الحلال بما هو هو، سواء حرّم بالعرض أو لا، و سواء علم بالحلّ أو لا، كما إذا وطأ حليلته باعتقاد أنّها أجنبيّة، أو وطأ من زوّجها وكيله و لم يعلم، أو ظنّ العقد فاسداً لكون العاقد فضولياً مع كونه مجيزاً، فالكلّ من أقسام النكاح الصحيح أي الوطء الذي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 241

يستحقه الواطئ من حيث هو هو.

الثاني: الوطء بشبهة:

لا شك أنّ الوطء بالشبهة يثبت بها النسب إنّما الكلام في تعريفه:

3- تعريف الوطء بالشبهة

تعريفه إجمالًا هو الوطء الذي ليس يستحق في نفس الأمر، لكن الواطئ:

1- إمّا قاطع بالاستحقاق استحقاقاً قطعياً.

2- أو ظانّ بالاستحقاق مع كون ظنّه حجّة شرعية.

3- أو شاكّ مع كون جهله عذراً شرعياً.

4- أو غافل مع كون غفلته عذراً كذلك.

5- أو غير مختار كما إذا كان مكرهاً.

و الأوّل: أعني ما إذا كان قاطعاً بالحلّية و الاستحقاق و لم يكن في الواقع كذلك، مقابل الزنا.

و الثاني: كما إذا اعتمد على حجّة شرعية مع عدم علمه بالواقع كما إذا أخبرت المرأة بعدم الزوج، أو بانقضاء العدّة، أو اعتمد على شهادة العدلين على كونها مطلقة، أو على موت زوجها فبانت الأمارة مخالفة للواقع.

و الثالث: كما إذا اشتبه المحرّم في عدة غير محصورة من النساء فتزوّجت واحدة منها فبانت محرّمة، و لمّا كان العلم الإجمالي غير منجّز في تلك الصورة، كانت الجهالة عذراً.

الرابع: كما في المجنون و النائم و السكران بشي ء حلال، فانّ الغفلة و عدم التوجّه عذر فلا يعدّ العمل زنا.

و الحاصل، إذا كان الوطء مقروناً بحجّة عقلية قاطعة للعذر كما في الجهل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 242

المركّب و النائم و المجنون و السكران بأمر محلّل، أو بحجّة شرعية كذلك، و سوى ذلك إمّا نكاح شرعي أو زنا لا غير.

و الخامس: كالتهديد بشي ء يصعب تحمّله لا مطلق التهديد، و لتحديد الإكراه و تبيين مورده محلّ آخر.

و أمّا وطء السكران بمحرّم كشرب الخمر، فالظاهر جريان حكم الزنا عليه، لأنّه ارتكب بما ينتهي إليه بالاختيار، و الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار كما لا يخفى، و ادّعى في الجواهر، أنّه يستفاد من النصوص أنّ السكران

في أفعاله بمنزلة الساهي في أفعاله، فيترتّب ما يترتب عليه من قِود، و حدّ، و نفي ولد، و هو معنى قولهم عليهم السّلام: «إنّ الخمر مفتاح كلّ شرّ» «1»، و عدم توجيه الخطاب إليه باعتبار ارتفاع قابليته لذلك لا ينافي ترتّب الأحكام و لو للخطاب السابق على حال السكر.

و الفرق بين المعذور و عدمه هو الذي يستفاد من روايات باب الحدود، فقد سأل أبو عبيدة الحذّاء، أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تزوّجت رجلًا و لها زوج فذكر الإمام حكمه ثمّ قال السائل: فإن كانت جاهلة بما صنعت، قال: فقال: «أ ليس هي في دار الهجرة؟» قلت: بلى، قال: «فما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ المرأة المسلمة لا يحلّ لها أن تتزوّج زوجين، قال: و لو أنّ المرأة إذا فجرت قالت: لم أدر أو جهلت أنّ الذي فعلت حرام و لم يقم عليها الحدّ إذاً لتعطّلت الحدود». «2»

و تقرب منه صحيحة الكناسي، حيث سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة تزوّجت في عدّتها و ذكر الإمام حكمه ثمّ سأل و قال: أ رأيت إن كان ذلك منها بجهالة قال: فقال: «ما من امرأة اليوم من نساء المسلمين إلّا و هي تعلم أنّ عليها

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17، الباب 5 من أبواب الأشربة المحرّمة، الحديث 9.

(2) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 243

عدّة في طلاق أو موت و لقد كنّ نساء الجاهلية ليعرفن ذلك». «1»

كلّ ذلك يعرب عن الفرق بين الجاهل القاصر و المقصّر، بين المعذور و عدمه بين من أقدم عن بيّنة و حجّة شرعية

و من أقدم بدونها، و لا شكّ في وجود العذر في الخامسة دون السادسة، أعني: السكران بمحرّم.

4- إذا وطأ ظانّاً بالاستحقاق
اشارة

قد عرفت أنّ الوطء بشبهة لا تصدق إلّا إذا أقدم عن عذر شرعي معتبر، و لكن ربّما يستظهر كما في الجواهر بأنّه يكفي ظنّ الاستحقاق و إن لم يكن معتبراً، بل عن المسالك تعريفها بالوطء الذي ليس بمستحق مع عدم العلم بالتحريم: و هو يقتضي حصولها بمجرّد الاحتمال، و إن كان مساوياً أو مرجوحاً فكيف بالاحتمال الراجح و قد استشهد في الجواهر ببعض عبارات الفقهاء كعبارة النهاية و الخلاف و غيرهما الظاهرة في الاكتفاء بمطلق الظنّ و في دلالتها على مطلوبه نظر يظهر من الإمعان في المنقولات، و إليك بيان بعضها:

قال الشيخ في نهايته: و إذا نعى الرجل إلى امرأته او أخبرت بطلاق زوجها لها و اعتدّت و تزوّجت و رزقت أولاداً، ثمّ جاء زوجها الأوّل و أنكر الطلاق و علم أنّ شهادة من شهد بالطلاق شهادة زور، فرِّق بينهما و بين الزوج الأخير، ثمّ تعتد منه و ترجع إلى الأوّل بالعقد المتقدّم، و يكون الأولاد للزوج الأخير دون الأول «2».

و يقال: إنّ الموضوع هو مطلق النعي إلى الزوجة سواء كان قول الناعي حجّة أو لا، و لكن العبارة منصرفة إلى حصول الاطمئنان و هو علم عرفي، فلا إطلاق لكلامه، و ليس هو بصدد بيان هذه الجهة.

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 27 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 3.

(2) النهاية: 506.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 244

و على ذلك يحمل كل ما نقله من غيره و استظهر الإطلاق لأجل عدم تقييدهم الظن بكونه معتبراً أو بما إذا اعتقد جواز العمل شرعاً إذ لا إطلاق لكلماتهم لعدم كونهم

في مقام البيان من هذه الجهة.

أضف إليه أنّ من المحتمل أن يكون الظن بمعنى الاطمئنان الذي هو علم عرفي. و الحقّ أن يقال: إنّ الفروج لا تستباح إلّا بإذن شرعي، ففي موارد الظن بالاستحقاق إن كان الظنّ حجّة، أو اعتقد كونه حجّة و إن لم يكن كذلك في الدوافع، فهو ملحق بالوطء بالشبهة، و إلّا فبما أنّه ليس مسوّغاً شرعيّا للوطء، لا يكون وطأً بشبهة، و المفروض أنّه ليس بنكاح صحيح.

و أمّا الروايات التي رواها صاحب الجواهر فلا يستفاد منها ما يمكن دعم مقالته و إليك بيانها:

1- عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: سئل عن رجل أصاب جارية من الفي ء فوطأها قبل أن يقسّم؟ قال: «تقوّم الجارية و تدفع إليه بالقيمة، و يحطّ له منها ما يصيبه من الفي ء، و يجلد الحدّ، و يدرأ عنه من الحدّ بقدر ما كان له فيها». «1»

أمّا الحدّ، فلأجل أنّه أقدم على الوطء قبل أن يقسّم، و أمّا درء الحدّ عنه بقدر ما كان له فيها، فلاستحقاقه بهذا القدر من الفي ء المتمثّل في المرأة، فلا دلالة له بما يدّعيه من كفاية مطلق الظن، و إن لم يكن حجّة.

2- روى زرارة: إذا نعى الرجل إلى أهله أو أخبروها أنّه طلّقها فاعتدّت ثمّ تزوّجت فجاء زوجها الأوّل، فإنّ الأوّل أحقّ بها من هذا الأخير دخل بها الأوّل أو لم يدخل بها و ليس للآخر أن يتزوّجها أبداً و لها المهر بما استحلّ من فرجها. «2»

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 22 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 6.

(2) الوسائل: 14، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 245

3 روى محمّد بن قيس، قال: سألت

أبا جعفر عليه السّلام عن رجل حسب أهله أنّه قد مات أو قتل فنكحت امرأته و تزوّجت سريّته، فولدت كلّ واحد منهما من زوجها فجاء زوجها الأوّل و مولى السرية؟ قال: فقال: «يأخذ امرأته فهو أحقّ بها و يأخذ سريّته و ولدها و يأخذ عوضاً عن ثمنه». «1»

و لا يخفى، أنّه إذا نعي الرجل إلى أهله أو أخبر بالطلاق تطمئنّ المرأة به و لا تقدم بالعدّة إلّا بعد الطمأنينة و حصول السكينة، و لو أخبرت للخاطب بأنّها غير مزوّجة جاز للآخر تزويجها، فعدم إجراء الحدّ لأجل حصول الاطمئنان للمرأة و الرجل معاً أو اعتماد الرجل على قول المرأة في هذا المورد. إلى غير ذلك من الروايات التي لم يقيد الظن و الحسبان فيها بما يعول عليه، لأنّها لم تكن في مقام البيان، و قد درأ الحدّ عن الواطئ بشهادة الحال باعتقاد الرجل بأنّها غير ممنوعة، أو لأنّ القاضي لم يحرز كون اقتحامه بلا عذر شرعي، فما في خبر أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ عليّاً قضى في الرجل الذي تزوّج امرأة لها زوج، فرجم المرأة و ضرب الرجل الحدّ قال: «لو علمت أنّك علمت لفضخت رأسك بالحجارة». «2» لا يدلّ على أنّ الرجم مخصوص بصورة العلم بعدم الاستحقاق حتّى يعذر عند احتمال الاستحقاق أو الظنّ به و إن لم يكونا حجّتين و ذلك لأنّ القيد (علمت) وارد مورد الغالب و هو العلم بعدم الاستحقاق.

تحليل كلام لصاحب الجواهر

قال صاحب الجواهر قدس سرّه بأنّ الوطء مع عدم العلم بالحلّ و انتفاء

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 37 من أبواب العدد، الحديث 3، هكذا في الكافي و غيره و في الوسائل «رضا» مكان «عوضاً».

(2) الوسائل: 18، الباب 27

من أبواب حدّ الزنا، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 246

الظنّ المعتبر و إن كان محرّماً لما ذكر أنّ الفروج لا تستباح بالاحتمال لكن لم لا يجوز أن يثبت به النسب مع ظنّ الاستحقاق، نظراً إلى إطلاق النصّ و الفتوى، و أيّ مانع من القول بتحريم الوطء و ثبوت النسب معه إذا اقتضته الأدلّة الشرعية، و لعلّ المناط في الزنا و انتفاء الشبهة، العلم بعدم الاستحقاق مع انتفائه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ التفكيك بين حرمة الوطء حرمة ذاتية و بين نفي النسب بعيد جدّاً، و ما ذكره من إطلاق الفتوى و النص قد عرفت حاله و أنّ الروايات لم تكن في مقام البيان. نعم يجب على القاضي في نفي النسب إحراز الموضوع و أنّه اعتمد على ما لا يعتمد مع علمه بكونه كذلك و إلّا فلو شكّ في أنّه هل كان عالماً بأنّه لا يعتمد عليه أو لا، يدرأ عنه الحدّ، و أمّا سائر الأحكام من ثبوت النسب و المهر و الميراث فيرجع فيه إلى القواعد.

و على ذلك فيعرّف الوطء الصحيح بأنّه الوطء المستحق شرعاً بعقد صحيح، أو تحليل، أو ملك، و الوطء بشبهة بأنّه الوطء غير المستحق شرعاً مع كونه معذوراً عقلًا و شرعاً في فعله. و أمّا على مختار الجواهر فهو الوطء الذي ليس بمستحق شرعاً مع ظنّه أو احتماله أنّه مستحق.

5- الوطء بالزنا و عدم ثبوت النسب

و أمّا الوطء بالزنا فهو وطء المكلّف من يحرم عليه بالأصالة مع علمه بالتحريم فلا يثبت به النسب، فلا يكون أولاد الزاني إخوة و لا أخوات للمتولّد من الزنا و لا إخوته و أخواته أعماما و عمّات له، و مثله أولاد الزانية و إخوتها و أخواتها و لعلّ

خصوص ذلك الحكم مورد للاتفاق إنّما الإشكال في ترتب سائر أحكام الأولاد مثل:

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 252.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 247

1 تحريم نكاحه فيحرم على الزاني نكاح المخلوقة من مائه و على الزانية نكاح المتولّد منها بالزنا.

2- تحريم حليلته على الزاني.

3- عدم جواز القود بقتله.

4- الانعتاق القهري فيما إذا ملك المولود عن زنا أحد أبويه الزانيين بحجّة أنّ الإنسان لا يملك العمودين.

5- عدم جواز شهادته على الأب.

6- تحرم زوج البنت المولودة عن زنا على أُمّها.

7- الجمع بين الأُختين من الزنا أو إحداهما منه.

8- حبس الأب من دين ابنه إن منع منه.

9- الإرث.

10 قطع يده إذا سرق من ماله.

إلى غير ذلك من أحكام الأجانب المنتفية في مجال الآباء و الأمّهات و الأولاد.

6- في ترتب أحكام الأولاد و عدمه

المنقول عن المشهور هو التفصيل بين حرمة النكاح و غيره فيثبت الأوّل دون غيره.

أمّا الأوّل فلم ينقل الخلاف إلّا عن الشافعي و لذلك أنكر الزمخشري على الشافعي، تجويز نكاح البنت المتولّدة من الزنا، بقوله:

و إن شافعياً قلت، قالوا بأنّني أُبيح نكاح البنت و البنت محرّم

مضافاً إلى صدق البنت لأنّ الولد لغة حيوان يتولد من نطفة ذكر من نوعه و الأصل عدم النقل و عدم ثبوت الحقيقة الشرعية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 248

و أورد عليه الشهيد الثاني، بأنّ المعتبر إن كان لحوق الولد لزم ثبوت باقي الأحكام الشرعية على الولد كإباحة النظر و عتقه على القريب و تحريم حليلته و عدم القود من الوالد بقتله و نحو ذلك و إن كان الميزان لحوقه شرعاً فاللازم انتفاء الجميع فالتفصيل غير واضح. «1»

و العجب من صاحب الحدائق، أنّه وجّه فتوى المشهور بأنّ المعتمد في تخصيص التحريم «تحريم نكاحه»

دون غيره من متفرعات البنت، إنّما هو الإجماع أوّلًا و الاحتياط ثانياً. 2

يلاحظ عليه: أنّ ادّعاء الإجماع في هذه الأحكام التي اختلفت فيها الآراء بعيد جدّاً، و أمّا الاحتياط فهو يختلف حسب الموارد، فليس سلب الأحكام مطابقاً للاحتياط فسلب جواز النظر و إن كان يوافق الاحتياط لكن سلب حرمة تزويج حليلته ليس كذلك و قس عليه غيرها.

أضف إليه أنّه إذا دخلت البنت المتولدة من زنا في قوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ) (النساء/ 23) حرمت نكاحها أو في قوله تعالى: (وَ لٰا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلّٰا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبٰائِهِنَّ) (النور/ 31)، حرمت نكاحها للأب و يجوز إبداء الزينة له.

و أمّا الاستدلال على سلب جميع الأحكام بقوله: «و للعاهر الحجر» أي لا يكون نصيبها إلّا الحجر، فالظاهر أنّه مخصوص بمن تولّد من الزنا في فراش غيره و لم يعلم تولّده من الزاني أو من صاحب الفراش فالولد يلحق بصاحب الفراش لا بالزاني، و هو خارج عن البحث.

و لا يبعد الفرق بين الأحكام المتعلّقة بالولد بما هو ولد من غير فرق بين

______________________________

(1) 1 و 2 الحدائق: 23/ 312.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 249

شريعة و أُخرى و قوم دون آخر و ما يترتّب عليه في خصوص الشريعة الإسلامية، فتحريم النكاح و جواز النظر و وجوب النفقة من القسم الأوّل، و أمّا تحريم الاقتصاص و عدم جواز تملّك العمودين إلى غير ذلك من الأحكام فهي من خصائص الشريعة الإسلامية، و ذلك لأنّ المنساق من أدلّة القسم الأوّل هو ترتّب الأحكام على ما هو المرتكز عند العرف من الولد أعني المخلّق من ماء الإنسان، بخلاف المنساق من القسم الثاني، فالظاهر أنّ الموضوع هو المحكوم شرعاً بكونه

ولداً و المولود عن زنا ليس ولداً شرعياً، و هذه الضابطة حاكمة إلّا ما خرج بالدليل كالإرث فانّه عرفاً يتبع الولد العرفي و قيّده الإسلام بالولد الشرعي كما لا يخفى، و اللّه العالم.

7- إذا اجتمع الوطء الصحيح مع الوطء عن شبهة

قد مرّ أنّ النسب كما يثبت بالنكاح الصحيح يثبت بالوطء بشبهة، هذا إذا تفردا، و أمّا إذا اجتمعا كما إذا وطأ زوجته ثمّ وطأها آخر بشبهة فأتت بولد أو إذا طلّق زوجته فوطئت شبهة فهنا صور:

1- أن لا يمكن إلحاقه بالثاني و أمكن بالأوّل كما إذا وضعت لأقلّ من ستة أشهر من

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 250

وطء الثاني، و من تسعة أشهر فما دون إلى ستة أشهر عن وطء الأوّل فيلحق بالأوّل لعدم إمكان الحاقه بالثاني لعدم مضيّ مدة يمكن ولادته منه مع إمكان ولادته من الأوّل و هو زوجها في هذه المدّة.

2- أن لا يمكن إلحاقه بالأوّل و أمكن بالثاني كما إذا وضعت لستة أشهر فصاعداً إلى أقصى الحمل من وطء الثاني و للزائد عن أقصى الحمل من وطء الأوّل فيلحق بالثاني لعدم إمكان إلحاقه بالأوّل.

3- أن لا يمكن إلحاقه بواحد منهما كما إذا وضعت لأقل من ستة أشهر من وطء الثاني و لأكثر من أقصى الحمل من الأوّل فينتفي عنهما لفقد شرط اللحوق بواحد منهما.

4- إذا أمكن اللحوق بكليهما كما إذا وضعت ستة أشهر فصاعداً إلى ما دون اقصى الحمل من وطء الثاني و لأقصى مدّة الحمل فما دون من وطء الأوّل حيث يمكن تولّده منهما.

ذهب الشيخ إلى أنّه يخرج بالقرعة لأنّها مخصوصة لكلّ أمر مشكل حيث إنّ لكلّ واحد منهما فراشاً، و ذهب المشهور إلى أنّه يلحق بالثاني قائلًا بأنّ فراش الأوّل قد زال

بالطلاق و فراش الثاني ثابت.

يلاحظ عليه بأمرين:

1- أنّه يصحّ في المورد الثاني أعني: ما إذا طلقت زوجته فوطئت بالشبهة حيث يزول فراش الأوّل بالطلاق، لا في المورد الأوّل كما إذا وطأ زوجته ثمّ وطأها آخر بالشبهة فأتت بولد.

2- أنّ كلًا منهما ذو فراش بالنظر إلى حال الاجتماع، و المراد منه من كان وطؤه صحيحاً إمّا بالزوجية أو بالشبهة و إن كان بالنظر إلى الزمان الفعلي يختلف ففيما إذا وطأت زوجته ثمّ وطئت بالشبهة، فالفراش الفعلي للزوج لا للواطئ شبهة، و أمّا إذا طلقت و وطئت شبهة فلا فراش أصلًا، أمّا الزوج فلزوال زوجيته، و أمّا الثاني فلزوال الشبهة على أنّ المتبادر من الفراش هو الزوجة أو النازل منزلتها كالأمة.

نعم يمكن الاستدلال على هذا القول، ببعض الروايات الواردة فيما إذا كان العقد الثاني فاسداً فولدت على وجه يمكن لحوقها بهما، روى الحلبي عن أبي: عبد اللّه عليه السّلام: «إذا كان للرجل منكم الجارية يطأها فيعتقها فاعتدّت و نكحت، فإن وضعت لخمسة أشهر فإنّه من مولاها الذي أعتقها و إن وضعت

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 251

بعد ما تزوّجت لستة أشهر فانّه لزوجها الأخير». «1»

فإنّ الظاهر من قوله: «فإن وضعت بعد ما تزوّجت لستة أشهر» أنّه يلحق بالثاني و إن أمكن اللحوق بالأوّل أيضاً، لأنّ الخروج عن العدّة ربّما يتحقق بشهر أو شهرين و نظيره مرسل زرارة، «2» و غيره. نعم و هذه الروايات واردة فيما إذا كان الواطئ الثاني عاقداً، و إلحاق غيره به يحتاج إلى تنقيح المناط، و على كلّ تقدير فالعمل بقول المشهور أوفق.

8- بقيت هنا صورتان

1- صورة الجهل بتاريخ الوطء بحيث احتمل أن يكون المورد من ممكن اللحوق بهما أو بواحد

منهما أو عدم إمكان اللحوق أصلًا فيلحق بالثاني أيضاً.

و يدلّ عليه خبر الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سمعته يقول: و سئل عن رجل اشترى، جارية ثمّ وقع عليها قبل أن يستبرئ رحمها قال: «بئس ما صنع يستغفر اللّه و لا يعود»، قلت: فإنّه باعها من آخر و لم يستبرئ رحمها ثمّ باعها الثاني من رجل آخر و لم يستبرئ رحمها فاستبان حملها عند الثالث؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «الولد للفراش و للعاهر الحجر». «3» و المراد الأخير الذي عنده الجارية.

2- أن لا يكون هناك فراش فعلي كما إذا وطأ الجميع عن شبهة، فلا مورد لقاعدة «الولد للفراش» فالمرجع عند المخاصمة هو القرعة، و يؤيّده ما رواه معاوية

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

(2) الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 11 و لاحظ 12، و الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 14.

(3) الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 3 و لاحظ الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 252

بن عمّار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا وطأ رجلان أو ثلاثة جارية في طهر فولدت فادّعوه جميعاً أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده». «1»

تمّ الكلام في السبب الأوّل، و حان حين البحث عن السبب الثاني و هو الرضاع.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 57 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و لاحظ الحديث 42.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 253

الفصل الثامن: في السبب الثاني: الرضاع

اشارة

1- يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

2- القاعدة لا تشمل المصاهرة

3- ليس للرضاع

حقيقة شرعية و لا متشرّعية

4- شرائط الرضاع.

5- الشرط الأوّل: كون اللبن عن نكاح صحيح.

6- حكم اللبن عن الوطء بالشبهة.

7- الشرط الثاني: حصول أحد التحديدات الثلاثة.

8- التحديد بالعدد

9- أدلّة القول باشتراط خمس عشرة رضعة

10- أدلّة القول بكفاية عشر رضعات

11- القضاء بين القولين.

12- التحديد بالأثر: نبت اللحم و شدّ العظم.

13- التحديد بالمدة

14- مشكلة عدم الانعكاس بين المدّة و كل من العدد و الأثر.

15- الشرط الثالث: كيفية الرضاع

16- أن تكون الرضعة كاملة

17- أن تكون الرضعات متوالية و تكون أيضاً بالرضاع لا بالإيجار

18- الشرط الرابع: كون الرضاع فيما دون الحولين

19- هل يشترط دون الحولين أيضاً في ولد المرضعة

20- الشرط الخامس: اتّحاد الفحل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 255

أسباب التحريم 2- الرضاع

الثاني من أسباب التحريم بعد النسب هو الرضاع، و قد ورد به النصّ في الذكر الحكيم و السنّة النبوية و أحاديث العترة الطاهرة، و لا خلاف بين الأُمّة في أنّه من أسباب التحريم، و إنّما الخلاف في شروطه و فروعه.

و قد فصّلنا الكلام في هذا المجال في محاضراتنا التي ألقيناها، و لمّا قام قرّة عيني الفاضل المحقّق الشيخ حسن مكي دامت إفاضاته بنشر ما ألقيناه في خصوص باب الرضاع مشفوعاً برسالة «لا ضرر و لا ضرار» بدا لنا أن نجمل الكلام في المقام و نحيل التفصيل إلى تأليفه و رسالته، و لأجل ذلك نقتبس ممّا كتبه من أبحاثنا في الرضاع، ما يرجع إلى دليل التحريم و شروطه و نترك الباقي إلى كتابه.

و هناك سبب آخر للإيجاز في المقام و هو قلّة الابتلاء بمسائل الرضاع بعد ظهور الحليب المجفّف في العصور المتأخّرة حيث استغنت النساء

عن إرضاع أولادهنّ، و لعلّ هذه الحادثة الطارئة لا تطول و سوف يرجع الإنسان إلى التغذية بلبن الأُم الذي خلقه اللّه سبحانه في ثديها قبل أن يخرج الطفل إلى عالم الوجود، و ربّما نسمع من بعض الأطبّاء أنّ الغذاء الكامل للطفل هو لبن الأُمّ فقط و لا ينوبه شي ء و لكن أين الأُذن الواعية؟!

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
اشارة

قد نصّ الكتاب على أنّ الرضاع سبب لحرمة النكاح قال سبحانه:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 256

(وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ). (النساء/ 23) و تضافر عن الرسول الأكرم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» رواه المشايخ الثلاثة. «1»

و أمّا أهل السنّة فروى البخاري و مسلم أنّ رسول اللّه قال: «إنّ الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة». و روى مسلم: يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة، إلى غير ذلك من الألفاظ المتقاربة، قال البيهقي بعد نقلها: و روينا هذا المذهب من التابعين عن القاسم بن محمّد و جابر بن زيد أبي الشعثاء، و عطاء و طاووس، و مجاهد و الزهري «2»

و تحقيق المقام يستدعي البحث عن أُمور:
1- توضيح مفاد القاعدة

المتبادر من الرواية بعد ملاحظة ورود قوله: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ...) في ثنايا المحرّمات النسبية السبعة، هو أنّ المحرّم بالرضاع هو نفس المحرّم بالنسب، و الرضاع يقوم مقام النسب.

و بعبارة أُخرى: المراد من الموصول العناوين النسبية السبعة المحرّمة الواردة في الذكر الحكيم في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ وَ عَمّٰاتُكُمْ وَ خٰالٰاتُكُمْ وَ بَنٰاتُ الْأَخِ وَ بَنٰاتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (النساء/ 23) و المعنى أنّ كلّ عنوان محرّم من جهة

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالرضاع الحديث 1، 3، 4، 5 و 8 و الباب 8، الحديث 7، الباب 17، الحديث 1، إلى غير ذلك ممّا يدلّ على كونه حديثاً مستفيضاً، و هو مروي في كتبنا عن 26 طريقاً.

(2)

السنن الكبرى للبيهقي: 7/ 451.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 257

النسب، هو بنفسه محرّم من جهة الرضاع فالأُمومة مثلًا المتحققة بالنسب و المتحقّقة بالرضاع، سواء في الحكم. و عندئذ لا حاجة إلى تقدير لفظة «نظير» مع ما فيه من سقوط العبارة عن البلاغة الخاصة لكلام رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.

قال الشيخ الأنصاري: «و إنّما عبّر بهذا للتنبيه على اعتبار اتّحاد العنوان الحاصل بالرضاع و الحاصل بالنسب في التحريم، صنفاً. مثلًا الأُمّ محرّمة من جهة النسب، فإذا حصل بالرضاع نفس هذا العنوان، حصل التحريم من جهة الرضاع. و لو حصل بالرضاع ما يلازمه (العنوان) مثل أُمومة أخيه لأبويه، لم يحرم ... إلى أن قال: فحاصل معنى هذا الحديث: التسوية بين النسب و الرضاع في إيجاد التحريم، و أنّ العلاقة الرضاعية تقوم مقام العلاقة النسبية و تنزل مكانها. «1»

فلو رضع صبيّ من امرأة حرمت عليه لا على أخيه لأبويه، لأنّها أُم أخيه لأبويه بالرضاع، لا أُمّه و العنوان المحرّم في النسب هو أُمّ نفس الانسان لا «أُمّ الأخ» و لو حرّمت أُمّ الأخ في النسب، فلكونها أُمّ المحرّم عليه لا لكونها أُمّ أخيه. و لأجل ذلك لا تكون العناوين الملازمة في النسب، محرّمة في الرضاع. فأُمّ الأخ للأبوين محرّمة في النسب دون الرضاع لأنّها في الأوّل ملازمة لأُمومة نفس الإنسان المحرّم عليه، بخلاف باب الرضاع فليست ملازمة للأُمومة فيه. و الأولى أن يبحث في ذلك عند البحث عن عموم المنزلة.

2- في عدم شمول القاعدة للمصاهرة

لا شكّ أنّ القاعدة نصّ في قيام العلاقة الرضاعية مقام العلاقة النسبية و لكن هل يمكن أن يستفاد منها أيضاً قيام العلاقة الرضاعية مقام العلاقة المصاهرية أو لا؟

______________________________

(1) رسالة الشيخ

الأعظم في الرضاع: 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 258

الظاهر هو العدم، لأنّ المتبادر من الحديث قيام الرضاع مقام النسب. و النسب غير المصاهرة. قال سبحانه: (وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمٰاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً) (الفرقان/ 54)

و على هذا فلو أرضعت امرأة ولدك فلا تحرم عليك أُمّها من حيث إنّها الجدّة الرضاعية لولدك، لأنّ جدّة الولد النسبي إنّما تحرم على الرجل لكونها أُمّ زوجته و الزوجية هنا منتفية، و مجرّد إرضاع ولد الرجل لا يصيّر المرضعة في حكم الزوجة لأنّه لا يصحح مصاهرة بلا ريب.

بخلاف ما لو ارضعت امرأة زوجتك الحقيقية محرّمة على الزوج، لا لقيام الرضاع مقام المصاهرة، بل لقيامه مقام النسب. و ذلك لأنّ المحرّم حسب قوله سبحانه: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ) هو أُمّ الزوجة و الزوجية ثابتة هنا بلا ريب. و إنّما الكلام في ثبوت الجزء الثاني أعني: كون المرضعة للزوجة أُمّاً لها حكماً، و هو ما يثبته الحديث بنصّ دلالته، حيث نزّل الأُمّ الرضاعية منزلة الأُمّ الحقيقية. فقام الرضاع مقام النسب لا مقام المصاهرة.

و الحاصل أنّه إذا كانت المصاهرة منتفية، كما إذا ارضعت ولدك فلا يمكن إثبات الحرمة بالرضاع لأنّ مفاد أدلّة نشر الحرمة به، و إلحاقه بالنسب جعل كلّ عنوان حاصل به في حكم العنوان الحاصل بالنسب لا غير. ففي المثال الأوّل الذي ذكرناه، لا دليل على تنزيل مرضعة الولد مقام الزوجة حتى تحرم أُمّها على الزوج باعتبار أنّها أُمّ زوجته لأنّ الأُمومة محقّقة بالنسب (أُم المرضعة) و الزوجية منتفية، و الرضاع لا يصحح مصاهرة. «1»

و هذا بخلاف ما إذا كان النسب منتفياً و المصاهرة متحقّقة، كالأُمّ الرضاعية

______________________________

(1) أي أنّ إرضاع امرأة ولد رجل لا

يجعلها زوجة له، و لو حكما حتّى تتحقّق بذلك علاقات مصاهرية فيما بين الرجل و أنساب المرأة و لم يدع ذلك أحد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 259

للزوجة الحقيقية، فالزوجية حاصلة لا تحتاج إلى التنزيل، و إنّما المحتاج إليه هو الأُمومة، فتنزل الأُمّ الرضاعية منزلة الأُمّ النسبية بمقتضى الحديث. فتكون المسألة من قبيل ما إذا كان الموضوع مركّباً من جزءين، أُحرز أحدهما بالوجدان، و الآخر بالتنزيل. و تكون النتيجة حرمة الأُمّ الرضاعية للزوجة على الزوج كما لا يخفى.

نعم ربما يستظهر «1» من الحديث معنى أضيق ممّا ذكرناه و هو أنّ المراد بلفظ النسب، النسب الحاصل بين المحرّم و المحرّم عليه، فالرضاع حينئذ إنّما ينزّل منزلة النسب، إذا كان التنزيل بين المحرّم و المحرّم عليه، كتنزيل الأُم الرضاعية للرجل منزلة الأُم الحقيقية. لا ما إذا كان التنزيل بين غيرهما كتنزيل الأُمّ الرضاعية للزوجة، منزلة الأُمّ الحقيقية لها، فانّ طرفي التنزيل فيه هما: الأُمّ الرضاعية للزوجة و الأُمّ الحقيقية لها، و أمّا الزوج فهو خارج عن حدود التنزيل، كما هو واضح.

و لكن هذا تقييد من غير دليل، بل المراد من النسب في الحديث مطلق النسب الموجب للتحريم سواء أ كان حاصلًا بين نفس المحرّم و المحرّم عليه كما مثّلناه، أم كان بين أحدهما و هو الأُمّ الرضاعية للزوجة هنا و طرف ثالث، و هو الزوج هنا. و لا يكون التنزيل لغواً، بل تؤثر حرمة الأُمّ الرضاعية للزوجة المنزّلة منزلة الامّ الحقيقة لها على الزوج.

و بهذا يظهر إمكان استفادة حرمة الأُمّ الرضاعية للمزني بها، على الزاني. و حرمة أُمّ الغلام الموقب فيه و ابنته و أُخته من الرضاعة، على الموقب. لأنّ الموضوع الحرمة مركّب من

أمرين: الأوّل: الزنا أو الإيقاب، و هو حاصل بالوجدان. و الثاني: كون المرأة أُمّاً للمزني بها أو الغلام الموقب فيه، أو بنتاً أو أُختاً له، و هذا ثابت بتنزيل الحديث الرضاعيات من الأُمّ و البنت و الأُخت مكان النسبيات منهنّ فتحرمن جميعهنّ على الزاني و الموقِب كحرمة النسبيات.

______________________________

(1) نقله الشيخ الأعظم في أول رسالة الرضاع المطبوعة في ملحقة بالمكاسب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 260

3- ليس للرضاع حقيقة شرعية و لا متشرعية

الظاهر أنّه ليس للرضاع إلّا معنى واحد متبادر عند الجميع «1» و على ذلك، فلو شكّ في كون شي ء شرطاً لنشر الحرمة أو مانعاً منه، فالإطلاق هو المحكّم حتّى يثبت خلافه، كما هو الحال في سائر المفاهيم العرفية. و هذا بخلاف ما إذا قلنا إنّ له حقيقة شرعية و مصطلحاً خاصّاً، فلا يمكن التمسّك بالإطلاق عند الشكّ في الشرطية أو المانعية، لعدم العلم بالموضوع له، و يعود الشكّ إلى كون المورد مصداقاً له أو لا و هذا واضح.

و بما أنّ المختار أنّ اللفظ باق على معناه العرفي، فكلّما شكّ في كون شي ء شرطاً أو مانعاً يحكم بعدمه بمقتضى الإطلاق الموجود في الأدلّة نحو قوله تعالى: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ) (النساء/ 23) نعم إذا كان المقيد دائراً بين الأقل و الأكثر كتردّد كون المحرم هو عشر رضعات أو الخمسة عشر، فالمرجع هو اطلاق الحلّ كما سيوافيك. هذا كلّه إذا كانت الشبهة حكمية.

و أمّا إذا كانت الشبهة موضوعية، مع كون مفهوم الرضاع أمراً واضحاً مبيّناً فالمرجع هو الأُصول العملية الموضوعية، أو الحكمية عند عدم الأولى. فإذا شكّ في كون الرضاع متحققاً بشروطه الشرعية كيفاً و كمّاً، جرت أصالة عدم تحقّق العناوين السبعة المحرّمة، على وجه

لا يكون مثبتاً. كما أنّه يجوز التمسّك عند عدم الأصل الموضوعي بالأصل الحكمي، أعني: بقاء الحلّية و جواز التزويج، كما لا يخفى. و بهذا تبيّن أنّ المرجع في الشبهات الحكمية هو الإطلاقات، و في الشبهات الموضوعية هو الأُصول العملية. إلى هنا تمّ ما يرجع إلى أصل القاعدة و إليك الكلام في شرائطها.

______________________________

(1) الحاصل من كلمات أهل اللغة أنّ الرضاع مطلق مصّ اللبن من الثدي بالفم فليس له معنى سوى المعنى اللغويّ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 261

شرائط الرضاع
اشارة

إذا عرفت ما قدّمناه، فاعلم أنّه يشترط في تحقّق الرضاع عرفاً أو شرعاً أُمور إليك بيانها:

الشرط الأوّل: أن يكون اللبن عن نكاح صحيح
اشارة

أقول: هكذا عنونه المحقّق رحمه اللّه في الشرائع. و المراد من النكاح هو الوطء لا العقد. و ما عبّر به هو ما استحصله من الروايات، و الوارد فيها إنّما هو اشتراط كون اللبن «لبن الولادة» أو ما يقاربه.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: «إذا درّ لبن امرأة من غير ولادة، فأرضعت صبيّاً صغيراً، لم ينشر الحرمة. و خالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم». «1» و أشار بقوله: «أخبارهم» إلى الروايات التالية:

1- ما رواه يونس بن يعقوب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت جارية و غلاماً من ذلك اللّبن، هل يحرم بذلك اللبن ما يحرم من الرّضاع؟ قال: «لا». «2»

2- ما رواه يعقوب بن شعيب، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: امرأة درّ لبنها من غير ولادة فأرضعت ذكراناً و إناثاً، أ يحرم من ذلك ما يحرم من الرضاع؟ فقال لي: «لا». «3»

______________________________

(1) الخلاف: 3/ 73، المسألة 22.

(2) الوسائل: 14، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 9، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه، الباب 9، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 262

أضف إلى ذلك انصراف أدلّة الرضاع عمّا درّ من دون ولادة، لندرة وجوده، إذا قلنا إنّ ندرة الوجود كندرة الاستعمال من أسباب الانصراف. فإذا ثبت الانصراف صار المقام مجرى للأُصول الموضوعية أو الحكمية القاضية بالحلّية.

اللبن عن الوطء بالشبهة

إذا حملت المرأة عن وطء بالشبهة، فأرضعت حال الحمل أو بعد الولادة، على الخلاف، فهل هو ناشر للحرمة أو لا؟ الظاهر هو الأوّل لأنّه ملحق بالوطء الصحيح فتشمله الإطلاقات. و قد دلّ الاستقراء على مشاركة ولد الشبهة، غيره في كثير من الأحكام من الإرث،

و لزوم النفقة، و لزوم المهر على الموطوءة، و الاعتداد.

و يمكن الاستدلال بما ورد عنهم عليهم السّلام من أنّ «لكلّ قوم نكاحاً» «1» في الأنكحة الرائجة بين المجوس و غيرهم. فإذا تلقّى الشارع هذه الأنكحة الفاسدة في شرعنا، بالقبول في الظاهر، و رتّب عليها أثر النكاح الصحيح واقعاً، فيلزم تلقّي الوطء عن شبهة كالوطئ عن النكاح الصحيح. و الجامع بينهما هو الشبهة، غاية الأمر أنّ الشبهة في القسم الأوّل حكمية و في الثاني موضوعية، و هو بمجرّده لا يكون فارقاً بين الأمرين. فإذا كان إقدام الإنسان على عمل باعتقاد كونه عملًا صحيحاً، مرضياً عند اللّه، فلا ريب أنّ الشارع يتلقّاه صحيحاً و يرتّب عليه الأثر.

و بذلك يظهر ضعف ما نقل عن الحلّي من التردّد، فتمسك بأصالة الحلّية تارة، و بمنع وجود العموم في الأدلّة أُخرى، و عدم الدليل على عموم المنزلة أي تنزيل المتولّد عن شبهة منزلة الولد الصحيح ثالثة. و الكلّ ضعيف، لبطلان الأصل بعد وجود الدليل، كما تقدّم. و شمول إطلاق قوله تعالى: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) للموطوءة عن شبهة لكونها أُمّاً رضاعية قطعاً. و ثبوت التنزيل

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 83، أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 263

كما قدّمنا في قوله: «فإنّ لكلّ قوم نكاحاً» و غيره من غير فرق بين كون الشبهة من الطرفين أو من طرف واحد. كالأمّ في المقام.

الشرط الثاني: لزوم تحقّق أحد التحديدات الثلاثة
يجب أن يكون الرضاع محدداً بأحد التحديدات الثلاثة: العدد، الأثر، و الزمان
اشارة

و إليك التفصيل في كلّ واحد.

الأول: التحديد بالعدد
اشارة

«1» اختلفت المذاهب الإسلامية في كمّية اللبن الناشر للحرمة على أقوال، و هي بين الجمهور لا تتجاوز الثلاثة «2»:

1- خمس رضعات متفرّقات.

2- ثلاث رضعات.

3- الرضعة بل المصّة الواحدة و لو كانت قطرة.

قال الشيخ قدّس سرّه في الخلاف: «و قال الشافعي: لا يحرم إلّا في خمس رضعات متفرّقات، فإن كان دونها لم يحرم. و به قال ابن الزبير و عائشة و في التابعين سعيد بن جبير، و طاووس. و في الفقهاء أحمد، و إسحاق.

و قال قوم: قدرها ثلاث رضعات فما فوقها، فأمّا أقلّ منها فلا ينشر الحرمة. و ذهب إليه زيد بن ثابت في الصحابة. و إليه ذهب أبو ثور، و أهل الظاهر.

و قال قوم: إنّ الرضعة الواحدة أو المصّة الواحدة، حتّى لو كان قطرة، تنشر الحرمة. ذهب إليه على ما رووه علي عليه السّلام، و ابن عمر، و ابن عبّاس. و به قال في

______________________________

(1) التحديد الثاني هو التحديد بالأثر يأتي في الصفحة 274.

(2) سيأتي ذكر قول رابع لهم و هو عشر رضعات عند نقل كلام ابن رشد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 264

الفقهاء مالك، و الأوزاعي، و الليث بن سعد، و أبو حنيفة، و أصحابه». «1»

و قال ابن رشد: «أمّا مقدار المحرِّم من اللبن. فإنّ قوماً قالوا فيه بعدم التحديد و هو مذهب مالك و أصحابه، و روى عن علي و ابن مسعود، و هو قول ابن عمر و ابن عبّاس، و هؤلاء يُحرِّم عندهم أيّ قدر كان. و به قال أبو حنيفة و أصحابه و الثوري و الأوزاعي.

و قالت طائفة بتحديد القدر المحرّم، و هؤلاء انقسموا ثلاث فرق. فقالت طائفة: لا تحرم المصّة و

لا المصّتان و تحرم الثلاث رضعات فما فوقها، و به قال أبو عبيدة و أبو ثور. و قالت طائفة: المحرّم خمس رضعات، و به قال الشافعي. و قالت طائفة: عشر رضعات». «2»

و أمّا الخاصّة: فلهم في المسألة أقوال أشهرها ثلاثة:

1- عشر رضعات.

2- خمس عشرة رضعة.

3- ما أنبت اللحم و شدّ العظم.

قال الشيخ رحمه اللّه في الخلاف: «من أصحابنا من قال: إنّ الذي يحرم من الرضاع عشر رضعات متواليات لم يفصل بينهنّ برضاع امرأة أُخرى. و منهم من قال: خمس عشرة رضعة و هو الأقوى أو يوم و ليلة أو ما أنبت اللحم و شدّ العظم إذا لم يتخلل بينهن رضاع امرأة أُخرى». 3

و قال العلّامة في المختلف: «ذهب المفيد و سلّار و ابن البراج و أبو الصلاح و ابن حمزة إلى أنّ المحرِّم من الرضاع باعتبار العدد عشر رضعات متواليات، و هو قول ابن أبي عقيل من قدمائنا و قال الشيخ في النهاية و المبسوط و كتاب الأخبار:

______________________________

(1) 1 و 3 الخلاف: 3/ 68، كتاب الرضاع، المسألة 3.

(2) بداية المجتهد: 2/ 35.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 265

لا يحرم أقلّ من خمس عشرة رضعة، و قال ابن إدريس في أوّل كتاب النكاح: المحرِّم عشر رضعات متواليات. إلى أن قال: و الذي أُفتي به و أعمل عليه الخمس عشرة رضعة لأنّ العموم قد خصّصه جميع أصحابنا المحصّلين و الأصل الإباحة و التحريم طارئ، فبالإجماع من الكلّ يحرم الخمس عشرة رضعة فالتمسك بالإجماع أولى و أظهر، فإنّ الحقّ أحقّ أن يتّبع ... إلى أن قال: و قال ابن الجنيد: قد اختلفت الرواية من الوجهين جميعاً في قدر الرضاع المحرِّم إلّا أنّ الذي أوجبه الفقه

عندي و الاحتياط المرّ لنفسه: أنّ كلّ ما وقع عليه اسم رضعة و هو ما ملأت بطن الصبي إمّا بالمصّ أو بالوجور يحرّم النكاح. و قال الصدوق في المقنع: لا يحرّم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم. و روى أنّه لا يحرّم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوماً و لياليهن ليس بينهنّ رضاع و به كان يفتي شيخنا محمّد بن الحسن رحمه اللّه». «1»

نقول: لا ريب أنّه لا يكفي مسمّى الرضاع و لا الرضعة الواحدة، إجماعاً و سنّة مستفيضة، بل كتاباً أيضاً، لعدم صدق الأُمّ، الواردة في قوله سبحانه: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)، على من أرضعت طفلًا مرّة أو مرّتين. و مثله قوله سبحانه: (وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ) بل يتوقّف صدقها على أن يرتضع الولد من لبنها مقداراً يتحقّق معه عرفاً عنوان الأُمومة و غيرها من العناوين المحرّمة، فالعرف و الاعتبار متصادقان على عدم كفاية المسمّى و الدفعات القليلة.

و من هنا يظهر بطلان ما نقل عن الليث من نشر الحرمة بمثل ما يفطر به الصائم و ما نقلناه عن أبي حنيفة و أصحابه و مالك و الأوزاعي و الثوري من التحريم بمطلق الرضاع و إن قلّ. و من الغريب ذهاب صاحب الدعائم إلى هذا القول مستنداً إلى رواية رواها عن علي عليه السّلام قال: و عن عليّ عليه السّلام أنّه

______________________________

(1) المختلف: 3/ 70، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 266

قال: «يحرم من الرضاع قليله و كثيره و المصّة الواحدة تحرّم». ثمّ أضاف قائلًا: «و هذا قول بيّن صوابه لمن تدبّره و وفّق لفهمه لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)، فالرضاع يقع على

القليل و الكثير» الخ. «1»

و لكنّه غفل عن أنّه و إن صدق الرضاع بالقليل، لكنّه لا يصدق عنوان الأُمّ الذي هو الموضوع في الآية. خصوصاً إذا قلنا بأنّ تحقّق هذه العناوين بالإرضاع لم يكن أمراً مبتدعاً في الإسلام بل كان دارجاً قبله في عصر الجاهلية، و من المعلوم عدم تحقّق الأُمومة عندهم بمسمّى الإرضاع.

و منه يظهر بطلان ما نقل عن ابن الجنيد من تحديده بالرضعة الكاملة و هي ملأها بطن الصبي.

نعم روى الشيخ بإسناد صحيح عن علي بن مهزيار عن أبي الحسن عليه السّلام أنّه كتب إليه يسأله عمّا يحرم من الرضاع؟ فكتب عليه السّلام: «قليله و كثيره حرام». «2»

و روى «3» عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: «الرضعة الواحدة كالمائة رضعة لا تحل له أبداً» «4». و لكنّهما مضافاً إلى الحزازة الموجودة في متنها، حيث إنّ ظاهر قوله: «قليله و كثيره حرام» أنّ نفس الرضاع قليله و كثيره حرام مع أنّ المراد أنّ قليله و كثيره «محرِّم» محمولان على التقية، و قد أعرض الأصحاب عنهما، و انعقدت الشهرة على خلافهما.

و قد حمل الشيخ رحمه اللّه أوّلهما على ما إذا بلغ الحدّ الذي يحرم، فانّ الزيادة

______________________________

(1) دعائم الإسلام: 2/ 240، الرقم (920).

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، الباب 2 من أبواب ما يحرم من الرضاع، الحديث 10.

(3) في السند الحسين بن علوان و هو عامي لم يوثق، و عمرو بن خالد و هو إمامي مجهول.

(4) المصدر نفسه، الباب 2، الحديث 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 267

قلّت أو كثرت تحرّم، و قال الشيخ الحرّ في الوسائل: و يمكن حمله على الكراهة و على تحديد كلّ رضعة فانّه

إن رضع قليلًا أو كثيراً فهي رضعة محسوبة من العدد إلى آخر كلامه و ذكر في الخبر الثاني نحو ما ذكر في الأوّل. و الأقرب الحمل على التقية.

و أمّا ما رواه ابن أبي يعفور عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عمّا يحرم من الرضاع قال: إذا رضع حتّى يمتلئ بطنه، فانّ ذلك ينبت اللحم و الدم، و ذلك الذي يحرّم». «1»

و ما أرسله ابن أبي عمير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم، هو الذي يرضع حتّى يتضلّع، و يمتلي و ينتهي نفسه». «2»

فالظاهر أنّهما واردان في مقام تحديد كيفية الرضعة، لا تحديد الرضاع المحرِّم بها كما لا يخفى.

إذا تبيّن ما ذكرنا فاعلم أنّ القول المعتمد أحد القولين:
اشارة

1- ما دلّ على اعتبار خمس عشرة رضعة.

2- ما دلّ على اعتبار عشر رضعات، فإليك دراسة كلا القولين:

أ: ما دلّ على اعتبار خمس عشرة رضعة

منها: موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرِّم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات، من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها. فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو «3» جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد،

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم من الرضاع، الباب 4، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه، الباب 4، الحديث 2.

(3) قال في الوافي: «هكذا في النسخ التي رأيناها، و الصواب و جارية، بواو الجمع».

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 268

و أرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما». «1»

منها: ما رواه الصدوق رحمه اللّه في المقنع مرسلًا، قال: لا يحرّم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم، قال: و سئل الصادق عليه السّلام، هل لذلك حدّ؟ فقال: «لا يحرّم من الرضاع إلّا رضاع يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ». «2»

و هذه الرواية غير متحدة مع سابقتها، لأنّ السابقة مروية عن الباقر عليه السّلام و هذه عن الصادق عليه السّلام و إرادة المعنى الوصفي من الصادق الأعم من أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام خلاف الاصطلاح الجاري.

و لكن هنا رواية تعارض بمنطوقها هاتين الروايتين، و هي ما رواه الشيخ عن حمّاد بن عثمان، أو غيره عن عمر بن يزيد قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: خمس عشرة رضعة لا تحرّم». «3»

و يكفي في ردّ الرواية

إرسالها بقرينة «أو غيره». و قد ذكر لها محامل منها حمل الشيخ على كون الرضعات متفرّقات من نساء شتى، و احتمل الشيخ الحرّ رحمه اللّه الحمل على الإنكار. و أمّا ما ذكره من الحمل على التقية، فهو بعيد غايته كما لا يخفى.

ب: ما دلّ على كفاية عشر رضعات في التحريم

و تدلّ على هذا القول صحيحة الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 1، و هي موثقة بعمّار بن موسى الساباطي فإنّه فطحي لكنّه ثقة في الرواية، قاله النجاشي و العلّامة و الشيخ في موضع من التهذيب.

(2) المصدر نفسه، الباب 2، الحديث 14.

(3) المصدر نفسه، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 269

قال: «لا يحرّم من الرضاع إلّا المخبورة أو خادم أو ظئر، ثمّ يرضع عشر رضعات، يروي الصبيّ، و ينام» «1»

و هذه الرواية أوضح ما في الباب، و تدلّ بصراحتها على كفاية العشرة في التحريم بلا إشكال، ثمّ إنّ صاحب الجواهر بالغ في الإشكال عليها بوجوه متعددة: ستعرف ضعف أكثرها أو جميعها عند المناقشة.

و قد رويت هذه الرواية بصورة أُخرى عن الفضيل بن يسار عن عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان مخبوراً»، قلت: و ما المخبور؟ قال: أُمّ مربّية، أو أُمّ تربى، أو ظئر تستأجر، أو خادم تشترى، أو ما كان مثل ذلك موقوفاً عليه». «2»

و سيأتي جواب هذا الاختلاف عند إيراد إشكالات صاحب الجواهر.

و هناك روايات أُخرى تدلّ على كفاية العشرة مفهوماً لا منطوقاً.

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 11. رواه الشيخ في الاستبصار: 3

الحديث 709 عن محمّد بن علي بن محبوب عن محمّد بن الحسين، عن محمّد بن سنان عن حريز، عن الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام. و لكن الموجود فيه «المجبورة» بالجيم. و احتمل في ذيله أن يكون المراد من الحديث نفي التحريم عمّن أرضعه رضعة أو رضعتين، ثمّ استشهد بالروايات الواردة بهذا المعنى.

و أورده في التهذيب بالسند نفسه، ج 7، الحديث 1305 و لكن بدل قوله «ثمّ يرضع»، قوله «قد رضع» و ما في الاستبصار أصحّ. كما أنّ الموجود فيه «المجبورة» بالجيم.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 7 و قد سقط من نسخة الوسائل المطبوعة «عن أبي عبد اللّه عليه السّلام». رواه الشيخ في التهذيب ج 7، الحديث 1334، عن علي بن الحسن بن فضال عن أيوب بن نوح عن حريز عن الفضيل بن يسار عن عبد الرحمن ابن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام. و قوله في الرواية (أو أُمّ تربى) يحتمل قوياً أن يكون ترديداً من الراوي أو اختلافاً في النسخ أدرج في المتن، و يؤيّده ما نقله الصدوق كما سنذكره و قال الشيخ في ذيل الرواية بعد إيرادها: إنّ القصد بهذه الرواية نفي التحريم عمّن يرضع رضعة أو رضعتين أو ما أشبه ذلك.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 270

منها: ما رواه عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الغلام يرضع الرضعة و الثنتين؟ فقال: «لا يحرّم». فعددت عليه حتى أكملت عشر رضعات، فقال: «إذا كانت متفرقة فلا». «1»

و دلالة الرواية كما ترى بالمفهوم، و هو أنّ العشر إذا كانت متوالية فانّها تحرّم مع أنّ

عمر بن يزيد نفسه روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ الخمس عشرة رضعة لا تحرّم، كما مرّ، فكيف يمكن أن نأخذ عنه التحريم بالعشر.

و منها: ما رواه هارون بن مسلم عن مسعدة بن زياد العبدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرّم من الرضاع إلّا ما شدّ العظم و أنبت اللحم، فأمّا الرضعة و الثنتان و الثلاث حتى بلغ العشر إذا كنّ متفرقات فلا بأس» «2» و قد نقله هارون بن مسلم تارة عن مسعدة كما أوردناه و أُخرى بلا واسطة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.

و الاستدلال به بالمفهوم كسابقه. و أورد عليه في الجواهر بأنّ الظرف فيه إذا كان متعلّقاً بالبأس المنفي، اقتضى مفهومه تحريم ما دون العشر أيضاً مع الاجتماع «3» نعم، لا يرد ما ذكره على رواية عمر بن يزيد، كما هو واضح لمن تدبّر. غير أنّ دلالة هذا أيضاً بالمفهوم الذي لا يعدِل دلالة ما يخالفه.

و منها: ما رواه عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما ينبت اللحم و الدم ثمّ قال: أ ترى واحدة تنبته؟» فقلت: اثنتان أصلحك اللّه؟ فقال: «لا». فلم أزل أعد عليه حتى بلغت

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالرضاع» الحديث 5. و قد وقع في سند الشيخ الوارد في الوسائل المطبوعة سقط فالراوي عن عبد اللّه بن سنان هو الحسن بن علي ابن بنت الياس و هو الحسن بن علي بن زياد، ثقة من وجوه الطائفة. فالرواية صحيحة.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 9، و كذلك الحديث 19.

(3)

الجواهر: 29/ 284.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 271

عشر رضعات». «1»

و لكن في دلالة هذه الرواية نظر، إن لم نقل إنّه على خلافه أدلّ. فانّ الظاهر من ذيل الرواية «إنّي لم أزل أعدّ عليه حتّى بلغت عشر رضعات و هو يقول: لا».

و منها: ما رواه عبيد بن زرارة أيضاً قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا أهل بيت كبير، فربّما كان الفرح و الحزن الذي يجتمع فيه الرجال و النساء، فربّما استخفت المرأة أن تكشف رأسها عند الرجل الذي بينها و بينه رضاع، و ربّما استخف الرجل أن ينظر إلى ذلك، فما الذي يحرم من الرضاع؟ فقال: «ما أنبت اللحم و الدم» فقلت: و ما الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: «كان يقال: عشر رضعات»، قلت: فهل تحرم عشر رضعات؟ فقال: «دع ذا و قال: ما يحرم من النسب فهو يحرم من الرضاع». «2»

و لكن الرواية ظاهرة في الإعراض عن كفاية العشر فكيف تكون دليلًا عليها؟ مع أنّها لو سلّمنا دلالتها على العشر، كانت خارجة مخرج التقية و ما شابهها، كما لا يخفى. على أنّ عبيد هو الذي روى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «عشر رضعات لا يحرِّمن شيئاً». «3» فكيف، يمكن الاستناد على قوله هذا.

هذا غاية ما يمكن الاستدلال به على تحريم العشر، و لكن تعارضه روايات:

منها: صحيحة علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت: ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم و شدّ العظم». قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: «لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات». «4»

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 21.

(2)

المصدر نفسه، الحديث 18.

(3) المصدر نفسه، الحديث 3.

(4) المصدر نفسه، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 272

و منها: موثقة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: عشر رضعات لا يحرّمن شيئاً». «1»

و منها: موثقة عبد اللّه بن بكير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: عشر رضعات لا تحرم». «2»

و منها: موثقة زياد بن سوقة عن أبي جعفر عليه السّلام: «... فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد و أرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما». «3»

القضاء بين القولين:

إنّ عمدة ما دلّ على كفاية العشر في التحريم رواية الفضيل بن يسار، كما أنّ عمدة ما دلّ على لزوم الخمس عشرة، رواية زياد بن سوقة، فاللازم استفراغ الوسع في اختيار إحداهما و طرح الأُخرى، بعد عدم إمكان الجمع العرفي.

و قد أطنب صاحب الجواهر في الإشكال على رواية الفضيل بوجوه أخرجها بها عن حيّز الحجّية:

منها: أنّها مختلفة المتن، مع حذف العشر في بعض طرقها.

يلاحظ عليه، أنّ الاختلاف غير مضرّ إذا تعلّق القصد بالمذكور، و الناظر فيها بصورها المختلفة يقضي بأنّ هناك رواية واحدة نقل كلّ راو ما يتعلّق بغرضه، كما أنّ الاختلاف في المجبور، بالحاء أو الخاء أو الجيم غير مضرّ.

و منها: أنّها متروكة الظاهر، ضرورة عدم اعتبار نوم الصبي في التحريم.

يلاحظ عليه: أنّ ذكر النوم كناية عن الرضاع التام، فانّ نومه قرينة على

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 3.

(2) المصدر نفسه، الحديث 4.

(3) المصدر نفسه، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 273

شبعه لا أنّه دخيل

في التحريم تعبّداً.

و منها: عدم انحصار المحرّم في ذلك، فانّ رضاع المتبرعة أيضاً محرّم.

يلاحظ عليه: أنّ تعليق الحرمة بما ذكر في الرواية إنّما كان لأجل التحرز عن كفاية الرضعة و الرضعتين فما فوقهما ممّا دون العشر، فهي غير محرّمة، بخلاف الظئر المستأجرة و الخادم المشتراة و الأُمّ المربّية، فإنّ المتحقّق معهنّ غالباً هو الإرضاع بالعدد المحرّم فما فوقه.

و منها: أنّ قوله: «ثمّ ترضع عشر رضعات»، إن كان مختصّاً بالظئر، كان مخالفاً للظاهر عند الخصم.

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من الرجوع إلى الجميع باعتبار كلّ واحد. مع أنّ الموجود في النسخ «يرضع» بالياء» لا بالتاء، فإذا قرأ بالمجهول أو بالمعلوم كان راجعاً إلى الصبي، و ينتفي الإشكال من أصله.

و منها: أنّ في طريقها محمّد بن سنان الذي ضعّفه الشيخ و النجاشي و ابن الغضائري.

و فيه، أنّ ضعفه إن سلّم مجبور بعمل كثير من الأصحاب، و هذه طريقة القوم و طريقة صاحب الجواهر نفسه في مسائل كثيرة، فلما ذا أغمض عنها في هذا الموضع، مع أنّه كما وردت روايات في ذمّ محمّد بن سنان قد وردت أُخرى في مدحه؟ فتضعيفه محلّ نظر. و قد أوضحنا حاله في كتابنا «كلّيات في علم الرجال».

و الحقّ أنّ هذه الوجوه لا تصلح لإسقاطها عن الحجّية، فلا بدّ من الرجوع إلى المرجّحات التي منها الأبعدية عن قول العامة. و قد عرفت ممّا نقلناه سابقاً من كلام الشيخ في الخلاف و ابن رشد في بداية المجتهد، أنّ العامة يميلون إلى جانب القلّة، فيكون الخمس عشرة أبعد عن قولهم، فالعمل به متعيّن.

ثمّ على فرض عدم الترجيح بين الروايات، فهل المرجع في مورد الشكّ هو

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 274

آية

الحلّ، أعني: قوله سبحانه: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ) (النساء/ 24) أو أنّ المرجع قوله سبحانه: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ) (النساء/ 23) لصدق قوله (أَرْضَعْنَكُمْ) على الأقلّ من خمس عشرة رضعة. الظاهر هو الأوّل لوجهين:

1- ما ربما يقال من عدم وجود الإطلاق في المخصص لكونه بصدد بيان أصل التشريع، و لذلك اكتفى بذكر الأُمّهات و الأخوات من الرضاعة دون غيرهما. و لكنه موضع تأمّل.

2- على فرض التسليم، فقد قام الإجماع و تضافرت السنّة على أنّ الرضاع محرّم إذا بلغ عدد الرضعات حدّاً خاصّاً، و دار الأمر بين الأقلّ و الأكثر، فهو حجّة قطعاً في الأكثر و مشكوك الحجّية في الأقلّ، أعني: العشر رضعات، فلا يؤخذ إلّا بما هو حجّة قطعاً، و يرجع في المشكوك إلى العمومات التي هي حجّة مطلقاً، خرج ما خرج قطعاً. «1»

الثاني: التحديد بالأثر

و قد تضافرت عليه الروايات، نذكر منها ما يلي:

1- صحيحة حمّاد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و الدم» «2»

______________________________

(1) فيرجع هنا إلى عمومات الحلّ لأنّها محكمة في عمومها، و أمّا عموم (أُمّهاتُكُمُ اللّاتي أَرْضَعْنَكُمْ) لو سلّم و كذا عموم «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فانّ موضوعه هو الرضاع الخاص و صدقه مشكوك، فلا ندري هل هو العشر رضعات أو الخمس عشرة رضعة؟ الثاني متيقّن التحريم بالإجماع من الجميع و الأوّل مشكوك المصداقية فلا يتمسّك فيه بالعام، بل نلجأ إلى عمومات أُخرى و هي عمومات الحلّ السالمة عن أيّة شبهة.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 3، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1،

ص: 275

2- ما رواه عبد اللّه بن سنان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم». «1»

3- صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام و أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى و كان ذلك عِدَّة، أو نبت لحمه و دمه عليه، حرم عليه بناتهنّ كلهنّ». «2»

4- و صحيحته عن أبي جعفر أو أبي عبد اللّه عليهما السّلام قال: «إذا رضع الغلام من نساء شتّى فكان ذلك عدّة، أو نبت لحمه و دمه عليه، حرم بناتهنّ كلّهن». «3»

و يظهر من كثير من الروايات أنّه الأصل و أنّ التحديد بالعدد و الزمان طريقان إليه، و دونك بعضها:

5- ما رواه علي بن رئاب في الصحيح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت ما يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم و شدّ العظم». قلت: فيحرم عشر رضعات؟ قال: «لا، لأنّه لا تنبت اللحم و لا تشدّ العظم عشر رضعات». «4»

6- ما رواه مسعدة بن زياد العبدي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما شدّ العظم و أنبت اللحم، فأمّا الرضعة و الثنتان و الثلاث حتّى بلغ العشر إذا كنّ متفرّقات فلا بأس». «5»

7- ما عن عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا أهل بيت

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 3، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه، الحديث 3.

(3) المصدر نفسه، الباب 15، الحديث 2. و الظاهر اتّحادها مع الرواية السابقة إلّا أنّ الكليني أوردهما في موضعين من كتابه مع اختلاف طفيف في المتن.

(4)

المصدر نفسه، الباب 2، الحديث 2.

(5) المصدر نفسه، الحديث 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 276

كبير ... إلى أن قال: فما الذي يحرم من الرضاع؟ قال: «ما أنبت اللحم و الدم»، فقلت: و ما الذي ينبت اللحم و الدم؟ فقال: «كان يقال عشر رضعات» الحديث. «1»

8- و ما رواه أيضاً عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الرضاع ما أدنى ما يحرم منه؟ قال: «ما ينبت اللحم و الدم ثمّ قال: أ ترى واحدة تنبته؟» فقلت: اثنتان أصلحك اللّه فقال: «لا»، فلم أزل أعد عليه حتّى بلغت عشر رضعات. «2»

9- ما رواه عبد اللّه بن سنان عن أبي الحسن عليه السّلام قال: قلت له: يحرم من الرضاع الرضعة و الرضعتان و الثلاثة؟ قال: «لا، إلّا ما اشتدّ عليه العظم و نبت اللحم». «3»

و قد علّل في بعض الروايات شرطية امتلاء بطن الرضيع بأنّه الذي ينبت اللحم و الدم.

10 عن ابن أبي يعفور قال: سألته عمّا يحرم من الرضاع؟ قال: «إذا رضع حتى يمتلي بطنه، فانّ ذلك ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يحرم». «4»

1- 1 و روى محمّد بن أبي عمير، عن بعض أصحابنا رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم هو الذي يرضع، حتّى يتضلع، و يتملى، و ينتهي نفسه». «5»

و يلوح من جميع ما أوردناه أنّ الأثر هو الأصل في التحريم، و قد جعل الشارع العدد و الزمان طريقين إلى حصوله و تحقّقه.

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 18.

(2) المصدر نفسه، الحديث 21.

(3) المصدر نفسه، الحديث 23.

(4) المصدر نفسه، الباب 4، الحديث 1.

(5) المصدر

نفسه، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 277

ثمّ إنّه جعل الأثر في سبعة منها، أعني: الرواية الأُولى و الثالثة و الرابعة و السابعة و الثامنة و العاشرة و الحادية عشرة، إنبات اللحم و الدم. و في أربعة منها، أعني: الثانية و الخامسة و السادسة و التاسعة، إنبات اللحم و العظم. و لا يخفى أنّ الدم أسرع نباتاً من اللحم، و هو أسرع من العظم. فلو كان الميزان هو الدم، لحصل التحريم قبل أن يتحقّق الثاني و الثالث. و سيأتي التوفيق بين الطائفتين.

الثالث: التحديد بالمدّة
اشارة

تضاربت الروايات أيضاً في تحديد مدّة الرضاع المحرّم، و هي على طوائف:

الأُولى: ما دلّ على أنّ المحرِّم الارتضاع حولين كاملين

و هو:

1- ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرضاع؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين» «1»

2- ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان حولين كاملين». «2»

و ظاهرهما متروك لم يذهب إليه أحد، و قد حمل الشيخ الحولين على كونهما ظرفاً للرضاع بتقدير «في» فكأنّه قال: لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد في حولين كاملين.

الطائفة الثانية: ما دلّ على أنّ المحرّم الارتضاع سنة،

و هو:

1- ما رواه العلا بن رزين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 5، الحديث 8، و أراد عليه السّلام من التقييد بثدي واحد الإشارة إلى لزوم وقوع الكمّية المحرّمة من امرأة واحدة.

(2) المصدر نفسه، الحديث 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 278

الرضاع؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة». «1»

قال الشيخ: «هذا نادر مخالف للأحاديث كلّها». و قد حاولوا التخلّص عن ظاهره بتوجيهات عديدة، منها التصرف في العبارة أي «من ثدي واحد سُنة» بضم السين و تشديد النون، و هو خلاف الظاهر. و ربّما حمله البعض على التقية، و هذا غير تامّ لأنّ العامة يميلون إلى القلّة لا إلى الكثرة.

قال صاحب الوسائل في ذيل الحديث: «يمكن حمله على التقية و الحصر الإضافي بالنسبة إلى ما دون الخمس عشرة، أو بالنسبة إلى ما ارتضع من لبن فحلين و أن يكون «سنة» ظرفاً للرضاع كما يأتي في مثله و مفهومه غير مقصود».

و كيف كان لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها لما يأتي من

الأخبار و لمخالفتها إجماع الطائفة.

2- ما رواه الصدوق في المقنع قال: «و روي أنّه لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد سنة». «2»

و فيه ما في سابقه مع أنّه مرسل.

الطائفة الثالثة: ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع مدّة مديدة

يمكن استفادة هذا المعنى من رواية الفضيل بن يسار التي تقدّمت مناقشتها متناً و سنداً فانّ فيها عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان مخبوراً، قلت: و ما المخبور؟ قال: أُمّ مربية أو أُمّ تربى، أو ظئر تستأجر، أو خادم تشترى، أو ما كان مثل ذلك، موقوفاً عليه» «3» فانّ إرضاع كلّ من المربّية

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 13.

(2) المصدر نفسه، الحديث 17، هذا ما ذكره في الوسائل، و لم نجده في المقنع و لا في الهداية.

(3) المصدر نفسه، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 279

و المستأجرة و الخادم لا يكون مدّة قصيرة، بل المتبادر منه إرضاعه فترة طويلة من الزمن. و يؤيّده قوله في ذيل الرواية «أو ما كان مثل ذلك موقوفاً عليه»، فبيّن أنّه لا خصوصية فيما ذكره إلّا من جهة كونه موقوفاً على الولد لإرضاعه.

و حيث إنّ هذه الرواية بنظرنا متّحدة مع الرواية الأُخرى التي رواها فضيل عن أبي جعفر عليه السّلام و يذيّلها «ثمّ يرضع عشر رضعات» «1» فلا يمكن التمسك بها من دون الذيل، و لا الأخذ بما تفيده حينئذ من اعتبار المدّة الطويلة.

الطائفة الرابعة: ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع خمسة عشر يوماً و لياليهنّ

و هو ما نقله الصدوق في الهداية قال: و روي لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوماً و لياليهنّ، ليس بينهنّ رضاع». «2»

و لا يخفى عدم حجّيته لكونه مرسلًا.

الطائفة الخامسة: ما دلّ على أنّ المحرّم هو الرضاع ثلاثة أيّام

و هو ما روي في الفقه الرضوي قال: «و الحدّ الذي يحرم به الرضاع ممّا عليه

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 11.

(2) المصدر نفسه، الحديث 15. كذا في الوسائل و حمله على ما لو رضع كلّ يوم رضعة. و في المقنع «لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع يوم و ليلة، أو خمس عشرة رضعة متواليات لا يفصل بينهنّ» كما سيأتي، و فيه أيضاً: «و لا يحرم الرضاع ثلاثين رضعة متفرقة» و في الهداية و قال النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب إلّا رضاع خمس عشرة يوماً و لياليهنّ و ليس بينهنّ رضاع».

و لكن قال العلّامة في المختلف نقلًا عن الصدوق في المقنع قال: «و روي أنّه لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع خمسة عشر يوماً و لياليهنّ ليس بينهنّ رضاع. و به كان يُفتي شيخنا محمّد بن الحسن رحمه اللّه و أراد به شيخه ابن الوليد. و نقل عنه أيضاً الرضاع سنة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 280

العصابة دون كلّ ما روي فإنّه مختلف ما أنبت اللحم و قوي العظم، و هو رضاع ثلاثة أيّام متواليات، أو عشر رضعات متواليات (محرزات مرويات بلبن الفحل)، و قد روي مصّة و مصّتين و ثلاث». «1»

و لا يخفى عدم حجّية الرواية، فلا اعتماد عليها. مضافاً إلى البون الشاسع بين العلامتين الثلاثة أيّام متواليات و العشر رضعات متواليات

كما هو واضح.

فكلّ ما تقدّم من الروايات متروك أو مؤوّل كما عرفت، مع انعقاد الإجماع على خلافه. و المعوّل عليه في تحديد المدّة ما يلي:

الطائفة السادسة: ما دلّ على اليوم و الليلة،

و هو:

1- موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات». الحديث. «2»

2- يؤيّده ما رواه الصدوق في المقنع قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما أنبت اللحم و شدّ العظم» قال: و سئل الصادق (أبو جعفر خ ل) عليه السّلام: هل لذلك حدّ؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا رضاع يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعةً متواليات لا يفصل بينهن». «3»

و قد ادّعى صاحب الجواهر و غيره فتوى الطائفة عليه من دون مخالف. و عليه العمل.

______________________________

(1) الفقه المنسوب إلى الرضا عليه السّلام: 234.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه، الحديث 14، و الظاهر أنّهما رواية واحدة، خاصة مع نقلها في المقنع في نسخة عن أبي جعفر عليه السّلام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 281

مشكلة عدم الانعكاس بين المدّة و كلّ من العدد و الأثر

إنّ ظاهر الموثقة هو الاكتفاء بالمدّة في نشر الحرمة و إن لم يبلغ العدد، و هو مشكل، ضرورة لغوية التحديد بالعدد حينئذ. فالظاهر تحقّق المدّة غالباً قبل تحقّق العدد، فإنّ الطفل حسب العادة لا يرضع في اليوم و الليلة أزيد من عشر رضعات أو اثنتي عشرة كما هو ظاهر لمن لاحظ ولده الرضيع أو استفسر عمّن له ولد رضيع. فما ذكره صاحب الجواهر معلّلًا الاكتفاء بالمدّة و إن لم يبلغ العدد بقوله: «يمكن أن يكون تحديد الشارع ملاحظاً فيه الوسط من الناس، فانّه كما اعترف به في المسالك يأتي على العدد تقريباً» لا يخلو من نظر.

و لأجل هذا الإشكال التجأ الشيخ، و العلّامة في التذكرة إلى أنّهما (أي

اليوم و الليلة أو الأثر) لمن لم يضبط العدد، و مقتضاه عدم اعتبارهما مع العلم بالنقص عن العدد.

و الحقّ أنّ عدم انعكاس العلامتين (المدّة و العدد) معضلة تحتاج إلى تدبير تام للدفاع عنها. «1»

و أمّا عدم الانعكاس من جانب الأثر فغير مضرّ، ضرورة ندرة اتفاق حصول الأثر المحسوس قبل المدّة و العدد، فالقول بكون الأثر علامة مستقلّة، لا يضرّ بكون العدد و المدّة علامتين.

على أنّ للأثر مادّة افتراق لا يزاحم فيها العلامتين و هي ما إذا تحقّق الأثر

______________________________

(1) أقول: يمكن أن يقال: إنّ طبيعة التحديد بالعدد تقتضي كون الرضعات كاملة، و على هذا يكون تحديد الشارع المحرّم بالمدّة ناظراً إلى الرضعات الناقصة فحسب. و على ذلك، فلو وقع الرضاع برضعات كاملة اشترط وقوع خمس عشرة رضعة مع الشرائط الآتية حتى يحصل التحريم. و لو وقع الرضاع برضعات ناقصة متتالية اشترط أن يستغرق مدّة يوم و ليلة حتى يحصل التحريم. (المقرّر)

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 282

نتيجة رضاع لفترة طويلة تخلّلها رضاع من امرأة أُخرى، فإنّ الحقّ أنّه يحرم، و إن كان بالنظر إلى العدد و المدّة غير واجد لشرائطهما.

هاهنا فروع:
الأوّل: إنّ اليوم و الليلة عنوانان مشيران إلى الظرف الخاص الذي يرضع فيه الصبيّ،

فلا يعتبر خصوص اليوم و الليلة الحقيقيين، بل يكفي الملفّق منهما. و خاصة مع ملاحظة ما نبّه عليه الشيخ الأعظم في رسالته في المقام بما مغزاه أنّ قوله عليه السّلام: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة»، أظهر في صدقه على الملفّق من صدق: يحرم رضاع يوم و ليلة. «1»

الثاني: إذا أطعم الرضيع في أثناء اليوم و الليلة طعاماً آخر،

فالظاهر كونه مضرّاً بصدق رضاع يوم و ليلة، لأنّ المتبادر كون غذاؤه في ذاك الظرف هو اللبن الذي يرضعه. نعم، لا يضرّ الغذاء القليل، غير المؤثر في جوعه و عطشه.

الثالث: هل المعتبر في الرضاع يوماً و ليلة، رضاع نوع الأطفال الرضّع، أو المناط فيه حال شخص الطفل الراضع.

الظاهر هو الثاني، سواء كان شربه اللبن أكثر من المتعارف أو أقلّ منه، لأنّ الحكم هنا تابع لموضوع نفسه.

الرابع: يشترط في نشر الحرمة بالإرضاع يوماً و ليلة احتمال تأثير اللبن في شدّ العظم و إنبات اللحم.

فلو فرض حصول العلم بعدم التأثير فلا نشر. لأنّ

______________________________

(1) قال رحمه اللّه في رسالته في الرضاع الملحقة بالمكاسب، ص 4: «و هل يعتبر ابتداء الرضاع في ابتداء اليوم و انتهائه في آخر الليلة أو العكس، أو يكفي الملفق لو ابتدأ في أثناء أحدهما؟ وجهان: أقواهما الثاني، إمّا لصدق رضاع يوم و ليلة عرفاً على رضاع الملفّق، و إمّا لأنّ الرضاع في الملفّق لا يكون أقلّ من رضاع يوم و ليلة بل يكون مساوياً له، فلا تدلّ الرواية على انتفاء النشر به، فيبقى داخلًا تحت الإطلاقات الدالّة على النشر، و التعويل على الوجه الأوّل».

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 283

المتبادر أنّ ملاك نشر التحريم، تأثير اللبن في شدّ العظم و نبات اللحم، غاية الأمر أنّ الزمان أو العدد طريقان إليهما، فإذا علم التخلف فلا تحريم. نعم احتمال التأثير كاف، لأنّ العلم بالأثر أمر مشكل.

الشرط الثالث: كيفية الرضاع
اشارة

يشترط في الرضاع الناشر للحرمة، من حيث الكيفية، ثلاثة شروط:

الأوّل: أن تكون الرضعة كاملة.

الثاني: أن تكون الرضعات متوالية.

الثالث: أن يرضع من الثدي، فلا يكفي الوجور.

1- اشتراط كمال الرضعة
اشارة

أمّا اشتراط كمالية الرضعة، فيدلّ عليه مرسل ابن أبي عمير: عن بعض أصحابنا رواه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الرضاع الذي ينبت اللحم و الدم، هو الذي يرضع حتّى يتضلع و يتملى و ينتهي نفسه». «1»

و خبر ابن أبي يعفور قال: سألته عمّا يحرم من الرضاع، قال: «إذا رضع حتّى يمتلي بطنه، فانّ ذلك ينبت اللحم و الدم و ذلك الذي يُحَرِّم» «2»

و رواية الفضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا المخبورة أو خادم أو ظئر، ثمّ يرضع عشر رضعات، يروي الصبي و ينام» «3» فانّ ذيلها دالّ على كون الرضعة كاملة تروي الصبي فينام. و التقليد

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 2.

(2) المصدر نفسه، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه، الباب 2، الحديث 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 284

بالنوم لمجرّد الإشارة إلى شبع الولد من اللبن.

و هل كمالية الرضعة شرط في كلّ من الأثر و العدد و المدّة أو تختص ببعضها؟

أمّا شرطيته في العدد فممّا لا ريب فيه. و ذلك، (مضافاً إلى انصراف دليله إلى الرضعات الكاملة)، أنّه لو كفت الناقصة للزم هدم الحدّ الذي اعتنى به الشارع و جعله حداً، فانّ لازم ذلك، الاكتفاء بخمس عشرة مصّة أو أكثر منها بقليل، و هو بمجموعه ربّما لا يكاد يعادل الرضعة الواحدة، و هذا مضافاً إلى أنّه لا ينبت و لا يشدّ رجوع إلى القول بالاكتفاء بالرضعة الواحدة، لبّاً، مع أنّ

الناظر في أخبار الباب يحدس بأنّ الشارع اعتبر في نشر الحرمة بالرضاع مرتبة خاصة يتكوّن معها لحم الصبي و عظمه من لبن المرضعة، و لم يكتفِ بالإنبات و الشدّ العقليين اللذين يحصلان بالرضعة الواحدة فما فوقها.

و هذا مضافاً إلى المرسل و الخبر الماضيين، فانّ القدر المتيقّن منهما هو العدد دون الأثر، فانّه يحصل بالرضعات الناقصة إذا استمرّ الرضاع مدّة طويلة، كما لا يخفى. و لا يشترط فيه التضلّع و التملي.

و منه يظهر عدم اشتراط كمالية الرضعة في النشر بالأثر، فانّ الملاك فيه هو شدّ العظم و نبات اللحم، و هو كما يحصل بالرضعات الكاملة، يحصل بالناقصة أيضاً على الوجه الذي ذكرناه. و أمّا الروايتان (المرسل و الخبر) فقد عرفت حالهما و لو أخذ بظاهرهما المتوهم للزم خلاف الواقع، فانّ النبات لا يتوقّف على الكمال.

و أمّا شرطيته في التحريم بالمدّة، فربّما يقال بالشرطيّة لأجل عدم صدق رضاع يوم و ليلة بالرضعات الناقصة. و لكنّه ضعيف جداً، فانّ الملاك في التحريم بالتقدير الزماني هو أن يعيش الطفل على لبن المرضعة و يتغذّى به. و هذا كما يحصل بالرضعات الكاملة يحصل بالناقصة أيضاً، غاية الأمر انّ عدد الرضعات في اليوم و الليلة يزيد إذا كانت الرضعات ناقصة، و ينقص إذا كانت كاملة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 285

و إن شئت قلت: إن كان التقدير بالزمان أمارة على حصول الغاية، أعني: الإنبات و الشدّ، فلا فرق بين رضاعه الرضاع الناقص أو الكامل، بعد فرض أنّ الطفل لا يبقى جائعاً طوال الزمان المفروض، و لو فرض ارتضاع الصبي بعض الرضعة ثمّ اشتغل بلعب و نحوه، ثمّ بعد فصل طويل رضع رضعة كاملة، و هكذا في جميع المدّة

يصدق عليه رضاع يوم و ليلة.

الميزان في كمال الرضعة

قد ذكر لحدّ كمال الرضعة في كلامهم أمران: الأوّل: أن يرجع في تقدير الرضعة إلى العرف. و الثاني: أن يروّى الصبي و يصدر من قبل نفسه. و الحدّ الثاني مأخوذ من الرواية التي تقدّمت عند البحث عن شرطية كيفية الرضعة.

و الظاهر رجوع الأمرين إلى شي ء واحد، و أنّ الملاك شبعه من اللبن بحيث لا يحتاج إلى الرضاع. و أمّا قوله عليه السّلام: «حتّى يتضلّع (أي تمتلئ أضلاعه) و يتملى و ينتهي نفسه»، فمحمول على الغالب، فانّ هذا هو الغالب على الأطفال إذا شبعوا.

2- اشتراط توالي الرضعات

و الأصل في اشتراط توالي الرضعات، موثقة زياد بن سوقة قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينهما رضعة امرأة غيرها ...». «1»

و هل القيد «متواليات لم يفصل بينها» راجع إلى الأخير، أو إليه و إلى الأوّل؟

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 286

وجهان. «1»

ثمّ إنّ ظاهره كون التوالي بمعنى عدم الفصل برضاع من امرأة أُخرى، و أمّا شموله الفصل بالإطعام أو إيجار اللبن فالظاهر كونه مخلًا، و إنّ قوله: «لم يفصل ...» من باب المثال.

و على أيّ تقدير يكفي في شرطية التوالي وروده في هذه الموثقة عند التقدير بالعدد، و الزمان معاً، هذا مضافاً إلى أنّ ظاهر قوله: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة» كون الرضاع في ذلك الظرف من لبنها خاصة دون غيره، فلو ارتضع في أثنائه من غيرها لم يصدق أنّه رضع منها يوماً و ليلة،

بل بعض يوم أو بعض ليلة. و القول بكفاية التلفيق في المقام بأن يرضع من لبنها في اليوم اللاحق مثل المقدار الذي رضعه من غيرها في اليوم الأوّل، يحتاج إلى دليل.

و أمّا التقدير بالأثر، فالظاهر عدم اشتراطه بالتوالي، لحصول الملاك المنصوص في الحديث، حصل التوالي أم لم يحصل، كما لا يخفى.

3- اشتراط كون الرضاع من الثدي

أمّا اشتراط كون الرضاع من الثدي، فالعامة فيه على قولين. قال ابن رشد: «و أمّا هل يُحرِّم الوجور و اللدود، و بالجملة ما يصل إلى الحلق من غير رضاع؟ فإنّ مالكاً قال: «يحرم الوجور و اللدود»، قال عطاء و داود: «و لا يحرم». و سبب اختلافهم هل المعتبر وصول اللبن كيفما وصل إلى الجوف، أو وصوله على الجهة المعتادة؟ فمن راعى وصوله على الجهة المعتادة، و هو الذي يطلق عليه اسم الرضاع، قال: لا يحرم الوجور و لا اللدود، و من راعى وصول اللبن إلى الجوف

______________________________

(1) هو و إن كان راجعاً لفظاً إلى الأخير دون الأوّل و هو الرضاع في اليوم و الليلة و إلّا ناسبه أن يقول: «متوالياً» إلّا أنّه لا يمتنع رجوعه روحاً و معنى إليهما.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 287

كيفما وصل، قال: يحرم». «1»

و أمّا عندنا، فمن ذهب إلى الاشتراط تمسك بعدم تحقّق الرضاع بدونه، و بصحيحة العلاء بن رزين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرضاع؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضع من ثدي واحد، سنة». «2»

و خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرضاع؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد، حولين كاملين». «3»

و فيه، منع عدم صدقه خصوصاً في بعض

الصور، كالوجور من الثدي من دون امتصاص أو و جور الحليب إذ شرطية التقام الثدي أو امتصاصه غير واضحة.

و الروايتان، مضافاً إلى الشذوذ في متنهما، ناظرتان إلى لزوم وحدة المرضعة أثناء الارتضاع سنة أو سنتين من دون نظر إلى شرطية كون ذاك الرضاع من الثدي، هذا مع ما عرفت من اشتمالهما على ما لا نقول به من السنة و السنتين.

فالأحوط، إن لم يكن أقوى، نشر الحرمة في بعض الصور التي ليست بعيدة عن المتعارف، كالإيجار مباشرة من الثدي في حلق الصبي عند رفضه التقامه.

و أمّا لو أفرغ اللبن في وعاء ثمّ جعله جبناً و أُطعم للصبي فلا يحرم قطعاً. «4»

و هل يلزم الامتصاص من الثدي من الحَلَمة، أو يكفي الامتصاص من ثقب في الثدي، ناشر للحرمة أيضاً؟ الثاني أقرب إلى الاحتياط، بل لا يخلو من قوّة.

ثمّ، لو رضع من ثدي المرأة الحية بعض الرضعات ثمّ أكملها منها و هي ميتة، لم ينشر الحرمة للشك في صدق إطلاقات الرضاع على هذا المورد، مضافاً إلى

______________________________

(1) بداية المجتهد: 2/ 37.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم بالرضاع، الباب 2، الحديث 13.

(3) المصدر نفسه، الباب 5، الحديث 8.

(4) لعدم تبادره من روايات الباب بلا شبهة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 288

أنّها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام بها، كما ذكر المحقّق في شرائعه، و لا يصلح قياس الميتة بالنائمة و الغافلة بل المغشي عليها.

الشرط الرابع: وقوع الرضاع فيما دون الحولين
اشارة

يشترط وقوع الرضاع جميعه فيما دون الحولين من عمر الراضع، فإذا وقع بعضه أو جميعه فيما زاد عن الحولين لم ينشر الحرمة. و لكن في المسألة أقوال مختلفة عند العامة و الخاصة.

قال ابن رشد: «اتّفقوا على أنّ الرضاع يحرم في الحولين،

و اختلفوا في رضاع الكبير. فقال مالك و أبو حنيفة و الشافعي و كافّة الفقهاء: لا يحرم رضاع الكبير، و ذهب داود و أهل الظاهر إلى أنّه يحرم، و هو مذهب عائشة و مذهب الجمهور: و هو مذهب ابن مسعود و عمر و أبي هريرة و ابن عباس و سائر أزواج النبي عليه الصلاة و السلام «1» ثمّ أورد أدلّة الفريقين.

و قال شيخ الطائفة في الخلاف: «الرضاع إنّما ينشر الحرمة إذا كان المولود صغيراً، فأمّا إن كان كبيراً، فلو ارتضع المدّة الطويلة لم ينشر الحرمة، و به قال عمر ابن الخطّاب (عمرو بن العاص خ ل)، و ابن عمر، و ابن عباس، و ابن مسعود، و هو قول جميع الفقهاء: أبو حنيفة و أصحابه و الشافعي و مالك و غيرهم. و قالت عائشة: رضاع الكبير يحرم كما يحرم رضاع الصغير. و به قال أهل الظاهر» ثمّ أورد أدلّة مختارة. «2»

و قال رحمه اللّه في مسألة أُخرى: «القدر المعتبر في الرضاع المحرِّم ينبغي أن

______________________________

(1) بداية المجتهد: 2/ 26.

(2) الخلاف 3/ 7069، كتاب الرضاع، مسألة 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 289

يكون كلّه واقعاً في مدّة الحولين. فإن وقع بعضه في مدّة الحولين، و بعضه خارجاً لم يحرم، مثاله: أنّ من راعى عشر رضعات من أصحابنا أو خمس عشرة رضعة على ما اعتبرناه، فإن وقع خمس رضعات في مدّة الحولين و باقيها بعد تمام الحولين، فانّه لا يحرم. قال الشافعي: إن وقع أربع رضعات في الحولين و خامسها بعدهما، ينشر الحرمة. و به قال أبو يوسف و محمّد. و عن مالك روايات، المشهور منها حولان و شهر، فهو يقول: المدّة خمسة و عشرون

شهراً، فخالفنا في شهر. و قال أبو حنيفة: المدّة حولان و نصف، ثلاثون شهراً. و قال زفر: ثلاثة أحوال، ستة و ثلاثون شهراً» ثمّ ذكر أدلّة ما اختاره. «1»

و كيف كان فالأقوال عند الخاصة ثلاثة مع احتمال رابع:

1- كون الراضع في الحولين سواء فطم أو لا، و هذا هو المشهور.

2- كون الراضع في الحولين مع عدم فطامه. و هذا هو المحكي عن ابن أبي عقيل.

3- يكفي عدم الفطام و إن كان بعد الحولين، و هو قول الإسكافي.

و أمّا كفاية مطلق الرضاع في نشر الحرمة و لو بعد الحولين مع الفطام أيضاً فلم يقل به أحد.

و يدلّ على قول المشهور ما يحدّد الرضاع بعدم الفطام، و تفسيره بالحولين:

روى حمّاد بن عثمان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا رضاع بعد فطام». قلت: و ما الفطام؟ قال: «الحولين الذي قال اللّه عزّ و جلّ». «2»

و عليه يحمل ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال

______________________________

(1) الخلاف: 3/ 7069، كتاب الرضاع، مسألة 5.

(2) الوسائل: ج 14، كتاب النكاح، ما يحرم بالرضاع، الباب 5، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 290

رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: لا رضاع بعد فطام». «1»

و كذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا رضاع بعد فطام». «2»

و كذلك ما رواه زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرضاع؟ فقال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما ارتضعا من ثدي واحد حولين كاملين». «3»

و كذلك ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحرم من الرضاع إلّا ما كان حولين

كاملين» «4»

و أمّا ما ذهب إليه الحسن ابن أبي عقيل فيدلّ عليه صحيح الفضل بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الرضاع قبل الحولين قبل أن يفطم» «5» و به يقيّد إطلاق ما يدلّ على كفاية الرضاع في الحولين مطلقاً، فطم أم لا، و جعل قوله «قبل أن يفطم» تفسيراً لما قبله، خلاف الظاهر.

و يؤيّده ما في الكافي في ذيل رواية منصور بن حازم أنّ معنى قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا رضاع بعد فطام»، أنّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما تفطمه، لا يحرم ذلك الرضاع التناكح. نعم سبق في التعليق انّ التفسير من الكليني.

و لو لا الخوف من الشهرة و الاتّفاق المحكي لكان الأخذ به متعيّناً. و مع الشكّ في الشرطية فالمرجع هو أصالة الحلّ فيما إذا رضع بعد الفطام، لا أصالة

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 290

______________________________

(1) المصدر نفسه، الحديث 1. أقول: و قوله في ذيل الرواية «فمعنى قوله: «لا رضاع بعد فطام» أنّ الولد إذا شرب لبن المرأة بعد ما تفطمه، لا يحرم ذلك الرضاع التناكح، فهو من تفسير الكليني. بقرينة تفرّده في نقله، فانّ الصدوق نقل الرواية في المجلس الستين من أماليه من دون هذا الذيل.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، ما يحرم بالرضاع، الباب 5، الحديث 2.

(3) المصدر نفسه، الحديث 8.

(4) المصدر نفسه، الحديث 10.

(5) المصدر نفسه، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 291

البراءة من الشرطية، لعدم جريان أدلّتها في المقام، إذ لا كلفة في شرطيته حتّى يرتفع بها،

بل الكلفة أعني الحرمة حاصلة من رفع الشرطية، كما لا يخفى.

و أمّا القول بالنشر بالرضاع بعد الحولين إذا لم يفطم، فتردّه النصوص و الإجماع المحقّق. و لا يتمّ الاستدلال عليه بخبر داود بن الحصين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الرضاع بعد الحولين قبل أن يفطم محرّم (يحرّم)». «1»، فانّه معرض عنه، مع أنّه موافق لمذهب بعض العامة فيحمل على التقية.

هل يشترط ذلك في ولد المرضعة؟

ربما يقال بأنّه يشترط كون ولد المرضعة في الحولين و نقل ذلك عن أبي الصلاح و ابني حمزة و زهرة، و عن الغنية الإجماع عليه لأصالة الحلّية، و إطلاق «لا رضاع بعد فطام»، و إطلاق الحولين. و قد فهم ابن بكير ذلك حيث سأله ابن فضال في المسجد فقال: «ما تقولون في امرأة أرضعت غلاماً سنتين، ثمّ أرضعت صبيّة، لها أقلّ من سنتين حتّى تمّت السنتان، أ يفسد ذلك بينهما؟ قال: «لا يفسد ذلك بينهما، لأنّه رضاع بعد فطام، و إنّما قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا رضاع بعد فطام»، أي أنّه إذا تمّ للغلام سنتان أو الجارية، فقد خرج من حدّ اللبن و لا يفسد بينه و بين من شرب (يشرب منه خ ل) لبنه» قال: «و أصحابنا يقولون إنّه لا يفسد إلّا أن يكون الصبيّ و الصبيّة يشربان شربة شربة». «2»

و لكن الانصاف أنّ الأصل لا مجال له بعد إطلاق الأدلّة، لو قلنا به و انصراف قوله: «لا رضاع بعد فطام» و الحولين إلى المرتضع، تحقيقاً لمعنى التنزيل، أي فكما أنّ مدّة ارتضاع الولد الحقيقي لا تتجاوز السنتين، فهكذا الولد التنزيلي

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، أبواب ما يحرم من الرضاع، الباب 5، الحديث 7.

(2) المصدر

نفسه، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 292

لا يتجاوز ذلك الحدّ. فلا يتحقّق التنزيل إلّا إذا رضع في ضمن هذا الحدّ، و لا يصير ولداً إلّا بهذا الشرط و لا ربط له بولد المرضعة.

و يؤيّده ما رواه الترمذي: «لا رضاع إلّا ما فتق الأمعاء من الثدي و كان قبل الفطام» «1» فانّه ناظر إلى الراضع و لا ارتباط له بولد المرضعة أصلًا. و أمّا فهم ابن بكير فليس حجّة علينا.

نعم، نقل في الجواهر عبارات المقنعة و النهاية و المبسوط و الخلاف و المراسم و ادّعى إجمالها و عدم ظهورها في عدم اشتراطه. و لكن الانصاف عدم الإجمال فيها، بل هي بإطلاقها تنفي اشتراط شي ء آخر في الرضاع.

و قد أيّد صاحب الجواهر فهم ابن أبي بكير بأنّه لو نزّل كلام الأصحاب على إرادة حولي المرتضع خاصة، فعندئذ يكون لا حدّ عندهم لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة فانّه يبقى رضاعها مؤثراً و لو سنين متعددة، و هو مع إشكاله في نفسه لكونه حينئذ كالدّرّ، مناف لعادتهم من عدم إهمال مثل ذلك، خصوصاً بعد أن تعرض له العامة. «2»

يلاحظ عليه: أنّه لا مانع من أن لا يكون لمدّة الرضاع بالنسبة إلى المرضعة حدّ، ما دام يصدق على عملها الرضاع، و على ما يتغذى به المرتضع اللبن. مع أنّ الخاصة إذا أهملته، فقد أهمله العامة أيضاً فلم يتعرّضوا لحدّ الرضاع بالنسبة إلى المرتضع كما لا يخفى على من أمعن النظر فيها.

على أنّه، يمكن إثبات نشر الحرمة عن طريق الاستصحاب، فيقال بأنّ إرضاع هذه المرأة عند ما كان ولدها دون الحولين كان سبباً لنشر الحرمة، و الأصل بقاؤه على ما كان.

______________________________

(1) حاشية التاج: 2/ 266.

(2) الجواهر:

29/ 299.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 293

هاهنا فروع تترتّب على ما مضى:

1- لو مضى من عمر ولدها أكثر من حولين، ثمّ ارضعت من هو دون الحولين، نشر الحرمة على المختار، دون القول الآخر.

2- لو مضى لولدها أكثر من حولين، ثمّ أرضعت من هو دونهما، العدد إلّا رضعة واحدة، فتمّ حولاه، ثمّ رضع الباقي بعدهما، لم ينشر على القولين، لوقوع بعض الرضعات خارج الحولين.

و هنا بحث لا يختص بالمقام و هو أنّ التحديدات الواردة في الشرع من الأوزان و المثاقيل، و الشهور و السنوات، و التقدير بالأشبار و المساحات، هل تجب فيها الدقة العقلية، فلو وقعت الرضعة أو بعضها في الدقائق المتعلّقة بالسنة الثالثة، لما نشرت الحرمة، لأنّه لا يصدق عليه أنّه رضع في الحولين، أو نُقِص الماء المقدّر بالأرطال و الأشبار مقداراً طفيفاً، أو كانت الغلّة قريبة من النصاب و لم ينقص منها إلّا مثقالًا أو مثقالين، لما كان الماء عاصماً و لا تعلّقت الزكاة بالغلّة، لعدم صدق الحدّ بالدقة العقلية.

أو يكفي فيه الصدق العرفي، إذا كان العرف منعزلًا عن الدّقة العقلية. فإذا كانت الحنطة الموجودة مائة منّ إلّا مثقالًا، أو كان الماء مائة منّ إلّا مثقالين، فلا يتوقّف العرف في إطلاق المائة عليهما، مع علمه بالنقصان.

فإذا كانت التحديدات الشرعية واردة على مستوى الأفهام العرفية من دون مراعاة تلك الدقة العقلية، فيدور الحكم مدار صدقها العرفي، و إن كان الموضوع منتفياً في نظر العرف. و على ما ذكرناه تبتني أحكام متعددة في مختلف الأبواب و منها نشر الحرمة في الفرع المزبور.

3- الصورة السابقة مع وقوع الرضعة الأخيرة في الحولين، لكنّه لم يرتوِ منها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 294

فيهما. و الكلام

فيها عين ما تقدّم في سابقتها.

4- الصورة السابقة، و لكن تمّت الرضعة الأخيرة مع تمام الحولين، ينشر على المختار دون القول الآخر.

في كون الشهور هلالية أو عددية

مبدأ الحولين من حين انفصال الولد، فإن كان أوّل شهر فواضح، و إلّا فيكمل المنكسر من الشهر الخامس و العشرين على وجه يكون شهراً هلالياً أو عددياً. و الفرق بينهما واضح، فلو كان الشهر الذي ولد فيه، غير كامل، حسب مثله في الخامس و العشرين إذا قلنا بتكميله هلالياً، دون ما إذا قلنا بتكميله عددياً. فلو ولد في اوّل نهار الحادي و العشرين من رجب، و كان الشهر غير كامل، يكمل ذلك الشهر بعشرين يوماً من الشهر الخامس و العشرين بحساب كون الشهر هلالياً، أعني: تسعة و عشرين يوماً بخلاف ما إذا قلنا بتكميله شهراً عددياً فانّه يحسب من الشهر الخامس و العشرين، واحد و عشرون يوماً حتّى يكون مع التسعة أيّام شهراً عددياً، أعني: ثلاثين يوماً.

و يحتمل إكماله ممّا يليه من الشهر و هكذا، فيجري الانكسار في الجميع حينئذ، و التكملة عند ذاك إمّا هلالية أو عددية. و الفرق بينهما كالفرق بين السابقين فلو قلنا بالتكملة الهلالية حسب نقصان الشهر الأوّل بمقدار نقصانه. فلو رؤي الهلال في ليلة الثلاثين و تولِّد الرضيع في اوّل نهار اليوم الحادي و العشرين، كفى ضمّ عشرين يوماً من الشهر الثاني لا أكثر، فيصير شهراً هلالياً، تسعة و عشرين يوماً. و مثله الشهر التالي بالنسبة إلى الثالث و هكذا بخلاف ما إذا قلنا بتكميله عددياً، و ذلك أنّه لو كان الشهر الذي تولّد فيه تسعة و عشرين يوماً، لزم ضمّ واحد و عشرين يوماً إلى هذه التسعة حتّى يصير شهراً كاملًا عددياً، و هكذا

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 295

الشهر التالي بالنسبة إلى الثالث.

فإن قلت: ما الفرق بين إكمال الشهر الأوّل من الشهر الخامس و العشرين و بين إكماله من الشهر الذي يليه.

قلت: الفرق بين الهلالي الأوّل و الثاني واضح، فانّه في الفرض يحسب الشهر الأوّل هلالياً فقط، و أمّا الشهور الأُخر فالحاسب بالخيار بين حسابها عددية أو هلالية. و هذا بخلاف ما إذا ضرب الكسر على الشهور، فانّ الشهور عامة تحسب هلالية. و مثله الفرق بين العدديين، فانّه في الفرض الأوّل يحسب الشهر الأوّل عددياً، و أمّا الشهور الأُخر فيمكن أن تحسب هلالية أو عددية. و أمّا إذا ضرب الكسر على الجميع، فالشهور كلّها عددية، و عند ذاك تزيد عدد الأيّام على الهلالي في ظرف السنتين كثيراً.

ثمّ إنّ صاحب الجواهر احتمل وجهاً آخر، فقال: المراد من تحقّق الحولين هو أربعة و عشرين شهراً هلالياً على وجه يخرج المنكسر عنهما و إن لحقه الحكم «1» و الظاهر أنّ مراده أنّه تحسب السنتان من أوّل الشهر الهلالي إلى أربعة و عشرين شهراً، فلو تولّد في الحادي و العشرين من رجب، تحسب السنتان من أوّل شعبان، و أمّا المنكسر فلا يحسب من السنتين و إن نشر الحرمة إذا رضع فيه على الشرائط المعلومة.

الشرط الخامس: اتّحاد الفحل
و قبل إيراد الروايات الواردة في الباب و توضيح مفادها نذكر أُموراً:
الأمر الأوّل: ممّا انفردت به الإمامية شرطية كون اللبن لفحل واحد،

و ليس

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 296، س 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 296

من هذا الشرط أثر في كلمات سائر الفقهاء، فالإخوة للأُمّ عندهم كالإخوة للأب، بلا فرق بينهما. بل يظهر من بعضهم إرجاع الثانية إلى الثانية. روى الترمذي قال: «سئل ابن عباس عن امرأتين في عصمة رجل، أرضعت إحداهما جارية، و الأُخرى غلاماً، أ تحلّ الجارية للغلام؟ فقال: لا، إنّ اللقاح واحد». و

أوضحه الترمذي قائلًا: أي لقاحهما من رجل واحد، فكأنّ الجارية و الغلام رضعا من امرأة واحدة، و عليه أحمد و إسحاق. «1»

و كيف كان فالمسألة قد عنونت عند العامة بصورة تختلف عمّا عند الإمامية. فلا خلاف عند العامة في كفاية الاتّحاد في الأُمّ و إن اختلف الفحل، و إنّما اختلفوا في كفاية الاتّحاد في الفحل مع اختلاف الأُمّ، و المشهور عندهم كما سيأتي كفايته أيضاً، و روي عن طائفة منهم عدم الإجزاء.

فالأساس الذي تبنى عليه هذه المسألة هو أنّ الأُخوة من جانب الأب و إن اختلفا من جهة الأُمّ ناشرة للحرمة أو لا؟ ذهبت الإمامية إلى الأوّل و جماعة من الفقهاء إلى الثاني، فلا يكون من الرضاع أب و لا عمّ و لا عمّة ....

قال الشيخ في الخلاف: «و ذهبت طائفة إلى أنّ لبن الفحل لا ينشر الحرمة، و لا يكون من الرضاع أب و لا عمّ، و لا عمَّة، و لا جدّ أبو أب، و لا أخ لأب و لهذا الفحل أن يتزوّجها، أعني: التي أرضعتها زوجته. ذهب إليه (ابن خ ل) الزبير، و ابن عمر، و في التابعين سعيد بن المسيب، و سليمان بن يسار، و في الفقهاء ربيعة بن أبي عبد الرحمن أُستاذ مالك، و حمّاد بن أبي سليمان أُستاذ أبي حنيفة، و الأصم، و ابن علّية و هو أُستاذ الأصم، و به قال أهل الظاهر داود و شيعته». ثمّ ردّ هذا القول بإجماع الفرقة و أخبارهم، و بما رواه القوم عن عائشة، قالت: «دخل عليَّ أفلح بن تعيس فاستترت منه، فقال: أين تستترين منّي و أنا عمّك؟ قالت: قلت: من

______________________________

(1) التاج: 2/ 266.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

297

أين؟ قال: أرضعتك امرأة أخي، قلت: إنّما أرضعتني امرأة و لم يرضعني الرجل. فدخلت على رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم فحدثته فقال: إنّه عمّك فليلج عليك! قال الشيخ: و هذا نصّ في المسألة فانّه أثبت الاسم و الحكم معاً، و قد نقل هذا بألفاظ أُخر». «1»

و قال ابن رشد: «و أمّا هل يصير الرجل الذي له اللبن: أعني زوج امرأة، أباً للمرتضع حتّى يحرم بينهما و من قبلهما ما يحرم من الآباء و الأبناء الذين من النسب، و هي التي يسمّونها لبن الفحل؟ فانّهم اختلفوا في ذلك، فقال مالك و أبو حنيفة و الشافعي و أحمد و الأوزاعي و الثوري: لبن الفحل يحرم، و قالت طائفة لا يحرم لبن الفحل. و بالأوّل قال علي و ابن عباس، و بالقول الثاني قالت عائشة و ابن الزبير و ابن عمر. و سبب اختلافهم معارضة ظاهر الكتاب لحديث عائشة المشهور، أعني: آية الرضاع، و حديث عائشة هو «2» ... أخرجه البخاري و مسلم و مالك، فمن رأى أنّ ما في الحديث شرع زائد على ما في الكتاب، و هو قوله تعالى: (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ)، و على قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة» قال: لبن الفحل محرّم و من رأى أنّ آية الرضاع و قوله: «يحرم من الرضاع ما يحرم من الولادة»، إنّما ورد على جهة التأصيل لحكم الرضاع، إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، قال: ذلك الحديث إن عمل بمقتضاه أوجب أن يكون ناسخاً لهذه الأُصول، لأنّ الزيادة المغيّرة للحكم ناسخة، مع أنّ عائشة لم يكن مذهبها

التحريم بلبن الفحل و هي الراوية للحديث، و يصعب ردّ الأُصول المنتشرة التي يقصد بها التأصيل و البيان عند وقت الحاجة، بالأحاديث النادرة و بخاصة التي تكون في عين. و لذلك قال عمر في حديث فاطمة بنت قيس: لا تترك كتاب اللّه لحديث امرأة». «3»

______________________________

(1) الخلاف 3/ 6867، كتاب الرضاع، المسألة 2.

(2) جاء حديث عائشة في ضمن كلام «الخلاف» فراجع.

(3) بداية المجتهد 2/ 3938.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 298

و قد نقلنا كلام ابن رشد بطوله ليعلم ما هو محطّ البحث بين الأُمة في عصور الأئمّة و بعدها، و أنّ طائفة من العامة يشترطون اتّحاد الأُمّ تمسّكاً بنصّ الكتاب، و يجعلون كلّ الاعتبار للإخوة للأُمّ فقط و لا يكتفون بها للأب، و منهم من يرى كفاية كلّ واحد منهما، الوحدة في الأُمّ المرضعة أو في الفحل صاحب اللبن.

و أمّا الخاصّة، فالملاك عندهم بلا خلاف إلّا من الطبرسي، الاتّحاد في الفحل، و لولاه لما كفى الاتّحاد في المرضعة.

الأمر الثاني: ليعلم أنّ الاتّحاد في الأُم مع اختلاف الفحل إنّما لا يكفي إذا كان الرضيعان أجنبيين بالنسبة إلى الأُمّ المرضعة،

و أمّا إذا كان أحدهما نسبياً لها و الآخر المرتضع أجنبياً، فانّه ينشر الحرمة بينهما و إن اختلف الفحلان.

كما أنّ اتّحاد الفحل شرط لنشر الحرمة بين الرضيعين، و ليس شرطاً لأصل الرضاع. فعلى هذا فالرضاع ناشر للحرمة بين المرضعة و المرتضع مطلقاً، و كذا بين كلّ من الفحلين و المرتضع، كلّ بالنسبة إلى لبنه، فإذا رضعت امرأة غلاماً و جارية، بلبن فحلين فلا ينشر الحرمة بالنسبة إلى الغلام و الجارية، نعم ينشر الحرمة بالنسبة إلى فحل كل واحد منهما. كما سيوافيك في رواية «بريد العجلي».

الأمر الثالث: [في ما قال المحقّق رحمه اللّه في الشرائع]

قال المحقّق رحمه اللّه في الشرائع:

1- لو أرضعت بلبن فحل واحد مائة، حرم بعضهم على بعض.

2- لو نكح الفحل عشراً و أرضعت كلّ واحدة واحداً أو أكثر، حرم التناكح بينهم جميعاً.

3- لو أرضعت اثنين بلبن فحلين، لم يحرم أحدهما على الآخر.

و ادّعى عليه في الجواهر الإجماع بقسميه، و قال عند البحث عن الفرع الثالث: «على المشهور بين الأصحاب كادت تكون إجماعاً، بل عن السرائر

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 299

و المبسوط و التذكرة الإجماع عليه». «1»

وحدة الفحل في الروايات
اشارة

و أمّا روايات الباب الدالة على ما تقدّم فهي على قسمين:

الأوّل: الروايات التي تصرّح بعدم كفاية الوحدة في الأُم.

الثاني: الروايات التي تعتبر الوحدة في الفحل.

أمّا

[القسم الأول] ما يدلّ على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ

، فمنه رواية بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فسِّر لي ذلك؟ فقال: «كلّ امرأة أرضعت من لبن فحلها ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام، فذلك الذي قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم، و كل امرأة أرضعت من لبن فحلين كانا لها واحداً بعد واحد من جارية أو غلام فانّ ذلك رضاع ليس بالرضاع الذي قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، و إنّما هو من نسب ناحية الصهر رضاع، و لا يحرم شيئاً، و ليس هو سبب رضاع من ناحية لبن الفحولة فيحرم». «2»

و قوله: «واحداً بعد واحد» مفعول لقوله: «أرضعت»، و قوله: «من جارية أو غلام» بيان «واحد بعد واحد». و عند ذاك فلا بدّ أن يفرض الرضيعان أجنبيين كما هو ظاهر صدره، أعني: قوله عليه السّلام: «أرضعت ولد امرأة أُخرى من جارية أو غلام» فلا ينشر الحرمة بالنسبة إليهما، و إن اتحدت الأُم، لاختلافهما في الفحل نعم لو كان واحد منهما نسبياً بالنسبة إلى الأُمّ لا يشترط فيه حسب مختار المشهور. كما مرّ و على أيّ تقدير يكون دليلًا على ما ذهب إليه المشهور في المقام.

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 303.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالرضاع، الحديث 1، و الرواية صحيحة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1،

ص: 300

و أمّا القسم الثاني و هي الروايات التي تعتبر الوحدة في الفحل:

فمنها: موثقة زياد بن سوقة: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: هل للرضاع حدّ يؤخذ به؟ فقال: «لا يحرم الرضاع أقلّ من يوم و ليلة أو خمس عشرة رضعة متواليات من امرأة واحدة من لبن فحل واحد لم يفصل بينها رضعة امرأة غيرها، فلو أنّ امرأة أرضعت غلاماً أو جارية عشر رضعات من لبن فحل واحد، و أرضعتهما امرأة أُخرى من فحل آخر عشر رضعات لم يحرم نكاحهما». «1»

فانّ قوله عليه السّلام: «من لبن فحل واحد»، دليل على المدّعى. لكن الحديث يشتمل على شرط آخر و هو لزوم الاتّحاد في الأُمّ الذي لا نقول به كما تقدّم في بعض الفروع.

و منها: رواية عبد اللّه بن سنان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن لبن الفحل؟ قال: «هو ما أرضعت امرأتك من لبنك و لبن ولدك، ولد امرأة أُخرى، فهو حرام». «2» و لكن الرواية ليست صريحة فيما نريد لاحتمال انطباقها على القول المشهور بين العامة و هو كفاية الاتّحاد في واحد من الفحل أو المرضعة.

و منها: رواية سماعة قال: سألته عن رجل كان له امرأتان، فولدت كلّ واحدة منهما غلاماً، فانطلقت إحدى امرأتيه فأرضعت جارية من عرض الناس، أ ينبغي لابنه أن يتزوج بهذه الجارية؟ قال: «لا، لأنّها أرضعت بلبن الشيخ» «3» و الرواية دالّة على المطلوب لأنّه عليه السّلام علّل الحرمة بوحدة الفحل و لم يعلّل بوحدة أُمّهما.

و منها: رواية مالك بن عطيّة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة

______________________________

(1) المصدر نفسه، الباب 2، الحديث 1.

(2) الوسائل: 14، كتاب النكاح، ما يحرم بالرضاع، الباب 6، الحديث 4، و الرواية صحيحة.

(3) المصدر نفسه، الحديث 6، و الرواية موثقة

مضمرة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 301

فتلد منه ثمّ ترضع من لبنه جارية، يصلح لولده من غيرها أن يتزوّج تلك الجارية التي أرضعتها؟ قال: «لا، هي بمنزلة الأُخت من الرضاعة، لأنّ اللبن لفحل واحد». «1»

و دلالة الرواية كسابقتها.

و منها: رواية صفوان عن أبي الحسن عليه السّلام قال: قلت له. أرضعت أُمّي جارية بلبني، فقال: «هي أُختك من الرضاعة»، قلت: فتحلّ لأخ لي من أُمّي لم ترضعها أُمّي بلبنه يعني ليس بهذا البطن و لكن ببطن آخر، قال: «و الفحل واحد؟» قلت: نعم، هو أخي (هي أُختي خ ل) لأبي و أُمّي، قال: «اللبن للفحل، صار أبوك أباها و أُمّك أُمّها». «2»

و الرواية دالّة على المطلوب، بدليل سؤاله عليه السّلام عن وحدة الفحل دون الأُمّ، فيعلم اشتراطه. نعم الرواية كسابقتها من الروايات لا تدلّ على اشتراط وحدة الفحل إلّا بضميمة الروايات التي قدّمناها الدالة على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ.

و ظاهر هذه الرواية اشتراط وحدة الفحل بين الابن النسبي للمرضعة و الأجنبي المرتضع منها، مع أنّ المشهور عندهم عدم شرطيته إلّا في المتراضعين الأجنبيين، فتكون الرواية ظاهرة في خلاف مختار المشهور.

و هنا روايات أُخرى تختلف دلالتها في اعتبار وحدة الفحل. و كيف كان فالظاهر من مجموع الروايات الدال بعضها على عدم كفاية الوحدة في الأُمّ، و بعضها الآخر على اعتبار الوحدة في الفحل، كون اتّحاد الفحل شرطاً في نشر الحرمة، فيكفي فيها و لو وقع الاختلاف في الأُمّ المرضعة، و يظهر بذلك دليل الفروع

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، ما يحرم بالرضاع، الباب 6، الحديث 13.

(2) المصدر نفسه، الباب 8، الحديث 3، و الرواية صحيحة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 302

التي تقدّمت.

و ما ذكرناه من اشتراط وحدة الفحل بين الرضيعين الأجنبيين دون النسبي و الأجنبي هو المشهور و هناك مذهبان آخران يقعان بين الإفراط و التفريط، فراجع رسالة قاعدة الرضاع تقريراً لأبحاثنا في هذا المقام. بقلم المحقّق: الشيخ حسن مكي العاملي حفظه اللّه.

تمّ الكلام في السبب الثاني و حان حين البحث عن السبب الثالث

و هو المصاهرة و توابعها و هو الفصل التاسع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 303

الفصل التاسع: في السبب الثالث: التحريم بالمصاهرة

اشارة

أ: العقد الصحيح مع الدخول بالزوجة يحرِّم

1- أُمّ الزوجة على الزوج.

2- و بنت الزوجة على الزوج.

3- حليلة الابن على الأب.

4- زوجة الأب على الابن.

ب: و إذا تجرّد العقد عن الدخول بالزوجة تحرِّم الثلاثة عيناً إلّا بنت الزوجة فانّها تحرم جمعاً، لا عيناً.

ج: تحريم الجمع

1- حرمة الجمع بين الأُختين

2- الفروع الموجودة في المقام

3- حرمة نكاح بنت الأخ أو الأُخت على العمّة و الخالة.

4- ادخال العمّة و الخالة عليهما.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 305

أسباب التحريم 3- المصاهرة

المصاهرة في اللغة بمعنى الزواج، قال الفيّومي في المصباح: و صاهرت إليهم: إذا تزوّجت منهم. و هي في مصطلح الفقهاء تطلق على كلّ علاقة بين الزوجين و أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح.

و أمّا الحرمة بسبب نفس الوطء أو النظر و اللمس و غيرها ممّا سيأتي فهي خارجة عن باب المصاهرة، نعم ليست المصاهرة عنواناً للحرمة في الكتاب و السنّة، و إنّما عنوان انتزاعي يطلق على كلّ علاقة بين الزوجين و أقرباء كلّ منهما بسبب النكاح، لكن الحرمة بالمصاهرة تختصّ بما إذا كانت المصاهرة بهذا المعنى سبباً لها، و أمّا إذا كان السبب أمراً غيرها كما عرفت فهو خارج عن صلب

الموضوع و إنّما يبحث عنها بعنوان اللواحق.

و اعلم أنّه سبحانه حرّم أربع عشرة امرأة:

سبع منها بالنسب و هي ما جاءت في الآية الكريمة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) 1- (أُمَّهٰاتُكُمْ، وَ بَنٰاتُكُمْ)، 3- (وَ أَخَوٰاتُكُمْ)، 4- (وَ عَمّٰاتُكُمْ)، 5 (وَ خٰالٰاتُكُمْ)، 6 (وَ بَنٰاتُ الْأَخِ)، 7 (وَ بَنٰاتُ الْأُخْتِ).

و اثنتان منها بالرضاع كما في قوله تعالى: 1 (وَ أُمَّهٰاتُكُمُ اللّٰاتِي أَرْضَعْنَكُمْ)، 2 (وَ أَخَوٰاتُكُمْ مِنَ الرَّضٰاعَةِ).

و أربع منها بالمصاهرة كما في قوله تعالى: 1 (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)، 2 (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ)، 3 (وَ حَلٰائِلُ

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 306

أَبْنٰائِكُمُ)، 4 و زوجات الآباء كما في قوله تعالى: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ).

و واحدة بالجمع كما في قوله تعالى: (أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ).

و على ضوء ذلك فنقدّم البحث عن هذه المسائل التي تكون الحرمة فيها لأجل المصاهرة. ثمّ نبحث عن التوابع.

حرمة النساء الأربع بعينها بالمصاهرة
اشارة

1- أُمّهات النساء

2- الربائب من النساء المدخول بها.

3- حلائل الأبناء.

4- زوجات الآباء.

و لمّا كانت المصاهرة متحقّقة بمجرّد العقد، يقع الكلام في حرمة هؤلاء في مقامين:

الأوّل: إذا كان هناك عقد و وطء فتحرم هؤلاء النساء الأربع.

الثاني: إذا كان هناك عقد على الزوجة مجرّداً من الوطء فهل يحرِّم العقد المجرّد على الزوجة هؤلاء النساء الأربع أو لا؟ فيقع الكلام في مقامين:

المقام الأوّل: العقد المقرون بالدخول بالزوجة، يحرّم النساء الأربع

إنّ الوطء الصحيح و هو الوطء بالعقد الصحيح دواماً أو متعة بل ملكاً و تحليلًا موضوع لحرمة النساء الأربع إليها:

1- من وطأ امرأة بالعقد الصحيح دواماً أو متعة حرمت على الواطئ، أُم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 307

الموطوءة و إن علت لأب أو أُمّ، لقوله سبحانه: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ). (النساء/ 23) و إطلاقه يعمّ جميع الأُمّهات دانيتها و عاليتها.

2- من وطأ امرأة بالعقد الصحيح حرمت على الواطئ بنت الموطوءة و إن سفلت لقوله سبحانه: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (النساء/ 23) و التقييد في الآية خرج مخرج الغالب و الوصف للتعريف لا للتخصيص، و الأخبار من الفريقين مستفيضة روى إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه: انّ عليّاً عليه السّلام كان يقول: «الربائب عليكم حرام من الأُمّهات التي قد دخل بهنّ، هنّ في الحجور و غير الحجور سواء». «1»

قال في الخلاف: إذا دخل بالأُمّ حرمت البنت على التأبيد، سواء كان في حجره أو لم تكن، و به قال جميع الفقهاء، و قال داود: إن كانت في حجره حرمت عليه و إن لم تكن في حجره لم تحرم عليه. دليلنا؛ إجماع الفرقة و أمّا قوله تعالى: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ) فليس ذلك شرطاً في التحريم و

إنّما وصفهن بذلك لأنّ الغالب تكون في حجره. «2»

إنّ وجه الحمل على الغالب هو أنّ المطلّقة أو المتوفّى عنها زوجها كانت تسلِّم أبناء الزوج إليه أو إلى أوليائه و تأخذ الإناث من أولاده لنفسها لاهتمام العرب بالذكور دون الإناث، فالزوجة المطلقة أو المتوفّى عنها زوجها تدخل إلى بيت الزوج الثاني بما معها من البنات.

قال ابن قدامة: بنات النساء اللاتي دُخِلَ بهنّ و هم الربائب فلا يحرمن إلّا بالدخول بأُمّهاتهنّ و هي كلّ بنت للزوجة من نسب أو رضاع، قريبة أو بعيدة، وارثة أو غير وارثة، إذ دخل بالأُمّ حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن، في

______________________________

(1) الوسائل، 14، الباب 18، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3، و لاحظ 4، 5، 6 و غيرها.

(2) الخلاف: 4، كتاب النكاح، المسألة 76.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 308

قول عامة الفقهاء إلّا أنّه روي عن عمر و علي رضي اللّه عنه أنّهما رخّصا فيها إذا لم تكن في حجره، و هو قول داود لقول اللّه تعالى: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ) قال ابن المنذر: و قد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول. «1»

و ما نقله عن علي عليه السّلام ليس في كتبنا منه عين و لا أثر و أهل البيت أدرى بما في البيت، نعم روى صاحب الاحتجاج عن محمّد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان أنّه كتب إليه: هل يجوز للرجل أن يتزوّج بنت امرأته؟ فأجاب عليه السّلام: «إن كانت ربّيت في حجره فلا يجوز، و إن لم تكن ربيت في حجره و كانت أُمّها في غير حباله فقد روي أنّه جائز». «2»

إنّ ذيل الحديث و نسبة

الجواز إلى الرواية مشعر بأنّه لم يكن من رأيه عليه السّلام. و لعلّ التقييد بكونها في غير حباله لأجل عدم جواز الجمع بين الأمّ و البنت.

3- و من وطأ امرأة بالعقد الصحيح يحرم على الموطوءة أبو الواطئ و إن علا و أولاده و إن سفلوا تحريماً مؤبداً.

أمّا حرمتها على أب الواطئ لقوله سبحانه: (وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ). (النساء/ 23)

و التقييد بالأصلاب لإخراج من لم يكن من الصلب كالذي يتبنّى.

4- و أمّا حرمتها على أولاده لقوله سبحانه: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ). (النساء/ 22) و الحكم من المسلّمات عند الفقهاء.

فقد تبينت حرمة النساء الأربع بالعقد على الزوجة مع الدخول بها و حان حين الكلام في المقام الثاني. و لم يراع الترتيب في ذكر النساء الأربع الموجود في المقام الأوّل فنذكر.

______________________________

(1) المغني: 7/ 472 و 473.

(2) الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 309

المقام الثاني: العقد المجرّد عن الوطء و حكم النساء الأربع
اشارة

1- لو عقد على امرأة مجرّداً عن الوطء حرمت المعقودة على أب العاقد و إن علا لقوله سبحانه: (وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ) أى بالنكاح الشامل للمدخول بها و غيرها و النكاح بمعنى العقد لا الوطء، قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا) (الأحزاب/ 49)، و قال سبحانه: (وَ مٰا كٰانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللّٰهِ وَ لٰا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوٰاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (الأحزاب/ 53)، و قال سبحانه: (وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) (النساء/ 127) و لعلّك لا تجد مورداً في القرآن استعمل فيه لفظ النكاح في الوطء حتّى في قوله سبحانه: (حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ)

(البقرة/ 230) فإنّ النكاح هناك أيضاً بمعنى العقد، و شرطية الدخول في حصول التحليل علم من الخارج لقولهم عليهم السّلام: «حتّى يذوق الآخر عسيلتها و تذوق عسيلته». «1»

2- لو عقد على امرأة مجرّداً عن الوطء حرمت المعقودة على أولاد العاقد، لقوله سبحانه: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ) و قد عرفت أنّ النكاح بمعنى العقد و الزواج، و تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على الحرمة. و يظهر من الروايات أنّها من سنن عبد المطلّب ففي وصية النبي لعليّ عليه السّلام قال: «يا علي إنّ عبد المطلب سنّ في الجاهلية خمس سنن أجراها اللّه عزّ و جلّ له في الإسلام: حرّم نساء الآباء على الأبناء، فأنزل اللّه عزّ و جلّ: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ)». «2»

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 31.

(2) الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 10، و لاحظ بقية روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 310

و روى يونس بن يعقوب قال: قلت لأبي إبراهيم موسى عليه السّلام: رجل تزوّج امرأة فمات قبل أن يدخل بها أ تحلّ لابنه؟ فقال: «إنّهم يكرهونه لأنّه ملك العقدة». «1»

3- لو عقد على امرأة مجرّداً عن الوطء حرمت بنتها على العاقد جمعاً لا عيناً، فلو فارق الأُمّ و لم يدخل بها جاز تزويج البنت لقوله تعالى: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ). (النساء/ 23). و المسألة مورد اتّفاق بين المسلمين.

4- لو عقد على امرأة مجرّداً عن الوطء تحرم عند فقهائنا أُمّها بنفس العقد و إن لم يدخل بها.

قال الشيخ في

الخلاف: إذا تزوّج بامرأة حرمت عليه أُمّها، و جميع أُمّهاتها، و إن لم يدخل بها، و به قال في الصحابة: عبد اللّه بن عمر، و ابن عباس، و ابن مسعود، و عمران بن حصين، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري. و به قال جميع الفقهاء إلّا أنّ للشافعي فيه قولين، و رووا عن علي عليه السّلام أنّه قال: «لا تحرم الأُمّ بالعقد، و إنّما تحرم بالدخول كالربيبة، سواء طلّقها أو مات عنها»، و به قال ابن الزبير و عطاء و قال زيد بن ثابت: إن طلّقها جاز له نكاح الأُمّ، و إن ماتت لم يحلّ له نكاح الأُمّ، و إن ماتت لم يحلّ له نكاح أُمّها، فجعل الموت كالدخول، دليلنا: قوله تعالى: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)، فأبهم و لم يشترط الدخول. و قال ابن عباس في هذه الآية: أبهِمُوا ما أبهم اللّه سبحانه.

و روي مثل ذلك عن أئمّتنا عليهم السّلام و عليه إجماع الفرقة، و قد رويت رواية شاذة مثلما روته العامة عن علي عليه السّلام. «2»

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 9، و لاحظ سائر روايات الباب.

(2) الخلاف: 3، كتاب النكاح، المسألة 75.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 311

و قال ابن قدامة: من تزوّج امرأة حرم عليه كلّ أُمّ لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرّد العقد نصّ عليه أحمد، و هو قول أكثر أهل العلم، منهم ابن مسعود، و ابن عمر، و جابر و عمران بن حصين، و كثير من التابعين، و به يقول مالك و الشافعي، و حكي عن علي عليه السّلام أنّها لا تحرم إلّا بالدخول بابنتها كما لا تحرم ابنتها إلّا

بالدخول.

لنا قول اللّه تعالى: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)، و المعقود عليها من نسائه، فتدخل أُمّها في عموم الآية، قال ابن عباس: أبهِمُوا ما أبهم القرآن. أي عمِّموا حكمها في كلّ حال و لا تفصلوا بين المدخول بها و بين غيرها، و روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جدّه أنّ النبيّ قال: «من تزوّج فطلّقها قبل أن دخل بها لا بأس أن يتزوّج ربيبته و لا يحلّ له أن يتزوّج أُمّها». رواه أبو حفص باسناده، و قال زيد: تحرم بالدخول أو بالموت، لأنّه يقوم مقام الدخول. «1»

أقول: المشهور بين علمائنا هو حرمة الأُمّ على العاقد مطلقاً دخل بالبنت أو لا، إلّا ما روي عن ابن أبي عقيل من الذهاب إلى عدم الحرمة إلّا بالدخول و الآية في جانب الأُمّ مطلقة، دون جانب البنت فانّ الحرمة فيها مقيّدة بالدخول بالأُمّ. و ليس حرمة الأُمّ كذلك، قال سبحانه: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) (النساء/ 23) فابن أبي عقيل، جعل قوله: (مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) قيداً، لكلتا الجملتين فكأنّه سبحانه قال: و أُمّهات نسائكم ... من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ ... و ربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهنّ. و لكنّه مرفوض بوجوه:

1- إنّ القيد الواقع بعد جملتين أو أكثر، يعود إلى الجملة الأخيرة و لا يعود إلى الجميع إلّا بالقرينة الدالّة على خلاف ذلك و هي في المقام منتفية.

______________________________

(1) المغني: 7/ 473.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 312

2- إذا جعل قوله: (مِنْ نِسٰائِكُمُ) قيداً للجملة الأُولى يكون حرف الجرّ (من) بيانيّة لبيان الجنس و تمييز المدخول بهنّ من غير المدخول بهنّ فيكون معنى الآية:

حرّمت أُمّهات النساء اللاتي دخلتم بهنّ و إذا جعل قيداً لربائبكم تكون ابتدائية لابتداء الغاية كما نقول: بنات رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم من خديجة. قال سبحانه: (يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وٰاحِدَةٍ) (النساء/ 1) و اللفظة لا تتحمل كلا المعنيين إلّا بالقرينة.

3- إنّ الروايات المتضافرة عن الفريقين، تدلّ على أنّ الجملة الأُولى مطلقة، مرسلة مبهمة، و القيد يرجع إلى الثانية، روى إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه عن علي عليه السّلام في حديث قال: «و الأُمّهات مبهمات» «1» دخل بالبنات أو لم يدخل بهنّ، فحرِّموا و أبهِمُوا ما أبهم اللّه. «2»

روى العياشي: عن أبي حمزة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن رجل تزوج امرأة و طلّقها قبل أن يدخل بها أ تحلّ له ابنتها؟ قال: فقال: «قد قضى في هذا أمير المؤمنين عليه السلام لا بأس به إنّ اللّه يقول: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي ...) إلى أن قال: لو تزوج الابنة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، لم تحلّ له أُمّها» قال: قلت له: أ ليس هما (الأُمّ و الابنة) سواء؟ قال: فقال: «لا ليس هذه مثل هذه إنّ اللّه يقول: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ) لم يستثن في هذه كما اشترط في تلك، هذه هاهنا مبهمة ليس فيها شرط و تلك فيها شرط». 3

و أظنّ دراسة الآية، أغنتنا عن التمسك بدليل آخر، و قد ورد في السنّة ما يدلّ على التحريم مطلقاً.

______________________________

(1) و الإبهام يستعمل بمعنى الإغلاق من إبهام الباب: بمعنى إغلاقه، و غير المبيّن و كان الجملة الأُولى لم تفصل بشي ء من القيد، بخلاف الجملة الثانية.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 20، من أبواب

ما يحرم بالمصاهرة الحديث 2 و 7 و سيأتي بعض ما يتعلّق بالآية عند نقل دليل المخالف، فانتظر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 313

روى غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه أنّ علياً عليه السّلام قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالأُم، فإذا لم يدخل بالأُمّ فلا بأس أن يتزوّج بالابنة، و إذا تزوّج بالابنة فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأُمّ». «1»

تحليل دليل المخالف

بقي الكلام في دليل المخالف أهمّها صحيحة منصور بن حازم قال: كنت عند أبي عبد اللّه عليه السّلام فأتاه رجل فسأله عن رجل تزوّج امرأة فماتت قبل أن يدخل بها أ يتزوّج بأُمّها؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «قد فعله رجل منّا فلم ير به بأساً» فقلت له: جعلت فداك ما تفخر الشيعة إلّا بقضاء علي عليه السّلام في هذا الشمخية التي أفتاها ابن مسعود أنّه لا بأس بذلك ثمّ أتى عليّاً عليه السّلام فسأله فقال له علي عليه السّلام: «من أين أخذتها»؟ قال: من قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ رَبٰائِبُكُمُ اللّٰاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسٰائِكُمُ اللّٰاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ) فقال علي عليه السّلام: «إنّ هذا مستثناة و هذا مرسلة: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ)» إلى أن قال: فقلت لها: ما تقول فيها؟ فقال: «يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً عليه السّلام قضى بها و تسألني ما تقول فيها». «2»

أقول: إنّ الرواية على عكس المقصود أدلّ و ذلك من وجهين:

1- يكشف عن أنّ الرأي المعروف بين الشيعة هو الحرمة مطلقاً و أنّ الشيعة كانت تفتخر بذلك مقابل ابن مسعود الذي أفتى بعدم البأس.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 18

من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(2) المصدر نفسه، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، و قد لخّصه صاحب الوسائل و نقله العياشي بالتفصيل، لاحظ تعليقة الوسائل.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 314

قوله: «إنّ هذا مستثناة» راجع إلى حرمة الربيبة، أي قيّدت حرمتها بعدم الدخول بامّها. و قوله: «هذا مرسلة» راجع إلى حرمة الأُمّ فهي مطلقة غير مقيّدة و قد جاء في بعض الروايات مكانها لفظ «مبهمة» قوله: (وَ أُمَّهٰاتُ نِسٰائِكُمْ) عطف بيان لقوله «و هذا مرسلة» و الواو، جزء الآية و ليست بعاطفة.

2- إنّ الراوي لما أحسّ أنّ نقل الفتوى عن علي، في محضر الإمام كان جسارة، و أنّه كان من الواجب أن يسكت و يسمع كلام الإمام و قال: جعلت فداك مسألة الرجل إنّما كان الذي كنت تقول، كان زلة منّي، قابله الإمام بالعنف أنّه لم يكن موضع سؤال بعد الوقوف على فتوى علي بالحرمة مطلقاً حيث قال: «يا شيخ تخبرني أنّ عليّاً قضى بها، و تسألني ما تقول فيها».

ثمّ الاستدلال مبني على كون جملة: «فلم ير به بأساً» بصيغة المتكلم مع أنّه يحتمل أن يكون بصيغة الغائب أي لم ير ذلك الرجل منّا بأساً، و الاستدلال بفعله دليل على عدم كونه مرضيّاً عنده و إلّا كان على الإمام أن يصرّح بالجواز، و بالجملة إنّ الإمعان في الرواية يعرب أنّ الإمام كان بصدد الإبهام لا بصدد تبيين الموقف، فلا يصحّ الاستدلال بمثله، و العجب أنّ أهل السنّة نقلوا عن الإمام علي عليه السّلام في هذه المسألة و ما تقدّمها، رأيين ليس عندنا منهما عين و لا أثر:

1- تخصيص حرمة الربائب بكونهنّ في الحجور مع أنّ المشهور بين

أئمّة أهل البيت هو الحرمة مطلقاً.

2- تخصيص حرمة الأُمّ بالدخول بالبنت مع أنّ المشهور بين الشيعة عن علي حسب هذه الرواية هو العكس.

دليل آخر للمخالف

صحيحة جميل و حمّاد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الأُمّ

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 315

و البنت سواء إذا لم يدخل بها يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها فانّه إن شاء تزوّج أُمّها و إن شاء ابنتها». «1»

و لو صحّ هذا التفسير لكان مفروض السائل نساء ثلاث تزوّج بواحدة و بقيت الأُم و الابنة لها، فما لم يدخل بالمرأة المتزوّجة و فارقها يجوز له التزوّج بأُمّ المتزوّجة و بنتها و عليه يكون دليلًا في المسألة للمخالف، و لكن الاعتماد على الرواية مشكل من جهات:

1- إنّ من المحتمل قوياً أن يكون التفسير من بعض الرواة، بشهادة أنّه نقل في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري بالنحو التالي: الأُمّ و البنت سواء إذا لم يدخل بها فانّه إن شاء تزوّج ابنتها و إن شاء تزوّج أُمّها. «2» فليس فيه قوله: «يعني إذا تزوّج المرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها» و عليه يمكن حمله على المعنى الآتي دون المذكور في المتن.

2- يحتمل أن يكون معنى الرواية أنّه إذا تزوّج الأُمّ و لم يدخل بها فالأُمّ و البنت سواء في أصل الإباحة، فإن شاء دخل بالأُمّ، و إن شاء فارقها و تزوّج البنت، و بعبارة أُخرى: أنّ الراوي فرض أُمّاً و بنتاً فقط و تزوّج بالأُمّ فهما قبل الدخول بالأُمّ سواء في أصل الإباحة، لا أنّ هناك نساء ثلاثاً تزوّج بواحدة منها لها أُمّ و بنت، فعندئذ يخرج عن الصلاحية للاستدلال.

و يحتمل

بعيداً أن يكون المراد إذا تزوّج الأُمّ و البنت و لم يدخل بهما، فهما سواء في التحريم جمعاً لا عيناً.

نعم على ما نقله الصدوق في الفقيه تصلح الرواية للاستدلال قال: عن جميل بن درّاج أنّه سئل أبو عبد اللّه عن رجل تزوّج امرأة ثمّ طلّقها قبل أن يدخل

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 20، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(2) النوادر: 100، الحديث 239.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 316

بها أ تحلّ له ابنتها؟ قال: الأُمّ و الابنة في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأُخرى. «1»

و استظهر في الحدائق «2» أنّ التفسير من الصدوق أعني: قوله: إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأُخرى و لكنّه غير تام لوروده بهذا النحو في نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى الأشعري «3» نعم أنّ الصدوق ما أفتى بمضمونه، قال في كتاب المقنع: إذا تزوّج البنت فدخل بها أو لم يدخل فقد حرمت عليه الأُمّ.

قال: و قد روي الأُمّ و البنت في هذا سواء إذا لم يدخل بإحداهما حلّت له الأُخرى «4» و بالجملة الرواية بعد هذه الاحتمالات لا تصلح للاستدلال.

دليل ثالث للمخالف

مضمرة محمّد بن إسحاق بن عمّار، قال: قلت له: رجل تزوّج امرأة و دخل بها ثمّ ماتت أ يحلّ له أن يتزوّج أُمّها؟ قال: «سبحان اللّه كيف تحلّ له أُمّها و قد دخل بها؟» قال: قلت له: فرجل تزوّج امرأة فهلكت قبل أن يدخل بها تحلّ له أُمّها؟ قال: «و ما الذي يحرّم عليه منها و لم يدخل بها». «5»

و الرواية بما أنّها مخالفة للكتاب لا تصلح للإفتاء، فالحقّ كما هو المشهور هو الحرمة إذا عقد على البنت، فأُمّ الزوجة محرمة بمجرّد

العقد سواء دخل بالبنت أو لا.

إلى هناك تعرفت على ما يحرم بالمصاهرة، و إليك بيان توابعها:

______________________________

(1) الفقيه: 3/ 262، الحديث 32.

(2) الحدائق: 23/ 456.

(3) النوادر: 100، الحديث 24.

(4) المقنع: 104103.

(5) الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 317

الكلام في تحريم الجمع بين الأُختين
اشارة

من توابع المصاهرة تحريم أُخت الزوجة لأب و أُمّ، أو أحدهما جمعاً لا عيناً، دلّ عليه الكتاب و السنّة، و الإجماع، قال سبحانه: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) (النساء/ 23) و هناك فروع و هي:

1- إذا عقد على الأُختين معاً فهل العقد باطل من أصل أو صحيح بمعنى أنّ له إمساك إحداهما و تخلية الأُخرى؟ وجهان.

2- إذا عقد على امرأة ثمّ عقد على أُختها، فيبطل العقد الثاني قطعاً.

3- إذا طلّق الزوجة فهل له تزويج أُختها قبل انقضاء عدّتها مطلقاً أو لا، كذلك؟ أو يفصل بين البائنة فيجوز، و الرجعية فلا يجوز؟

4- إذا انقضى أجل المتعة فهل يجوز العقد على أُختها قبل انقضاء عدّتها أو لا؟

و في المقام مسائل:

الأُولى: يحرم الجمع بين الأُختين في النكاح دواماً أو متعة سواء كانا سببيّين أو رضاعيّين نصّاً و إجماعاً، قال سبحانه: (وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) و قال صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب»، و على هذا لو تزوّج أُختين صحّ السابق و بطل اللاحق لفقدان القابلية الشرعية لزواج الثانية فيفرق بينهما سواء دخل في الثانية أو لا، و سواء دخل بالأُولى أو لا.

إنّما الكلام في ما إذا دخل بالثانية جهلًا بالحكم أو بالموضوع فكانت ذات العدّة فهل له أن يدخل بالأُولى و إن لم تخرج الثانية عن عدّتها أو لا؟

فيه خلاف:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 318

قال الشيخ: و متى عقد على امرأة، ثمّ عقد على أُختها أو أُمّها بجهالة، فرّق بينهما، فإن وطأها و جاءت بولد كان لاحقاً به، و لا يقرب الزوجة الأُولى في مدّة تنقضي عدّتها. «1»

و قال ابن البرّاج: فإن عقد على واحدة منهما، ثمّ عقد على الأُخرى بعد ذلك، كان عقده على الثانية باطلًا، فإن وطأ الثانية فرّق بينهما و حرم عليه الرجوع إلى الأُولى حتّى تخرج التي وطأها من عدّتها منه. «2»

و قال ابن حمزة: فإن دخل بالثانية فرّق بينهما و لم يرجع إلى الأُولى بعد خروج الثانية عن العدّة «3» و يدلّ عليه صحيحة زرارة «4» و حملها صاحب الجواهر «5» على الكراهة، و تبعه السيّد الطباطبائي في العروة فقال: «نعم لو دخل بها مع الجهل بأنّها أُخت الأُولى يكره وطء الأُولى قبل خروج الثانية من العدّة، بل قيل يحرم للنصّ الصحيح و هو الأحوط» «6» و لا وجه لحملها على الكراهة بعد إمكان تخصيص العمومات بها. و استظهار الكراهة من أنّها ليست بأولى من حلّ نكاح الأُخت في عدّة الأُخرى البائنة، أشبه بالقياس.

و لا فرق فيما ذكره بين الدائم و المنقطع و المختلف فلا يجوز الجمع بين الأُختين أبداً.

نعم يجوز العقد على الأُخرى إذا كانت الأُولى مطلّقة بائناً، بل ربّما يقال بأنّه يجوز العقد على الأُخرى إذا تزوّج بالأوّل متعة و انقضى أجلها و إن كانت في العدّة، بزعم أنّه من عدّة البائن و بذلك ربّما يحتال للجمع بين الأُختين واحدة بعد

______________________________

(1) النهاية: 454.

(2) المهذّب: 2/ 184.

(3) الوسيلة: 293. و الظاهر سقوط لفظة «إلا»: إلّا بعد خروج الثانية.

(4) الوسائل: الجزء 14، الباب

26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(5) الجواهر: 29/ 381.

(6) العروة الوثقى في فصل المحرّمات بالمصاهرة، المسألة 42.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 319

الأخرى على الاستمرار. و سيجي ء البحث عن المسألة الأُولى في باب العدد، و الثانية في باب المتعة و إن طرحهما صاحب الجواهر في المقام.

لو تزوّج بالأُختين و اشتبه السابق
اشارة

لو تزوّج بالأُختين و لم يعلم السابق و اللاحق فله صورتان:

الأُولى: إذا علم تاريخ أحد العقدين و جهل الأُخرى،

فعلى القول بأنّه يجري الأصل في مجهول التاريخ لا في معلومه يصحّ العقد المعلوم تاريخه لوجود المقتضي كما هو معلوم و عدم المانع و هو أصالة عدم تزويج الأُخرى إلى حينه فيحكم بالصحّة، و يكفي نفس الأصل و إن لم يثبت به التأخّر، لأنّ الأثر مترتّب على عدم المانع عند وجود المقتضي، لا على تأخّر المانع، نعم على القول بجريانه فيهما، يتعارض الأصلان، لكنّه ليس بسديد، لأنّ المتيقّن من أدلّة الاستصحاب هو استكشاف حال المتيقّن في الخارج من حيث البقاء و عدمه كما هو في مجهول التاريخ، و أمّا إذا كان الواقع مبيَّناً و علم نقض الحالة السابقة في ظرف كذا، و لكن طرأ الشكّ في انتقاضها و عدمها بالنسبة إلى حادث آخر كما هو الحال في معلوم التاريخ بالنسبة إلى مجهوله، فدليل الاستصحاب منصرف عنه إذ ليست القضية الخارجية بهويّتها مجهولة حتّى توصف بالشكّ، و إنّما يطرأ عليها الجهل، عند المقايسة، فمثله غير داخل تحت أدلّة الاستصحاب.

الثانية: إذا جهل تاريخهما:
اشارة

فبما أنّ الأصلين يتعارضان، فمقتضى القواعد ترك وطئهما تحصيلًا للموافقة القطعية.

نعم لو طلّق الزوجة الواقعية، فله أن يتزوّج من شاء منهما بعقد جديد بعد خروج الأُخرى من العدّة إذا دخل بها و كان الطلاق رجعياً لاحتمال كونها زوجة فلا يقدم على تزويج غير المدخول بها قبل خروج المدخولة عن العدّة، و إلّا يحتمل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 320

أن يكون من قبيل الجمع بين الأختين لأنّ الرجعية زوجة.

و له أن يطلّق كلّ واحد رجاء كونها زوجة.

إنّما الكلام في أنّه هل يجب عليه الطلاق أو لا؟ الظاهر ذلك، فراراً عن ترك الواجب حيث إنّه يجب عليه القسم في كلّ أربعة ليال، و الوطء في

كلّ أربعة أشهر، و لا يتمكّن من أداء الواجب، و لا يتخلّص من تركه إلّا بالطلاق.

و أمّا الاستدلال على وجوب الطلاق بآية الإمساك بالمعروف أو التسريح بإحسان، فلا صلة لها بالمقام. «1» و على ما ذكرنا يجوز إجباره على الطلاق حسبة و من باب الأمر بالمعروف اللّهمّ إلّا رضيتا بترك الحقوق.

و أمّا جواز إجباره بقاعدة لا ضرر أو لا حرج لكون الصبر عليهما و الحال هذه ضرراً و حرجاً عليهما. فقد نوقش فيه بأنّ الضرر أو الحرج ليس ناشئاً من الزوجية، بل من أحكام الزوجية بعد الاشتباه فدليل نفيهما يقتضي نفي تلك الأحكام و لازمه جواز استمتاع الغير بهما دفعاً للحرج لكن ليس بناء الفقهاء عليه إذ لا يكون الحرج مجوّزاً لفعل المحرّمات عندهم و إن كان مجوّزاً لترك الواجبات، و بذلك يفترق المقام من المعاملة الغبنية فإنّ مبادلة القليل بالكثير نفس الضرر بخلاف المقام فانّ الزوجية ليس ضررية و لا حرجية و إنّما يلزمان من الالتزام بأحكامهما عند الاشتباه حيث يجب على كلّ واحد من المرأتين ترتيب آثار الصحّة على العقد، و في الوقت نفسه، لا يجوز للزوج ترتيب آثارها على كلّ واحدة للعلم الإجمالي بأنّ إحداهما أجنبية فيتولّد منهما الحرج. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الشي ء تارة يكون بنفسه حرجياً أو ضررياً، و أُخرى بما لها

______________________________

(1) البقرة الآية 229، 231، سورة الطلاق الآية 2، لاحظ كتاب الاعتصام بالكتاب و السنّة، ص 178 فقد أوضحنا حال الآيات فيه.

(2) المستمسك: 14/ 247، بتصرف يسير.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 321

من الآثار في ظروف خاصّة و لا تختصّ القاعدة بالأُولى فالمقام أشبه بالغائب عنها زوجها و لم يكن هناك منفق، و لا شكّ أنّ

الزوجية ليست ضررية أو حرجية، و إنّما ينشئان من أحكامها في تلك الظروف حيث تصبح المرأة معلّقة، لا مزوّجة و لا مطلّقة.

نعم لازم ذلك تسلّط المرأة على الفسخ، كما في مورد خيار الغبن لا وجوب الطلاق على الزوج اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ حلّ العقد بالفسخ أمر غير شائع في الشرع، و نادر بين العقلاء فيختصّ التخلّص عن الضرر بإجباره على الطلاق، و أمّا معارضة ضرر المرأة بأنّ الطلاق يوجب الضرر على الزوج بنصف المسمّى فغير تامّ، لأنّه واجب عليه بنفس العقد، سواء طلّق أم لا.

و هنا قولان آخران:
1- القول بالقرعة لتعيين الزوجة الواقعية عن غيرها،

ذكره العلّامة في القواعد، و استدلّ له في جامع المقاصد بما روى عنهم: «و كلّ أمر مشكل فيه القرعة» «1» و أورد عليه في الأخير بأنّه لا مجال لها في الأُمور التي هي مناط الاحتياط التام، أعني: الأنكحة و الأنساب و غيرهما. «2»

يلاحظ عليه: أنّه خلاف مقتضى الإطلاق في باب القرعة إلّا أنّ الذي يصدّ الفقيه عن الإفتاء به ما ذكرناه في رسالة القرعة من أنّ القدر المتيقّن منها هو مورد الخصومة و فصلها بها. و لم يرد في الشرع أمر بالقرعة في غير ذلك الباب إلّا مورد واحد، أعني: ما إذا نزيت شاة في قطيع غنم و قد أشبهت بغيرها، و هي رواية شاذة لا يكون مقياساً لغير موردها بعد اتّفاق الروايات على تخصيص موردها بالتخاصم و الترافع، و ليس المقام كذلك لأنّ كلًا من الزوج و الزوجين، جاهل

______________________________

(1) مستدرك الوسائل: 17، الباب 11 من أبواب كيفية الحكم، الحديث 1.

(2) جامع المقاصد: 2/ 24، المطبوع مع القواعد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 322

بالحقيقة مشتبه لا يدّعي شيئاً، سوى العلم الإجمالي الذي لا تثير خصومة.

2- انّ الحاكم يفسخ نكاحهما:

ذكره العلّامة في القواعد في تزويج وليّ المرأة من رجلين مع اشتباه السابق و قرّره في جامع المقاصد بأنّ فيه دفع الضرر مع السلامة من ارتكاب الإجبار في الطلاق. «1»

يلاحظ عليه: أنّ قيامه بالفسخ فرع ولايته على ذلك و هو غير ثابت، و الضرر يندفع بولاية نفس المرأة على حلّ العقد، بعد رفع الأمر إلى الحاكم و لا تصل النوبة إلى ولاية الحاكم.

بقي الكلام في النفقة عند عدم الطلاق و المهر عنده

فنقول:

و هل يجب الإنفاق عليهما ما لم يطلق أخذاً بمقتضى العلم الإجمالي ما لم يطلّق، أو يتعيّن الرجوع إلى القرعة في تعيين المستحق للنفقة، أو يجب عليه تنصيف النفقة بينهما عملًا بقاعدة العدل و الإنصاف؟ و الأقوى هو الأوّل و معارضته بلزوم الضرر المالي من العمل بالاحتياط على الزوج، مدفوع بأنّه هو السبب له، و لو طلّق الزوجة الواقعية، لارتفعت النفقة من أصل، و أمّا القرعة فلا لما عرفت أنّ المقام ليس منها و التنصيف لأجل قاعدة العدل و الانصاف ليس أولى من تخصيص واحدة بالنفقة، إذ لكل واحد من هذه الوجوه مزية. فالأُولى تتضمن موافقة قطعية مع مخالفة كذلك، و الثانية تتضمّن مخالفة احتمالية مع موافقة كذلك. و مع ذلك كلّه فلعلّ تخصيص كلّ بالتنصيف ألصق بالقواعد إذ ليس له إلّا دفع نفقة واحدة، و جهالة الآخذ لا يصير سبباً لوجوب نفقتين عليه كما أنّه لو علم أنّه مديون بدرهم لزيد، و هو مردّد بين الشخصين، فهل ترى أنّه يجب عليه دفع درهمين. و إلّا فلو تردّد بين العشر، يجب عليه دفع عشرة دراهم و هو كما ترى، و بالجملة القصور في الآخذ، لا يكون دليلًا على لزوم الاحتياط عليه كما

______________________________

(1) جامع المقاصد: 2/ 24، المطبوع مع القواعد.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 323

لا يخفى.

و أمّا إذا طلّق فإن كان بعد الدخول فلكلّ تمام المسمّى، لأنّ إحداهما زوجة مدخولة، و الأُخرى موطوءة بالشبهة و فيها المهر أيضاً، و إلى ذلك يشير صاحب الجواهر: «و أمّا مع الدخول فيثبت المسمّيان لهما مع جهلهما بالحكم أو وقوع العقدين على وجه يحرم وطؤهما بناء على وجوب المسمّى في النكاح الفاسد مع الوطء شبهة». «1»

و أمّا إذا طلّق مع عدم الدخول فهناك احتمالات:

1- القرعة في مستحقة المهر منهما، لأنّها واحدة منهما و قد اشتبهت، فمن خرجت القرعة لها استحق نصف مهرها و هو خيرة الجواهر، و قد عرفت ما فيه من اختصاص القرعة بموارد الترافع و التخاصم.

2- نصف المهر لكلّ منهما أخذاً بحكم العلم الإجمالي. لكن قد عرفت أنّ الإجمال في جانب الآخذ، لا يحدث تكليفاً، للمعطي، فالواجب عليه نصف أحد المهرين فإيجاب النصف لكلّ منهما أمر لا دليل عليه.

3- ربع المهرين مع اتّفاقهما جنساً و قدراً و وصفاً، و تقسيمه بين الأُختين، و ربعهما يساوي نصف واحد في المهرين الذي هو الواجب عليه، و أمّا تقسيمه بينهما بالمناصفة لأنّه مقتضى قاعدة العدل و الانصاف.

نعم لو اختلفا جنساً أو قدراً أو وصفاً، فلا يساوي ربع المهرين نصف أحد المهرين لكون المفروض أنّ أحدهما أقلّ قدراً مثلًا، فلو كان أحد المهرين ثمانين درهماً و الآخر أربعين درهماً، فربعهما أي الثلاثون، يكون أقلّ من نصف الثمانين و أزيد من نصف الأربعين، و لعلّ لذلك قال العلّامة في القواعد: فلو طلّقهما معاً

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 383.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 324

ثبت لهما ربع مجموع مهريهما مع اتّفاقهما جنساً و قدراً و وصفاً و مع اختلافهما

على إشكال «1» و قد عرفت وجه الإشكال اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّه يغتفر في مورد القاعدة ما لا يغتفر في غيرها، فكما أنّه مع الاتفاق يلزم حرمان المستحق من ربع سهمه، كذلك يلزم في صورة الاختلاف إعطاء غير الواجب كلّ ذلك لعدم المرجّح و لعلّ الوجه الثالث أوضح.

تزويج الأُختين في عقد واحد
لو تزوّج الأُختين في عقد واحد، أو عقد هو على إحداهما و وكيله على الأُخرى في زمان واحد. ففيه قولان:
الأوّل: يتخيّر في أخذ أيّتها شاء، و هو خيرة الشيخ و غيره.

1- قال في النهاية: فإن عقد عليهما في حالة واحدة كان مخيّراً بين أن يمسك أيّتهما شاء. «2»

2- و قال ابن البرّاج: فإن تزوّج بهما في لفظ واحد في وقت واحد، كان مخيّراً في إمساك الواحدة منهما و تخلية الأُخرى. «3»

3- و قال يحيى بن سعيد: فإن جمع بينهما في العقد اختار أيّتهما شاء. «4»

الثاني: بطلانها

و هو خيرة ابن حمزة و ابن إدريس و المحقّق و غيرهما.

4- قال ابن حمزة: و إن عقد عليهما عقد مقارنة لم يصح، و روى أنّه اختار أيّتهما شاء. «5»

5- و قال ابن إدريس بعد نقل قول الشيخ في النهاية: و الذي تقتضيه أُصول

______________________________

(1) قواعد الأحكام: 2/ 17.

(2) النهاية: 454.

(3) المهذّب: 2/ 184.

(4) الجامع للشرائع: 429.

(5) الوسيلة: 293.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 325

المذهب أنّ العقد باطل يحتاج أن يستأنف عقداً على أيّهما شاء على ما قدّمناه، لأنّه منهي عنه، و النهي يدلّ على فساد المنهي عنه بلا خلاف بين محقّقي أصحاب أُصول الفقه و محصِّلي هذا الشأن، و شيخنا قد رجع في مبسوطه عمّا أورده في نهايته. «1»

6- و قال المحقّق: و لو تزوّجهما في عقد واحد بطل نكاحهما، و روي أنّه يتخير ما شاء و الأوّل أشبه.

7- و قال العلّامة في المختلف: لا يجوز الجمع بين الأُختين في العقد، و لا بين الخمس و لا بين الاثنين و عنده ثلاث إجماعاً فإن فعل دفعة، قال الشيخ: يتخير في أيّ الأُختين ما شاء و كذا في الزائد على الأربع و هو قول ابن الجنيد و ابن البرّاج و قال ابن إدريس: يبطل العقد، و به قال ابن حمزة، و المعتمد هو الأوّل. «2»

لا يخفى أنّ

مقتضى القاعدة هو الفساد للنهي الدالّ عليه أوّلًا، و صحّتهما معاً غير ممكن فتخصيص الصحّة بإحداهما ترجيح بلا مرجّح، لكن النص الصريح دلّ على الصحّة و هو رواية جميل التي رواها المشايخ الثلاثة في الجوامع و رواها الصدوق بسند صحيح عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه، و رواها الكليني مرسلًا، أي عن جميل بن درّاج عن بعض أصحابه عن أبي عبد اللّه، و رواه الشيخ بسند فيه علي بن السندي المجهول «3» و لا وجه لترك الرواية الصحيحة التي تعضدها رواية مرسلة أو غيرها.

و حملها على إمساك ما شاء بعقد جديد، حمل على خلاف الظاهر أو الصريح، و له نظائر في الشرع كما إذا طلّق زوجته ثلاثاً فتقع واحدة، و كما إذا أسلم

______________________________

(1) السرائر: 2/ 536.

(2) الوسائل: الجزء 14، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 21.

(3) المختلف، كتاب النكاح: 78.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 326

عن أزيد من أربع، فيختار الأربع، و يفارق سائرهن و طريق الاحتياط معلوم و هو أنّه يختار إحداهما فلو أراد التسريح يطلّقها، و إن أراد الإمساك يعقد عليها عقداً جديداً بعد تطليق الاخرى.

تكملة
اشارة

قال السيّد الطباطبائي بعد ما اختار في المسألة السابقة (اقتران العقدين) البطلان: و لو تزوّجهما و شكّ في السبق و الاقتران حكم ببطلانهما أيضاً.

أقول: إنّ للمسألة صورتين:

الأُولى: إذا كان السبق و الاقتران أمراً محتملًا في كلّ من العقدين.

الثانية: إذا كان السبق محتملًا في أحدهما دون الآخر كما إذا تردّد العقد على هند بين كونه سابقاً أو مقارناً، و تردّد عقد زينب بين كونه لاحقاً أو مقارناً.

أمّا الصورة الأُولى: [أي إذا كان السبق و الاقتران أمراً محتملًا في كلّ من العقدين.]

فالظاهر البطلان سواء اخترنا في صورة الاقتران نفس الحكم، أو قلنا بالصحّة و جواز اختيار أيّتهما شاء.

و ذلك لأنّ العقدين مردّد بين التقارن و التلاحق و احتمال التقارن و إن كان ينتج صحّة واحد من العقدين إذا شاء لكن احتمال التلاحق، يوجب لزوم الاجتناب عن كليهما، لأنّ أصالة الصحّة في كلّ معارضة مع جريانها في الأُخرى، أو أنّ استصحاب عدم العقد على أُخت هذه المرأة قبل الفراغ من عقدها، معارض بمثله في الطرف الآخر، فيحكم بلزوم الاجتناب.

و يمكن أن يقال: إنّه تختلف النتيجة على القولين (بطلان العقد عند التقارن و صحّة واحد منهما بالاختيار) لأنّه على القول ببطلان العقدين عند التقارن، لا علم بوجود عقد صحيح، لأنّه و إن كان يحتمل سبق أحدهما على الآخر، و بالتالي يكون السابق صحيحاً، لكنّه يحتمل التقارن أيضاً الذي افترضنا أنّ الحكم فيه

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 327

البطلان، و عندئذ لا تكون صحّة عقد على واحدة من الأُختين محرزة، فتستصحب الحرمة المتقدّمة قبل العقد.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الحكم في التقارن هو الصحّة باختيار ما شاء فعندئذ تكون صحّة أحد العقدين محرزة، لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون العقدان متقاربين أو متلاحقين، و على كلّ تقدير، يكون واحد

منهما صحيحاً و إن كان التعيين على التقارن متوقفاً على الاختيار، فلو قلنا بعموم أدلّة القرعة للمقام، فهو و إلّا كما هو الحقّ فطريق الاحتياط إذا أراد الإمساك أن يختار إحداهما ثمّ يعقد عليها بعقد جديد، و يطلق الأُخرى رجاء.

ثمّ إنّ ما ذكره السيد الطباطبائي يتمّ إذا قلنا بجريان الأصل في المعلوم و المجهول و إلّا فلو خصصنا الأصل بالمجهول دون المعلوم كما هو الحقّ فيجري الأصل في المجهول و لازمه الحكم بالصحّة فيه لا البطلان، و طريق الاحتياط كما مرّ.

أمّا الصورة الثانية: أعني: ما إذا احتمل السبق في أحدهما دون الآخر

بأن كان العقد على هند مردّداً بين السبق و التقارن بخلاف العقد على الآخر، بل تردّد أمره بين التقارن و اللحوق. فالظاهر الحكم بالصحّة في الأوّل و البطلان في الثاني مطلقاً سواء قلنا بأنّ الحكم في التقارن البطلان أو الصحّة بمعنى اختيار أيّتهما شاء. و ذلك لأنّ الأوّل لمّا كان محتمل السبق، دون الآخر بل كان احتمال السبق فيه منتفياً قطعاً، يجري في الأوّل الأصل دون الآخر، فيقال الأصل عدم العقد على الأُخرى قبل الفراغ عن عقدها فيحكم بالصحّة، و لا يجري في الآخر للعلم بعدم السبق. و احتمال كون العقدين متقارنين، لا يصحح العقد الثاني حتى على القول بالصحّة و اختيار أيّتهما شاء، و ذلك لعدم إحراز التقارن، لاحتمال اللحوق الذي لا شكّ في بطلان الثاني عندئذ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 328

حرمة نكاح بنت الأخ و الأُخت على العمّة و الخالة
قبل الخوض في الاستدلال نذكر أُموراً:
1- إنّ البحث في المقام مركّز على الصورة المعنونة،

و أمّا العكس، أعني: تزويج نكاح العمّة و الخالة على بنتي الأخ و الأُخت فهو مسألة أُخرى سيوافيك البحث عنها بعد الفراغ عن المسألة الأُولى.

2- إنّ فقهاء أهل السنّة بحثوا عن المسألتين جملة واحدة

لأنّهم لم يفرّقوا بينهما، فقالوا: الجمع بين المرأة و بين عمّتها و بينها و بين خالتها أخذاً بما رواه أبو هريرة عن رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا يجمع بين المرأة و عمّتها، و لا بين المرأة و خالتها» و في رواية أبي داود: «لا تنكح المرأة على عمّتها، و لا العمّة على بنت أُختيها، و لا المرأة على خالتها، و لا الخالة على بنت أُختها، لا تنكح الكبرى على الصغرى، و الصغرى على الكبرى» و لأنّ العلّة في تحريم الجمع بين الأُختين إيقاع العداوة بين الأقارب و إفضاؤه إلى قطيعة الرحم المحرّم، و هذا موجود فيما ذكرناه. «1»

يلاحظ عليه: أنّ العلّة لو كان ما زعم تلزم حرمة تزويج بنت العمّ على بنت العمّ، و بنت العمّة على بنت الخال، مع أنّه لم يقل أحد بالتحريم، و إنّما علّة التحريم هو الإجلال و التكريم للعمّة و الخالة فعن الصادق عليه السّلام: «إنّما نهى رسول اللّه عن تزويج المرأة على عمّتها و خالتها إجلالًا للعمّة و الخالة، فإذا أذنت في ذلك فلا بأس» «2» و ليس ذلك المناط موجوداً في العكس أي إدخال العمّة على بنت الأخ، أو الخالة على بنت الأخ.

3- إنّ فقهاء أهل السنّة جعلوا التحريم في الموردين كالتحريم بين الأُختين،

______________________________

(1) المغني: 7/ 478.

(2) الوسائل: الجزء 14، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 329

فكما أنّ الجمع هناك حرام مطلقاً، فهكذا في المقام و المسألتان عندهم كالجمع بين الأُختين، فلو جمعهما في العقد يبطل العقد من رأس و لو عقد على إحداهما ثمّ على الأُخرى صحّ السابق و بطل اللاحق، و هذا بخلاف الشيعة، فانّ التحريم هنا ليس

كالتحريم بين الأُختين، بل موضوع الحرمة تزويج بنت الأخ و بنت الأُخت للزوجة بلا إذنها، فلو سبقه الإذن أو قارنه يصحّ بالاتفاق، و أمّا إذا تأخّر فسيأتي فيه الكلام.

4- إنّ الأقوال بين فقهاء الشيعة ثلاثة:
الأوّل: البطلان إذا لم يكن عن رضا:

المشهور تحريم نكاح بنت الأخ أو الأُخت على نكاح العمّة و الخالة إلّا برضاهما فإن كان النكاح عن رضى منهما صحّ الجمع. ذهب إليه الشيخان و السيد المرتضى و ابن البرّاج و أبو الصلاح و سلّار و أكثر علمائنا إلى عصرنا هذا.

الثاني: هو الصحّة مطلقاً:

قال ابن أبي عقيل بالصحّة مطلقاً مستدلًا بعموم قوله سبحانه: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) و إن ادّعى أنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم حرّم غير هذه الأصناف، و هو يسمع قوله سبحانه: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) فقد أعظم القول على رسول اللّه إلى أن قال: و قد روى عن علي بن جعفر: سألت أخي موسى عن الرجل يتزوّج المرأة على عمّتها أو خالتها قال: لا بأس لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ).

و قال ابن الجنيد: و قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) غير حاظر الجمع بين العمّة و ابنة الأخ، أو الخالة و ابنة الأُخت، و الحديث الذي روى فيه إنّما هو نهي احتياط لا تحريم، و قد روى جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر و موسى

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 330

ابن جعفر، و قال يحيى بن الحسن و عثمان المثنى: و الاحتياط عندي ترك ذلك، و من عقده لم ينفسخ كما ينفسخ نكاح الأُخت على الأُخت و الأُمّ على البنت. «1»

الثالث: البطلان مطلقاً:

ذهب الصدوق في المقنع إلى البطلان مطلقاً سواء كان هناك إذن أو لا، بل أبطل عكس المسألة التي سنبحث عنها فيما بعد. قال: و لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها و لا على ابنة أُختها و لا على بنت أُختها «2»، فعمّم النهي و لم يفرق بين دخول العمّة و الخالة على بنت الأخ و بنت الأُخت و بالعكس.

هذه هي الأقوال في المسألة و لنذكر بعض الكلمات حتّى يكون القارئ على ثقة.

قال المفيد: و لا بأس

أن ينكح الرجل المرأة و عمّتها و خالتها و يجمع بينهنّ غير أنّه لا يجوز له أن ينكح بنت الأخ على عمّتها إلّا باذن العمّة و رضاها و لا ينكح بنت الأُخت على خالتها إلّا باختيار الخالة و إذنها ثمّ أشار إلى المسألة الثانية، و قال: و له أن يعقد للعمّة و عنده بنت أخيها من غير استئذان بنت الأخ، و يعقد للخالة، و عنده بنت أُختها من غير رضى بنت الأُخت و الاستئذان لها. «3»

و قال الشيخ: و لا يجوز العقد على امرأة و عند الرجل عمّتها أو خالتها إلّا برضى منهما، ثمّ أشار إلى المسألة الثانية و قال: و لا بأس بالعقد على العمّة و الخالة و عنده بنت الأخ أو بنت الأُخت و إن لم ترضيا بذلك. «4»

و قال في الخلاف: يجوز الجمع بين المرأة و عمّتها و خالتها إذا رضيت العمّة و الخالة بذلك، و عند جميع الفقهاء أنّه لا يجوز ذلك، أعني: الجمع بينهما، و لا تأثير

______________________________

(1) المختلف: 79، كتاب النكاح.

(2) المقنع، 100، و لاحظ التعليقة.

(3) المقنعة: 505504.

(4) النهاية: 459.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 331

لرضاهما، ذهبت الخوارج إلى أنّ ذلك جائز على كلّ حال. دليلنا إجماع الفرقة و أيضاً الأصل جوازه و المنع يحتاج إلى الدليل. «1»

قال القاضي: و لا يجوز لرجل العقد على امرأة تكون زوجته عمّتها أو خالتها من جهة النسب أو الرضاع إلّا برضاهما، فإن رضيتا ذلك كان جائزاً. «2»

و قال ابن حمزة: و [تحرم] ابنة أخي الزوجة أو أُختها بغير رضى منهما فإن عقدا عليهما برضاهما جاز و لم يكن لهما بعد ذلك خيار. «3»

و قال ابن سعيد: و يجوز عقد

العمّة و الخالة على بنت الأخ أو الأُخت من غير رضاهما. «4»

و قد استمرّ الإفتاء بالصحّة مع الرضى إلى عصرنا هذا. قال السيّد الاصفهاني: و لا يجوز نكاح بنت الأخ على العمّة و بنت الأُخت على الخالة إلّا بإذنهما من غير فرق بين كون النكاحين دائمين أو منقطعين أو مختلفين، و لا بين علم العمّة و الخالة حال العقد و جهلهما، و لا بين اطّلاعهما على ذلك و عدم اطّلاعهما، فلو تزوّجهما عليهما بدون إذنهما كان العقد الطارئ كالفضولي، على الأقوى تتوقف صحّته على إجازة العمّة و الخالة فإن أجازه جاز و إلّا بطل. «5»

إذا عرفت هذا و لنذكر أدلّة الأقوال:
استدل للقول بالجواز مطلقاً، بما عرفت في كلام «القديمين» من التمسك بإطلاق الآية

مضافاً إلى ما رواه العلّامة في المختلف من مرسلة علي بن جعفر.

يلاحظ عليه: أنّ الآية قابلة للتخصيص بما ورد في السنّة، و قد روى ابن قدامة مناظرة بعض الخوارج مع عمرو بن عبد العزيز حيث استدلوا بعدم ورود

______________________________

(1) الخلاف: 4/ 296.

(2) المهذّب: 2/ 188.

(3) الوسيلة: 293.

(4) الجامع للشرائع: 430، و يدل بالفحوى على عدم الجواز في عكس الصورة.

(5) الوسيلة، كتاب النكاح، القول في المصاهرة، المسألة 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 332

الحرمة في الكتاب، و أجاب بورودها في السنّة، مثل ورود تفاصيل الصلاة و الزكاة فيها. «1» و المرسلة ليست بحجّة لعدم ورودها فيما بأيدينا من الجوامع، و لو ثبتت تحمل على ردّ العامة حيث عطفوها على تزويج الأُختين الذي لا يصحّ مطلقاً، أذنت العمّة أو الخالة أو لا، و الرواية وردت لردّ تلك الفكرة و أنّها لم ترد في الكتاب و إنّما وردت في السنّة، و السنّة لا تمنع عن الصحّة مع الإذن، و يؤيّد ما ذكرنا من الحمل قول ابن الجنيد: «و قد روى

جوازه إذا تراضيا عن أبي جعفر و موسى بن جعفر ...»، أضف إلى ذلك أنّ المرسلة وردت في رواية أُخرى لعلي بن جعفر و هي صريحة في أنّ المنهي عنه هو التزويج بلا إذنهما. «2»

استدل للقول بالمنع مطلقاً ببعض الإطلاقات

«3» و هي صالحة للتقييد و محمولة على صورة عدم الإذن.

و يدلّ على القول المشهور المنصور بروايات متضافرة تفصل بين إذنهما و عدمه فيصح مع الأوّل دون الثاني و نذكر بعضها:

1- صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «لا تنكح المرأة على عمّتها و لا على خالتها إلّا بإذن العمّة و الخالة». «4»

2- موثقة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تزوّج ابنة الأخ و لا ابنة الأُخت على العمّة و لا على الخالة إلّا بإذنهما». 5

3- روى الشيخ في التهذيب باسناده إلى محمّد بن مسلم عن أبي جعفر

______________________________

(1) المغني: 7/ 478.

(2) الوسائل: الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3، و التعارض بين الصدر و الذيل، يرفع بحمل الأوّل على الثاني.

(3) الوسائل: الباب 30، الحديث 4، 7، 8، 9، 12.

(4) 4 و 5 المصدر نفسه: 2 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 333

قال: «لا تزوّج ابنة الأُخت على خالتها إلّا بإذنها، و تزوّج الخالة على ابنة الأُخت بغير إذنها». «1» و سيوافيك الكلام في ذيل الحديث في المسألة الثانية.

و تحتمل وحدة الروايتين لكون الراوي فيهما محمّد بن مسلم غير أنّ الأُولى أكمل من الثانية إلى غير ذلك من الروايات الدالّة على عدم الجواز إلّا بإذنهما، و أنت إذا لاحظت روايات الباب مطلقها و مقيّدها تقف على أنّ مختار المشهور، هو مقتضى الجمع الدلالي في المسألة حتى

أنّ ما رواه السكوني عن جعفر عن أبيه محمول على ما إذا عقد بلا إذن، قال: إنّ عليّاً أُتي برجل تزوّج امرأة على خالتها فجلده و فرّق بينهما. «2»

إذا تزوّج بنت الأخ أو الأُخت مع لحوق الإجازة

قد عرفت أنّه يجوز إدخال بنت الأخ و الأُخت على العمّة و الخالة بإذنهما، فعليه لا إشكال إذا سبق الإذن العقد أو قارنه. إنّما الكلام إذا لحقه، فهل يصح أو لا؟ فهناك أقوال أربعة:

1- بطلان عقد الداخلة: و هو خيرة المحقّق في الشرائع، قال: و لو تزوّج بنت الأخ أو بنت الأُخت على العمّة و الخالة من غير إذنهما كان العقد باطلًا «3» و على ذلك لا تنفع الإجازة بعده.

2- بطلان عقد الداخلة و تزلزل عقد المدخول عليها، فلها أن تفسخ عقد نفسها و هو خيرة ابن إدريس. «4»

3- تزلزل العقدين: السابق و الطارئ و هو خيرة الشيخين: المفيد و الطوسي

______________________________

(1) الوسائل: الباب 30، الحديث 6، و لاحظ الحديث 5 فانّه يدلّ في المفهوم على الجواز مع الإذن في المقام.

(2) المصدر نفسه، الحديث 4.

(3) الجواهر: 22/ 361، قسم المتن.

(4) السرائر: 2/ 521.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 334

قال: تتخير العمّة و الخالة بين إمضاء عقد الداخلة و فسخه و بين فسخ عقد أنفسهما السابق، و الاعتزال و يكون اعتزالهما بمنزلة الطلاق. «1»

4- تزلزل العقد الطارئ خاصة بحيث يكون موقوفاً على رضى المدخول عليها مع لزوم عقده، و هو خيرة العلّامة و جمع من المتأخّرين و مراجع الفتيا في عصرنا هذا. قال السيّد الطباطبائي: إذا تزوّجهما من غير إذن، ثمّ أجازتا صحّ على الأقوى «2» و تبعه كل من علّق على العروة و إليك دراسة الأقوال:

أمّا القول الأوّل فاستدل له بأُمور:

1- ما رواه

علي بن جعفر عن أخيه في حديث: «... و لا تزوّج بنت الأخ و الأُخت على العمّة و الخالة إلّا برضاء منهما، فمن فعل ذلك فنكاحه باطل» «3» و مع كونه باطلًا كيف يصحّ بالإذن الطارئ عليه.

2- انّ النهي عن التزويج بلا إذن سابق أو مقارن في الروايات السابقة يدلّ على الفساد كدلالته عليه في سائر المقامات.

3- إنّ المتبادر من قولهم: «إلّا بإذنهما» هو مصاحبة الإذن مع العقد و عليه لا يكفي تأخّر الإذن.

يلاحظ على الأوّل: أنّ وزان قوله: «فنكاحه باطل» في رواية علي بن جعفر وزان قوله: «أيّما عبد تزوّج بغير إذن مولاه فنكاحه باطل»، و المعنى في كلا الموردين واحد و هو أنّه مسلوب الأثر فعلًا لا أنّه لا يترتّب عليه الأثر و إن لحقه الشرط فيما بعد، و قد تضافرت الروايات على صحّة عقد العبد إذا لحقته إجازة المولى. «4»

______________________________

(1) المقنعة: 505504، النهاية: 459.

(2) العروة الوثقى، فصل في المحرّمات بالمصاهرة، المسألة 20، و قد مرّ نصّ السيّد الاصفهاني.

(3) الوسائل: الجزء 14، الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3.

(4) الوسائل: الجزء 14، الباب 24 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1، 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 335

يلاحظ على الثاني: أنّه إن أُريد من دلالة النهي على الفساد، خروج الموضوع عن القابلية كالمحرّمات النسبية و الرضاعية فممنوع، و إن أُريد منه عدم ترتّب الأثر، و الحال هذه أي ما لم يكن هناك إذن لا سابقاً و لا لاحقاً فهو حق، و لكن لا يكون دليلًا على الفساد إذا لحقه الإذن. و أيّ فرق بين المقام و النهي عن تزويج العبد بدون إذن مولاه حيث يصحّ العقد بلحوق

الإذن هناك دون المقام مع وجود النهي في كلا المقامين.

استُدلّ للقول الثاني بما يلي: أمّا بطلان عقد الداخلة فللنهي الوارد في الأخبار في دلالته على الفساد، و أمّا تزلزل عقد المدخول عليها فلم يذكر دليله، و كأنّه أخذه من كلام الشيخ الآتي، و ضعف هذا القول ظاهر، لما عرفت من أنّ النهي لا يدلّ على الفساد المطلق، و أمّا تزلزل عقد المدخول عليها، فسيوافيك بيانه في القول الثالث.

و أمّا القول الثالث: فلم يذكر الشيخان وجهاً لكلامهما، و ربّما استدل له بما يلي: أنّ العقدين وقعا صحيحين. أمّا الأوّل (أي عقد العمّة و الخالة) فظاهر، و أمّا الثاني، فلأنّه عقد صادر من أهله في محلّه و لا يؤثر تجدّد البطلان بفسخ العمّة و الخالة في صحّته الأصلية كغيره من العقود الموقوفة على رضا الغير. فإذا وقع صحيحاً كانت نسبة العقدين إلى العمّة و الخالة على السواء، و لمّا كان الجمع موقوفاً على رضاهما تخيّرتا في رفع الجمع بما شاءتا من فسخ عقدهما و عند الداخلة. «1»

يلاحظ عليه: أنّ العقد الأوّل صدر لازماً بالأصل و الأصل يقتضي بقاءه على اللزوم إلى أن يثبت المزيل، و رفع الجمع و إن كان يحصل بفسخ أحد العقدين، إلّا أنّ فسخ السابق قد منع منه مانع شرعي و هو لزومه فيختص التسلّط على رفع الثاني.

______________________________

(1) الحدائق الناضرة: 23/ 477.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 336

أضف إلى ذلك أنّ جعل العقد الثاني عدلًا للعقد الأوّل على خلاف الحقّ، فانّ الأوّل اجتمعت فيه شرائط الصحّة بخلاف الثاني، فلم تجتمع فيه شرائط الصحّة بدون الإذن، فلا يصحّ قوله: إنّ نسبة العقدين إلى العمّة و الخالة على السواء، و أعجب منه هو

الاكتفاء بالاعتزال عن الفسخ و الطلاق، و لا دليل عليه في الشرع.

و أمّا القول الرابع، فهو القول المشهور عند المتأخّرين، فلأنّ النهي في المقام إنّما هو لصالح العمّة و الخالة فإذا رضيتا تمّت الشرائط، و هذا مثل قوله عليه السّلام في العبد المتزوّج بغير إذن مولاه، فقال الإمام: «إنّما أتى شيئاً حلالًا و ليس بعاص للّه و إنّما عصى سيّده ...» «1» و بذلك يظهر ضعف ما أفاده المحدّث البحراني في المقام حيث قوّى شرطية مصاحبة الإذن، و اختار الوجه الأوّل.

ثمّ إنّ مقتضى الإطلاق عدم الفرق بين الصغيرتين و الكبيرتين و المختلفتين و لا بين اطّلاع العمّة و الخالة على ذلك، و عدم اطّلاعهما أبداً، و لا بين كون مدّة الانقطاع قصيرة و لو ساعة أو طويلة، أخذاً بإطلاق الروايات و إن ادّعى السيّد الطباطبائي انصراف الأخبار عن بعض الصور «2» لكن التعميم هو الأقوى لأنّ ما ذكر من العلّة، حكمة الحكم.

ثمّ إنّ السيّد الطباطبائي تعرّض في المقام لفروع جزئية، فمن أراد التفصيل فليرجع إليها.

في إدخال العمّة و الخالة على بنت الأخ و الأُخت

اتّفقت كلمة جلّ فقهائنا على جواز إدخال العمّة و الخالة على بنت الأخ

______________________________

(1) الوسائل: الجزء 14، الباب 14، من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1 و 2.

(2) العروة الوثقى: فصل في المحرمات بالمصاهرة: المسألة 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 337

و الأُخت مطلقاً سواء رضي المدخول عليها أو لا، و يدلّ عليه مضافاً إلى عموم الآية، نصوص في المقام صريحة في الجواز. ففي موثق محمّد بن مسلم: «و تُزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأُخت بغير إذنهما» «1» و غيره ممّا أشرنا إليه في التعليقة.

نعم قال الصدوق في المقنع بالحرمة في هذه

الصورة أيضاً، فعمّم المنع و لم يفرّق بين المسألتين مع صراحة الأخبار بالفرق و قد نقل هو قدّس سرّه ما يدلّ على الجواز من الأخبار في الفقيه، و أمّا ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة و عمّتها، و لا بين المرأة و خالتها» «2» فيحمل على الصورة الأُولى أخذاً بالأحاديث المفصّلة.

فقد تبيّن من ذلك عدم شرطية إذن المدخول عليها، و هل يشترط علم الداخلة بأنّ المدخول عليها، بنت أخيها أو بنت أُختها أو لا؟ ذهب إلى الأوّل صاحب المسالك، و إلى الثاني صاحب الرياض، قال الثاني: «لا فرق في الجواز بين علم الداخلة بكون المدخول عليها بنت أخ أو أُخت أم لا، وفاقاً للأكثر. للأصل و إطلاق النصوص و عن العلامة اشتراط العلم و مستنده غير واضح، و النصوص باعتبار إذنهما مختصة بالصورة الأُولى، نعم احتاط السيّد البروجردي إذا كانت العمّة و الخالة جاهلتين. «3»

و يمكن الاستدلال عليه بوجوه أنّه مخالف للإجلال المنصوص عليه:

يلاحظ عليه: أنّه فرق واضح بين كونهما مدخولتين أو داخلتين، فاشتراط الإذن في الأُولى لأجل أصالتهما في الزوجية، بخلاف ما إذا كانتا داخلتين فالأصالة

______________________________

(1) الوسائل: 14، و الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، و لاحظ الحديث: 3، 5، 6، 9، 12، 13.

(2) المصدر نفسه: الحديث 7.

(3) العروة الوثقى: فصل في المحرّمات بالمصاهرة، تعليقة، المسألة 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 338

عندئذ لبنت الأخ و الأُخت و هما واردتان عليهما فاعتبار الإذن في الأُولى لا يكون دليلًا على اعتباره في الثانية.

1- ما رواه صاحب المسالك عن محمّد بن مسلم: لا تزوّج ابنة الأخ

... و لا تزوّج العمّة و الخالة على ابنة الأخ و ابنة الأُخت بغير إذنهما «1» و الظاهر أنّه مصحف و الصحيح كما في الوسائل «2»: «و تزوّج العمّة و الخالة ...»، و لو فرضت صحّة النسخة يلزم رجوع الضمير إلى الأقرب أي ابنة الأخ و الأُخت، و هو مخالف للإجماع.

2- قياس المقام بنكاح الحرّة على الأمة حيث إنّه يشترط علمها بكون المدخولة أمة لاشتراك الدليلين في حكمة الحكم.

يلاحظ عليه: أنّه قياس لا نقول به أضف إلى ذلك أنّه لو قلنا بالشرطية، فلا يبطل من أصل، بل لو لحقه إذن الداخلة، لصحّ العقد. شأن كلّ عقد فضولي.

إذا جمع عقد العمّة أو الخالة، مع إحداهما في عقد واحد هل تتوقف صحّة العقد على إذنهما كما إذا سبق عقد العمّة أو الخالة أو لا؟ قال السيّد الطباطبائي: الظاهر أنّ حكم اقتران العقدين حكم سبق العمّة و الخالة. «3»

و قد استدل عليه في الجواهر بوجوه مخدوشة من حديث الإجلال المعلوم أنّه حكمة الحكم لا مناطه، و إطلاق خبر أبي الصباح «4»، الذي يرويه محمّد بن

______________________________

(1) المسالك: 1/ 517، بحار الأنوار: 10/ 260.

(2) الوسائل: الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(3) العروة الوثقى: فصل ما يحرم بالمصاهرة، المسألة 11.

(4) الوسائل: الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة الحديث 7. لا يحلّ للرجل أن يجمع بين المرأة و عمّتها و لا بين المرأة و خالتها.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 339

الفضيل المشترك بين محمّد بن الفضيل بن غزوان الثقة، و محمّد بن الفضيل بن كثير الذي لم يوثق، و محمّد بن القاسم بن الفضيل صاحب الرضا «1» و إن كان الأقرب هو الثاني، لأنّ

ابن غزوان من أصحاب الصادق فكيف يروي عن أبي الصباح الذي صحب الصادق و روى عن الكاظم، و يروي عنه الحسين بن سعيد الأهوازي الذي هو من أصحاب الرضا و الجواد و الهادي عليهم السّلام، أضف إلى ذلك أنّ إطلاقه موافق لفتوى العامة.

نعم يمكن أن يقال: إنّ المفهوم من الروايات، هو أنّ الجمع بين العمّة و الخالة و بنت الأخ و الأُخت يتوقّف على إذنهما، غير ما إذا كانتا داخلتين على بنت الأخ و الأُخت، فلا فرق بين المتأخّر و المقارن.

كما أنّ الظاهر عدم الفرق بين العمّة و الخالة المسلمتين أو الكافرتين، و الإجلال حكمة التشريع لا علّته و مناطه، كما لا فرق بين العليا و الدنيا و احتمال الانصراف خلاف الإطلاق.

و هل يشترط الإذن، أو يكفي الرضا الباطني؟ الظاهر هو الثاني، لأنّ الإذن طريق إليه فإذا استكشف، كفى في الصحّة، و التأكيد على الإذن في أكثر الروايات «2» و قلّة ورود الرضا «3» لأجل حسم مادة النزاع فيما بعد إذ لها أن تنكر الرضا بالباطني بخلاف ما إذا أذنت على رءوس الاشهاد، و لأجل ذلك تضافر التعبير على الإذن.

فلو أذنت ثمّ رجعت و لم يبلغه الخبر فتزوّج لم يكفه الإذن السابق، لأنّ الشرط هو وجوده الواقعي و هو بعد غير حاصل، نعم ورد في باب الوكالة أنّ العزل

______________________________

(1) تنقيح المقال: 1/ 39.

(2) لاحظ الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، 2، 6، 10، 12.

(3) لاحظ الباب 30 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 340

الواقعي لا يؤثر ما لم يبلغ إلى الوكيل «1» و هو خرج بالدليل و لعلّ الضرورة الاجتماعية في باب

الوكالة صيّرت أحكام الوكالة مستمرة إلى أن يبلغه العزل و منه يظهر عدم تأثير الرجوع بعد العقد إذ لا دليل على شرطيته إلّا قبل العقد، و أمّا غيره فالكل باق تحت عموم قوله: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) و معه لا حاجة إلى الاستصحاب و إن ذكره بعض الأعلام. «2»

ثمّ إذا توفق الرجل لجلب رضى المرأة بالوعد، فرضيت فإن وفى بوعده و إلّا فهل يبطل بالتخلف أو لا؟ الحقّ التفصيل بين تقييد الإذن بالوفاء بالوعد، فلو تخلّف كشف عن بطلان الإذن و العقد، إنّما الكلام فيما إذا صار الوعد، داعياً للإذن المطلق بلا تقييده بالوفاء بالوعد، فالظاهر الصحّة، سواء كان بانياً على التخلّف حين الوعد أو لا، لأنّ تخلّف الداعي لا يؤثّر في أبواب العقود، و إن استشكل سيّد مشايخنا البروجردي فيما إذا كان بانياً على عدم الوفاء حين العقد في تعليقته و هو غير ظاهر.

ثمّ الظاهر أنّ إذن العمّة و الخالة حكم شرعي، لا حقّ فلا يسقط بالإسقاط، و ذلك لتبادر الحكم من النهي عن تزويجها بلا إذنهما. على أنّ الحقّ إمّا يقوم بالعين كحقّ المرتهن القائم بالعين المرهونة، أو يتولّد بالفعل كالتحجيز و ليس المقام عنهما، و على هذا و لو شكّ في كفاية الإسقاط، فالأصل هو الفساد.

إذا اشترط في عقد العمّة و الخالة إذنهما في تزويج بنت الأخ أو الأُخت، ثمّ لم تأذنا عصياناً منهما في العمل بالشرط، لا يصحّ العقد على إحدى البنتين، لعدم حصول الشرط و إن كانتا عاصيتين.

و هل له إجبارهما بالشرط و لو بالمراجعة إلى الحاكم الشرعي، أو لا؟ الظاهر

______________________________

(1) الوسائل: 13، الباب 2 من أحكام الوكالة.

(2) مستمسك العروة الوثقى: ج 14، فصل في المحرمات بالمصاهرة،

المسألة 16.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 341

لا، و إن قلنا به في سائر الموارد كاشتراط الخياطة في بيع الدار و اشترائه و ذلك للفرق بين الموردين، لأنّ الشرط في الثاني قابل للإجبار دون المقام إذ ليس الأُمور القلبية قابلة للإجبار و الإكراه.

و بذلك يتبيّن أنّ المسألة ليست مبنية على أنّ الشرط، هل يحدث حقّاً للشارط أو لا؟ فعلى الأوّل يجوز، دون الثاني، لأنّ ما ذكر إنّما يتمّ فيما إذا كان الشرط قابلًا للإجبار و الإكراه، دون المقام فإحداث الحقّ غير كاف في جواز الإجبار و ترتّب الأثر.

إلى هنا تعرفت ما يحرم بالمصاهرة و توابعها، و إليك بيان ما يقوم مكانها:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 343

ملحقات المصاهرة
اشارة

1- الزنا بامرأة تحرم النساء الأربع؟

2- إذا زنى بالعمة و الخالة تحرم بنتهما

3- الوطء بالشبهة و حكم النساء الأربع

4- في المملوكة إذا كانت منظورة أو ملموسة

5- إذا دخل قبل تسع سنين و افضى و فيه خمسة عشر فرعاً

مسائل في من تحرم نكاحها بعينها

6- العقد على ذات العدّة

7- العقد على ذات البعل

8- الزنا بذات العدّة أو البعل

9- الإيقاب بغلام

10 عقد المحرم على امرأة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 345

ملحقات المصاهرة

قد تعرفت على مفهوم المصاهرة و أحكامها في مورد النساء الأربع و هناك أُمور ملحقة بها و إن لم يكن من نوعها، فلها دور في تحريم النساء الأربع، أو تحريم المرأة فيلزم البحث عنها

و لنقدم قبل الخوض في الصور كلام السيد الأصفهاني قدّس سره في الوسيلة:
اشارة

قال السيد الاصفهاني: لا إشكال في ترتّب الحرمات الأربع على النكاح و الوطء الصحيحين، و هل تترتب على الزنا و وطء الشبهة أم لا؟ قولان: أقواهما و أشهرهما أوّلهما: فلو زنى بامرأة حرمت على:

1- أبي الزاني.

2- و ابن الزاني. «1»

3- و حرمت على الزاني أُمّ المزني بها.

4- و بنتها.

و كذلك الموطوءة شبهة.

نعم الزنا الطارئ على التزويج لا يوجب الحرمة لو كان بعد الوطء أو قبله و بعد العقد فلو تزوّج بامرأة ثمّ زنى بأُمّها أو بنتها، لم تحرم عليه امرأته و كذا لو زنى الأب بامرأة الابن لم تحرم على الابن و لو زنى الابن بامرأة الأب لم تحرم على أبيه. «2»

ذكرنا نص السيّد، ليكون القارئ على بصيرة على صور المسألة. و لكن المذكور في كلام الأصحاب غالباً هو تحريم أُم المزنيّ بها أو بنتها، دون الأوليين

______________________________

(1) سقط من النسخة: الطبعة الثامنة.

(2) فصل المصاهرة، المسألة 5.

نظام النكاح

في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 346

و الأولى التعميم كما سيوافيك في كلام السيّد عن أبي حنيفة و لأجل ذلك جعلنا العنوان حرمة النساء الأربع.

1- إذا فجر بامرأة، هل تحرم عليه النساء الأربع؟!

إذا فجر بامرأة فتارة يكون الفجور متقدّماً على الزواج المفروض، و أُخرى متأخّراً و المسألة في بدء الأمر ذات قولين:

الأُولى: أنّه لا تنشر الحرمة.

الثانية: التفصيل بين كونه متقدّماً فينشر، و متأخّراً فلا ينشر.

و قد لخّص العلّامة الأقوال فيهما و قال: اختلف علماؤنا في الزنا هل ينشر حرمة التزويج بأُمّها و بنتها؟ فأثبته الشيخ و أبو الصلاح و ابن البرّاج و ابن زهرة و ابن حمزة.

و قال المفيد و السيّد المرتضى و الصدوق في المقنع و سلّار و ابن إدريس أنّه لا ينشر الحرمة فللرجل نكاح أُمّ المزني بها و بنتها سواء تقدّم العقد على الزنا أو تأخّر. «1»

و قال المحدّث البحراني: لا خلاف بين الأصحاب رضوان اللّه عليهم في أنّ الزنا المتأخّر عن العقد الصحيح لا ينشر حرمة المصاهرة سواء في ذلك الزنا بالعمّة أو الخالة أو غيرهما، لأصالة بقاء الحكم الحاصل بالعقد، و قولهم: «لا يفسد الحرام الحلال» و إنّما الخلاف في الزنا المتقدّم هل ينشر حرمة المصاهرة أم لا؟ الأشهر ذلك «2» و لأجل الوقوف على متون الكلمات ننقل بعضها:

______________________________

(1) المختلف، كتاب النكاح، ص 74، و ستقف على نصوص بعض هؤلاء و هي ربّما لا توافق مع ما ذكروه في بعض الموارد.

(2) الحدائق: 23/ 479.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 347

1 قال الصدوق: فإن زنى بأُمّها فلا بأس أن يزوّجها بعد أُمّها و ابنتها و أُختها. «1»

2- قال المفيد: و لا بأس للرجل أن يتزوّج بامرأة قد سافح أُمّها أو ابنتها و لا يحرّم

ذلك عليه نكاح الأُم و البنت سواء كانت المسافحة قبل العقد على من سمّيناه أو بعده. «2»

3- قال السيد المرتضى: و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به القول: بأنّ من زنى بعمّته أو خالته حرمت عليه بناتهما على التأبيد، و أبو حنيفة موافق في ذلك، و يذهب إلى أنّه من زنى بامرأة حرمت عليه أُمّها و بنتها، و حرمت المرأة على أبيه و ابنه، و هو أيضاً قول الثوري و الأوزاعي، و خالف باقي الفقهاء في ذلك و لم يحرموا بالزنا الأُمّ و البنت.

يمكن أن يستدل على ذلك بقوله تعالى: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ)، و لفظ النكاح واقع على الوطء و العقد معاً، فكأنّه تعالى قال: لا تعقدوا على ما عقد عليه آباؤكم من النساء و لا تطئوا ما وطؤهنّ، و كلّ ما حرِّم بالوطء في الزنا المرأة على الابن و الأب، حرّم بنتها و أُمّها عليهما جميعاً.

و الاحتجاج في هذا الموضع بما يروي عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم من قوله: الحرام لا يحرِّم الحلال غير صحيح، لأنّه خبر واحد و لأنّه مخصوص بإجماع و يحمل على مواضع: منها: أنّ الوطء في الحيض و هو حرام لا يحرم ما هو مباح من المرأة. و منها: إذا زنى بامراة فله أن يتزوّجها. و منها: إنّ وطء الأب لزوجة ابنه التي دخل بها أو وطأ الابن لزوجة أبيه و هو حرام لا يحرم تلك المرأة على زوجها و لا يجعل هذا الحلال ذلك الحرام حراماً. «3»

______________________________

(1) المقنع: 108.

(2) المقنعة: 504.

(3) الانتصار: 108، إنّ السيد و إن خصّ العنوان على العمّة و الخالة و حكم بالحلّية في مورد النزاع كما من

وطأ حليلة الابن، أو وطئه زوجة الابن، فعلى هذا فهو من النافين، كما حكيناه عن المختلف.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 348

4 و قال أبو الصلاح في عدّ المحرّمات بالأسباب «و أُمّ المزني بها قبل العقد و ابنتها». «1»

5- و قال الشيخ: اختلف روايات أصحابنا في الرجل إذا زنى بامرأة هل يتعلّق بهذا الوطء تحريم نكاح أم لا؟ فروى أنّه لا يتعلّق به تحريم نكاح، و يجوز له أن يتزوّج أُمّهاتها و بناتها و هو المروي عن علي عليه السّلام و ابن عباس و سعيد بن المسيب و ربيعة و مالك و الشافعي و أبي ثور، و قد روى أنّه يتعلّق به التحريم كما يتعلّق بالوطء المباح و هو الأكثر في الروايات و هو الذي ذكرناه في النهاية؛ و به قال الأوزاعي و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق، و قال أبو حنيفة: إن نظر إلى فرجها بشهوة أو قبّلها بشهوة أو لمسها بشهوة فهو كما لو زنى بها في تحريم النكاح، قال: و لو قبّل أُمّ امرأته بشهوة حرمت عليه امرأته، و لو قبّل رجل زوجة أبيه (ابنه خ ل) بشهوة انفسخ نكاحها دليلنا على الأوّل الأخبار التي رويناها في الكتاب الكبير و أيضاً قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) و أيضاً قوله: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) و أيضاً الأصل الإباحة، و قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لا يحرّم الحرام الحلال» يدلّ عليه أيضاً لأنّه لم يفصل، و أمّا الذي يدلّ على الثاني فطريقه الاحتياط و أخبارنا التي ذكرناها في الكتاب المذكور (الكبير خ ل) «2».

6- و قال ابن البرّاج:

و إذا فجر رجل بامرأة حرم عليه العقد على أُمّها و بنتها من النسب و الرضاع على كلّ حال فإن قبّلها أو لامسها من غير جماع أو ما جرى مجرى ذلك، جاز له العقد على الأُمّ و البنت، و من فجر بأُمّ زوجته أو ابنتها (الزوجة) لم تحرم عليه بذلك زوجته. «3»

7- و قال سلّار: أن لا تكون امرأة ابنه فإنّها لا تحلّ أبداً و أن لا تكون بنت عمّته أو خالته و قد فجر بأُمّهما لا تحلّ له أبداً فإن زنى بأجنبية لم تحرم عليه أُمّها

______________________________

(1) الكافي: 286.

(2) الخلاف: كتاب النكاح، المسألة 79.

(3) المهذّب: 2/ 188.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 349

و لا بنتها. «1»

8- قال ابن حمزة: و التي زنى بأُمّها أو ببنتها و إن علت الأُمّ، و نزلت البنت نسباً أو رضاعاً. «2»

9- قال ابن إدريس: و الأظهر و الأصح في المذهب أنّ المزني بها لا تحرم أُمّها و لا ابنتها للأدلّة القاهرة من الكتاب و السنّة و الإجماع، و هذا المذهب الأخير، مذهب شيخنا المفيد محمّد بن محمّد بن النعمان، و السيّد المرتضى. و الأوّل مذهب شيخنا أبي جعفر الطوسي في نهايته، و مسائل خلافه، و إن كان قد رجع عنه في التبيان في تفسير قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ) الآية إلى أن قال: و الذي يدلّ على صحّته ما اخترناه، أنّ الأصل الإباحة، و الحظر يحتاج إلى دليل، و قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) و هما داخلتان في عموم الآية، و قوله عليه السّلام: «لا يحرّم الحرام الحلال» و لا إجماع على ما ذهب إليه من خالف في هذه المسألة، فلا يرجع عن

هذه الأدلّة بأخبار الآحاد التي لا توجب علماً و لا عملًا. «3»

10 و قال ابن سعيد: و يحرم على الزاني أُمّ المزني بها و بنتها قبل العقد عليها نسباً و رضاعاً. «4»

1- 1 و قال المحقّق: أمّا الزنا بغير العمّة و الخالة فهل تنشر حرمة المصاهرة كالوطئ الصحيح؟ فيه روايتان إحداهما تنشر و هي أوضحهما طريقاً (و أضاف صاحب الجواهر و أكثرها عدداً و عاملًا) و الأُخرى لا تنشر، و أضاف صاحب الجواهر و لكن العمل على الأولى وفاقاً للأكثر نقلًا مستفيضاً و محصلًا بل هو المشهور كذلك. «5»

______________________________

(1) المراسم: 149، ترى أنّ سلّار يقول بالتحريم في مورد العمّة و الخالة لا مطلقاً مع أنّ العلّامة عدّه من القائلين بالتحريم مطلقاً.

(2) الوسيلة: 292.

(3) السرائر: 2/ 523.

(4) الجامع للشرائع: 428.

(5) الجواهر: 29/ 368367.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 350

هذا ما لدينا و أمّا ما لدى أهل السنّة فإليك ما ذكره ابن قدامة حيث يظهر منه أنّ الزنا موجب لحرمة النساء الأربع مع ما عرفت من السيّد في انتصاره و الشيخ في خلافه.

2- 1 قال ابن قدامة: فإذا زنى بامرأة حرمت على أبيه و ابنه و حرمت عليه أُمّها و بنتها كما لو وطأها بشبهة أو حلالًا، و لو وطأ أُمّ امرأته أو بنتها حرمت عليه امرأته نصّ أحمد على هذا في رواية جماعة، و روي نحو ذلك عن عمران بن حصين، و به قال الحسن و عطاء و طاووس و مجاهد و الشعبي و النخعي و النوري و إسحاق و أصحاب الرأي.

و روي عن ابن عبّاس أنّ الوطء الحرام لا يحرّم، و به قال سعيد بن المسيب و يحيى بن يعمر و عروة

و الزهري و مالك و الشافعي و أبو ثور و ابن المنذر لما روي عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أنّه قال: «لا يحرّم الحرام الحلال» و لأنّه وطء لا تصير به الموطوءة فراشاً فلا يحرم كوطء الصغيرة، ثمّ استدل بقوله تعالى: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) و الوطء يسمّى نكاحاً و روي عن النبي أنّه قال: «لا ينظر اللّه إلى رجل نظر إلى فرج امرأة و ابنتها» فذكرته لسعيد بن المسيب فأعجبه. و لأنّ ما تعلّق من التحريم بالوطء المباح تعلّق بالمحظور كوطء الحائض ثمّ قال: إنّ حديث الحرام لا يحرِّم الحلال، لا تعرف صحّته و إنّما هو من كلام بن أسوع بعض قضاة العراق. «1»

إذا عرفت ما ذكر أنّ الروايات الواردة على أصناف:

الأوّل: ما يدلّ على أنّ الفجور المتقدّم على العقد، محرِّم و ننقل منه ما يلي:

1- ما رواه منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه في رجل كان بينه و بين امرأة فجور هل يتزوّج ابنتها؟ فقال: «إن كان من قُبلة أو شبهها فليتزوّجها ابنتها

______________________________

(1) المغني: 7/ 40.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 351

و ليتزوّجها هي إن شاء».

و في نصّ آخر أنّه قال: «فليتزوّج ابنتها إن شاء. و إن كان جماعاً فلا يتزوّج ابنتها و ليتزوّجها». «1» و محلّها هو بنت المزني بها و تسرية الحكم إلى النساء الثلاث يحتاج إلى دليل.

2- صحيح محمّد بن مسلم: سألته عن رجل فجر بامرأة أ يتزوّج أُمّها من الرضاعة أو ابنتها؟ قال: «لا» «2» و موردها البنت و الأُمّ.

3- صحيح عيص بن القاسم قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل باشر امرأة و قبّل غير

أنّه لم يفض إليها ثمّ تزوّج ابنتها؟ فقال: «إن لم يكن أفضى إلى الأُمّ فلا بأس و إن كان أفضى فلا يتزوّج ابنتها». «3» و موردها البنت.

4- معتبر يزيد الكناسي: أنّ رجلًا من أصحابنا تزوّج امرأة قد زعم أنّه كان يلاعب أُمّها و يقبّلها من غير أن يكون أفضى إليها، قال: فسألت أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال لي: «كذب مره فليفارقها» قال: فرجعت من سفري فأخبرت الرجل فو الله ما دفع ذلك عن نفسه و خلّى سبيلها. «4»

إلى غير ذلك من الروايات الدالة على نشر الزنا المتقدمة بلا تعرض للمتأخرة منها.

الثاني: ما يدلّ على التفصيل بين كون الزنا متقدّماً أو متأخّراً، فينشر في الأوّل دون الثاني، مثل ما روي عن محمّد بن مسلم صحيحاً عن أحدهما عليهما السّلام أنّه سأل عن الرجل يفجر بامرأة أ يتزوّج بابنتها؟ قال: «لا، و لكن إن كانت عنده امرأة

______________________________

(1) الوسائل: ج 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3. اى ليتزوج الزانية.

(2) المصدر نفسه، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 351

(3) المصدر نفسه، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2 و 5.

(4) المصدر نفسه، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 352

ثمّ فجر بأُمّها أو أُختها لم تحرم عليه امرأته. إنّ الحرام لا يفسد الحلال». «1»

و ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها أبداً. و إن كان قد تزوّج ابنتها

قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها ثمّ فجر بأُمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يُفسِد فجوره بأُمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها و هو قوله: لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا». «2»

الثالث: ما ورد في خصوص الفجور بعد العقد على البنت أو بعد الدخول عليها و أنّه لا يحرّم لكن خالياً عن المفهوم.

1- صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل تزوّج جارية فدخل بها ثمّ ابتلى بها ففجر بأُمّها أ تحرم عليه امرأته؟ فقال: «لا، إنّه لا يحرّم الحلال الحرام». 3

2- صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال في رجل زنا بأُمّ امرأته أو بابنتها أو بأُختها فقال: «لا يحرِّم ذلك عليه امرأته ثمّ قال: ما حرّم حرام حلالًا قط» 4 و لزرارة بهذا المضمون حديثان آخران. 5

الرابع: ما يدلّ على أنّ الزنا بالمرأة لا يحرّم البنت و الأُم فيما إذا كان الفجور متقدّماً أو مطلقاً و هي لا تنقص عن سبع روايات و فيها الصحيح.

1- صحيح سعيد بن يسار قال: سألت أبا عبد اللّه عن رجل فجر بامرأة يتزوّج ابنتها؟ قال: «نعم، يا سعيد إنّ الحرام لا يفسد الحلال». 6

2- صحيح صفوان قال: سأله المرزبان ... و رجل فجر بامرأة حراماً أ يتزوّج

______________________________

(1) المصدر نفسه، الباب 8 من أبواب ما يحلّ بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) 2- 5 الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8، 2، 3، 4، 6.

(3) 6 المصدر نفسه، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 353

بابنتها؟ قال: «لا يحرّم

الحرام الحلال». «1»

3- و موثق منصور بن حازم قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: رجل فجر بامرأة هل يجوز له أن يتزوّج ابنتها؟ قال: «ما حرّم حرام حلالًا قط». «2»

ثمّ إنّ الشيخ الطوسي حاول الجمع الدلالي بين الطائفة الأُولى، و بين ما دلّ على الحلّية بحمل روايتي حنان بن سدير و هاشم بن المثنى الأُولى على ما إذا كان الفجور بإحداهما بعد عقد الأُخرى، و باقي الأخبار على الفجور بما دون الوطء من تقبيل و نحوه «3» و احتمل بعضهم الحمل على التقية، و ذهب صاحب الجواهر إلى أنّ هذه النصوص خرجت على مذاق العامة و ما يعلّلون به، بل قوله في خبر مرازم قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن امرأة أمرت ابنها أن يقع على جارية لأبيه فوقع؟ فقال: «أثمت و أثم ابنها و قد سألني بعض هؤلاء عن هذه المسألة فقلت له: أمسكها فانّ الحلال لا يفسده الحرام» «4» مشعر بما قلناه من صدور ذلك (الزنا بعد سبب الحلّ) و نحوه تقية و لذا فصّلوا الأمر في النصوص التي قد عرفتها، و بيّنوا بها فساد ما فهمه العامة من النبوي فكان ذكر التعليل منهم فيما ليس من أفراده ظاهراً، رمز منهم على صدور ذلك منهم تقية و أنّ الفقيه لا يكون فقيهاً حتّى يفهم ما يلحنونه و يرمزوه له كما ورد عنهم عليهم السّلام.

ثمّ إنّه قدّس سرّه فسّر التعليل الوارد في النبوي بالحلال بالفعل، الذي يجوز التمتع منه، بلا حاجة إلى عقد فيختص بالوطء المتأخّر عن العقد و الدخول،

______________________________

(1) المصدر نفسه، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 12.

(2) الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة،

الحديث 8، و لاحظ 7 و 9 و 10 و 11 من هذا الباب فالكلّ صريح في تقدّم الفجور على الزواج.

(3) الحدائق: 23/ 483 و أضاف بعد نقله من الشيخ بأنّ فيه البعد و التكلّف. و لاحظ روايتى سدير و هاشم في الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، برقم 11، 7.

(4) الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 354

أو يعمّ الوطء المتخلل بين العقد و الدخول، و أمّا إذا كان الوطء متقدّماً على إيجاد سبب الحلّ كالعقد، فلا يشمله لعدم فعلية الحلّ بل الحلّ تقديري أي لو عقد يكون حلالًا. «1»

يلاحظ على ما ذكره الشيخ: أنّه لو صحّ ما ذكره في رواية هاشم المثنى الأُولى و حنان بن سدير، من كون الفجور بالأُمّ بعد العقد على البنت لصحّ في جميع الروايات المجوّزة فما وجه تخصيص الحمل عليه بالروايتين.

أضف إلى ذلك أنّ حملهما على كون الفجور بإحداهما بعد عقد الأُخرى مخالف لظاهرهما بل صريحهما. نعم ما ذكره من حمل الفجور بما دون الوطء و إن كان بعيداً لكنّه أمر محتمل بشهادة أنّ الإمام يستفصل و يقول: «إن كان قبلة أو شبهها فلا بأس و إن كان زنى فلا». «2»

و أمّا حمل ما دلّ على الحلّية، على التقية ففي غير موضعه لما عرفت أنّ الثوري و الأوزاعي و أبا حنيفة من القائلين بنشر الحرمة و رواه ابن قدامة عن جماعة من التابعين و أصحاب الرأي كما سبق.

و أمّا ما ذكره صاحب الجواهر من حمل الحلّية على الفعلية منها فلا شاهد له لو لم يكن الشاهد على خلافه نظير قوله سبحانه: (وَ أُحِلَّ

لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) (النساء/ 24) فانّ الحلية فيها تقديرية، كما أنّه لا يستفاد من حديث مرازم أنّ الحل مذهب المخالف.

و هناك وجه آخر، و هو حمل ما دلّ على الاجتناب على الكراهة فتكون النتيجة على أنّ الزنا الطارئ على التزويج لا ينشر الحرمة و لا يثير الكراهة، بخلاف ما إذا كان متقدّماً عليه فهو ينشر الكراهة و هذا أقرب الوجوه.

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 373372.

(2) الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 355

و هذا ما تقبله الروايات الآمرة بالاجتناب و بذلك يصبح ما يدلّ على الحليّة أكثر عدداً و لكن الذي يبعده صحيح محمّد بن مسلم «1»، و صحيح يزيد الكناسي «2» فانّهما كالصريحين في التحريم دون الكراهة، و بما أنّ ما دلّ على الحلّية أكثر عدداً خصوصاً بعد ملاحظة قابلية حمل النهي في القسم المخالف على الكراهة فيكون الترجيح مع الأوّل، و يردّ علمهما إليهم عليهم السّلام.

ثمّ إنّ الحكم بالجواز إذا كان الزنا طارئاً على التزويج لا يختصّ بأُمّ المزني بها أو بنتها بل يعمّ كما إذا زنى الأب بامرأة الابن فلا تحرم على الابن، و كذا لو زنى الابن بامرأة الأب فلا تحرم على أبيه.

و كذا الحال في اللواط «3» الطارئ على التزويج فلو تزوّج امرأة و لاط بأخيها أو أبيها أو ابنها لا تحرم عليه امرأته. أخذاً بالتعليل المتسالم عليه من أنّه لا يحرّم الحرام الحلال بالفعل.

ثمّ إنّه على القول بالتفصيل بين الطارئ على التزويج فلا ينشر، و المتقدّم عليه فينشر، ربّما يستظهر اختصاص الجواز بالطارئ على العقد مع الدخول، و لو توسط الوطء بين العقد و الدخول، فيلحق بالسابق على

العقد في نشر الحرمة مستدلًا بخبر أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: «إذا فجر الرجل بالمرأة لم تحلّ له ابنتها أبداً، و إن كان قد تزوّج ابنتها قبل ذلك و لم يدخل بها فقد بطل تزويجه، و إن هو تزوّج ابنتها و دخل بها ثمّ فجر بأُمّها بعد ما دخل بابنتها فليس يُفسد فجوره بأُمّها نكاح ابنتها إذا هو دخل بها و هو قوله: لا يفسد الحرام الحلال إذا كان هكذا» «4» و لكن الرواية ضعيفة و محمّد بن الفضيل في السند الذي

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) المصدر نفسه، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 5.

(3) سيوافيك البحث عنه في باب اللواحق.

(4) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب المصاهرة، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 356

يروي عن أبي الصباح الكناني ضعّفه المحقّق في نكت النهاية كما ذكره العلّامة المامقاني، مضافاً إلى عدم الإفتاء بمضمونه حتّى أنّ سيّدنا المحقق البروجردي قال: «ينبغي في هذه الصورة رعاية الاحتياط» و لأجل ذلك قال في الجواهر: إنّه ضعيف جدّاً بل في الرياض قد ادّعى جماعة من الأصحاب الإجماع على خلافه. «1»

2- تحريم بنت العمّة و الخالة إذا زنى بأُمّهما

تحريم بنت العمّة و الخالة عند الزنا بأُمّهما من مصاديق من زنى بامرأة تحرم عليه بنتها، غير أنّ الأصحاب عنوناهما مسألتين لوجود رواية خاصّة في الخالة، أو تصوّر كون الحكم فيها إجماعياً دون الأُخرى و نحن نقتفي أثرهم و إليك كلماتهم:

1- قال المفيد: و من فجر بعمّته أو خالته حرمت عليه ابنتاهما و لم تحلّا له بنكاح أبداً. «2»

2- و قال السيد المرتضى: و ممّا ظنّ انفراد الإمامية به، القول

بأنّ من زنى بعمّته أو خالته حرمت عليه بنتاهما .... «3»

3- قال الشيخ في النهاية: و من فجر بعمّته أو خالته لم تحلّ له ابنتاهما أبداً. «4»

4- قال ابن حمزة: و بنات العمّة و بنات بناتها إذا فجرت بها، و بنات الخالة و بنات بناتها كذلك. «5»

5- و قال ابن إدريس: «و قد روي أنّ من فجر بعمّته أو خالته لم تحلّ له ابنتاهما أبداً، أورد ذلك شيخنا أبو جعفر في نهايته و شيخنا المفيد في مقنعته و السيد

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 364.

(2) المقنعة: 501.

(3) الانتصار، كتاب النكاح، المسألة 7.

(4) النهاية: 453.

(5) الوسيلة: 292.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 357

المرتضى في انتصاره فإن كان في المسألة إجماع فهو الدليل عليها و نحن قائلون و عاملون بذلك. و إن لم يكن إجماعاً فلا دليل على تحريم البنتين المذكورتين من كتاب و سنّة ثمّ ناقش في وجود الإجماع. «1»

6- و قال يحيى بن سعيد: و إن زنى بخالته أو عمّته حرمت عليه ابنتاهما و بنات أولادهما و إن نزلن أبداً. «2»

7- و قال العلّامة: من زنى بعمّته أو خالته حرمت عليه بنتاهما أبداً عند علمائنا لما رواه أبو أيّوب عن الصادق عليه السّلام إذا ثبت هذا فهل هذا الحكم جار في العمّة و الخالة البعيدتين أو البنات البعيدة؟ فيه نظر الأقوى ذلك، و لو زنى بالعمّة و الخالة بعد العقد على بنتهما لم يحرما عليه. «3»

8- قال العلّامة في المختلف بعد نقل كلام ابن إدريس في السرائر و مناقشته في وجود الإجماع: و هذا يشعر بعدم جزمه بالتحريم و توقفه فيه و لا بأس بالوقف في هذه المسألة لأنّ قوله تعالى: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ

مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) يقتضي الإباحة. ثمّ ذكر وجه التحريم. «4»

و العجب أنّ العلامة يدّعي الإجماع على الحرمة في التذكرة و لكنّه يتوقف في المقام، و أعجب منه أنّه أفتى بالتحريم فيما سبق من أنّ من زنى بامرأة، تحرم عليه بنتها، نعم ذهب ابن إدريس فيه إلى عدم النشر.

و ليس الدليل في المقام هو الإجماع و لو كان هناك إجماع فهو مستند إلى الصحيح عن محمّد بن مسلم قال: سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا جالس عن رجل نال من خالته في شبابه ثمّ ارتدع يتزوّج ابنتها؟! قال: «لا»، قلت: إنّه لم

______________________________

(1) السرائر: 2/ 529.

(2) الجامع للشرائع: 427.

(3) التذكرة: 2/ 634.

(4) المختلف: فيما يحرم بالمصاهرة، 76.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 358

يكن أفضى إليها إنّما كان شي ء دون شي ء فقال: «لا يصدق و لا كرامة». «1»

و المناقشة في السند بأنّه حسن و ليس يصحح لأجل إبراهيم بن هاشم ليس بشي ء، كما أوضحنا حاله في بحوثنا الرجالية و قلنا بأنّ كلمات العلماء في حقّه دليل على أنّه فوق الثقة. و رواه الشيخ بطريق موثق و فيه مكان «لا يصدق و لا كرامة» قوله: «كذب» و التعبير الأوّل أليق بمقام الإمام عليه السّلام و لا عذر للفقيه في ترك العمل بالرواية، و أمّا الطعن عليها برداءة المتن كما في المسالك «2» فانّه على فرض الصحّة يتوجّه على المتن الثاني دون الأوّل، ذلك لأنّ عدم التصديق لأجل أنّه اعترف بالدخول أولًا، و قد فهم الإمام و الحاضرون منه ذلك، و لما سمع الحكم من الإمام حاول الفرار، بالتأويل فقال الإمام: «لا يصدق».

و الحقّ أنّ هذه المسألة أحد جزئيات المسألة السابقة فلو قلنا

بنشر الحرمة فيها، فلا مناص من القول فيها بوجه أولى، و إن قلنا بعدم التحريم، يجب العمل بالرواية في موردها أي بنت الخالة، و أمّا إلحاق بنت العمّة بها فهو قياس ممنوع نعم الأحوط ترك التزويج بها.

3- الوطء بالشبهة يحرّم النساء الأربع أو لا؟
اشارة

لا شكّ أنّ الوطء بالشبهة يثبت بها النسب، إنّما الكلام هل ينشر الحرمة كالوطئ المحرّم أو لا؟ ذهب الشيخ إلى الأوّل، و استظهر المحقّق عدم النشر و هو الأقوى، لعدم المخصص القطعي لقوله سبحانه: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) (النساء/ 24) و التمسك بقوله: (وَ لٰا تَنْكِحُوا مٰا نَكَحَ آبٰاؤُكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) (النساء/ 22) غير تامّ لمنع كون النكاح في القرآن بمعنى الوطء، بل هو بمعنى

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) المسالك: 1/ 519.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 359

التزويج كما أوضحناه حاله في صدر الكتاب و الشهرة غير ثابتة، و على فرض ثبوتها فهي مستندة إلى وجوه غير تامة من أنّ الوطء بالشبهة أولى من الزنا، أو لأنّه يشترك في جميع الأحكام مع الوطء الصحيح إلى غير ذلك. إذ من المحتمل جدّاً، أنّ التحريم في الزنا، لأجل الإرغام، المفقود في المقام.

تتمة

إذا كان الزنا لاحقاً فطلّقت الزوجة رجعياً ثمّ رجع الزوج في أثناء العدّة، لم يعد الزنا سابقاً حتّى ينشر الحرمة على القول به لأنّ الرجوع إعادة الزوجية الأُولى. و أمّا إذا نكحها بعد الخروج عن العدّة أو طلّقت بائناً فنكحها بعقد جديد ففي صحّة النكاح و عدمها على القول بنشر الحرمة وجهان: من أنّ الزنا حين وقوعه لم يؤثر في الحرمة لكونه لاحقاً فلا أثر له بعد هذا أيضاً، و من أنّه سابق بالنسبة إلى هذا العقد الجديد. قال السيّد الطباطبائي: و الأحوط النشر.

4- في المملوكة إذا كانت منظورة أو ملموسة بشهوة

ذهب المشهور إلى أنّه إذا كان للأب مملوكة منظورة أو ملموسة له بشهوة حرمت على ابنه، و كذا العكس و هناك قول بالتفصيل بين منظورة الأب و الابن اختاره المفيد، و قول بعدم نشر الحرمة اختاره ابن إدريس و إليك بعض النصوص:

1- قال المفيد: «و من ابتاع جارية فنظر منها إلى ما كان يحرم عليه قبل ابتياعه بها بشهوة فضلًا عن لمسها لم تحلّ لابنه بملك يمين و لا عقد نكاح أبداً. و ليس كذلك حكم الابن إذا نظر من جارية يملكها إلى ما وصفناه، و كذلك الحكم في التحريم على الأب بالشرط الذي وصفناه». «1»

______________________________

(1) المقنعة: 502.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 360

2 قال الشيخ: «و يحرم وطء جارية قد ملكها الأب أو الابن إذا جامعاها أو نظرا منها إلى ما يحرم على غير مالكها النظر إليها أو قبّلاها بشهوة». «1»

قال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ في النهاية: أمّا إذا جامعاها فلا خلاف في ذلك من جهة الإجماع، و لو لا الإجماع لما كان على حظر ذلك دليل من جهة الكتاب و السنّة المتواترة، و أمّا

إذا قبّلاها، أو نظرا إليها على ما قال رحمه اللّه فلا إجماع على حظر ذلك بل الأصل الإباحة مع قوله تعالى: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ) و قوله: (أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ) و هذا مذهب شيخنا المفيد «2» و الفقيه أبي يعلا، و سلّار رحمه اللّه و به أفتى «3» هذا و قد نقل العلّامة في المختلف القول بالتحريم مطلقاً عن ابن البرّاج «4» و ابن حمزة كما نقل حرمة منظورة الأب عن أبي الصلاح و سلّار و نقل عدم نشر الحرمة مطلقاً عن المفيد و ابن إدريس «5» و على كلّ تقدير، فقد تضافرت الروايات على الحرمة في مورد الأب و الابن فلا وجه للتفصيل، كما لا وجه لردّ هذه الأخبار المتضافرة بحجّة أنّها أخبار آحاد.

نعم القدر المسلّم ما إذا نظر أو لامس بشهوة بخلاف ما إذا كان النظر أو اللمس بغير شهوة كما إذا كان للاختيار أو للطبابة أو كان اتّفاقياً و إن أوجب شهوة أيضاً، نعم يلحق بالأوّل ما إذا لم يكن عن شهوة و تلذذ بل كان لغاية إثارة الشهوة و تحريك العضو، للإطلاق.

و أمّا إذا نظر إلى الوجه و الكفّين بشهوة أو لمسهما كذلك، فاستظهر

______________________________

(1) النهاية: 451.

(2) قد عرفت أنّ المفيد يفصّل بين منظورة الأب و ملموسته فتحرم على الابن، و بين منظورة الابن و ملموسته فلا تحرم على الأب.

(3) السرائر: 2/ 528.

(4) المهذّب: 2/ 182.

(5) المختلف: 76، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 361

صاحب الجواهر خروجهما عن مورد النصوص و إليه مال السيّد الطباطبائي حيث قال: في إيجاب النظر أو اللّمس إلى الوجه و الكفّين إذا كان بشهوة نظر، فالأقوى العدم و إن

كان هو الأحوط.

و لعلّ التفصيل بين النظر و اللمس أوجه، فينشر الثاني دون الأوّل، و ذلك لعدم انفكاك شراء الجارية عن النظر إليها بشهوة دون اللمس، فلو قلنا بالشمول يلزم أن تكون جارية الأب مطلقاً محرّمة على الأب و بالعكس و هو كما ترى.

و لعلّ الميزان أنّه إذا عامل معها معاملة الأمة التي يراد استفراشها بالتجريد و التفصيل و لمس البواطن و نحو ذلك، فينشر الحرمة فلا يعمّ ما لا ينفك في العادة عنه في مطلق الجواري، و لأجل ذلك ربّما لا تشمل الروايات ما لو جرّدها و لمسها للتداوي و غيره.

و بذلك اتّضح أنّ النظر و اللمس بشهوة يقومان مقام الوطء في مورد النصوص أي المملوكة، فكما أنّ وطء الأب أو الابن يحرّم على الآخر فهكذا إذا نظرا إليها، و أمّا أنّهما يقومان مقام الوطء في غير المملوكة فلا، فلا تحرم الربيبة الحرّة إذا نظر إلى أُمّها المعقودة بشهوة و لأجل ذلك لا تحرم الربيبة إلّا بالدخول.

و مثله ما إذا حصل النظر و اللمس المذكورين في الأجنبية فلا تكون منظورة الأب أو الابن أو ملموسة أحدهما محرمة على الآخر فلا يقومان مقام الزنا السابق على القول بكونه محرّماً كما لا يخفى.

5- في أحكام الزوجة قبل إكمال تسع سنين

للزوجة قبل إكمال تسع سنين أحكام نذكر فهرسها ثمّ نأخذ كلَّ واحد بالبحث عنه:

1- لا يجوز وطء الزوجة قبل إكمال تسع سنين من غير فرق بين الدائم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 362

و المتعة، و يجوز الاستمتاع بما عداه.

2- إذا دخل بها و لم يفضها فهل تحرم عليه أو لا؟

3- إذا دخل بها و أفضاها فهل تحرم عليه أبداً أو لا؟

4- إذا دخل بها و أفضاها فهل تخرج عن

الزوجية أو لا؟

5- و هل هناك فرق بين العالم بالموضوع أو الحكم و الجاهل بهما؟

6- إذا افترضنا اندمال الجرح أو الطلاق و العقد عليها جديداً فهل تحرم عليه أيضاً أو لا؟

7- فهل الإفضاء يتحقّق باتّحاد مسلكي البول و الحيض، أو الحيض و الغائط، أو اتّحاد الجميع؟

8- يجب الإنفاق عليها ما دامت في حباله، و هل يجب إذا طلّقها أو تزوّج بالغير أو لا؟

9- يسقط الإنفاق بموت الزوجة و هل يسقط بموت الزوج خصوصاً فيما إذا لم يطلّقها، أو لم تتزوّج بالغير؟

10 ما هي دية الإفضاء و هل هي دية النفس، و هل تجب مطلقاً أو فيما إذا طلّقها؟

1- 1 إذا أفضاها بغير الدخول فهل يترتّب عليه جميع الأحكام من الحرمة و الخروج عن الزوجية على القول به و الدية أو لا أو فيه التفصيل؟

2- 1 ما هو حكم إفضاء الصغيرة بالوطء بشبهة أو زنا؟

3- 1 إذا حصل وراء الإفضاء عيب آخر فهل يضمن ديته؟

4- 1 إذا شكّ في إكمال التسع فهل يثبت باستصحاب عدم بلوغها تسع سنين، جميع أحكام الوطء قبل البلوغ تسعاً أو لا؟

5- 1 ما هو حكم الإفضاء بالدخول بعد إكمال تسع سنين؟

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 363

هذه المسائل غير الأخيرة ترجع إلى حكم الدخول قبل إكمال تسع سنين ذكرناها حتّى يكون القارئ على بصيرة ممّا يجب البحث عنه في المقام، و لنأخذ بالبحث حسب الترتيب.

و لنذكر بعض الكلمات:

1- قال ابن الجنيد: فإن أولج عليها بالوطء فأفضاها قبل تسع سنين، فعليه أن لا يطلّقها حتّى يموت، و ينفق عليها و يقوم بأمرها فإن أحبّ طلاقها غرم ديتها و لزمه مع ذلك مهرها. «1»

2- و قال المفيد: و الرجل إذا

جامع الصبيّة، و لها دون تسع سنين فأفضاها، كان عليه دية نفسها و القيام بها حتى يفرّق الموت بينهما. «2»

3- قال الشيخ الطوسي: و إذا تزوّج الرجل بصبيّة لم تبلغ تسع سنين فوطئها فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً.

و قال أيضاً في مكان آخر: و لا يجوز للرجل أن يدخل بامرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين فإن دخل بها قبل أن يأتي لها تسع سنين، فعابت كان ضامناً، و يفرّق بينهما، و لا تحلّ له أبداً. «3»

و الفرق بين العبارتين واضح، فالأُولى مطلّقة من حيث الإفضاء بخلاف الأُخرى فهي مقيّدة به، و على الأُولى تحرم مطلقاً سواء أفضى أم لا بخلاف الأُخرى فلا تحرم إلّا مع الإفضاء.

4- قال ابن البرّاج: و إذا وطأ رجل زوجته، و لم تبلغ تسع سنين، فأفضاها، كان عليه ديتها و النفقة عليها إلى حين موتها، لأنّه قد جعلها بحيث لا تصلح

______________________________

(1) المختلف: 77، باب ما يحرم بالمصاهرة.

(2) المقنعة: 747، كتاب الديات، باب ضمان النفوس.

(3) النهاية: باب ما أحلّ اللّه من النكاح: 453، و باب من يستحبّ فعله لمن أراد العقد: 481.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 364

للرجل، فإن وطأها بعد تسع سنين فأفضاها، لم يكن عليه شي ء. «1»

5- و قال ابن حمزة: و التي بانت باللعان، و المطلّقة تسع تطليقات للعدة، و تزوّجت بعد كلّ ثلاث، زوجاً و التي أفضاها بالوطء و هي في حباله و لها دون تسع سنين و تبين منه بغير طلاق. «2»

6- قال ابن إدريس: و إذا تزوّج الرجل بصبيّة لم تبلغ تسع سنين فوطأها قبل التسع لم يحلّ له وطؤها أبداً، و هو بالخيار بين أن يطلّقها، أو يمسكها

و لا يحلّ له وطؤها أبداً، و ليس بمجرّد الوطء تبين منه و ينفسخ عقدها. ثمّ ذكر عبارة الشيخ في النهاية التي ورد فيها «فرق بينهما» قال: المراد بذلك في الوطء دون بينونة العقد و انفساخه، لأنّ الإجماع منعقد.

و من أصحابنا بأجمعهم أنّ من دخل بامرأة و وطأها و لها دون تسع سنين و أراد طلاقها، طلّقها على كلّ حال، و لا عدّة عليها منه بعد الطلاق على الأظهر من أقوال أصحابنا، فإذا كانت قد بانت بالوطء لها قبل تسع سنين فلا حاجة إلى طلاقها ثمّ ذكر أنّه كتب في سالف الزمان شيئاً في هذا المضمار و نقل نصّها.

و قال في باب ما يستحبّ فعله: «و لا يجوز أن يطأ امرأته قبل أن يأتي لها تسع سنين، قال: إن دخل بها فعابت كان ضامناً لعيبها، و لا يحلّ له وطؤها أبداً». «3» و الفرق بين العبارتين كالفرق بين عبارتي الشيخ في النهاية، فلاحظ.

7- و قال المحقّق: إذا دخل بالصبيّة لم تبلغ تسعاً فأفضاها حرم عليه وطؤها و لم تخرج من حباله و لو لم يفضها لم تحرم على الأصحّ. «4»

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 496، كتاب الديات.

(2) الوسيلة: فصل من يجوز عليه العقد: 292.

(3) السرائر: 2/ 530 و 604.

(4) الجواهر: 416، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 365

8 قال ابن سعيد: و التي دخل بها الزوج لدون تسع سنين فأفضاها حرم عليه وطؤها أبداً و عليه مهرها و ديتها و نفقتها حياتها، و إن شاء طلّق أو أمسك، و إن دخل بها بعد تسع سنين فأفضاها لم تحرم و لا شي ء عليه. «1»

9- و قال العلّامة: و لا يحلّ وطء الزوجة الصغيرة قبل

أن تبلغ تسعاً فإن فعل لم تحرم على الأصحّ إلّا مع الإفضاء فتحرم مؤبّداً، قيل و لا تخرج من حباله و فيه نظر. «2»

و لعلّ القارئ ربّما يلمس الاختلاف بين هذه الكلمات و إليك توضيحها:

إنّ ابن الجنيد لم يتعرّض لحرمة الدخول أبداً، و إنّما ركَّز على أنّ عليه أن لا يطلّق حتّى يموت و لو أحبّ الطلاق غرم الدية و الصداق.

إنّ المفيد لم يتعرّض لحرمة الدخول، و إنّما صرّح بوجوب الدية و إن لم يطلّق، و ظاهره أيضاً بقاء علقة الزوجية حتّى يفرّق الموت بينهما.

و الشيخ صرّح بحرمة الدخول و لزوم الدية بالإفضاء و تحريمها عليه أبداً عندئذ في العبارة الثانية، و أمّا العبارة الأُولى فانّ قوله: «يفرق بينهما» مردّد بين بطلان العقد، أو التفريق في الوطء و على كلّ تقدير فليس فيها ما يدلّ على اختصاص الحكم بصورة الافضاء.

و ابن البرّاج لم يصرّح بحرمة الدخول، بل صرّح بوجوب الدية و لعلّ لزوم الانفاق دليل على بقاء الزوجية.

و كلام ابن حمزة ليس صريحاً في حرمة الدخول، لكنّه صريح بأنّها بالإفضاء تبين منه بلا طلاق إلّا أنّه بصدد بيان ما يحرم بالسبب و مقتضى المناسبة بين الحكم و الموضوع هو حرمة السبب أيضاً.

______________________________

(1) الجامع للشرائع: 428.

(2) الإيضاح: 3/ 76، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 366

و عبارة ابن إدريس صريحة في أنّه بالدخول تحرم أبداً و لا تخرج عن حبالة الرجل، ثمّ أوّل كلام الشيخ.

نعم خصّ الحرمة الأبدية في العبارة الثانية بصورة الإفضاء.

و كلام المحقّق: غير صريح في حرمة الدخول، و لكنّه صريح في عدم الخروج عن الزوجية، و التفصيل في الحرمة الأبدية بين الإفضاء و عدمه.

و كلام العلّامة صريح في حرمة

الدخول، و التفصيل في الحرمة الأبدية بين الإفضاء و عدمه، و التوقّف في الخروج عن حبالته.

فتلخّص أنّ التصريح بحرمة الدخول صدر من الشيخ في النهاية، و العلّامة في القواعد و لعلّ الباقين كانوا مسلّمين ذلك فلم يتعرّضوا به، و يدلّ عليه ما يترتّب عليه من عقوبات في كلامهم و هو شاهد على تسليمهم حرمة الدخول،

و لنأخذ بالبحث الذي ذكرناه في صدر البحث.
الأوّل حرمة الدخول قبل إكمال التسع

يدلّ عليها من النصوص صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا تزوّج الرجل الجارية و هي صغيرة فلا يدخل بها حتّى يأتي لها تسع سنين» «1» و قد عرفت وجه عدم التعرّض به في كلمات السابقين.

الثاني حكم الدخول مع عدم الإفضاء

إذا أدخل بها قبل إكمال التسع و لم يكن هناك إفضاء، فهل تحرم عليه مؤبداً

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 45 من أبواب مقدمات النكاح، الحديث 1، و مثله خبر عمّار السجستاني، و أمّا الترديد بين التسع و العشر في الحديث 2 و 3 فهو من الراوي فيرفع الإجمال بصحيح الحلبي، و أمّا خبر إبراهيم بن غياث من التركيز على الدخول قبل العشر فهو معرض عنه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 367

فلا يجوز الدخول بعد الإكمال، أو لا؟ نسبت الحرمة إلى المقنعة و النهاية و السرائر، و النسبة إلى المقنعة في غير محلّه لسبق قوله: «فأفضاها» إلى قوله: «حتّى يفرق بينهما الموت».

نعم ورد في التهذيب الذي هو شرح للمقنعة في آخر باب «من يحرم نكاحهنّ بالأسباب»: «و من تزوّج بصبيّة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين، فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً» و لكن العبارة ليست من المقنعة و إنّما هي من الشيخ قدّس سرّه. «1»

و أمّا النسبة إلى النهاية و السرائر فقد وقفت على حقيقة الحال حيث إنّ كلًّا منهما مطلق في موضع و مقيّد بالعيب في موضع آخر و مقتضى القاعدة حمل المطلق على المقيّد و على ذلك لم يثبت قائل بالحرمة عند عدم الإفضاء إلى عصر العلّامة. نعم توقف العلّامة في تحريره «2» و مال إليه في المسالك. «3»

نعم يمكن الاستدلال عليه بإطلاق مرسل يعقوب بن يزيد عن بعض

أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا خطب الرجل المرأة فدخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً» «4» و هو لا يصلح للاستدلال، مع عدم عامل به و لعلّه منصرف إلى صورة حدوث العيب فتأمل.

الثالث الحرمة الأبدية مع الإفضاء

إذا دخل بها و لها أقلّ من تسع سنين فأفضاها تحرم عليه أبداً، صرّح بذلك الشيخ و ابن إدريس و المحقّق و ابن سعيد و العلّامة في كلماتهم السابقة. و ليس في

______________________________

(1) التهذيب: 7/ 311 ح 49، لاحظ المقنعة: 502501.

(2) تحرير الأحكام: 2/ 14.

(3) المسالك 1/ 572.

(4) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 368

كلام ابن الجنيد و المفيد ما يدلّ عليه. بل حكى الجواز عن نزهة ابن سعيد، و كشف اللثام للفاضل الهندي، و في الجواهر للقاضي «إذا كان الموضع قد اندمل بعد الإفضاء و برئ كان له جماعها و ليس لها منعه، و إن لم يكن قد اندمل، لم يجز له جماعها و كان لها منعه إلى أن تندمل و تبرأ.

و حمله صاحب الجواهر على الكبيرة المفضاة دون الصغيرة. «1» و على كلّ تقدير فليس للحرمة الأبدية فيما بأيدينا من الروايات دليل سوى إطلاق المرسل المذكور و هو كما ترى و سوف يوافيك تصريح الروايات على بقائها على الزوجية و عدم خروجها عنها بالإفضاء فلو كانت محرمة الوطء لكان الأليق التعرّض بذلك، خصوصاً إذا عولجت و اندمل الجرح فصارت كسائر النساء، فالقول بعدم الحرمة هو الأقوى.

الرابع هل الإفضاء موجب للخروج عن الزوجية؟

إذا دخل بها و هي دون تسع سنين فأفضاها فهل تخرج بذلك عن الزوجيّة أو تبقى على حباله؟ ذهب ابن حمزة إلى الأوّل حيث قال: في كلامه الماضي: «و تبين منه بغير طلاق» و ربّما يستظهر من كلام الشيخ حيث قالوا: «و يفرّق بينهما» و عرفت تأويل ابن إدريس كلامه في هذا.

و ذهب ابن الجنيد، و ابن إدريس و المحقّق و ابن سعيد «2»

إلى الثاني و هو الأقوى و يدلّ عليه صحيح حمران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «3» و خبر الحارث بن الحارث النعماني عن بريد بن معاوية العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام 4 مضافاً

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 417.

(2) راجع إلى كلماتهم المنقولة عنهم فيما مضى.

(3) 3 و 4 الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 369

إلى ورود لفظ الإمساك في غير واحد من النصوص «1» و أمّا ما ربّما يقال بأنّ التحريم المؤبّد ينافي مقتضى النكاح إذ ثمرته حل الاستمتاع فقد عرفت عدم صحّة المبنى فلم يبق ما يمكن الاستدلال به إلّا المرسل 2 و هو مخدوش سنداً، و مضموناً حيث إنّ الموضوع فيه هو صرف الدخول و إن لم يقترن بالإفضاء و قد عرفت ما فيه.

الخامس هل هناك فرق بين العالم بالموضوع و الحكم و الجاهل بهما؟

لو قلنا بالحرمة الأبدية أو بالخروج عن الزوجية فهل الحكمان يختصّان بالعالم بالموضوع و الحكم، أو يعمّ الجاهل بهما؟ قد عرفت عدم الدليل على أصل الحكم، فكيف يمكن ادّعاء الإطلاق بالنسبة إلى الجاهل بالموضوع و الحكم، نعم لو كان الدليل هو المرسل كان الحكم عاماً للعالم و الجاهل، و لو قلنا بأنّ الدليل هو الإجماع أو أنّ الحكم من باب العقوبة، لاختصّا بالعالم و لا يعمّا الجاهل، و على كلّ تقدير، فالصغير المجنون خارج عن مصبّ الأدلّة، حتّى و لو كان الدليل هو المرسل لورود لفظ «الرجل» فيه.

السادس إذا اندمل الجرح أو طلّقها ثمّ عقد عليها

لو قلنا بالحرمة و لو بعد البلوغ فلو اندمل الجرح بالمعالجة، أو طلّقها و الحال هذه ثمّ عقد عليها، فهل تحرم أيضاً أو لا؟

لو كان الدليل على الحرمة هو المرسل، فهو يعمّ جميع الحالات، و لو شكّ في عمومه لهاتين الحالتين، فمقتضى الاستصحاب، هو بقاء الحرمة و تصوّر أنّ الحكم كان ثابتاً للمرأة بوصف كونها مفضاة فلا يمكن إثباته للمرأة زوال الوصف 3 غير

______________________________

(1) 1 و 2 لاحظ الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 31.

(2) 3 مستند العروة الوثقى: 1/ 158، كتاب النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 370

تام لما ذكرنا أنّ استصحاب الحرمة على الوجه المزبور أشبه بالقياس، بل الطريق الصحيح أنّه إذا صارت المرأة مفضاة، و ترتّب عليها الحكم، يكون الموضوع هو نفس المرأة الخارجية، و يقال مشيراً إليها إنّها كانت محرّمة و الأصل بقاؤها.

و أمّا القول بأنّ المستند لو كان هو الإجماع فلا إطلاق له، فهو مخدوش، لما عرفت من أنّ الإجماع معلوم المستند، و ما هذا حاله، لا يركن إليه بل الدليل هو ما استندوا

إليه، و نحن و المجمعون فيه سواء. نعم يمكن استظهار الانصراف إلى غير صورة الاندمال من قوله في صحيحة حمران: «فإنّه قد أفسدها و عطّلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها» «1» فانّ التعطيل يختصّ بصورة عدم الاندمال.

و أمّا إذا طلّقها ثمّ عقد عليها، فلو قلنا بالحرمة قبل الطلاق، فلا يفيد الطلاق و العقد، لما عرفت من الاستصحاب الحاكم ببقاء الحرمة. و الذي يسهل الخطب أنّه لم يثبت أصل الحكم أي الحرمة الأبدية و لا الخروج عن الزوجية.

السابع ما هو المراد من الإفضاء؟

الموضوع لهذه الأحكام في النصوص هو الإفضاء و هو من الفضاء بمعنى المكان الواسع قال في اللسان: قد فضا المكان و أفضى: إذا اتّسع، و أفضى إلى فلان: وصل إليه إلى أن قال: و أفضى المرأة فهي مفضاة إذا جامعها فجعل مسلكيها مسلكاً واحداً «2» و منه قوله سبحانه (في طريق تهيج عطف الزوج إلى الزوجة): (وَ كَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَ قَدْ أَفْضىٰ بَعْضُكُمْ إِلىٰ بَعْضٍ وَ أَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثٰاقاً غَلِيظاً). (النساء/ 21) قوله (قَدْ أَفْضىٰ) كناية عن الجماع و عبّر عنه بالوصل. و لعلّ المراد من الميثاق الغليظ هو «الإمساك بالمعروف و التسريح بإحسان».

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) لسان العرب: 15، مادّة فضى.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 371

و ليس المراد من الإفضاء فيها مطلق الاتّساع، بل القسم الخاص الذي يعدّ عيباً «1» و إفساداً للمرأة و تعطيلًا لها على الأزواج «2» و على ذلك فلا محيص من تفسيره على وجه ينطبق عليه هذان الأمران و لأجل ذلك فسّر الوجوه التالية:

1- اتّحاد مسلكي البول و الحيض.

2- اتّحاد مسلكي الحيض و الغائط.

3- اتّحاد الجميع.

و الأوّل هو المشهور.

قال

الشيخ في المبسوط: الإفضاء أن يجعل مدخل الذكر و هو مخرج المني و الحيض و الولد، و مخرج البول واحداً، فانّ مدخل الذكر و مخرج الولد واحد و هو أسفل الفرج، و مخرج البول من ثقبة كالإحليل في أعلى الفرج، و بين المسلكين حاجز رقيق، و الإفضاء إزالة ذلك الحاجز و قال كثير من أهل العلم: الإفضاء أن يجعل مخرج الغائط و مدخل الذكر واحداً و هذا غلط لأنّ ما بينهما حاجز عريض قوي. «3»

و مع ذلك كلّه، لو اتّفق المعنى الثاني و الثالث يثبت الحكم أيضاً، لما عرفت من تعلّق الحكم بالعيب و الإفساد و تعطيلها على الأزواج و هما صادقان على الجميع، و الثالث يتضمن الأوّل أيضاً.

و بذلك يظهر الضعف في كلام صاحب الجواهر حيث قال: إنّ كلام الفقهاء و أهل اللغة متّفق على أنّ إفضاء المرأة شي ء خاص لا أنّ المراد به مطلق الوصل أو التوسعة أو الشق أو الخلط كما تترتّب عليه أحكامه على كلّ فرد من

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 45 من مقدّمات أبواب النكاح، الحديث 5، 6، 7، 8.

(2) المصدر نفسه: الحديث 9.

(3) المبسوط: 7/ 149 كتاب الديات؛ المختلف: 256.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 372

أفراد ذلك إلى أن قال: فينبغي الاقتصار على المتيقّن و هو الخاص من حيث الخصوصية (أي المعنى الأوّل). «1»

و ما ذكره حقّ، لو لا ما ورد من النصوص ما يوجب تعميم الحكم إلى الصورة الأُولى و إن كان اتّفاق الأخير نادراً، و على كلّ تقدير فتحقّقه في الصورة الأُولى و الثالثة معلوم لاشتراكهما في رفع الحاجز بين المسلكين البول و الحيض، الكلام في الثانية، و قد عرفت ما هو الحقّ و

لا يبعد صدقه.

الثامن وجوب الانفاق عليها ما دامت حيّة

و من أحكامه وجوب الانفاق عليها ما دامت حيّة و أفتى به غير واحد منهم، و دلّ عليه صحيح الحلبي. «2»

قال الشيخ في الخلاف: من وطأ امرأة فأفضاها و معنى ذلك أنّه صيّر مجرى البول و مدخل الذكر واحداً فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حيّة، و عليه مهرها و ديتها كاملة. و إن كان بعد تسع سنين، لم يكن عليه شي ء غير المهر هذا إذا كان في عقد صحيح أو عقد شبهة «3» و قد عرفت التصريح به في كلام ابن الجنيد و المفيد «4» و ابن البرّاج و ابن سعيد: قال العلّامة: إذا أفضاها وجب عليه المهر و النفقة ما داما حيين، فإذا مات أحدهما سقطت النفقة «5» و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 421.

(2) الوسائل: 14، الباب 34، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(3) الخلاف 4: كتاب الصداق، المسألة 41.

(4) حيث قال: و القيام بها، الظاهر في القيام بمعيشتها.

(5) المختلف: ما يحرم بالمصاهرة، 77.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 373

بها فأفضاها؟ قال: «عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة» «1» و هذا لا غبار عليه.

إنّما الكلام في موردين:

الأوّل: إذا طلّقت و لم تتزوّج.

الثاني: إذا طلّقت و تزوّجت بالغير.

و قد استظهر عدم الوجوب فيما إذا طلّقت من الإسكافي و قد مرّ نصّه فلاحظ، و الصحيح المزبور على خلافه خصوصاً إذا كان الملاك الإفساد و تعطيلها على الأزواج، و هو موجود قبل الطلاق و بعده.

إنّما الكلام في الثاني، فهل إطلاق الصحيح محكّم لقوله: «عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة؟!» و

يكون الإجراء بعد ما تزوّجت أمراً تعبديّاً لوجوب نفقتها على الزوج الثاني، أو منصرف عمّا إذا تزوّج لعدم التعطيل على الأزواج، اللّهمّ إلّا أن يراد منه قلّة الرغبة إليها و هو لا ينافي مع التزويج بالغير. و لعلّ القول بالوجوب مطلقاً أقوى لصراحة الصحيح، و هو مقتضى الاستصحاب إذا كان الصحيح قاصراً و منصرفاً عن هذه الصورة.

نعم ظاهر الصحيح وجوب الانفاق عليها مطلقاً كان لها من العمر دون التسع أو فوقه و الموضوع للإجراء هو الإفضاء على وجه الإطلاق حيث قال: تزوّج جارية فوقع بها فأفضاها و لعلّ الإطلاق غير مفتى به قال الشيخ في الخلاف: فإن كان قبل تسع سنين لزمه نفقتها ما دامت حيّة ... و إن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شي ء «2».

و إن شئت قلت: مقتضى إطلاق صحيح الحلبي وجوب الإنفاق مطلقاً و لو أفضاها في التسع أو فوقه و مقتضى عموم صحيح حمران حيث قال: «إن كان

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

(2) مر نصّ الخلاف في صدر هذا البحث.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 374

دخل بها و لها تسع سنين فلا شي ء عليه عدم وجوبه». «1» و الثاني هو الأظهر لو لا انصراف صحيح حمران إلى الدية، فإنّ الكلام فيه يدور حول الدية و عدمها و هو يفصل بين الدخول قبل التسع و بعده لما في ذيله: «فانّه قد أفسدها و عطّلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها» و ليس ناظراً إلى النفقة أصلًا، و كون الموضوع هو الدية يصلح لصرف العموم (فلا شي ء عليه) عن غيرها.

و على ما ذكرنا يفصل في الدية بين التسع و قبلها،

دون النفقة فهي ثابتة مطلقاً، خصوصاً بالنسبة إلى التعليل الوارد في صحيح حمران من الإفساد و التعطيل على الأزواج و تظهر الثمرة في ما إذا طلّقت فإنّ الرغبة إليها قليلة و هي المراد من التعطيل، فيجري عليها الرزق. نعم تختص الدية بما دون التسع عملًا بالدليلين، قال الشيخ في الخلاف: إذا وطأ زوجته فأفضاها فإن كان لها دون تسع سنين كان عليه ضمانها بديتها مع المهر الواجب بالدخول و به قال الشافعي، و قال أبو حنيفة: إفضاؤها غير مضمون على زوجها. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. «2»

التاسع سقوط الإنفاق بموت الزوج و عدمه

لا شكّ أنّه يسقط الانفاق بموت الزوجة لعدم الموضوع، مضافاً إلى قوله في صحيح الحلبي: «عليه الإجراء عليها ما دامت حية» إنّما الكلام في سقوطه بموت الزوج: وجهان أقواهما السقوط، و ذلك لأنّ ظاهر لفظ «الإجراء» أنّ الحكم في حال الإفضاء نفس الحكم الثابت قبله في أنّه ينفق عليها تدريجاً، غاية الأمر أنّه لو لا الإفضاء اختص الوجوب بغير صورة الطلاق، و أمّا معه فيمتدّ الحكم ما دامت حية و إن طلّقت، أو زوّجت.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) الخلاف: كتاب الديات، المسألة 66.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 375

و لمّا كان الحكم في حال الإفضاء امتداداً للحكم السابق و ليس أمراً مغايراً معه، يكون مقيّداً بحياة الزوج في جميع الحالات و لا يجب إخراج شي ء من تركة الزوج للانفاق عليها مدّة يظن كونها حيّة.

و بذلك يظهر كونه ديناً عليه إذا كان غير متمكّن مثل ما إذا امتنع من دفعه لما عرفت من أنّ الحكم بعد الإفضاء نفس الحكم قبله، و لمّا كان الوجوب قبله أمراً وضعياً لا تكليفياً

محضاً، يكون كذلك بعده بلا فرق بينهما سوى في الضيق و السعة، و احتمال كونه حكماً تكليفياً محضاً، بعيد غايته، خصوصاً بعد قوله: «عليه الإجراء» الظاهر في الانفاق التدريجي الثابت للزوجة وضعاً.

العاشر ما هي دية الإفضاء؟

المراد هي دية المرأة الحرّة و هي نصف دية الرجل قال الشيخ: «و من وطأ امرأة فأفضاها ... لزم نفقتها ما دامت حية و عليه مهرها و ديتها كاملة و إن كان بعد تسع سنين لم يكن عليه شي ء غير المهر ...». «1»

و قال أيضاً: «إذا وطأ زوجته فأفضاها، فإن كان لها دون تسع سنين كان عليه ضمانها بديتها مع المهر الواجب عليه بالدخول» «2» و عرفت نصّ النهاية و غيرها الحاكي عن التسالم.

نعم شذّ قول ابن حمزة في الوسيلة حيث قال: «فإن جامعها (الزوجة دون التسع) و أفضاها حرم عليه وطؤها أبداً و وجب عليه شيئان: الأرش و الانفاق عليها مدّة حياتها» «3» و حمله في الجواهر على الدية.

______________________________

(1) الخلاف: كتاب الصداق، المسألة 41.

(2) الخلاف: كتاب الديات، المسألة 66.

(3) الوسيلة: في بيان أحكام الزفاف: 313.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 376

و يدلّ على الحكم المتسالم عليه نصوص في المقام.

صحيح سليمان بن خالد: و سألته (أبا عبد اللّه عليه السّلام) عن رجل وقع بجارية فأفضاها و كانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد؟ فقال: «الدية كاملة». «1»

أضف إليه، صحيح حمران و خبر بريد بن معاوية «2» نعم إطلاق صحيح سليمان من وجوب الدية في مطلق الجارية الشامل للصغيرة و الكبيرة، مقيّد بما دلّ عليه الأخيران من اختصاصها بما إذا دخل و لها دون التسع. و إلّا فلا شي ء عليه و يدلّ عليه أيضاً ما رواه عن أمير المؤمنين أنّه قضى

في امرأة أفضيت، بالدية «3» نعم يخالفه ما رواه السكوني عن علي عليه السّلام أنّ رجلًا أفضى امرأة فقوّمها قيمة الأمة الصحيحة، و قيمتها مفضاة ثمّ نظر إلى بين ذلك فجعل من ديتها و أجبر الزوج على إمساكها. 4

و في لفظ آخر رواه الأشعري في نوادر الحكمة، «فتغرمها ما بين الصحّة و العيب، و أجبرها على إمساكها لأنّها لا تصلح للرجال». 5

و لم يعمل به أحد من الأصحاب و يحتمل الأمرين: الدية و الأرش. ما رواه إسحاق بن عمّار عن جعفر عليه السلام أنّ عليّاً عليه السّلام كان يقول: «من وطأ امرأة من قبل أن يتمّ لها تسع سنين فأعنف ضمن» 6 مضافاً إلى أنّه لم يقل أحد منّا بوجوب الدية في البالغة. كما هو مقتضى رواية السكوني و الأشعري.

نعم حكى العلّامة في المختلف عن الاسكافي بسقوط الدية إذا أمسكها

______________________________

(1) الوسائل: 19، الباب 9 من أبواب ديات المنافع، الحديث 1.

(2) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 31.

(3) 3 و 4 الوسائل: 19، الباب 26 من أبواب دية الأعضاء، الحديث 21.

(4) 5 الوسائل: 19، الباب 26 من أبواب ديات الأعضاء، الحديث 2.

(5) 6 الوسائل: 19، الباب 44 من أبواب موجبات الضمان، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 377

قال: فإن أحبّ طلاقها أغرم ديتها و لزمه مع ذلك مهرها «1» و يمكن أن يكون مستند فتواه ما هو الظاهر من صحيح حمران و خبر بريد حيث جاء في الأوّل: «و إن أمسكها و لم يطلّقها حتى تموت فلا شي ء عليه» و جاء في الثاني: «و إن أمسكها و لم يطلّقها فلا شي ء عليه، إن شاء أمسك و إن

شاء طلّق». فإنّ ظاهرهما اختصاص الدية بصورة الطلاق، و لأجل ذلك أفتى بعض المحقّقين بالتفصيل بتخصيص الدية بما إذا لم يمسكها و إلّا فلا دية عليه «2» و حملهما في الجواهر على سقوطها صلحاً، لأنّ الدية لزمته بالإفضاء، فلا تسقط مجّاناً «3» و الظاهر أنّ قوله: «لا شي ء عليه» ليس بصدد عدم وجوب الدية أو سقوطهما، بل هو بصدد بيان أنّ الإمساك ليس حراماً و لا الطلاق واجباً، فلو أمسك لا إثم عليه بقرينة ما في ذيل خبر بريد حيث قال: «فلا شي ء عليه إن شاء أمسك و إن شاء طلّق».

الحادي عشر إذا أفضى بغير الدخول

إذا أفضى بغير الوطء فهل يترتّب عليه جميع الأحكام من وجوب الانفاق ما دامت حيّة و الدية أو لا؟ ظاهر الجواهر هو الثاني قال: «و لو أفضى الزوجة بغير الوطء لم يثبت الحكم، للأصل السالم عن المعارض». «4» و ظاهره نفي وجوب النفقة و الدية، و ذهب السيّد الطباطبائي إلى التفصيل بين النفقة فلا تجب للأصل و وجوب الدية لأنّها من أحكام الجنايات، و لقائل أن يقول: إنّ الموضوع في النصوص لوجوب النفقة و الدية هو الإفضاء «5» فلو كانت الدية من أحكام الجناية و لم تكن للسبب الخاص مدخلية، فليكن الأمر في النفقة كذلك فإجراء النفقة من أحكام تلك الجناية الخاصة التي تفسد المرأة و تعطّلها على الأزواج و لها حكمان:

______________________________

(1) المختلف: فيما يحرم بالمصاهرة 76.

(2) مستند العروة الوثقى: 1/ 160.

(3) الجواهر: 29/ 422.

(4) المصدر نفسه: 427.

(5) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب المصاهرة، الحديث 1، 3، 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 378

الدية، و اجراء النفقة ما دامت حية. و إلّا فلتقصر في إيجاب الدية أيضاً على الإفضاء بالدخول

لا غير. و الحاصل أنّ التفريق بين الاجراء و الدية مع وحدة الموضوع غير تام.

الثاني عشر حكم الموطوءة شبهة أو زنا

و هل يلحق بالزوجة، الموطوءة شبهة أو زنا في وجوب الدية أو لا؟ قال الشيخ في الخلاف: فإذا وطأ امرأة بشبهة فأفضاها مثل إن كان النكاح فاسداً أو وجد على فراشه امرأة فظنّ أنّها زوجته فوطأها فأفضاها، فالحدّ لا يجب للشبهة عند الفقهاء و يجب عليه الدية «1» و قال السيد الطباطبائي: لا يلحق بالزوجة في الحرمة الأبدية على القول بها و وجوب النفقة، الموطوءة بشبهة أو زنا و لا الزوجة الكبيرة، نعم تثبت الدية في الجميع (عدا الزوجة الكبيرة) إذا أفضاها بالدخول بها حتّى في الزنا و إن كانت عالمة مطاوعة و كانت كبيرة. «2»

أقول: أمّا عدم الدية في الزوجة الكبيرة، فلأنّه مقتضى التفصيل الوارد في النصوص بين كونها بالغة أو غير بالغة، و أمّا النفقة فلأنّها من خصائص الزوجية يوماً فيوماً، فلأجل ذلك تنتفي في غير الزوجة، نعم تقدّم منّا عدم اختصاص وجوبها بالصغيرة، بل يعمّ الكبيرة لإطلاق صحيح الحلبي. «3»

و أمّا الدية، فلأنّها من أحكام الجنايات و لا مدخلية للزوجية فيها.

الثالث عشر ضمان العيب الحادث بالدخول قبل التسع

إذا حصل بالدخول قبل التسع عيب آخر غير الإفضاء ضمن ديته، و كذا

______________________________

(1) الخلاف: كتاب الديات، المسألة 68.

(2) العروة الوثقى: المسألة 4.

(3) الوسائل: 14، الباب 34، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 379

إذا حصل مع الإفضاء عيب آخر يوجب الدية ضمنه مع دية الإفضاء و الدليل عليه وراء العمومات، صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «من وطأ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن» «1» و ممّا ذكرنا يظهر حكم من دخل بزوجته و لها تسع أو أزيد، فليس فيه شي ء ممّا ذكره لاختصاص وجوب النفقة أو

الدية، بما دون التسع.

الرابع عشر لو شكّ في إكمالها تسعاً

و لو شكّ في إكمالها تسعاً، يحرم عليها الدخول لاستصحاب عدم بلوغها تسع سنين، فإن وطأها مع ذلك فأفضاها فإن ثبت الحال، و إلّا فالظاهر أنّه يترتّب عليه ما ذكر من الحكمين: وجوب النفقة و الدية. و ذلك لأنّ الموضوع الوارد في لسان الأدلّة يتراوح بين «و إن كانت لم تبلغ تسع سنين» «2» و «قبل أن تبلغ تسع سنين» «3» لكن الجميع عنوان مشير إلى الصغيرة أو غير البالغة و المفروض تعلّق اليقين بهما في السابق فيستصحبان فيترتّب عليه ما ذكر من الأحكام، و الحاصل أنّ الناظر في الروايات يقف على أنّ التعابير الماضية تشير إلى أنّ الموضوع الواقعي لها هو الصغيرة و غير البالغة و أنّها محكومة بالحرمة أو بوجوب الإجراء عليها ما دامت حية و وجوب الدية عند الإفضاء، فالصغرى تحرز بالاستصحاب، و ينطبق عليها الكبريات الواردة في النصوص. فلا حاجة إلى تكلّف لحاظ موضوع كلّ حكم في الأدلّة كما صنعه السيّد المحقّق الخوئي في مستنده. «4» خلافاً للسيد الطباطبائي فقال: إذا شكّ في إكمالها تسع سنين لا يجوز وطؤها لاستصحاب الحرمة السابقة، فإن وطأها مع ذلك فأفضاها و لم يعلم بعد ذلك أيضاً كونها حال الوطء بالغة أو

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 45 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 5، و لاحظ الحديث 8.

(2) الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(3) المصدر نفسه: الحديث 32.

(4) مستند العروة الوثقى: 1/ 169.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 380

لا، لم تحرم أبداً و لو على القول بها لعدم إحراز كونه قبل التسع، و الأصل لا يثبت ذلك. نعم يجب عليه الدية و النفقة عليها

ما دامت حيّة. «1».

حاصله أنّ الموضوع للحرمة الأبدية هو الموطوءة قبل التسع، و القبليّة عنوان وجودي لا يمكن إحرازها بالأصل، و أمّا ترتّب الدية فلأنّه لم يؤخذ في موضوعها عنوان القبلية، و إنّما أخذ في موضوعها في صحيح حمران عدم بلوغها تسع سنين و هو محرز بالاستصحاب، كما أنّ الموضوع لاجراء النفقة في صحيح الحلبي هو الجارية خرج عن إطلاقها فيما إذا كان الدخول بعد تسع سنين.

مسائل فيمن تحرم نكاحها بعينها
المسألة الأولى: العقد على ذات العدّة
اشارة

اتّفقت كلمة الأصحاب على أنّه إذا تزوّج الرجل امرأة في عدّة يكون العقد فاسداً، ثمّ إنّه إن كان عالماً بكونها في عدّة و أنّه يحرم ذلك، فتحرم عليه مؤبّداً بمجرّد العقد. و إن كان جاهلًا بأحدهما لم تحرم عليه إلّا بالدخول. و إليك بعض كلماتهم:

قال المفيد: و من عقد على امرأة و هي في عدّتها و هو يعلم أنّها في عدّة، فُرِّق بينهما و إن لم يدخل بها و لم تحلّ له أبداً.

و من عقد على امرأة في عدّتها و هو لا يعلم فدخل بها جاهلًا بحالها، فُرِّقَ بينهما و لم تحلّ له أبداً. «2»

______________________________

(1) العروة الوثقى، فصل فيما يتعلّق بأحكام الدخول، المسألة 8.

(2) المقنعة: باب في تحريم نكاحين من النساء بالأسباب: 501.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 381

و قال الشيخ في النهاية: «و إذا تزوّج الرجل بامرأة في عدّتها و هو عالم بذلك فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً و إن لم يكن قد دخل بها، سواء كانت عدّتها عدة المطلّقة أو عدّة المتوفّى عنها زوجها، و إن لم يكن عالماً بذلك، فارقها حتّى تخرج من العدّة فإذا خرجت من العدّة عقد عليها إن شاء ما لم يكن قد دخل بها. و إن

كانت المرأة عالمة بذلك، لم يجز لها أن ترجع إلى هذا الزوج بعقد آخر». «1»

و قال الشيخ في الخلاف: «إذا تزوّجها في عدّتها مع العلم بذلك و لم يدخل بها فرق بينهما و لا تحلّ له أبداً، و به قال مالك، و خالف جميع الفقهاء في ذلك. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم.

و إذا تزوّجها في عدّتها مع الجهل بتحريم ذلك و دخل بها فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً، و به قال عمر و مالك و الشافعي في القديم، و قال في الجديد: تحلّ له بعد انقضاء عدّتها و به قال أبو حنيفة و باقي الفقهاء». «2»

و قال أبو الصلاح الحلبي في فصل المحرّمات: «و المعقود عليها في عدّة معلومة، و المدخول بها في عدّة على كلّ حال». «3»

ترى هذا التفصيل في كتب الأصحاب قديماً و حديثاً. «4»

هذا و الظاهر من أكثر فقهاء أهل السنّة، كون النكاح باطلًا و لكن يجوز له العقد بعد انقضاء العدّة من غير فرق بين العلم و الجهل، و الدخول و عدمه.

قال الخرقي في مختصره: و لو طلّقها أو مات عنها، فلم تنقض عدّتها حتّى

______________________________

(1) النهاية: 453.

(2) الخلاف: كتاب النكاح، ج 4، المسألة 9897. و لاحظ أيضاً، المسألة 44.

(3) الكافي: 286.

(4) لاحظ المهذّب لابن البراج: 2/ 183 و الوسيلة لابن حمزة و قد ذكر في ص 292 حكم العالم، و في 293 حكم الجاهل فلا تغفل.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 382

تزوّجت من أصابها، فرّق بينهما، و بنت على ما مضى من عدّة الأوّل، ثمّ استقبلت العدّة من الثاني، و له أن ينكحها بعد انقضاء العدّتين. «1»

و قال ابن قدامة في شرح قول الخرقي: «و

له أن ينكحها بعد انقضاء العدّتين».

و عن أحمد رواية أُخرى أنّها تحرم على الزوج الثاني على التأبيد، و هو قول مالك و قديم قولي الشافعي لقول عمر (لا ينكحها أبداً)، و لأنّه استعجل الحقّ قبل وقته فحرمه في وقته، كالوارث إذا قتل مورّثه، و لأنّه يفسد النسب فيوقع التحريم المؤبّد كاللعان.

و قال الشافعي: في الجديد له نكاحها بعد قضاء عدّة الأوّل و لا يمنع من نكاحها في عدّتها منه، و لأنّه وطء يلحق به للنسب فلا يمنع من نكاحها في عدّتها منه كالوطئ في النكاح، و لأنّ العدّة إنّما شرعت حفظاً للنسب و صيانة للماء، و النسب لاحق به هاهنا، فأشبه ما لو خالفها ثمّ نكحها في عدّتها، و هذا حسن موافق للنظر.

و لنا على إباحتها بعد العدّتين أنّه لا يخلو إمّا أن يكون تحريمها بالعقد، أو بالوطء في النكاح الفاسد، أو بهما، و جميع ذلك لا يقتضي التحريم بدليل ما لو نكحها بلا وليّ و وطئها، و لأنّه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد فهذا أولى، و لأنّ آيات الإباحة عامة كقوله تعالى: (وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ) و قوله: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ) فلا يجوز تخصيصها بغير دليل و ما روي عن عمر في تحريمها فقد خالفه عليّ فيه.

و روى عن عمر أنّه رجع عن قوله في التحريم إلى قول علي فإنّ علياً قال: إذا

______________________________

(1) المغني: 9/ 120 و 122.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 383

انقضت عدّتها فهو خاطب من الخطّاب، فقال عمر: ردّوا الجهالات إلى السنّة، و رجع إلى قول علي، و قياسهم يبطل بما إذا زنى بها فانّه قد استعجل وطأها و لا تحرم

عليه على التأبيد، و وجه تحريمها قبل قضاء عدّة الثاني عليه قول اللّه تعالى: (وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ) و لأنّه وطء يفسد به النسب فلم يجز النكاح في العدّة منه كوطء الأجنبي. «1»

يلاحظ على استدلال ابن قدامة أوّلًا:

أنّ قياس العقد على المعقود عليها، على العقد على البكر بلا إذن وليّها من قبل قياس القويّ على الضعيف و استخراج حكمه عن الضعيف و هو باطل حتّى عند القائلين بالقياس. لأنّ علقة الزوجية في المعقودة بعدُ باقية، بخلاف الجارية الباكرة فانّها ليست مقرونة بالمانع أبداً غير أنّه يفقد الشرط اللازم فعدم نشر النكاح الحرمة فيها، لا يوجب عدمه في الأقوى ملاكاً.

و ثانياً: ما قال: إنّه لو زنى بها لم تحرم عليه على التأبيد، غير تام لما سيوافيك من أنّ الزنا بذات العدّة الرجعية تنشر الحرمة الأبدية أيضاً.

نعم ما ذكره من كون مقتضى الإطلاقات هو الحلّية صحيح لو لم يكن دليل قاطع على الحرمة مطلقاً، أو على التفصيل.

إذا عرفت ذلك فنقول: يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: حرمة النكاح و بطلانه.

الثاني: كونه موجباً للحرمة الأبدية.

______________________________

(1) المغني: 9/ 123122.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 384

أمّا المقام الأوّل: حرمة النكاح و بطلانه

فيكفي في ذلك قوله سبحانه: (وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسٰاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً وَ لٰا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكٰاحِ حَتّٰى يَبْلُغَ الْكِتٰابُ أَجَلَهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ يَعْلَمُ مٰا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ). (البقرة/ 235)

الظاهر أنّ المجموع آية واحدة. نعم هي آيتان في قراءة غير الكوفي، يوقف على قوله: (مَعْرُوفاً) و على كلّ تقدير

فقد أحلّ سبحانه أمرين و حرّم أمرين في حقّ المعتدَّات في أيام العدّة:

1- أحلّ التعريض دون التصريح بهنّ على وجه يدلّ على رغبة المتكلّم فيها فيقول كم من راغب فيك، أو إنّى أحبّ امرأة كذا و كذا.

2- أُحلّ الإسرار و الإضمار في الأنفس من نكاحهنّ بعد مضيّ عدّتهنّ.

3- حرّم المواعدة في السرّ لأنّها تدعو إلى ما لا تحمد عاقبته.

4- حرّم العزم على عقد النكاح بمعنى العقد عليها في العدّة فانّ النهي عن العزم كناية عن النهي عن نفس النكاح، إذ العزم هو التصحيح القاطع المنتهي إلى العمل.

فدلالة الآية على حرمة العقد واضح و أمّا البطلان، فلتعلّقه بنفس العقد، الكاشف عن إخراجه عن المطلقات و العمومات. و عدم العبرة به في التشريع.

و أمّا السنّة فيدلّ عليه كلّ ما دلّ على التفريق بين الزوجين و هو آية البطلان و الروايات عن العترة في هذا الموضوع متضافرة نظير:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 385

صحيح زرارة عن أبي جعفر في امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها قال: «يفرق بينهما و تعتدّ عدّة واحدة منهما جميعاً». «1»

إنّما الكلام في الحرمة الأبدية و هو المقام الثاني.

المقام الثاني: مقتضى الأدلّة من حيث الحرمة الأبدية
اشارة

قد تضاربت النصوص في الحرمة الأبدية من حيث الإطلاق و التقييد و هي مختلفة جدّاً و لعلّها تبلغ إلى أصناف ستة نذكر من كلّ صنف شيئاً و نحيل الباقي إلى محلّه.

1- التزويج في العدّة محرِّم مطلقاً

التزويج في العدّة محرِّم مطلقاً من غير فرق بين الدخول و عدمه، و العلم و عدمه نظير:

ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره عن النضر بن سويد عن عبد اللّه ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في الرجل يتزوّج المرأة المطلّقة قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال: «يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبداً»، و يكون لها صداقها بما استحلّ من فرجها أو نصفه إن لم يكن دخل بها». «2»

و ما رواه محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يتزوّج

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 12، و لاحظ الحديث 13 و 14 و غيرهما و هو كثير.

(2) الوسائل 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 21. هذا و قد نقله الشيخ المعلّق على الوسائل عن النوادر المطبوعة بشكل آخر و سوف يأتي الإيعاز إلى مدلوله.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 386

المرأة في عدّتها؟ قال: «يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبداً» «1» نعم ما رواه الحكم بن عتيبة مختص بالمحرم المتزوّج في العدّة، و لا يحتجّ به في غيره. 2

2- التزويج في العدّة غير محرّم مطلقاً

و هناك ما يدلّ على خلاف الصنف الأوّل و أنّ التزويج في العدّة غير محرّم نظير:

ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن علي ابن جعفر عن أخيه قال: سألته عن امرأة تزوّجت قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال: «يفرّق بينها و بينه و يكون خاطباً من الخطّاب». 3

3- التفصيل بين الدخول و عدمه فيحرم في الأوّل دون الثاني

و هناك روايات تركِّز على الدخول و عدمه فيحرم مع الدخول، لا مع عدمه و ربّما يبلغ عددها إلى سبعة أحاديث نظير:

صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: المرأة الحبلى يتوفّى عنها زوجها فتضع و تزوّج قبل أن تعتدّ أربعة أشهر و عشراً؟ فقال: «إن كان الذي تزوّجها، دخل بها فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً و اعتدّت بما بقي عليها من عدّة الأوّل و استقبلت عدّة أُخرى من الآخر ثلاثة قروء، و إن لم يكن دخل بها فرّق بينهما و أتمّت ما بقي من عدّتها و هو خاطب من الخطّاب». 4

______________________________

(1) 1 و 2 المصدر نفسه: الحديث 22 و 15.

(2) 3 الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 19، و لاحظ مرسل الهاشمي برقم 16.

(3) 4 الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2، و لاحظ الأحاديث 6، 9 و 20. و يحتمل أن يكون من هذا القبيل الحديث 7 و 8 حيث إنّ عدم الدخول يؤثر في نفي المهر لا في نفي الحرمة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 387

4- التزويج عن علم، محرِّم مطلقاً، و عن جهل في صورة الدخول

ذهب المشهور إلى أنّ التزويج عن علم يحرِّم مطلقاً و عن جهل بشرط الدخول و يدلّ عليه صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا تزوّج الرجل المرأة في عدّتها و دخل بها لم تحلّ له أبداً عالماً كان أو جاهلًا، و إن لم يدخل حلّت للجاهل و لم تحلّ للآخر». «1»

و هو أوضح ما في الباب، و سيوافيك توضيح قوله: «حَلّت للجاهل و لم تحلّ للآخر» فالذيل حاكم على القيد الوارد في الصدر، أعني: «و دخل بها ...»

و عليه يكون القيد (الدخول) غير مؤثر في العالم و إنّما جي ء به لأجل كونه مؤثراً في الجاهل و يدلّ عليه أيضاً صحيح حمران في خصوص الجاهل مع الدخول، بقرينة الحكم عليها بالرجم و الحدّ فانّه في مورد الدخول لا في صورة العقد المجرّد عنه. 2

5- تقييد الحرمة في صورة العلم بالدخول

و يدلّ عليه ما في النوادر المطبوعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في الرجل يتزوّج المرأة قبل أن تنقضي عدّتها؟ قال: «يفرّق بينهما ثمّ لا تحلّ له أبداً إن كان فعل ذلك بعلم ثمّ واقعها ...». 3

6- التفصيل بين العلم و الجهل فيحرم في الأُولى دون الثانية

و تدلّ عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي إبراهيم عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة في عدّتها بجهالة أ هي ممّن لا تحلّ له أبداً؟

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 3 و 17 و لاحظ الحديث 1.

(2) 3 النوادر: 69، الطبعة القديمة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 388

فقال: «لا، أمّا إذا كان بجهالة فليزوّجها بعد ما تنقضي عدّتها» إلى أن قال: فإن كان أحدهما متعمّداً و الآخر بجهل؟ فقال: «الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً». «1»

و هذه هي أصناف الروايات الستة و مقتضى الجمع الدلالي هو ما ذهب إليه المشهور، فإنّ الصنف الرابع من الروايات يكون قرينة على التصرّف في الجميع لكونه صريحاً في التفصيل، و عليه فالصنف الأوّل الدال على أنّ التزويج محرِّم مطلقاً بلا قيد، يحمل على صورة العلم، دون الجهل.

كما أنّ الصنف الثاني الدال على عدم التحريم مطلقاً يحمل على صورة الجهل إذا لم يدخل.

كما يتصرّف في الصنف الثالث، حيث يركز على الدخول فقط، و أنّه يحمل على صورة الجهل كلّ ذلك ببركة الصنف الرابع الصريح في المقام.

و أمّا ما فيه الدخول في القسم الخامس (إذا تزوّج عن علم و دخل) فيحمل على الفرد الغالب لا أنّه قيّد بشهادة القسم الرابع.

كما أنّ الصنف السادس يحمل على الجاهل إذا لم يدخل و إلّا فلو دخل لعمّته

الحرمة الأبدية. و بالجملة نتصرّف ببركة القسم الرابع في جميع الأصناف و تكون النتيجة ما ذهب إليه المشهور.

ثمّ إنّ الظاهر من الصحيحين «2» إنّه إذا كان أحدهما عالماً و الآخر جاهلًا خصّت الحرمة بالعالم دون الجاهل حيث قال: «حلّت للجاهل و لم تحلَّ للآخر» و قال عليه السّلام في جواب سؤال السائل: «فإن كان أحدهما متعمّداً و الآخر يجهل

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 4، و لاحظ الحديث 5 و 10.

(2) الحديث 3 و 4 من الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، أعني: صحيحي الحلبي و عبد الرحمن ابن الحجّاج.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 389

ذلك: الذي تعمّد لا يحلّ له أن يرجع إلى صاحبه أبداً» و لكن لا بدّ من توضيح ذلك التفكيك و ذلك أنّ الفساد من طرف، يستلزم الفساد من الطرف الآخر، و لا يتصوّر فيه التبعيض في الصحّة، و بعبارة أُخرى أنّ الجاهل إمّا أن يكون باقياً على جهله بالحال، أو ينقلب إلى العلم بأنّ الثاني قد أقدم عالماً، فعلى الأوّل يكفي في الحرمة، كون الحكم منجّزاً على العالم فإذا كان التزويج من جانب حراماً، يكون التزويج من الجانب الآخر أيضاً باطلًا و إن كان جاهلًا، غاية الأمر يكون معذوراً، و على الثاني يكون الحكم منجّزاً على الطرفين، و على ذلك و لا محيص عن الحمل على التفكيك بحسب الظاهر لا بحسب الواقع و نفس الأمر، هذا، و قد أطنب الشهيد الكلام في المسالك و تبعه صاحب الجواهر في المقام فلاحظ. «1»

يقول السيّد الاصفهاني: فإن كان عالمين بالموضوع و الحكم بأن علما بكونها في العدّة و علما أنّه لا يجوز النكاح

في العدّة أو كان أحدهما عالماً بهما بطل النكاح، و حرمت عليه أبداً سواء دخل بها أم لا «2» فكون أحدهما عالماً يكفي في بطلان النكاح و الحرمة الأبدية.

ثمّ إنّه لو عقد جاهلًا عليها فيها و لكن دخل بها بعد العدّة، ثمّ علم بالحال بعد ذلك، بطل العقد و لم تحرم بل جاز له الاستئناف لظهور اعتبار الدخول في العدّة، في نشر الحرمة الأبدية، أو أنّه القدر المتيقّن من الروايات فتبقى العمومات على حالها.

ثمّ إنّه لا فرق في العدّة بين كونها رجعية أو بائنة، أو عدّة وفاة أو عدّة شبهة، و لا في العقد بين الدائم و المنقطع، لإطلاق النصوص.

غير أنّ الحكم في الوفاة المجهولة مقيّد بما إذا حكم على الزوجة بالاعتداد

______________________________

(1) المسالك: 2/ 526، الجواهر: 29/ 331، 332.

(2) وسيلة النجاة: فصل القول في النكاح في العدّة: 332.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 390

و هو فرع علمها بموت زوجها، و على هذا إذا تزوّج بامرأة عليها عدّة و لم تشرع فيها لعدم تحقّق مبدئها كما إذا تزوّج بمن مات زوجها و لم يبلغها الخبر، فانّ مبدأ عدّتها من حين بلوغ الخبر فهل يوجب الحرمة الأبدية أم لا؟ قولان: أقواهما العدم، لأنّها حين العقد لم تكن ذات بعل و لا معتدّة، و إن كان يحرم على الرجل العالم، الإقدام بالعقد لأنّها محكومة بالاعتداد في المستقبل فكيف يمكن أن تكون زوجة للغير و معتدة عن آخر، نعم لو أقدم جاهلًا لا يحرم.

و على كل تقدير فكلّ مورد حرمت المرأة على الواطي حرمت على أبيها و ابنها، لأنّ الوطء إمّا زنا أو وطء شبهة، و قد تقدّم الكلام في كونهما موجبين للحرمة و عدمها.

و

أمّا الكلام في تعدّد العدّة أو وحدتها عند الدخول فالكلام فيها موكول إلى محلّها.

المسألة الثانية: العقد على ذات البعل

هل العقد على ذات البعل موجب للحرمة الأبدية أو لا؟ و المسألة غير معنونة في أكثر الكتب، لم يذكرها المفيد في مقنعته، و لا الشيخ في نهايته و خلافه، و لا الحلبي في كافيه، و لا ابن البرّاج في مهذّبه، و لا ابن حمزة في وسيلته، و لا ابن سعيد في جامعه، و لا المحقّق في شرائعه و ... نعم نبّه به لفيف منهم:

1- قال ابن إدريس: و يحرم العقد على الزانية، و هي ذات بعل أو في عدّة رجعيّة ممّن زنى بها سواء علم في حال زناه بها، أنّها ذات بعل أو لم يعلم، تحريم مؤبّد. «1»

2- قال الشهيد الثاني: «و في إلحاق ذات البعل بالمعتدّة وجهان أيضاً من

______________________________

(1) السرائر: 2/ 524.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 391

مساواتها لها (ذات العدّة) في المعنى و زيادة علاقة الزوجية فيكون من باب مفهوم الموافقة، و انتفاء العدّة التي هي مورد النصّ و إمكان اختصاص العدّة بمزيّة خاصة، ثمّ ذكر الصور الأربع و نفى الإشكال في بعض الصور و قال:

1- لا إشكال إذا عقد مع العلم بالتحريم و دخل لاقتضاء الزنا التحريم.

2- كما لا إشكال في عدم التحريم، إذا كان جاهلًا، و لم يدخل.

3- إنّما الإشكال فيما جهل و دخل.

4- أو علم و عقد و لم يدخل. «1»

و قال السيّد السند في شرح النافع: و في المسألة وجه بالتحريم، مع العلم بكونها ذات البعل لتحريم المعتدّة بمجرّد العقد عليها مع العلم بأنّها في العدّة فذات البعل أولى لأنّ علاقة الزوجية أقوى من علاقة الاعتداد، و يشكل بأنّ الأولوية إنّما

تثبت إذا ثبت التعليل و هو غير ثابت هنا، و من الجائز اختصاص المعتدّة بمزيّة اقتضت ذلك. و بالجملة فإلحاق ذات البعل بالمعتدّة في هذا الحكم لا يخرج عن القياس. «2»

و قال المحدّث البحراني: لا يحلّ العقد على ذات البعل و لا تحرم به مع الجهل بكونها ذات بعل، و أمّا مع العلم فإشكال. «3»

أقول: لو تمّ القياس الأولوي و ليس ببعيد و إن لم يصرّح بالتعليل بل يكفي انتقال العرف إليه بصرافة ذهنه يلزم اتّحاد حكمه حكم العقد على المعتدّة في جانب الإيجاب (الحرمة) لا في جانب السلب (عدم الحرمة) إذ من المحتمل أن يكون الحكم في المقيس أوسع من المقيس عليه كما أفاده الشهيد في كلامه السابق

______________________________

(1) المسالك: 1/ 526.

(2) الحدائق: 23/ 578 نقلًا عن شرح النافع للسيّد صاحب المدارك.

(3) المصدر نفسه: 577.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 392

و الأولى أن يستدل بالروايات:

1- ما ورد في حرمة العقد على المعتدّة في رواية حمران، قال: «إن كانت تزوّجته في عدّة لزوجها الذي طلّقها عليها، فيها الرجعة، فانّي أرى أنّ عليها الرجم» «1» فالرواية تتلقّى العقد على المعتدّة، أنّه عقد على ذات البعل، فالعقد على ذات البعل أولى بالحكم منه. و قد تضافرت الروايات على المعتدّة الرجعية أنّها بحكم الزوجة «2» فإذا ثبت الحكم في المنزّل، فثبوته في المنزّل عليه بوجه أولى.

2- موثق أديم الحرّ قال: قال أبو عبد اللّه: «التي تتزوّج و لها زوج يفرق بينهما ثمّ لا يتعاودان». «3»

3- موثق أو صحيح زرارة عن أبي جعفر في امرأة فقد زوجها أو نعي إليها فتزوّجت ثمّ قدم زوجها بعد ذلك فطلّقها؟ قال: «تعتدّ منهما جميعاً ثلاثة أشهر عدّة واحدة و

ليس للآخر أن يتزوّجها أبداً». «4» و ليس في الرواية شي ء يشكل سوى الحكم بكفاية عدّة واحدة و هي على خلاف المشهور.

4- مرفوعة أحمد بن محمّد: «أنّ رجلًا إذا تزوّج امرأة و علم أنّ لها زوجاً فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً». 5

إنّما الكلام في استنباط أحكام الصور الأربعة من هذه الروايات و الإمعان في الروايات يعطى وحدة المسألتين في الحكم و ذلك: لأنّ صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج 6 تفصّل بين العلم و الجهل، فتحكم بالحلّية في صورة الجهل دون صورة

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 17.

(2) الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب أقسام الطلاق و غيره.

(3) الوسائل: 14، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(4) 4- 6 الوسائل: 14، الباب 16 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2، 10، 3. و لاحظ الجزء 9، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 393

العلم و مثله مرفوعة أحمد بن محمّد و مقتضاهما و إن كان التفصيل بين العلم و الجهل، لكن مقتضى صحيح زرارة هو التحريم مع الدخول عند الجهل فيكون مقتضى الأدلّة، هو التفصيل المذكور في المعتدّة.

قال السيّد الاصفهاني: يلحق بالتزويج في العدّة في إيجاب الحرمة الأبدية، التزويج بذات البعل فلو تزوّجها مع الجهل لم تحرم عليه إلّا مع الدخول بها. «1»

المسألة الثالثة: الزنا بذات البعل أو في عدّة رجعية

نقل غير واحد من الفقهاء «2» اتّفاق الأصحاب على أنّ الزنا بذات البعل أو عدّة رجعية موجب للحرمة مؤبداً و إليك نصّ كلمات القدامى من الأصحاب.

1- قال المفيد: «و من سافح امرأة و هي ذات بعل حرّم ذلك عليه نكاحها من بعد و إن

فارقها زوجها و تابت ممّا اقترفته فلم تحلّ له أبداً، و كذلك لو سافحها و هي في عدّة من بعل له عليها رجعة فانّها تحرم عليه بذلك و لا تحلّ له أبداً». «3»

2- قال الشريف المرتضى: «ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من زنى بامرأة و لها بعل، حرم عليه نكاحها أبداً و إن فارقها زوجها، و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك، و الحجّة لنا في ذلك إجماع الطائفة «4» و قال أيضاً و ممّا انفردت به الإمامية القول: بأنّ من زنى بامرأة و هي في عدّة من بعلها له عليها فيها رجعة حرمت عليه بذلك و لم تحلّ له أبداً». 5

______________________________

(1) وسيلة النجاة: فصل النكاح في العدّة، المسألة 5، ص 333. الطبعة الثامنة.

(2) المحدّث البحراني في الحدائق: 23/ 58، و صاحب الجواهر فيها: 29/ 446.

(3) المقنعة: باب من يحرم نكاحهنّ: 501 و السفح هو الزنا.

(4) 4 و 5 الانتصار: 107106.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 394

3 و قال الشيخ الطوسي: «و من فجر بامرأة لها زوج لم يجز له العقد عليها أبداً، و كذلك الحكم إن كان فجوره في عدّة لزوجها عليها فيها رجعة يحرم العقد عليها». «1»

4- و قال أبو الصلاح في فصل من يحرم نكاحهنَّ: «و الزانية و هي ذات بعل أو (ذات) عدّة رجعية، على الزاني». «2»

5- و قال سلّار: «منها أن تكون المرأة لم يزن بها الناكح و هي ذات بعل أو في عدّة فإن زنى بها و هي ذات بعل لم تحلّ له أبداً». «3»

6- و قال ابن البرّاج: «و إذا كان للمرأة زوج أو كانت في عدّة زوج له عليها رجعة، و فجر بها رجل

في شي ء من ذلك، حرم على الذي فجر بها العقد عليها أبداً». «4»

7- و قال ابن حمزة في الوسيلة: «و التي قد زني بها و هي ذات بعل». «5»

8- و قال ابن إدريس: «و يحرم العقد على الزانية و هي ذات بعل أو في عدّة رجعية، ممّن زنى بها سواء علم في حال زناه بها، أنّها ذات بعل أو لم يعلم، تحريم أبداً». «6»

9- و قال ابن سعيد: ( «و يحرم) المزني بها و لها بعل على الزاني، أو في عدّة رجعية». «7»

______________________________

(1) النهاية: 452.

(2) الكافي: 286.

(3) المراسم: 148 و بما أنّ المعتدّة الرجعية زوجة اكتفى في التنصيص على التحريم في الموردين بقوله: «و هي ذات بعل» فلاحظ.

(4) المهذّب: 2/ 183.

(5) الوسيلة: 292.

(6) السرائر: 2/ 525 و قد تقدّمت تلك العبارة في المسألة السابقة: العقد على ذات البعل و هي قابلة للانطباق عليهما.

(7) الجامع للشرائع: 428.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 395

10- و قال المحقّق: «و لو زنى بذات بعل أو في عدّة رجعية حرمت عليه أبداً في قول مشهور». «1»

ثمّ إنّه ربّما يستدل على التحريم بما تقدّم من أنّ العقد على ذات البعل محرّم و قد مضت رواياته. «2» فلا شكّ في شموله على ما إذا عقد عالماً بكونها ذات البعل، و دخل بها، فانّ الدخول يكون زنا بذات البعل فلا فرق بين المنصوص و غيره، إلّا وجود العقد هناك دون المقام. قال المحقّق الثاني: إنّ ذلك شامل لما إذا دخل بها عالماً بأنّ لها زوجاً فانّه زان حينئذ. «3»

يلاحظ عليه: أنّ في المقيس عليه وراء الزنا، مغبّة التشريع، حيث يرى نفسه زوجاً قانونياً فالحكم بالحرمة هناك، لا يستلزم الحكم بها

في المقام أي الزنا المجرّد عن التشريع، و بما أنّه ليس في المقام دليل صالح سوى الاتّفاق فليقتصر على المتيقن من مورده، فلو زنى بذات العدّة البائنة أو عدّة الوفاة، فلا توجب الحرمة الأبدية للعمومات السالمة عن المعارض.

نعم لا فرق في المقام بين المدخول بها (لزوجها) و غيرها و بين العالمة و الجاهلة بكونها ذات بعل (كما إذا أنكحها وليّها في حال صغرها و لم تقف عليه بعد) و بين علم الزاني بكونها ذات بعل أو جهله فانّ الزنا بذات البعل في الواقع محرّم.

نعم ظاهر معقد الإجماع، لو كانت موطوءة بالشبهة من جانب الرجل دونها عدم الحرمة، فالحكم بالحرمة معها مشكل لعدم الإطلاق في معقده حتّى يعمّ هذه الصورة.

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 446 قسم المتن و في نسبة القول إلى الشهرة إيماء إلى أنّها المعتمد في المسألة دون الرواية و الحديث.

(2) الوسائل: 14، الباب 16، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، 1، 6، 10.

(3) جامع المقاصد: كتاب النكاح، المطبوع في آخر القواعد: 44.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 396

و قال في المسالك: إنّما نسب المحقّق الحكم إلى الشهرة مع عدم ظهور المخالف لعدم وقوفه على مستند له من النص و عدم تحقّق الإجماع على وجه يكون حجّة كما حقّقناه، هذا و يظهر من الفقه الرضوي وجود الرواية في كلا الموردين قال: «و من تزوّج امرأة لها زوج و دخل بها أو لم يدخل، أو زنا بها لم تحلّ له أبداً» و قال في موضع آخر: «و من زنا بذات بعل محصناً كان أو غير محصن، ثمّ طلّقها زوجها أو مات عنها و أراد الذي زنى بها أن يتزوّج بها، لم تحلّ له أبداً و

يقال لزوجها يوم القيامة: خذ من حسناته ما شئت» «1» و في شمول العبارتين لذات العدّة غموض.

و في الرياض عن بعض متأخري الأصحاب أنّه قال: «روي أنّ من زنى بامرأة لها بعل أو عدّة رجعية حرمت عليه، و لم تحلّ له أبداً». «2» و لعلّ نظره إلى الفقه الرضوي الذي تلقاه الأصحاب روايات جرّدت عن أسنادها و الحقّ أنّ المسألة من المسائل التي أطبقت الفقهاء على التحريم، و ليس لها دليل صالح سوى الاتّفاق.

المسألة الرابعة: الإيقاب بالغلام

من فجر بغلام، فأوقب، حرم عليه بنته و أُمّه و أُخته، بلا خلاف بين الأصحاب.

1- قال المفيد: «و من فجر بغلام فأوقبه لم تحلّ له أُخت الغلام و لا أُمّه و لا ابنته أبداً» «3».

2- قال الشريف: «و ممّا انفردت به الإمامية أنّ من تلوّط بغلام فأوقب لم

______________________________

(1) المستدرك: الباب 11 من أبواب ما تحرم بالمصاهرة، الحديث 8.

(2) رياض المسائل: 2/ 83، كتاب النكاح، المسألة الخامسة.

(3) المقنعة: 501.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 397

تحلّ له أُمّ الغلام و لا أُخته و لا بنته، و حكي عن الأوزاعي و ابن حنبل أنّ من تلوّط بغلام يحرم عليه تزويج بنته». «1»

3- و قال الشيخ في الخلاف: «إذا فجر بغلام فأوقب، حرم عليه بنته و أُمّه و أُخته، و قال الأوزاعي: إذا لاط بغلام حرم عليه بنت هذا الغلام، لأنّها بنت من دخل به و خالف جميع الفقهاء في ذلك». «2»

4- و قال في النهاية: «و من فجر بغلام فأوقب، حرم عليه العقد على أُمّه و أُخته و بنته، على جميع الأحوال، فإن كان الفعل دون الإيقاب لم يكن بالعقد عليهنّ بأس». «3»

5- و قال أبو الصلاح الحلبي: «و أمّا

المحرّمات بالأسباب ... و أُم الغلام الموقب و أُخته و ابنته قبل العقد عليهنَّ». «4»

6- و قال ابن البرّاج: «و من فجر بغلام فأوقب حرم عليه العقد على أُمّه و ابنته و أُخته». «5»

7- و قال ابن حمزة: «و أُمّ الغلام الموقَب و أُخته و ابنته قبل العقد عليهنّ». «6»

8- و قال ابن إدريس: «و من أوقب غلاماً أو رجلًا حرم على اللائط الموقب بنت المفعول به و أُمّه و أُخته تحريم أبد، و يدخل في تحريم الأُم، تحريم الجدّة و إن علت لأنّها أُمّ عندنا حقيقة و كذلك بنت البنت و كذلك بنت ابن بنته و إن سفلن لأنّه بناته حقيقة». «7»

9- و قال ابن سعيد: «و يحرم على الفاعل أُخت المفعول بالإيقاب و أُمه و بنته و إن كانت زوجته انفسخ نكاحها. و قيل: لا ينفسخ، و لا تحرمن بدون الإيقاب». «8»

______________________________

(1) الانتصار: 107.

(2) الخلاف: 4/ 308، المسألة 80.

(3) النهاية: 453.

(4) الكافي: 286.

(5) المهذّب: 2/ 183.

(6) الوسيلة: 286.

(7) السرائر: 2/ 525.

(8) الجامع للشرائع: 428.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 398

10 و قال في الجواهر عند قول المحقّق: «و من فجر بغلام فأوقبه حرم أبداً على الواطئ العقد على أُمّ الموطوء و أُخته و بنته» بلا خلاف أجده. بل هو في أعلى درجات الاستفاضة و التواتر و هو الحجّة بعد المعتبرة. «1»

1- 1 قال ابن قدامة: «فإن تلوّط بغلام فقال أصحابنا يتعلّق به التحريم أيضاً فيحرم على اللائط أُمّ الغلام و ابنته، و على الغلام أُمّ اللائط و ابنته قال: و نصّ عليه أحمد و هو قول الأوزاعي لأنّه وطء في الفرج فسرّ الحرمة كوطء المرأة ...» «2»

و هذه الكلمات تعرب

عن تسلّم الأصحاب و لكن جلّ ما ورد من الروايات أو كلّها ضعاف، لكن تلقاها الأصحاب بالقبول:

1- روى ابن أبي عمير عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه في رجل يعبث بالغلام قال: «إذا أوقب حرمت عليه ابنته و أُخته» و في حديث بهذا السند في رجل يأتي أخا امرأته فقال: «إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة». «3»

و الوارد في الواطئ لفظ الرجل، و في الموطوء الغلام، و بما أنّ التحريم من باب العقوبة يكون المفهوم هو عموم الحكم للصغير و الكبير في جانب الموطوء، إنّما الكلام في جانب الواطئ فهل يعمّ الصغير أو لا؟ اختار المحقّق الثاني الأوّل قائلًا بأنّ النص خرج مخرج الغالب و أنّ هذا الفعل إنّما يقع غالباً من البالغ، و لأنّه بعد البلوغ يصدق عليه أنّه رجل أوقب غلاماً «4» و الكلّ كما ترى، لما عرفت من أنّ التحريم لأجل العقوبة، و الصبيّ غير مكلّف بشي ء، حتّى تصحّ عقوبته، اللّهمّ إلّا أن يقال: الحكم الوضعي يشمل المكلّف و غيره، فالأحوط هو عموم الحكم

______________________________

(1) الجواهر: 29/ 447.

(2) المغني: 7/ 484.

(3) إلى غير ذلك من الروايات، لاحظ الجزء 14، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، 2 إلى آخر الباب و لا يتجاوز عن سبعة أحاديث.

(4) جامع المقاصد: 45، كتاب النكاح، المطبوع في آخر القواعد مستقلًا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 399

للصغير في جانب الواطئ أيضاً.

و لأجل ذلك يقول السيّد الاصفهاني: من لاط بغلام فأوقبه و لو ببعض الحشفة حرمن عليه أُمّ الغلام و إن علت و بنته و إن نزلت و أُخته من غير فرق بين كونهما صغيرين أو كبيرين أو مختلفين، و لا تحرم

على المفعول أُمّ الفاعل و بنته و أُخته على الأقوى.

و الأُمّ و البنت و الأُخت الرضاعيات للمفعول كالنسبيات. «1»

هذا و استفادة جميع ما جاء في كلامه من الروايات يحتاج إلى لطف قريحة.

أمّا كفاية إيقاب بعض الحشفة فلصدقه بإيقاب البعض، لأنّه بمعنى الدخول و الإدخال، و إن كان الغسل لا يجب إلّا بإدخال الجميع و لا ملازمة بين الحكمين لاختلاف لسان الدليلين فقد جاء في الثاني غيبوبة الحشفة المتوقف صدقها على دخول جميعها بخلاف المقام فإنّ الموضوع الإيقاب و هو يعمّ الكل و البعض، و أمّا عمومية المحرّمات للعاليات و السافلات فلصدق العناوين على الجميع، و ادّعاء أنّ المتبادر هو المتصلات لا المنفصلات، لو صحّ فإنّما هو تبادر بدئي، كيف و الأحكام المترتبة على العناوين، في أبواب النكاح، و الطلاق و الميراث مترتبة على الأعم من المتصل و المنفصل.

و أمّا عموم الحكم للرضاعيات فلإطلاق القاعدة في بابه كما لا يخفى. نعم عمومه للميّت، محل تأمّل و إن كان الأحوط، الاجتناب.

نعم لا يحرم على الموطوء بسبب ذلك شي ء، لكن نقل ابن سعيد قولًا في الجامع كما مرت و به رواية ضعيفة. «2»

______________________________

(1) وسيلة النجاة: فصل القول في المعاهدة، المسألة 24.

(2) ابن سعيد: الجامع للشرائع/ 434. لاحظ الوسائل 14، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة ح 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 400

نعم خصّ الأصحاب التحريم بما إذا كان العمل سابقاً، و أمّا إذا كان طارئاً على التزويج فلا يوجب الحرمة و بطلان النكاح، قال المحقّق: و لا تحرم إحداهنّ لو كان عقدها سابقاً، للعمومات على القول بالإطلاق الأحوالي لها، أوّلًا، و استصحاب الحلّية ثانياً، و انصراف الروايات إلى غير الطارئ، ثالثاً، نعم في

رواية ابن أبي عمير: «إذا أوقبه فقد حرمت عليه المرأة» «1» و لا يمكن الاعتماد عليها، لأنّه رواها أيضاً بعبارة غيرها و هي: حرمت عليه ابنته و أُخته. 2 و إذا تعدّد النقل فلا يصلح الاعتماد على النقل الخاصّ. نعم الظاهر مما مرّ من عبارة ابن سعيد عمومية الحكم حيث قال: «انفسخ نكاحها».

المسألة الخامسة: عقد المحرم على امرأة
اشارة

اتّفقت كلمة الأصحاب على أنّ عقد المحرم على امرأة باطل، إنّما الكلام في تحريمها عليه أبداً، فهناك أقوال:

أ: بطلان العقد فقط

يظهر ذلك من الصدوق في مقنعه، و الشيخ في خلافه:

1- قال الصدوق: «و ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوِّج محلًا فإن زوّج أو تزوّج فتزويجه باطل. فإن ملك رجل بضع امرأة و هو محرم قبل أن يُحِلَّ، فعليه أن يخلّي سبيلها و ليس نكاحه بشي ء، فإذا أحلّ خطبها إن شاء فإن شاء أهلها زوّجوه، و إن شاءوا لم يزوّجوه، فإذا تزوّج المحرم امرأة فرّق بينهما، و لها المهر إن كان دخل بها». 3 فقوله: «فإن شاء أهلها زوّجوه ...» صريح في نفي التحريم المؤبّد.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 15 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2 و 1.

(2) 3 المقنع: 75، و ما ذكر مطابق لما نقله محمّد بن قيس عن أبي جعفر و سيوافيك نصّه. و لكن المنقول

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 401

2- قال الشيخ في الخلاف: «إذا تزوّج المحرم فنكاحه باطل و كذلك إن كان محلًا و هي محرمة أو كانا محلّين و الوليّ محرماً، فالنكاح باطل و به قال الشافعي و قال أبو حنيفة: النكاح صحيح ...» «1» و الاستظهار مبني على سكوته من التحريم المؤبد و لعلّه لم يكن إلّا في مقام بيان أصل التحريم، مقابل من يقول بالصحّة مثل أبي حنيفة، و أمّا التحريم المؤبد فلم يكن بصدد بيانه.

ب: التفصيل بين العلم بالحرمة و الجهل لها فيحرم في الأوّل دخل أم لم يدخل دون الثاني كذلك

3- قال المفيد: «و من عقد على امرأة و هو محرم مع العلم بالنهي عن ذلك، فرِّق بينهما و لم تحلّ له أبداً». «2»

4- قال المرتضى: «و ممّا انفردت به الإمامية القول بأنّ من تزوّج امرأة و هو محرم عالماً بأنّ ذلك محرّم عليه بطل نكاحه و لم تحلّ له المرأة أبداً. و هذا

لم يوافقه فيه أحد من الفقهاء، و لأنّ الشافعي و مالكاً و إن أبطلا نكاح المحرم و جوّز ذلك أبو حنيفة فانّهما لا يقولان إنّه إذا فعل ذلك على بعض الوجوه حرمت عليه المرأة أبداً». «3»

5- قال الشيخ في النهاية: «و إذا عقد المحرم على امرأة و هو عالم فانّ ذلك محرم فرِّق بينهما و لم تحل له أبداً، فإن لم يكن عالماً بذلك فرّق بينهما، فإذا أحلّا و أرادا أن يستأنفا العقد فعلا و ليس عليهما شي ء». «4»

______________________________

عنه في الحدائق يخالف ذلك و إليك نصّ المنقول: «و لا يجوز للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج المحلّ و إذا تزوّج، في إحرامه فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً». الحدائق: 23/ 606.

(1) الخلاف: 4/ 345، المسألة 123.

(2) المقنعة: 501.

(3) الانتصار: 97.

(4) النهاية: 453.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 402

6- و قال ابن البرّاج: «و إذا عقد المحرم على امرأة و هو عالم بتحريم ذلك فرّق بينهما و لم تحلّ له أبداً و إن لم يكن عالماً بهذا التحريم فرّق بينهما و جاز له العقد عليها بعد الإحلال». «1»

7- و قال ابن حمزة: «... و المعقود عليها في العدّة أو حال الإحرام من الرجل و هو عالم بتحريمه دخل بها أو لم يدخل». «2»

8- و قال المحقّق: «إذا عقد المحرم على امرأة عالماً بالحرمة حرمت عليه أبداً و لو كان جاهلًا فسد عقده و لم تحرم». «3»

ج: التحريم مطلقاً مع العلم بالتحريم و مع الدخول عند الجهل

و يظهر من لفيف من الأصحاب التحريم المؤبّد مع العلم بالحرمة دخل بها أو لم يدخل و مع الدخول عند الجهل بالحرمة.

9- قال الحلبي: «و المعقود عليها في إحرام معلوم، و المدخول بها فيه على كلّ

حال». «4»

10 و قال ابن إدريس: «و محرّم أيضاً على التأبيد، المعقودُ عليها في عدّة معلومة أيّ عدّة كانت أو إحرام معلوم، و المدخول بها فيهما على كلّ حال سواء كان عن علم أو جهل بحالهما». «5»

1- 1 و قال ابن سعيد: «و للعاقد على المرأة في عدّة أو إحرام، و لم يدخل بها غير عالم لعدّتها و تحريمها لإحرام، العقدُ عليها بعد العدّة و الإحلال». «6»

______________________________

(1) المهذّب: 2/ 183.

(2) الوسيلة: 292.

(3) الجواهر: 29/ 450، قسم المتن.

(4) الكافي: 286.

(5) السرائر: 2/ 525.

(6) الجامع للشرائع: 429، و دلالته حسب مفهوم القيود المأخوذة في عبارته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 403

12- قال في الحدائق: «و نقل في المنتهى إجماع الفرقة على الحكمين المذكورين أعني حكمي العالم و الجاهل و أسنده في التذكرة إلى علمائنا مؤذناً بدعوى الإجماع عليه». «1»

ثمّ إنّ صاحب الحدائق نقل عن الصدوق و سلّار أنّهما أطلقا التحريم من غير فرق بين العالم و غيره، و لكن الموجود في المقنع هو الاكتفاء بأصل التحريم من دون تصريح أو إيعاز إلى التحريم المؤبّد.

و قال ابن رشد: و اختلفوا في نكاح المحرم فقال مالك و الشافعي و الليث و الأوزاعي و أحمد: لا يَنكح المحرم و لا يُنكح فإن فعل فالنكاح باطل و هو قول عمر ابن الخطّاب، و علي و ابن عمر و زيد بن ثابت، و قال أبو حنيفة: لا بأس بذلك و سبب اختلافهم تعارض النقل في هذا الباب. «2»

أقول: إنّ اختلاف أقوال علمائنا يرجع إلى اختلاف الروايات فانّها على أصناف.

الأوّل: ما يدلّ على بطلان النكاح فقط و يسكت عن التحريم المؤبّد و ذلك كصحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي

عبد اللّه عليه السّلام: «ليس للمحرم أن يتزوّج و لا يزوّج فإن تزوّج أو زوّج محلًا فتزويجه باطل». «3» و لا يمكن عدّ هذه الروايات مخالفاً لما عليه المشهور، لأنّ غايتها هو السكوت عن التحريم المؤبد و هو لا يعارض مع ما دلّ عليه مطلقاً أو عند العلم فهذا الصنف من الروايات لا يصلح

______________________________

(1) الحدائق: 23/ 602.

(2) بداية المجتهد: 2/ 4645.

(3) الوسائل: 9، الباب 14 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1 و بهذا المضمون الحديث 2، 3، 4، 6، 7، 9 و 10، و الجزء 14، الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2 و 3، و أمّا الحديث 8 أي رواية المفضل فليس ظاهراً في الحلّية، لأنّه يدلّ على الجواز قبل الإحرام، أي يتزوّج قبل الإحرام لصيانة نفسه عن الحرام، و هو خارج عن الموضوع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 404

للاحتجاج على الخلاف بل هي دالّة على القدر المتيقن بين أكثر الأُمة غير أبي حنيفة.

الثاني: ما يدلّ على الجواز بعد الخروج عن الإحرام مطلقاً كصحيحة محمّد ابن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في رجل ملك بضع امرأة و هو مُحْرِم قبل أن يحلّ، فقضى أن يخلّي سبيلها و لم يجعل نكاحه شيئاً حتى يُحلّ، فإذا أحلّ خطبها إن شاء فإن شاء أهلها زوّجوه و إن شاءوا لم يزوّجوه» «1» و مقتضى إطلاقه الجواز، علم أو لم يعلم، دخل أم لم يدخل و لكنّه حجّة إذا لم يكن هناك مقيّد كما سيوافيك.

الثالث: ما يدلّ على التحريم المؤبّد مطلقاً، من غير فرق بين العلم و الجهل و الدخول و عدمه و لم نجد قائلًا

به سوى ما نقله البحراني عن الصدوق و سلّار و لا يتجاوز الدالّ عن حديثين:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 404

1- خبر أديم بن الحرّ الخزاعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرّق بينهما و لا يتعاودان أبداً». «2»

2- خبر إبراهيم بن الحسن عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إنّ المحرم إذا تزوّج و هو محرم فرق بينهما ثمّ لا يتعاودان أبداً». «3»

و حكمه حكم القسم الثاني فانّ الإطلاق حجّة، إذا لم يكن هناك مقيّد و سيوافيك التقييد.

الرابع: ما يدلّ على التفصيل بين العلم و الجهل فيحرم في الأوّل دون الثاني و فيه حديثان:

______________________________

(1) الوسائل: 9، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 3.

(2) الوسائل: 9، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 1 و لاحظ رقم 4 من هذا الباب.

(3) الوسائل: 9، الباب 15 من أبواب تروك الإحرام، الحديث 2 و لاحظ رقم 4 من هذا الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 405

1 خبر زرارة بن أعين و داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الملاعنة إذا لاعنها زوجها لم تحلّ له أبداً إلى أن قال: و المحرم إذا تزوّج و هو يعلم أنّه حرام عليه لم تحلّ له أبداً». «1»

2- خبر عبد اللّه بن بكير عن أديم بياع الهروي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام بهذا المتن أيضاً. «2»

و صناعة الفقه تقتضي تقييد الصنفين: الثاني الدالّ على الجواز مطلقاً و الثالث الدالّ على المنع مطلقاً، بهذين الحديثين و إن

كانا خبرين فيكون المحصل هو القول الثاني أي التفصيل بين العلم و الجهل فيحرم في الأوّل مطلقاً، و لا يحرم في الثاني كذلك. و ليس للدخول و عدمه تأثير في التحريم في الموردين.

و لم يبق ما يدلّ على القول الثالث أي التفصيل في صورة الجهل بالحرمة، بين الدخول فتحرم و عدمه فلا تحرم، سوى القياس على ذات العدّة و هو كما ترى و بذلك يتجلّى قوة القول الثاني و إليه ذهب السيّد الاصفهاني في وسيلته حيث قال: «و ممّا يوجب الحرمة الأبديّة، التزويج حال الإحرام دواماً و انقطاعاً، سواء كانت المرأة محرمة أو محلّة، و سواء كان إيقاع التزويج له بمباشرته أو بتوكيل الغير محرماً كان الوكيل أو محلّا، كان التوكيل قبل الإحرام أو حاله. هذا مع العلم بالحرمة، و أمّا مع جهله بها و إن بطل النكاح في جميع الصور المذكورة لكن لا يوجب الحرمة الأبدية». «3»

ثمّ إنّ الدليل على التحريم في جميع الصور، هو إطلاق الأدلّة، و كان عليه

______________________________

(1) الوسائل: الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، و لاحظ المستدرك: 2/ 581، الباب 32 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) الوسائل: الباب 31 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1، و لاحظ المستدرك: 2/ 581، الباب 32 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(3) وسيلة النجاة، فصل القول في الكفر، المسألة 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 406

أن يذكر أيضاً عدم الفرق بين وقوع العقد في أثناء الإحرام الصحيح أو بعد إفساده، و ذلك لأنّه يعامل مع الإحرام الفاسد، معاملة الصحيح في باب الحجّ.

نعم، المراد من العقد، هو العقد الصحيح الذي لو لا الإحرام لترتّب عليه

جميع الأحكام دون العقد الفاسد، فلا عبرة بالعقد على المحارم، و لا بنكاح الشغار، و لا بالنكاح في العدّة أو ذات البعل، و ذلك لأنّ المتبادر من الروايات هو ذلك، فحرّمها الشارع إرغاماً.

و أمّا إذا كانت المرأة محرمة دون الرجل فلا شكّ عدم دخولها في متبادر الروايات اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ التحريم المؤبّد من أحكام الإحرام المفروض اشتراكه بين الرجل و المرأة إلّا ما خرج بالدليل، و لأجل ذلك قوّاه السيّد الاصفهاني في وسيلته قال: «لو كانت المرأة محرمة عالمة بالتحريم و كان الزوج محلّا فهل يوجب الحرمة الأبدية بينهما؟ قولان أحوطهما ذلك بل لا يخلو عن قوة». «1»

«تمّ الكلام في المحرّمات بالمصاهرة و ملحقاتها».

______________________________

(1) وسيلة النجاة، فصل القول في الكفر، المسألة 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 407

الفصل العاشر: في السبب الرابع: استيفاء العدد

اشارة

1- إذا استكمل الحرائر أربعاً بالعقد الدائم حرم ما زاد بهذا العقد.

2- لا حدّ للمعقودة بالعقد المنقطع.

3- إذا استوفي العدد فطلّق، فهل يجوز تزويج الرابعة في عدتها؟

4- إذا طلّق زوجته و أراد تزويج أُختها قبل انقضاء العدّة من دون أن تكون خامسة.

5- إذا انتهى أجل المرأة و أراد أن يتمتع بأُختها.

6- إذا طلّق إحدى الأربع بائناً و تزوّج اثنتين.

7- حكم المطلّقة ثلاثاً.

8- حكم المطلّقة تسعاً عدياً.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 409

أسباب المحرمات «1» 4- استيفاء العدد

1- حرمة ما زاد على الأربع
اشارة

إذا استكمل الحرائر أربعاً بالعقد الدائم حرم عليه ما زاد بهذا العقد و لا خلاف في ذلك بين علماء الإسلام.

و الأصل فيه قوله سبحانه: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ ذٰلِكَ أَدْنىٰ أَلّٰا تَعُولُوا). «2»

و البحث في مفاد الآية من جهات:

الأُولى: في حدّ الترخيص التي تدلّ عليه الآية.

إنّ بناء مفعل و فعال من الأعداد، تدل على تكرار المادة فمعنى «مَثْنىٰ» وَ «ثُلٰاثَ» وَ «رُبٰاعَ» اثنين اثنين، ثُلاثاً ثُلاثاً، و أربعاً أربعاً و لأجل الاختصار عدل عن الأصل إلى هذين البنائين و على هذا خماس و سداس و سباع، فانّ أصلها خمسة خمسة، و هكذا.

و ربّما يتوهم، أنّ حدّ الترخيص هو التسع، لأنّ مفاد الجمع بين اثنين و ثلاثاً و أربعاً هو تلك فالآية ترخّص في الجمع بين هذه المراتب التي تبلغ التسع.

______________________________

(1) الأسباب الثلاثة السابقة هي: النسب و الرضاع و المصاهرة و لواحقها.

(2) النساء/ 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 410

و ربّما يتوهم، أنّ حدّ الترخيص هو الثماني عشرة، لأنّ مفاد «مثنى» هو الاثنان المضاعف أي الأربعة و مثله «ثلاث» فمفاده هو الثلاث المضاعف أي الستة فيكون مفاده هو الترخيص في الجمع بين مضاعف هذه الأعداد فيبلغ إلى ثماني عشرة:

و ما توهّم لا أساس له، لأنّ القرآن كتاب الهداية و ليس كتاب اللغز فلو كان حدّ الترخيص ما ذكر لكان عليه أن يذكر عدد التسع أو الثماني عشر.

أضف إليه أنّ الواو للتفصيل لا للجمع و لا للتخيير، و الخطاب لعموم الناس و بما أنهم مختلفون من حيث الإمكانات المالية و البدنية رخّص هذه المراتب ليختار كلٌّ، ما

هو الميسور له، نظير قولنا: الكلمة اسم، و فعل، و حرف.

و ثاني الوهمين أوضح بطلاناً، و الشاهد عليه أنّه إذا قال قائل: جاء القوم اثنين اثنين، ثلاثاً ثلاثاً، لا يتوهم منه إلّا مجيئهم بصورة الاثنين أو الثلاث، لا الأربعة و الستة.

الثانية: في دلالة الآية على تحريم ما زاد على الحدّ،

و دلالتها واضحة بعد كونها في مقام تحديد الزواج من حيث الكثرة و القلّة، فحكم بالجواز عند إمكان إقامة العدل إلى أربعة و عدمه عند عدم إمكانه، فلو كان الزائد عليه جائزاً لكان عليه البيان، و هذا غير الاستدلال بمفهوم العدد، حتّى يقال ليس للعدد مفهوم.

أضف إلى ذلك، كون الحكم من ضروريات الفقه و الشريعة و قد تضافرت الأخبار من العامة و الخاصة على التحريم.

روى البيهقي: أنّ رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال لغيلان بن سلمة و تحته عشرة نسوة: «أمسك أربعاً و فارق سائرهن». «1»

______________________________

(1) السنن الكبرى: 7/ 181، باب من يسلم و عنده أكثر من أربع نسوة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 411

و قد روي بسند صحيح عن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «لا يجمع ماءه (الرجل) في خمس». «1» و غيره.

و يمكن الاستدلال له بما ورد في الأبواب التالية:

1- أنّ من كان عنده أربع نسوة فطلّق واحدة رجعياً لم يجز تزويج أُخرى دواماً حتى تنقضي عدّة المطلّقة.

2- من تزوّج خمساً في عقد واحد وجب أن يخلّي سبيل واحدة منهنّ.

3- من كان له ثلاث نسوة فتزوّج عليهنّ اثنتين في عقد. إلى غير ذلك من الأبواب.

الثالثة: في إعراب «مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ»

فالظاهر أنها منصوبة لأجل البدلية عن «ما طاب» أو على الحالية، و أمّا كونها غير منصرفة فلأجل العدول و الوصفية فانّ «مثنى» معدول عن «اثنين اثنين».

الرابعة: لا شكّ أنّه لا بدّ من وجود رابطة بين الشرط و الجزاء،

فما هي الرابطة بين قوله سبحانه: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ) و قوله: (فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ)؟ و تظهر حقيقة الأمر بالتأمّل في قوله سبحانه: (وَ يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسٰاءِ قُلِ اللّٰهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَ مٰا يُتْلىٰ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتٰابِ فِي يَتٰامَى النِّسٰاءِ اللّٰاتِي لٰا تُؤْتُونَهُنَّ مٰا كُتِبَ لَهُنَّ وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدٰانِ وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتٰامىٰ بِالْقِسْطِ وَ مٰا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّٰهَ كٰانَ بِهِ عَلِيماً). «2»

فإنّ قوله سبحانه: (وَ تَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) حاك عن الرغبة في نكاحهنّ لا الإعراض عنهنّ، و لمّا كان نكاحهنّ مظنّة التجاوز إلى أموالهم أمر سبحانه في هذه الآية بالقيام لليتامى بالقسط و قال: (وَ أَنْ تَقُومُوا لِلْيَتٰامىٰ بِالْقِسْطِ)؟ و أمّا

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب استيفاء العدد، الحديث 1.

(2) النساء/ 127.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 412

المراد من قوله سبحانه: (لٰا تُؤْتُونَهُنَّ مٰا كُتِبَ لَهُنَّ) مجمل و لعلّ المراد لا تؤتونهنَّ صداقهنّ.

إذا عرفت ذلك تقف على ارتباط الجزاء بالشرط في الآية المباركة إذ معنى قوله: (وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ) أي النساء الصغار بالتجاوز إلى حقوقهم و أموالهم فانصرفوا عنهنّ إلى غيرهنّ من النساء لخلوهنّ عن هذه المظنّة فانكحوهنّ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ. هذا تمام الكلام في المسألة و هي من الوضوح بمكان.

2- لا حدّ للمعقودة بالعقد المنقطع
اشارة

و له أن ينكح بالعقد المنقطع ما شاء و كذا بملك اليمين، لا خلاف بين علماء الإسلام في عدم الحدّ لملك اليمين و التحليل و أمّا المعقودة بالعقد المنقطع، فأهل السنّة يحرّمونه من رأس إلّا من شذّ منهم، و أمّا الشيعة فهم على الجواز و عدم النسخ إنّما الكلام

في كونه محدّداً كالعقد الدائم. و إليك الأقوال:

المشهور أنّه لا ينحصر عدد المتمتع بهنّ فله أن يزيد على أربع على كراهية، و نقله ابن إدريس إجماعاً. و قال ابن البرّاج في كتابيه معاً: «و لا يجوز للمتزوّج متعة أن يزيد على أربع من النساء و قد ذكر أنّ له أن يتزوّج ما شاء، و الأحوط ما ذكره». «1»

و لا يخفى أنّ ما ذهب إليه ابن البرّاج هو الموافق للكتاب لقوله سبحانه: (مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ) و المتعة عندنا نكاح و زواج فعموم الكتاب محكم إلّا أن يدلّ دليل على التخصيص.

احتجّ المشهور للجواز بروايات بعد القول بانصراف الآية عن المنقطع،

______________________________

(1) المختلف: 11، الفصل الخامس في نكاح المتعة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 413

و وجه الانصراف أنّ الآية تبحث عن العدالة بين النساء أي ذات حقوق منهم في النفقة و القسم و المضاجعة، و الجميع منتف في مورد المتعة لأنها بمنزلة الاستئجار يجوز للمرء أن يتركها و لا يطلب حقوقها منها و ليس لها أيّ حقّ سوى الأُجرة فالآية منصرفة عن موردها.

الاستدلال بالروايات

استدل القائلون بالجواز بروايات متضافرة، تبلغ العشر نذكر الصحيح منها:

1- ما رواه الكليني عن الحسين بن محمّد عن أحمد بن إسحاق عن بكر بن محمّد قال: سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتعة أ هي من الأربع؟ فقال: «لا». «1»

قال الشهيد الثاني: في السند جهالة. فلندرس السند:

أمّا الحسين بن محمّد فهو من مشايخ الكليني، و هو الحسين بن محمّد بن عمران بن أبي بكر الأشعري القمي أبو عبد اللّه، قال النجاشي: ثقة له كتاب النوادر أخبرنا محمّد بن محمّد عن أبي غالب الرازي عن محمّد بن يعقوب الكليني عنه، و عن

المحقّق الداماد أنّه من أجلّاء مشايخ الكليني.

و أمّا أحمد بن إسحاق فهو مردّد بين الرازي و الأشعري و كلاهما ثقتان و الظاهر هو الثاني بشهادة نسخة الكافي، كما سيوافيك.

و أمّا الثالث: أعني بكر بن محمّد فالظاهر أنّ حكمه بالجهالة لأجله، و لكنّه ثقة لأنّ المراد منه هو الأزدي، ذكر النجاشي أنّه وجه من وجوه الطائفة و عمّر عمراً طويلًا، يروي عن الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السّلام.

______________________________

(1) الوسائل: 14، كتاب النكاح، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 414

و قد جاء في نسخة الكافي «1» توصيف أحمد بالأشعري و بكر بالأزدي، و لكن نسخة الوسائل المطبوعة خالية عن القيدين و لعلّ نسخة صاحب المسالك كانت مثل نسخة صاحب الوسائل فلم يتبين له المراد من «أحمد» أو «بكر» فلاحظ.

2- صحيحة علي بن رئاب، عن زرارة بن أعين، قال: قلت: ما يحلّ من المتعة؟ قال: «كم شئت». «2»

و كون الرواية موقوفة لا يضرّ للعلم بأنّه لا يسأل غير الإمام.

3- صحيحة عمر بن أُذينة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: كم يحلّ من المتعة؟ قال: فقال: «هي بمنزلة الإماء». 3

و وقوع إبراهيم بن هاشم في السند لا يضرّ، لأنّ أكثر روايات علي بن إبراهيم من أبيه، و تكثير الثقة، الروايةَ عن شخص أمارة الوثاقة، و الشكّ في وثاقته نوع وسوسة، و هو عندي فوق الثقة و قد أوضحنا حاله في مسفوراتنا الرجالية.

4- صحيحة إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟ فقال: «ألقِ عبدَ الملك بن جريج 4، فسله عنها فإنّ عنده منها علماً» فلقيته فأملى عليَّ شيئاً كثيراً في استحلالها،

و كان فيما روى لي فيها ابن جريج أنّه ليس فيها وقت و لا عدد، و إنّما هي بمنزلة الإماء يتزوّج منهنّ كم شاء و صاحب الأربع نسوة يتزوّج منهنّ ما شاء بغير وليّ و لا شهود إلى أن قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: «صدّق و أقرّ به». 5

______________________________

(1) الكافي: 5 باب إنّهنّ بمنزلة الإماء، الحديث 2.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 63.

(3) 4 و هو بالجيمين لا بالجيم و الحاء كما عليه نسخة الوسائل المطبوعة و هو من كبار المحدّثين في عصر الصادق عليه السّلام.

(4) 5 الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 128.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 415

5 ما رواه الصدوق باسناده عن الفضيل بن يسار، أنّه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة، فقال: «هي كبعض إمائك».

و في سنده إلى الفضيل، علي بن الحسين السعدآبادي و كتاب الفضيل من الكتب المشهورة المستفيضة، الغنية عن الإسناد، و ذكر الطريق إليه كان تبرّعاً محضاً لإخراجه عن الإرسال إلى الإسناد.

و هذه الروايات الخمس مضافاً إلى غيرها «1» يشرف الفقيه بالقطع بالحكم لو لا المعارض و لكن يعارضها ما يلي:

1- صحيحة عبد اللّه بن مسكان عن عمّار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، عن المتعة فقال: «هي أحد الأربعة». «2»

2- صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «اجعلوهنّ من الأربع»، فقال له صفوان بن يحيى: على الاحتياط؟ قال: «نعم» 3 و فسّره في الوسائل، بأنّ مراده الاحتياط من إنكار العامة لعدم تجويزهم الزيادة و لإنكارهم المتعة و إلّا فإنّه عليه السّلام لا

يجهل حكم المسألة فيحتاط فيها. أضف إلى ذلك نسبة الحكم إلى أبي جعفر الباقر عليه السّلام.

و يؤيّد ذلك أنّه ذكر لأبي الحسن أنّه حكى زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: إنّما هي مثل الإماء يتزوّج ما شاء؟ فأجاب الإمام: «لا، هي من الأربع» 4. و من المعلوم أنّ زرارة من بطانة علوم الأئمّة لا يصدر إلّا عن فتياهم، كلّ ذلك يدفع الفقيه إلى توجيه هذه الروايات بنحو من الأنحاء، أضف إلى ذلك قلّة الروايات المخالفة فقد عرفت أنّه لا يتجاوز الاثنتين.

______________________________

(1) لاحظ الأرقام 2، 4، 7 من الباب 4 من أبواب المتعة.

(2) 2- 4 الوسائل: الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 10، 9، 11، و الظاهر أنّ الجميع رواية واحدة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 416

3- من استوفى العدد فطلّق واحدة ...
اشارة

من كان له من النساء أربعاً فطلّق واحدة منهنّ فأراد تزويج الرابعة قبل انقضاء عدّة المطلّقة و للمسألة صورتين:

1- إذا طلّقها طلاقاً رجعياً أو بائناً و كانت الخامسة غير أُخت المطلّقة.

2- إذا طلّقها كذلك و كانت الخامسة أُخت المطلّقة.

و إليك دراسة الصورتين:

أمّا الصورة الأُولى، فقد اتّفقت كلمتهم لتضافر النصوص على عدم الجواز إذا طلّقها رجعيّاً، و إنّما الكلام فيما إذا طلّقها بائناً فهل يكون التزويج متوقفاً على انقضاء العدّة أيضاً كما في الرجعية أو لا؟

المشهور على عدم التوقف، نعم نقل صاحب الحدائق أنّ المفيد أطلق عدم جواز العقد على الخامسة حتّى تنقضي عدّة المطلّقة «1» و لكن عبارة المقنعة صريحة فيما هو المشهور من التفصيل بين الرجعية و البائنة في الجواز في الثاني دون الأوّل قال: «و من كان عنده أربع زوجات فطلّق واحدة منهنّ، طلاق السنّة، تطليقة واحدة يملك فيها الرجعة، لم يجز له أن يعقد

على امرأة نكاحاً حتّى تخرج من العدّة، فإن خلع واحدة من الأربع أو باراها لم يحرم عليه العقد على امرأة أُخرى في الحال نكاحاً، لأنّه ليس له على المختلعة و المبارأة رجعة».

و قال «2» القاضي بعد عنوان المسألة: طلاقاً يملك فيه الرجعة حرم عليه العقد على أُخرى حتّى تنقضي عدّة المطلّقة، فإن كان الطلاق بائناً جاز له العقد على أُخرى في الحال. «3»

______________________________

(1) الحدائق: 23/ 627.

(2) المقنعة: 536.

(3) المهذّب: 2/ 186.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 417

نعم توقف الشهيد في المسالك، و سبطه في شرح النافع، و قوّى صاحب الحدائق عدم الجواز مطلقاً و إن عدل أخيراً. و احتاط في آخر كلامه.

أمّا حرمة الرجعيّة فهي إمّا مورد النصوص المانعة أو منصرفها أمّا النص فكما يلي:

1- خبر محمّد بن مسلم قال: سئل أبو جعفر عليه السّلام عن رجل طلّق امرأته واحدة ثمّ راجعها، قبل أن تنقضي عدّتها و لم يشهد على رجعتها؟ قال: «هي امرأته ما لم تنقضِ العدّة». «1»

2- و روى محمّد بن قيس قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في رجل كانت تحته أربع نسوة فطلّق واحدة ثمّ نكح أُخرى قبل أن تستكمل المطلّقة العدّة، قال: «فليلحقها بأهلها حتّى تستكمل المطلّقة أجلها». «2»

و أمّا الثاني أي منصرف إطلاق الرواية هي الرجعية. نظير:

3- موثقة ابن أبي حمزة، قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن الرجل يكون له أربع نسوة، فيطلق إحداهنّ أ يتزوّج مكانها أُخرى؟ قال: «لا، حتّى تنقضي عدّتها». 3

أضف إلى ذلك أنّ الرجعيّة بحكم الزوجة و من ثمّ لزمت نفقتها، و جاز الرجوع بمجرّد الفعل كالاستمتاع فلم يفارق الزوجة في الحكم فلا تحلّ الخامسة ما لم تنقض العدّة، من

غير فرق بين أن يلتزم شرعاً بعدم الرجوع و عدمه، لأنّ الطلاق رجعيّ و لو رجع صحّ الرجوع غاية الأمر تجب عليه الكفّارة.

4- صحيحة محمّد بن مسلم ... «فلا يتزوّج الخامسة حتى تنقضي عدّة المرأة

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 6.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 3 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 418

التي طلّقها و قال: لا يجمع ماءه في خمس» «1» و في مرسلة العياشي عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا يحلّ لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر». 2

فيما إذا كانت المطلّقة بائناً

أمّا الجواز في البائن فقد عرفت أنّه المشهور، غير أنّ صاحب الحدائق قوّى في هذا الأمر كونها كالرجعية قائلًا بإطلاق الروايات، و ليس في الباب ما يوجب التخصيص و لكن الحقّ هو الجواز لوجوه:

الأوّل: ما ورد في الروايتين حيث إنّه عليه السّلام علّل لزوم انقضاء العدّة بقوله: «لا يجمع ماءه في خمس» و قال: «لا يحلّ لماء الرجل أن يجري في أكثر من أربعة أرحام من الحرائر» و هو يعرب عن اختصاص الحكم بما أمكن للرجل وضع ماءه في أكثر من أربع، و هو لا يتحقّق إلّا في الرجعية لكون زمام أمرها بيده حيث يرجع و يجري ماءه فيها. و أمّا البائنة فهو غير متمكّن من ذلك، لانقطاع العصمة.

و لو رجعت الرابعة بعد العقد على الخامسة يبطل رجوعها لعدم المحل. نصّ به السيّد الطباطبائي في غير هذا الموضع أي فيما إذا تزوّج بإحدى الأُختين ثمّ طلّقها طلاقاً بائناً، جاز له نكاح الأُخرى و قال: «و

الظاهر عدم صحّة رجوع الزوجة في البذل عند تزويج أُختها كما سيأتي في باب الخلع». 3

الثاني: ما يستفاد من خبر سنان بن طريف عن أبي عبد اللّه عليه السّلام من أنّ الميزان، هو بقاء العصمة و عدمه فلا يجوز في الأوّل قال: سئل عن رجل كنّ له ثلاث نسوة ثمّ تزوّج امرأة أُخرى فلم يدخل بها ثمّ أراد أن يعتق أمة و يتزوّجها؟

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1 و 4.

(2) 3 العروة الوثقى: باب المحرّمات بالمصاهرة، المسألة 48.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 419

فقال: «إن هو طلّق التي لم يدخل بها فلا بأس أن يتزوّج أُخرى من يومه ذلك، و إن طلّق من الثلاث النسوة اللائي دخل بهنّ لم يكن له أن يتزوّج امرأة أُخرى حتّى تنقضي عدّة المطلّقة». «1»

فالتفكيك بين الصورتين بين طلاق المدخولة و طلاق غيرها يشهد بأنّ المقياس بقاء العصمة و عدمه، فبما أنّ غير المدخولة، انقطعت عصمتها مع الزوج يجوز عقد الخامسة عليها بخلاف المدخولة فلا يجوز، و في ضوء تلك الضابطة تكون المدخولة التي انقطعت عصمتها، كغير المدخولة.

الثالث: ما ورد في تزويج الأُخت بعد طلاق الزوجة فانّه و إن كان ساكتاً عن كون الأُخت خامسة كما سيجي ء إلّا أنّها تفصِّل بين بقاء العصمة و عدمه. كلّ ذلك يفيد الاطمئنان بانصراف المطلّقات إلى الرجعية أو تقيّدها بالرجعية لأجل هذه الوجوه الثلاثة، و قد تلقّى المحدّث البحراني، الأمر الثالث كونه أشبه بالقياس و قال: «إنّه لا يخرج عن القياس الممنوع» و الظاهر أنّه من باب تنقيح المناط الذي يساعده العرف بعد ملاحظة الأدلّة المذكورة.

و أقصى ما يمكن هو الحمل

على الكراهة في مورد الانقطاع و خروج الأجل كالطلاق البائن، و يؤيّده صحيح وهيب بن حفص (الظاهر أنّ المراد هو الجريري الثقة) عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل له أربع نسوة فطلّق واحدة يضيف إليهنّ أُخرى؟ قال: «لا، حتّى تنقضي العدّة» فقلت: من يعتدّ؟ فقال: «هو» قلت: و إن كان متعة؟ قال: «و إن كان متعة». 2

الصورة الثانية: أعني ما لو كانت له أربع و طلّق واحدة و أراد نكاح أُختها، فالمشهور التفصيل بين الرجعية و المختلعة بعدم الجواز في الثانية دون الأُولى بائناً.

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 14، الباب 3 من أبواب استيفاء العدد، الحديث 64.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 420

قال السيد الطباطبائي في العروة الوثقى: «و لو كانت الخامسة أُخت المطلّقة فلا إشكال في جواز نكاحها قبل الخروج عن العدّة البائنة لورود النصّ فيه معلّلًا بانقطاع العصمة».

يلاحظ عليه: أنّ مورد النص هو تزويج الأُخت قبل خروج عدّة المطلّقة، من دون تعرّض بكونها خامسة فهو ظاهر في تزويج الأُخت مكان الأُخت، فقط، و ساكت عن كونها خامسة أو ثانية لو لم تكن ظاهراً في الثانية اللّهمّ إلّا أن يكون مراده من النص، الإطلاق.

و مع ذلك كلّه أنّ الناظر في الروايات، يقف على أنّ العلّة المجوّزة و المانعة هو انقطاع العصمة و عدمه و أمّا كونها ثانية أو خامسة فليس بمؤثر.

و إذا بلغ الكلام إلى هنا فلنذكر في المقام ما له صلة بما تقدم و إن لم يكن من أقسام استيفاء العدد.

4- إذا طلّق زوجته و أراد تزويج أُختها

إذا طلّق زوجته و أراد تزويج أُختها من دون أن تكون خامسة، فقد ورد النصّ على التفصيل بين كونها رجعية أو بائنة

أعني صحيحة أبي بصير المرادي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل اختلعت منه امرأته أ يحلّ له أن يخطب أُختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة؟ قال: «نعم، قد برئت عصمتها منه و ليس له عليها رجعة» و بهذا المعنى روايات. «1»

5- إذا انتهى أجل المرأة و أراد التمتع بأُختها

إذا انتهى أجل المرأة، و أراد أن يتمتع بأُختها، فهل يكون حكم الأُولى

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 48، من أبواب العدد، الحديث 1، و لاحظ الحديث 2، 4، 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 421

كالمطلّقة خلعاً أو مباراة لانقطاع عصمة المتمتع بها بعد انقضاء أجلها و إن كانت العدّة عليها واجبة؟

قال العلّامة في المختلف: يجوز للرجل بعد انقضاء أجل المتعة التزويج بأُختها و إن لم تنقض عدّتها على الأشهر بين علمائنا. و قال الصدوق: فإذا انقضى أجلها فهي فرقة بغير طلاق فإذا أحبّ أن يتزوّج أُختها لا تحلّ له حتّى تنقضي عدّتها. و تبعه الكيدري.

احتجّ العلّامة أنّها فرقة بائن فأشبهت المطلّقة ثلاثاً و غيرها من البوائن و التي لا تحلّ له حتّى يعقد عليها عقداً مستأنفاً، فساغ التزويج بالأُخت كالنكاح الدائم. «1»

أقول: مقتضى الضابطة المتقدّمة هو الجواز لو لم يكن هنا مخصّص لها و لأجله ذهب الصدوق إلى المنع و ذلك لأجل الرواية التالية:

روى الكليني عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن إسماعيل بن مرار، عن يونس قال: قرأت كتاب رجل إلى أبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة متعة إلى أجل مسمّى فينقضي الأجل بينهما هل يحلّ له أن ينكح أُختها من قبل أن تنقضي عدّتها؟ فكتب: «لا يحلّ له أن يتزوّجها حتّى تنقضي عدّتها».

و رواه الصدوق باسناده عن القاسم بن محمّد الجوهري عن علي

بن أبي حمزة قال: قرأت في كتاب رجل إلى أبي الحسن ....

و رواه الشيخ باسناده عن الحسين بن سعيد قال: قرأت في كتاب رجل أنّ أبي الحسن الرضا عليه السّلام.

و رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره قال: قرأت في كتاب رجل أنّ أبي

______________________________

(1) المختلف: الفصل الخامس: في نكاح المتعة، ص 13.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 422

الحسن الرضا عليه السّلام. «1»

و في سند الكليني «إسماعيل بن مرار» و هو يروي عن يونس بن عبد الرحمن و يروي عنه إبراهيم بن هاشم، و مع ذلك لم يرد في حقّه توثيق.

و في سند الصدوق: «القاسم بن محمّد الجوهري» و هو من أصحاب الكاظم عليه السّلام واقفي كوفي الأصل لم يوثق.

نعم سند الشيخ إلى الحسين بن سعيد، صحيح في الفهرس و المشيخة، و ما رواه أحمد بن محمّد بن عيسى في نوادره صحيح غير أنّ الكلام في كون النوادر المطبوع، كتابه.

و هذا النص الصريح المؤيّد بطرق مختلفة يصدّ الفقيه عن التمسك بالضابطة المستفادة و هو يعدّ مخصصاً لها و لأجل ذلك يقول السيد الطباطبائي في العروة: «نعم لو كان عنده إحدى الأُختين بعقد الانقطاع و انقضت المدّة لا يجوز له على الأحوط نكاح أُختها في عدّتها و إن كانت بائنة للنص الصحيح. و الظاهر أنّه كذلك إذا وهب مدّتها و إن كان مورد النص انقضاء المدّة». «2»

فظهر أنّه، إذا تزوّج بإحدى الأُختين دائماً، فطلّقها ففيه التفصيل بين الرجعية و البائنة، و أمّا إذا تزوّجها متعة و انقضت المدّة فلا يجوز تزويج أُختها ما لم تنقض العدّة و إن كانت أشبه بالبائنة.

6- إذا طلّق إحدى الأربع بائناً و تزوّج اثنتين

إذا طلّق إحدى الأربع بائناً و تزوّج اثنتين، فإن سبقت إحداهما

كان العقد لها لعدم مشروعية الخامسة. و إن اتّفقا في حالة قال المحقّق: بطل العقدان، و روى

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 27، من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) العروة الوثقى: فصل المحرّمات بالمصاهرة، المسألة 48.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 423

أنّه يتخيّر، و في الرواية ضعف.

قال العلّامة في المختلف: لا يجوز الجمع بين الأُختين في العقد، و لا بين الخمس، و لا بين الاثنين و عنده ثلاث إجماعاً، فإن فعل دفعة قال الشيخ: يتخيّر في أيّ الأُختين شاء و كذا في الزائد على الأربع. و هو قول ابن جنيد و ابن البرّاج، و قال ابن إدريس: يبطل العقد، و به قال ابن حمزة و المعتمد هو الأوّل.

أمّا وجه البطلان، فلأنّ صحّة الجميع غير ممكنة و المعيّنة منها، ترجيح بلا مرجّح، و الواحد لا بعينها ليست موجودة في الخارج، هذا.

أمّا وجه الصحّة على ما أفاده العلّامة فلأنّ المقتضي للإباحة ثابت إذ العقد عليهما عقد على كلّ واحد منهما، و أمّا انتفاء المعارض فلأنّه ليس إلّا انضمام العقد على الأُخت الأُخرى (أو المرأة الأُخرى) لكنّه لا يقتضي تحريم المباح كما لو جمع بين محرّمة عيناً و محلّلة عيناً في عقد واحد، و كما لو جمع بين المحلّل و المحرّم في البيع و لا فرق إلّا الإطلاق و التعيين. «1»

و يلاحظ عليه: بالفرق بين المقيس و المقيس عليه، فإنّ المحلّلة و المحرّمة في المثال الأوّل و ما يجوز و ما لا يجوز العقد عليه في المثال الثاني متعيّن بالذات فلا يخل ضمّ المحرّمة و ما لا يجوز، إلى المحلّل و ما يجوز، بخلاف المقام فانّ كلّا من المرأتين يجوز العقد عليهما فيأتي ما ذكر

وجهاً للبطلان من أنّ صحّة الجميع غير ممكنة ... الخ.

و يمكن استظهار الصحّة من الروايات التالية:

1- ما دلّ على أنّ الكافر إذا أسلم و له نساء أكثر من خمس يختار الأربع و يترك سائرهنّ، فعن عقبة بن خالد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في مجوسي أسلم

______________________________

(1) المختلف: كتاب النكاح، ص 78.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 424

و له سبع نسوة و أسلمن معه كيف يصنع؟ قال: «يمسك أربعاً و يطلّق ثلاثاً، أي يفارق». «1»

يلاحظ عليه: أنّ زواج الكافر أزيد من أربع بحكم أنّ لكلّ قوم نكاحاً انعقد صحيحاً، ابتداء، و إذا أسلم، يصدّه الإسلام على البقاء عليه فخيّره بين إمساك الأربع و إطلاق الباقية و هذا بخلاف عقد المسلم على الخمس فهو باطل ابتداءً فكيف يصح بالتخيير.

2- ما يدلّ على أنّه لو عقد على الأُختين أو الخمس فهو على التخيير مثل ما رواه الصدوق عن جميل بن دراج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: في رجل تزوّج أُختين في عقدة واحدة؟ قال: «يمسك أيّتهما شاء و يخلي سبيل الأُخرى» و قال في رجل تزوّج خمساً في عقدة واحدة: «يخلي سبيل أيّتهنّ شاء». و قد جمعهما الصدوق في رواية واحدة و لعلّهما صدرتا من الإمام كذلك فتكون الرواية مسندة لا إرسال فيها و أمّا الكليني فقد فرّقهما على بابين. «2» و روى الأُولى في باب عن جميل عن بعض أصحابه و الأُخرى في باب آخر عن جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و عندئذ يحتمل سقوط «عن بعض أصحابه» عن قلمه في النقل الثاني فتكون مرسلة، و يدلّ على كونهما رواية واحدة اجتماعهما في رواية الصدوق و بذلك يحتمل تطرّق

الإرسال في سند الصدوق أيضاً.

3- ما دلّ على أنّه يصحّ من ابتدأ باسمها دون من أخّره، رواه عنبسة بن مصعب «3» و الاستدلال به مشكل لأنّ عنبسة واقفي من الضعفاء و هو غير عنبسة

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

(2) الكافي: 5 من باب الجمع بين الأُختين، الحديث 2 و باب الذي عنده أربع، الحديث 5، ص 330329 و الوسائل: 14، الباب 25 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، و الباب 4 من أبواب استيفاء العدد: 1.

(3) الوسائل: الباب 5 من أبواب استيفاء العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 425

ابن بجاد العابد الثقة، و احتمال اتحادهما ضعيف، و على فرض صحّة الرواية لا تصلح سنداً للصحة في جميع الصور لأنّ منها العقد على الاثنين معاً بلا ذكر الاسم كما إذا قال: أنكحتكما و زوجتكما أيّتها المرأتان. فالقول بالبطلان أشبه و طريق الاحتياط معلوم.

7- حرمة المطلّقة ثلاثاً
اشارة

إذا استكملت الحرّة ثلاث طلقات لم ينكحها بينهما زوج آخر، حرمت على المطلّق، حتى تنكح دواماً زوجاً غيره و تذوق عسيلته و يذوق عسيلتها. و اتّفقت كلمات الفقهاء «1» على أنّ المطلّقة ثلاثاً لا تحلّ لزوجها إلّا بعد التزويج من غيره و تطليقه إيّاها من غير فرق بين كون الطلاق عدّياً أو سنياً، و على فرض كونه عدّياً رجع في العدة و دخل بها ثمّ طلّقها في غير طهر المواقعة أو رجع و لم يدخل بها، و طلّق و سواء عقد عليها في العدّة أو رجع عن طلاقه.

و على فرض كونه سنياً أي ما عقد عليها بعد الخروج عن العدّة سواء دخل بها و طلّق أو طلّق بلا دخول.

و من غير

فرق بين كون الطلاق خلعياً ثمّ رجعت في بذلها و رجع الزوج عن طلاقه أو بقيت على حالها، ثمّ عقد عليها، و بالجملة كلّ من جرت عليها ثلاث تطليقات لا يجوز تزويجها من الزوج الأوّل إلّا من بعد أن تنكح زوجاً غيره.

و الدليل على ذلك، قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ وَ لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلّٰا أَنْ يَخٰافٰا أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ

______________________________

(1) إلّا من شذّ كعبد اللّه بن بكير في بعض الصور و سيوافيك خلافه في المقام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 426

اللّٰهِ فَلٰا تَعْتَدُوهٰا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ). «1»

و لا يعلم وجه الدلالة إلّا بتفسير الآية جملة فجملة.

قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ).

المراد أنّ الطلاق الذي يقبل الرجوع مرّتان و ليس المراد من الرجوع هو الرجوع في خصوص العدّة، بل المراد الأعم منه و الرجوع إلى الزوجة بعد العدّة بعقد جديد و قد استعمل القرآن لفظة الرجوع فيما إذا كان الرجوع بعقد جديد قال سبحانه: (حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ). و من الواضح، أنّ الرجوع بعد الطلقة الثالثة لا يكون إلّا بالعقد الجديد.

و ربّما يحتمل، أنّ المراد من «مرّتان» هو أنّ الطلاق الصحيح ما يقع مرّة بعد أُخرى، لا مرّة واحدة فلا تقع الطلقات الثلاث في مجلس واحد، و المراد هو تفكيك الطلقات سواء كان الطلاق اثنين، أو أزيد، مثل قوله سبحانه: (فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرىٰ مِنْ فُطُورٍ* ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) «2» و المراد

كرّة بعد كرّة سواء كانت مرّتين أو أكثر: و لا يخفى أنّه تفسير بالمعنى المجازي ل «مرّتان» و لا يصار إليه إلّا بالقرينة و الظاهر العناية بتحديد الطلاق بالاثنين.

قوله سبحانه: (فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ)

يريد أنّه إذا تزوّج بعد الطلاقين يتعيّن أحد الأمرين إمّا إمساك الزوجة على وجه جميل سائغ في الشريعة لا على وجه الإضرار الذي سيأتي في الآية الثانية، أو طلاقه مرّة ثالثة و تسريحها حتّى تملك لنفسها و يتزوّج ممّن شاء و لا يكون للزوج الأوّل عليها سلطة.

______________________________

(1) البقرة/ 229.

(2) الملك/ 43.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 427

و الدليل على أنّ المراد من قوله سبحانه: (تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) هو الطلقة الثالثة، هو قوله سبحانه في الآية من تلك السورة حيث قال: (وَ إِذٰا طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) «1» غير أنّ كون التسريح في الآية الأُولى تسريحاً ثالثاً يستفاد لأجل مجيئه بعد قوله سبحانه: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ).

ثمّ إنّه حدّد سبحانه، حدّ الطّلاق الخلعي و أنّه لا يصلح إلّا إذا علما أنّه لا يكون بينهما صلح و صلاح، فعندئذ يجوز أن يقبل الرجل ما وهبت له الزوجة من صداقها. مضافاً إلى ما ورد من مراسيل العياشي. «2»

قال سبحانه: (لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّٰا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً) «من الصداق و غيره» إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه: أي لا يتحقّق بينهما تصالح و تعاون و في هذه الصورة يجوز للزوجة بذل مهرها و للزوج قبوله كما قال تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) أي ما بذلت (تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ فَلٰا تَعْتَدُوهٰا وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّٰهِ فَأُولٰئِكَ هُمُ الظّٰالِمُونَ).

ثمّ إنّه سبحانه،

صرّح بما دلّ عليه قوله: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) و قال: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يَتَرٰاجَعٰا إِنْ ظَنّٰا أَنْ يُقِيمٰا حُدُودَ اللّٰهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّٰهِ يُبَيِّنُهٰا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ). «3»

و يستفاد من الآية عدّة أُمور:

الأوّل: أنّ الموضوع للزوم المحلّل هو الطلاق الثالث: لقوله سبحانه: (فَإِنْ

______________________________

(1) البقرة/ 231.

(2) الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث، 10، 12، 13.

(3) البقرة/ 230.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 428

طَلَّقَهٰا فَلٰا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّٰى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) بعد قوله: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ) و قد عرفت أنّ قوله: (أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ) إشارة إلى التطليقة الثالثة المصرّح بها في قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا ...).

الثاني: أنّ الموضوع للحرمة هو مطلق الطلاق من غير تخصيص بالطلاق العدّي بل تعمّه و السني. سواء كان الطلاقان بائنين أو رجعيين و على الثاني سواء كان الرجوع في العدّة أو بعدها، و قد عرفت أنّ المراد من قوله تعالى: (الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ) هو مطلق الطلاق الذي يصحّ معه تجديد الرابطة بالرجوع أو العقد الجديد.

الثالث: يجب أن يكون عقد المحلِّل دائمياً لا متعة بشهادة قوله سبحانه: (فَإِنْ طَلَّقَهٰا فَلٰا جُنٰاحَ).

و ربّما يقال باستفادة لزوم الدخول من قوله تعالى: (تَنْكِحَ) فإنّه حقيقة في الوطء لكنّه مورد تأمّل، و الظاهر أنّ المراد هو العقد و إنّما يستفاد عدم كفاية المتعة من الروايات من لزوم تذوّق العسيلة.

الرابع: كما لا يجوز نكاحها دائماً بعد الطلقات الثلاث، لا يجوز نكاحها متعة أخذاً بإطلاق الآية. «1»

الاستدلال بالروايات:

الروايات الواردة في المقام على قسمين بين ما هي مطلّقة تعمّ جميع أقسام الطلاق، و واردة في مورد الطلاق

العدّي من غير دلالة على اختصاص الحكم به. أمّا الأُولى فإليك بعضها:

______________________________

(1) قد بسطنا الكلام في دلالة الآية و تفسيرها عند البحث عن أحكام الطلاق و سيوافيك إن شاء اللّه في محلّه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 429

1- صحيحة أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة التي لا تحلّ لزوجها حتى تنكح زوجاً غيره، قال: «هي التي تطلّق ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق ثمّ تراجع، ثمّ تطلّق الثالثة فهي التي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره و يذوق عسيلتها». «1»

و تتحقق المراجعة بالعقد الجديد عليها بعد خروج العدّة، أو بالعقد أو بالرجوع في الطهر من دون مس بناء على صحّة الطلقات في طهر واحد كما سيأتي في محلّه، كما سيتحقق بغيرهما أيضاً.

2- موثقة أبي بصير الأسدي بقرينة الراوي عنه و هو علي بن أبي حمزة، قال: سألته، عن الذي يطلّق ثمّ يراجع، ثمّ يطلّق ثمّ يراجع، ثمّ يطلّق؟ قال: «لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ...» «2» و مثلهما غيرهما. 3

و يؤيّده، عموم التعليل الوارد في تبيين وجه الحاجة إلى المحلّل في قوله عليه السّلام: «لئلا يوقع الناس الاستخفاف بالطلاق و لا يضاروا النساء». 4

و أمّا الثانية: ففي صحيحة أبي بصير، الحاكية لعمل الإمام عليه السّلام عند ما سئل عن الطلاق الذي لا تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره فقال: أخبرك بما صنعت أنا بامرأة كانت عندي و أردت أن أُطلقها فتركتها حتّى إذا طمثت و طهرت و طلّقتها من غير جماع و أشهدتُ على ذلك شاهدين، ثمّ تركتها حتى إذا كادت أن تنقضي عدّتها راجعتها و دخلتُ بها تركتها حتى طمثت و طهرت، ثمّ طلّقتها على طهر

من غير جماع بشاهدين. الخ. 5

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(2) 2 و 3 الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 2 و 5.

(3) 4 الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 7.

(4) 5 الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 430

و هي لا تدلّ على اختصاص الحكم بموردها.

نعم نقل عن عبد اللّه بن بكير أنّه نفى الحاجة إلى المحلِّل في الطلقة الثالثة إذا كانت الطلقات الثلاث سنية، و هي أن يطلّق على الشرائط المعتبرة ثمّ يتركها حتّى تخرج من العدّة ثمّ يتزوّجها إن شاء فلو طلّق امرأته بهذا النحو فلا يحتاج إلى محلّل بعد الثلاث لأنّ استيفاء العدّة الثالثة يهدم التحريم.

و استدل برواية زرارة «1» و قد أعرض الأصحاب عنها و ربّما أُوّلت كما في الوسائل، و على كلّ تقدير لا يعتمد عليها.

فالطلاق على وجه الإطلاق موضوع للحاجة إلى المحلِّل حتّى الطلقات الثلاث بلا مس بأن يطلّق و يراجع، ثمّ يطلّق و يراجع على القول بصحّته لصحيحة إسحاق بن عمّار. 2

8- لو طلّق امرأته تسعاً للعدّة ينكحها بينها رجلان
اشارة

لو طلّق امرأته تسعاً للعدة ينكحها بينها رجلان حرمت أبداً.

و لتوضيح الحال نقدم أُموراً:
1- هذه المسألة من متفردات الإمامية،

قال المرتضى في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية أنّ من طلّق امرأته تسع تطليقات للعدّة ينكحها بينهنّ رجلان ثمّ تعود إليه، حرمت عليه أبداً. 3

و قال الشيخ في الخلاف: إذا طلّقها تسع تطليقات للعدّة تزوّجت فيما بينها زوجين، لم تحلّ له أبداً، و هو إحدى الروايتين عن مالك و خالف جميع الفقهاء في

______________________________

(1) 1 و 2 الوسائل: 15، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 16 و 5.

(2) 3 الانتصار: 108.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 431

ذلك. «1»

المراد من الطلاق العدّي هو الطلاق الرجعي الذي يرجع الزوج عن طلاقه في عدّتها و يواقعها، كما في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث، قال: «و أمّا طلاق العدّة، الذي قال اللّه عزّ و جلّ: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ) فإذا أراد الرجل منكم أن يطلّق امرأته طلاق العدّة فلينتظر بها حتّى تحيض و تخرج من حيضها ثمّ يطلّقها تطليقة من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين و يراجعها من يومه ذلك إن أحبَّ، أو بعد ذلك بأيّام قبل أن تحيض و يشهد على رجعتها و يواقعها حتّى تحيض، فإذا حاضت و خرجت من حيضها طلّقها تطليقة أُخرى من غير جماع يشهد على ذلك ثمّ يراجعها أيضاً متى شاء قبل أن تحيض، الخ». «2»

و بعبارة أُخرى: واقعها بعد كلّ رجعة و طلّقها في طهر آخر غير طهر المواقعة، و هكذا تسع مرّات يتخلل بينها نكاح محلّل.

و على ذلك فالطلاق ينقسم إلى بائن و رجعي، و الثاني ينقسم إلى عدّي و غيره باعتبار رجوعه في العدّة و عدمه، و لأجل ذلك اعترض

الشهيد في الروضة على الماتن حيث جعل العدّي قسيماً للرجعي مع أنّه قسم منه، و قال: إطلاق العدّي عليه من حيث الرجوع فيه في العدّة و جعله قسيماً للأوليين «البائن و الرجعي» يقتضي مغايرته لها مع أنّه أخص من الثاني فإنّه من جملة أفراده بل أظهرها حيث رجع في العدّة. «3»

2- إنّ الطلاق الثالث بائن لا رجعي

فيكون العدّي من الطلقات الثلاث هو الاثنان فلا يتحقّق في التسع إلّا الست، فلو جمدنا على ظاهر عبارة الفقهاء

______________________________

(1) الخلاف: 2/ 386، كتاب النكاح، المسألة 100.

(2) الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 1.

(3) الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية: 6/ 35، طبع بيروت، تحقيق كلانتر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 432

يجب في إكمال العدد إنهاء الطلاق إلى ثلاث عشرة تطليقة حتى يكون بينها تسع تطليقات عدّية، و لو كانت واحدة منها عدّياً يجب إنهاءها إلى ستة و عشرين و لم يقل به أحد، فيلزم في توصيف التسع عدّياً ارتكاب المجاز بأن يعدّ الثالث من الكل عدّياً للتغليب أو للجواز.

3- الروايات الواردة على أصناف:
الأوّل: ما يدلّ على كون الموضوع هو مطلق الطلاق

و إليك بيانه:

1- صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و الذي يطلّق الطلاق الذي لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، ثلاث مرّات و تزوّج ثلاث مرّات لا تحلّ له أبداً». «1»

و لعلّ ذكر التزويج الثالث مع أنّه لا حاجة إليه في التحريم لبيان المصداق البارز فكيف إذا لم تتزوّج و إطلاق الحديث يدلّ على كفاية مطلق الطلاق.

2- خبر محمّد بن سنان عن الرضا عليه السّلام فيما كتب إليه في العلل ... و علّة تحريم المرأة بعد تسع تطليقات فلا تحلّ له أبداً عقوبة لئلّا يتلاعب بالطلاق، فلا يستضعف المرأة، و يكون ناظراً في أُموره متيقّظاً معتبراً، و ليكون ذلك مؤيساً لهما عن الاجتماع بعد تسع تطليقات. «2»

عموم التعليل يقتضي استيعاب الحكم لجميع صوره:

3- ما رواه الكليني و الشيخ، عن جميل بن درّاج، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا طلّق الرجل المرأة فتزوّجت (اى من غيره) ثمّ طلّقها فتزوّجها الأوّل ثمّ

______________________________

(1)

الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4.

(2) الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 433

طلّقها، فتزوّجت رجلًا ثمّ طلّقها، فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً». «1»

فلو صحّت النسخة، فلازمها الحرمة الأبدية عند ستّ تطليقات و إليك تفسير جملها:

1- طلّق الرجل المرأة فتزوّجت (أي غير الرجل الأوّل بقرينة التقييد في الجملة الثانية).

2- ثمّ طلّقها أي غير الرجل الأوّل فتزوّجها الأوّل ثمّ طلّقها (إلى هنا صدرت تطليقتان من الرجل الأوّل و تطليقة من غير الرجل الأوّل).

3- فتزوّجت رجلًا غير الأوّل ثمّ طلّقها. صدرت تطليقة ثانية من غير الرجل الأوّل.

4- و عند ذلك يقول الإمام: «فإذا طلّقها على هذا ثلاثاً لم تحلّ له أبداً».

و قد عرفت أنّه لم يصدر من الرجل الأوّل غير تطليقتين فتكرارهما ثلاثاً، ينتهي إلى ست تطليقات. و لا معنى لضمّ طلاق غير الأوّل إلى طلاقه.

هذا على نسخة الوسائل، و أمّا نسخة الكافي فقد جاء فيه بعد قوله: «ثمّ طلّقها» فتزوّجها الأوّل ثمّ طلّقها الزوج الأوّل هكذا ثلاثاً لم تحل له أبداً».

و عندئذ ينطبق الحديث على التطليقات الثلاث و يحتاج إلى المحلّل.

و على كلّ تقدير، فالحديث لا يخلو من اضطراب، فعلى نسخة الوسائل، ينطبق على ست تطليقات، و على نسخة الكافي، على ثلاث تطليقات، و على كلتا النسختين مقتضى كونها محرّمة أبدية، يلزم حملها على التسع العدّي، و ليس فيه ما يشير إلى كون الطلاق عدّياً إذ ليس في الرواية ما يدلّ على رجوع الزوج في العدّة،

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 2، و رواه أيضاً إبراهيم بن عبد الحميد عن أبي

عبد اللّه و أبي الحسن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 434

بل الظاهر أنّه عقد لها بعد طلاق الزوج الثاني.

الثاني: ما يدلّ على كون الثلاثة الوسطى و الأخيرة من الطلقات التسع سنية:

ففي موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في رجل نكح امرأة و هي في عدّتها، قال: «يفرّق بينهما، و إن لم يكن دخل بها فلا شي ء لها» قال: سألته عن الذي يطلّق ثمّ يراجع ثمّ يطلّق ثمّ يراجع ثمّ يطلّق؟ قال: «لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره فيتزوّجها رجل آخر فيطلّقها على السنّة، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل فيطلّقها ثلاث مرّات على السنة، فتنكح زوجاً غيره فيطلقها، ثمّ ترجع إلى زوجها الأوّل فيطلّقها ثلاث مرّات على السنّة، ثمّ تنكح فتلك التي لا تحلّ له أبداً». «1»

و الظاهر كون الثلاث الأُولى عدّية و الوسطى و الأخيرة سنّية إذا قلنا بأنّ المراد بها هو المسمّى بالمصطلح، و هو الرجوع على الزوجة بعد الخروج عن العدّة بعقد جديد.

و قد يطلّق السنّة و يراد منه الطلاق الجامع للشرائط التي أهمّها الطلاق في الطهر، و قد تضافر عنهم قولهم: «الطلاق لغير السنّة باطل». «2»

و قد يطلق على الزواج بعد خروج العدّة، و قد وردت في استحباب اختيار طلاق السنّة على غيره. «3»

______________________________

(1) الكافي: 5/ 428 ح 9 كتاب النكاح، باب المرأة التي لا تحلّ، و الوسائل: 15، الباب 4 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 4، و الحديث أخذناه من الكافي بوجود تفاوت بين الكتابين و الظاهر طروء النقص على الوسائل.

(2) الوسائل: 15، الباب 7 من أبواب أقسام الطلاق.

(3) لاحظ: الباب 5 من أبواب أقسام الطلاق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 435

و لا بدّ من التأمّل في تعيين المراد من

السنّة في الرواية.

الثالث: ما يتراءى منه كون المحرم الأبدي ما تكون التطليقات عدّية:

1- ما رواه الصدوق في الخصال في حديث أقسام المحرّمات في النكاح: «و المظاهر قبل أن يكفر و تزويج المشركة و تزويج الرجل المرأة قد طلّقها للعدّة تسع تطليقات و تزويج الأمة على الحرة ...». «1»

2- ما في الفقه الرضوي بعد تبيين الطلاق العدّي، «فإن طلّقها ثلاثاً واحدة بعد واحدة على ما وصفناه لك فقد بانت منه، لا تحلّ له حتّى تنكح زوجاً غيره، فإن تزوّجها غيره و طلّقها أو مات عنها و أراد الأوّل أن يتزوّجها فَعَلَ، فإن طلّقها ثلاث تطليقات على ما وصفته واحدة بعد واحدة فقد بانت منه و لا تحلّ له بعد تسع تطليقات أبداً». «2»

3- ما جاء في تفسير القمي، حيث قال: «و أمّا المرأة التي لا تحلّ لزوجها أبداً فهي التي طلّقها زوجها ثلاث تطليقات للعدّة على طهر من غير جماع بشهادة عدلين و تزوّج زوجاً غيره فيطلّقها و يتزوّج بها الأوّل الذي طلّقها ثلاث تطليقات، ثمّ يطلّقها أيضاً ثلاث تطليقات للعدّة على طهر من غير جماع بشهادة شاهدين عدلين إلى أن قال: فهذه هي التي لا تحلّ لزوجها الأوّل أبداً». «3»

4- ما رواه معلى بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طلّق امرأته ثمّ لم يراجعها حتى حاضت ثلاث حيض ثمّ تزوّجها ثمّ طلّقها فتركها حتى حاضت ثلاث حيض من غير أن يراجعها يعني يمسّها قال: «له أن يتزوّجها

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2) الفقه الرضوي، ص 31، و مستدرك الوسائل: 3/ 12 و 13.

(3) تفسير القمي: 1/ 79.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 436

أبداً ما لم يراجع و يمس». «1» و

الحديث يدلّ على أنّ الزواج بعد خروج العدّة، لا يحتاج إلى المحلِّل أوّلًا «2» و لا يحرم في التاسعة ثانياً.

5- ما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام فيمن طلّق و تركها حتّى تحيض ثلاثة قروء فإذا رأت الدم في أوّل قطرة و هو آخر قروء ... و هي أملك بنفسها فإن شاءت تزوّجته و حلّت له بلا زوج فإن فعل هذا بها مائة مرّة هدم ما قبله و حلّت بلا زوج. «3»

هذه هي أصناف الروايات و الذي يقتضي التدبر هو الأخذ بالمطلقات، و ذلك لأنّ الصنف الثاني ليس ظاهراً في السنّة بالمعنى المصطلح، إذ يحتمل أن يكون المراد هو السنّة بالمعنى الأعم، و قد عرفت تضافر الروايات على أنّ الطلاق لغير السنّة باطل.

و أمّا الصنف الثالث، فالمروي في الخصال ضعيف و يحتمل أن يكون المراد من الطلاق للعدّة، إرادة الطلاق في طهر لم يواقعها فيه الذي هو ابتداء العدّة على نحو قوله تعالى: (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ) «4».

فيعمّ جميع الأقسام عديّاً كان أو سنّياً

و الفقه الرضوي إنّما يصلح للتأييد لا لتخصيص العموم و تقييده المطلقات، و المروي في تفسير القمي لم يثبت سنده و قد أوضحنا حاله في بحوثنا في أحكام المكاسب «5».

______________________________

(1) الكافي: 6/ 77، كتاب الطلاق، باب ما يهدم الطلاق، الحديث 1.

(2) و هو يوافق ما حكي عن عبد اللّه بن بكير من أنّ استيفاء العدّة يهدم ما قبله.

(3) الوسائل: 15، الباب 3 من أبواب أقسام الطلاق، الحديث 16.

(4) الطلاق/ 1.

(5) طبع باسم «المواهب في تحرير أحكام المكاسب».

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 437

و ما رواه معلّى و إن كان نفي السند لأنّ معلّى أيضاً

عندنا ثقة كما يظهر من عناية الإمام عليه السّلام بقصاص قاتله إلّا أنّه غير خال عن المعارض.

توضيحه أنّه يظهر مما رواه الكليني «1» من محادثة عبد اللّه بن المغيرة، مع عبد اللّه بن بكير أنّه كان في المسألة (الزواج بعد العدّة) رأيان:

أحدهما: ما ذهب إليه رفاعة و هو أنّ التزويج بالغير يهدم حكم الطلاق الأوّل.

ثانيهما: أنّ التزويج بعد العدّة من الزوج يهدم حكم الطلاق الأوّل و هذا رأي عبد اللّه بن بكير و الإمعان في الرواية يعطي أن الرأي الثاني لم يكن مستنداً إلى دليل. بل المستند هو الأوّل، فيكون مستند رأي رفاعة معارضاً لرواية «معلّى».

و أمّا ما رواه زرارة فهو معرض عنه، و يظهر من المراجعة إلى متنه وجود الخلل في أصل الحديث.

و لأجل ذلك لا يبعد القول بأنّ الموضوع للحرمة الأبدية مطلق الطلاق الذي في مقابل البدعي كما لا يخفى، و لأجل ذلك احتاط السيّد الخوئي دام ظلّه في منهاج الصالحين. «2» بل قال: بل التحريم مؤبداً غير بعيد، و أمّا السيّد الأُستاذ دام ظلّه فقد تبع المشهور فقال: نعم لو طلّقت ستّاً طلاق العدّة حرمت عليه أبداً بأن طلّقها ثمّ راجعها ثمّ واقعها، ثمّ طلّقها في طهر آخر ثمّ راجعها ثمّ واقعها ثمّ طلّقها في طهر آخر.

تمّ الكلام في السبب الرابع و يقع الكلام في الفصل القادم في السبب الخامس و السادس أعني: اللعان و الكفر بإذنه سبحانه.

______________________________

(1) الكليني: الكافي 6/ 77 باب ما يهدم الطلاق.

(2) منها ج الصالحين: 2/ 288.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 439

الفصل الحادي عشر: في السبب الخامس و السادس: اللعان و الكفر

اشارة

اللعان

اللعان سبب التحريم على زوجها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 441

أسباب التحريم

5- اللعان

قد تعرّفت على الأسباب الأربعة من أسباب التحريم و إليك الكلام في السبب الخامس.

اللعان سبب لتحريم الزوجة على زوجها مؤبّداً

إذا قذف الرجل امرأة أجنبية يجلد ثمانين جلدة إن لم يأت بأربعة شهداء، و أمّا إذا رمى زوجته و لم يأت بالشهداء، أو نفى ولدها الجامع لشرائط الالتحاق به لزمتهما الملاعنة بأمر الحاكم و يسقط عنه حدّ القذف، كما يسقط عنها حدّ الزنا، و انتفى عنه الولد و حرمت عليه مؤبّداً.

أمّا الملاعنة و درأها العذاب عن الطرفين فهو نصّ الكتاب «1»، و أمّا الحرمة فتدلّ عليها الروايات. «2»

إنّما الكلام إذا قذف الرجل الزوجة الصمّاء أو الخرساء بما يوجب اللعان فيسقط اللعان للعجز عن التعبير و لكن تحرم مؤبداً، و تدلّ عليه النصوص و لا إشكال في ثبوت الحكم فيما إذا اجتمع الوصفان (الخرس و الصمم)، كما أنّه لا إشكال فيما إذا كانت خرساء لصحيحة محمّد بن مسلم، و الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قذف امرأته و هي خرساء؟ قال: «يفرّق بينهما». «3»

______________________________

(1) النور/ 96.

(2) الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب اللعان.

(3) الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 442

و خبر محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة الخرساء كيف يلاعنها زوجها؟ قال: «يفرّق بينهما و لا تحلّ له أبداً». «1»

و مثله، ما إذا كان الزوج أخرس، لعدم الخصوصية و معلومية المناط و هو العجز عن التعبير سواء كان زوجاً أو زوجة.

إنّما الكلام في الاكتفاء بالصمم في كلّ من الطرفين،

ففي مرسل الحسن، عن بعض أصحابه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، في امرأة قذفت زوجها و هو أصمّ؟ قال: «يفرّق بينها و بينه و لا تحلّ له أبداً». «2»

و في صحيح أبي بصير قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام، عن رجل قذف امرأته بالزنا و هي خرساء صمّاء لا تسمع ما قال؟ قال: «إن كان لها بيّنة فشهدت عند الإمام جلد الحدّ، و فرّق بينها و بينه ثمّ لا تحلّ له أبداً، و إن لم يكن لها بيّنة فهي حرام عليه ما أقام معها و لا إثم عليها منه». «3»

و الأوّل لا يصلح للاحتجاج لإرسالها، و أمّا الثاني فإنّما يصلح للاحتجاج على نقل الشيخ، أعني: «و هي خرساء» أو «صمّاء»، و لكن الكليني رواه بلا عاطف و هو أضبط من الشيخ، و رواه الشيخ نفسه في باب اللعان بدون العاطف مثل ما رواه الكليني، و عليه لا يكون شاهداً للمقام لاجتماع الوصفين و الكلام في غيره.

و الذي يسهل الخطب أنّ الصمم يلازم الخرس غالباً أو دائماً فلا توجد صمّاء إلّا و هي خرساء. نعم يفارق الخرس، الصمم إذا كان الخرس مستنداً إلى علّة داخلية غير الصمم. و مورد اللعان، هو قذف الرجل الزوجة، دون العكس.

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 4.

(2) الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 3.

(3) الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب اللعان الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 443

السبب السادس: الكفر
اشارة

و فيه مسألتان:

المسألة الأولى: في نكاح غير الكتابيّة

المسألة الثانية: في تزويج الكتابيّة

1- الأقوال في تزويج الكتابيّة

2- أدلّة القائلين بعدم الجواز من الآيات

3- تحليل ادلّة القائلين بالمنع من الآيات

4- أدلّة القائلين بالمنع من الروايات

5- حجّة القائلين بالجواز من الروايات

الكلام في نكاح المجوسية

6- هل المجوس من أهل الكتاب أو لا؟

7- حجّة القائلين بجواز تزويج المجوسية.

8- حجّة القائلين بمنع تزويج المجوسية و نقدها

9- نكاح الصابئة

10- حكم ارتداد أحد الزوجين أو كليهما

11- في إسلام أحد الزوجين و صورها الثلاث

12- انتقال زوجة الذمي إلى دين آخر و صوره

13- إذا أسلم عن أُمّ و ابنتها

14- اختلاف الدين فسخ لا طلاق

15- لو أسلم الرجل و كان المهر فاسداً

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 445

أسباب التحريم

6 الكفر

و فيه مسائل:

المسألة الأُولى: في نكاح غير الكتابية

سواء أ كانت وثنية، أم كانت منكرة لما وراء المادة على الإطلاق، و على أيّ تقدير فقد اتّفق علماء الإسلام على تحريم نكاح المشركة، قال ابن رشد: و اتّفقوا على أنّه لا يجوز للمسلم أن ينكح الوثنية لقوله تعالى: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ) و اختلفوا في نكاحها بالملك. «1»

قال الشيخ في المبسوط: الضرب الثاني الذين لا كتاب لهم و لا شبهة كتاب، فهم عبدة الأوثان فلا يحلّ نكاحهم، و لا أكل ذبائحهم، و لا يُقرُّون على أديانهم ببذل الجزية، و لا يعاملون بغير السيف أو الإسلام بلا خلاف. «2»

و لأجل كون المسألة اتّفاقية لا نطيل الكلام فيها. و يمكن استظهار حكم المنكرة للغيب على وجه الإطلاق من حكم المشركة بالأولوية.

المسألة الثانية: في تزويج الكتابيّة
اشارة

قال الشيخ في المبسوط: فهؤلاء عند المحصّلين من أصحابنا لا يحلّ أكل

______________________________

(1) بداية المجتهد: 2/ 43 و الآية من سورة الممتحنة: 10.

(2) المبسوط: 4/ 210.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 446

ذبائحهم و لا تزوّج حرائرهم، بل يقرّون على أديانهم إذا بذلوا الجزية و فيه خلاف بين أصحابنا، و قال جميع الفقهاء: يجوز أكل ذبائحهم و نكاح حرائرهم. «1»

و قال في الخلاف: المحصّلون من أصحابنا يقولون: لا يحلّ نكاح من خالف الإسلام لا اليهود و لا النصارى و لا غيرهم، و قال قوم من أصحاب الحديث من أصحابنا: يجوز ذلك، و أجاز جميع الفقهاء التزويج بالكتابيّات، و هو المروي عن عمر و عثمان و طلحة و حذيفة و جابر، و روي أنّ عمّاراً نكح نصرانية، و نكح طلحة نصرانية، و نكح حذيفة يهودية، و روي عن ابن عمر كراهة ذلك و إليه ذهب الشافعي. «2»

و الظاهر أنّ اسم الإشارة في «يجوز

ذلك» يرجع إلى اليهود و النصارى لا مطلق من خالف الإسلام و لو كانت مشركة وثنية، و لأجل ذلك قال في الجواهر: «فما عساه يظهر من محكيّ الخلاف عن بعض أصحاب الحديث من أصحابنا من القول بالجواز (في غير الكتابي) مع أنّا لم نتحقّقه و لا نقله غيره، مسبوق بالإجماع». «3»

و قال ابن رشد: و قد اتّفقوا على أنّه يجوز أن ينكح الكتابية الحرّة. «4» هذه العبارة تعرب عن وجود الاتّفاق بين العامّة على الجواز و يظهر من السيد المرتضى في الانتصار وجود الاتّفاق على الحظر بين أصحابنا.

قال في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية حظر نكاح الكتابيّات و في الفقهاء من يجيز ذلك. «5» و مع ذلك فقد أنهى صاحب الحدائق الأقوال إلى ستة و لعلّه استخرجها من مختلف الشيعة. «6»

______________________________

(1) المبسوط: 4/ 210209.

(2) الخلاف: 2/ 382 من كتاب النكاح، المسألة 84.

(3) الجواهر: 30/ 27.

(4) بداية المجتهد: 2/ 43.

(5) الانتصار: 117.

(6) مختلف الشيعة: 82.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 447

1- الأقوال في تزويج الكتابيّة

1- الجواز مطلقاً، و عليه الصدوق و والده و ابن أبي عقيل.

2- التحريم مطلقاً، و قد عرفته من المرتضى و الشيخ و قوّاه ابن إدريس.

3- التفصيل بين الدوام و الانقطاع فيحرم الأوّل دون الثاني، نقل عن أبي الصلاح و سلّار، و هو مختار المحقّق و المتأخّرين قال: و في تحريم الكتابية في اليهود و النصارى روايتان أشهرهما المنع في النكاح الدائم و الجواز في المؤجّل.

4- الفرق بين الاختيار و الاضطرار في النكاح الدائم و أمّا الانقطاع فيجوز مطلقاً.

5- تحريم نكاحهنّ مطلقاً اختياراً و تجويزه اضطراراً مطلقاً، نقله في المختلف عن ابن الجنيد.

6- التفصيل بين ملك اليمين و التحليل و غيرهما.

و لا

يخفى أنّ القول السادس ليس تفصيلًا، لأنّ الكلام في النكاح لا الوطء بملك اليمين و التحليل.

و قبل الخوض في أدلّة المسألة نفسّر بعض الآيات التي يحتمل أن تكون ناظرة إلى المسألة و التي يمكن أن تقع سنداً للمجوِّز و المانع و هي عبارة عن الآيات التالية.

2- أدلّة القائلين بعدم الجواز من الآيات

1- قوله سبحانه: (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ وَ لَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَ لَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَ لٰا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتّٰى يُؤْمِنُوا وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولٰئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّٰارِ وَ اللّٰهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 448

بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آيٰاتِهِ لِلنّٰاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ). «1»

و دلالته على حرمة نكاح المشرك و المشركة غنية عن البيان. إنّما الكلام في دلالتها على حرمة تزويج الكتابية فسيوافيك بيانها.

2- (يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا جٰاءَكُمُ الْمُؤْمِنٰاتُ مُهٰاجِرٰاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنٰاتٍ فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَ آتُوهُمْ مٰا أَنْفَقُوا وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ وَ سْئَلُوا مٰا أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا مٰا أَنْفَقُوا ذٰلِكُمْ حُكْمُ اللّٰهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَ اللّٰهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). «2»

محل الاستشهاد قوله تعالى: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ) و العصمة المنع و سمّى النكاح عصمة لأنّ المنكوحة تكون في حبال الزوج. و الكوافر، جمع الكافرة، التي تعمّ الحربية و الذمية و النهي عن الإمساك بعصمتها على وجه الإطلاق، يدلّ على حرمته.

3- (وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ

فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). «3»

و المراد «من لم يجد منكم ما لا يتزوّج به الحرائر المؤمنات فلينكح من الإماء» فانّ مهور الإماء أقلّ و مئونتهنّ أضعف عادة و قد استدل به على أُمور:

الف لا يجوز تزويج الإماء إلّا مع عدم الاستطاعة على تزويج الحرائر.

ب و لا يجوز تزويج الأمة الكتابية لتقييد جواز العقد بالايمان، و أمّا كيفية الاستدلال على عدم جواز العقد على الحرّة الذمّية فيأتي بيانه.

4- (لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ

______________________________

(1) البقرة/ 221.

(2) الممتحنة/ 10.

(3) النساء/ 25.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 449

كٰانُوا آبٰاءَهُمْ أَوْ أَبْنٰاءَهُمْ أَوْ إِخْوٰانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمٰانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ). «1»

5- (لٰا يَسْتَوِي أَصْحٰابُ النّٰارِ وَ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ أَصْحٰابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفٰائِزُونَ). «2» هذه الآيات التي ربّما يتمسك بها القائل بالحرمة.

هذه الآيات ممّا يمكن أن يحتجّ بها القائل بالمنع، و أمّا ما يمكن أن يحتجّ به القائل بالجواز فآية واحدة و هي قوله سبحانه:

6- (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبٰاتُ وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ وَ لٰا مُتَّخِذِي أَخْدٰانٍ). «3» و المراد من المحصنات الحرائر: هذه هي الآيات التي يتمسّك بها في المسألة، و أمّا كيفية الاستدلال بها فإليك بيانها.

3- تحليل أدلّة القائلين بالمنع من الآيات
أمّا الآية الأُولى:

فهي تنهى عن تزويج المشركة، و أهل الكتاب مشرك، بنصّ الذكر الحكيم، لقوله سبحانه: (وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ) «4» و جعلوا الابن شريكاً للأب في الألوهية.

و قوله سبحانه:

(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قٰالُوا إِنَّ اللّٰهَ ثٰالِثُ ثَلٰاثَةٍ). «5»

و قوله سبحانه: (اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ). «6»

______________________________

(1) المجادلة/ 22.

(2) الحشر/ 20.

(3) المائدة/ 5.

(4) التوبة/ 30.

(5) المائدة/ 73.

(6) التوبة/ 31.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 450

فالآية الأُولى تتضمن بيان الكبرى و الآيات الأُخر كافلة لبيان الصغرى فيترتّب الحكم.

يلاحظ عليه: أنّ هنا أمرين:

1- النصارى و اليهود مشركون.

2- المشرك الوارد في الآية الأُولى عام يعمّهم و الوثنيين، و الأوّل حقّ لا غبار عليه.

و الثاني: غير ثابت بل ظواهر الآيات تدلّ على المغايرة و أنّ عنوان المشرك في القرآن يختصّ بغير أهل الكتاب بشهادة المقابلة بين أهل الكتاب و المشركين في كثير منها، كقوله سبحانه:

(مٰا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ لَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ). «1»

(وَ لَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً). «2»

و قوله سبحانه: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النّٰاسِ عَدٰاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا وَ لَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قٰالُوا إِنّٰا نَصٰارىٰ). «3»

إلى غير ذلك من الآيات الوافرة التي وقع فيها التقابل بين المشرك و أهل الكتاب و قد تكرّر التقابل في سورة البيّنة أيضاً. «4»

و بعد ذلك لا يبقى الشكّ في أنّ المشرك المتخذ موضوعاً لكثير من الأحكام لا يشمل أهل الكتاب و إن كانوا مشركين في الواقع، و البحث مركّز على تحقيق ما أُريد من المشرك في القرآن لا على تحقيق حال أهل الكتاب.

______________________________

(1) البقرة/ 105.

(2) آل عمران/ 186.

(3) المائدة/ 82.

(4) البينة/ 81.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 451

و بذلك يظهر الجواب عمّا يقال من أنّ الآية الأُولى ناسخة للآية السادسة الظاهرة في جواز تزويج الذمية لأنّ القول بالفسخ فرع دخول المنسوخ تحت الناسخ و هو غير موجود.

و أمّا الآية الثانية:

فسياق الآيات و سبب نزولها يعطي أنّ المراد هو الكافرة الوثنية. لنزولها بعد التصالح في الحديبية، فقد تصالح رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم على أن يرد كلّ من التجأ من قريش إلى المدينة من دون عكس و بعد ما طُيِّنَ الكتاب و ختم، جاءت «سبيعة بنت الحرث الأسلمية» فأقبلت مسلمة فأقبل زوجها في طلبها و كان كافراً فنزلت الآية فكان رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم يرد من جاءه من الرجال و يحبس من جاءه من النساء فعلمنا بأنّ التصالح لا يشمل إلّا الرجل. على أنّ الآية تمنع من الإقامة مع الزوجة الكافرة الوثنية بعد نزول الآية، و هذا لا يتمّ في الذمية لصحّة نكاحهم استدامة إذا أسلم أحد الزوجين و إن لم يصح ابتداءً على قول المانع.

و بذلك يظهر النظر فيما أفاده الطبرسي، من دلالة الآية على أنّه لا يجوز العقد على الكافرة حربية أو ذمية، بحجّة أنّ لفظ الآية عام و ليس لأحد أن يخصّ الآية بعابدة الوثن لنزولها بسببهنّ، لأنّ المعتبر بعموم اللفظ لا بالسبب. «1»

لما عرفت من أنّ المراد من تحريم الإمساك بعصم الكافرة، هو الإقامة معها استدامة و التحريم بهذا النحو مختص بالوثنية دون أهل الكتاب لاتفاقهم على جواز الاقامة معها.

و على فرض العموم فالآية السادسة صريحة في جواز تزويج الذمية فتكون مخصصة لعموم الآية.

______________________________

(1) مجمع البيان: 5/ 274، تفسير سورة الممتحنة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص:

452

و توهم كون الآية ناسخة للآية المجوّزة، بعيد من وجهين:

أوّلًا: أنّ شرط النسخ تقدّم المنسوخ على الناسخ و الأمر هنا على العكس فقد نزلت المانعة في سنة ست، سنة عقد المصالحة بين قريش و النبي الأكرم صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و المجوّزة في سنة عشر حيث نزلت سورة المائدة خصوصاً أوائلها في حجّة الوداع حيث أطبق المفسّرون على نزولها في تلك السنة.

و ثانياً: أنّ مقتضى القواعد، جعل الآية المجوّزة مخصصة للمانعة تخصيص العام بالخاص لا جعل الأوّل ناسخاً للخاص كما لا يخفى.

و أمّا الآية الثالثة

فأقصى ما يمكن استفادته من الآية على القول بحجّية مفهوم الوصف، هو أنّ التوصيف بالمؤمنات في قوله تعالى: (مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ) أنّه لا يجوز نكاح الأمة الكافرة مع وجود الأمة المؤمنة عند عدم التمكن من نكاح المحصنات (الحرائر) المؤمنات و أين هو من تحريم نكاح الكافرة مطلقاً حرّة كانت أو أمة، مع الطول و عدمه.

و الحاصل أنّ الضابطة في الأخذ بالمفهوم هو حفظ الموضوع «الأمة» و إثبات الحكم عند وجود القيد كالإيمان، و نفيه عند عدمه كالكفر. و أمّا الحرّة فليست داخلة لا في المنطوق و لا في المفهوم.

و القول بوجود الإجماع على عدم الخصوصية لانتفاء الطول أو ادّعاء أولوية الحرمة في صورة الطول، لا يثبت أزيد من تحريم نكاح الأمة الكافرة مطلقاً و أين هو من حرمة نكاح الحرّة الكافرة و قد استدل في الجواهر بالآية بوجوه ثلاثة قاصرة فلاحظ. «1»

______________________________

(1) الجواهر: 30/ 28.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 453

و أمّا الآية الرابعة:

أعني: آية المجادلة فهي راجعة إلى المنافقين بلا كلام فلاحظ الآيات المتقدمة عليها من قوله سبحانه:

(أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّٰهُ عَلَيْهِمْ مٰا هُمْ مِنْكُمْ وَ لٰا مِنْهُمْ وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ ... اتَّخَذُوا أَيْمٰانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ فَلَهُمْ عَذٰابٌ مُهِينٌ) «1» فهؤلاء كانوا يوالون اليهود و يفشون إليهم أسرار المؤمنين، و يجتمعون معهم على ذكر مساءة النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم و المؤمنين و في هذه الظروف نزل قوله سبحانه: (لٰا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوٰادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ) «2»، أي لا تجتمع موالاة الكفّار مع الأيمان أي موالاتهم بما هم كفّار، و أمّا

حبّهم لأجل أُمور أُخر لكونهم أطباء حاذقين، أو أصحاب صنائع و غيرهما فلا صلة له بالآية، و ليس التزويج لأجل موالاة الكفر بل لأجل قضاء حاجة النفس و غير ذلك.

و أمّا الآية الخامسة:

أي آية نفي الاستواء، فلا صلة لها بالمقام إذ ليس المؤمن و الكافر عند اللّه سيّان و ذلك لا ينفي جواز المعاملة و النكاح و لم تبق من الآيات إلّا السادسة الصريحة في جواز نكاح المحصنات من أهل الكتاب و المتيقّن منها الذمية أو الأعم منها و من المهادنة، و أمّا الحربية فإطلاق الآية بالنسبة إليها موضع تأمّل.

و حملها على المتعة، حمل بلا قرينة و ورود لفظ «الأُجور» في الآية مكان المهور لا يدلّ على كون المراد هو التمتع، بشهادة وروده في غير موضع من القرآن، و أُريد

______________________________

(1) المجادلة/ 1514.

(2) المجادلة/ 22.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 454

منه المهر لا الأُجرة، مثل قوله سبحانه، في تزويج الإماء عند عدم الطول: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ). «1»

و قوله سبحانه مخاطباً للنبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: (إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللّٰاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ «2»). و من المعلوم أنّ المراد تزويج الإماء دواماً لا متعة لندرة الثانية كما هو الحال أيضاً في الآية الأخيرة إذ لم يكن تزويج النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بأزواجه متعة. نعم المراد من الأُجور في آية الاستمتاع «3» هو الأُجرة، بقرينة الاستمتاع و روايات الفريقين حول نزول الآية في المتعة.

و أمّا احتمال كون الآية المجوِّزة منسوخة لما ورد في سورتي البقرة و الممتحنة فقد عرفت ما فيه. و نزيد في المقام ما ورد في حقّ هذه السورة: روى العياشي عن علي

عليه السّلام، قال: «كان القرآن ينسخ بعضه بعضاً، و إنّما يؤخذ من أمر رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بآخره و أنّ من آخر ما نزّل عليه سورة المائدة نسخت ما قبلها و لم ينسخها شي ء» «4».

روى الشيخ في التهذيب، عن محمّد بن مسلم، عن أحدهما عليهما السّلام عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال في حديث طويل قاله في ردّ من قال بأنّه رأى النبيّ يمسح الخفين فقال عليه السّلام: «سبق الكتاب الخفين إنّما نزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين». 5

و على هذا حديث النسخ غير ثابت و ما ورد حوله من الروايات يردّ علمها إليهم عليهم السّلام لو نقلت بطريق صحيح، على أنّ كثيراً منها مروي بطريق لا يحتجّ به سيوافيك بيانه.

و أمّا الروايات، فهي على طوائف غير أنّ المهمّ هي الطائفتان المتقابلتان

______________________________

(1) النساء/ 25.

(2) الأحزاب/ 50.

(3) النساء/ 24.

(4) 4 و 5 نور الثقلين: 1/ 483 ح 3 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 455

بين دالة على التحريم و دالة على الجواز. و أمّا ما يدلّ على التفصيل من الجواز في صور الاضطرار، أو كون المرأة بلهاء أو متعة فسيوافيك أنّها من أدلّة الجواز فانّ تزويج الذمية مكروه و للكراهة مراتب و هي في هذه الصورة خفيفة.

أمّا ما يدلّ على التحريم فهو ما يلي:

4- أدلّة القائلين بالمنع من الروايات

1- صحيحة زرارة بن أعين، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)؟ فقال: «هي منسوخة بقوله تعالى: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ)». «1»

2- موثقة الحسن بن الجهم قال: قال لي أبو الحسن الرضا عليه السّلام: «يا أبا محمّد!

ما تقول في رجل تزوّج نصرانية على مسلمة؟» قال: قلت: جعلت فداك و ما قولي بين يديك، قال: «لتقولنّ فانّ ذلك يعلم به قولي». قلت: لا يجوز تزويج النصرانية على مسلمة و لا غير مسلمة، قال: «و لم؟» قلت: لقول اللّه تعالى: (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ) قال: «فما تقول في هذه الآية: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ)»؟ قلت: فقوله: (وَ لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ) نسخت هذه الآية فتبسّم ثمّ سكت. «2»

و بما أنّه عليه السّلام قال: «فإنّ ذلك يعلم به قولي» يحمل تبسّمه و سكوته على تحسين الراوي و دركه قول الإمام، لا على اشتباهه كما احتمله صاحب الجواهر. «3»

و أمّا أنّ الإمام سئل عن تزويج النصرانية على المسلمة لا عن تزويج

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1 من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 1.

(2) نفس المصدر: الحديث 3.

(3) الجواهر: 30/ 35.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 456

النصرانية، لكثرة الابتلاء بها تلك الأيّام إذ لا يبادر المسلم في بلاد الإسلام بتزويج الذمية ابتداء مع وجود المسلمة. نعم لم يعلم المراد من قول الراوي «و لا غير مسلمة» فهل المراد اليهودية أو المجوسية؟ فلو كان معطوفاً على «مسلمة» تكون النتيجة أنّه لا يجوز تزويج النصرانية على هؤلاء اليهودية و المجوسية و هذا ممّا لم يقل به أحد، و الظاهر أنّه معطوف على «النصرانية» فيكون المراد أنّه لا يجوز تزويج النصرانية و لا غير المسلمة كاليهودية على مسلمة.

و في سند الرواية «ابن فضال» و المراد منه هو الحسن بن علي بن فضال لا ابنه، علي بن الحسن بقرينة روايته عن أحمد بن محمّد، و ابن فضال يطلق على الولد

و أخويه «أحمد» و «محمّد» و على الوالد و هو في الأخير أشهر، و البيت فطحيّ.

3- خبر زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا ينبغي نكاح أهل الكتاب» قلت: جعلت فداك و أين تحريمه؟ قال: «قوله تعالى: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ)». «1»

و السند لا يحتجّ به، لورود «درست الواسطي» في السند و هو لم يوثق و قوله: «لا ينبغي» من الألفاظ المتشابهة تستعمل في التحريم تارة و الكراهة أُخرى، و لعلّ زرارة فهم الثانية فقال: و أين تحريمه؟ فقال الإمام: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ).

4- مرسل الطبرسي: حيث روى عن أبي الجارود أنّ آية المائدة منسوخة بآيتين: (لٰا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكٰاتِ حَتّٰى يُؤْمِنَّ) و بقوله تعالى: (لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ). «2»

و الأخيرتان لا يحتجّان بهما و الأوّل و الثاني و إن كانا صحيحين أو موثقين

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1، من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 4.

(2) نفس المصدر: الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 457

لكنّه لا يثبت بهما النسخ فكما أنّ خبر الواحد لا ينسخ به القرآن فهكذا لا يثبت به النسخ أي كون آية ناسخة لآية أُخرى، و على فرض الثبوت قد عرفت الإشكال في القول بالفسخ فالأولى ردّ علمهما إليهم عليهم السّلام.

5- صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن نصارى العرب أ تؤكل ذبائحهم؟ فقال: «كان علي عليه السّلام ينهى عن ذبائحهم و عن صيدهم و عن مناكحتهم». «1»

و الحديث على الجواز أدلّ، لأنّ تخصيص نصارى العرب بالنهي يعرب عن جواز نكاح سائر النصرانيات، و لعلّ وجه النهي عن تزويج نصارى العرب، طروء الوثنية عليهم، و صاروا نصرانية

لفظاً، و وثنية معنى.

6- صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: «و ما أحبّ للرجل المسلم أن يتزوّج اليهودية و النصرانية مخافة أن يهوّد ولده أو يتنصّر». «2»

و الاستدلال مبني على كون «ما أُحبّ» مفيداً للتحريم و هو كما ترى، غاية ما يمكن أن يقال: إنّه من الألفاظ المشتركة و المتشابهة كما عليه صاحب الحدائق على أنّ التعليل يشعر بالكراهة كما أنّه لا يشمل ما إذا كان عقيماً أو كانت الزوجة عقيمة، أو يعزل و لا يطلب الولد أو يراقبه و يلقنه دينه، اللّهمّ إلّا إذا كان من قبيل الحِكَم لا العلل.

7- خبر محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث: لا ينبغي للمسلم أن يتزوّج يهودية و لا نصرانية و هو يجد مسلمة حرّة أو أمة. «3»

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1، من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 2.

(2) نفس المصدر: الحديث 5.

(3) الوسائل: 14، الباب 2، من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 458

و هذا لا يحتجّ به لوقوع إسماعيل بن مرار في سنده و هو لم يوثق مع أنّ لفظ «لا ينبغي» لو لم يكن ظاهراً في الكراهة، من الألفاظ المتشابهة.

8- مرسلة العياشي عن مسعدة بن صدقة قال: سئل أبو جعفر عن قول اللّه: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) قال: نسختها: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ). «1»

و قد عرفت الإشكال في كونه ناسخاً لما قبله و النسخ لا يثبت بالخبر الواحد.

9- ما رواه الراوندي في نوادره باسناده عن موسى بن جعفر عن أبيه قال: قال علي عليه السّلام: «لا

يجوز للمسلم التزويج بالأمة اليهودية و لا النصرانية لأنّ اللّه تعالى قال: (مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ)». «2»

و هو خاص بالأمة الكافرة، و لا تعمّ الحرة.

هذه جملة الروايات التي احتجّ بها القائل بالمنع، و قد عرفت عدم صلاحية الأكثر للاحتجاج، و ما يصلح، لا يمكن الاستناد إليه لانّه عليل من جهة أُخرى.

5- أدلّة القائلين بالجواز من الروايات

يدلّ على الجواز مضافاً إلى الآية الكريمة عدّة روايات بين صحاح و غيرها:

1- صحيحة معاوية بن وهب و غيره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل المؤمن يتزوّج اليهودية و النصرانية؟ فقال: «إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية و النصرانية»؟ فقلت له: يكون له فيها الهوى قال: «إن فعل فليمنعها من شرب

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 2، من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 2.

(2) الاشعثيات، باب تزويج أهل الذمة: 106 و جلُّ ما نقله الراوندي في نوادره فهو مأخوذ من هذا الكتاب فلأجل ذلك نقلناه من مصدره. راجع البحار: 103/ 380.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 459

الخمر و أكل لحم الخنزير و اعلم أنّ عليه في دينه غضاضة». «1»

أقول: و منعها من شرب الخمر و أكل لحم الخنزير من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر لا أنّه شرط في صحّة النكاح لتأثير الغذاء في روحيات طفل الرجل.

2- صحيح أبي بصير المرادي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل له امرأة نصرانية له أن يتزوّج عليها يهودية؟ فقال: «إنّ أهل الكتاب مماليك للإمام و ذلك موسع منّا عليكم خاصّة فلا بأس أن يتزوّج» قلت: فانّه تزوّج عليهما؟ أمة قال: «لا يصلح أن يتزوّج ثلاث إماء. فإن تزوّج عليهما حرّة مسلمة و لم تعلم أنّ له امرأة نصرانية

و يهودية ثمّ دخل بها فانّ لها ما أخذت من المهر، فإن شاءت أن تقيم بعدُ معه أقامت و إن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت، و إذا حاضت ثلاثة حيض أو مرّت لها ثلاثة أشهر حلّت للأزواج» قلت: فإن طلّق عليها اليهودية و النصرانية قبل أن تنقضي عدّة المسلمة، له عليها سبيل أن يردّها إلى منزله؟ قال: «نعم». «2»

و الخبر و إن كان يشمل على ما لا يقول به المشهور من اختصاص الجواز بالشيعة، و أنّه يعامل معهنّ معاملة الأمة في عدم جواز الجمع بين الثلاث منهنّ، و الخيار للرجل في عدّة الفسخ أن يردّها إلى حبالته لو طلّق اليهودية، لكنّه لا تخرجه عن الحجّية.

3- صحيح هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل تزوّج ذمية على مسلمة؟ قال: «يفرّق بينهما و يضرب ثمن حدّ الزاني اثني عشر سوطاً و نصفاً

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 1، من أبواب ما يحرم بالكفر و نحوه، الحديث 1 و في الجواهر: 30/ 36: «في تزويجه إياها» و هو غير موجود في الوسائل.

(2) الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 460

فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحدّ و لم يفرق بينهما» قلت: كيف يضرب النصف؟ قال: «يؤخذ السوط بالنصف فيضرب به». «1»

4- خبر منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج ذمّية على مسلمة و لم يستأمرها؟ قال: «يفرّق بينهما» قال: قلت: فعليه أدب؟ قال: «نعم اثنا عشر سوطاً و نصف ثمن حدّ الزاني و هو صاغر» قلت: فإن رضيت المرأة الحرّة المسلمة بفعله بعد ما كان فعل؟

قال: «لا يضرب و لا يفرّق بينهما يبقيان على النكاح الأوّل». «2»

5- خبر أبي مريم الأنصاري، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن طعام أهل الكتاب و نكاحهم حلال هو؟ قال: «نعم قد كانت تحت طلحة يهودية». «3»

6- صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن نكاح اليهودية و النصرانية؟ فقال: «لا بأس به أما علمت أنّه كانت تحت طلحة بن عبيد اللّه يهودية على عهد النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم». 4

و حملها بعضهم على جواز الاستدامة، و لكنّه على خلاف ظاهر السؤال.

7- خبر حفص بن غياث قال: كتب بعض إخواني أن أسأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسائل فسألته عن الأسير هل يتزوّج في دار الحرب؟ فقال: «أكره ذلك فإن فعل في بلاد الروم فليس هو بحرام هو نكاح، و أمّا في الترك و الديلم و الخزر فلا يحلّ له ذلك». 5 و حمل بعضهم على الاضطرار و هو حمل بلا قرينة، و أمّا إخراج غير الروم فلأجل غلبة الوثنية عليهم.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

(2) الوسائل: 18، الباب 49 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1، و الخبر يشمل على الإرسال في السند.

(3) 3 و 4 الوسائل: 14، الباب 5 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3 و 4.

(4) 5 الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 1، ص: 461

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 461

8 صحيح محمّد بن مسلم عن

أبي جعفر عليه السّلام قال: «لا تتزوّج اليهودية و النصرانية على المسلمة». «1»

9- صحيح سماعة، قال: سألته عن اليهودية و النصرانية أ يتزوّجها الرجل على المسلمة؟ قال: «لا، و يتزوّج المسلمة على اليهودية و النصرانية». «2»

10 خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل للرجل أن يتزوّج النصرانية على المسلمة و الأمة على الحرة؟ فقال: «لا تزوّج واحدة منهما على المسلمة و تزوّج المسلمة على الأمة و النصرانية ...». «3»

1- 1 خبر أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «لا تتزوّجوا اليهودية و النصرانية على حرة متعة أو غير متعة». 4

فالممنوع نكاح الذمية على المسلمة، لا مطلق نكاحها.

هذه هي الروايات المجوّزة و يقف المتتبع على بعض ما لم نذكره إنّما الكلام في وجه الجمع بين الطائفتين فههنا طريقان:

أحدهما: ما سلكه صاحب الحدائق، حيث قال: يشكل العمل بأخبار الجواز لإمكان الحمل على التقية، و أمّا العرض على الكتاب فهو و إن كان مقدّماً على العرض على مذهب العامة لكن الآيات مختلفة. 5

و لكنّه من الضعف بمكان، إذ كيف يمكن الحمل على التقية مع كون السائلين ممّن لا يعطون من جراب النورة، بل يعطون من العين الصافية كمعاوية بن وهب و أبي بصير و هشام بن سالم و محمّد بن مسلم.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

(2) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 2.

(3) 3 و 4 الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3 و 5.

(4) 5 الحدائق: 24/ 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 462

على أنّ مضمون بعضهم لا يناسب التقية كالقول

بأنّ نساء أهل الذمة مماليك للإمام عليه السّلام.

أضف إليه، عدم الإشعار بالتقية إلّا ما يتوهم من توجيه الجواز بفعل طلحة مع أنّ الاستدلال بتقرير النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم.

ثانيهما: ما سلكه صاحب الجواهر، و قبله الشيخ الشهيد الثاني و سبطه صاحب المدارك، من حمل روايات النهي على الكراهة، و يؤيّده تعليل الحرمة بالخوف على الولد، و التعبير ب «لا ينبغي» أو «ما أحبّ».

أضف إلى ذلك، أنّ الذكر الحكيم لا يعادله شي ء و هو صريح في الجواز مطلقاً، و قد عرفت عدم ثبوت النسخ.

و بذلك يظهر حال كثير من التفصيلات بين الاضطرار و الاختيار و المتعة و غيرها، فالروايات المفصّلة محمولة على مراتب الكراهة شدّة و ضعفاً فالدوام أشدّ كراهة من المتعة فلاحظ ما دلّ على التفصيل. «1»

فلو حملنا النهي حتى في نوادر التفصيل على مراتب الكراهة فهو و إلّا يلزم حمل الكتاب و الروايات المجوزة على المتعة و هو كما ترى، لأنّه يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة، فحمل المجوّزة على الكراهة أظهر من تخصيص العمومات بها، هذا كلّه في الكتابية من اليهود و النصارى.

______________________________

(1) لاحظ في ما يدلّ على التفصيل بين الضرورة و الاختيار، أحاديث الباب الثالث من أبواب ما يحرم بالكفر، أو التفصيل بين المتعة و غيرها، الباب 13 من أبواب المتعة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 463

الكلام في نكاح المجوسية
6- هل المجوس من أهل الكتاب أو لا؟

ظاهر الكتاب أنّهم منهم قال سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ الصّٰابِئِينَ وَ النَّصٰارىٰ وَ الْمَجُوسَ وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللّٰهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيٰامَةِ إِنَّ اللّٰهَ عَلىٰ كُلِّ شَيْ ءٍ شَهِيدٌ). «1»

فقد جعل المجوس في مقابل: (وَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا) و هذا دليل على أنّهم ليسوا منهم، و

من المعلوم أنّ الكافر بين مشرك و كتابي و لا ثاني له إلّا نادراً و هم الذين قالوا: (مٰا هِيَ إِلّٰا حَيٰاتُنَا الدُّنْيٰا نَمُوتُ وَ نَحْيٰا وَ مٰا يُهْلِكُنٰا إِلَّا الدَّهْرُ). «2» غير المعتقدين بشي ء من العوالم الغيبية و كانوا بالنسبة إلى الطائفتين، قليلين جدّاً، و لأجل ذلك لم يعتدّ القرآن بهم.

و تؤيّده روايات و إن كانت غير نقية السند و لكنّها لكثرتها تصلح للتأييد و قد جمعها الشيخ الحرّ العاملي في كتاب الجهاد. «3» نذكر بعضها.

1- مرسلة أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابنا قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن المجوس أ كان لهم نبي؟ فقال: «نعم، أما بلغك كتاب رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم إلى أهل مكة: أسلموا و إلّا نابذتكم بحرب، فكتبوا إلى النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان، فكتب إليهم النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: إنّي لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب، فكتبوا إليه يريدون بذلك تكذيبه: زعمت أنّك لا تأخذ الجزية

______________________________

(1) الحج/ 17.

(2) الجاثية/ 24.

(3) الوسائل: 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 464

إلّا من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر، فكتب إليهم رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: أنّ المجوس كان لهم نبيّ فقتلوه و كتاب أحرقوه أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثني عشر ألف جلد ثور». «1»

و مثله رواية أُخرى و في ذيلها «كان يقال جاماست». 2

2- روى الصدوق بسند غير نقي، عن الأصبغ بن نباتة، أنّ علياً عليه السّلام قال على المنبر: «سلوني قبل أن

تفقدوني» فقام إليه الأشعث فقال: يا أمير المؤمنين كيف تؤخذ الجزية من المجوس و لم ينزّل عليهم كتاب، و لم يبعث إليهم نبيّ؟ فقال: «يا أشعث قد أنزل اللّه عليهم كتاباً و بعث إليهم نبيّاً». 3

روى الفريقان عن النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم قال: «سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب». 4

روى في المستدرك، عن أمير المؤمنين عليه السّلام: المجوس أهل الكتاب إلّا أنّه اندرس أمرهم و ذكر قصّتهم فقال: «تؤخذ الجزية منهم». 5

روى العياشي مرسلًا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال: «قال رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «سنّوا إلى المجوس سنة أهل الكتاب في الجزية». 6

و السابر في أبواب الأحاديث يجد روايات، غير ما ذكرنا، دالّة على أنّهم أهل الكتاب، أو يعاملون معاملة أهل الكتاب و تؤخذ منهم الجزية، نعم ورد في مناظرة الإمام الصادق عليه السّلام مع عمرو بن عبيد عند ما دعاه عمرو إلى بيعة محمّد بن عبد اللّه بن الحسن المعروف بالنفس الزكية، أنّ الإمام قال له: «أ كان عندكم و عند صاحبكم من العلم ما تسيرون فيه بسيرة رسول اللّه صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في المشركين في حروبه؟» قال: نعم، قال: «فتصنع ما ذا؟» قال: ندعوهم إلى الإسلام فإن أبوا دعوناهم إلى

______________________________

(1) 1- 3 الوسائل: 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 1 و 3 و 7.

(2) 4 الوسائل: 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 5، 9.

(3) 5 و 6 المستدرك: ج 2، الباب 42، من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 465

الجزية قال: «إن كانوا مجوساً

ليسوا بأهل الكتاب؟» قال: سواء. «1» و لكنّه محمول على أنّهم ليسوا مثل اليهود و النصارى المحتفظين على كتابهم و لو بشكل محرّف، لما عرفت من حديث الافتقاد.

و الآية و هذه الروايات كافية في إثبات الصغرى، إنّما الكلام في الكبرى الكلّية و أنّه يجوز تزويج الكتابية مطلقاً، من غير فرق بين اليهودية و النصرانية و غيرهما.

7- هل يجوز تزويج المجوسية؟

أقول: يمكن الاستدلال على الجواز بعمومية الكبرى، بقوله سبحانه: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ). «2» فانّ الموضوع هو: «من أُوتي الكتاب» قبل الإسلام و قد دلّت الروايات على أنّهم منهم.

و لقائل أن يقول بانصراف الآية إلى اليهود و النصارى لأنّهما القدر المتيقن في مقام التخاطب و لم تكن العرب تعرف المجوس بأنّهم ممّن أُوتي الكتاب.

و ما دلّ من الروايات على أنّهم من أهل الكتاب ناظر إلى المعاملة معهم معاملة أهل الكتاب في الجزية و حسب ما يرويه المفيد في المقنعة عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قال: «المجوس إنّما أُلحقوا باليهود و النصارى في الجزية و الديات لأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب». «3»

و قد تعامل معهم النبي صلَّى الله عليه و آله و سلَّم معاملة أهل الكتاب في أخذ الجزية كما يظهر من رواية الواسطي على ما مرّ و على ذلك لا يظهر ممّا مرّ جواز نكاح المجوسية، بل

______________________________

(1) الوسائل: 11، الباب 9 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و الحديث طويل.

(2) المائدة/ 5.

(3) الوسائل: 11، الباب 49 من أبواب جهاد العدو، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 466

غاية الأمر المعاملة معهم معاملة أهل الكتاب في جواز ضرب الجزية عليهم.

و لكن للتأمّل في منع التزويج مجال لأنّ جهل المخاطب

بفردية شي ء للعام لا يضرّ بعموم العام و إن كان يضرّ بإطلاق المطلق على ما يقولون، على أنّ العبرة، بعمومية التعليل الوارد في رواية المقنعة حيث علّل ثبوت الجزية و الديات بأنّه قد كان لهم فيما مضى كتاب.

أضف إليه، أنّ الموضوع فيما مضى من الروايات لجواز النكاح هو الذمية، لصحيح هشام بن سالم «1» و خبر منصور بن حازم «2» من أهل الذمة. و هم لأجل ضرب الجزية عليهم منهم.

و يؤيّد ذلك، ما ورد في خبر حفص بن غياث، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سأل رجل أبي عن حروب أمير المؤمنين عليه السّلام و كان السائل من محبّينا فقال له أبو جعفر عليه السّلام: بعث اللّه محمّداً صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بخمسة أسياف إلى أن قال: و السيف الثاني على أهل الذمة ... و إذا قبلوا الجزية على أنفسهم حرم علينا سبيهم و حرمت أموالهم و حلّت لنا مناكحتهم». «3»

و المجوس ينطبق اليوم على الزرادشتية و كتابهم المقدس «أوستا» و لكن تاريخ نبيّهم المعروف ب «زردشت»، غير واضح و قد افتقدوا الكتاب باستيلاء اسكندر على إيران ثمّ أُعيدت كتابته في زمن ملوك ساسان، و الظاهر أنّهم يعتقدون بوحدانية اللّه سبحانه و يسمّونه «أهورامزدا» و يسندون تدبير العالم إلى مبدأين مخلوقين للّه سبحانه و هما يزدان و أهريمن، أو النور و الظلمة و يقدّسون

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

(2) الوسائل: 18، الباب 49 من أبواب حدّ الزنا، الحديث 1.

(3) الوسائل: 8، الباب 5 من أبواب جهاد العدو، الحديث 2 و قد ورد في هذا الحديث التُّرك و الديلم و الخزر من مشركي العجم. فلاحظ.

نظام

النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 467

الملائكة و يعبدونها من دون أن يتّخذوا لهم أصناماً كالوثنية و يقدّسون من العناصر البسيطة النار و كانت لهم بيوت نيران، بايران و الهند و الصين. «1»

و لعلّ افتقادهم لكتابهم، و عبادتهم عباد اللّه (الملائكة) و تقديسهم النار، صار سبباً لابتعادهم عن أهل الكتاب الموحدين و اقترابهم من الوثنية حتى سنَّ فيهم سنّة أهل الكتاب. هذا كلّه من حيث القواعد.

8- حجّة القائلين بمنع تزويج المجوسية و نقدها
اشارة

و أمّا الروايات الخاصة: فهي على قسمين:

1- ما يدلّ على المنع مطلقاً:

1- صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الرجل المسلم يتزوّج المجوسية؟ فقال: «لا، و لكن إذا كانت له أمة مجوسية فلا بأس أن يطأها و يعزل عنها و لا يطلب ولدها». «2»

2- مضمرة إسماعيل بن سعد الأشعري، قال: سألته عن الرجل يتمتع من اليهودية و النصرانية؟ قال: «لا أرى بذلك بأساً» قال: قلت: فالمجوسية؟ قال: «أمّا المجوسية، فلا». «3»

2- ما يدلّ على التفصيل بين النكاح دواماً و متعة، فلا يجوز إلّا في الثاني

و الكلّ ضعاف:

1- خبر محمّد بن سنان عن الرضا عليه السّلام، قال: سألته عن نكاح اليهودية

______________________________

(1) الميزان: 14/ 393392.

(2) الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

(3) الوسائل: 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 468

و النصرانية؟ فقال: «لا بأس» فقلت: فمجوسية؟ فقال: «لا بأس به يعني متعة». «1» و الذيل من فهم الراوي.

2- خبر منصور الصيقل، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بالرجل أن يتمتع بالمجوسية». 2

3- مرسل حمّاد بن عيسى، مثله. 3

و ربّما يجمع بينهما بتخصيص القسم الأوّل بالثاني، و لكنّه لا يتمّ في مضمرة الأشعري، لورود التصريح فيها بالمنع عن المتعة.

و الأولى حمل الناهية على الكراهة الشديدة في الدائمة و ترتفع الشدّة في المتعة، و ذلك لتقديم نصّ الكتاب في جواز نكاح المحصنات من أهل الكتاب و اللّه العالم.

9- جواز نكاح الصابئة

اختلفت كلمات الفقهاء في تفسير الصابئة و قد وردت في الذكر الحكيم في آيات ثلاث، أعني: قوله سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هٰادُوا وَ النَّصٰارىٰ وَ الصّٰابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّٰهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ). 4 و قد نقل صاحب الجواهر أقوالهم و كان الأولى المراجعة إلى نفس الصابئين القاطنين في العراق و الأهواز و لقد التقيت بعض مشايخهم فاعترف بأنّهم من أُمّة النبيّ يحيى الذي وصفه سبحانه بقوله: (يٰا يَحْيىٰ خُذِ الْكِتٰابَ بِقُوَّةٍ وَ آتَيْنٰاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا). 5

______________________________

(1) 1 و 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 13 من أبواب المتعة، الحديث 4 و 5 «فيه حديثان».

(2) 4 البقرة/ 62، و لاحظ أيضاً سورة المائدة الآية 69، و الحج، الآية 17.

(3) 5 مريم/ 12. لاحظ فهرست ابن النديم

ص 459، و قد ذكر تلاقي المأمون مع علمائهم في أرض «حرّان» عند مسيره إلى غزو الروم.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 469

أضف إلى ذلك أنّ الآية تجعلهم في مقابل (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) و هو دليل على مغايرتهم مع المشركين و بما أنّ الطوائف الواردة في القرآن لا تتجاوز المشرك و الكتابي و الدهري، و بما أنّهم ليسوا مشركين و لا دهريين فمقتضى الحصر أنّهم من أهل الكتاب، و شهد القرآن على كون يحيى ذا كتاب و لعلّ رميهم بالتنصّر فلأجل قرب عهد النبيين يحيى و المسيح.

ثمّ إنّ انحصار أهل الكتاب في الأربعة: النصراني، و اليهودي، و المجوسي، و الصابئي مع كثرة الكتب و تجاوزها عن مائة لأجل كون كتب أصحاب الشرائع، تشمل التشريع و الأحكام و الفرائض و المحرّمات، و أمّا كتب غير هؤلاء لم تكن كتب شريعة و حكم و إنّما كانت كتب قصص و حكايات و مواعظ و نصائح.

10- ارتداد أحد الزوجين أو كليهما

إذا ارتدّ أحد الزوجين أو كلاهما فإمّا أن يكون المرتدّ هو الزوج أو الزوجة، أو كلاهما.

و على جميع التقادير فإمّا أن يكون ارتداد كلّ عن ملّة، أو عن فطرة و على جميع الفروض إمّا أن يكون الارتداد قبل الدخول، أو بعده.

و يقع الكلام في موضعين:

أحدهما: بقاء علقة النكاح أو انفساخها.

ثانيهما: استحقاقها للمهر كلًا، أو بعضاً.

الموضع الأوّل: في بقاء علقة النكاح و عدمه

المشهور عند الفقهاء هو التفصيل الآتي.

1- إذا ارتدّ أحد الزوجين عن الإسلام قبل الدخول انفسخ العقد بينهما في

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 470

الحال سواء كان الارتداد، عن ملّة أو فطرة، و سواء كان المرتد هو الزوج أو الزوجة. و سيوافيك ما هو المختار من

التفريق بين ارتداد الزوج أو الزوجة.

2- إذا ارتدّ أحد الزوجين بعد الدخول و كانت الزوجة هي المرتدّة، وقف انفساخ العقد على انقضاء العدّة و هي عندهم عدّة الطلاق، فإن انقضت العدّة و لم ترجع إلى الإسلام فقد بانت و إلّا فهو أملك بزوجته من غير فرق بين كون ارتدادها عن فطرة أو ملّة. و سيوافيك انّ الحقّ عدم الانفساخ.

3- إن كان الزوج هو المرتدّ بعد الدخول، فإن كان عن ملّة، يكون حكمه حكمَ الصورة الثانية، من توقف الفسخ على انقضاء العدّة مقدار عدّة الطلاق فإن عاد قبل انقضاء عدّتها فهو أملك بها و إلّا فقد بانت منه.

4- و إن كان ارتداده عن فطرة فهي تبين منه في الحال و تعتدّ عدّة الوفاة لوجوب قتله و عدم قبول توبته بالنسبة إلى الأحكام الدنيوية من بينونة زوجته، و قسمة أمواله و وجوب قتله و إن قبلت فيما بينه و بين اللّه.

و المهمّ هو الاستدلال على الأحكام الأربعة عن طريق السنّة، و إليك ما يدلّ منها عليها:

1- صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرتد؟ فقال: «من رغب عن الإسلام و كفر بما أُنزل على محمّد صلَّى الله عليه و آله و سلَّم بعد إسلامه فقد وجب قتله، و بانت منه امرأته، و يقسّم ما ترك على ولده». «1»

و هي منصرفة إلى الصورة الرابعة.

2- موثق عمّار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام و جحد محمّداً صلَّى الله عليه و آله و سلَّم نبوّته و كذّبه، فانّ دمه مباح لمن سمع

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 1، ص: 471

ذلك منه، و امرأته بائنة منه يوم ارتدّ، و يقسم ماله على ورثته، و تعتد امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها، و على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه». «1»

و الحديث راجع إلى الصورة الرابعة بقرينة قوله عليه السّلام: «كلّ مسلم بين المسلمين» و قوله عليه السّلام: «على الإمام أن يقتله و لا يستتيبه» و المراد من الورثة هو الأولاد حتى و لو أُريد منه الأعم، فالظاهر كون المرأة مدخولة إذ ليست مسألة الدخول من الأُمور التي يغفل عنها الراوي عن ذكره في باب النكاح.

3- خبر مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام: المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته و لا تؤكل ذبيحته و يستتاب ثلاثة أيّام، فإن تاب، و إلّا قتل يوم الرابع». «2»

و الحديث وارد في المرتدّ الملّي، بقرينة قوله: «فإن تاب (لم يقتل)» فإن حمل على غير المدخولة، يكون دليلًا على حكم الصورة الأُولى، في مورد الرجل فقط حيث قال: «تعزل عنه امرأته» و إن أخذ بإطلاقه (دخل أو لا) أو حمل على المدخولة كما هو الظاهر إذ لو كانت غير مدخولة لنبّه عليه الراوي، إذ ليست مسألة الدخول و عدمه من الخصوصيات المغفولة، يكون مخالفاً للحكم المذكور للصورة الثالثة من توقف الفسخ على انقضاء العدّة.

4- حسنة أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة، ثلاثة و تعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة، فإن رجع إلى الإسلام و تاب قبل أن تتزوّج فهو خاطب و لا عدّة عليها منه و إنّما عليها العدّة لغيره، فإن قتل أو

مات قبل انقضاء العدّة اعتدت منه عدّة

______________________________

(1) الوسائل: 18، الباب 1 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 3.

(2) الوسائل: 18، الباب 3 من أبواب حدّ المرتدّ، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 472

المتوفّي عنها زوجها، و هي ترثه في العدّة و لا يرثها إن ماتت و هو مرتدّ عن الإسلام». «1»

و الحديث راجع إلى الصورة الثالثة بقرينة قبول إسلامه، و مورده المدخولة بقرينة أنّه حكم عليها بالعدّة لغير الزوج و إن لم يكن له العدّة عليها، و الظاهر الانفساخ حين الارتداد على خلاف ما نقل عن المشهور، و لا يتوقف على انقضاء عدّة الطلاق، غاية الأمر لو أسلم يتزوّج في العدّة لعدم عدّة له عليها.

إلى الحال، تبيّن أنّ الحديث الأوّل و الثاني راجعان إلى الصورة الرابعة، و الثالث و الرابع راجعان إلى الثالثة، غير أنّ الأخيرتين تخالفان حكم المشهور، من توقف الفسخ على انقضاء العدّة. بل ظاهرهما الانفساخ بالارتداد.

و أمّا الصورة الأُولى و الثانية فلم يرد فيهما نصّ فلا بدّ من الرجوع إلى القواعد، ففي الصورة الأُولى، لو ارتدت الزوجة فلا وجه لبطلان العقد لأنّ إسلام الزوج لا يزيد له إلّا عزّاً، فلا وجه لانفساخ عقده معها بحجّة ارتداد زوجته أعني: بقاء الزوج على الإسلام نعم لو ارتدّ الزوج فالقول بالفسخ هو الأوفق بالقواعد.

و بهذا يظهر حكم الصورة الثانية، أعني: ارتداد الزوجة المدخول بها، فلا وجه للانفساخ، و إن كانت محكومة بالحبس و الضرب.

11- في إسلام أحد الزوجين
اشارة

هذه هي المسألة الثالثة من المسائل الثلاث التي بينها صلة أعني:

1- نكاح الكتابية ابتداء.

2- ارتداد أحد الزوجين أو كلاهما. و قد تقدّم البحث عنهما.

3- إسلام أحد الزوجين.

______________________________

(1) الوسائل: 17، أبواب موانع الإرث، الباب 6 في ذيل الحديث

5، و أبو بكر الحضرمي ثقة على الأقوى.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 473

و للمسألة شقوق ثلاثة:

1- إذا أسلم زوج الكتابية، فالمشهور أنّه على نكاحه سواء كان قبل الدخول أو بعده.

2- لو أسلمت زوجته الكتابيّة قبل الدخول، فالمشهور أنّه ينفسخ العقد.

3- لو أسلمت بعد الدخول، فالمعروف أنّه وقف الفسخ على انقضاء العدّة.

و إليك البحث عن الصور:

أمّا الصورة الأُولى: و هي إذا أسلم زوج الكتابية، فالحكم ببقاء العلقة هو الموافق للقاعدة خصوصاً على القول بجواز نكاح الكتابية ابتداءً، فكيف الاستدامة و أمّا على القول بعدم جوازه فينحصر عدم الجواز على الابتداء دون الإدامة و قد حكى الاتّفاق على حكم المسألة.

و يمكن الاستدلال بقوله سبحانه: (وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ مِنْ قَبْلِكُمْ). و هو يعمّ الابتداء و الإدامة، و لو سلّمنا باختصاصها بالزواج الابتدائي يثبت حكم الاستدامة بطريق أولى.

و أمّا ما ورد من الروايات، فالكلّ لا يخلو عن علّة:

1- خبر يونس، قال: الذي تكون عنده المرأة الذمية فتسلم امرأته، قال: «هي امرأته يكون عندها بالنهار و لا يكون عندها بالليل، قال: فإن أسلم الرجل و لم تسلم المرأة يكون الرجل عندها بالليل و النهار». «1»

و العبرة في الاستدلال بالذيل، و هو بإطلاقه يدلّ على بقاء العلقة مطلقاً سواء كان قبل الدخول أو بعده.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 474

و لكن الصدر معرض عنه و لم يعمل به إلّا الشيخ في كتبه الروائية لا الفتوائية بل أفتى فيها بخلافه.

2- ما رواه إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن بعض أصحابه عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «إنّ

أهل الكتاب و جميع من له الذمة إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما، و ليس له أن يخرجها من دار الإسلام إلى غيرها و لا يبيت معها و لكنّه يأتيها بالنهار. و أمّا المشركون مثل مشركي العرب و غيرهم فهم على نكاحهم إلى انقضاء العدّة. فإن أسلمت المرأة ثمّ أسلم الرجل قبل انقضاء عدّتها فهي امرأته. و إن لم يسلم إلّا بعد انقضاء العدّة فقد بانت منه و لا سبيل له عليها». «1»

و محل الاستدلال هو الفقرة الأُولى و هو إطلاق قوله: «إذا أسلم أحد الزوجين فهما على نكاحهما» و أمّا قوله: «و ليس له أن يخرجها» فهو راجع إلى أحد الشقين و هو إسلام الزوجة دون الزوج، فلم يعمل به المشهور، أمّا قبل الدخول فحكموا بالفسخ، و أمّا بعده فقالوا ببقاء العلقة إلى انقضاء العدّة، و أمّا الفقرة الثالثة، فالظاهر أنّها راجعة إلى المشرك و من شقوق الفقرة الثانية، فلاحظ.

3- صحيح ابن سنان في حديث: سألته: عن رجل هاجر و ترك امرأته مع المشركين ثمّ لحقت به بعد ذلك، أ يمسكها بالنكاح الأوّل، أو تنقطع عصمتها؟ قال: «بل يمسكها و هي امرأته». «2»

فالرواية واردة في المشرك، و الاستدلال به يتوقف على ادّعاء الولاية.

4- خبر منصور بن حازم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(2) المصدر نفسه، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 475

عدّتها فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، و إن هي لم تسلم حتى

تنقضي العدّة فقد بانت منه». «1»

و هي على خلاف ما ذهب إليه المشهور، فانّه يعلّق بقاء العلقة فيما إذا أسلم الزوج على إسلام الزوجة قبل انقضاء العدّة.

و لأجل ذلك قلنا: إنّ الروايات لا تخلو عن علّة مع أنّ الأخير خبر غير مصحَّح لأنّ محمّد بن خالد الطيالسي لم يوثق.

و الحقّ هو الاستدلال بالآية و الاتّفاق.

و أمّا الصورة الثانية: أعني إسلام الزوجة قبل الدخول، فيحكم بانفساخ العقد، و الدليل عليه، مضافاً إلى نفي السبيل: صحيحة عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي الحسن عليه السّلام في نصراني تزوّج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ قال: «قد انقطعت عصمتها منه و لا مهر لها و لا عدّة عليها منه». «2»

و لعلّ عدم المهر لأجل كون الفسخ جاء من قبلها.

و موثقة السكوني، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال أمير المؤمنين عليه السّلام في مجوسية أسلمت قبل أن يدخل بها زوجها فقال أمير المؤمنين عليه السّلام لزوجها: أسلم فأبى زوجها أن يسلم، فقضى لها عليه نصف الصداق و قال: لم يزدها الإسلام إلّا عزّاً». 3

و لعلّ الحكم بالنصف قضية في واقعة من قضايا الإمام عليه السّلام. لأنّ التنصيف في الطلاق لا الفسخ.

و أمّا الصورة الثالثة: أعني إذا أسلمت بعد الدخول، فالمشهور أنّه ينتظر إلى انقضاء العدّة فإن أسلم فيها فهي امرأته و إلّا بانت منه بإسلامها.

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(2) 2 و 3 الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 476

و استدل عليه، مضافاً إلى نفي السبيل، ببعض الروايات، بما يلي:

1- خبر منصور بن حازم قال: سألت

أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مجوسيّ كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء عدّتها فإن هو أسلم أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، و إن هي لم تسلم حتّى تنقضي العدّة فقد بانت منه» «1» و صدر الحديث و إن كان يعرب عن شمول الحكم للرجل و المرأة، لكن الذيل يخصّه بالثانية و أنّ الرجل إذا لم يسلم قبل العدّة فقد بانت منه، بخلاف ما إذا أسلم الرجل و لم تسلم المرأة فالنكاح باق مطلقاً، دخل أم لم يدخل، أسلمت قبل العدّة (المفروضة) أو لا.

و في سند الخبر محمّد بن خالد الطيالسي و هو بعد لم يوثق و بذلك يشكل الاحتجاج به.

2- موثقة السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «إنّ امرأة مجوسية أسلمت قبل زوجها فقال علي عليه السّلام: لا يفرق بينهما، ثمّ قال: إن أسلمت قبل انقضاء عدّتها فهي امرأتك و إن انقضت عدّتها قبل أن تسلم ثمّ أسلمت فأنت خاطب من الخطّاب». «2»

و مورد الرواية المجوسية و طبع الحال يقتضي أن يكون الزوج مجوسياً، و هل يمكن إلغاء الخصوصية (في المفارقة بعد العدة) فيما إذا كانا نصرانيين أو يهوديين و أسلمت زوجته دون زوجها؟ وجهان: أقواهما العدم لأنّ ثبوت الحكم في الأقوى، لا يكون دليلًا على ثبوته في الأضعف و الشرك أقوى في المجوس من النصراني، أضف إلى ذلك: أنّ خبر محمّد بن مسلم، يخصّ الحكم، بالمشركة إذا أسلمت،

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3، رواه الكليني و الشيخ إلّا أنّ في نسخة الكافي (عن مجوس) «أو مشرك من غير أهل الكتاب».

(2) الوسائل: 14، الباب

9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 477

دون الكتابية «1» و لأجل ذلك، يشكل الإفتاء بالمفارقة بعد انقضاء العدّة و إن كان عليه الأكثر.

قول آخر في المسألة للشيخ

اختار الشيخ في النهاية قولًا آخر، و هو إذا أسلمت زوجة الذمي و لم يسلم الرجل و كان الرجل على شرائط الذمة فانّه يملك عقدها إلّا أنّه لا يُمكَّن من الدخول إليها ليلًا و لا في الخلوة بها و لا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب. «2»

و يدلّ على ذلك خبر محمّد بن مسلم الماضي، و مرسل جميل بن درّاج عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السّلام انّه قال في اليهودي و النصراني و المجوسي إذا أسلمت امرأته و لم يسلم قال: «هما على نكاحهما و لا يفرق بينهما و لا يترك أن يخرج بها من دار الإسلام إلى الهجرة». «3»

و على كلّ تقدير، فقد رجع عنه الشيخ، و الخبران غير حائزين لشرائط الحجّية خصوصاً مرسل جميل، ففيه وراء الإرسال ضعف آخر لأجل علي بن حديد في سنده و إن كان فتوى الأكثر لا يخلو عن إشكال أيضاً.

إذا كانت الزوجة أو الزوج غير كتابيين و أسلم أحدهما

قد عرفت أنّ إسلام الزوج الكتابي لا يؤثّر شيئاً سواء كان قبل الدخول أم بعده، و إنّما المؤثّر إسلام الزوجة الكتابية فلو كان قبل الدخول ينفسخ، و إلّا

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(2) النهاية: 457.

(3) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 478

يستمهل إلى انقضاء العدّة. هذا في الكتابية.

و أمّا غيرها فقد نقل الاتّفاق على أمرين:

لو أسلم أحدهما قبل الدخول ينفسخ فوراً. و لو أسلم بعده، وقف على انقضاء العدّة، فلو أسلم الآخر، يبقى النكاح بحاله و إلّا ينفسخ.

فعندئذ يقع الكلام ما هو الفارق بين الكتابي و غيره من الكفّار؟ فنقول: إنّ نكاح الكتابية جائز ابتداء

و استدامة إلّا إذا كان هناك مانع فلأجله لو أسلم الزوج يبقى العقد بحاله، بخلاف الزوجة فلو أسلمت قبل الدخول ينفسخ لأجل عدم لزوم السبيل، و أمّا بعده فيستمهل إلى انقضاء العدّة.

و أمّا المقام، فبما أنّه لا يجوز تزويج المسلم المشركة و لا العكس فتنحصر الصحّة بصورة كون الزوجين مشركين بحكم أنّ لكلّ قوم نكاحاً، و بعد الإسلام لا يجوز الدوام عليه فينفسخ فوراً قبل الدخول، و أمّا بعده فيمهل إلى انقضاء العدّة عطفاً من الإسلام لئلا ينحلّ عقد الزواج الذي ربما أنجب أولاداً.

و هذا هو الفارق بين المسألتين حسب الأُصول الكلّية و إليك دليل الصورتين:

1- إذا أسلم أحد الزوجين قبل الدخول ينفسخ العقد لعدم تجويز زواج غير الكتابيّ لقوله سبحانه ابتداءً و استدامة: (وَ لٰا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوٰافِرِ) و يدلّ عليه بالأولوية حكم ما لو أسلمت الكتابية دون زوجها قبل الدخول فقد سبق أنّ النكاح ينفسخ، و هذه الصورة لا غبار عليها.

2- إذا أسلم بعد الدخول فيمكن الاستدلال عليه بما يلي من الخبرين:

1- خبر منصور بن حازم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مجوسي كانت تحته امرأة على دينه فأسلم أو أسلمت؟ قال: «ينتظر بذلك انقضاء

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 479

عدّتها فإن هو أسلم، أو أسلمت قبل أن تنقضي عدّتها فهما على نكاحهما الأوّل، و إن هي لم تسلم، حتّى تنقضي العدّة فقد بانت منه» و إذا ثبت الحكم في المجوسي يثبت الحكم في المشرك بطريق أولى، خصوصاً إذا اعتمدنا على نقل الكليني حيث رواه عن رجل مجوسي أو مشرك من أهل الكتاب .... «1»

و لأجل ذلك توقفنا في المسألة السابقة و قلنا: إنّ الحكم الثابت

في حقّ المجوسى لا يصح إسراؤه إلى أهل الكتاب و إن كان يصحّ الإسراء إلى المشرك.

و مثله: خبر محمّد بن مسلم ... «2» انّ صدره و إن كان غير معمول به لكن الذيل يوافق ما ذهب إليه المشهور.

12- انتقال زوجة الذمي إلى دين آخر

قال المحقّق: و لو انتقلت زوجة الذمي إلى غير دينها من ملل الكفر، وقع الفسخ في الحال و لو عادت إلى دينها، و هو بناء على أنّه لا يقبل منها إلّا الإسلام.

و ظاهره الحكم بالانفساخ، سواء كان الدين المنتقل إليه ممّا يُقَرُّ عليه أهله كاليهودية و النصرانية و المجوسية على القول به فيها، أو لا كالوثنية و الإلحاد.

و فصّل الشيخ بين الدين الذي لا يقرّ عليه أهله، فلا يقبل منها إلّا الإسلام أو الدين الذي خرجت منه، و الدين الذي يقرّ عليه أهله مثل إن انتقلت إلى يهودية أو نصرانية إن كانت مجوسية، أو كانت وثنية فانتقلت إلى اليهودية أو النصرانية، فيقبل منها ثمّ ذكر أقوال الشافعي في المسألتين. «3»

و استُدِلَّ لقول المحقّق، بقوله سبحانه: (وَ مَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلٰامِ دِيناً فَلَنْ

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 3.

(2) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5.

(3) الخلاف: 2، كتاب النكاح، المسألة 103، 104.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 480

يُقْبَلَ مِنْهُ) و بقوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «من بدل دينه فاقتلوه» «1» فيقع الفسخ بينهما في الحال لأنّها لا يقر على ذلك و إنّما الحكم فيها القتل، أو الدخول في الإسلام.

يلاحظ عليه: أيّ صلة بين عدم قبول دين غير الإسلام و انفساخ نكاحه فلما ذا لا يجري فيه ما ذكره الشيخ من التفصيل فإن

كان ممّا لا يقرّ أهله عليه، فيفسخ سواء كان قبل الدخول أم بعده، و أمّا إذا كان ممّا يقرّ عليه أهله فيقبل و قد تقدّم أنّ لكلّ قوم نكاحاً و أمّا النبوي ففيه مضافاً إلى ضعف السند ضعف دلالة، إذ من المحتمل أن يكون ناظراً إلى المرتدّ عن دين الإسلام، و على فرض العموم فلا ملازمة بين وجوب القتل و فسخ النكاح كما في المرتدّ عن ملّة، و أمّا الانفساخ في المرتد الفطري، فهو لأجل الارتداد، لا لأجل وجوب القتل.

فالحقّ هو عدم البطلان إذا لم يكن الارتداد عن دينه موجباً للانفساخ عند الزوجين أخذاً بقوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: «لكلّ قوم نكاح».

13- إذا أسلم عن أُمّ و بنتها

قال المحقّق: إذا تزوّج في حال الشرك امرأة و بنتها ثمّ أسلم بعد الدخول بهما، ففيه صور:

الأُولى: أن يكون قد دخل بهما.

الثانية: أن يدخل بالأُمِّ خاصة.

الثالثة: أن يدخل بالبنتِ فقط.

الرابعة: أن لا يدخل بواحدة منهما.

و أمّا الأقوال، فقال الشيخ: له إمساك أيّتهما شاء و يفارق الأُخرى،

______________________________

(1) الجامع الصغير: 2/ 101.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 481

و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و هو أقواهما عنده، و الآخر، يمسك البنت و يخلي الأُمّ و هو اختيار المزني. «1»

و الظاهر، التفصيل بين تحريمهما في الصورتين الأُوليين و تحريم خصوص الأُمّ في الثالثة، و الرابعة.

استدل الشيخ، بقياس المقام بما إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما في النكاح، فإنّما يحكم بصحة نكاح من ينضم الاختيار إلى عقدها، كما إذا عقد على عشرة دفعة واحدة، و أسلم و اختار منهنّ أربعاً فإذا فعل حكمنا بأنّ نكاح الأربع وقع صحيحاً، و نكاح الباقيات وقع باطلًا، و على هذا فمتى

اختار إحداهما حكمنا بأنّه هو الصحيح، و الآخر باطل، و أيضاً إذا جمع بين من لا يجوز الجمع بينهما و اختار في حال الإسلام، لكان اختياره بمنزلة ابتداء عقد، بدليل أنّه لا يجوز أن يختار إلّا من يجوز أن يستأنف نكاحها حين الاختيار، فإذا كان الاختيار كابتداء العقد كان كأنّه الآن تزوّج بها وحدها، فوجب أن يكن له اختيار كلّ واحدة منهما. 2

يلاحظ عليه: أنّ قياس المقام بالعقد بأكثر من أربع، قياس مع الفارق لأنّ المقتضي لاختيار كلّ واحد هناك موجود، و إنّما المانع الجمع، فيزول بالاختيار، و هذا بخلاف اختيار الأُمِّ على البنتِ مع العقد على البنت، فالمقتضي للاختيار ليس بموجود فيهما لأنّه بالعقد تصير أُمّ الزوجة فتكون محرّمة، و كيف يصحّ لمسلم أن يتزوّج مع أُمّ زوجته ابتداءً أو استدامة، و هذا مثل ما إذا عقد على خالته في زمان الكفر ثمّ أسلم.

و بذلك يظهر ضعف الدليل الثاني فإنّ الاختيار لو صحّ كونه بمنزلة العقد الجديد فإنّما يصحّ إذا كان الموردُ قابلًا للتزويج، كما في العقد على أزيد من

______________________________

(1) 1 و 2 الخلاف: 2/ 390، المسألة 108.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 482

أربع، مرّة واحدة، لا ما إذا لم يكن كذلك، و كانت المزوّجة أُمّ الزوجة، أو بنت الأُخت.

و هذا مثل ما إذا أوقب غلاماً، ثمّ تزوّج أُخته ثمّ أسلم، فكون الاختيار بعد الإسلام بمنزلة العقد ابتداء، إنّما يصحّ إذا كان المورد قابلًا للعقد في الشرع المبين، لا ما لم يكن كذلك.

و على هذا، فتفصيل المحقّق أوفق بالقواعد، أمّا حرمتهما في الصورتين الأُوليين فلكون الأُمّ، أُمّ الزوجة، و مع الدخول على الأُمّ لا يجوز نكاح البنت سواء دخل بالبنت

كما في الصورة الأُولى، أو لا كما في الصورة الثانية.

و أمّا الثالثة: أعني: إذا دخل بالبنت دون الأُم، فتحرم الأُم دون البنت أمّا الأُم فلكونها أُمّ الزوجة، و أمّا البنت فلا تحرم لأنّ العقد على الأُم لا يحرم البنت بدون الدخول على الأُم.

و أمّا الرابعة: فمثل الثالثة فتحرم الأُم للعقد على البنت دون البنت لعدم الدخول على الأُم.

و لكن هنا نظراً أدقّ من هذا التفصيل، و هو أنّه لو كان العقد و الدخول على الأُمّ سابقاً على العقد على البنت و الدخول عليها، لما تحرم الأُمّ، لأنّ الحرام لا يحرِّم الحلال السابق، فالأولى، الأخذ بما ذكره المحقّق مع ملاحظة هذه القاعدة، كما لا يخفى.

و اختار صاحب الحدائق قول الشيخ و قال: إنّ تفصيل المحقّق في هذه المسألة مبني على ما هو المشهور بينهم و كذا بين العامة، بل الظاهر اتّفاق الكلّ عليه حيث لم ينقلوا الخلاف فيه، إلّا عن أبي حنيفة في أنّ الكافر مكلّف بالفروع و الخطابات متوجهة إليه كما تتوجّه إلى المسلم، و إن كان قبول ذلك و صحّته منه مشروط بالإسلام، و حينئذ فما دلّ من الأخبار على تحريم الأُمّ بالعقد

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 483

على البنت أو بالدخول بها و كذا ما دلّ على تحريم البنت بالدخول على الأُمّ دون مجرّد العقد عليها و نحو ذلك شامل للكافر كالمسلم فيؤخذ به بعد الإسلام و يحكم عليه بذلك. «1»

ثمّ استظهر من بعض الروايات عدم عمومية الخطابات و الأحكام للكفّار.

أقول: الظاهر، أنّ الخلاف في عمومية الأحكام التكليفية و عدمها، و أمّا الوضعية كأحكام الغرامات و الضمانات و القصاص و الدية، فالظاهر العمومية و المقام منها، فلاحظ.

14- اختلاف الدين فسخ لا طلاق
اشارة

إذا كان

الاختلاف في الدين بعد النكاح فسخاً لا تجري عليه أحكام الطلاق بل يرجع إلى القواعد العامة في الانفساخ، أو النص الخاص.

أمّا مهر المطلّقة المفروض لها المهر، فهو في الطلاق النصف قبل الدخول و الكلّ بعده أخذاً بقوله سبحانه: (وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ). «2» و بمفهومه يدلّ على دفع الفريضة، عند المس.

و أمّا إذا لم يفرض لها مهر و عقبه الطلاق فالتمتيع عند عدم المس، لقوله سبحانه: (لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ). «3»

نعم مجرّد العقد لا يوجب المتعة و إنّما تجب المتعة بالطلاق كما يجب مهر المثل بالدخول.

______________________________

(1) الحدائق: 24/ 48.

(2) البقرة/ 237.

(3) البقرة/ 236.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 484

هذا حكم المطلّقة، و أمّا المقام، فالمعوّل هو النص الخاص، أو القواعد العامة للانفساخ.

إذا كان الفسخ قبل الدخول، فإن كان من جانب المرأة فالظاهر سقوط المهر لاقتضاء الفسخ رجوع العوضين إلى مالكهما، هذا مضافاً إلى ما ورد في صحيح ابن الحجّاج، عن أبي الحسن عليه السّلام في نصراني تزوّج نصرانية فأسلمت قبل أن يدخل بها؟ قال: «قد انقطعت عصمتها منه و لا مهر لها و لا عدّة عليها منه». «1»

و إن كان جانب الزوج فكذلك أخذاً بمقتضى الانفساخ لرجوع كلّ عوض إلى مالكه، و احتمال النصف قياساً بالطلاق، كما ترى.

و لو قيل بوجوب الدفع، فاحتمال وجوب الكلّ ليس بأقلّ من احتمال النصف لو لم يكن أولى، قياساً على الموت أوّلًا، و المهر يجب بالعقد ثانياً، و لذلك يجوز لها عدم التمكين إلّا بأخذ

المهر كلّه.

و الاستدلال على وجوب النصف بما ورد في المرتدِّ من أنّها تبين كما تبين المطلّقة، «2» كما ترى، لأنّ الاستدلال مبنيّ على كون وجه الشبهة انتصاف المهر قبل الدخول و عدمه بعده.

و أمّا إذا كان الفسخ بعد الدخول منه أو منها، فالمهر ثابت لا يسقط لعارض، لاستقراره بالانتفاع بالبضع، ففي صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل دخل بامرأة؟ قال: «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة». «3»

______________________________

(1) الوسائل: 14، الباب 9 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 6.

(2) الوسائل: 17، الباب 6 من أبواب موانع الإرث، الحديث 4.

(3) الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 485

فروع حول المسألة:

1- لو أسلما دفعة واحدة فلا فسخ.

2- لو لم يعلم الحال و احتمل الاقتران فكذلك استصحاباً لعلقة الزوجية.

3- و إن علم عدم الاقتران فلو كان بعد الدخول فلا ثمرة للتقدّم و التأخّر، و أمّا إذا كان قبله فعلى القول بسقوط المهر أخذاً بالانفساخ لا ثمرة للعلم بالتقدّم أو التأخّر، و أمّا على القول بوجوب النصف أو الجميع فأصالة بقاء اشتغال الزوج، مثبت بالنسبة إلى الجميع فلا محيص عن التصالح و الإرضاء.

15- لو أسلم الرجل و كان المهر فاسداً

إنّ فساد المهر تارة يستند إلى اختلال شرط من شروط صحّته، ككونه مجهولًا، و أُخرى إلى كونه حراماً في شرع الإسلام، كما إذا كان خمراً أو خنزيراً.

أمّا الأوّل: فإن كان الإسلام بعد الدخول، وجب به مهر المثل أخذاً بالضابطة، فيما إذا كان المسمّى فاسداً لأجل الجهالة أو غيرها و إن كان قبله فلو كان من المرأة فلا شي ء لكون الفسخ من جانبها و إن كان من قبل الرجل بنى على الاختلاف السابق، فيما إذا كان المهر صحيحاً، فعلى المختار لا شي ء، و على القول بالنصف أو الكلّ في المسألة السابقة وجب هنا نصف مهر المثل أو كلّه.

و أمّا إذا لم يدخل و لم يسم، فهل لها التمتع، قياساً على صورة الطلاق «1» أو لا؟ الظاهر هو الثاني لعدم الدليل.

و أمّا الثاني: أعني ما إذا كان الفساد لعدم صحّة التملّك و قد دخل بها، فإن

______________________________

(1) قال سبحانه: (لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضة و متعوهنّ على الموسع قدره و على المقتر قدره متاعاً بالمعروف حقّاً على المحسنين. (البقرة/ 236)

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 486

أقبضها سقط قطعاً لوجود التراضي عليه و إن لم يقبض،

ففيه وجوه:

1- سقوط المهر كلّه.

2- مهر المثل.

3- قيمته عند مستحلّيه.

و استقرب صاحب الجواهر الوجه الأوّل، لأجل البراءة، و قاعدة الجب.

يلاحظ عليه: أنّ مقتضى قاعدة الإقدام هو الاشتغال، لأنّ المرأة لم تقدم على التمكين بلا عوض و بلا شي ء، فكيف تكون البراءة حاكمة، فمقتضى القاعدة الرجوع إلى مهر المثل كما هو المحكَّم في كلّ مورد لم يصحّ تملّك الثمن عملًا بالقاعدة المعروفة: «ما يضمن بصحيحه، يضمن بفاسده» و هذا متعيّن، لو لا وجود المعتبرتين، و هما:

1- معتبرة طلحة بن زيد، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجلين من أهل الذمة أو من أهل الحرب تزوّج كلّ واحد منهما امرأة و مَهرَها خمراً و خنازير ثمّ أسلما؟ قال: «ذلك النكاح جائز حلال لا يحرم من قبل الخمر و الخنازير» و قال: «إذا أسلما حرم عليهما أن يدفعا إليهما شيئاً من ذلك يعطياهما صداقهما». «1»

و ضمير التثنية في «يدفعا» يرجع إلى الرجلين و في «إليهما» إلى الزوجتين و الظاهر من صداقهما القيمة يحتمل أن يكون المراد هو مهر المثل، و طلحة بن زيد و إن كان زيدياً بتريّاً، لكن قال الشيخ: إنّ له كتاباً و لعلّ عبد اللّه بن المغيرة أخذه من كتابه و مورد الرواية إسلام كليهما.

2- معتبرة عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: النصرانيّ يتزوّج النصرانية على ثلاثين دَنّاً خمراً و ثلاثين خنزيراً ثمّ أسلما بعد ذلك و لم يكن

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 1، ص: 487

دخل بها؟ قال: «ينظر كم قيمة الخنازير و كم قيمة الخمر و يرسل به إليها ثمّ يدخل عليها و هما على

نكاحهما الأوّل». «1»

و توصيفه بالخبر لأجل وقوع القاسم بن محمّد الجوهري في سنده و روى عنه الثقات مثل ابن أبي عمير، و صفوان و هو آية الوثاقة، إذ أكثرا الرواية عنه، و استند المحقّق الخوئي في توثيقه لوقوعه في أسناد روايات «كامل الزيارات» و هو غير تام كما أوضحناه في كتابنا: «كلّيات في علم الرجال». «2»

و الظاهر هو القيمة و لأنّ مهر المثل ربّما يزيد القيمة و ربّما ينقص.

تمّ الجزء الأوّل من كتاب النكاح بقلم مؤلّفه أحقر العباد

جعفر السبحاني

ابن الفقيه الشيخ محمد حسين السبحاني التبريزي

عاملهما اللّه بلطفه الخفي

و يليه الجزء الثاني مبتدأً بشرطيّة الكفاءة

بفضل منه تعالى.

______________________________

(1) الوسائل: 15، الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2) كلّيات في علم الرجال: 299، طبع بيروت.

الجزء الثاني

الفصل الثاني عشر: في الكفاءة و لواحقها

اشارة

1- المؤمن كفؤ المؤمن

2- تزويج المؤمنة بالمخالف

3- تحديد الإسلام و الإيمان و دراسة أدلّة الموافق و المخالف

4- التمكّن من بذل النفقة شرط لزوم العقد إذا كانت جاهلة

5- لو تجدّد عجز الزوج عن بذل النفقة

6- وجوب الإجابة على الولي و عدمه

7- لو انتسب إلى قبيلة فبان عدمها

8- يكره التزويج بالفاسق

9- لو تزوّج بامرأة ثمّ علم بأنّها زنت

10- الكلام في الرجوع إلى المهر

11- أحكام التعريض بالخطبة

12- إذا تزوّجت المطلّقة ثلاثا مع شرط الطلاق و فيها صور ثلاث

13- في نكاح الشغار و حكمه و صوره.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 7

الكفاءة في النكاح و لواحقها

الأول: المؤمن كفؤ المؤمن

لا إشكال في شرطيّتها و إنّما الكلام في المراد منها، و فسّرها المحقق:

بالتساوي في الإسلام في كتابيه: الشرائع، و النافع، و تبعه الشهيد الثاني في المسالك، و المحدّث الكاشاني في المفاتيح، و نقله في المسالك، عن الشيخ المفيد و ابن حمزة، للإجماع على اعتباره و عدم الدليل الصالح لاعتبار غيره، و المراد من الإسلام في المقام، هو التصديق القلبي بتوحيده سبحانه و نبوّة نبيّه محمّد صلى اللّه عليه و آله و سلم و جميع ما جاء به من المعارف و الأصول و الأحكام إجمالا و إن لم يعرفها تفصيلا، و إن كان منكرا لبعض ما جاء به قطعا عن اجتهاد أو تقليد للآباء و يزعم أنّه ليس ممّا جاء به كإمامة الإمام أمير المؤمنين و أولاده المعصومين عليهم السّلام.

و يقابله، الإيمان الذي يؤمن بإمامته و إمامة من نصّ على إمامتهم النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم- نعم ربّما يطلق الإسلام على مجرد التلفّظ بالشهادتين،

مع عدم حصول الإذعان، في مقابل الإيمان الذي يراد منه الإذعان بهما و على ذلك جرى القرآن الكريم في مورد إيمان الأعراب، قال سبحانه: قٰالَتِ الْأَعْرٰابُ آمَنّٰا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنٰا وَ لَمّٰا يَدْخُلِ الْإِيمٰانُ فِي قُلُوبِكُمْ «1». و لكنّه اصطلاح خاص غير مقصود في المقام بل المراد من الإسلام الإيمان و الإذعان بتوحيده سبحانه و نبوّة نبيّه و جميع ما جاء به.

______________________________

(1)- الحجرات: 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 8

الثاني: تزويج المؤمنة بالمخالف

و هل يشترط وراء الإسلام بالمعنى الذي عرفت، الإيمان و الاعتقاد بولاية الأئمّة الاثني عشر أو لا؟

قال العلّامة: المشهور اشتراط إيمان الزوج في نكاح المؤمنة «1» و لكن النسبة غير متحققة و المسألة ذات قولين و الأشهر هو الجواز و إليك بعض النصوص.

1- قال في الخلاف: الكفاءة معتبرة في النكاح، و هي عندنا شيئان، أحدهما، الإيمان- و الآخر- إمكان القيام بالنفقة، و قال الشافعي شرائط الكفاءة ستة: النسب، و الحرّية، و الدّين، و الصناعة، و السلامة من العيوب، و اليسار، ثمّ نقل أقوال أبي حنيفة و أصحابه، مثل أبي يوسف، و محمّد بن الحسن الشيباني فبعضهم حذف الحريّة و السلامة، و البعض الآخر، حذف الصناعة أيضا، و البعض الآخر، أثبت الصناعة و حذف الدين «2».

و لا يخفى عدم دلالته على اعتبار الإيمان بالمصطلح عندنا. و لذلك يدل الإيمان بالدين عند تبيين عقائد المخالفين، و ليس فيه أيّ إشعار بشي ء بل الظاهر أنّ المراد من الإيمان هو الدين.

2- و قال في المبسوط: الكفاءة معتبرة بلا خلاف في النكاح و عندنا هي الإيمان مع إمكان القيام بالنفقة و فيه خلاف، منهم من اعتبر ستة أشياء: النسب، و الحرية، إلى آخر

ما ذكره «3».

______________________________

(1)- و في الجواهر: 30/ 93، لم يحك أحد هنا الخلاف في ذلك عمّن علم أنّ مذهبه كفر المخالفين و نجاستهم، كالمرتضى، و ابن ادريس و غيرهما.

(2)- الخلاف: 2/ 366، مسألة 27.

(3)- المبسوط: 4/ 178.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 9

3- و قال في النهاية: و لا يجوز تزويج المؤمنة إلّا بالمؤمن و لا يجوز تزويجها بالمخالف في الاعتقاد. «1»

4- و قال ابن البراج: الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح و إن تفاضلوا في النسب و الشرف. «2»

5- و قال في السرائر: «عندنا أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح أمران، الإيمان و اليسار بقدر ما يقوم بأمرها» و المراد منه هو الإسلام بشهادة أنّه قال في ذيله (و ليس للمرأة الخيار إذا لم يكن موسرا و لا يكون العقد باطلا بل الخيار إليها و ليس كذلك خلاف الإيمان الذي هو الكفر إذا كان كافرا فانّ العقد باطل «3» فتأمل.

6- و قال ابن حمزة يكره أن يزوّج كريمته من خمسة: المستضعف المخالف إلّا مضطرا «4».

7- و قال المحقق فيه روايتان: أظهرهما الاكتفاء بالإسلام و إن تأكّد استحباب الإيمان و هو في طرف الزوجة أتم لأنّ المرأة تأخذ من دين بعلها «5».

8- و قال يحيى بن سعيد: و الكفاءة في النكاح: الإسلام و اليسار بقدر مئونتها فان بان أنّه لا يقدر فلها الفسخ «6».

9- و قال العلامة في التذكرة: ذهب أكثر علمائنا إلى أنّ الكفاءة المعتبرة في النكاح شيئان: الإيمان و إمكان القيام بالنفقة برواية الصادق عليه السّلام عن النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم عند ما أمر النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم بتزويج الأبكار فقام رجل

قال: يا رسول اللّه فممّن نزوّج؟

قال: «الأكفّاء» قال: يا رسول اللّه من الأكفّاء، فقال: «المؤمنون بعضهم أكفاء بعض» «7».

______________________________

(1)- النهاية: 458.

(2)- المهذّب: 2/ 179.

(3)- السرائر: 2/ 557.

(4)- الوسيلة: 291.

(5)- الجواهر: 30/ 92.

(6)- الجامع للشرائع: 439.

(7)- التذكرة: كتاب النكاح: 2/ 604 البحث السابع: في الكفاءة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 10

10- يقول فقيه عصره، السيّد الاصفهاني في وسيلته: «و أمّا نكاح المؤمنة المخالف غير الناصب ففيه خلاف و الجواز مع الكراهة لا يخلو من قوة و حيث إنّه نسب إلى المشهور عدم الجواز فلا ينبغي ترك الاحتياط مهما أمكن» «1».

11- يقول السيّد الخوئي: يجوز للمؤمنة أن تتزوّج بالمخالف على كراهية بل الأحوط تركه إلّا إذا خيف عليه الضلال «2» و على الجملة لم نجد نصّا من القدماء و لا من المتأخرين بعد المحقق إلى زمن سيّد المدارك و الحدائق على منع تزوّج المؤمنة من المخالف إلّا الشيخ في النهاية، و أمّا التزويج من الناصب فلا إشكال في حرمته لكفره و انكاره ما علم من الدين ضرورة فهو خارج عن مورد الكلام.

فاذا كان ملاك الكفاءة هو الإيمان و الإسلام فيجب تحديدهما.

الثالث: تحديد الإسلام و الإيمان

اشارة

هناك روايات تحدّد الإسلام و الإيمان، و أنّ الأوّل يحقن به الدماء و عليه المناكح و المواريث و الإيمان فوقه مثل:

1- موثقة سماعة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أخبرني عن الإسلام و الإيمان أ هما مختلفان؟ فقال: «إنّ الإيمان يشارك الإسلام و الإسلام لا يشارك الإيمان» فقلت: فصفهما لي؟ فقال: «الإسلام شهادة أن لا إله إلّا اللّه و التصديق برسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهره جماعة

الناس».

الخ «3»

2- صحيحة فضيل بن يسار قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «إن الإيمان يشارك الإسلام و لا يشاركه الإسلام، إن الإيمان ما وقر في القلوب،

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2/ 388، المسألة 8.

(2)- منهاج الصالحين: 2/ المسألة 1298.

(3)- الكافي: 2/ 25- 26، كتاب الايمان و الكفر، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 11

و الإسلام ما عليه المناكح و المواريث و حقن الدماء، و الإيمان يشرك الإسلام و الإسلام لا يشرك الإيمان «1».

3- خبر حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام سمعته يقول: «... و الإسلام ما ظهر من قول أو فعل، و هو الذي عليه جماعة الناس من الفرق كلّها، و به حقنت الدماء، و عليه جرت المواريث، و جاز النكاح» 2.

4- صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام بم يكون الرجل مسلما تحلّ مناكحته و موارثته؟ و بم يحرم دمه؟ قال: «يحرم دمه بالإسلام إذا ظهر، و تحلّ مناكحته و موارثته» «3».

و تفسير المناكحة في هذه الروايات بمناكحة هؤلاء بعضهم ببعض لا مع العارف و العارفة- كما ترى- مع تصريحه «من الفرق كلّها» مع أنّ الحكم بصحّة نكاحهم لا يتوقف على إسلامهم، إذ «لكلّ قوم نكاح» و إن لم يكونوا مسلمين.

5- صحيح علاء بن رزين، أنّه سأل أبا جعفر عليه السّلام عن جمهور الناس، فقال: «هم اليوم أهل هدنة، تردّ ضالّتهم، و تؤدّى أمانتهم، و تحقن دماؤهم و تجوز مناكحتهم و موارثتهم في هذه الحال» «4».

6- خبر القاسم الصيرفي شريك المفضل قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «الإسلام يحقن به الدم، و تؤدّى به الأمانة، و تستحلّ به

الفروج، و الثواب على الإيمان» «5».

7- صحيحة أبان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستضعفين؟ فقال:

______________________________

(1) و 2- الكافي: 2/ 26، كتاب الايمان و الكفر، باب أنّ الإيمان يشرك الإسلام، الحديث 3 و 5.

(3)- الوسائل: 14/ الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 17.

(4)- الوسائل: 14/ الباب 12 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

(5)- الوسائل: 14/ الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 12

«هم أهل الولاية» فقلت: أيّ ولاية؟ فقال: «أما أنّها ليست بالولاية في الدين و لكنّها الولاية في المناكحة و الموارثة و المخالطة» «1».

8- خبر حمران الذي هو أيضا بهذا المضمون 2.

9- صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن الإيمان؟

فقال: «الإيمان ما كان في القلب، و الإسلام ما كان عليه التناكح و المواريث و تحقن به الدماء» 3.

10- خبر هشام بن الحكم عند ما سئل عن تزويج العجم من العرب و العرب من قريش و قريش من بني هاشم فقال: نعم. فقيل له: عمّن أخذت هذا؟ قال عن جعفر بن محمّد عليه السّلام سمعته يقول: «أ تتكافأ دماؤكم و لا تتكافأ فروجكم» «4».

11- خبر الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فأزوجها الرجل غير الناصب و لا العارف؟ فقال: «غيره أحبّ إليّ منه» «5».

و حمل «أفعل» التفضيل على غير التفضيل كما فعل صاحب الحدائق، خلاف الظاهر، بمعنى أنّه محبوب دون ذاك كما في قوله تعالى: رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ «6» و لو لا القرينة في الآية لما

حمل على الخلوّ من الفضل، كما لا يخفى.

هذه الروايات و غيرها صريحة في الجواز و لا يمكن العدول عنها إلّا بدليل قاطع، و إليك ما استدلّ به صاحب الحدائق على المنع.

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14/ الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 5 و 12 و 13.

(4)- الوسائل: 14 الباب 26 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 3.

(5)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 11.

(6)- يوسف: 33.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 13

أدلّة المانع

استدل القائل بعدم الجواز بروايات نذكرها:

1- معتبرة «1» علي بن مهزيار، قال: كتب علي بن أسباط، إلى أبي جعفر عليه السّلام في أمر بناته و أنّه لا يجد أحدا مثله. فكتب إليه أبو جعفر عليه السّلام: «فهمت ما ذكرت من أمر بناتك و أنّك لا تجد أحدا مثلك، فلا تنظر في ذلك رحمك اللّه، فإنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ» «2».

2- صحيحة إبراهيم بن محمّد الهمداني، قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام في التزويج فأتاني كتابه بخطّه: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إذا جاءكم من ترضون خلقه» الخ 3.

3- معتبرة الحسين بن بشّار الواسطي قال: كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام أسأله عن النكاح؟ فكتب إليّ: «من خطب إليكم فرضيتم دينه و أمانته فزوّجوه» الخ 4.

وجه الاستدلال أنّ المخالف ممّن لا يرضى بدينه.

و أجاب الشهيد الثاني بأنّ قوله: «ممّن ترضون دينه» محمول على الاستحباب بقرينة اشتراط الخلق بمعنى السجية في الحديث الأوّل و الثالث و الأمانة في الحديث

الثالث، مع عدم كونهما شرطا في صحّة العقد، و هذا دليل على أنّه قصد من اشتراط كلّ من الأمرين الكمال.

و ردّ عليه صاحب الحدائق بأنّ الخلق بمعنى الدين كما في قوله سبحانه:

______________________________

(1)- و التعبير بها لأجل وقوع سهل بن زياد في طريقها.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1- 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 14

إِنْ هٰذٰا إِلّٰا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ «1» و لكنّه غير تام لأنّ حمل الخلق على الدين خلاف الظاهر «2».

و الاولى أن يقال: إنّ الدين في الروايتين الاوليين هو الإسلام، بشهادة كونهما حاكيتين قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و هو في لسانه يوم ذاك هو الإسلام لا الإسلام المقيّد بالولاية و قال سبحانه: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللّٰهِ الْإِسْلٰامُ «3». و وروده في لسان أبي جعفر عليه السّلام مستقلّا في الرواية الثالثة لا يدلّ على أنّ المقصود هو الإيمان لأنّه حاك قول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و إن لم يصرّح بالحكاية فيها لتصريحه بها في المكاتبتين الأولى و الثانية، فلاحظ.

و المراد أنّه إذا كان الرجل مسلما لا نصرانيّا و لا يهوديّا و لا مجوسيّا فزوّجوه فانّ المسلم كفؤ المسلم و لا يطلبوا شيئا غيره، و إلّا و الصبر إلى أن يخطب رجل مثلك (علي بن أسباط) يستعقب الفتنة و الفساد بين الشباب.

4- خبر زرارة بن أعين، على رواية الكافي لوقوع موسى بن بكر في سنده، و صحيحه على رواية الصدوق، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تزوّجوا في الشّكاك و لا تزوّجوهم فانّ المرأة تأخذ من أدب زوجها و يقهرها على دينه» «4».

و كون الشكاك

مبهم المراد، لا يضرّ بالاستدلال، لأنّ العبرة في الاستدلال على عموم التعليل. و الاستدلال تام، لو لا المعارض و قد عرفته، فينتهي الأمر إلى الجمع أو الطرح كما سيوافيك.

5- خبر فضيل بن يسار، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّ لامرأتي اختا

______________________________

(1)- الشعراء: 137.

(2)- و يؤيّده قوله عليه السّلام في مكاتبة الحسين بن بشّار الواسطي: لا تزوّجه إن كان سيّئ الخلق. الوسائل:

14 الباب 30 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1.

(3)- آل عمران: 19.

(4)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث: 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 15

عارفة على رأينا و ليس على رأينا بالبصرة إلّا قليل، فأزوّجها ممّن لا يرى رأيها؟ قال:

«لا و لا نعمة إنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: فَلٰا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفّٰارِ لٰا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَ لٰا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» «1».

و الخبر ضعيف لأنّ «علي بن يعقوب» في السند لم يوثّق. و لعلّ المراد الناصب بقرينة خبر الآتي.

6- خبره الآخر، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن نكاح الناصب، فقال:

«لا و اللّه، ما يحلّ» قال فضيل: ثمّ سألته مرّة أخرى، فقلت: جعلت فداك ما تقول في نكاحهم؟ قال: «و المرأة عارفة»؟ قلت: عارفة، قال: «إنّ العارفة لا توضع إلّا عند عارف» «2».

و الخبر ضعيف لإرساله لأنّ الحسن بن محمّد بن (سماعة) رواه عن غير واحد و لم يسمّهم.

7- خبره الثالث، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فأزوّجها غير الناصب و إلّا العارف؟ فقال «غيره أحبّ إليّ منه» 3.

و الخبر ضعيف، لوقوع أبي جميلة في سنده و هو الفضل بن صالح

الأسدي، أضف إليه ضعف الدلالة، لما عرفت عند الاستدلال بخبر الفضيل بن يسار (الخبر الحادي عشر من أدلّة المجوّزين).

8- صحيح عبد اللّه بن سنان، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الناصب الذي قد عرف نصبه و عداوته هل يزوّجه المؤمن و هو قادر على ردّه و هو لا يعلم بردّه؟ قال: «لا يتزوّج المؤمن الناصبة و لا يتزوّج الناصب المؤمنة، و لا يتزوّج

______________________________

(1)- الوسائل: 14/ الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 4، و الآية 10 من سورة الممتحنة.

(2) و 3- الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 5 و 15.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 16

المستضعف مؤمنة «1».

و العبرة بالفقرة الأخيرة.

و الرواية صحيحة و عبد الرحمن بن أبي نجران، الواقع في طريقه، ثقة، و لكن الاعتماد عليها مشكل لورود الترخيص في تزويج المستضعف، مثل: صحيحة عمر ابن أبان قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المستضعفين؟ فقال: «هم أهل الولاية» فقلت أيّ ولاية؟ فقال: «أما أنّها ليست بالولاية في الدين، و لكنّها الولاية في المناكحة، و الموارثة و المخالطة، و هم ليسوا بالمؤمنين و لا الكفّار، منهم المرجون لأمر اللّه عزّ و جلّ» «2».

و مثله خبر حمران 3.

و مع ذلك يشكل الاعتماد عليه، و عند ذلك يتعيّن الحمل على الكراهة.

9- التمسّك بالنهي عن تزويج الناصب «4» غير أنّه يجب تحقيق مفهوم الناصب حديثا و لغة، أمّا الأوّل فقد فسّر بوجوه:

1- مطلق المخالف غير المستضعف بمعنى كلّ من قدّم على علي عليه السّلام «5».

2- المبغض للشيعة و إن لم يكن مبغضا عليا و أولاده عليهم السلام كما يدلّ عليه ما رواه الصدوق في رواية

«... و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم أنّكم تتولّونا و أنّكم من شيعتنا» «6».

3- المبغض لأئمة أهل البيت و المعلن بعدائهم.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 3.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث: 5، 12.

(4)- الوسائل: 14 لاحظ روايات الباب 10 من أبواب ما يحرم بالكفر.

(5)- الوسائل: 19 الباب 68 من أبواب قصاص النفس الحديث 4.

(6)- الوسائل: 19 الباب 68 من أبواب قصاص النفس الحديث 2 و 3، عقاب الأعمال: 247.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 17

و أمّا اللغة، ففي القاموس: و النواصب، و الناصبية، و أهل النصب: المتدينون ببغض علي- رضي اللّه عنه- لأنّهم نصبوه أي عادوه. و هو كما ترى يفسّر الناصب بالمعنى الأخص.

فنقول: إنّ النصب ذو مراتب و من مراتبه الخفيفة، هو بغض الشيعة، مع عدم بغض أئمتهم- عليهم السلام- لكن ذلك لا يثبت أنّ النصب بهذا المعنى هو الموضوع لحرمة التزويج و لنجاسته و حرمة ذبيحته، إذ من الجائز أن يكون الموضوع لحرمتها هو المرتبة الشديدة و هو من أبغض أهل البيت كما هو المصرّح به في بعض الروايات. ففي رواية الفضيل بن يسار، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المرأة العارفة هل أزوّجها الناصب؟ قال: «لا، لأنّ الناصب كافر» قلت: فازوّجها الرجل غير الناصب و لا العارف؟ فقال: «غيره أحبّ إليّ منه» «1».

و قد ورد في لسان الروايات قولهم «الناصب لنا أهل البيت» فاذا تردّد المخصص بين الأقل و الأكثر و كان منفصلا فالمرجع هو عمومات جواز النكاح إلّا ما خرج بالدليل.

و حصيلة البحث: أنّ الروايات على طائفتين إحداهما: صريحة في جواز

التزويج و فيها الصحيح و غيره، ثانيتهما: ظاهرة في المنع القابل للحمل على الكراهة. و أكثرها أخبار، لا صحاح، و بذلك يحصل التوفيق بين الطائفتين.

و أمّا ما صنعه صاحب الحدائق «2» من حمل ما دلّ على الجواز، على التقية و استشهد بأمثلة أو ما صنعه صاحب الوسائل حيث قال في عنوان الباب: «باب جواز مناكحة الناصب عند الضرورة و التقية» فغير تامّ جدّا.

لأنّ التقية لا تثبت إلّا جواز العمل و أمّا ثبوت النسب و الأولاد، و المواريث

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب ما يحرم بالكفر الحديث 11.

(2)- الحدائق: 24/ 60.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 18

فيحتاج إلى الدليل، على أنّه يتفرّع على القول به مفاسد لا يلتزم بها الفقيه، من انفساخ العقد لو تجدّدت المعرفة للزوجة إذا كانت قبل الدخول و توقفه إلى انقضاء العدة، إذا تجدّدت بعده.

و الظاهر، هو الجواز إلّا إذا خيف على المؤمنة الضلال فتحرم بالعنوان الثانوي كما لا يخفى.

أضف إلى ذلك أنّه لو كان أمرا غير جائز، يجب تضافر النصوص عنهم عليهم السّلام عليه لكثرة الابتلاء.

الرابع: هل التمكن من النفقة شرط، أو لا؟

اشارة

يظهر من الشيخ و من بعده إلى زمان المحقق، أنّ للكفاءة دعامتين أحدهما:

الإيمان، و الآخر: إمكان القيام بالنفقة، و إليك بعض النصوص.

قال الشيخ المفيد: المسلمون الأحرار يتكافئون بالإسلام و الحريّة في النكاح، و إن تفاضلوا في الشرف بالأنساب، كما يتكافئون في الدماء و القصاص، فالمسلم إذا كان واجدا طولا للإنفاق بحسب الحاجة على الأزواج مستطيعا للنكاح، مأمونا على الأنفس و الأموال و لم تكن به آفة في عقله و لا سفه في الرأي فهو كفؤ في النكاح «1».

قال في الخلاف: الكفاءة معتبرة في النكاح، و هي عندنا شيئان، أحدهما:

الإيمان، و

الآخر: إمكان القيام بالنفقة، و قال في مسألة أخرى: اليسار المراعى ما يمكّنه معه القيام بمئونة المرأة و كفايتها. «2»

و قال في المبسوط: الكفاءة عندنا الإيمان مع إمكان القيام بالنفقة. «3»

______________________________

(1)- المقنعة: 512.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح، المسألة: 27 و 32.

(3)- المبسوط: 4/ 179.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 19

و قال القاضي في المهذّب: الأحرار من المؤمنين يتكافئون في النكاح، و إن تفاضلوا في النسب و الشرف كما يتكافئون في الدماء و إن تفاضلوا في الشرف بالأنساب فمن كان منهم عاقلا قادرا على نفقات الزوجات بحسب الحاجة .. «1»

و قال ابن سعيد في جامع الشرائع: و الكفاءة في النكاح، الإسلام، و اليسار بقدر مئونتها، فإن بان أنّه لا يقدر، فلها الفسخ «2».

نعم تردّد المحقق و رجّح العدم، و قال: و هل يشترط تمكّنه من النفقة؟ قيل:

نعم، و قيل: لا، و هو الأشبه.

و يظهر من الشهيد في المسالك: إنّ عدم الاشتراط هو المشهور.

و على كلّ تقدير، فالمسألة خلافيّة ناشئة من اختلاف النصوص، أو اختلاف الاستنتاج منها.

و على القول بالشرطية، هل هو شرط الصحّة، كالإيمان بحيث يكون العقد بدونه باطلا مطلقا، أو في صورة الجهل أو شرط اللزوم، فلها الفسخ لو بدا فقره، أو هو شرط لوجوب إجابة الولي على القول به، إذا خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته و إن كان أخفض نسبا، و لو امتنع الولي كان عاصيا؟

أمّا الاحتمال الأوّل، فقد نفاه الشيخ في المبسوط، حيث قال: و متى رضي الأولياء و المزوّجة بمن ليس بكف ء و وقع العقد على من دونها في النسب و الحرّية و الدين و الصناعة و السلامة من العيوب و اليسار كان العقد صحيحا بلا خلاف

إلّا الماجشوني، فانّه قال: الكفاءة شرط في صحّة العقد فمتى لم يكن كفؤا كان العقد باطلا «3».

______________________________

(1)- المهذب: 2/ 179.

(2)- الجامع للشرائع: 439.

(3)- المبسوط: 4/ 179.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 20

و بذلك يظهر ضعف ما نسبه صاحب الحدائق إلى القائل بالاشتراط بقوله:

و ظاهرهم أنّه شرط في صحّة النكاح و هو منقول عن الشيخ في المبسوط و العلّامة في التذكرة «1».

و قد عرفت أنّ الشارط لا يقول بكونه شرطا للصحّة و إلّا يجب أن يحكم بالبطلان مطلقا و إن رضيت مع أنّ ظاهر كلامه الصحّة إذا رضيت مطلقا قارن العقد أم لحقه. فهذا الاحتمال باطل بالاتفاق.

و أمّا الثاني أي كونه شرطا للزوم العقد، فهو الظاهر من ابن سعيد في جامعه كما عرفت، حيث قال: «فان بان أنّه لا يقدر فلها الفسخ» و يحتمل الثالث، لأنّ إجابة الولي مشروطة بوجود المصلحة، أو عدم المفسدة في مورد المنكوحة، و ليس العقد للصعلوك خاليا عن المفسدة و لا أقلّ ليس مقترنا بالمصلحة.

و إليك دراسة الاحتمالين:

1- عدم كونه شرطا للزوم العقد

ربّما يقال بعدم كونه شرطا للزوم العقد، و يستدل عليه بوجوه:

الأوّل: قوله سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرٰاءَ يُغْنِهِمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّٰهُ وٰاسِعٌ عَلِيمٌ «2» قائلا بأنّ مقتضى إطلاق الآية بل نصّها عدم اشتراط اليسار في جانب الزوج فيصحّ عقده من الفقير أيضا.

يلاحظ عليه: أنّ الإطلاق منصرف عن الصعلوك الذي لا يقدر على تأمين معيشة زوجته على أقلّ الحدّ.

الثاني: ما روي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم عن طريق أبي جعفر عليه السّلام أنّه قال: «إذا

______________________________

(1)- الحدائق: 24/ 70.

(2)- النور: 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 21

جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه إلّا تفعلوا، تكن فتنة في الأرض و فساد كبير» «1».

و الظاهر انصرافه عن أقلّ التمكّن من الانفاق نفيا و اثباتا و هي بصدد نفي سائر الملاكات التي كانت رائجة في الجاهلية و بعدها، حتى جعل أهل السنّة، النسب و الصناعة و السلامة من العيوب من مقوّمات الكفاءة كما حكاه الشيخ في الخلاف «2».

الثالث: ما نقله الصدوق بسند ضعيف، و رواه الكليني مرسلا عن الرضا عليه السّلام: قال: «نزل جبرئيل على النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: يا محمّد ربّك يقرئك السلام و يقول:

إنّ الأبكار من النساء بمنزلة الثمر على الشجر (فقام إليه رجل فقال: يا رسول اللّه فمن نزوّج؟ فقال: الأكفّاء، فقال: و من الاكفّاء؟ فقال: المؤمنون بعضهم أكفاء بعض) ثمّ لم ينزل (من المنبر) حتى زوّج ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب، المقداد بن الأسود الكندي ثمّ قال: أيّها الناس، إنّما زوّجت ابنة عمّي المقداد الكندي ليتّضع النكاح» «3».

أقول: الرواية منصرفة عن أقلّ حدّ المعيشة، و إنّما هي بصدد نفي سائر الملاكات التي كانت محورا للتزويج.

و بذلك يظهر مفاد كثير من الروايات الواردة في هذا المضمار «4»، و يدلّ على ذلك تعليل تزويج المقداد بن الأسود ضباعة ابنة الزبير «5» بقوله سبحانه: إِنَّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 1- 2.

(2)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة 27.

(3)- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب مقدّمات النكاح الحديث 2- 3، و ما بين القوسين موجود في رواية الكليني.

(4)- الوسائل: 14 الباب 25 من أبواب مقدّمات النكاح.

(5)- الوسائل: 14 الباب: 26 من أبواب مقدمات النكاح الحديث 1- 2.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 22

أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ أَتْقٰاكُمْ «1» فإنّ التعليل يدل على كونه بصدد نفي سائر الملاكات إلّا التقوى و لا صلة له بما ينفق لأجل العيش.

و أمّا أمره لجويبر لأنّ ينطلق إلى زياد بن لبيد حتّى يزوّجه ابنته الدلفاء، مع كونه فاقدا لكلّ شي ء حتّى المال إلّا الإيمان الخالص. «2» فلم يعلم منه عجزه عن القيام بالمعيشة و لو سلّم فيحتمل كونه من باب الولاية لا أنّه مع فقره كان كفؤا شرعيا لبنت زياد، كما أمر الإمام الباقر عليه السّلام ابن أبي رافع أن يزوّج بنته من منجح بن رياح الفقير الغريب 3. فلا يظهر من هذه الروايات أنّ المؤمن الفقير غير القادر على تأمين معيشة الزوجة كفو شرعي تجب على الولي الموافقة. و لو زوّجها يكون العقد لازما عليها.

2- استظهار كونه شرطا

و يمكن استظهار الاحتمال الثاني أي كونه شرطا للزوم العقد من الوجوه التالية:

الأوّل: قوله سبحانه: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ «4».

فالطول بمعنى الغناء و التطاول على الناس، التفضّل عليهم، و المعنى: من لم يجد منكم شيئا أن ينكح المحصنات أي الحرائر فمن ما ملكت أيمانكم فتدل على اشتراط الطول في تزويج الحرائر.

يلاحظ عليه: أنّ وجه العدول من الحرائر إلى الإماء لأجل قلّة مهورهنّ و خفّة مئونتهنّ و إلّا فالفاقد للنفقة، لا يدوم نكاحه، لا مع الحرائر و لا مع الإماء و ليست

______________________________

(1)- الحجرات: 13.

(2) و 3- الكافي: 5/ 339- باب أنّ المؤمن كفؤ المؤمنة، الحديث 1.

(4)- النساء: 25. المراد إماء الغير لا ما يملكه الرجل.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 23

الإماء غنية عن النفقة دون

الحرائر، و لذلك علّل الطبرسي وجه العدول بقوله: «لأنّ مهور الإماء أقلّ و مئونتهنّ أخفّ في العادة» «1» فالآية لا صلة لها بما نحن فيه.

الثاني: مرسلة أبان عن رجل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» «2».

الثالث: صحيح محمد بن الفضيل (بن غزوان الثقة) عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» 3.

الرابع: خبر عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«الكفؤ أن يكون عفيفا و عنده يسار» «4».

و الظاهر أنّ المراد من اليسار، هو القيام على النفقة اللازمة، لا الغنى فيتم الاستدلال.

الخامس: روى البيهقي أنّ فاطمة بنت قيس أخبرت النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّ معاوية يخطبها، فقال: «إنّ معاوية صعلوك لا مال له» «5».

فالقول بكون اليسار شرطا للزوم العقد إذا كانت جاهلة، هو الأقوى.

و لم نقل بالشرطية مطلقا لأنّ الزوجة لو كانت عالمة بفقر الزوج و عدم تمكّنه، من النفقة المناسبة لشأنها، لم يكن لها خيار، و أمّا لو كانت جاهلة فبما أنّ الصبر لهذا النوع من الحياة لا يخلو عن حرج و مضيقة، فترفع الشكوى إلى الحاكم، من دون أن يكون لها حقّ الفسخ، لأنّ أسباب الفسخ محصورة، فإمّا يبذل الحاكم له من بيت المال فيسدّ عيلته أو يأمره بالطلاق، أو يطلّق و لا يلزم من القول بعدم الشرطية حرج.

______________________________

(1)- مجمع البيان: 2/ 34.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث: 4 و 5.

(4)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 7.

(5)- السنن الكبرى: 7/ 135 باب اعتبار اليسار الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 24

الخامس: لو تجدّد عجز الزوج عن النفقة

لو تجدّد عجز الزوج عن بذل النفقة للزوجة و كان قادرا عليها هل تتسلّط الزوجة بذلك على الفسخ أو لا؟ فقال المحقّق: فيه روايتان، أشهرهما عملا أنّه ليس لها ذلك، أي الفسخ لا بنفسها و لا بالحاكم، و في المسالك: أنّه المشهور.

أقول: في المسألة وجوه و احتمالات:

1- عدم التسلّط على الفسخ، نسب إلى المشهور.

2- إنّ لها السلطة على الفسخ.

3- ما نقله كشف اللثام، بأنّ الحاكم يفسخه، و إلّا فسخت بنفسها.

استدل على التسلّط على الفسخ بوجوه:

1- قوله سبحانه: الطَّلٰاقُ مَرَّتٰانِ فَإِمْسٰاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسٰانٍ «1» وجه الاستدلال: أنّ قوله سبحانه: «فإمساك» بمنزلة قوله: أي بعد المرّتين لا مناص عن أحد الأمرين: إمّا الإمساك بمعروف، و إمّا الطلاق و التسريح الذي لا رجوع بعده، و الإمساك بمعروف في مقابل الإمساك بخلافه، فالإمساك بالجوع و البؤس ليس إمساكا بالمعروف، غاية الأمر أنّه مع الاستطاعة لا يكون مقصّرا، أمّا مع عدمها يكون قاصرا.

و على كل تقدير، لا يعدّ ذلك إمساكا بمعروف، و ما في الجواهر: «من منع كون الإمساك بلا نفقة من غير المعروف مع الإعسار و كونها دينا عليه» «2» غير تام، لأنّه إذا كان الصبر على مثل تلك الحياة حرجيا، و كان الزوج قادرا لأن يخليها، فإمساكها و الحال هذه يعدّ إمساكا بغير معروف، و كونه دينا عليه، لا يجعل الإمساك معروفا إلّا إذا كان الأمر مؤقتا معجّلا يرتفع بسرعة.

______________________________

(1)- البقرة: 229.

(2)- الجواهر: 30/ 106.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 25

2- صحيح ربعي بن عبد اللّه، و الفضيل بن يسار جميعا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قوله تعالى: وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ

قال: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة، و إلّا فرّق بينهما» «1».

3- صحيح أبي بصير المرادي، و هو مثل ما تقدم 2.

و قد رتب فخر المحققين، الخيار في المقام على ورود الخيار، في المسألة السابقة، مع أنّه قياس مع الفارق لإمكان وجود الخيار في العسر الابتدائي دون الاستدامي كما هو الحال في بعض العيوب الطارئة فهي موجبة للفسخ ابتداء لا استدامة.

و على كلّ تقدير فلو تم ما ذكرناه فهو و إلّا فلا محيص عمّا ذكرناه في المسألة السابقة من رفع الشكوى إلى الحاكم الخ.

السادس: وجوب الإجابة على الولي و عدمه

قال المحقق: «لو خطب المؤمن القادر على النفقة وجبت إجابته و إن كان أخفض نسبا، و لو امتنع الولي كان عاصيا» و لا بد من تقييده بما إذا لم يكن التزويج منه مكروها كالفاسق و لم يعلم فيه شي ء من المسلّطات للفسخ و لم تأبّ المولى عليه و لم يكن الهدف من الإباء العدول إلى أحسن منه أو مثله و إلّا لم تجب الإجابة، و الغالب على امتناع الأولياء هو الوجه الأخير، و لأجل ذلك قيّد الشيخ في النهاية ببعض الأمور و قال: «و إذا خطب المؤمن إلى غيره ... و لا يكون مرتكبا لشي ء من الفجور و إن كان حقيرا في نسبه، قليل المال فلم يزوّجه كان عاصيا مخالفا لسنّة نبيّه» «3».

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 1- 2، و الآية 7 من سورة الطلاق.

(3)- النهاية: 463.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 26

و على كلّ تقدير فمصدر الحكم ما روي عن النبي الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم من أنّه «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه

إِلّٰا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَ فَسٰادٌ كَبِيرٌ» «1».

ببيان اقتضاء الأمر للوجوب و استلزام مخالفته، العصيان.

و في الاستدلال نظر:

لأنّ الأمر في المقام إرشادي، لا مولوي لا يترتّب على مخالفته أيّة تبعة سوى شيوع الفساد و يكون المانع معينا عليه، و لكن كلّ ذلك إذا لم يكن الزواج مقرونا بما لا تحمد عاقبته فعندئذ جاز له الإباء لأنّ اعتبار رضا الولي ليس إلّا كونه أبصر بالوضع.

نعم لو كان الزواج مقرونا بالصلاح أو خاليا عن المفسدة، و لكن كان الإباء لأمور لا صلة لها به، تسقط ولايته و يكون الخيار بيد المولّى عليها، إن رضي.

السابع: لو انتسب لقبيلة فبان من غيرها

اشارة

صور المسألة: إمّا أن يكون الانتساب من الدواعي، أو من الأمور المبني عليها العقد إمّا الاتفاق عليه قبل العقد أو بذكره في العقد، وصفا أو شرطا، و على كلّ تقدير فظهور الخلاف بتبيّن كونه منسوبا إلى قبيلة أعلى، أو أدنى أو المساوي.

فقد ذكره الشيخ في النهاية التي لا يذكر فيها سوى المسائل المتلقاة من الأئمة عليه السّلام قال: «و إذا انتمى رجل إلى قبيلة بعينها، و تزوّج فوجد على خلاف ذلك بطل التزويج» «2».

و عمل به ابن سعيد في جامعه، حيث قال: في الفصل الذي عقده لبيان موارد فسخ النكاح «أو على أنّه من قبيلة أو أب مخصوصين فيظهر خلافهما» «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

(2)- النهاية: 498.

(3)- الجامع للشرائع: 463.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 27

لا شكّ في أنّه لا يترتّب عليه الأثر لو كان الانتساب من الدواعي المخزونة في قرارة المزوّجة فزعمت أنّ الرجل هاشمي فزوّجت نفسها منه ثمّ بان خلافه من دون أن يبنى عليه العقد، أو يذكر فيه، من

غير فرق بين وحدة المطلوب أو تعدده، لأنّ ما يجب الوفاء به هو ما يقع تحت الإنشاء قولا أو فعلا، أو كان ممّا بني عليه العقد باتفاق الطرفين دون الخارج عنهما، إذ لا يعدّ من العقد حتّى يشمل قوله تعالى:

أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

كما أنّه لا شكّ إذا وكّل الغير في تولّي العقد مقيّدا بإجرائه على الهاشمي، أو رضي بعقد الولي مقيّدا بكونه هاشميا، في أنّه يقع غير صحيح، لأنّ غير الهاشمي خارج عن مصبّ الوكالة و الولاية فهاتان الصورتان خارجتان عن حريم الزواج، إنّما الكلام فيما إذا باشرت بنفسها على أحد الوجوه الماضية.

فاختار الشيخ، البطلان و تبعه ابن إدريس، فيما إذا ذكر في العقد سواء كان من قبيلة أدنى أو أعلى، و اختار ابن سعيد، الخيار للزوجة، و ذهب المحقّق، و الشهيد الثاني، إلى عدم الخيار، و جعله أشبه بأصول المذهب و قواعده.

و استدل للخيار بصحيح حمّاد عن الحلبي في حديث قال: «و قال في رجل يتزوّج المرأة فيقول لها: أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك، فقال: يفسخ النكاح أو قال تردّ» «1».

أورد عليه، بالإضمار تارة، و أجيب عنه، بعدم كونه مضمرا لكون الحلبي أعظم من أن يروي عن غيره، و أخرى باحتمال رجوع الضمير إلى الحلبي و يكون هو المجيب، و ثالثة: أن ادّعاء الانتماء إلى قبيلة كان بعد التزويج أخذا بظهور «يتزوّج امرأة فيقول» لأنّ الفاء للترتيب، و من المعلوم أنّه غير مؤثّر.

أقول: احتمال رجوع الضمير في «قال» إلى نفس الحلبي: دون من سأله

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 16 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 28

الحلبي مخالف لظاهر الرواية، و إليك متنه عن التهذيب، عن

الحلبي: سألته عن رجلين نكحا امرأتين فأتي هذا بامرأة ذا، و أتي هذا بامرأة ذا، قال: تعتدّ هذه من هذا، و هذه من هذا، ثمّ يرجع كلّ واحدة منهنّ إلى زوجها، و قال: في رجل يتزوّج المرأة، فيقول لها: أنا من بني فلان. الخ «1».

و الظاهر أنّ فاعل الفعلين واحد و هو الذي سأله الحلبي، و الإشكال الأخير مبني على كون الوارد في الرواية لفظ «تزوّج» بصيغة الماضي، و الوارد في «التهذيب» و في نفس الوسائل «يتزوّج» بصيغة المضارع، و مثله ليس ظاهرا في تأخير بيان الانتماء عن التزويج.

و على كلّ تقدير، فلو تمّ الاستدلال به، و إلّا فالظاهر أنّ الأمر يدور بين البطلان و نفي اللزوم. فان قلنا بعدم شمول آية الوفاء بالعقود للمقام بحجة انّه رضيت بالمقيد بما هو مقيد و لم ترض بذاته بطل العقد، و ان قلنا بشمولها له فيكون شأنه شأن كل عقد فقد شرطه يكون لها الخيار.

أضف إلى ذلك أنّ إلزام الزوجة، بالاعتناق بمثله، حرجي ناشئ من تدليس الزوج، فيكون دليل الحرج حاكما على وجوب الوفاء به.

و الحاصل: أنّ الأمر دائر بين القول بعدم شمول أدلّة وجوب الوفاء لمثل هذا العقد، و القول بشمولها له و حكومة أدلّة الحرج عليها. و على كلّ تقدير لا وجه للزوم الوفاء. نعم أيّد صاحب الجواهر، الوجه الأخير أي اللزوم، بأمور:

1- من حصر ردّ النكاح في غير ذلك في صحيح الحلبي «2».

2- و معلومية بناء النكاح على اللزوم و لم يجر فيه شرط الخيار و لذا لا يبطل النكاح بفساد المهر، و يصحّ فيه اشتراط الخيار دون نفس النكاح.

______________________________

(1)- التهذيب: 7/ 432، كتاب النكاح، باب التدليس الحديث 35.

(2)- الوسائل: 14 الباب 1 من

أبواب العيوب و التدليس الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 29

3- و المؤمنون عند شروطهم، لا يقتضي أزيد من الإلزام بالشرط القابل لأن يلزم بتأديته، لا مثل شرط أوصاف العين «1».

يلاحظ على الوجوه المذكورة:

أمّا الأوّل: فلأنّ الحصر في الحلبي إضافي، لا حقيقي، حتّى بالنسبة إلى العيوب التي هو بصدد بيانها إذ لم يذكر بعض العيوب التي يفسخ عند وجودها نظير ما جاء في صحيحة داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: «تردّ على وليّها» «2». و ما رواه الصدوق، عن عبد الحميد، عن محمّد بن مسلم، قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «تردّ العمياء و البرصاء و الجذماء و العرجاء» 3.

و قد أفتى المشهور، بالخيار في موارد أخر كما إذا عقدت على أنّه حرّ فبان عبدا أو عقد على أنّها حرّة فبانت أمة، أو عقد على أنّها بكر، فبانت غيرها إذا علم زوال بكارتها قبل العقد بزنا أو غيره ففي الجميع، الخيار.

و أمّا الثاني: فلأنّ عدم جواز شرط الخيار، لا صلة له بالخيار الطارئ من دون اختيار كما في المقام.

و أمّا عدم طروء الخيار مع فساد المهر، أو عدم ذكره لكونه خارجا عن ماهية النكاح، لأنّه رابط بين الزوجين بخلاف البيع فإنّه رابط بين المالين، و لذا يبطل النكاح إذا تردّد الزوج بين الشخصين، كالبيع إذا تردّد بين المالين.

و أمّا الثالث: فانّما يتمّ إذا كان مصدر الخيار منحصرا بقوله: «المؤمنون عند شروطهم» حتّى يقال: بانصرافه إلى القابل بالتأدية، لا ما هو خارج عن القابلية.

و الظاهر، أنّ الأشبه بالأصول هو قدرته على الفسخ، و به يتبيّن حال كثير من

______________________________

(1)-

جواهر الكلام: 30/ 113.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب التدليس، الحديث 9 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 30

الشروط من كونه كاتبا فبان أمّيا أو كونه موظّفا دوليا فبان خلافه أو بالعكس، و اللّه العالم.

الثامن: في تزويج المرأة بالفاسق

الفاسق هو الخارج عن طاعة اللّه من «فسقت الثمرة» إذا خرجت عن غشائها، و استدل على الكراهة بوجوه غير تامة:

1- قوله سبحانه: أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لٰا يَسْتَوُونَ «1» و هو لا يدلّ على الكراهة، بل أقصاها، نفي الاستواء، و هو غيرها.

2- «إذا جاءكم من ترضون خلقه و دينه فزوّجوه» «2» و المراد من الدين هو الإسلام قبال اليهود و النصارى لا الطاعة و القيام بالوظائف.

3- الحريّ بالفاسق الإعراض، و التزويج إكرام.

يلاحظ عليه: أنّ الحريّ بالفاسق إرشاده و دعوته إلى الحقّ لا الإعراض عنه و ربّما يكون التزويج مؤثّرا في إرشاده و ليس إكرام الفاسق على الإطلاق ممنوعا، إلّا إذا كان الإكرام لفسقه، أو كونه موجبا لتماديه في الفسق، و المفروض غير ذلك، و الأقوى الاكتفاء بالموارد المنصوصة كشارب الخمر و مرتكب الزنا و تزويج المؤمنة من المخالف لما عرفت أنّ ذلك مقتضى الجمع بين الروايات.

التاسع: إذا تزوّج بامرأة ثمّ بانت أنّها زانية؟

إذا تزوّجت بامرأة على أنّها عفيفة فبان الخلاف قال: فهل له الردّ أو لا؟

لنقدّم صور المسألة و هي أربعة:

______________________________

(1)- السجدة: 18.

(2)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب مقدّمات النكاح، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 31

1- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم بأنّها كانت محدودة قبل العقد.

2- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم أنّها زنت قبل العقد.

3- إذا تزوّج بامرأة ثمّ علم أنّها زنت بعد العقد و قبل الدخول.

4- تلك الصورة و لكنّها زنت بعد الدخول.

و الصورة الأخيرة خارجة عن محلّ النزاع و قد عنونت في كلماتهم مستقلّة.

و على كلّ تقدير يقع البحث تارة في الانفساخ أو حقّ الفسخ و عدمه، و اخرى في الرجوع إلى المهر.

أمّا الأوّل، فقد نقل العلامة الأقوال الثلاثة في

المختلف.

1- قال المفيد: تردّ المحدودة من الفجور و به قال سلّار و ابن البرّاج و اختاره ابن الجنيد و أبو الصلاح أيضا و قطب الدين الكيدري.

2- و يظهر من الصدوق في المقنع انفساخ العقد، حيث قال: إذا زنت المرأة قبل دخول الزوج بها فرّق بينهما.

3- قال الشيخ في النهاية: المحدودة من الزنا لا تردّ و كذلك التي قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردّها إلّا أنّ له يرجع على وليّها بالمهر و ليس له فراقها إلّا بالطلاق، و قال ابن ادريس: الذي يقوى في نفسي، أنّ المحدودة لا تردّ، و مثلهما المحقق في الشرائع، قال لم يكن له فسخ العقد «1».

استدل للقول الثالث، بصحيح الحلبي «2» حيث خصّ الردّ بأمور ليس منها ذلك، لكنّك عرفت أنّ الحصر فيه إضافي بشهادة أنّه لم يذكر فيه من العيوب ما يصحّ به الردّ و بمعتبرة رفاعة بن موسى النخاس (الذي نصّ النجاشي بأنّه: ثقة في حديثه، مسكون إلى روايته، و وقوع سهل في طريقه لا يضرّ لأنّ الأمر فيه سهل)،

______________________________

(1)- المختلف: 4/ 105.

(2)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 32

عن الصادق عليه السّلام عن المحدود و المحدودة، هل تردّ من النكاح؟ قال: «لا». «1»

و كفى بذلك سندا و دلالة.

و استدل على جواز الردّ بموثق إسماعيل بن أبي زياد عن جعفر بن محمّد، عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها، قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

يلاحظ عليه:- مضافا إلى اختصاصه بالصورة الثالثة، و لعلّه لأجل أنّ العار المتوجّه

إلى الزوج فيها أشدّ من الصورتين الماضيتين، فلا يمكن الغاء الخصوصية- أنّها ظاهرة في الانفساخ و هو غير المدّعى، فإنّ المدّعى أنّ له حقّ الرد، أضف إليه أنّ الشيخ قال في حقّ روايات السكوني: إنّ الطائفة عملت برواياته إذ لم توجد رواية بخلافه.

و على فرض التكافؤ، فالمرجع هو أدلّة أصالة اللزوم من العمومات إذا وجدت أو استصحاب اللزوم على فرض عدمها.

فتبيّن أنّه لا ينفسخ العقد و ليس له حقّ الرد، بل إذا شاء طلّق.

العاشر: الكلام في الرجوع إلى المهر

الرجوع إلى المهر هو الأمر الثاني و فيه- مع قطع النظر عن الردّ- قولان:

1- الرجوع مطلقا اختاره المفيد و الشيخ.

2- الرجوع إذا كان الوليّ غارّا اختاره ابن إدريس.

استدل على جواز الرجوع بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 5 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 33

أبا عبد اللّه: عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت قال:

«إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» «1».

و بصحيح الحلبي أو حسنته «لأجل إبراهيم بن هاشم «2»» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن المرأة تلد من الزنا و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أ يصلح له أن يزوّجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه، كان ذلك على وليّها، و كان الصداق الذي أخذت، لها

لا سبيل عليها فيه، بما استحلّ من فرجها، و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» «3».

أقول: تجب الدقّة في مفاد الفقرتين في كلّ من الحديثين:

أمّا الحديث الأوّل: فهناك احتمالات.

1- أن تكون الفقرتان راجعتين إلى صورة حفظ العلقة فهو في هذه الحالة مخيّر بين الرجوع إلى الوليّ أو ترك المرأة بحالها.

2- أن يكون الشق الأوّل راجعا إلى صورة الردّ بالطلاق و الشق الثاني إلى صورة إبقاء العلقة.

3- أن يكون على العكس الرجوع في صورة حفظ العلقة، و عدمه في صورة الردّ بالطلاق

4- رجوعهما إلى صورة الردّ بالطلاق.

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 4.

(2)- إبراهيم بن هاشم لم يوثق في كتب الرجال لكن ذكرت في حقّه كلمات تعرب عن كونه فوق الثقة فهو ثقة بلا إشكال.

(3)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب و التدليس، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 34

هذه هي الاحتمالات الأربعة و الثالث منها ضعيف لأنّ الرجوع في صورة الرّد بالطلاق أنسب من الرجوع في صورة إبقاء العلقة

و مثله الرابع لأنّه لا يناسب مع قوله عليه السّلام: «و إن شاء تركها» فيدور الأمر بين الاحتمالين.

و الاحتمال الثاني لم يقل به أحد و هو الرجوع عند قطع العلقة دون عند الحفظ فيتعيّن الأوّل من أنّ له الرجوع عند الوقوف على سابقتها مع حفظ العلقة و أولى منه إذا طلّق لأنّ تمام الموضوع للحكم هو الوقوف على السابقة مع كونها زوجته.

و أمّا الحديث الثاني فربّما يستظهر منه الاحتمال الثاني من هذه الاحتمالات بحكم الرجوع على صورة الطلاق و عدمه على صورة الإبقاء بقرينة قوله عليه السّلام:

«و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس»

فيكون قرينة على أنّ الشقّ الأوّل راجع إلى صورة الردّ، لكن في الاستظهار نظر، و يحتمل قويا رجوع كلتا الفقرتين إلى إبقاء العلقة بتوضيح أنّ قوله عليه السّلام: «و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» من تتمة الشق الأوّل، و الهدف بيان أنّ أخذ الصداق ممّن زوّج لا يخالف الإمساك بعد الأخذ فله بعد ذلك الإمساك، فتكون النتيجة أنّ الزوج له الرجوع إلى الغارّ و أنّ له الإمساك بعد ذلك كما أنّ له الطلاق بلا إشكال فينطبق على فتوى الشيخ و ابن إدريس إذ ليس خلافهما منحصرا في صورة الإبقاء فانّه إذا جاز فيها، جاز في الردّ بالطلاق بطريق أولى.

الحادي عشر: أحكام التعريض بالخطبة

1- خطبة ذات البعل و من في حكمها كالعدّة الرجعية محرّمة، لأنّ حرمة عرض المؤمن كنفسه و ماله، و التعريض بها، و لو بعد الطلاق و قبل خروج العدّة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 35

هتك لحرمته، مضافا إلى أنّ خطبة ذات البعل لا تخلو من مفسدة.

2- لا بأس بخطبة الخليّة من الزوج و العدّة تصريحا أو تلويحا و لعلّ فيه تأسّيا للمعصوم عليه السّلام أمّا المطلقة ثلاثا فيجوز التعريض من الزوج و غيره في العدّة و لا يجوز التصريح لا منه و لا من غيره.

و يدلّ عليه قوله سبحانه: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسٰاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللّٰهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَ لٰكِنْ لٰا تُوٰاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلّٰا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفاً «1». و إن جاز التعريض.

و الآية مطلقة تعمّ جميع أقسام العدد.

أمّا المعتدّة تسعا للعدّة فينكحها بينها رجلان و نحوها ممّا تحرم على الرجل أبدا، نظير الملاعنة و الرضاع، فلا يجوز التعريض من الزوج

فضلا عن التصريح في العدّة و خارجها.

و أمّا غيره، فيحرم التصريح في العدّة دون التعريض كما يجوز التصريح بعدها.

و أمّا المعتدّة البائنة سواء كانت عن خلع أو فسخ، فيجوز التصريح من الزوج في العدّة فضلا عن التعريض، و أمّا غيره فلا يجوز التصريح و يجوز التعريض، و إن تردّد الشيخ في التعريض لأنّها في عدّة الغير، مع جواز رجوعها إليه بنكاح.

و حاصل الكلام: أنّ المعتدّة لو كانت بحكم الزوجة يحرم التصريح و التعريض من الغير، لأنّها بحكم الزوجة، و أمّا لو لم تكن بحكم الزوجة و لكن كانت معتدّة محرّمة، فان كانت محرّمة مطلقة، لا يحلّها المحلّل فالتصريح و التعريض من الزوج ممنوع لأنّها محرّمة عليه مؤبّدا فكيف يصحّ له الخطبة؟ و أمّا

______________________________

(1)- البقرة: 235.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 36

الغير فيجوز التعريض دون التصريح لكونها معتدّة، و أمّا إذا كانت محرّمة مؤقّتة يبيحها نكاح المحلّل فيجوز التعريض أيضا لهما دون التصريح في العدّة، و أمّا بعدها فيجوز للغير التصريح أيضا دون الزوج لحرمة زواجها منه قبل المحلّل و الفرق بين التعريض و التصريح واضح إذ التعريض مثل قوله: ربّ راغب فيك أو حريص عليك، و التصريح كما إذا قال: إذا انقضت عدتك تزوّجتك.

و على كلّ تقدير، فلو خطب في موضع التحريم، ثمّ انقضت العدّة لم تحرم على الخاطب إذ ليست الخطبة في غير موضعها من المحرّمات.

و لو خطب منها فأجابت فهل يحرم على الغير خطبتها، أو لا؟ وجهان، قال المحقق بالحرمة. و الأولى الكراهة.

الثاني عشر: إذا اشترطت على المحلّل الطلاق

إذا تزوّج المحلّل، المطلقة ثلاثا و شرطت الزوجة على أنّه إذا أحلّها على زوجها السابق فلا نكاح بينهما، قال المحقق: بطل النكاح.

أقول: إنّ للمسألة صورا ثلاثا

صرّح بها الشيخ في المبسوط قال: إذا تزوّج امرأة ليبيحها للزوج الأوّل ففيه ثلاث مسائل:

إحداها: إذا تزوّجها على أنّه إذا أباحها للأوّل فلا نكاح بينهما، أو حتى يبيحها للأوّل، فالنكاح باطل بالإجماع لما روي عن النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه لعن المحلّل و المحلل له. و روى عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: أنّه قال: «أ لا أعرّفكم التيس المستعار؟» قالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: «المحلّل و المحلّل له ...»

الثانية: تزوّجها على أنّه إذا أباحها للأوّل، أن يطلّقها فالنكاح صحيح و الشرط باطل، و قال قوم: النكاح باطل. و الأوّل أصحّ لأنّ إفساد الشرط المقارن لا يفسد العقد، و لها مهر مثلها لأنّها إنّما رضيت بذلك المسمّى لأجل الشرط فاذا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 37

سقط الشرط زيد على المسمّى بمقدار ما نقص لأجله، و ذلك مجهول فصار الكلّ مجهولا فسقط المسمّى و وجب مهر المثل.

الثالثة: إذا نكحها معتقدة بأنّه يطلّقها إذا أباحها، أو أنّه إذا أباحها فلا نكاح بينهما ثمّ تعاقدا من غير الشرط كان مكروها و لا يبطل به العقد «1».

أقول: ذكر الشيخ الصورة الثانية في الخلاف قال: إذا تزوّج امرأة قد طلّقها زوجها ثلاثا بشرط أنّه متى أحلّها للأوّل طلّقها كان التزويج صحيحا و الشرط باطلا، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الآخر: أنّ النكاح باطل.

و قال في مسألة أخرى: إذا نكحها معتقدا أنّه يطلّقها إذا أباحها و أنّه إذا أباحها فلا نكاح بينهما إن اعتقد هو أو الزوجة ذلك، أو هما و الوليّ أو تراضيا قبل العقد على هذا ثمّ تعاقدا من غير شرط كان مكروها

و لا يبطل العقد به «2».

أقول: إنّ التحليل يتوقف على أمور ثلاثة:

1- كون العقد دائما.

2- كون الزوج بالغا.

3- تحقّق الدخول بل الإنزال على الأحوط فلا مناص عن فرضهما قاصدين للدوام حتى يتحقّق التحليل لا الانقطاع إلّا إذا كانا جاهلين و هو خلاف الفرض.

ثمّ إنّ البحث على القول بأنّ الشرط الفاسد لا يفسد العقد إمّا لأنّه من باب تعدّد المطلوب، أو أنّه التزام في التزام إلّا إذا كان مخالفا لمقتضى العقد أو كونه موجبا لطروء الجهالة لأحد العوضين من الثمن و الثمن، و أمّا على القول بكونه مفسدا لكان الحكم بلا استثناء هو فساد العقد. إذا عرفت ما ذكر فإليك بيان

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 247- 248.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح المسألة 120- 121.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 38

أحكام الصور:

أمّا الصورة الأولى فرّبما يتوهم، فساد الشرط و المشروط هنا بتخيّل أنّ العقد ليس بنكاح شرعي، لا دائم لفرض اشتراط ارتفاعه بالتحليل و لا منقطع، لعدم التحديد بمدّة بل التحديد بالإصابة و ليس منها.

و الحقّ ما عليه الشيخ، في الخلاف من صحّة العقد و فساد الشرط، لأنّ المنشأ هو العقد الدائم و اشتراط ارتفاعه، بالتحليل دليل على كونه دائما لا منقطعا، و إلّا لما جعله رافعا.

نعم لا كلام في فساده لأنّه جعل ما ليس برافع رافعا، و النكاح لا يرتفع إلّا بطلاق أو فسخ، أو بانفساخ أو بموت، و هو ليس منها و بما أنّ المحقّق هو عدم سريان فساد الشرط إلى المشروط يكون الشرط لغوا دون المشروط.

و أمّا الصورة الثانية: فقد عرفت من الشيخ في الخلاف، صحّة النكاح، و بطلان الشرط و المراد من بطلانه عدم لزوم الوفاء به.

و الظاهر صحة العقد و

الشرط معا لأنّه طلب فعل مقدور من المشروط عليه و ليس شرطه منافيا لقصد النكاح بل و لا لدوامه، و يترتّب على ذلك صحّة المسمّى و أنّه لو دخل بها لم يكن لها عليه إلّا ما سمّى.

نعم على القول ببطلان الشرط ربّما يقال بوجوب دفع مهر المثل إذا دخل بها لا المسمّى باعتبار بطلان الشرط الذي له قسط من المهر، لأنّها إنّما رضيت بالمسمّى مع الشرط، فإذا لم يسلم لها الشرط زيد على المسمّى مقدار ما نقص لأجله و هو مجهول و يبطل المسمّى بذلك فترجع إلى مهر المثل.

يلاحظ عليه: منع كونه جزء المسمّى، حتّى يتشكل من معلوم و مجهول و يكون المركب منهما مجهولا بل ربّما يكون المسمّى أكثر من مهر المثل.

و أقصى ما يمكن أن يقال: تسلطها على الخيار في المسمّى لا أنّه يكون

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 39

باطلا و يتعين مهر المثل.

أمّا الصورة الثالثة أعني ما إذا كان ارتفاع النكاح بالتحليل أو لزوم طلاقها بعده أمرا مضمرا للزوجين فقال المحقّق: لم يفسد النكاح و لا المهر، لأنّ العبرة بالمنشإ و المذكور لا المنوي و المضمر.

و لكنّه ملحوظ فيه فانّ الشروط المبنى عليها العقد كالمذكور إذا تقاولا و عقدا عليه، يلزم العمل بها إذا كانت صحيحة، و لا يمكن الاعتذار بعدم الذكر في العقد، لعموم وجوب الوفاء للالتزامات و العهود و الشروط، و على ذلك فلا بدّ من القول بعدم الفرق بين الثانية و الثالثة فبما أنا اخترنا صحة الشرط في الثانية فتكون الثالثة مثلها و يجب على الزوج العمل به.

و على كلّ تقدير ففي كلّ مورد صحّ العقد حلّت المرأة لزوجها الأوّل بعد الطلاق و انقضاء العدّة.

نعم

لو قلنا بفساد العقد في بعض الصور فلا يتحقّق التحليل، لأنّ المحلّل هو العقد الصحيح مع الدخول.

الثالث عشر: في نكاح الشغار

و الكلام في موارد:

1- ما هو الشغار؟ الشغار نكاح معروف في الجاهلية، قال في النهاية: كان الرجل يقول للرجل: شاغر منّي أي زوّجني اختك أو بنتك، أو من تلي أمرها حتّى أزوّجك أختي أو بنتي أو من إليّ أمرها. و لا يكون بينهما مهر و يكون بضع كلّ واحد منهما في مقابلة بضع الأخرى.

و قيل له: شغار، لارتفاع المهر بينهما، من شغر الكلب، إذا رفع إحدى رجليه ليبول. و ربّما يقال: بأنّه من شغر البلد إذا خلى من القاضي، لخلوّ العقدين

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 40

من المهر.

و الظاهر، أنّ ما ذكر طلب الشغار و ليس هو نفسه. بل الشغار لغة عبارة عن تزويج امرأتين بالنحو المذكور. و ان كان يظهر من بعض الروايات انّه أيضا شغار.

و يقرب منه ما جاء في صحاح الجوهري و القاموس و المصباح المنير، حيث فسّروه بقول الرجل للآخر: زوّجنى ابنتك أو أختك على أنّ أزوّجك ابنتي أو أختي على أنّ صداق كلّ منهما بضع الأخرى، و قد عرفت أنّ الشغار غير هذا بل هو التزويج بالنحو المذكور، هذا بحسب اللغة.

و تفسره الروايات، بنكاح المرأتين ليس لواحدة منهما صداق إلّا بضع صاحبتها، أو لا يكون بينهما مهر غير تزويج هذا هذا، و هذا هذا و ما يقاربهما «1».

و على هذا فلا فرق في التعبير، إذا قال: زوّجت بنتك على أن يكون مهر بضع ابنتي أو نكاح ابنتي، أو وطؤها أو الاستمتاع منها، فأنّ الجميع يشير إلى أمر واحد و هو المحاباة و المباضعة و مبادلة بضع ببضع، من دون

أن يكون لواحدة منهما مهر سوى بضع الأخرى، و قد كان للآباء و الإخوة و الأولاد سلطة على بناتهم و أخواتهم و أمّهاتهم فيبادلون بضاعتهن ببضاعة أشقائهن فيتمتّع الرجل و يتزوّج من دون أن يصرف شيئا و هو أشبه بالتجارة بمال الغير.

اتفق علماؤنا على بطلانه و عدم صحّته و اختلفت كلمات العامّة، قال الشيخ في الخلاف: نكاح الشغار باطل عندنا، و به قال مالك و الشافعي و أحمد و إسحاق، غير أنّ مالكا أفسده من حيث فساد المهر، و أفسده الشافعي من حيث إنّه ملك لبضع كلّ واحد من شخصين (الزوج باعتبار كونه زوجا لها، و زوجه الآخر باعتبار كونه مهرا لها)، و ذهب الزهري و الثوري و أبو حنيفة

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب عقد النكاح، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 41

و أصحابه إلى أنّ نكاح الشغار صحيح و إنّما فسد فيه المهر فلا يفسد بفساده «1».

و القدر المتيقّن من الشغار هو خلوّ عقدهما عن المهر إلّا بضع الأخرى فقط، و أمّا إذا كان البضع جزء المهر أو شرطه، بأن يقول: زوّجتك ابنتي على أن تزوّجني ابنتك و يكون بضع كلّ واحد مع عشرة دارهم صداقا للأخرى، فالظاهر خروجهما عن حريم الإجماع و النصّ و إن كان الظاهر من كشف اللثام خلافه، للشكّ في صدق الشغار و ظهور الأخبار في خلافه و اقتصارها على المتيقّن فيما خالف القواعد.

و أمّا بطلان نكاح الشغار، فلتضافر الأخبار على الحرمة الوضعية، حيث نقل الصدوق بسند صحيح عن غياث بن إبراهيم، [المسمّى ب «الأسدي»] قال:

سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «قال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و

سلم: لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام» «2». و ظاهره عدم كونه مشروعا في الإسلام، نظير «لا حرج» و «لا ضرر» على التفسير المشهور.

و ربّما يقال بكونه باطلا لأجل التعليق و هو إنّما يتم لو كان من قبيل التعليق في الإنشاء لا ما يكون من قبيل شرط الفعل و طلبه، مثل قوله: بعت هذا بهذا على أن تخيط لي قميصا. و المقام من هذا القبيل.

و ربما يحتمل أن يكون وجهه هو الدور، و يدفعه أنّ كلا الإنشاءين مطلقين- كما مرّ- و التعليق فيهما من قبيل اشتراط كلّ من المتزوّجين على الوليّ تزويج ما يتولّاه من البنات و الأخوات.

ثمّ إنّ في المقام فروعا ذكرها الشيخ في المبسوط و المحقق في الشرائع نذكرها:

1- لو زوّج الوليّان كلّ منهما صاحبه و شرط لكلّ واحدة مهرا معلوما و كان

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح، المسألة 118.

(2)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 42

الداعي لكلّ منهما تزويجه الآخر، صحّ بلا إشكال، لعدم جعل بضع كلّ مهر الاخرى في متن العقد و لا خارجة و عدم المحذورين المتوهمين من التعليق في الإنشاء أو الدور.

2- لو زوّج أحدهما أو كلّ منهما، الآخر، بمهر معين، أو على وجه التفويض و شرط مع المهر أن يزوّجه الآخر بمهر معلوم، قال الشيخ: «صحّ العقدان و بطل المهر فانّه جعل صداق كلّ واحدة منهما تزويج الاخرى فالبضع لم يشرك فيه اثنان»، و التعبير غير دقيق لأنّه لم يجعل التزويج مهرا بل شرطا للمهر كما في الشرائع و الأولى التعليل بما في الأخير من أنّه شرط مع المهر تزويجا و هو

غير لازم (و يلزم من عدم لزومه عدم لزوم المشروط). و النكاح لا يدخله الخيار و أوضحه في الجواهر بقوله: فلا يجوز أن يجعل شرطا للنكاح و إلّا لزم الخيار فيه إذا لم يتحقق الشرط.

و عندئذ فلا مناص من جعله شرطا للمسمّى و يلزم أن يكون جزءا منه كما أنّ الأجل جزء من الثمن أو المثمن و هو أمر مجهول، فيوجب جهل المسمّى فيبطل، و يكون لها مهر المثل كما هو الضابط في كلّ مهر فاسد «1».

يلاحظ عليه: ما ذكرناه من تحديد الشغار، من أنّ المتيقّن منه ما لا يكون هناك مهر إلّا التزويج و أمّا إذا كان هناك مهر و كان التزويج جزءا منه أو شرطا، فصدق الشغار عليه مشكوك و هو شرط سائغ يمكن الوفاء به، فإن كان المشروط عليه قادرا على الوفاء به كما إذا رضيت المولّى عليها أو أرضاها بالترغيب، يكون العقد نافذا و أمّا إذا كان الشرط خارجا عن وسعه يدخل تحت الشروط التي لا يتمكّن.

3- لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتي

______________________________

(1)- الجواهر: 30/ 131.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 43

مهرا لبنتك. صحّ نكاح بنت المتكلم و بطل نكاح بنت المخاطب لأنّ الشغار متحقّق في الثاني دون الأوّل لأنّ نكاح بنت المتكلّم صار مهرا لنكاح بنت المخاطب فليس له من المهر إلّا هذا، بخلاف بنت المتكلّم فلها مهر غير النكاح، لكنّه غير مذكور فهو إمّا المسمّى خارج العقد، أو مهر المثل.

4- و لو قال: زوّجتك بنتي على أن تزوّجني بنتك على أن يكون نكاح بنتك مهرا لبنتي، انعكس الحكم، بطل نكاح بنت المتكلم و صحّ نكاح بنت المخاطب.

أقول: لو

فسّر نكاح الشغار بنكاح المرأة مع جعل مهرها نكاح المرأة الاخرى، و بكلمة واضحة: من كان مهرها بضعا صحّ ذاك التفصيل فانّ مهر بنت المخاطب في الأوّل و بنت المتكلّم كذلك و أمّا البنت الأخرى فمهرها غير مذكور، فلو لم يكن هناك تواطؤ يرجع إلى مهر المثل.

و أمّا إذا قلنا بأنّ الملاك من الشغار هو اجتماع سلطتين على بضع واحدة فينعكس الحكم فيبطل نكاح بنت المتكلّم في الأوّل، لأنّه جعل نكاح ابنته مهرا لنكاح بنت المخاطب فعندئذ يلزم اجتماع سلطتين على بضع واحدة لأنّها- مع كونها مملوكة لزوجها أي (المخاطب)- تكون مملوكة لمن صارت مهرا لها.

و بذلك يعلم حكم الفرع الثاني أي يبطل نكاح بنت المخاطب، لأنّه جعلت فيه بضعها مهرا لنكاح بنت المتكلّم، فهي باعتبار مملوكة لزوجها، و باعتبار آخر مملوكة لبنت المتكلم. و بما أنّ الملاك عندنا هو ما ذكر في الأخبار أي من لم يكن له مهر إلّا البضع يكون التفصيل الأوّل أقوى. و على كلّ تقدير فهذا النوع من الشغار شغار من جانب واحد لا من جانبين و مورد الأخبار هو الثاني و يمكن إلغاء الخصوصية، و العرف يساعده.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 45

الفصل الثالث عشر في نكاح المتعة

اشارة

1- نكاح المتعة في الذكر الحكيم

2- الاستدلال بالسنّة

3- أركان عقد المتعة

الف- العقد

ب- المحلّ: الزوجان

1- التمتع بالزانية

2- التمتع بالبكر

ج- المهر

د- الأجل

4- أحكام المتعة

5- ميراث الزوجين في المتعة

6- عدّة المتمتع بها

7- عدّة الوفاة للمتمتع بها

8- تجديد العقد على المتمتع بها قبل انقضاء أجلها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 47

في نكاح المتعة حقيقته تزويج المرأة الحرّة الكاملة- إذا لم

يكن بينها و بين الزوج مانع من نسب أو سبب أو رضاع أو إحصان أو عدّة أو غير ذلك من الموانع الشرعية- بمهر مسمّى إلى أجل مسمّى بالرضاء و الاتفاق، فإذا انتهى الأجل تبين من غير طلاق و يجب عليها مع الدخول بها- إذا لم تكن يائسة، و كانت ممّن تحيض- أن تعتدّ بخمسة و أربعين يوما، و ولد المتعة ذكرا كان أو أنثى يلحق بالأب و لا يدعى إلّا له و له من الإرث ما أوصانا اللّه سبحانه به في آية الوراثة من أنّ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، كما يرث الأم و تشمله جميع العمومات الواردة في الأبناء و الآباء و الأمهات و كذا العمومات الواردة في الإخوة و الأخوات و الأعمام و العمّات.

و بالجملة: المتمتّع بها، زوجة حقيقة و ولدها ولد حقيقة و لا فرق بين هذا الزواج و الزواج الدائم إلّا أنّه لا توارث بين الزوجين، و لا قسم و لا نفقة لها كما أنّ له العزل عنها. و هذه الفوارق الجزئية فوارق في الأحكام لا في الماهية، و الماهية واحدة غير أنّ أحدهما مؤقّت، و الآخر غير مؤقّت و أنّ الأوّل ينتهي بانتهاء الوقت و الثاني ينفصم بالطلاق أو بالفسخ.

أجمع أهل القبلة على أنّه سبحانه شرّع هذا النكاح في دين الإسلام في صدره و لا شكّ و لا ترديد في أصل مشروعيته و إن كان هناك اختلاف في نسخه و بقاء مشروعيّته.

و أوضح دليل على مشروعيّته في صدر الإسلام نهي عمر عنها حيث قال:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 48

«متعتان كانتا في عصر رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم حلالين و أنا أحرّمهما و أعاقب

عليهما: متعة الحجّ، و متعة النساء» «1».

فإنّ النهي إمّا كان اجتهادا من عمر أو كان مستندا إلى نهي من رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و على كلا التقديرين يدلّ على جوازه في فترة خاصة، و هذا واضح لمن له إلمام بالفقه.

[نكاح المتعة في القرآن]

اشارة

و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ حَلٰائِلُ أَبْنٰائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلٰابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلّٰا مٰا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ غَفُوراً رَحِيماً* وَ الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ كِتٰابَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً «2».

و لأجل إيضاح مفاد الآية نبحث عن مفرداتها و جملها واحدة بعد أخرى.

1- الْمُحْصَنٰاتُ مِنَ النِّسٰاءِ، هو معطوف على قوله: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ أي حرم الجمع بين الأختين، كما حرمت المحصنات من النساء أي المتزوّجات. و المحصنات: اسم مفعول من الإحصان، و هو المنع. و يطلق على القلاع: الحصون، لمنعها من هجوم العدو ثمّ إنّ الإحصان بمعنى واحد يستعمل في موارد ثلاثة:

الأوّل: إحصان العفة، و يراد منه العفائف من النساء.

الثاني: إحصان الزوجية، و يراد المتزوّجات، لأنّ الزواج يمنع من اقتحام الزنا كما أنّ العفّة الفطرية كذلك.

الثالثة: إحصان الحرّية و يراد الحرائر، لأنّ الغالب عليهنّ العفة بخلاف

______________________________

(1)- سنن البيهقي: 7/ 206.

(2)- النساء: 23 و 24.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 49

الإماء فقد كان الزنا فاشيا بينهنّ.

و هذا لا يعني أنّ للإحصان معان ثلاثة حتى يصحّ كون اللفظ مشتركا معنويا بل له معنى واحد، و

إنّما الاختلاف في موارد الاستعمال، لأجل أنّ عوامل المنع عن السقوط، إمّا طبع المرأة، أو تزوّجها، أو حرّيتها فإنّ الغالب على الأحرار، هو العفّة خلافا للإماء.

و القرآن الكريم استعمل المحصنات بمعنى واحد في الموارد الثلاثة، و سنذكر أمثلتها عند تفسير الآية.

و المراد من المحصنات هنا: مطلق المتزوّجات، أي القسم الثاني من الاحصان أي من تمسكت باحصان الزواج و ذلك بقرينة عطفه على سائر المحرّمات و إلّا فلا وجه لتحريم العفائف أو الحرائر غير المتزوّجات فإنهنّ في موضع الحثّ على النكاح، لا تحريمه.

2- إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ: فقد استثنى من المتزوّجات الأمة المملوكة لغير الزوج فيجوز أن يحول المالك بين مملوكته و زوجها، ثمّ ينالها بعد استبرائها و ظهور خلوّ رحمها من الولد، و لا يصحّ الاستثناء متصلا من «المحصنات» بمعنى المتزوّجات إلّا بهذا المعنى.

3- كِتٰابَ اللّٰهِ عَلَيْكُمْ منصوب لفعل مقدّر، أي خذوا كتاب اللّه و ألزموه.

4- وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ الإتيان بلفظ «ما» مكان «من» مع كونه الرائج في ذوي العقل و لفظ «ذا» مكان «هؤلاء» قرينة على أنّ المراد من الموصول و اسم الإشارة هو النكاح أي أحلّ لكم نكاح وراء ذلك النكاح، المذكور في نفس الآية قبلها، أيّها المخاطبون.

5- أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوٰالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ الجملة واقعة مكان العلّة الغائية لتحليل ما وراء ذلك، و هي بصدد تبيين الطريق المشروع في نيل النساء

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 50

و مباشرتهنّ الذي دلّت على حلّيته الجملة السابقة و هي قوله: وَ أُحِلَّ لَكُمْ مٰا وَرٰاءَ ذٰلِكُمْ و المقصود هو بعث الرجال إلى ابتغاء النكاح بالمال لكن مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ متعففين لا زانين، فإنّ نيل النساء يتحصّل بأحد أمور

ثلاثة: النكاح، ملك اليمين، و السفاح، و الآية تحث على النكاح و تنهى عن نيلهنّ بالسفاح، و أمّا ملك اليمين فغير مذكور في الآية.

و على ذلك فيكون المراد من قوله مُحْصِنِينَ هو إحصان العفّة، أي تقصدوا بأموالكم أمرا فيه تحقيق إحصانكم و عفّتكم لا خلافه و ضدّه. و قد استعمل لفظ «محصنين» في إحصان العفّة كما استعمل لفظ «محصنات» فيما سبق في إحصان التزويج. و أمّا استعماله، في إحصان الحرّية فهو في الآية التالية عند البعث على نكاح الإماء بقوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ «1» و المراد منها الحرائر كما هو واضح.

و يمكن أن يراد من الإحصان في المقام، إحصان التزويج، و المراد متزوّجين لا زانين أي اطلبوا النساء بأموالكم سالكين سبيل التزويج، لا الزنا، و لا ينافي كون الفقرة الآتية ناظرة إلى العقد المنقطع لأنّه من أقسام التزويج، لا السفاح و لا ملك يمين و أما فقدان بعض أحكام التزويج من الميراث و وجوب النفقة فلا ينافي ذلك.

و لكن الظاهر، هو الأوّل:

و السفاح، من السفح، و هو صبّ الماء من غير غاية، استعير للزنا، لأنّ الزاني لا هدف له إلّا صبّ مائه و إرضاء شهوته لا حفظ العفّة و الأخلاق.

و مع ذلك فليس المراد هو المعنى اللغوي له، الذي ربّما يجتمع مع الزواج الصحيح، بل المراد هو الزنا لشيوع استعماله فيه، بحيث يحتاج إرادة المعنى اللغوي بما هو هو، إلى القرينة.

______________________________

(1)- النساء: 25.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 51

6- فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً

يحتمل أن تكون «ما» مصدرية زمانية و عندئذ يرجع الضمير في «به» إلى النيل، و يعود

معنى الآية إلى، مهما استمتعتم بالنيل منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ، كما يحتمل أن تكون «ما» موصولة و الجملة الواقعة بعدها صلة و الضمير في «به» عائده و المعنى: «من استمتعتم به من النساء». الخ و تذكير الضمير لأجل لفظ الموصول.

و هو تفريع على ما سبق بيانه أي حلّية نيل النساء عن طريق النكاح، و يمنع عن السفاح، ففرّع عليه هذه الجملة و أنّه مهما تمتّع أحد منكم بهنّ فليدفع الأجر.

و لكن الكلام في أنّ المراد هل هو النكاح الدائم أو غيره؟ فالشيعة على أنّ الآية بصدد تشريع هذا النوع من الزواج المنقطع و لفيف من أهل السنّة على أنّه راجع إلى الزواج الدائم، و لكن القرائن تدلّ على أنّ المراد هو الأوّل و إليك بيانها:

القرائن الدالّة على كون المراد هو المنقطع
الأولى: إنّ كلمة «الاستمتاع» ظاهرة في هذا النوع من الزواج

و قد كان هذا النوع من النكاح معروفا في صدر الإسلام بالمتعة و التمتع و ليس المراد منه «الالتذاذ» بل المراد عقد المتعة، يعلم ذلك من الوقوف على وجوده في صدر الإسلام بهذا اللفظ.

1- روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس: قال: كانت متعة النساء في أوّل الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس معه من يصلح له ضيعته و لا يحفظ متاعه فيتزوّج المرأة إلى قدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته فتنظر له متاعه و تصلح له ضيعته ... «1».

______________________________

(1)- الدرّ المنثور: 2/ 140.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 52

2- أخرج الطبراني و البيهقي في سننه عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوّج بقدر ما يرى أنّه يفرغ من حاجته لتحفظ متاعه و تصلح له شأنه «1».

3- أخرج عبد الرزاق و ابن أبي شيبة و البخاري

و مسلم عن ابن مسعود قال: كنّا نغزو مع رسول اللّه و ليس معنا نساؤنا فقلنا: أ لا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك و رخّص لنا أن نتزوّج المرأة بالثوب إلى أجل ... 2.

إلى غير ذلك من الروايات في شأنه و الكلّ يعرب عن وجوده في صدر الإسلام، أي وجود ذلك النوع من العقد فيه، لا العمل الخارجي الالتذاذي، نعم كان العمل يتبع العقد. و بذلك يعلم أنّ المراد من الفعل «استمتعتم» هو عقد المتعة لا المعنى اللغوي:

قال الطبرسي: و قيل: المراد به نكاح المتعة، و هو النكاح المنعقد بمهر معين إلى أجل معلوم، روي عن ابن عباس و السدي و ابن سعيد، و جماعات من التابعين و هو مذهب أصحابنا الإمامية و هو الواضح، لأنّ لفظ الاستمتاع و التمتع و إن كان في الأصل واقعا على الانتفاع و الالتذاذ، فقد صار بعرف الشرع مخصوصا بهذا العقد المعين لا سيما إذا أضيف إلى النساء، فعلى هذا يكون معناه. فمتى عقدتم عليهنّ هذا العقد المسمّى متعة فآتوهنّ أجورهنّ، و يدلّ على، ذلك أنّ اللّه علّق وجوب إعطاء المهر بالاستمتاع و ذلك يقتضي أن يكون معناه هذا، العقد المخصوص دون الجماع و الاستلذاذ لأنّ المهر لا يجب إلّا به «3» و سيوافيك أنّ المهر يجب بمجرّد العقد كله و أنّه ليس له الإمساك، نعم لو امتنعت عن الاستمتاع، ترد بمقدار ما امتنعت.

______________________________

(1) و 2- الدرّ المنثور: 2/ 140.

(3)- مجمع البيان: 2/ 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 53

الثانية: الحمل على النكاح الدائم يستلزم التكرار بلا وجه:

إنّ هذه السورة، أي سورة النساء، تكفّلت ببيان أكثر ما يرجع إلى النساء من الأحكام و الحقوق، فذكرت جميع أقسام النكاح في أوائل السورة على نظام خاص،

أمّا الدائم فقد أشار إليه سبحانه بقوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تُقْسِطُوا فِي الْيَتٰامىٰ فَانْكِحُوا مٰا طٰابَ لَكُمْ مِنَ النِّسٰاءِ مَثْنىٰ وَ ثُلٰاثَ وَ رُبٰاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلّٰا تَعْدِلُوا فَوٰاحِدَةً ... «1».

و أمّا أحكام المهر فقد جاءت في الآية التالية: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً «2».

و قال سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لٰا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسٰاءَ كَرْهاً وَ لٰا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مٰا آتَيْتُمُوهُنَّ ... «3».

و قال سبحانه: وَ إِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدٰالَ زَوْجٍ مَكٰانَ زَوْجٍ وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتٰاناً وَ إِثْماً مُبِيناً «4».

و أمّا نكاح الإماء فقد جاء في قوله سبحانه: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنٰاتِ الْمُؤْمِنٰاتِ فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ مِنْ فَتَيٰاتِكُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ وَ اللّٰهُ أَعْلَمُ بِإِيمٰانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنٰاتٍ غَيْرَ مُسٰافِحٰاتٍ وَ لٰا مُتَّخِذٰاتِ أَخْدٰانٍ ... «5».

فقوله سبحانه: فَمِنْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ إشارة إلى نكاح السيّد لأمته، الذي جاء في قوله سبحانه أيضا: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ... «6».

______________________________

(1)- النساء: 3.

(2)- النساء: 4.

(3)- النساء: 19.

(4)- النساء: 20.

(5)- النساء: 25.

(6)- المؤمنون: 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 54

و قوله سبحانه: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ. إشارة إلى تزويج أمة الغير.

إلى هنا تمّ بيان جميع أقسام النكاح فلم يبق إلّا نكاح المتعة، و هو الذي جاء في الآية السابقة، و حمل قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ على الزواج الدائم. و حمل قوله: فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ على دفع المهور و الصدقات مستلزم للتكرار و قد عرفت وجود نكاح المتعة في

صدر الإسلام، و لا يصحّ للشارع السكوت عن حكمها.

فالناظر في السورة يرى أنّ آياتها تكفّلت ببيان أقسام الزواج على نظام خاص و لا يتحقّق ذلك إلّا بحمل الآية على نكاح المتعة كما هو ظاهرها أيضا. و مما ذكرنا يعلم وجه الاتيان بلفظ «الفاء» مع عدم سبق ذكرها لأنّه لما ذكر جميع الأقسام الموجودة في الأديان و لم يبق إلّا هذا، استدركه بقوله: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ.

الثالثة: تصريح جماعة من الصحابة على شأن نزولها:

ذكرت أمة كبيرة من أهل الحديث نزولها فيها، و ينتهي نقل هؤلاء إلى أمثال ابن عباس، و أبي بن كعب، و عبد اللّه بن مسعود، و جابر بن عبد اللّه الأنصاري، و حبيب بن أبي ثابت، و سعيد بن جبير، إلى غير ذلك من رجال الحديث الذين لا يمكن اتّهامهم بالوضع و الجعل.

و قد ذكر نزولها فيه من المفسرين و المحدّثين:

إمام الحنابلة أحمد بن حنبل في مسنده «1».

و أبو جعفر الطبري في تفسيره «2».

و أبو بكر الجصاص الحنفي في أحكام القرآن «3».

و أبو بكر البيهقي في السنن الكبرى «4».

______________________________

(1)- مسند أحمد: 4/ 436.

(2)- الطبري: التفسير: 5/ 9.

(3)- أحكام القرآن: 2/ 178.

(4)- السنن الكبرى: 7/ 205.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 55

و محمود بن عمر الزمخشري في الكشّاف «1».

و أبو بكر بن سعدون القرطبي في تفسير جامع أحكام القرآن «2».

و فخر الدين الرازي في مفاتيح الغيب «3».

إلى غير ذلك من المحدّثين و المفسرين الذين جاءوا بعد ذلك إلى عصرنا هذا، و لا نطيل الكلام بذكرهم.

و ليس لأحد أن يتّهم هؤلاء الأعلام بذكر ما لا يفتون به. و بملاحظة هذه القرائن لا يكاد يشكّ في ورودها في نكاح المتعة.

و معنى الآية: أنّ اللّه تبارك و تعالى شرّع لكم نكاح ما

وراء المحرّمات لأجل أن تبتغوا بأموالكم ما يحصنكم و يصون عفّتكم و يصدّكم عن الزنا، فإذا تزوّجتم استمتاعا فآتوهنّ أجورهنّ.

و الغاية من النكاح مطلقا هو صيانة النفس، و هي موجودة في جميع الأقسام: النكاح الدائم، و المؤقّت، و الزواج بأمة الغير، المذكورة في أوائل هذه السورة.

الرابعة: قراءة ابن مسعود:

روي أنّ ابن مسعود كان يقرأ: «فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل» كما أنّ ابن عباس كان يقرأ: «.. إلى أجل مسمّى ...».

و من المعلوم أن الزيادة كان تفسير لها، لا جزء منها.

الخامسة: ادّعاء النسخ في الآية:

إنّ ما نسب إلى بعض التابعين أو الصحابة، من أنّ الآية منسوخة ببعض

______________________________

(1)- الكشّاف: 1/ 360.

(2)- جامع أحكام القرآن: 5/ 13.

(3)- مفاتيح الغيب: 3/ 267.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 56

الآيات يدلّ على دلالتها على حكم المتعة فلو لا الدلالة، لما كان هنا وجه للقول بالنسخ، و هذا القول و إن كان خاطئا، لكنّه في ذاته يؤيّد دلالة الآية على ما نرتئيه.

الاستدلال بالسنّة

إذا كان الكتاب دالا على مشروعية المتعة فأغنانا عن دلالة السنّة عليها، و قد تضافرت الروايات بين الفريقين على مشروعيتها و إن ذهب الأكثر من أهل السنّة إلى كونها منسوخة، و قد سبق بعض ما يدلّ على الجواز من السنّة عند تفسير الآية.

و أمّا الروايات عن أئمة أهل البيت فحدّث عنه و لا حرج، و قد تواتر كلام الإمام عليّ عليه السّلام: «لو لا ما سبقني به بنو الخطاب ما زنى إلّا شقي» «1» و في لفظ آخر:

«لو لا ما نهى عنه عمر ما زنى إلّا شقي» «2».

ثمّ إنّ المتأخّرين من أهل السنّة كصاحب المنار و غيره ناقشوا دلالة الآية على حلّية المتعة بوجوه ذكرناها مع أجوبتها في كتابنا (الاعتصام بالكتاب و السنّة) فلاحظ.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 56

فلنذكر أحكام المتعة بعد الفراغ عن تشريعها و عدم منسوخيتها.

أركان عقد المتعة و هي أربعة:

الركن الأوّل: العقد

أعني الإيجاب و القبول فلا يحصل بدون ذلك كالإشارة أو بإدخال الخاتم

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب الأول من أبواب المتعة، الحديث 2، و لاحظ بقية روايات الباب.

(2)- الدر المنثور: 2/ 141.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 57

في يدها، أو بالمعاطاة و قد ادّعى صاحب الحدائق، الإجماع على شرطية العقد في النكاح. و استدل الشيخ الأعظم، بأنّه لو لا العقد لما بقي فرق بين النكاح و السفاح.

و لكن الإجماع المنقول حاله معلوم، و الثاني أيضا غير مفيد، لأنّ التفاوت بين النكاح و السفاح ليس هو العقد، بل التفاوت بينهما جوهري فإنّ الوطء في الأوّل بعنوان الزوجية، و في الثاني بعنوان الزنا، و هما في حدّ

أنفسهما ماهيّتان مختلفتان شرعا و عرفا، سواء أ كان هناك عقد أم لا، و إنّما العقد يحقّق إحدى الماهيتين و هذا يعرب عن وجود التفاوت الجوهري بين الأمرين مع قطع النظر عن العقد.

و العمدة في لزوم العقد، هو السيرة العملية الحاكية عن التزام المتشرّعة به التزاما لا يترك، و لعلّ هذا المقدار من السيرة كاف في إثبات لزومه، على أنّه يستفاد من الروايات الواردة حول السؤال عن كيفية الصيغة في المتعة أنّه كان أمرا مسلّما، و لأجل ذلك كان الأصحاب يسألون الإمام عن كيفية إجرائها «1».

نعم، قيام الكتابة مقام اللفظ لا يخلو عن قوّة بل عليها السيرة من الجوامع المتحضرة حيث يكتفون بها، مع المقالة المتقدّمة.

بل نقول: إنّ التعامل مع النكاح و أضرابه، معاملة العبادات و تقييده بقيود لا يعتني بها العقلاء، أمر في غير محلّه، فالذي عليه العقلاء، لزوم كون اللفظ صريحا قاطعا لا يبقى معه شكّ و لا ترديد، و عندئذ تسقط كثير من الأبحاث التي طرحها العلماء حول العقود في البيع و الإجارة و النكاح. و قد تقدّم الكلام مفصّلا عند البحث عن النكاح الدائم و قلنا: إنّ الالتزام بماضوية الإيجاب و القبول أو تقدّم الإيجاب على القبول أو جواز تقديم القبول مطلقا إلّا إذا كان بلفظ «رضيت» أو «قبلت» إلى غير ذلك من الشرائط- كلّها- من قبيل الالتزام بما لا يلزم و ليست المعاملات من قبيل الأمور التوقيفية مثل العبادات، و على ضوء هذا فالالتزام

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 18 من أبواب المتعة، لاحظ رواياته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 58

بالتقدّم أوّلا، و الماضوية ثانيا، لا دليل عليه، مع أنّ الروايات الواردة في المتعة تشهد على خلاف هذا

الالتزام فقد تقدّم فيها القبول على الإيجاب أوّلا، و اكتفي فيها بصيغة المضارع فلاحظ الباب 18 من أبواب المتعة «1».

و قد قلنا في تزويج الصغرى: إنّه يصحّ الاكتفاء بلفظ واحد قائم مقام الإيجاب و القبول فيما إذا كان العاقد وليّا لهما، فقال: زوّجت هذه من هذا على مهر كذا، كيف لا يكون كذلك و زوّج سبحانه عبده عليّا من أمته فاطمة بلفظ واحد و قال: زوّجت أمتي فاطمة من عبدي عليّ، هذا كلّه حول الركن الأوّل: و إليك الكلام في الركن الثاني.

الركن الثاني: المحلّ
اشارة

المراد منه الزوج و الزوجة، و يترتّب عليه كلّ ما ذكرناه في العقد الدائم من الأحكام إلّا ما استثني بالدليل، و بعبارة أخرى: بما أنّ العقد المنقطع داخل في المستثنى من قوله سبحانه: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «2» يترتّب على الزوجين فيها من الأحكام، ما يترتّب عليهما في الدائم فالزوج المسلم لا يتزوّج إلّا مسلمة أو كتابية بأقسامها الثلاثة: اليهودية، و النصرانية و المجوسية.

و أمّا ما رواه معاوية بن وهب «3» من منع الكتابية عن شرب الخمر و أكل لحم الخنزير مع جوازه لها أخذا بأحكام الذمّة، فهناك احتمالات:

1- اشتراط تركهما في متن العقد.

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة الحديث 1 و ظاهر حديث 2 و 3 و 4 و 5 و 6، فإنّ الظاهر أنّ ما يقوله الزوج هو القبول كما هو صريح الأوّل، و اسناده و إن كانت غير نقية لكن البعض يعاضد البعض.

(2)- المؤمنون: 6.

(3)- الوسائل: 14، الباب 2 من أبواب ما يحرم بالكفر، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 59

2- إنّ المنع إنّما إذا كانا مانعين عن التمتع و موجبين

للتنفر.

3- إنّه من باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر.

و الكلّ غير مجد، لأنّ الأوّل خلاف الظاهر، لأنّ الرواية ظاهرة في وجوب منعها بالتزويج لا بالاشتراط، و الثاني مخالف لإطلاق الرواية سواء كان مانعا أو منفّرا، أو لا، و الثالث لا موضوع له لأنّ المفروض تجويز الشارع إذا لم تتظاهر، و الظاهر أنّ الرواية محمولة على الإرشاد لئلا يسري الأمر إلى الزوج بقرينة كونه ذا غضاضة في دينه كما عليه صريح الرواية.

و يستحبّ أن تكون المتمتع بها مؤمنة «1» عفيفة «2» كما يستحبّ السؤال «3» إذا كانت متّهمة بكونها مزوّجة، و ظاهر المحقّق سؤالها، و ظاهر المسالك، سؤال الغير عنها، لأنّها لا تعترف بالزوج لو سئل.

و ما ورد من الذم عن السؤال إنّما مورده بعد التزويج لا قبله 4.

مسألتان:

1- متعة الزانية.

2- متعة الباكر.

[التمتع بالزانية]

أمّا الأولى: فالمشهور على الكراهة، و ذهب الصدوق إلى المنع و فصّل ابن البرّاج و جوّزه إذا منعها من الفجور.

1- قال العلّامة في المختلف: قال الشيخ في النهاية: لا بأس بأن يتمتّع الرجل بالفاجرة إلّا أنّه يمنعها بعد العقد من الفجور «5».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 7 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(3) و 4- الوسائل: 14، الباب 10 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 3 و 4.

(5)- النهاية: 490، ط بيروت.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 60

2- و قال الصدوق في المقنع: و اعلم أنّ من يتمتّع بزانية فهو زان، لأنّ اللّه تعالى يقول: الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ «1».

و قال ابن البرّاج: لا يعقد متعة

على فاجرة إلّا أن يمنعها من الفجور فان لم تمتنع من الفجور فلا يعقد عليها «2».

3- و قال المحقّق: و يكره أن تكون زانية، فإن فعل فليمنعها من الفجور و ليس شرطا، و قوله: «ليس شرطا» ردّ لما ذكره ابن البرّاج من الاشتراط.

و قال ابن رشد: و اختلفوا في زواج الزانية فأجاز هذا الجمهور و منعها قوم، و سبب اختلافهم، اختلافهم في مفهوم قوله تعالى: الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم؟ و هل الإشارة في قوله- ذلك- إلى الزنا أو إلى النكاح «3».

أقول: تفصيل الكلام: أنّه قال سبحانه: الزّٰانِي لٰا يَنْكِحُ إِلّٰا زٰانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّٰانِيَةُ لٰا يَنْكِحُهٰا إِلّٰا زٰانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ و الإشارة في ذلك إلى النكاح و المراد منه هو العقد لا الوطء لظهور حرمة الزناء على المؤمن و غيره.

و يؤيّده، ما ورد من المنع عن تزويجها كصحيح محمّد بن الفضيل قال:

سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة الحسناء الفاجرة هل تحبّ للرجل أن يتمتع منها يوما أو أكثر؟ فقال: «إذا كانت مشهورة بالزنا فلا يتمتّع منها و لا ينكحها» «4».

______________________________

(1)- المقنع: 113. و الآية من سورة النور: 3.

(2)- المهذّب: 2/ 241.

(3)- بداية المجتهد: 2/ 40، و قد ذكر القرطبي للآية وجوها ستة راجع: 12/ 167- 170.

(4)- الوسائل: 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 61

و مثلها، صحيحة عبد اللّه بن أبي يعفور، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المرأة و لا يدرى ما حالها أ يتزوّجها الرجل متعة؟ قال: «يتعرّض لها

فإن أجابته إلى الفجور فلا يفعل» «1» مضافا إلى خبر محمّد بن الفيض 2.

و في مقابلها، روايات تدلّ على الجواز و قد علل الحكم، بأنّك تخرجها من الحرام إلى الحلال «3» و القائل بالجواز يؤوّل الآية بأحد الوجهين:

1- إنّ النكاح في الآية ليس بمعنى العقد بل بمعنى الوطء، و انّ اسم الإشارة في قوله: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ يشير إلى النكاح لكن المقصود منه الوطء المساوق في المقام مع الزنا، لا التزويج و معنى الآية: الزاني و المشرك يطأ الزانية و المشركة، و لكن وطؤهما حرام على المؤمن لكونها زنا، و بعبارة أخرى: المراد أنّ الزاني لا يزني إلّا بزانية أو بمثلها و هي المشركة، و إنّ الزانية لا تزني إلّا بزان أو بمثله و هو المشرك، و أمّا المؤمن فهو ممتنع عن ذلك لأنّ الزنا محرّم و هو لا يرتكب ما حرّم عليه «4».

يلاحظ عليه: أنّ النكاح في الأصل و إن كان بمعنى الوطء، لكنّه لم يستعمل في القرآن إلّا في التزويج فقد ورد اللفظ فيه حوالي 23 مرتبة بمشتقّاتها المختلفة.

و المتبادر في الجميع هو العقد حتّى في قوله سبحانه: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «5» فحمل اللفظ (النكاح) الذي أشير إليه بلفظ: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ في المورد على الوطء بعيد جدّا.

فإن قلت: إنّ لازمه جواز نكاح المسلم الزاني، المشركة، و جواز نكاح المشرك المسلمة الزانية، و هو كما ترى.

قلت: إنّ نكاح الزانية أو المشركة حرام على الزاني و المشرك و المؤمن غير أنّ

______________________________

(1) و 2- الوسائل 14، الباب 8 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 3.

(3)- الوسائل 14، الباب 9 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 3

و 4.

(4)- البيان: 384.

(5)- الممتحنة: 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 62

الأوّلين لأجل تمرّدهما ينكحا سواء نهيا أو لا، حرم ذلك عليهما أو لا، و لأجل ذلك ذكر المؤمن وحده، و قال: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. و هذا لا يعني جوازه لغير المؤمن إذ عدم الذكر لأجل عدم اصغائهما للتحريم.

2- حمل «التحريم» في قوله تعالى: وَ حُرِّمَ ذٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ على الكراهة، و هو أبعد، مع عدم استعماله في الذكر الحكيم إلّا في الحرمة القطعية، و ليس التصرف في دلالة الذكر الحكيم مع كونه نصّا في مفاده، أمرا سهلا فالقول بالحرمة أقوى و أحوط إلّا إذا قدر على منعها عن العهر فيجوز، لانصراف الآية عن هذه الصورة و لعلّ ما دلّ على الجواز محمول على هذه الصورة.

التمتع بالبكر

و أمّا التمتّع بالبكر فقد اختلفت كلمة الأصحاب في جوازه إلى أقوال.

1- قال الشيخ في النهاية: إذا كانت بالغة جاز له العقد من غير إذن أبيها إلّا أنّه لا يجوز أن يفضي إليها.

2- قال أبو الصلاح الحلبي: لا يجوز التمتّع بالبكر إلّا بإذن أبيها، و به قال الصدوق أيضا: لا يتمتع بذوات الآباء من الأبكار إلّا بإذن آبائهنّ.

و يظهر من ابن البرّاج الميل إلى ما ذكره أبو الصلاح و الصدوق، حيث قال:

الأحوط عدم العقد عليها بلا إذن أبيها «1».

و قال ابن سعيد: و يجوز متعة البكر البالغ و لا يفضى إليها إن كانت بين أبويها و إن أذنت، و إن لم تكن بين أبويها جاز إلّا أن تشترط أن لا يفضيها «2».

______________________________

(1)- المختلف: كتاب المتعة: 12، و المهذّب 2/ 241. و الإفضاء: التوسيع كناية عن الافتضاض.

(2)- الجامع: 451.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 63

و ذهب المحقّق إلى الكراهة مع عدم الأب، و يزيد الكراهة إذا كان مع الإفضاض، و عدم الجواز مطلقا إذا كان لها أب.

أمّا صور المسألة: فانّ التمتع إمّا مع الإفضاض أو بدونه، و على كل تقدير إمّا مع وجود الأب، أو عدمه.

أمّا الروايات فهي على أصناف:

1- ما ينهي عن متعة البكر، كصحيحة حفص ابن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج البكر متعة؟ قال: «يكره للعيب على أهلها» «1». و مثله خبر مهلب الدلّال 2 و معتبرة أبي بكر الحضرمي 3 و خبر عبد الملك بن عمرو 4.

و لكن النهي محمول على الكراهة لقوله في صحيحة حفص: «يكره للعيب على أهلها» و قوله في خبر المهلب: «استر على نفسك و اكتم رحمك اللّه» و لعلّ المراد إذا عقدت فاستره، لأنّه يعدّ عيبا للعاقد و المعقود عليها، أضف إلى ذلك تضافر الروايات بجوازها كما سيوافيك.

2- ما يدل على الجواز مطلقا كمرسلة محمد بن عذافر عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام سألته عن التمتع بالأبكار، فقال: «هل جعل ذلك إلّا لهنّ فليستترن و ليستعففن» «5» و مثله خبر محمد بن سنان عن أبي سعيد 6.

3- ما يدلّ على الجواز إذا لم يفض إليها، كصحيحة زياد بن أبي الحلال قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: «لا بأس أن يتمتّع البكر ما لم يفض إليها كراهية العيب على أهلها» «7». و مثله خبر محمّد بن أبي حمزة 8 و مرسلة أبي سعيد القماط 9 و خبر الحلبي 10.

______________________________

(1)- 4- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 10 و 11 و 13 و 14.

(5) و 6- الوسائل: 14 الباب 11،

من أبواب المتعة، الحديث 4 و 6.

(7)- 10- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 7 و 9. الإفضاء في صحيحة زياد هو ما مرّ في عبارة ابن سعيد.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 64

4- ما يدلّ على أنّها لا تتزوّج إلّا بإذن أبيها كصحيحة أحمد بن محمّد بن أبي نصر عن الرضا عليه السّلام قال: «البكر لا تتزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» «1». و مثله صحيحة أبي مريم، أي عبد الغفّار بن القاسم الثقة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «العذراء التي لها أب لا تزوّج متعة إلّا بإذن أبيها» 2.

5- ما يدلّ على جواز الافتضاض إذا كانت راضية مع كون التمتّع بلا إذن أبيها و يظهر ذلك من صحيحة إسحاق بن عمّار، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل تزوّج بجارية عاتق على أن لا يقتضّها ثمّ أذنت له بعد ذلك؟ قال: «إذا أذنت له فلا بأس» 3.

و الذي يمكن أن يقال حول الروايات أحد أمرين:

الأوّل: ما عليه المحقّق من الحكم بكراهة التمتع ببكر إذا لم يكن لها أب فإن فعل فلا يفتضّها. و ليس بمحرّم.

و على ذلك يحمل ما يدلّ على الجواز مع عدم الافتضاض و يؤيّده، ما ورد في الطائفة الخامسة من أنّها لو رضيت يجوز الافتضاض، و يؤيّد ذلك الحمل أيضا لسان الروايات من «كراهية العيب على أهلها»، كما في صحيحة زياد بن أبي الحلال، و على ذلك تبقى روايات اشتراط إذن الأب على إطلاقها، فلا يجوز التمتّع بلا إذن الأب كان هناك افتضاض، أم لا.

و لأجل ذلك خصّ المحقّق الكراهة بما إذا لم يكن لها أب، و

أمّا إذا كان لها أب فلو أذن يجوز بلا كراهة، و إلّا فلا يجوز من غير فرق بين الافتضاض و عدمه.

الثاني: التصرف في روايات اذن الأب باختصاصها بصورة الافتضاض و إلّا فلا يشترط الإذن و على ذلك فالحكم يدور مدار الافتضاض و عدمه فيشترط في

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 12 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 65

الأوّل دون الثاني.

و تدلّ على ذلك، صحيحة الحلبي، قال: سألته عن التمتّع من البكر إذا كانت بين أبويها بلا إذن أبويها؟ قال: «لا بأس ما لم يفتضّ ما هناك لتعفّ بذلك» «1».

حيث قيّد شرطية الإذن بما إذا لم يفتض، و أمّا إذا تجاوز عنه فلا يجوز بلا إذنه و بذلك يحمل كلّ ما دلّ على شرطيّة الإذن على ما إذا كان افتضاض، لا ما إذا لم يكن، مثل صحيحة البزنطي 2. و خبر أبي مريم 3.

فتكون النتيجة على الجمع الأوّل، الجواز مطلقا إذا لم يكن لها أب و عدم الجواز مطلقا إذا كان لها أب.

و على الجمع الثاني، الجواز مطلقا إذا لم يكن هناك افتضاض، كان هناك إذن أو لا، و عدم الجواز إذا كان هناك افتضاض، إلّا إذا أذن الأب. هذا، و لكن الأقوى، هو الأوّل، لأنّ رواية الشيخ، عن أبي سعيد، عن الحلبي، ضعيف لوقوع موسى بن عمر بن يزيد «4» في سنده و هو ضعيف، و محمّد بن سنان مختلف فيه، فجعله شاهدا للجمع، أمر مشكل، و على هذا، فما ذهب إليه المحقق من الكراهة مطلقا أو في صورة الافتضاض في صورة عدم الأب و عدم الجواز في صورة وجوده، هو الأقوى و قد

قوّيناه أيضا في باب شرطيّة ولاية الأب في السابق، فلاحظ.

***

الركن الثالث: المهر
اشارة

قال المحقّق: هو شرط في عقد المتعة، و يبطل بفواته العقد. و قال في الحدائق: لا خلاف بين الأصحاب- رضي اللّه عنهم- في أنّ ذكر المهر شرط في صحّة هذا

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 9 و 5 و 12.

(4)- لاحظ سنده في التهذيب: 7/ 354.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 66

العقد، فيبطل بفواته بخلاف الدائم. و يدلّ على ذلك صحيحة زرارة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تكون متعة إلّا بأمرين: أجل مسمّى، و أجر مسمّى» «1».

و هذا دليل على أنّ في المتعة رائحة الإجارة، و الأجرة فيها أيضا ركن، فهكذا المتعة، و قد ورد في بعض الأخبار، و إن كان ضعيفا ب «أنّهنّ مستأجرات» «2» أو «و إنّما هي مستأجرة» 3. فما ذكره الأصحاب من أنّ الغرض الأصلي من نكاح المتعة هو الاستمتاع و تحصين النفس فاشبهت عقدها بعقود المعاوضات، ليس أمرا بعيدا، و إن لم يرتضيه صاحب الحدائق.

ثمّ إنّهم فرّعوا على هذا الأصل أمورا:

1- أن يكون مملوكا.

2- أن يكون معلوما، بالكيل، أو الوزن، أو الوصف، أو المشاهدة.

3- لا تقدير له قلّة و كثرة بل يكفي في الأجرة المراضاة قلّت أو كثرت.

4- هل يجب دفعها بالعقد، أو يجوز له توزيع المهر على تمام المدة؟.

و إليك البحث عنها واحدا بعد الآخر.

المسألة الأولى: يجب أن يكون مملوكا

و المراد منه أمران: الأوّل: أن يقبل التملّك فلا يصح جعل الخنزير و الكلب مهرا لأنّهما ممّا لا يملكان.

الثاني: ما يختصّ تملّكه بالعاقد، فلا يجوز العقد على مال الغير مغصوبا كان

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و

4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 67

أو لا، و الفرق بين البيع و المتعة- حيث يصحّ هناك العقد على مال الغير فضولا، فإذا أجاز صحّ للغير، و لا يصحّ هنا- هو أنّ البيع ربط و علقة بين المالين، و البائع و المشتري تابعان فيدخل المثمن من حيث خرج الثمن، فإذا أجاز صاحب الثمن يقع له و إن قصد العاقد تملّك نفسه لما عرفت من خروج المتبايعين عن حقيقة البيع، و هذا بخلاف النكاح فإنّ النكاح علقة بين الزوجين و المهر تكريم للمرأة، غير أنّه دلّ الدليل على عدم جواز خلوّ العقد من المهر و المدّة، فإنّ فيه (أجل مسمّى و أجر مسمّى) فإذا عقد لنفسه بمال الغير، فإمّا أن يقع النكاح لصاحب المال، أو للعاقد، أمّا الأوّل، فلا يمكن في المقام لأنّه غير مقصود للزوجة و قد عرفت ركنية الزوجين و تعيينهما.

و أمّا الثاني: فلأنّه لم يبذل شيئا و الأجرة و إن لم تكن ركنا في الدائم لكنّها ركن في المنقطع فيبطل.

و مع ذلك ففيه مجال للمناقشة، و هو أنّ المقام أشبه بما إذا باع شيئا له و لكنّه صار غير متمكّن من تسليمه، أو عقد بمال و اعتقد أنّه ماله، فهل يبطل العقد أو أنّه ينتقل إلى المثل و القيمة، و لا يبعد أن يكون المقام من قبيلهما خصوصا إذا قلنا بأنّ الأجرة ركن و أمّا عينها فلم تعلم ركنيتها، و ما هو المقصود للمرأة هو الثمن لا عينه.

و على ذلك فالمراد من كونه مملوكا أن يكون قابلا للتملّك، لا مملوكا لشخص العاقد و أقصى ما يمكن أن يقال أن لا يكون العقد خاليا من الأجرة، التي تسلم للمرأة عينها أو

مثلها أو قيمتها.

و لو أباح المالك عامة التصرفات للعاقد حتى بيعه و إتلافه فجعله مهرا يصح، فأنّ جعله مهرا يدلّ بالدلالة الاقتضائية على أنّه تملّك المال ثمّ جعله مهرا مثل ما إذا قال: أعتق عبدك عنّي.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 68

المسألة الثانية: أن يكون معلوما بالكيل أو الوزن

و يكتفى بالمشاهدة أو الوصف حتّى في المكيل و الموزون و المعدود، مع عدم الاكتفاء بهما في البيع إذا كان المبيع مكيلا أو موزونا، و ما ذلك إلّا لأنّ المتعة ليست من المعاوضات المحضة فقط حتى يلاحظ فيها عدم الغرر، أضف إليه أنّ الروايات دلّت على أنّ الصحابة يتمتّعون بكفّ من برّ أو طعام مع اختلاف الأكف في السعة و الضيق.

المسألة الثالثة: لا تقدير للمهر قلّة و كثرة، و إنّما يتقدّر بالمراضاة

و تدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: كم المهر يعني في المتعة؟ قال: «ما تراضيا عليه إلى ما شاءا من الأجل» «1».

و بذلك يظهر معنى قوله عليه السّلام في بعض الروايات: «يجزي فيه الدرهم فما فوقه» 2 و قوله عليه السّلام عند ما سئل عن أدنى مهر المتعة ما هو؟ قال: «كفّ من طعام دقيق أو سويق أو تمر» 3. فهو كناية عن المراضاة و ما ذكر فيه من باب المثال و ليس معناه أنّه لا يكفي نصف الدرهم أو نصف الكفّ من تمر إذا كانت لها مالية.

المسألة الرابعة: هل يجب دفع الاجرة بالعقد، أو يجوز توزيعها حسب الزمن المدّة؟

بعبارة أخرى: هل العقد سبب تام لدفع المهر إذا طلبت، أو سبب ناقص يتوقّف على انضمام تمكينها منه في المدّة المضروبة؟ المشهور هو الأوّل، قال ابن البرّاج: «و إذا انعقد نكاح المتعة على ما بيّناه وجب على الرجل تسليم الأجر إلى المرأة، فإن أخّر بعضه برضا المستمتع بها كان جائزا و إذا تسلّمت منه ذلك، استحقّ بضعها على الشروط التي استقرّت بينهما «4».

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 21 من أبواب المتعة: الحديث: 3 و 1 و 5.

(4)- المهذّب: 2/ 242.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 69

و يمكن استظهاره من ابن سعيد في الجامع قال: «و إن أقبضها المهر و مكّنته من نفسها تمام المدّة دون بعض رجع عليها بالحساب و أيّام حيضها لها.

و نسبه في الجواهر إلى المشهور، و يدلّ عليه قبل السنّة الكتاب العزيز، قال سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (النساء- 24) لما سمعت من أنّ المراد من الفعل، هو عقد المتعة، لا نفس العلم، و إلّا فإمّا أن يراد جنس الاستمتاع أو

مجموعه في المدّة المضروبة و على الأوّل يجب الإقباض عند تحققه و لو مرّة، و على الثاني لا يجب التسليم إلّا إذا تمّ الأجل، و لم يقل بهما أحد.

لكن وجوب التسليم ليس بمعنى أنّها يملكها مطلقا، مكّنت نفسها فيها من الزوج أو لا، دخل بها أو لا، بل الملكية المنجّزة متوقفة على التمكين، و إلّا رجع عليها بالحساب كما أنّه لو طلّق الدائمة قبل الدخول، يرجع عليها بالنصف قال ابن البرّاج: «و إذا عقد على امرأة متعة ثمّ اختار فراقها قبل الدخول بها كان لها النصف و يهب لها أيّامها، و إن كان قد أسلم إليها جميع المهر فإنّ له الرجوع عليها بنصفه «1». و سيوافيك الكلام في التنصيف.

أمّا السنّة فتدلّ عليه:

1- صحيحة عمر بن أبان، عن عمر بن حنظلة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة شهرا فتريد منّي المهر كملا و أتخوّف أن تخلفني؟ قال: «لا يجوز أن تحبس ما قدرت عليه فإن هي أخلفتك فخذ منها بقدر ما تخلفك».

كذا نقله في الجواهر، و لكن الموجود في الوسائل «يجوز» «2» مكان «لا يجوز» و أوعز إليه في الجواهر بقوله و في بعض النسخ «يجوز» و قال: لكنّه لا يوافق ظاهر قوله «فخذ منها» «3».

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 154.

(2)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(3)- الجواهر: 30/ 164.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 70

أقول: يمكن تصحيح ما في الوسائل بتقدير كلمة «و إن دفعته» فكأنّه قال:

يجوز أن تحبس ما قدرت عليه (و إن دفعته كله) و أخلفتك فخذ منها ... و يشهد للتقدير صحيحته الأخرى عن عمر بن حنظلة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت

له: أتزوّج المرأة شهرا فأحبس عنها شيئا؟ فقال: «نعم، خذ منها بقدر ما تخلفك إن كان نصف شهر فالنصف و إن كان ثلثا فالثلث» «1». فيقدّر قوله «و إن دفعته» فكأنّه قال: نعم و إن دفعته خذ منها. و مثلها روايته الثالثة المروية في الفقيه و فيها:

«يحبس عنها من صداقها، مقدار ما احتبست عنك إلّا أيّام حيضها فإنّها لها» 2.

لكن الكلام على كلتا النسختين في حجّية خبر عمر بن حنظلة، فإنّ الأصحاب أعرضوا عن رواياته إلّا موردا واحدا اشتهر بمقبولة عمر بن حنظلة.

2- مكاتبة الريّان بن شبيب إلى أبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي، ثمّ دخل بها و علم بعد دخوله بها قبل أن يوفيها باقي مهرها أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم معها، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: لا «يعطيها شيئا لأنّها عصت اللّه عزّ و جلّ» «3».

فاستظهر من قوله «فأخّرته» أنّ للمرأة حقّ المطالبة لكنّها أخّرت المطالبة.

يلاحظ عليه: أنّه ليس واردا في كلام الإمام عليه السّلام و إنّما ورد في كلام السائل فلا يصحّ الأخذ بظهوره.

هذا حسب الكتاب و السنّة، و قد عرفت قوّة دلالة الأوّل، و ضعف دلالة الثاني إلّا أنّ هنا وجها آخر يثبت وجوب التسليم بعد العقد و هو أنّ ما يدفع إليها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(3)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث 2 و في السند علي بن أحمد بن هاشم و قد أكثر الصدوق الرواية عنه و هو قرينة على وثاقته.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 71

مهر، ليس بأجرة محضة و يترتّب عليه أحكام المهر.

توضيحه: أنّ الأجرة لا يجب دفعها ما لم يسلّم الأجير العمل، فلو استأجر لكنس الدار، فلا يجوز له الطلب ما لم يسلّم الكنس و غيره إلّا إذا اتفقا على التسليم.

نعم ربّما يستظهر كونه أجرا بما ورد في بعض الروايات، من «أنّها مستأجرة» «1».

و لكن الإمعان فيها يقضي بأنّه ليس المراد كونهنّ مستأجرات في جميع الجهات، بل التنزيل في أنّها لا تحتاج إلى الطلاق و لا ترث فهي أشبه بالأجير إذا تمّ عمله آخر النهار يتركك و يشتغل لشخص آخر، و لا صلة بينه و بين الإنسان لا أنّ خاصية العمل، استئجار، كيف و قد عرفت دخوله في قوله تعالى: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ (المؤمنون/ 6).

و ممّا يشهد على كونها زوجة و أنّ ما تراضيا عليه من قبيل المهر، هو الحكم بلزوم دفع النصف قبل الدخول إذا وهب المدّة و أعرض عن التمتّع، و تدلّ عليه صحيحة الحسين بن سعيد عن الحسن (و هو مردّد بين كونه الحسن بن الوشّاء أو الحسن بن محبوب، أو الحسن بن علي بن يقطين، أو الحسن بن علي بن فضال، و على أيّ تقدير، فالكل ثقات) عن زرعة عن سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، فإن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الرجل نصف الصداق» «2». فإنّ المراد من قوله «خلاها» هو الأعم من الطلاق في الدائم وهبة المدّة في المنقطع، فيجب على المرأة، النصف إن أخذت

______________________________

(1)-

الوسائل: 14 الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(2)- الوسائل: 14 الباب 30 من أبواب المتعة، الحديث 1 و قد عرفت فتوى ابن البرّاج عليه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 72

الكل كما على الرجل دفع النصف إن لم يدفعه. و هذا دليل على أنّه بمنزلة المهر يترتّب عليه ما يترتّب على المهر في الدائم، فالأحكام الواردة في مهر الدائم تجري في المنقطع لأنّ الموضوع هو المهر، و إن كان المورد هو الدائم و ليس هذا ببعيد فإنّ الفقهاء حكموا بوحدة أحكام الصلاة المفروضة و المسنونة و الصوم الواجب و المستحب مع أنّ مورد الروايات، هو الواجب دون الأعم لكنّهم أجروا أحكام الصلاة المفروضة في مورد المسنونة و أحكام الصوم الواجب في مورد المستحب.

هذا هو الأصل، و لو دلّ دليل على الخروج و الاستثناء، نأخذ به و إلّا فهذا الأصل هو المحكّم. و قد دلّ الدليل على الفرق بين الدائم و المنقطع بعد الدخول حيث إنّ المهر تملكه الزوجة في الدائم و إن كانت ناشزة و إنّما النشوز يؤثر في مورد النفقة دون المهر، بخلاف المنقطع فإنّ ملكيتها للمهر لا يستقرّ إلّا بالتمكين و إن كانت مدخولا بها، فإن أخلفت يحسب عليها بقدر ما أخلفت، و تدلّ عليه ما مضى من روايات حنظلة الثلاثة و غيرها «1» و ضعف السند مجبور بعمل الأصحاب في المقدار الذي عملوا به من الرجوع إذا أخلفت لا في جواز الحبس و إن كانت ممكّنة، كما مرّ.

نعم، خرجت أيّام الحيض بالنص، و لا تعدّ مخلفة، و هل يلحق بها أيّام المرض إذا استوعبت المدّة أو لم تستوعب، و مثله ما إذا منعها الظالم من التمكين أو

صارت معذورة أو شاغلته لدفع الضرر عن نفسه و ماله و عرضه، أو لا؟ الجواب هو أنّ ما تراضيا عليه من مهر يترتّب عليه كلّ ما يترتّب على المهور إلّا ما خرج و هو ما إذا كانت مخلفة لا إذا لم تكن كذلك، فالأقوى عدم التوزيع كما أنّ الأقوى عدم التنصيف بالموت.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 27 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 73

في أحكام المتعة

إذا تبيّن فساد العقد، لكون المزوّجة أختا رضاعيّة للزوج، أو مزوّجة للغير، فله صورتان:

1- إذا تبيّن قبل الدخول، فلا مهر، و لو قبضته يسترجعه، لعدم المقتضي بعد تبيّن فساده.

2- إذا بان بعد الدخول، فلا تخلو إمّا أن تكون عالمة أو جاهلة، فهناك قولان:

الأوّل: ما اختاره الشيخ في النهاية من «أنّ لها ما أخذت و ليس عليه تسليم ما بقي» قال فيها: «فإن تبيّن بعد الدخول بها أنّ لها زوجا كان لها ما أخذت منه و لا يلزمه أن يعطيها ما بقي عليه» «1».

و مستنده، حسنة حفص، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إذا بقي عليه شي ء من المهر و علم أنّ لها زوجا فما أخذته فلها بما استحلّ من فرجها، و يحبس عنها ما بقي عنده» «2».

و الرواية لا توافق القواعد لأنّها لو كانت عالمة فلا مهر لبغيّ مثل التبيّن قبل الدخول، و إن كانت جاهلة فلها مهر المثل، لا ما أخذته، اللّهمّ إلّا أن تحمل على صورة الجهل و يكون الاكتفاء بما أخذت لكونه مساويا بمهر مثلها.

مضافا إلى مكاتبة ابن الريّان، حيث دلت على أنّها لو كانت عالمة لا تستحق شيئا، حيث كتب إلى أبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوج

المرأة متعة بمهر إلى أجل معلوم و أعطاها بعض مهرها و أخّرته بالباقي، ثمّ دخل بها و علم بعد دخوله

______________________________

(1)- النهاية: 491.

(2)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 74

بها قبل أن يوفّيها باقي مهرها، أنّها زوّجته نفسها و لها زوج مقيم معها، أ يجوز له حبس باقي مهرها أم لا يجوز؟ فكتب: «لا يعطيها شيئا لأنّها عصت اللّه- عزّ و جلّ» «1».

و الإمام عليه السّلام و إن أجاب بأنّها لا تستحق الباقي، لكنّه لأجل سؤال السائل عنه، و إلّا فمقتضى التعليل عدم استحقاقها شيئا لأنّ ما يؤخذ في مقابل الحرام كالزنا سحت لا تملك، فيجوز له الاسترجاع إذا كان موجودا و تكون ضامنة إذا أتلفت.

و كون الزوج مسلّطا لها على ماله، فلا ضمان عند التلف، غير تامّ، لأنّه سلّطها بعنوان أنّها زوجته و هو مفقود، و كان الآخذ- أي الزوجة- عالمة بأنّ التسليط صدر بهذا العنوان و هي غير واجدة له، فكان التصرف فيه حراما و مضمونا و ذلك مثل ما إذا أباح لزيد أكل طعامه بعنوان أنّه صديقه و هو عدوّ له، فلا يجوز لزيد التصرّف فيه و لأجل ذلك، لا مناص من تأويل كلام النهاية بمثل ما أوّل به الحديث، من حمل كلامه على الجاهلة و كون المأخوذ بمقدار مهر المثل، و إلّا فالتعميم إلى صورة العلم غير صحيح، و أسوأ منه ما إذا فسّر كلامه بأنّ لها ما أخذت و إن كان تمام المهر، و له حبس ما عنده و لو كان الجميع.

و بالجملة، هذا القول، غير تامّ جدا.

الثاني: ما اختاره المحقّق، من التفريق بين الجهل و العلم من ثبوت

مهر المثل إذا كانت جاهلة، فيما يتصوّر الجهل كالأخت الرضاعية، و جواز الاستعادة إذا كانت عالمة أخذا بحكم القواعد، و حسنة الريّان بن شبيب «2»، و المراد بمهر المثل مهر مثل النكاح المنقطع لا الدائم، لأنّ لكون العقد دائما أو منقطعا تأثيرا في قيمة

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 28 من أبواب المتعة الحديث 2.

(2)- الوسائل: 4 الباب 28 من أبواب المتعة الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 75

البضع، فمن فرض فساده، لها أجرة المثل بالنسبة إلى المدّة الماضية التي مكّنت نفسها منه، و احتمال مهر المثل للنكاح الدائم كما في الجواهر حتّى جعله أقوى القولين، موضع تأمّل فلاحظ.

الركن الرابع: الأجل
اشارة

فهو شرط في عقد المتعة، و تدلّ عليه- قبل كلّ شي ء صحيحة زرارة، قال:

«لا تكون متعة إلّا بأمرين، أجل مسمّى و أجر مسمّى» «1».

إذا لم يذكر الأجل لفظا انقلب دائما و إن كان من قصده الانقطاع لكن قيّد في الجواهر بما إذا لم يقصد الانقطاع، و هو خلاف المتبادر من كلمات الأصحاب، و النصوص الواردة، و الظاهر أنّ محلّ البحث أعم من أن يقصد الانقطاع أم لا.

و الشاهد عليه، أنّهم جعلوا المقام من قبيل تخلّف العقود عن القصود.

و أمّا الأقوال، فنتلوها عليك:

1- صحّة العقد، و انقلابه إلى الدوام، و هو خيرة الشيخ و من تبعه.

2- البطلان و هو خيرة المسالك.

3- الصحّة و الانقلاب إلى الدوام إن كان العقد بلفظ التزويج و النكاح، و البطلان إن كان بلفظ التمتع و هو خيرة ابن ادريس.

4- الفرق بين العمد و الترك، عن جهل و نسيان فينقلب إلى الدوام في الأوّل و يبطل في الأخيرين.

5- الصحة و الانقلاب إلى الدوام مطلقا إلّا إذا أريد من نفس الصيغة

الانقطاع، و إنّما يكون ذكر الأجل كاشفا لما أراده من اللفظ (في غير هذا الموضع) و هو خيرة الجواهر «2». هذه هي الأقوال، و الصحيح هو القول الأوّل تبعا

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1- 2 و غيرهما.

(2)- الجواهر: 30/ 175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 76

للنصوص، و إليك ما استدلّ به على ذلك:

1- موثق ابن بكير قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «إن سمّى الأجل فهو متعة، و إن لم يسمّ الأجل فهو نكاح بات» «1».

و في دلالته نظر لأنّه بصدد تعيين حدّ النكاحين، لا انقلاب أحدهما إلى الآخر عند نسيان الأجل.

2- خبر أبان بن تغلب «2» أنّه قال لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فانّي أستحي أن أذكر شرط الأيّام؟ قال: «هو أضرّ عليك» قلت: و كيف؟ قال: «لأنّك إن لم تشرط كان تزويج مقام و لزمتك النفقة في العدّة و كانت وارثا، و لم تقدر على أن تطلّقها إلّا طلاق السنّة» «3».

و العمدة في الحكم بالصحّة و انقلابه إلى الدائم، هذا الحديث و لكنّه غير نقيّ السند، و لو عمل به فلأجل جبره بالشهرة.

و يؤيّده، خبر هشام بن سالم، قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ قال: فقال: «ذاك أشدّ عليك، ترثها و ترثك، و لا يجوز لك أن تطلّقها إلّا على طهر و شاهدين»، قلت: أصلحك اللّه فكيف أتزوّجها؟ قال:

«أيّاما معدودة بشي ء مسمّى مقدار ما تراضيتم به» 4.

و لو صحّ السند، فالدلالة واضحة، و يدلّ على أنّ إضمار الأجل غير مفيد بل يقع دائما إلّا إذا أظهره، و لا ينافي لما سيأتي، من أنّ القيود المضمرة كالمذكورة

لما عرفت من ركنية الأجل في المتعة فلا يكفي إلّا إذا كان مذكورا.

و استدل للقول الثاني، أعني البطلان: بقاعدة تبعية العقود للقصود، فإنّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- في سنده عمر بن عثمان و هو ثقة و إبراهيم بن الفضل لم تثبت وثاقته.

(3) و 4- الوسائل: 14، الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 77

المقصود هو المتعة و اللفظ موضوع للعقد الدائم فكيف يصحّ الثاني مع كونه غير مقصود و ربّما يؤيّد بمضمرة سماعة قال: سألته عن رجل أدخل جارية يتمتع بها ثمّ نسي أن يشترط حتّى واقعها يجب عليه حدّ الزاني؟ قال: «لا، و لكن يتمتّع بها بعد، و يستغفر اللّه ممّا أتى» «1». بناء على أنّ المراد من الاشتراط، هو الأجل، بقرينة رواية أبان بن تغلب «2» و مع ذلك يحتمل أن يكون المراد، هو نسيان العقد. و يكون المراد من قوله: «و يتمتّع بها بعد» بعد إجراء العقد، و أمّا تبعية العقود للقصود فيمكن الجواب عنها بالبيان التالي:

تحليل مشكلة تخلّف العقد عن القصد

إنّ الدوام و الانقطاع خارجان عن حقيقة النكاح إذ لو كان أحدهما داخلا في حقيقته لما صحّ تقسيمه إليهما، و هذا يعرب عن أنّ حقيقته ليست إلّا جعل الربط بين الزوجين فقط و هو موجود في كلا القسمين. نعم من شأنه إذا لم يقيّد أن يدوم و لا يرتفع إلّا برافع هذا حسب الثبوت.

و أمّا الإثبات، فالنكاح ثبوتا و إن كان ينقسم إلى قسمين، و كلّ قسم يتميّز ثبوتا بقيد خاص، و إلّا يلزم أن يكون القسم نفس المقسم و لكن يكفي في تحقق أحد القسمين في مقام الإثبات،

الإطلاق بخلاف الآخر، فهو يحتاج إلى القيد فإذا قال: زوّجت أو متعت بلا قيد، فهو في نظر العرف إنشاء للفرد الدائم. و ذلك لأنّ الدائم هو النكاح المطلق غير المقيد بقيد فيكفي فيه الإطلاق و لا يحتاج إلى القيد، بخلاف المنقطع.

و هذا كانصراف الأمر إلى العيني التعييني، و النفسي فإنّ كلّ واحد منها

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 39 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 78

يمتاز عن مقابله بالقيد ثبوتا، فالعيني مثل الكفائي يشاركان في أصل الوجوب و يفترق العيني عن قرينه ثبوتا بقيد خاص و بالعكس و ليس كذلك في مقام الإثبات، فالعيني لا يحتاج إلى القيد بخلاف الكفائي فإذا أطلق يكون قالبا لأحد القسمين (العيني) دون الآخر و كأنّ العيني هو الأمر المطلق، و الكفائي هو الأمر المقيّد.

إذا عرفت ما ذكرنا تقف على عدم الخلف في مقام تبعيّة العقود للقصود- إذا ترك القيد نسيانا- أمّا ثبوتا فلما عرفت من خروج الدوام و الانقطاع عن حقيقة النكاح، و العاقد أنشأ حقيقة ذلك الأمر الاعتباري عاريا عن القيدين، و أما ثبوتا فلما مرّ أنّ الإنشاء إذا كان مطلقا يكون في نظر العرف إنشاء للدائم دون المنقطع لأنّه المحتاج إلى القيد دون الدائم، فينطبق المنشأ على الدائم ثبوتا و إثباتا.

نعم، هذا الجواب إنّما يتمشّى فيما إذا نسي ذكر الأجل، و أمّا إذا تركه عمدا، و مع ذلك قصد الانقطاع فلا يتمّ لأنّ المفروض أنّ العاقد قصد المنقطع فكيف يفرض عليه الدوام.

و لعلّ الحكم مختصّ بصورة النسيان، لا الترك عمدا، و ما ورد في رواية أبان ابن تغلب «1» من أنّه إذا

لم يذكر الأجل كان تزويج مقام أو أنّه «ترثها و ترثك» لعلّه وارد في التنازع، و لا شكّ أنّ القول قول المدّعي الدوام لكونه موافقا للظاهر.

و لو لا هذا التوجيه، لكان الانقلاب إلى الدوام، مع إضمار الانقطاع، مخالفا للقاعدة، و لو قلنا بركنية الأجل و أنّه ممّا يجب ذكره و لا يكفي إضماره، لزم القول بالبطلان لا القول بالانقلاب، و لأجل ذلك يختصّ الحكم بالانقلاب بصورة النسيان و لا يعمّ تركه عمدا و تحمل الروايتان على صورة التحاكم و التنازع.

و أمّا القول الثالث: و هو القول بالصحة و الانقلاب إذا كان بلفظ التزويج

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2- 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 79

دون «متّعت» فيبطل، و لعلّ وجهه تصور دخول الانقطاع في مفهوم لفظ «متعت» و هو غير واضح و إلّا لما وقع نزاع في تفسير قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ و أنّ المورد هو المنقطع أو الدائم.

و أمّا القول الرابع: و هو الفرق بين ترك الأجل عمدا و تركه نسيانا فينقلب إلى الدائم في الأوّل و يبطل في الثاني، فيمكن توجيهه بأنّ الترك عن عمد ظاهر في إرادة الدوام.

و لكنّه، إنّما يفيد في مقام التنازع لا في غيره، و الكلام أعم منه، على أنّك قد عرفت أنّ الأولى هو العكس و التسامح في صورة النسيان، دون العمد، أخذا بقاعدة «العقود تابعة لما قصد من الإنشاء».

و أمّا القول الخامس: فهو خيرة الجواهر، و إليك نصّه: «لا يبعد البطلان مع فرض قصد العاقد الانقطاع من نفس الصيغة، و إنّ الأجل إنّما يذكره كاشفا لما أراده من اللفظ ضرورة عدم قصد المطلق من النكاح حينئذ فلا

مقتضى لصيرورته دائما كما لا وجه لصيرورته منقطعا، لعدم ذكر الأجل فيه و قد عرفت أنّه شرط في صحّته «1».

يلاحظ عليه: أنّ كلّ لفظ يستعمل فيما وضع له، و الخصوصيات تفهم من القرائن، و على ضوء هذا، لا يطلق التزويج و لا التمتع إلّا و يراد منه ما وضع له، و المفروض أنّ الموضوع له هو الجامع بين النكاحين فكيف يصحّ له قصد الانقطاع من نفس الصيغة، فما ذكره لا موضوع له في الاستعمالات الرائجة. و تصور أنّ الاستعمال مجازا صحيح، مدفوع بأنّ المجاز هو استعمال اللفظ فيما وضع له ثمّ نصب القرينة على المورد من مصاديقه. و المقام ليس كذلك.

______________________________

(1)- الجواهر: 30/ 175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 80

فروع حول الأجل
1- لا حدّ معين في الأجل:

يطلق الأجل و يراد منه تارة تمام المدّة، و هذا هو المراد من المقام و قد يطلق و يراد منه آخرها، مثل قوله سبحانه: فَإِذٰا جٰاءَ أَجَلُهُمْ لٰا يَسْتَأْخِرُونَ سٰاعَةً وَ لٰا يَسْتَقْدِمُونَ* «1».

و الضابطة الكلية، ان يكون الأجل المضروب أمرا متعارفا في مورده، فلا يصحّ فيما تنصرف عنه النصوص، كتزويج العجوزة التي لا يؤمّل أن تعيش أزيد من عشرة أعوام، تسعين سنة، كما أنّه يشترط أن تكون الزوجة قابلة لبعض الاستمتاعات و إلّا تكون النصوص منصرفة عنها و على هذا فتزويج الرضيعة يوما أو شهرا لغاية صيرورة أمّها أمّ الزوجة و تكون من محارم الرجل العاقد لا يتم إلّا إذا امتدّ الأجل إلى حدّ تكون المعقودة عليه قابلة للاستمتاع، و إلّا فالعقد ساعة أو ساعتين لا يصحح ما يطلب من هذا النوع من الزواج.

2- يشترط أن يكون محروسا من الزيادة و النقيصة:

يشترط في صحّتها- كسائر العقود المشتملة على الأجل- أن يكون مضبوطا و على ذلك، لا يجوز أن يكون كلّيا كشهر من الشهور، أو التزويج إلى قدوم الحاج و الحصاد و الدياس.

و يدلّ عليه- مضافا إلى قوله عليه السّلام: «لا تكون متعة إلّا بأمرين: أجل مسمّى و أجر مسمّى» «2»-: خبر بكّار بن كردم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يلقى

______________________________

(1)- النحل: 61.

(2)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 81

المرأة فيقول لها: زوّجيني نفسك شهرا، و لا يسمّي الشهر بعينه ثمّ يمضي فيلقاها بعد سنين؟ فقال: «له شهره إن كان سمّاه، فإن لم يكن سمّاه فلا سبيل له عليها» «1».

و يترتّب عليه عدم جواز العقد على الأجل القابل للزيادة و النقصان، و تدلّ عليه موثقة ابن بكير،

عن زرارة، قال: قلت له: هل يجوز أن يتمتّع الرجل من المرأة ساعة أو ساعتين؟ فقال: «الساعة و الساعتان لا يوقف على حدّهما» «2».

و لو ترك الأجل و ذكرت مكانه «المرّة» أو المرّتان على وجه يكون أجلا للمتعة فمقتضى كون الأجل ركنا، انقلابه إلى الدوام، خصوصا على القول بعموم الحكم و شموله للجاهل و الناسي و العامد و أمّا ما ورد في رواية هشام بن سالم قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: أتزوّج المرأة متعة مرّة مبهمة؟ «3» فلا بدّ من حملها على ما إذا كان الأجل مشخصا و كان التحديد بمرّة أو مرّتين لأغراض خاصة.

و هل يجوز أن يكون الشهر منفصلا أو يجب أن يكون متصلا و لو أطلق انصرف إلى المتصل، مقتضى عدم جوازه في الدوام عدم جوازه في المنقطع أيضا، اللّهمّ إلّا أن يقال: يفرق بينهما بأنّ المتعة أشبه بالإجارة و يؤيد الجواز خبر بكّار بن كردم، حيث إنّ المنع فيه لعدم تعيين الشهر، لا لكونه منفصلا.

و الحقّ هو الأوّل: للشكّ في شمول الأدلّة لمثل ذلك، و بالنظر إلى التأويل المذكور للآية في رواية ابن عباس حيث ورد في تفسيرها «فما استمتعتم منهنّ إلى أجل مسمّى»، الظاهر في اتصال الأجل إلى زمان.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 35 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14 الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 2، المراد منهما هو: لحظة أو لحظتين، لا الساعة المحدّدة بستين دقيقة، فانّه مصطلح حديث.

(3)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 3، و على هذا النحو يؤوّل أو يطرح ما دلّ على جواز تزويج المرأة على عرد واحد، لاحظ الباب 25 من أبواب المتعة، الحديث 4- 5.

نظام النكاح في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 82

و يؤيّد المنع ما ورد من المنع من الجمع بين الأجلين بأن يعقد عليها الزوج قبل انقضاء المدة «1»، اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ المانع هناك هو الجمع بين الأجلين لا الانفصال وحده.

و على كلّ تقدير فكون النكاح مبنيا على الاحتياط يدفعنا إلى القول بعدم الاكتفاء و لو أطلق الشهر انصرف إلى المتصل سواء قلنا بجواز الأجل المنفصل أو لا، لدلالة العرف.

لو تركها حتى انقضت المدّة

لا شكّ أنّ الطلاق قبل الدخول منصّف و بعده يجب دفع الكل، و الموت قبله ليس بمنصّف، على المشهور و أمّا المتعة فلو تركها حتى تنقضي المدّة استقرّ لها الأجرة سواء دخل بها أو لا، لكون الأجرة في مقابل التمكين و هي قامت بواجبها و الزوج قصّر في الاستيفاء، و لو وهبها المدّة قبل الدخول، و قبلت فيأتي حكمه.

أحكام المهر في المتعة

الأوّل: قد عرفت أنّ الأجل و المهر ركنان

فلو ذكرا صحّ العقد و لو أخلّ بالمهر بطل و لو ترك الأجل انقلب دائما.

فإن قلت: ما معنى قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (النساء/ 24) فإنّ الظاهر أنّ المراد من الموصول في قوله فِيمٰا هو الأجرة، فيدلّ على جواز ترك ذكر الاجرة و الاكتفاء بالرضاية لما بعد، فكيف يجتمع ذلك مع قولهم: «و لو أخلّ بالمهر بطل»؟.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 24 من أبواب المتعة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 83

قلت: قوله وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ غير ظاهر، في ترك الأجرة في العقد، بل المراد أنّه لا جناح في زيادة الأجرة و تنقيصها بعد الاتفاق على الأجر المعيّن في العقد، لأنّه أشبه بالدين، فالدائن إبراؤه الجميع أو بعضه، كما أنّ للآخر، أن يزيد في الأجر. على أنّه فسر في الروايات بزيادة الأجل أو نقصانه.

الثاني: حكم الشرط غير المذكور في العقد
اشارة

قال في النهاية: كل شرط يشترطه الرجل على المرأة إنّما يكون له تأثير بعد ذكر العقد، فإن ذكر الشروط و ذكر العقد بعدها كانت الشروط التي قدم ذكرها باطلة لا تأثير لها فإن كررها بعد العقد ثبتت على ما شرط «1». و مراده من قوله «بعد العقد» هو ذكره بعد الإيجاب و بعد القبول.

و قال المحقّق: كل شرط يشترط فيه فلا بدّ من أن يقترن بالإيجاب و القبول و لا حكم لما يذكر قبل العقد، و قال الشيخ الأنصاري في أحكام الشروط عن الخيارات بعد الفراغ. الشرط الثاني: أن يلتزم به في متن العقد فلو تواطأ عليه قبله لم يكف ذلك في التزام المشروط به على المشهور.

أقول: الشرط الابتدائي يطلق و يراد منه

أحد أمرين:

1- أن يلتزم الشخص على نفسه إنجاز عمل، لا بصورة الوعد أو الاخبار، بل بصورة الإنشاء من دون أن يكون الالتزام تابعا لالتزام آخر بل كان التزوّج عملا مستقلا.

2- أن يكون تابعا لالتزام آخر و لكن لا يكون مذكورا في العقد، بل مذكورا قبل العقد، و بني العقد عليه، بحكم أنّ المقدّر كالمذكور.

أمّا القسم الأوّل فهو خارج عن موضوع البحث و قد فصّلنا القول فيه في أحكام الشروط و إنّما الكلام في الشرط المبنيّ عليه العقد.

______________________________

(1)- النهاية: 493.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 84

استدل على لزوم الذكر بوجوه:

1- حكاية الإجماع على ما عرفت من الأعلام.

يلاحظ عليه: أنّه لا يحكى في المقام عن وجود نصّ وصل إليهم و لم يصل إلينا، و لعلّهم استندوا إلى بعض الوجوه الآتية.

2- ما أشار إليه الشيخ الأعظم من أنّ الشرط من أركان العقد المشروط بل هو كالجزء من أحد العوضين فيجب ذكره في العقد.

يلاحظ عليه: عدم الدليل على كلّية المدعى إذ ليس كل شرط من الأركان، و على تقدير كونه جزءا من العوضين لا دليل على أنّ حكمه حكمها حتّى في الوقوع تحت الإنشاء، أضف إلى ذلك أنّ ذكر العوضين غير لازم إذا كانا معلومين من القرائن.

3- أنّ الشرط هو الالتزام و هو لا يتحقق بمجرّد التباني بل يحتاج إلى الإنشاء و إلّا لا يصدق عليه الإلزام و لا الالتزام، و هذا بخلاف سائر متعلّقاته فإنّه يكفي فيه النية و التعذير.

يلاحظ عليه: أنّ الشرط بمعنى الإلزام من أقسام التعهد كالنذر و اليمين، فكما تصدق على ما لو ورد في ضمن العقد، كذلك يصدق على ما إذا تعاهدا مجرّدا عن العقد، ثمّ يبنى العقد عليه.

و بذلك يظهر ضعف ما ربّما

يقال: إنّ الإنشاء لا بدّ له من محصل و لا يحصل بمجرّد القصد و الإخطار القلبي بالضرورة و لذا لا يحصل البيع و النكاح به «1» و ذلك لأنّه خروج عن محطّ النزاع، لأنّ المفروض فيما إذا سبق تعهد لفظي من الطرفين منفكّا عن العقد، ثمّ بني العقد عليه، نعم لو لم يكن هناك أيّ إنشاء

______________________________

(1)- نثارات الكواكب: 308.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 85

سابق و كان هناك صرف إخطار بالبال، لتمّ ما ذكر كما يظهر ضعف ما في تعليقة السيد الطباطبائي جوابا عن الاستدلال من أنّ الإنشاء كما يكون باللفظ، كذا يكون بالإخطار القلبي «1» و هو كما ترى.

4- إنّ إنشاء إلزام الشرط على نفسه قبل العقد كان إلزاما ابتدائيا لا يجب الوفاء به قطعا و إن كان أثره مستمرّا في نفس الملتزم إلى حين العقد بل إلى حين حصول الوفاء و بعده، نظير بقاء أثر الطلب المنشأ في زمان، إلى حين حصول المطلوب و إن وعد بايقاع العقد مقرونا بالتزامه فإذا ترك ذكره في العقد فلم يحصل ملزم له.

يلاحظ عليه: إذا كان الإنشاء مبنيا لبّا على ما اتفقا عليه خارج العقد فالقول، بأنّه ليس هنا ملزم للعمل نفس المدعى لأنّه إذا دلّت القرائن على أنّ العقد مبنيّ على ذلك الشرط و كان التزام الطرفين بالعقد على ذاك الأساس، فلما ذا لا يحصل له ملزم بالوفاء فإذا كان ذاك المقدّر بحكم المذكور و كان حذف ما يعلم جائزا، فلم لا يلزم الالتزام به، و قد اتفقوا على جواز حذف ذكر المبيع و الثمن إذا كانا معلومين خارجا و حكموا بلزوم القبض و الإقباض.

فإن قلت: فرق بين متعلّقات العقد، و الشروط

فإنّ المتعلّقات يمكن أن يقدّر و ينوى لأنّها متعلّقة بالعقد جوهرا فيمكن حذفها من اللفظ و كون اللفظ دالّا عليها، بضميمة القرينة الحالية أو المقالية بخلاف الشرط إذ ليس من أجزائه الجوهرية فهو يحتاج إلى الإنشاء في متن العقد.

قلت: إنّ الشروط أيضا من توابع العقد و قد صرّحوا بأنّه بمنزلة الجزء من أحد العوضين، فلما ذا يجوز حذف المتعلّقات دون توابعها. و كون أحدهما جزء منه جوهرا دون الآخر، لا يورث الفرق، سوى بالوضوح و الخفاء و هو غير مؤثر إذا كان

______________________________

(1)- تعليقة السيّد الطباطبائي: 118.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 86

معلوما بالقرينة.

و الحاصل أنّه لم يعلم فرق بين جواز متعلّقات العقد، و الشرط التابع لأحد العوضين بنحو من التبعية فيجوز حذف الأولى دون الثاني و يحصل الملزم بالنسبة إليها دون الأخير.

5- الأخبار الواردة الدالّة على عدم الاعتبار بالشرط السابق على عقد النكاح و أنّه يهدم ما كان من الشروط السابقة و إليك ما ورد:

1- ما رواه ابن بكير، قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «إذا اشترطت على المرأة شروط المتعة فرضيت به و أوجبت التزويج، فاردد عليها شرطك الأوّل بعد النكاح فإن أجازته فقد جاز و إن لم تجزه فلا يجوز عليها ما كان من شرط قبل النكاح» «1».

و المراد من قوله «فاردد» هو الذكر، و من النكاح قوله: أنكحتك نفسي، فتكون الشروط داخلة في الإيجاب.

2- ما رواه ابن بكير أيضا قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «ما كان من شرط قبل النكاح هدمه النكاح و ما كان بعد النكاح فهو جائز» 2.

و قد عرفت معنى النكاح، و هو الإيجاب الذي يقوله الرجل عن قبلها.

3- ما رواه ابن

بكير أيضا، عن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوّج المرأة متعة: «إنّهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنّما الشرط بعد النكاح» 3.

4- ما رواه محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ؟ فقال:

«ما تراضوا به من بعد النكاح فهو جائز، و ما كان قبل النكاح فلا يجوز إلّا برضاها

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 1 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 87

و بشي ء يعطيها فترضى به» «1».

و قد عرفت رواية أبان بن تغلب فيما إذا ترك الأجل مع كونه قاصدا له «2».

يلاحظ على الاستدلال: بأنّ المقاولة على الشروط على قسمين: تارة تتقاول، و لا يكون العقد مبنيّا عليه، و أخرى تتقاول و يكون العقد مبنيّا عليها، و الروايات ناظرة إلى القسم الأوّل و الكلام في القسم الثاني: و إلى ذلك ينظر قول السيد الطباطبائي في تعليقته حيث قال: إنّ مفاد هذه الأخبار أنّ الشرط السابق لا يكفي و لا ينافي ذلك، كفاية التباني الحاصل حال العقد بحيث يعدّ عرفا شرطا و التزاما في العقد ... و قال: نعم الرواية الأخيرة ظاهرة في عدم كفايته «3».

أقول: عدم كفايته في مورده لأجل أنّ الأجل ركن و الركن يجب ذكره في العقد كما عرفت فلا ينافي عدم الكفاية فيها ما ذكرنا من كفاية التباني في سائر الشرائط.

الثالث: ما يجوز لها أو له من الشرائط

الضابطة الكلّية في صحّة الشرائط و عدمها، عدم كون الشرط مخالفا لمقتضى العقد، بحيث يرى تناقضا بين العقد و شرطه كما إذا باع بلا ثمن

أو آجر بلا أجرة.

و بعبارة أخرى: أن لا يكون الشرط مخالفا لمقتضى مطلق العقد، من البيع و الإجارة و النكاح مثلا لو عقدها و اشترطت المرأة أن لا يتمتّع الرجل بها أصلا، كان الشرط مخالفا لمقتضى عقد النكاح، نعم لو كان الشرط مخالفا لمقتضى العقد المطلق، أي ما يترتّب عليه الأثر عند الإطلاق، يكون الشرط مقيّدا لإطلاقه كما إذا أشرطت أن لا يفتضها صحّ الشرط.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 19 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 20 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(3)- تعليقة السيد الطباطبائي على المكاسب: 116.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 88

و على ضوء هذا تستطيع على تمييز الصحيح من الفاسد، و ربّما يقع الشكّ في كون الشرط من أيّ قسم من القسمين، و على هذا لو شرط الإتيان ليلا أو نهارا أو يشترط المرّة و المرّات من الزمان المعين جاز لأنّها تقييد لإطلاق العقد، و لو شرط الاستمتاع دون الدخول جاز لعدم منافاته لمقتضى مطلق عقد النكاح، و تدلّ عليه صحيحة عمّار بن مروان «1» (اليشكري الذي هو و أخوه عمرو ثقتان) «2».

كما أنّ لها إسقاط شرطه و يجوز له الدخول لأنّها زوجته، و لا مانع من الدخول إلّا حقّ الغير و قد أسقطته و به رواية «3».

و لو دخل بلا إذن يلحق به الولد، لأنّها زوجته، و إن كان الدخول ممنوعا لأمر خارجي كالحيض، و الإيلاء و الظهار و مخالفته لا يمنع كونه ولدهما ولدا شرعيا.

الرابع: في جواز العزل

لا شك أنّه لا يجوز العزل في الدائمة إلّا بإذنها، بخلافه في المتمتّع بها، فيجوز بلا إذنها.

قال الشيخ في النهاية: و يجوز للرجل العزل و إن لم يكن شرط و متى

جاءت بولد كان لاحقا به سواء عزل أم لم يعزل. أمّا جواز العزل، فقد أرسلوه إرسال المسلّم و استدل عليه بروايات، إمّا مطلقة، تعمّ الدائمة و المنقطعة «4» أو واردة في مورد الاشتراط لخبر الأحول «5» و هشام بن سالم الجواليقي 6 و غيرهما «7».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 36 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- النجاشي: الرجال: 2/ 138 برقم 778.

(3)- الوسائل: 14، الباب 11 من أبواب المتعة، الحديث 3.

(4)- الوسائل: 14، الباب 34 من أبواب المتعة، الحديث 1- 2.

(5) و 6- الوسائل: 14، الباب 18 من أبواب المتعة، الحديث 5 و 6.

(7)- الوسائل: 14، الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2- 3 و الباب 45 الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 89

و ليس الاشتراط إلّا تأكيدا لحكم المتعة، و يدلّ عليه ذكر عدم الموارثة مع أنّ المشهور عدم الموارثة شرط أو لا.

إنّما الكلام في الفرع الثاني و هو أنّه إذا عزل و لكنّها أتت بولد قابل للحوق، فهل يجوز للزواج نفي الولد إذا صارت حاملا، و ذلك- مضافا إلى احتمال سبق المني من غير تنبّه، و إطلاق قوله: «الولد للفراش»-: وجود النصوص في المقام.

منها- صحيحة ابن بزيع، قال: سأل رجل الرضا عليه السّلام و أنا أسمع، عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و يشترط عليها أن لا يطلب ولدها فتأتي بعد ذلك بولد فينكر الولد فشدّد في ذلك و قال: «يجحد و كيف يحجد إعظاما لذلك» قال الرجل فإن اتّهمها؟ قال: «لا ينبغي لك أن تزوّج إلّا مأمونة» «1».

هل فيها لعان، و إيلاء، و ظهار، أو لا؟

تختصّ المتعة بأحكام و تفارق بها عن الدائم و هي عدم تشريع اللعان فيها و عدم جريان أحكام الإيلاء و الظهار فيها على

الأشهر.

قال العلامة في المختلف:

«قال الشيخ في النهاية: لا يقع بالمتمتّع بها لعان و لا إيلاء.

و قال السيد المرتضى: إنّهما يقعان بها.

و قال أبو الصلاح: لا يقع بينهما إيلاء و لا طلاق و لا يصحّ بينهما لعان و يصحّ الظهار.

قال ابن إدريس: لا يصحّ بينها و بين الزوج لعان و يصحّ الظهار منها عند بعض أصحابنا و كذلك اللعان عند السيد المرتضى و الأظهر أنّه لا يصحّ بينهما» «2».

______________________________

(1)- الوسائل: 14/ الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- المختلف، الفصل الخامس في نكاح المتعة: 5/ 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 90

و الظاهر عدم وجود إجماع في المسائل و من أثبت أو نفى فلدليل زعمه.

أمّا اللعان فقد قال به السيد المرتضى من الأصحاب في الانتصار: و الظهار أيضا يقع بالمتمتع بها و كذلك اللعان «1» و خالفه الباقون إلّا ابن سعيد في الجامع قال: «ولد المتعة لاحق بالمتمتع، فإن أنكره لاعن، و قيل: لا يلاعن» «2».

و الظاهر هو العدم لصحيحي، ابن أبي يعفور و ابن سنان، ففي الأولى «لا يلاعن الرجل المرأة التي يتمتع بها» و في الثانية «لا يلاعن الحرّ الأمّة، و لا الذمّية و لا التي يتمتّع بها» «3».

و إطلاق الروايتين ينفي اللعان في كلّ مورد يثبت فيه اللعان في الدائم سواء كان السبب نفي الولد أو القذف بالزنا.

و هل ينتفي الولد مع عدم تشريع اللعان أو لا؟ وجهان، من ملازمة عدم تشريعه، انتفاء الولد بدونه غير أنّ الدائم ينتفي فيه معه و المنقطع بدونه، و من إطلاق النصوص الناهية عن نفي الولد على ما مرّ من رواية ابن بزيع «4».

و الأقوى هو الأوّل لأنّ النصوص الناهية ناظرة فيما إذا كان

شاكّا أو ظانّا لأجل العزل و غيره، لا ما إذا علم بانتفائه منه.

و أمّا الإيلاء: فقد نسب إلى المرتضى وقوعه بها، و لكن كلامه في الانتصار، لا يوافق المحكي قال: و أمّا الإيلاء فإنّما لم يلحق المتمتّع بها لأنّ أجل المتعة ربّما كان دون أربعة أشهر و هو الأجل المضروب في الإيلاء «5».

و الظاهر عدم وقوعه بها، لاختصاص دليلها بالدائم أعني قوله سبحانه:

______________________________

(1)- الانتصار: 115.

(2)- الجامع: 452.

(3)- الوسائل: 15 الباب 10 من أبواب اللعان، الحديث 1 و 2.

(4)- الوسائل: 14 الباب 33 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(5)- الانتصار: 115.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 91

لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسٰائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فٰاؤُ فَإِنَّ اللّٰهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ فَإِنَّ اللّٰهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ «1».

فإنّ قوله وَ إِنْ عَزَمُوا الطَّلٰاقَ يدلّ على اختصاصها بما فيه الطلاق، و لا طلاق في المتعة.

و أمّا الظهار: فيمكن القول به أخذا بعموم قوله سبحانه: الَّذِينَ يُظٰاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسٰائِهِمْ مٰا هُنَّ أُمَّهٰاتِهِمْ إِنْ أُمَّهٰاتُهُمْ إِلَّا اللّٰائِي وَلَدْنَهُمْ وَ إِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَ زُوراً «2» و جعله المحقق هو الأظهر في المقام و قال في كتاب اللعان، و قيل: يقع بالمتمتّع بها، فيه خلاف و الأظهر الوقوع.

و لكن الأظهر عدمه لا قياسا على اللعان و الإيلاء، بل لأجل أنّ من أحكام الظهار ما يخصصه بالدائم، حيث إنّ للمرأة أن ترفع أمرها إلى الحاكم و هو يخيّر الزوج بين التكفير و الرجعة و الطلاق و النظر ثلاثة أشهر من حين المراجعة «3» فإن انقضت المدّة و لم يتخيّر أحدهما ضيّق عليه في المطعم و المشرب حتّى يختار أحدهما و لا يجبره على الطلاق. فإنّه ليس

بالمتمتّع بها حق الاعتراض، لو تركها و لم يجامعها أصلا في الفترة المجعولة فيكفي مثل ذلك مانعا من انعقاد الإطلاق، و ما ربّما يقال من «أنّ الإلزام بأحد الأمرين لا يوجب التخصيص، إذ من الجائز اختصاصه بمن يمكن معه أحد الأمرين و هو الدائمة، و كذا المرافعة دون غيره فيبقى أثره فيها باقيا و هو اعتزالها» «4» لا يدفع الانصراف فإنّه احتمال عقلي لا يزاحمه، مضافا إلى ما رواه المشايخ الثلاثة بسند صحيح عن ابن فضال عمّن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«لا يكون الظهار إلّا على مثل موضع الطلاق». «5»

______________________________

(1)- البقرة: 226- 227.

(2)- المجادلة: 2.

(3)- الوسائل: 15 الباب 18 من أبواب الظهار، الحديث 1.

(4)- الجواهر: 30/ 189.

(5)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب الظهار، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 92

أضف إلى ذلك، أنّ الظهار نوع إرغام على الزوجة بترك وطئها و هو يتمّ في الدائمة لا المنقطعة، لأنّ التمتع لصالح الزوج غالبا لا للزوجة فلا وجه للإرغام.

و هناك وجه ثالث، و هو أنّ المظاهرة من تشريعات العصر الجاهلي و قد أمضاها على وجه ينتهي الأمر إلى أحد الأمرين: التكفير أو الطلاق، و القدر المتيقّن من التشريع الممضى هو اختصاصها بالدائمة لاختصاصها عند الجاهلية بها.

ميراث الزوجين في المتعة

إذا توفّي أحد الزوجين قبل تمام الأجل، هل يتوارثان أو لا؟ أقوال أربعة:

الأوّل: ما اختاره ابن البرّاج في المهذّب و الكامل: من أنّها كالدائمة، قال في الأوّل: و قد ذكرنا فيما سلف، أنّ نفي التوارث لا يصحّ اشتراطه، فأمّا إن شرط التوارث ثبت ذلك بينهما «1» و على هذا، فهما يتوارثان، و لا أثر للشرط، سواء شرطا التوارث أو عدمه، إلّا التأكيد في

الصورة الأولى.

الثاني: عكس ذاك، و أنّهما لا يتوارثان و لو شرطا التوارث فضلا عما أطلقا أو شرطا عدمه، اختاره أبو الصلاح في الكافي، و تبعه ابن إدريس، و العلّامة في المختلف، و هو خيرة الجواهر.

قال أبو الصلاح في الكافي: و لا سكنى لها و لا عليها و لا إنفاق و لا توارث بينهما، و إن شرط ذلك و لا يقع بها إيلاء و لا طلاق و لا يصحّ بينهما لعان و يصح الظهار «2».

و نقل في المختلف، عن ابن إدريس، أنّه قال المحصلون: لا توارث في هذا

______________________________

(1)- المهذّب: 2432 و يكون الشرط مؤكّدا لما يفيده نفسه.

(2)- الكافي: 298.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 93

النكاح، شرطا التوارث أو لم يشترطا، لأنّهما إن شرطا كان الشرط باطلا لأنّه مخالف للسنّة، و قال العلّامة: و الوجه ما قاله أبو الصلاح و هو اختيار ابن إدريس «1».

الثالث: الأصل هو التوارث إلّا أن يشترطا العدم، و هو خيرة المرتضى في الانتصار، قال في الإجابة عن استدلال الخصم- على أنّها ليست بزوجة بشهادة أنّها لا ترث و لا تورث-: ليس فقد الميراث علامة على فقد الزوجية لأنّ الزوجة الذمية و الأمة و القاتلة لا يرثن و لا يورثن (كذا) و هنّ زوجات، على أنّ مذهبنا أنّ الميراث قد يثبت في المتعة إذا لم يحصل شرط في أصل العقد بانتفائه و يستثنى المتمتع بها مع شرط نفي الميراث من ظواهر آيات الميراث كما استثنيتم الذمية و القاتلة «2».

الرابع: الأصل هو عدم التوارث إلّا إذا اشترطا أنّ بينهما التوارث عكس القول الثالث، و هو خيرة الشيخ في النهاية، و المحقّق في الشرائع، قال الشيخ:

و ليس في نكاح المتعة توارث،

شرط نفي الميراث أو لم يشترط، اللّهمّ إلّا أن يشترط أنّ بينهما التوارث فإن شرط ذلك ثبت بينهما الموارثة و إنّما لا يحتاج نفي التوارث إلى شرط «3».

هذه هي الأقوال المعروفة بين الأصحاب استدل للقول الأوّل: بإطلاق ما دلّ على أنّ للزوج و الزوجة، النصف أو الربع، أو الثمن، قال سبحانه: وَ لَكُمْ نِصْفُ مٰا تَرَكَ أَزْوٰاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كٰانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمّٰا تَرَكْنَ ... «4».

و قد دلّت الروايات على أنّها زوجة داخلة تحت قوله سبحانه: إِلّٰا عَلىٰ أَزْوٰاجِهِمْ أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُهُمْ «5». فتشمله العمومات.

يلاحظ عليه: أنّ الاستدلال بالعموم إنّما يتمّ إذا لم يكن هنا مخصّص

______________________________

(1)- المختلف: 15.

(2)- الانتصار: 114.

(3)- النهاية: 492.

(4)- النساء: 12.

(5)- المؤمنون: 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 94

و المخالف يدّعيه فلا بدّ من دراسته بالقبول أو الردّ.

استدل للقول الثاني بروايتين:

الأولى: صحيح سعيد بن يسار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الرجل يتزوّج المرأة متعة و لم يشترط الميراث؟ قال: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط» «1».

و الاستدلال مبنيّ على كون الفاعل في «اشترط» هو «الميراث» و أمّا لو قلنا بأنّ الفاعل هو «عدم الميراث» المفهوم من قوله: «لم يشترط الميراث» فلا. و على الاحتمال الثاني لا يرث فيما إذا لم يشترط عدم الميراث أو شرطه، و أمّا إذا شرط الميراث فالرواية لا تشمله.

الثانية: صحيح عبد اللّه بن عمرو قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟

فقال: «حلال لك من اللّه و رسوله» قلت: فما حدّها؟ قال: «من حدودها أن لا ترثها و لا ترثك». «2»

و في الوسائل «عمرو» بفتح العين و لعلّه بضم العين أعني

عبد اللّه بن عمر ابن بكار الحنّاط الذي هو كوفيّ ثقة كما في النجاشي.

حيث جعل نفي التوارث من حدود نكاح المتعة.

يلاحظ عليه: أنّ مراده من الحدّ ليس الجنس و الفصل حتى يلازمه عدم التوارث، بل الظاهر أنّ من أحكامه عدم التوارث و أنّ المتعة بما هي هي لا يقتضي بخلاف النكاح الدائم فإنّه يقتضي ذلك، لكنّه لا ينافي الاقتضاء بالشرط في متن العقد، فلا يكون منافيا لما يدلّ على التوارث بالشرط على ما عليه الشيخ، و الحاصل أنّ معناه أنّ عقد المتعة لا يقتضي التوارث لا أنّه يقتضي عدمه.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 95

استدل للقول الثالث: أعني كون الأصل التوارث إلّا اذا شرطا العدم،- مضافا إلى ما عرفت في كلام السيد-: بموثق ابن مسلم، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول في الرجل يتزوّج المرأة متعة، انّهما يتوارثان إذا لم يشترطا و إنّما الشرط بعد النكاح «1».

و حمله الشيخ على أنّهما يتوارثان ما لم يشترطا الأجل بأن يكون دائما فإذا اشترطا الأجل، لا يتوارثان و استقربه صاحب الحدائق، و قال: لا بأس به جمعا بين الأخبار «2».

و لكنّه بعيد عن ظاهر الرواية لتقدّم لفظة «متعة» و السؤال مركّز على الزواج متعة لا على مطلق الزواج، حتّى يحتاج إلى التقييد و تكون النتيجة التفصيل بين الدائم و المنقطع.

و مع ذلك فهذا التأويل، لا بأس به لوجهين:

الأوّل: دلّت صحيحة أخرى لمحمّد بن مسلم على أنّ العقد لا يقتضي شيئا و إنّما يترتّب التوارث على الاشتراط، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: كم المهر؟- يعني

في المتعة- فقال: «ما تراضيا عليه- إلى أن قال:- و إن اشترطا الميراث فهما على شرطهما» «3».

الثاني: أنّه يحتمل سقوط لفظة «لا» في موثقته و الأصل أنّهما لا يتوارثان إذا لم يشترطا.

استدل للقول الرابع: أعني أنّ الأصل عدم التوارث إلّا إذا شرطاه الذي هو خيرة المحقّق و صاحب المسالك و يدل عليه أمران:

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- الحدائق: 24/ 181.

(3)- الوسائل: 14 الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 96

1- ما روي عن البزنطي صحيحا عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال: «تزويج المتعة نكاح بميراث و نكاح بغير ميراث إن اشترطت كان و إن لم تشترط لم يكن» «1» و رواه الحميري في قرب الإسناد.

2- صحيحة محمّد بن مسلم التي تعرفت عليها عند الاستدلال على القول الثالث و هذا هو الأظهر.

و أمّا نقد ما استدل للقول الثاني و الثالث فنقول أمّا القول الثاني فقد استدل له بما دلّ على عدم الميراث و لكنّه إنّما يرجع إلى بيان حقيقة عقد المتعة و أنّها ليست كالعقد الدائم، فلا تقتضي الميراث لا أنّها تقتضي عدمه.

و ليس قوله: «لا وارثة و لا موروثة» ناظرا إلى أنّ هذين الأمرين ملازمان للمتعة و لا ينفكّان عنه بل لأجل تبيّن أنّه ليس فيها ذلك الاقتضاء حتّى لا تكون مخدوعة «2».

و الإمعان في الروايات التعليمية يوضح مفاد صحيحة سعيد بن يسار التي تمسك بها أبو الصلاح من نفاة الإرث مطلقا حتّى مع الشرط. فإنّ قوله: «ليس بينهما ميراث اشترط أو لم يشترط» يمكن أن يكون ناظرا إلى ما ورد في الروايات التعليمية من ذكر قوله: «لا وارثة و لا

موروثة» أو ما يؤدّي مفاده أي سواء ذكر عدم الميراث تبيينا للحقيقة أو لم يذكر، لا ترث المرأة و لا تورث بناء على أنّ فاعل الفعل (اشترط) هو نفي الإرث.

و أمّا نقد ما دل على القول الثالث الذي عمدة دليله هو موثقة محمّد بن مسلم (لا صحيحته) فقد عرفت أنّ الشيخ حملها على أنّهما يتوارثان ما لم يشترطا الأجل، فإذا اشترطا الأجل لا يتوارثان، أضف إلى ذلك أنّه يحتمل فيه سقوط «لا».

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(2)- لاحظ الروايات التعليمية في إجراء الصيغة الواردة في الباب 18 و 1 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 97

فيبقى القول الرابع بالنظر إلى صحّة رواياته و صراحتها بلا إشكال.

نعم أورد على هذا القول وجوه من الإشكال نذكرها مع ما يمكن أن نذبّ به.

1- لا مقتضى للتوارث هنا إلّا الزوجية، و لا يقتضي ميراث الزوجة إلّا الآية فإن اندرجت هذه الزوجة في هذه الآية، ورثت و إن لم يشترط ثبوته و بطل شرط نفيه، و إن لم تندرج في الآية لم يثبت، اشترط التوريث أم لا، لأنّه شرط توريث من ليس بوارث و هو باطل.

2- إنّ صحيح البزنطي «1» و ابن مسلم 2 اللّذين استدلا بهما على القول الرابع قابلان للحمل على الوصية و ليس الحمل على اشتراط سقوط الإرث أولى من حمل الخبرين على إرادة الوصية من الإرث فيها.

3- مقتضى إفادة شرط الإرث أن يكون ذلك على حسب ما يقع منه و لو اختص الشرط بأحدهما كان الإرث له خاصة مع غلبة التوارث من الجانبين.

4- أنّ التزام صحّة شرطية إرث الزوجة و الزوج على حسب حالهما من وجود الولد و

عدمه بالنسبة إلى النصف و الثمن و الربع و إرث العقار و عدمه غريب و على هذا لا زوجية بالموت بل يكون بالموت كمن و هبت المدة و يتفرّع عليه عدم جواز تغسيلها و النظر إليها «3».

يلاحظ على الأوّل: بأنّ الإرث لا يترتّب على العقد وحده، حتّى يقال إنّ الاشتراط عندئذ لغو، و لا على الشرط وحده حتى يكون من قبيل توريث الأجنبي، بل العقد في الدائم علّة تامة و في المنقطع جزء العلة و أشبه بالمقتضي و يتمّ تأثيره

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14، الباب 32 من أبواب المتعة، الحديث 1- 5 و الروايتان من أدلّة القول الرابع و قد قال صاحب الجواهر في حقهما: «هذان الخبران لمكان سنديهما قد اغترّ بهما جماعة من المتأخرين منهم الشهيدان».

(3)- الجواهر: 30/ 194- 195.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 98

بالشرط، و على ذلك فالمنقطعة داخلة تحت الآية و لو لا النص لقلنا بكونه علّة تامة إلّا أنّ النص يصدّنا عن القول بدخولها تحتها مثل دخول الدائمة.

و على الثاني أنّ الالتزام بكون الوراثة تابعة للاشتراط، ليس ببعيد بعد كون الشرط متمّما للمقتضي و ليست الوراثة للعقد وحده حتى لا يقبل التفكيك و لا للشرط وحده حتّى يقال إنّه من قبيل توريث من ليس بوارث.

و على الثالث بأنّ كيفية التوارث تابعة للضوابط الموجودة في الذكر الحكيم، و لكونها زوجة داخلة تحت الآية، و أنّما الشرط متمّم لتأثير عنوان الزوجية فعندئذ تكون في الكيفية تابعا لها لا للاشتراط.

عدّة المتمتّع بها

إذا انتهى أجلها أو بذلها الزوج أيّامها يجب عليها الاعتداد و قد اختلفت كلماتهم في مقدارها إلى أقوال:

1- قال الشيخ في النهاية: عدّة المتمتعة إذا انقضى أجلها أو وهب

لها زوجها أيّامها، حيضتان أو خمسة و أربعون يوما إذا كانت لا تحيض و هي في سنّ من تحيض «1». و تبعه ابن البرّاج و سلّار و أبو الصلاح و ابن حمزة إلّا أنّ الأخيرين قالا عوض الحيضتين، قرءان.

2- و قال المفيد: عدّة المتمتّع بها من الفراق قرءان و هما طهران، و تبعه ابن إدريس قال: عدّتها طهران للمستقيمة الحيض، و خمسة و أربعون يوما إذا كانت لا تحيض و مثلها تحيض «2».

3- قال الصدوق في المقنع إذا انقضى أيامها و هو حي فعدّتها حيضة و نصف «3».

______________________________

(1)- النهاية: 492.

(2)- المقنعة: 536، السرائر: 2/ 625.

(3)- المقنع: 114.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 99

4- و قال ابن عقيل: إن كانت ممّن تحيض فحيضة مستقيمة، و إن كانت ممّن لا تحيض فخمسة و أربعون يوما.

و ذهب المحقّق: إلى القول الأوّل و العلامة في المختلف إلى القول الثاني «1».

استدل للقول الأوّل: بصحيح إسماعيل بن الفضل الهاشمي، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟ فقال: «ألق عبد الملك بن جريج فسله عنها فإنّ عنده منها علما» فلقيته فأملى عليّ شيئا كثيرا في استحلالها و كان فيما روى لي فيها ابن جريج أنّه ليس فيها وقت ... و عدّتها حيضتان و إن كانت لا تحيض فخمسة و أربعون يوما، قال: فأتيت بالكتاب أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال: «صدق» و أقرّبه، قال ابن أذينة: و كان زرارة يقول هذا و يحلف أنّه الحق إلّا أنّه كان يقول: إن كانت تحيض فحيضة، و إن كانت لا تحيض فشهر و نصف «2».

و يدلّ عليه أيضا ما رواه العياشي في تفسيره، عن أبي بصير، عن أبي جعفر في

تفسير آية المتعة: «و لا يحلّ لغيرك حتّى تنقضي عدّتها، و عدّتها حيضتان» «3».

و ما رواه المجلسي في البحار، عن أبي بصير، قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المتعة، فقال: «نزلت في القرآن- إلى أن قال-: و لا تحلّ لغيرك حتّى تنقضي لها عدّتها، و عدّتها حيضتان» «4».

و ربّما يستدل بخبر محمّد بن الفضيل، عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «طلاق الأمة تطليقتان و عدّتها حيضتان» بضميمة ما في صحيح زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتّع بها- إلى أن قال:- «و عدّة المطلقة ثلاثة أشهر، و الأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة و كذلك المتعة عليها

______________________________

(1)- المختلف: 11 من أحكام المتعة، و سيوافيك أنّ مرجع القول الرابع إلى الثاني، و دليلهما واحد، فالحيضة الواحدة، تلازم الطهرين غالبا لا دائما.

(2)- الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 8.

(3)- الوسائل: 14، الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 6.

(4)- البحار: 103/ 315 ح 20.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 100

مثل ما على الأمة» «1».

يلاحظ عليه: بأنّ محمّد بن الفضيل الأزدي لم يوثّق و هو غير محمّد بن الفضل الأزدي الذي وثّقه الشيخ في رجاله، و على فرض اعتبار الخبر فالظاهر من صحيح زرارة المماثلة من حيث العدد فيكون على الأمة شهر و نصف لا حيضتان.

أضف إلى ذلك أنّ نفس زرارة لم يقبل هذا التنزيل، لأنّه كما ورد في صحيح الهاشمي قال: بأنّ عدّة الأمة حيضة واحدة.

استدل للقول الثاني بالوجه التالي:

أي الاكتفاء بالطهرين بصحيح زرارة: «و إن كان حرّ تحته أمة، فطلاقها تطليقتان، و عدّتها قرءان» «2».

هذا من جانب، و من جانب: أن

عدّتها، عدّة الأمة.

يلاحظ عليه: بأنّ اللفظ من الأضداد و لا دليل على حمله على الطهرين بعد تضافر الروايات بأنّ عدّة المتمتّع بها حيضتان، فيفسّر الإجمال بالتفصيل، و إرادة الطهرين في باب العدد «3» حيث اتفقت الشيعة على أن المراد من القرء الطهر، و أهل السنة على أنّه الحيض، لا تكون دليلا على حمله هنا على الطهر، بعد ورود التصريح بالحيضتين في المقام، و ليعلم أنّ مرجع هذا القول و القول الرابع إلى أمر واحد، و الدليل عليهما واحد. كما سيوافيك.

استدل للقول الثالث: أي الاكتفاء بحيضة و نصف، برواية عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «و إذا انقضت أيّامها و هو حيّ، فحيضة و نصف مثل ما يجب على الأمة» «4».

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 40 من أبواب العدد، الحديث 5، و الباب 52 منها، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14، الباب 12 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 14 من أبواب العدد 1- 9.

(4)- الوسائل: 14، الباب 22 من أبواب المتعة، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 101

و الظاهر أنّ العبارة كناية عن الخمسة و الأربعين لما تضافر أنّها عدة من لا تحيض و هي في سن من تحيض، و إلّا فلا معنى للحيضة و نصف، إلّا أن يفسّر بأنّه يجوز لها التزويج بعد تنصيف الحيضة الثانية و إن كان الدخول ممنوعا و هو كما ترى.

استدل للقول الرابع: أعني الاكتفاء بحيضة واحدة بعدها طهر، بوجهين:

1- إذا كملت لها حيضة فقد مضى عليها طهران، أحدهما قبلها، و ثانيهما، بعدها و إن كان الطهر الثاني لحظة.

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّه لا تلازم الحيضة الطهرين كما إذا

كان انتهاء أجل المتعة مقارنا لحدوث الحيضة، فتكون هناك حيضة و طهر فقط لا طهران، نعم لو تمّ الأجل أثناء الحيضة أو أثناء الطهر يكون لها طهران.

2- حسنة زرارة، بل صحيحته عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «... و إن كان حر تحته أمة فطلاقها تطليقتان، و عدّتها قرءان» «1».

يلاحظ عليه: بما عرفت من أنّه لا دليل لحمل «القرءان» على الطهرين بعد اشتهار كون عدّة الأمة حيضتين هذا هو دليل الأقوال و قد عرفت تضارب الروايات، و هناك طريقان:

الأوّل: ما سلك صاحب الجواهر فحاول أن يجمع بين الروايات بما ورد في رواية الطبرسي في الاحتجاج.

الثاني: الرجوع إلى المرجحات.

أمّا الأوّل: فبالاستشهاد بما رواه صاحب الاحتجاج عن محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميري عن صاحب الزمان عليه السّلام حيث كتب إليه في رجل تزوّج امرأة بشي ء معلوم إلى وقت معلوم و بقي له عليها وقت، فجعلها في حلّ ممّا بقي له عليها، و قد

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 12 من أبواب ما يحرم باستيفاء العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 102

كانت طمثت قبل أن يجعلها في حلّ من أيّامها بثلاثة أيّام أ يجوز أن يتزوّجها رجل آخر بشي ء معلوم إلى وقت معلوم عند طهرها من هذه الحيضة أو يستقبل بها حيضة أخرى؟ فأجاب عليه السّلام: «بل يستقبل بها حيضة غير تلك الحيضة، لأنّ أقلّ العدّة حيضة و طهرة تامة (و في بعض النسخ طهارة)» «1».

و هذه الرواية تدلّ على شرطية حيضة تامة و طهارة مثلها، أمّا الأولى فلأجل عدم الاكتفاء بالحيضة التي جعلها في حلّ فيها، و أمّا الثانية فللتوصيف ب «تامة» و المراد هو الطهر التام الذي يكشف بدخول جزء

من الحيضة الثانية، و الحيض و الطهر الكاملان، لا ينفكّان عن الحيضتين، توضيحه:

1- لو اتفق الانقضاء في أثناء الطهر يتوقف على حيضة كاملة و طهر مثلها فكما يتحقّق هناك حيضة و طهر تتحقق حيضتان، الأولى بعد الطهر الذي تحقّق الانقضاء فيه، و الثانية بتمامية الطهر، حيث لا يعلم إلا بظهور جزء من الحيض.

2- لو اتفق الانقضاء في أثناء الحيضة فيتوقّف الخروج من العدّة على حيضة تامة و طهر تام فعندئذ تتحقّق الحيضتان فالأولى هي التي انتهى الأجل فيها، و الثانية هي التي دخل فيها بعد الطهر التام.

نعم، يحصل التخلّف فيما إذا انتهى أجلها بزمان طهرها، فيتحقّق طهران، دون الحيضتين لكنّهما نادران «2».

يلاحظ عليه: أوّلا. أنّ ظاهر الرواية هو أنّ الاكتفاء بالحيضة الواحدة كان أمرا مسلّما عند الراوي و الإمام عليه السّلام و كان الشك عند الراوي الاكتفاء بالناقصة منها أو لا، فأجاب الإمام عليه السّلام بكفاية الحيضة الواحدة و قال: «يستقبل بها حيضة، غير تلك الحيضة» و على هذا تحمل التمامية في الطهر على زوال النقاء من الحيض

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 22 من أبواب المتعة، الحديث 7.

(2)- هذا توضيح ما أفاده صاحب الجواهر و إن كان كلامه لا يخلو من إجمال، لاحظ 30/ 199.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 103

الكامل حتى يعلم تحقق الحيضة الكاملة، لا أنّ هذا الطهر من العدة.

و ثانيا: أنّه إذا كان الملاك هو الحيض و الطهر التامان يكون الحدّ هو هذا، و كونهما ملازمين غالبا مع الحيضتين أو الطهرين لا يكون سببا لجعلهما ملاكا للخروج عن العدّة فالعدول عن الملاك الواقعي إلى الملازم كما ترى.

و أمّا الثاني: أي استظهار كون الروايات متعارضة و الرجوع إلى المرجّحات فالترجيح

مع القول الأوّل لتضافر الروايات على أنّ عدّة المتعة هو عدّة الأمة و المشهور فيها هو الحيضتان مضافا إلى كون مقتضى الأصول بقاء العدّة إلى أن يعلم الخروج. و لا يعلم إلّا بالحيضتين التامتين و لا يكفي جزء من الحيض و اللّه العالم بأحكامه.

عدة الوفاة للمتمتع بها

المشهور في عدّة المتمتع بها في عدّة الوفاة هو نفس العدّة في الدائم:

1- قال الصدوق: «و إذا تزوّج الرجل امرأة متعة ثمّ مات عنها فعليها أن تعتدّ أربعة أشهر و عشرة أيّام» «1».

2- و قال أبو الصلاح في فصل العدّة «و كذلك حكم المتمتع بها لوفاة المتمتّع قبل انقضاء أيّامها تعتدّ أربعة أشهر و عشرا» «2».

3- قال الشيخ في النهاية: «إذا مات عنها زوجها قبل انقضاء أجلها كانت عدّتها مثل عدّة المعقود عليها عقد الدوام أربعة أشهر و عشرا» «3».

4- قال ابن البرّاج: «و إن كان ذلك بموت الرجل كان عليها العدّة و هي

______________________________

(1)- المقنع: 114.

(2)- الكافي: 313.

(3)- النهاية: 492.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 104

أربعة أشهر و عشرة أيام مثل عدّة الموت في النكاح الدائم للحرّة غير حبلى» «1».

و قال المفيد: «إنّها شهران و خمسة أيّام و نسب إلى سلار و لكن لم نجد في مراسمه ما يدلّ عليه لا في باب المتعة و لا في باب العدّة، قال: فما هو بموت معروف و ما هو بغير موت ...» و لعلّ عدم التفصيل في عدة الموت لأجل عدم التفاوت هنا بين الدائم و المنقطع «2».

إذا عرفت ذلك فاعلم، أنّه يدلّ على قول المشهور، إطلاق الآية وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْوٰاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَ عَشْراً «3» من غير فرق بين المتمتع بها و

عدمه. مضافا إلى الصحيحين.

1- صحيح زرارة، حيث قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام: ما عدّة المتعة إذا مات عنها الذي يتمتّع بها؟ قال: «أربعة أشهر و عشرا» ثمّ قال: «يا زرارة كلّ النكاح إذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة و على أيّ وجه كان النكاح منه، متعة أو تزويجا أو ملك يعيين فالعدّة أربعة أشهر و عشرا» «4».

2- صحيحة ابن الحجاج 5.

و كون عدّة الأمة و ملك اليمين حسب هذه الرواية أربعة أشهر و عشرا لا ينافي ما هو المشهور، من كون عدّتها نصف ما على الحرّة و ذلك لأنّ المعروف هناك كون أمّهات الأولاد (ملك اليمين) هو مثل الحرّة و أمّا الأمة فالمشهور هو النصف، و إن كان هناك قول بالتمام لكن حمل على الاستحباب.

استدل للقول الثاني: بوجهين، الأوّل: أنّها كالأمة في الفراق فكذلك في الموت، و ضعف الاستدلال ظاهر لأنّه أشبه بالقياس.

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 244.

(2)- المقنعة: 536، و المراسم: 162.

(3)- البقرة: 234.

(4) و 5- الوسائل: 15 الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 2 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 105

الثاني: الاستدلال بخبرين:

1- مرسل الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: سألته عن رجل تزوّج امرأة متعة ثمّ مات عنها ما عدّتها؟

قال: «خمسة و ستون يوما» «1».

2- خبر ابن يقطين عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «عدّة المرأة إذا تمتّع بها فمات عنها خمسة و أربعون يوما» 2.

و الأوّل مرسل و الثاني ضعيف بأحمد بن هلال الذي يقول النجاشي في حقّه:

و قد روي فيه ذموم من سيّدنا أبي محمد العسكري عليه السّلام «3».

هذا كلّه، إذا كانت حائلا و أمّا إذا كانت حاملا فعدّتها أبعد الأجلين كما هو

الحال في الدائم، لقوله عليه السّلام في الحامل المتوفى عنها زوجها: «تنقضي عدّتها آخر الأجلين» «4».

تجديد العقد على المتمتّع بها قبل انقضاء أجلها

قال العلّامة في المختلف: المشهور أنّه إذا كان قد بقي من الأجل شي ء، لم يجز له الزيادة عليه بعقد و غيره إلّا بأن يهب لها أيّامها الباقية ثمّ يعقد عليها عقدا بمهر آخر، اختاره الشيخ و ابن البرّاج و ابن إدريس.

و قال ابن حمزة: إن أراد أن يزيد في الأجل جاز و زاد في المهر.

و قال ابن عقيل: لو نكح متعة إلى أيّام مسمّاة فإن أراد أن ينكحها نكاح الدائم قبل أن تنقضي أيّامه منها، لم يجز ذلك لأنّها لم تملك نفسها و هو أملك بها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 52 من أبواب العدد، الحديث 4 و 3.

(3)- رجال النجاشي: رقم الترجمة: 199.

(4)- الوسائل: 15 الباب 31 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 106

منها ما لم تنقضي أيّامها «1».

أقول: يقع الكلام في أمرين:

1- ما هو مقتضى القاعدة الأوّلية؟

2- ما هو مقتضى الأدلة؟

أمّا الأوّل: فربّما يقال كما نقله العلّامة في المختلف 2 من أنّ كونها مشغولة بعقده لا يمنع من العقد عليها مدّة أخرى.

يلاحظ عليه: أنّه إن عقد عليها من حين العقد يلزم تحصيل الحاصل، لأنّ المفروض أنّها في جزء من المدّة زوجة له و الزوجة لا تزوّج، و إن عقد عليها من ذلك الحين بعد هبة بقية المدّة فهو جائز بالاتفاق، و إن عقد عليها بعد نهاية الأجل فهو ليس بمتعارف في النكاح و إن كان متعارفا في باب الإجارة، حيث يؤجر شقة من البناية لشخصين في شهرين متتابعين و يجري العقد في زمان واحد و المتعة ليست إجارة و

إن عبّر عنها في الروايات (لمناسبة ما) بأنّها مستأجرات، كما عبر عن الدائم في الروايات (بمناسبة ما) بأنّه يشتريها بأغلى الثمن مع أنّ النكاح غير البيع.

فظهر أنّ مقتضى القاعدة عدم صحّة تجديد العقد قبل انتهاء الأجل.

و أمّا الثاني: أي مقتضى الأدلّة فمنها قوله سبحانه: فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ فِيمٰا تَرٰاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً حَكِيماً «3».

فلو قلنا: إنّ المراد من الفريضة، هو ما سبق ذكره، يكون المراد منها هو الأجرة، غاية الأمر بما أنّ الأجرة ركن في المتعة يصير المقصود أنّه لا حرج و لا تضييق عليكم منه تعالى إذا تراضيتم بعد الفريضة، على الزيادة عليها أو

______________________________

(1) و 2- المختلف: 13، الفصل الخامس في نكاح المتعة.

(3)- النساء: 24.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 107

النقص منها، أو حطّها كلّها، لأنّ الإنسان مسلّط على ما ملك، نعم لا يجوز ترك ذكرها في العقد و إن رضيا بعده، لما مرّ من حديث الركنية، و على ذلك لا صلة للآية بالمسألة، إذ الزيادة و النقيصة على فرض وحدة العقد. و ممّا يدلّ على أنّ المراد من الفريضة هو المهر، إطلاقها عليه في قوله تعالى: مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً «1». و قوله تعالى: وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ 2.

نعم تفسّره بعض الروايات بالأجل لا الأجرة فلو فسّر قوله: «من بعد الفريضة» ب «من بعد مضيّ الأجل»، فيكون دالا على أنّ للرجل أن يزيد في الأجرة، حتّى تزيد في الأجل بعد انقضاء الأجل الأوّل، و عليه يكون دالّا على المنع قبل الانقضاء.

و أمّا لو فسر قوله: «من بعد الفريضة» ب

«بعد تحديد الأجل» لا انقضاؤه، يكون دليلا على تجديد العقد عليها قبل انقضاء الأجل الأوّل. و المتبادر هو المعنى الأوّل.

و أمّا الروايات:

فمنها: ما يدلّ على جواز التحديد بعد مضيّ الأجل من دون إشارة إلى جوازه و عدمه قبل مضيّ الأجل.

كصحيح محمّد بن مسلم، سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتعة؟ فقال: «إن أراد أن يستقبل أمرا جديدا فعل و ليس عليها العدّة منه، و عليها من غيره خمسة و أربعون ليلة» «3».

و مثله، مرسل ابن أبي عمير 4 و خبر زرارة 5 و مرسل أبي بصير 6.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 107

و منها: ما يدلّ على عدم الجواز ما لم ينقطع الأجل، و ذلك موقوفة أبي بصير، قال: «لا بأس أن تزيدك و تزيدها إذا انقطع الأجل فيما بينكما تقول لها:

______________________________

(1) و 2- البقرة: 236- 237.

(3)- 6- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 1، 3، 4 و 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 108

استحللتك بأجل آخر، برضا منها، و لا يحلّ ذلك لغيرك حتّى تنقضي عدّتها» «1».

و الدلالة بالمفهوم، و يمكن حمله على الغالب لأنّ الدواعي توجد بعد الانقضاء لا قبله و عندئذ لا يدلّ على عدم الجواز قبله. و الظاهر أنّه نفس مرسلة العيّاشي 2.

و خبر أبان قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة متعة فيتزوّجها على شهر، ثمّ إنّها تقع في قلبه فيحسب أن يكون شرطه أكثر من شهر فهل يجوز أن يزيدها في أجرها و يزداد في الأيّام قبل أن تنقضي أيّامه التي

شرط عليها؟ فقال: «لا يجوز شرطان في شرط» قلت: كيف يصنع؟ قال: «يتصدّق عليها بما بقي من الأيّام ثمّ يستأنف شرطا جديدا» «3».

و إتقان المتن يغني عن الإمعان في السند و إن كان السند غير صحيح حسب الطرق الثلاثة الواردة في الكافي.

و منها: ما يدلّ على جواز التجديد قبل انتهائه كخبر مفضل بن عمر الذي رواه صاحب بصائر الدرجات «4».

و الرواية ضعيفة لا يصحّ الاستدلال بها و غيرها متقدّمة عليها، و إن كانت صريحة في موردها و ليست مطلقة حتّى يصحّ تقييدها كما في الجواهر من أنّه «يجب تقييد ما ادّعى وروده في نفي البأس عن زيادة الأجل بزيادة الأجر» كأنّه في غير محلّه لما عرفت من كونها صريحة لا مطلقة، و الأولى رفع اليد عنها لعدم ثبوت حجيّتها.

ثمّ إنّ القوم طرحوا أيضا نكاح الإماء و تحليلها لكن عدم الابتلاء به إغناء من البحث فيها. و لعلّ تحليل الإماء عن خصائص الفقه الشيعي و إن لم يكن اتفاقيا» «5».

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 2- 6.

(3)- الوسائل: 14 الباب 24 من أبواب المتعة، الحديث 1.

(4)- الوسائل: 14 الباب 23 من أبواب المتعة، الحديث 5. و لاحظ الحديث 8.

(5)- المختلف: المتعة: 19.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 109

الفصل الرابع عشر: فيما يردّ به النكاح

في عيوب الرجل المتفق على الفسخ بها أربعة:

اشارة

1- الجنون

2- الخصاء

3- العنن

4- الجب

العيوب التي اختلفوا في الرد بها و هي ثلاثة:

1- الجذام

2- البرص

3- العمى

عيوب المرأة و هي ثمانية:

1- الجنون

2- الجذام

3- البرص

4- القرن

5- الافضاء

6- العرج

7- العمى

8- الرتق

أحكام العيوب في التدليس و أحكامه

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 111

فيما يردّ به

النكاح ممّا يرد به النكاح، العيوب. و يظهر من التصفّح في الأخبار و كلمات الفقهاء أنّ العيوب التي يردّ بها النكاح تارة تختص بالرجل و أخرى بالمرأة، و ثالثة يشتركان في الردّ فلنبدأ بعيوب الرجل التي بها تستحق المرأة أن تفسخ عقد النكاح.

فنقول: اختلفت كلمات الأصحاب في مقدارها.

1- قال الشيخ في النهاية: و لا يردّ الرجل من شي ء من العيوب إلّا من الجنون و يردّ أيضا من العنّة «1».

2- و قال في الخلاف: يفسخ النكاح عندنا بالعيب، المرأة تفسخه بالجبّ و العنّة و الجنون «2».

3- و قال المحقق: فعيوب الرجل ثلاثة: الجنون، و الخصي، و العنن، و هل يفسخ بالجبّ؟ فيه تردّد. و منشؤه التمسك بمقتضى العقد، و الأشبه تسلّطها به لتحقق العجز عن الوطء.

4- و قال ابن البراج: يردّ الرجل ستّة، منها ما يختصّ بالرجل و هو: الجبّ و العنّة، منها ما يشترك فيه الرجل و المرأة و هو الجنون و الجذام و البرص و العمى «3».

و يظهر من كلامه المنقول في المختلف عن كتاب الكامل، أنّه يردّ مضافا إلى

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2)- الخلاف: 2/ كتاب النكاح المسألة 124.

(3)- المهذّب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 112

الستة المذكورة، بالخصاء أيضا، فيكون ما يردّ به سبعة.

5- و اختار الشهيد في المسالك: وراء جواز الرد بالعيوب الأربعة المذكورة في الشرائع الردّ بالجذام و البرص أيضا فيبلغ ما يجوز به الردّ إلى ستّة «1».

هذا ما لدى الخاصة.

و أمّا غيرهم فقد قال الشافعي بأنّه يردّ بخمسة، اثنان يختصّ بالرجل، و هما، الجبّ و العنّة و ثلاثة يشتركان: الجنون و البرص و الجذام «2».

و قال أبو حنيفة: النكاح لا ينفسخ بالعيب أصلا لكن إن كان

الرجل مجنونا أو عنينا ثبت لها الخيار خيار الفرقة فيفرق بينهما فيكون طلاقا لا فسخا 3.

و قال ابن قدامة: عدد العيوب المجوّزة للفسخ و هي فيما ذكره «الخرقي» «4» ثمانية: ثلاثة يشترك فيها الزوجان و هي الجنون و الجذام و البرص، و اثنان يختصّان بالرجل و هما الجبّ و العنّة و ثلاثة تختص بالمرأة و هي الفتق و القرن و العفل «5».

إذا عرفت هذا: فلنذكر العيوب التي بها يجوز للمرأة فسخ نكاحها و هي أمور:

***

الأوّل من أسباب الفسخ: الجنون

يجوز الردّ بالجنون و قد اتّفقت عليه كلمة فقهائنا و عليه مالك و الشافعي من العامّة، فقالوا: إنّه يوجب الخيار في الردّ و الإمساك و قد تعرفت على فتوى أبي حنيفة في الجنون و أنّه لا فسخ لها، بل تطلّق «6». غير أنّ أهل الظاهر من العامّة قالوا: لا يوجب خيار الردّ و الإمساك، و هو قول عمر بن عبد العزيز، و القائلون

______________________________

(1)- المسالك: 8/ 112- 113.

(2) و 3- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 124.

(4)- أبو القاسم: عمر بن الحسين بن عبد اللّه بن أحمد الخرقي مؤلّف المختصر.

(5)- المغني: 7/ 110.

(6)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة 124.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 113

بالخيار منهم، تمسّكوا بقول عمر بن الخطاب، أنّه قال: أيّما رجل تزوّج امرأة و بها جنون أو جذام أو برص فمسّها و في بعض الروايات أو قرن، فلها صداقها كاملا و ذلك لزوجها غرم على وليّها «1».

و الرواية على فرض صحّتها تختصّ بجنون المرأة لا الرجل و لأجل ذلك التجئوا إلى القياس ثانيا، قائلين بأنّ النكاح شبيه البيع، و إليك دليل الخيار بعد ذكر صور المسألة.

إنّ الجنون تارة يكون مقدّما على العقد، و

أخرى مقارنا، و ثالثا مؤخّرا، و على التقادير الثلاثة، يكون مطبقا، أو أدواريا، و على فرض كونه مطبقا إمّا أن يكون عاقلا لوقت الصلاة أو لا، و على فرض كونه بعد العقد، إمّا دخل بها أو لا، فهل هو موجب للردّ مطلقا أو يختصّ ببعض الصور، و إليك التفاصيل.

أ- إذا كان متقدّما على العقد أو مقارنا له ثبت لها به الفسخ مطلقا، مطبقا كان أم أدواريا عقل أوقات الصلاة أو لا. إلّا عند بعضهم إذا عقل وقت الصلاة.

و أما إذا كان متجدّدا بعد العقد، سواء كان قد وطأ أو لا، ففيه أقوال:

1- التفصيل بين عدم معرفته أوقات الصلاة، فلها الفسخ و إلّا، فلا، و هو خيرة الشيخ في النهاية و المفيد في المقنعة و ابن البرّاج في المهذّب «2».

2- الفرق بين تعقّل أوقات الصلاة مطلقا، و عدمه، سواء كان متقدّما على العقد، أو مقارنا، أو متأخرا، اختاره ابن حمزة و ابن البراج 3.

3- التفصيل بين المتأخر عن العقد فلها الفسخ دون المتقدّم و هو خيرة- صاحب الحدائق- جمودا على النصوص، حيث إنّ موضوعها هو الجنون المتأخّر «4».

______________________________

(1)- الخلاف: 2، المسألة 126.

(2) و 3- المختلف: الفصل الرابع ص 2. و لاحظ المهذّب: 2/ 233.

(4)- الحدائق: 24/ 337- 338.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 114

4- القول بأنّ لها الفسخ مطلقا من دون تقييده بشي ء و الجنون فنون يجمعها فساد العقل كيف اتفق و هو خيرة الشهيد في المسالك «1».

و إليك النصوص الواردة في المسألة:

1- مقبولة علي بن أبي حمزة: قال: سئل أبو إبراهيم عليه السّلام عن امرأة يكون لها زوج قد أصيب في عقله بعد ما تزوّجها أو عرض له جنون؟ قال: «لها أن

تنزع نفسها منه إن شاءت» «2».

2- قال في الفقيه بعد نقل هذه الرواية: و روي في خبر آخر أنّه «إن بلغ به الجنون مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد بليت» 3.

و لعلّ مراد الفقيه هو ما ورد في الفقه الرضوي: «إذا تزوّج رجل فأصابه بعد ذلك جنون فبلغ به مبلغا لا يعرف أوقات الصلاة فرّق بينهما، فإن عرف أوقات الصلاة فلتصبر المرأة معه فقد ابتليت» «4».

و الفرق بين الروايتين، هو أنّ خبر الفقيه مطلق و هو لا يفرق بين الجنون المتقدّم و اللاحق، بل يفصل في جميع أقسام الجنون بين تعقّل أوقات الصلاة و عدمه بخلاف رواية الرضوي فإنّها تخصّ التفصيل بالجنون الطارئ بعد العقد.

3- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الرجل يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء و لم يبيّنوا له؟ قال: «لا ترد»، و قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل» قلت: أ رأيت إن كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها؟

قال: «المهر لها بما استحلّ من فرجها و يغرم وليّها الذي أنكحها مثل

______________________________

(1)- المسالك: 8/ 112.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 12 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 3.

(4)- فقه الرضا عليه السّلام: 237.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 115

ما ساق إليها» «1».

و هذه الروايات نقلها الكليني و الصدوق على الوجه المزبور إلّا أنّ الكليني أسقط لفظ «و إنّما» و نقلها الشيخ بإسقاط السؤال و اقتصر على مجرّد الجواب أعني قوله: «و قال: إنّما يردّ النكاح عن البرص و الجذام و العفل» 2.

و الجنون عبارة عن فساد العقل و

هو مفهوم عرفي و لو شكّ فالمرجع هو أهل الخبرة كسائر الموضوعات.

يقع الكلام في مقامين:

1- عموم الحكم للجنون المتقدّم و المتأخّر، خلافا لصاحب الحدائق حيث خصّه بالمتأخّر.

2- حكم التفصيل الوارد في خبر الفقيه أمّا الأوّل فيمكن استظهار العموم من النصوص بالبيان التالي:

إنّ القيد (بعد ما تزوّجها) في رواية ابن أبي حمزة وارد في كلام السائل لا الإمام، و من المحتمل وروده مورد الغالب، لندرة التزويج بالمجنون مع العلم به قبل العقد فلا يصحّ استظهاره منها كونه دخيلا في الحكم.

و منه يعلم حال الفقه الرضوي حيث إنّ القيد وارد مورد الغالب و في مثله لا يصحّ استظهار المدخلية.

و خبر الفقيه المفصّل بين تعقل أوقات الصلاة و عدمه، مطلق غير مقيّد بالجنون الطارئ.

و الصدوق و إن نقله بعد مقبولة ابن أبي حمزة لكنّه من جمع الصدوق و هو لا يصلح شاهدا لتقييد الخبر بالقيد الوارد في المقبولة. و صحيحة الحلبي مطلق

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6 و 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 116

حيث قال: «إنّما يردّ النكاح على البرص و الجذام و الجنون و العفل «و كون الصدر راجعا إلى السؤال عن المرأة، لا يكون دليلا على رجوعه إليها، لأنّ الظاهر أنّ الجمع من ناحية الراوي، فجمع بين الروايتين، لا من جانب الإمام بشهادة أنّه قال (و قال إنّما يردّ النكاح ...) فلو لم يكن من قبيل جمع الراوي لما كان لتوسط «و قال» وجه.

و على ضوء ذلك فلا مانع في استظهار العموم للمتقدّم و المتأخر عن العقد من الروايات مع إمكان إلغاء الخصوصية فإذا كان الجنون في المرأة موجبا لتسلّط الرجل على الفسخ مع عدم

انحصار التخلّص بالفسخ بل له وراء الفسخ، الطلاق يكون الجنون في الرجل موجبا لتسلّطها على الفسخ على وجه أولى، لانحصار التخلّص بالفسخ بل يمكن أن يقال ببطلان العقد لأنّه لو كان العاقد هو الرجل كان النكاح باطلا و لو كان غيره فلم تثبت ولايته على التزويج و الحال هذه.

أضف إلى ذلك أنّ الحكم بلزوم العقد حكم حرجي جدّا و كيف لا يكون كذلك فإنّه إذا كان المسح على البشرة حرجيا «1» فالمعاشرة مع المجنون حرجي بطريق أولى.

اللّهمّ إلّا أن يقال: إنّ كونه حرجيا لا يثبت الخيار بل لها طرح الدعوى عند الحاكم حتّى يقوم هو بالطلاق و بذلك يظهر أنّ التمسك بقاعدة لا حرج في تلك الموارد لا يثبت جواز الفسخ مباشرة.

و هذه الوجوه كافية في القول بعمومية الحكم و بذلك يظهر أنّ توقف البحراني- في المسألة- جمودا على ورود الروايات في الجنون الطارئ- في حدائقه- في غير محلّه «2» و الجنون مطلقا موجب للفسخ أو لرفع الشكوى إلى الحاكم و هو

______________________________

(1)- الوسائل: 1، الباب 39 من أبواب الوضوء، الحديث 5.

(2)- الحدائق: 24/ 339.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 117

يقوم بحلّ المشكل، إمّا بأمره بالطلاق أو يطلقه نفسه أو يفسخه و أمّا المقام الثاني أي التفصيل بين معرفة وقت الصلاة و عدمه فلعلّ وجهه أنّ معرفة أوقات الصلاة، دليل على عدم كونه مجنونا و أنّ للاختلال في الفعل و الكلام غير الصلاة علّة أخرى سترتفع بالعلاج. و إلّا فالتفصيل مع عدم كونه واردا بسند صحيح مشكل.

الثاني من أسباب الرد: الخصاء

و ربّما يطلق عليها الوجاء بالكسر و المدّ و هو رضّ الخصيتين و كونها من أسباب الرّد هو المشهور بين الأصحاب.

قال الشيخ في الخلاف: إذا

تزوّجت برجل فبان أنّه خصيّ أو مسلول أو موجوء كان لها الخيار، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني لا خيار لها لأنّه متمكّن من الإيلاج و إنّما لا ينزل و ذلك لا يوجب الفسخ «1».

و لكنّه قال قبل هذه المسألة ما لفظه: أنّه إذا كان الرجل مسلولا لكنّه يقدر على الجماع غير أنّه لا ينزل أو كان خنثى حكم له بالرجل لم يرد بالعيب «2».

و ما في الجواهر من نسبة عدم الردّ إلى المبسوط و الخلاف مستدلا بأنّه ليس بعيب، لأنّه يولج، بل ربّما كان أبلغ من الفحل لعدم فتوره إلّا أنّه لم ينزل، و هو ليس بعيب، إنّما العيب عدم الوطء «3»، محمول على كلامه في الخلاف في العبارة الأخيرة.

و على كلّ تقدير فالظاهر جواز الردّ به للصحيح و الموثق من الروايات.

أمّا الأوّل: فلصحيح ابن مسكان قال: بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت:

سله عن خصيّ دلّس نفسه لا مرأة و دخل بها فوجدته خصيّا؟ قال: يفرّق بينهما

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 141.

(2)- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 125.

(3)- الجواهر: 30/ 323.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 118

و يوجع ظهره و يكون لها المهر لدخوله عليها «1».

و يظهر ممّا رواه الكشي أنّه بعث الكتاب مع إبراهيم بن ميمون «2».

و أمّا الثاني: فهو ما رواه ابن بكير عن أبيه عن أحدهما عليه السّلام في خصيّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة تزوّجها فقال: «يفرق بينهما إن شاءت المرأة و يوجع رأسه، و إن رضيت به و أقامت معه لم يكن لها بعد رضاها به إن تأباه» 3.

إلى غير ذلك من الروايات و الواردة في المقام 4.

و فرض الدخول في

الصحيحة، لا يصح مع تفسيره بعدم الوطء و حمل الأخبار على عدم التمكّن من الإيلاج كما عن ابن البرّاج و كاشف اللثام، خلاف صريح الصحيحة.

إنّما الكلام في اشتمال النصوص على لفظ التدليس فيحتمل اختصاص جواز الردّ بصورة التدليس فلا يجوز الردّ إذا تخيّل أنّ الزوجة واقفة على عيبه.

و يقع الكلام في موضعين:

1- عمومية الحكم لصورتي تدليس الرجل و عدمه.

2- عموميته للخصاء المتقدّم و المقارن و المتأخّر.

أمّا الأوّل فهو مبنيّ على أنّ التدليس في الروايات علّة الخيار أو إشارة إلى جهل الزوجة بالعيب حتّى لا يعدّ كونها معه دليلا على رضاها به مع هذه الحالة.

ففي موثق سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ خصيّا دلّس نفسه لامرأة؟ قال:

«يفرّق بينهما و تأخذ منه صداقها، و يوجع ظهره، كما دلّس نفسه» «5».

و ربّما يقال: بأنّ الكاف للتعليل مثل قوله سبحانه: وَ اذْكُرُوهُ كَمٰا هَدٰاكُمْ

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 3.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 7 و 1 و 3.

(5)- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 119

وَ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّٰالِّينَ «1».

فلو كانت علة فهل هي علّة الأخيرة، أو للجمل الثلاث فلو كانت علّة للجميع لاختص الفراق بصورة التدليس لا مطلقا.

و لكن الظاهر رجوعه إلى الأخيرة لعدم صلاحية رجوعه إلى الثانية أعني «و تأخذ منه صداقها» لأنّ المراد منه إمّا نصف الصداق أو كلّه و الأوّل معلول العقد سواء أدلّس أم لا، و الثاني معلول الدخول كذلك و ليس للتدليس فيه أثر، و معه كيف يمكن أن يكون قيدا للأوّل و الثالث.

و قد عرفت أنّ ذكر التدليس

لأجل بيان جهل المرأة بالحال.

و يؤيّد ما ذكرناه أنّ أقصى ما يمكن أن يقال- فيما إذا كان الرجل غير مدلّس-: إنّه لا يوجع ظهره لعدم تدليسه لتخيّله علم المرأة أو لجهله بحالها و إن كان نادرا، و أمّا كون العقد لازما على المرأة إذا لم يكن الرجل مدلّسا فهو كما ترى إذ القول بالخيار في إحدى الصورتين دون الأخرى، لا يقبله الذوق السليم اللّهمّ إلّا أن تكون عالمة بالحال و هو غير المفروض.

و أمّا القسم الثاني: أعني عمومية الحكم للخصاء المتقدّم و غيره و عدمها فقد قال المحقق: «إنّما يفسخ بالخصاء، مع سبقه على العقد» أي دون المقارن فضلا عن المتجدّد بعده و خصوصا بعد الوطء للأصل و اختصاص النصوص به، و قيل:

تفسخ و إن تجدّد بعد العقد قبل الوطء بل قيل: و بعد الوطء، و ليس بمعتمد «2».

و وجهه اختصاص الأدلّة بالمتقدّم و عدم عموم في الروايات. نعم لو كانت الإقامة معه حرجيا رفعت الشكوى إلى الحاكم فيأمره بالطلاق أو يطلّق بنفسه لو رأى الوضع حرجيا.

______________________________

(1)- البقرة: 198.

(2)- الجواهر: 30/ 324.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 120

الثالث من أسباب الردّ: العنن
اشارة

عرّفه المحقق في الشرائع، بأنّه مرض تضعف معه القوّة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج و الاسم العنّة، و الوصف العنّين كسكين.

و حاصله عدم قدرته على الإتيان بالنساء سواء اشتهى أم لا، لأنّ جعل الخيار لأجل مراعاة حال المرأة و يكفي فيه عدم انتشار العضو، من دون مدخلية لاشتهائه و عدمه، و قد اتفقت كلمتهم على كونه موجبا للفسخ على وجه الإجمال، و إن اختلفوا في تفاصيله.

قال العلامة في المختلف: المشهور أنّ العنّة الحادثة بعد الدخول لا يثبت بها للمرأة خيار الفسخ. اختاره

الشيخ و ابن الجنيد و ابن البرّاج و ابن حمزة، و قال المفيد:

و إن حدثت بالرجل عنّة بعد صحّته كان الحكم في ذلك كما وصفناه ينتظر إلى سنة بأن يعالج فيها و يصلح و كانت المرأة بالخيار، و قال الشيخ في التهذيب بعد نقل فتوى الشيخ المفيد قال: الحامل له على التسوية هو رواية: محمّد بن مسلم عن أبي جعفر، و رواية أبي الصباح الكناني و أبي البختري، و قال بعد نقل الروايات:

و الأولى عندي الأخذ بالخبر الذي رويناه و هو خبر إسحاق بن عمّار «1».

إذا عرفت موضع الخلاف: فلنذكر الأخبار و هي على صنوف:

الأوّل: ما يدلّ على أنّه إذا ثبت كونه عنينا يجوز لها المفارقة نحو:

1- صحيح أبي بصير المرادي- بقرينة رواية ابن مسكان عنه- قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على جماع أ تفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت» «2».

______________________________

(1)- المختلف: الفصل الرابع في العيوب و التدليس، 3- 4، لاحظ الحديث 8 من الباب 14 من أبواب العيوب.

(2)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 121

2- صحيح الكناني قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة ابتلي زوجها فلا يقدر على الجماع أبدا أ تفارقه؟ قال: «نعم إن شاءت» «1».

الثاني: على أنّه يؤجّل سنة نحو:

3- ما في رواية أخرى لابن مسكان عن أبي بصير: «ينتظر سنة فإن أتاها و إلّا فارقته فإن أحبّت أنّ تقيم معه فلتقم» 2.

4- صحيح ابن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «العنّين يتربّصن به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت و إن شاءت أقامت» 3.

5- صحيح أبي الصباح قال: «إذا

تزوّج الرجل المرأة و هو لا يقدر على النساء أجّل سنة حتّى يعالج نفسه» «4».

6- خبر أبي البختري عن جعفر عن أبيه عليهما السّلام: «إنّ عليا عليه السّلام كان يقول:

يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته فإن خلّص إليها، و إلّا فرّق بينهما» 5.

7- ما رواه عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد، عن علي عليه السّلام أنّه كان يقضي في العنّين أنّه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة 6.

الثالث: ما يدلّ على أنّها بالخيار إذا لم يقدر الإتيان على سائر النساء نحو:

8- ما رواه عمّار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه سئل عن رجل أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها؟ فقال: «إذا لم يقدر على إتيان غيرها من النساء فلا يمسكها إلّا برضاها بذلك، و إن كان يقدر على غيرها فلا بأس بإمساكها» 7.

الرابع: ما يدلّ على أنّه لو وقع عليها مرّة فلا خيار، و بهذا المضمون روايات نحو:

9- ما رواه المشايخ الثلاثة، عن أبان، عن عباد الضبي (و في الفقيه

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 6، 1 و 5.

(4)- 7- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث: 7، 9، 12 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 122

و التهذيب «غياث» مكان «عباد») عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في العنّين، إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء، فرّق بينهما و إذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما و الرجل لا يردّ من عيب «1».

و لعلّ التأجيل إلى سنة لتبيين الواقع و أنّه هل العجز حالة عرضية ترتفع بمرور سنة كما عليه الرواية الخامسة أو ليس كذلك؟ و على

ذلك فالصبر أمارة إلى تشخيص ما يعالج عمّا لا يعالج فلو صدق أهل الخبرة بأنّه أمر غير زائل، فلا وجه للصبر.

كما أنّ تمكّنه من الإتيان بسائر النساء أمارة أنّه حالة عرضية ترتفع بالمعالجة و أنّه ليس بعنين و أنّ عدم الانتشار لعلّة عارضة.

و بذلك يعلم حكم الصنف الرابع و أنّ الوقوع على المرأة مرّة أمارة أنّه ليس بعنّين لا أنّه إذا وقع على المرأة مرّة لا تردّ و إن علم أنّه صار عنينا إلى الأبد.

فالظاهر أنّ القيود ليست قيودا تعبّدية بل الكلّ أمارة الاستكشاف فلو علم المستكشف، فلا وجه للتثبّت.

العنن الطارئ:

إنّ مورد الروايات هو العنن المتقدّم على العقد أو المقارن معه، و أمّا الحادث بعد الدخول فهل يلحق بالمتقدم؟ الظاهر نعم، لوجود الإطلاق في رواية محمّد بن مسلم- (و إن قيّد بمرور السنة) و أبي الصباح و أبي البختري- كما ذكره شيخنا المفيد.

و أمّا استدلال الشيخ القائل بعدم الفسخ برواية إسحاق بن عمّار فهو ضعيف بغياث بن كلّوب، فالظاهر من الشيخ في العدّة أنّه عامل عمل

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث: 2. و لاحظ خبر إسحاق بن عمار برقم 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 123

الأصحاب برواياته، و بعد لم يوثق و الظاهر من ذكر النجاشي إيّاه أنّه إمامي و لكنّه مجهول أو مهمل.

و أمّا ما ذكره المحقّق: من تقييد الخيار بقوله: «لكن بشرط أن لا يطأ زوجته و لا غيرها، و لو وطأها و لو مرّة ثمّ عنّ إذا أمكنه وطئ غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر، فهو لأجل أنّ تمكّنه من وطء غيرها دليل على عدم كونه عنينا و- مع ذلك- فلو

طالت المدّة و صار الأمر حرجيا فترفع الشكوى إلى الحاكم و هو يأمر الزوج بالطلاق أو ينوب عنه لدفع الحرج المنفيّ في الشريعة.

و لو تمكّن دبرا لا قبلا، فالظاهر عدم سقوط خيارها لانسباق غيره من نصوص التقييد، خصوصا على القول بالحرمة.

الرابع مما يردّ به: الجبّ
اشارة

الجبّ بفتح الفاء: القطع، و يطلق على قطع الذكر، أو ما لا يبقى منه قدر الحشفة، و الجبّ بالضم: ركية البئر، و الجمع جباب.

و من الأوّل قوله: «الإسلام يجبّ ما قبله» و «التوبة تجبّ ما قبلها».

و قد أفتى بالخيار فيه الشيخ «1» و تردّد المحقّق في الشرائع، و قال في الحدائق:

لم ينقل فيه خلاف من الأصحاب- وجه التردّد- عدم ورود نصّ فيه بالخصوص و يمكن الاستدلال على الخيار بما ورد في صحيحة أبي بصير «فلا يقدر على جماع» «2» و رواية عباد «لا يأتي النساء» 3 و صحيح أبي الصباح الكناني «فلا يقدر على الجماع أبدا» 4 و لو سلّم أنّ موردها هو العنّين- على تأمل في بعضها- و الخصي، لكن مقتضى التعليل هو العموم.

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح: المسألة 124.

(2)- 4- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب الحديث 1، 2 و 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 124

نعم القدر المتيقّن من الجبّ ما ذكرناه، في صدر البحث و لو بقي و لو بمقدار الحشفة بحيث يتحقق معه الدخول، لا دليل على الخيار لقصور الدليل عن إثبات الخيار فيه.

الجبّ الطارئ على العقد

إذا طرأ الجبّ بعد العقد و قبل الدخول، أو طرأ بعده. فقال الشيخ، في الخلاف: «إذا حدث بالرجل جبّ أو جنون أو جذام أو برص لم يكن في حال العقد فإنّه لا يردّ إلّا في الجنون» «1». و به قال المحقّق في الشرائع، أمّا لو حدث الجبّ لم يفسخ به، و حكي عن جماعة أيضا كابن إدريس و العلّامة في الإرشاد لأصالة اللزوم، و لكونه كالخصاء الذي ذهب الأكثر إلى اشتراط سبقه، و أمّا القاضي ابن البرّاج فقد فصل بين ما يمنع

عن الجماع و ما لم يمنع و لم يفصل بين الجبّ قبل العقد و بعده «2».

و يمكن التفريق بين الجبّ و الخصاء بأنّ الثاني لا يمنع من الإيلاج، فاشتراط سبقه لا يصير دليلا على اشتراط سبقه في الجبّ بخلاف الجبّ بل هو كالعنين الطارئ، و لو قلنا بأنّ مدرك الحكم في الجبّ هو التعليل الوارد في روايات العنّين من «أنّه لا يقدر على الجماع» يكون القول بجواز الردّ مطلقا أقوى.

و أيّده في الجواهر بقوله: «و لا ينافي ذلك عدم ثبوت الحكم في العنن و الخصاء ضرورة عدم ملازمة اشتراكه معهما في الفسخ في حال «قبل العقد» لاشتراكه معهما في عدمه في الحال الآخر، لإمكان استقلاله بدليل يقتضي اختصاصه بذلك» «3».

و لكن التأييد ليس في محلّه لما عرفت من عدم الدليل المستقل في الجبّ

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب النكاح، المسألة: 127.

(2)- المهذّب: 2/ 233.

(3)- الجواهر: 30/ 329.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 125

سوى التعليل الوارد في الخصاء فكيف يمكن الحكم بتعميم العلّة مع عدمه في المورد.

نعم لو كفى ما ذكرنا من التمسك بالتعليلات و إلّا فلها رفع الشكوى إلى الحاكم حتّى يأمره بالطلاق إذا كان الأمر حرجيا.

و لو صدر الجبّ منها عمدا عنادا فالأقرب عدم تسلّطها على الفسخ، لأنّ المتبادر من الأدلّة أنّ تشريع الجواز امتنان منه سبحانه على الزوجة فلا تشمل الأدلّة لما كانت هي السبب لفوت حقّها.

و ربّما يقال بالجواز لأنّه كهدم المستأجر الدار المستأجرة لنفسه و عدم استلزام رضاها بالعيب رضاها بالنكاح.

يلاحظ عليه: أنّ باب النكاح يفارق باب الإجارة موضوعا و عدم رضاها بالنكاح ليس دليلا على جواز الفسخ إذا كانت الأدلة منصرفة عن هذه الصورة.

هذه العيوب الأربعة التي في

الرجل كاد أن يكون الردّ بها إجماعيا، و هناك عيوب اختلفت كالمتهم فيها فإليك البحث عنها.

الخامس و السادس: الجذام و البرص

فهل يجوز لها الردّ بهما، أو لا؟ ذهب القاضي إلى أنّهما من العيوب المشتركة، و قال: و أمّا ما يصحّ اشتراك الرجل و المرأة فيه فهو الجنون و الجذام و البرص و العمى «1» و يمكن ادّعاء الأولوية لأنّه إذا كان مجوّزا للفسخ في مورد المرأة مع أنّ بيده الطلاق أيضا لكان موجبا له في مورد الرجل بالطريق الأولى، إذ ليس لها حينئذ سوى الفسخ.

و أمّا الحرج فقد عرفت أنّه لا يثبت جواز الردّ و إنّما يلزمه الحاكم على رفعه

______________________________

(1)- المهذب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 126

بالطلاق، و لأجل بعض ما ذكرناه قال السيّد الاصفهاني في وسيلته: و قيل بكونهما من العيوب المشتركة بين الرجل و المرأة و هو ليس ببعيد، لكن لا يترك الاحتياط بإرضاء الزوج بالطلاق أو من طرف الزوج بتطليقها إذا أرادت الفسخ و فسخت النكاح.

و قد استدل على الجواز بالعدوى و أجاب عنه في الجواهر بأنّه يجب عليها التجنب لا الفسخ، و هو كما ترى، لأنّ التجنب طيلة سنين ليس أسهل من المعاشرة معها.

و ربّما يستدل على العدم بما ورد في رواية «عباد» أو «غياث» عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «في العنّين إذا علم أنّه عنّين لا يأتي النساء فرّق بينهما، و إذا وقع عليها وقعة واحدة لم يفرّق بينهما و الرجل لا يردّ من عيب» «1» و لا يخفى أنّ عمومه مخصص بما في صدره من ردّ الرجل بالعنّة، و لغيرها في سائر الروايات، و لعلّ هذا قرينة على المراد من العيب هو العيوب العرفية كعور

العين، و قصر القامة و غيرهما و اللّه العالم.

العيوب التي لا دليل على الفسخ بها

و هناك عيوب لا دليل على الفسخ بها في مورد الرجل و إليك الإشارة إليها:

1- العمى.

2- كونه خنثى.

3- كونه زانيا بعد العقد.

4- انتماء الرجل إلى قبيلة ثمّ تبيّن خلافه.

أمّا الأوّل: فقد ردّ بها القاضي ابن البرّاج في المهذّب «2» و حكى العلّامة في

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من ابواب العيوب، الحديث 2.

(2)- المهذب: 2/ 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 127

المختلف عن «كامل» القاضي أنّه خصّ الردّ بهذا بالمرأة و هو المشهور بين الأصحاب، و لم ينقل جواز الفسخ به في الرجل إلّا عنه و عن ابن الجنيد و لا دليل عليه، و أمّا العمى في المرأة فتردّ به بلا كلام كما سيجي ء. كلّ ذلك فيما إذا لم يكن هناك تدليس و إلّا فسيوافيك حكمه في محلّه.

و أمّا الثاني: فهو على قسمين:

قسم ثبت أنّه رجل فلا خيار، لأنّ الزائدة كالثقبة الزائدة و كذلك في جانب المرأة إذا ثبت أنّه امرأة فإنّ الزائد بمنزلة الاصبع الزائد. و الحاصل، إذا ثبت أنّه رجل و تمكّن من الوطء لا وجه للخيار إلّا فكرة النفرة و هي ليست مجوّزة للردّ، و إلّا جاز الردّ لأجل سوء الخلق و سوء رائحة الفم و غير ذلك من المنفرات.

و قسم لم يتبيّن كونه رجلا أو امرأة فحينئذ يحكم ببطلان العقد لعدم إحراز رجولية الزوج.

و أمّا الثالث: فقد مضى الكلام فيه عند البحث عمّا يحرم بالمصاهرة و قد دلّت بعض الروايات على أنّ الرجل إذا زنى قبل أن يدخل بزوجته يفرق بينهما «1» و لكنّها رواية شاذة لم يعمل بها و إنّما عمل بصحيحتي رفاعة بن موسى الدالّتين على عدم

التحريم «2».

و أمّا الرابع: أعني انتماء الرجل إلى قبيلة فتزوّجه بناء على ذلك فظهر خلاف ما ادّعاه فهل للمرأة الخيار أم لا، فقد تقدّم الكلام فيه.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 3، روى الصدوق، الأولى عن علي بن جعفر و الأخرى عن طلحة بن زيد.

(2)- الوسائل: 14 الباب 17 من أبواب العيوب الحديث 1 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 128

عيوب المرأة فهي ثمانية

اشارة

- على المشهور- 1- الجنون 2- الجذام 3- البرص 4- القرن

5- الإفضاء 6- العرج 7- العمى 8- الرتق

و إليك البحث عن الجميع واحدا تلو الآخر:

الأوّل: الجنون

لا خلاف في كونه موجبا للخيار نصّا و فتوى و يكفي في ذلك إطلاق صحيحة الحلبي و غيرها «1» و مقتضاه جواز الفسخ مطلقا سواء كان دائما أو أدواريا، عقلت وقت الصلاة أم لا.

نعم يشترط استقراره فلا عبرة بالمؤقت الزائل غير العاقد.

الثاني: الجذام

و هو بمعنى القطع لأنّه يقطع اللحم و يسقطه.

الثالث: البرص

و هو بياض يظهر في ظاهر البدن و ربّما يغيّر لون الإنسان إلى السواد، و على كل تقدير فالمرجع عند الاشتباه، أهل الخبرة و النصوص في المقام متضافرة مطلقة و تكفي في ذلك صحيحة الحلبي التي عرفتها و غيرها.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6، و لاحظ الأحاديث 1 و 2 و 5 و 11 و 13 من نفس الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 129

الرابع: القرن

و هو العفل و قد فسّر باللحم الذي ينبت في قبل المرأة، و قيل: هو ورم يكون بين مسلكي المرأة فينقبض فرجها حتّى يمنع الإيلاج و ربّما فسر بالعظم أو السن في الفرج.

ففي صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص، و الجذام، و الجنون، و القرن و هو العفل ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا» «1» و مثلها روايته الأخرى 2.

و قد عبّر عنه في الروايات بالعفل تارة «3» و هو الأكثر و بالقرن و القرناء أخرى «4» و لا حاجة إلى تحقيق حالهما من حيث اللغة بعد اشتراك الجميع في كون الفرج على حالة تمنع من الإيلاج سواء كان ناشئا من نبت اللحم أو العظم أو السن أو الورم.

و إنّما الكلام في أنّ المجوّز للردّ هل هو ما يمنع من الإيلاج بتاتا أو ما يعسر معه الإيلاج، الظاهر هو الثاني. و إن ذهب ابن البرّاج إلى الأوّل، قال في المهذّب:

و أمّا القرن فذكر أنّه عظم في الفرج يمنع من الجماع فإن لم يمنع من الجماع فلا خيار للزواج و إن منع منه كان له الخيار «5».

و

ربّما يؤيّد نظر القاضي بصحيح عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و قد مرّ و فيه «ما لم يقع عليها فإذا وقع عليها فلا» «6».

ببيان أنّ الوقوع عليه آية إمكان الوطء فلا خيار.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 13.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 5 و 6 و 10 و 13 و من الباب 8 الحديث 1 و 5.

(4)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 4 و الباب 3 الحديث 1 و 3.

(5)- المهذب: 2/ 234.

(6)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 130

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر منه هو التفصيل بين التصرّف فيها بعد العلم بالعيب و عدمه، حيث إنّ التصرّف رضا بالعقد فعدم الردّ ليس لعدم المجوز للفسخ و هو المانع عن الوطء بتاتا، بل لأجل المسقط و هو الوقوع عليها مع استشعاره حين العمل بأنّ فيها العفل، نعم لو لم يستشعر به و إن أحس عسر الإيلاج فلا دليل على سقوط الرد، بشهادة صحيح أبي عبيدة الحذّاء عن أبي جعفر عليه السّلام قال: في رجل تزوّج امرأة من وليّها فوجد بها عيبا بعد ما دخل بها فقال:

«إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فإنّها تردّ على أهلها من غير طلاق ...» «1» و نظيره رواية الحسن بن صالح «2» و خبر أبي الصباح 3.

و الظاهر هو العموم إذا كان العفل صادقا و هو لا ينفك عن الحرج عند الإيلاج، نعم لو أمكن الإيلاج مع العسر

و لكن بغير حرج. فالأحوط أن لا يفارقها، إلّا بطلاق و إن كان الأقوى جواز الردّ و الملاك هو عسر المجامعة.

الخامس: الإفضاء

و هو تصيير المسلكين واحدا، و لا كلام في كونه عيبا، و تدلّ عليه صحيحة أبي عبيدة الحذّاء «4».

نعم القول بالردّ فيها يحتاج إلى تخصيص ما دلّ على أنّ الرد منحصر في أربعة «5».

و ما دلّ على ما سوى العفل و البرص و الجذام و الجنون لا يرد به 6.

أو دلّ على الحصر لأجل لفظة «إنّما» في رواية الحلبي 7 و سيوافيك تحليله.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 1.

(4)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(5)- 7- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 2 و 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 131

السادس: العرج

و قد اختلفت كلمتهم فيه إلى أقوال:

1- من عدّه عيبا مطلقا و هو قول الشيخين في المقنعة و التهذيب و به قال ابن الجنيد و سلّار و أبي الصلاح و ابن البرّاج في الكامل و ابن حمزة.

2- عدم عدّه كذلك و هو ظاهر الشيخ في الخلاف، و ابن البرّاج في المهذب حيث لم يعدّاه منها.

3- التفصيل بين ما إذا كان بيّنا و هو خيرة الشيخ في نهايته، و ابن ادريس في السرائر، و العلامة في المختلف و ما إذا لم يكن كذلك «1».

4- التفصيل بين بلوغه حدّ الإقعاد و هو قول المحقّق في الشرائع و عدمه «2».

و يدلّ على الأوّل: صحيح داود بن سرحان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «ترد على وليّها، و يكون لها المهر على وليّها، و إن كان بها زمانة لا يراها

الرجال اجيزت شهادة النساء عليها» «3».

و موثق محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تردّ البرصاء و العمياء و العرجاء» «4».

و الروايتان صالحتان للاستدلال.

استدل للقول الثاني بأمور:

1- ورود الحصر في رواية الحلبي، حيث نقل الفقيه و الكليني، حيث قال:

______________________________

(1)- المختلف: 5/ 2، الفصل الرابع في العيوب.

(2)- جواهر الكلام: 30/ 335.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 9. حيث أورد صدر الحديث، و الباب 4، الحديث 1 ذيل الحديث.

(4)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 12، و رواه الفقيه مع «الجذماء» و لعلّها سقط من نسخ التهذيب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 132

إنّما يردّ النكاح من البرص و الجذام و الجنون و العفل «1».

2- وجود النفي في رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» قال: «و تردّ المرأة من العفل و البرص و الجذام و الجنون فأمّا ما سوى ذلك فلا» «2».

3- التنصيص على الأربعة في رواية عبد الرحمن الأخرى، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة تردّ من أربعة أشياء: من البرص و الجذام و الجنون و القرن و هو العفل ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا» «3».

و يمكن الإجابة عن الحصر المستفاد من «إنّما» في صحيحة الحلبي أنّ الحصر إضافي في مقابل الردّ بكونها عوراء حيث جاء في صدر الحديث: يتزوّج إلى قوم فإذا امرأته عوراء و لم يبيّنوا له قال: «لا تردّ»

ثمّ قال: «إنّما يردّ النكاح من البرص» الخ.

و ليس الحصر حقيقيا، كيف و الردّ بالمفضاة اتفاقي.

و أمّا قوله: «فأمّا ما سوى ذلك فلا» فهو في رواية عبد الرحمن أيضا إضافي في مقابل الزنا، حيث سئل السائل عن الزنا الواقع بعد العقد؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها ...»

و حاصله: أنّ له استرجاع مهر المسمّى و رفع مهر المثل، و أمّا الفسخ و الردّ فلا، و على ذلك فيكون قوله: «فأمّا ما سوى ذلك فلا» ناظرا إلى هذا النوع من العيب لا

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6 و 10.

(2)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 4، و أورد ذيله في الباب 1 الحديث 13 و مثل هذا التقطيع غير جائز على المحدث لأنّه مخل بالمقصود.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 133

سائر العيوب كالإفضاء و العرج. و بذلك يقرب كون النفي في رواية رفاعة بن موسى «1» من هذا القبيل و إن لم تكن القرينة موجودة فيها.

و أمّا التنصيص بالأربعة- في رواية عبد الرحمن الأخرى- فلو قلنا بأنّ للعدد مفهوما، يخصص المفهوم بما مرّ.

و أمّا القول الثالث: أعني تقييده بالبيّن، فلعلّه للفرار عمّا لا يعدّ عيبا عرفا من الميل الخفيف غير المحسوس، إلّا عن دقة لأنّ العرج في الأصل هو الميل و سمّي به لميل الرجل عن مكانها أو عن الاستقامة في المشي و نحوه فلا بأس بالقول باللزوم.

و أما القول الرابع: و هو قول المحقّق في الشرائع: حيث قال: أظهره دخوله في أسباب

الفسخ إذا بلغ الإقعاد، فلم يظهر له وجه، و لأجل ذلك جعله المحقّق الثاني- في جامع المقاصد- متّحدا مع القول الثالث، أي العرج البيّن، و لا يخفى ما في هذا التفسير من الإشكال، لأنّ العرج البيّن، أعم من الإقعاد و ربّما يكون أعرج بيّنا و لا يبلغ عرجه إلى حدّ الإقعاد.

و أسوأ منه الاستدلال عليها بما ورد في صحيح أبي عبيدة عن أبي جعفر عليه السّلام: «إذا دلّست العفلاء و البرصاء و المجنونة و المفضاة و من كان بها زمانة ظاهرة فانّها ترد على أهلها من غير طلاق» «2».

حيث فسّر كاشف اللثام الزمانة الظاهرة بما تؤدّي إلى الإقعاد «3».

يلاحظ عليه: أنّ تفسير الزمانة بالإقعاد، لا وجه له سوى وروده بعد العرجاء في رواية داود بن سرحان، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «تردّ على وليّها و يكون لها المهر على وليّها و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(3)- كما نقله في الجواهر، عن كشف اللثام.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 134

كان بها زمانة لا يراها الرجال أجيزت شهادة النساء عليها» «1».

و الزمانة في اللغة غير العرج و غير الإقعاد، و هو عبارة عن المرض المزمن الذي يدوم زمانا طويلا، كما في المصباح المنير، و التقييد بالظاهرة لأنّها على قسمين بين ظاهرة لا تحتاج إلى شهادة النساء، و خفية، أجيزت فيها شهادة النساء.

نعم إذا كان مطلق العرج موجبا للفسخ أو القسم البيّن منه فالإقعاد موجب له لكونه أسوأ حالا من العرج، بل هو أحد المصاديق الواضحة للزمانة.

فتلخّص

أنّ العرج موجب للفسخ إذا كان الزوج جاهلا به، و الأحوط لو لم يكن الأقوى هو الاكتفاء بالبيّن منه لا القسم الخفي الذي لا يعلم إلّا بالدقّة.

السابع: العمى

فإنّه موجب للخيار، و يدلّ عليه- وراء الاتفاق المحكي- صحيح داود بن سرحان، في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء؟ قال: «ترد على وليّها و يكون لها المهر على وليّها» «2».

و المراد من «أحمد بن محمّد» هو البزنطي الذي يروي كتاب داود بن سرحان، و العمى أمر عرفي يطلق على المستور و الظاهر إذا فقد النور و إن كانت العين مفتوحة و إن كان في الأصل هو الأوّل و لكنّه توسع فيه و أطلق على الثاني.

نعم، لا اعتبار بالعور و قد ورد به النص في صحيح الحلبي «3».

هذه هي العيوب السبعة، و الجواب عن الحصر و غيره في الثلاثة الأخيرة، واحد.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب الحديث 9. أورد صدر الحديث، و الباب 4، الحديث 2 أورد ذيل الحديث.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 6.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 135

الثامن: الرتق

و هو كون الفرج ملتحما على وجه ليس للذكر فيه مدخل على أساس الخلقة، و هو غير القرن الذي يعود إلى نبت اللحم أو العظم أو السن لكنّه يشترك معه في النتيجة و هو عدم تمكّن الزوج من الوطء فتشمله روايات القرن ملاكا، و لقوله عليه السّلام في صحيح الكناني الذي ورد في القرن فقال: «هذه لا تحبل و لا يقدر زوجها على مجامعتها تردّ على أهلها صاغرة و لا مهر لها» «1».

نعم، روى عبد اللّه بن جعفر في قرب الإسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن علي بن جعفر عن أخيه، قال: سألته عن امرأة دلّست نفسها لرجل و هي رتقاء؟

قال: «يفرق

بينهما و لا مهر لها» «2».

و يظهر من السرائر: أنّ الرتق هو نفس القرن، حيث قال: «الرتق لحم ينبت في الفرج يمنع دخول الذكر».

و على أي حال فيردّ بها، سواء قلنا بأنّه دخل في القرن موضوعا أو ملاكا.

و مع ذلك فقد يظهر من المحقّق التردّد فيه حيث قال: «الرتق أحد العيوب المسلّطة على الفسخ. و ربّما كان صوابا إن منع الوطء أصلا لفوات الاستمتاع إذا لم يمكن إزالته أو أمكن و امتنعت من علاجه» «3».

أمّا التردّد فلا وجه له، لورود الصحيح مع عدم الإعراض، و لعلّ من لم يذكره لكونه مشتركا مع القرن ملاكا أو موضوعا، و أمّا التقييد بأمرين فهو الحقّ فإنّه إذا أمكنت إزالته و لم تمتنع من علاجه، فلا وجه للردّ و فوت الاستمتاع في مدّة المعالجة لا يضرّ لأنّ القدر المتيقن من التعليل هو سلب القدرة مطلقا، لا أيّاما

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 4 و فيه تقطيع للحديث و لأجل ذلك نقلناه، عن الكافي: 5/ 408 باب المدالسة في النكاح، الحديث 18. و قريب منه رواية الحسن بن صالح لاحظ الحديث 3 من الباب 1 و 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 8.

(3)- الجواهر: 30/ 337.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 136

قلائل خلافا لصاحب الجواهر حيث قال: و فيه منع خصوصا على تقدير اندراجه في العفل.

يلاحظ عليه: أنّ الحكم كذلك في العفل لو قبل العلاج في أيّام قلائل فلا يترك الاحتياط بالردّ بالطلاق لو أراد الفراق.

قال ابن البراج في المهذب: «فإن أرادت هي إصلاح نفسها بذلك لا تمنع منه، لأنّه ممّا يداوى و يصلح بالدواء، فإن عالجت نفسها و زال

عنها ذلك سقط خيار الزوج معه، لأنّ الحكم إذا تعلّق بعلّة و زالت العلّة زال حكمها بزوالها» «1».

ثمّ إذا لم يتمكّن الزوج من الوطء و تمكّن غيره إذا كان نحيف الآلة يحكم بجواز الردّ، خلافا لصاحب المسالك حيث نفى الخيار مع عدم بلوغ الارتتاق حدّ المنع من الوطء و لو بنحيفها و هو غير تام إذا كانت على خلاف المتعارف و تمكن الفرد النادر لا يرفع كونه عيبا. نعم لو كان متعارفا، و كانت حشفة الزوج غير متعارف فلا يجوز له الردّ إلّا بالطلاق لعدم دخوله في القرن موضوعا أو حكما.

بقي الكلام في أمرين:

1- زنا الزوجة قبل دخول الزوج بها.

2- المحدودة في الزنا.

قال الصدوق: إذا زنت المرأة قبل دخول الرجل بها فرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث جاء من قبلها «2».

و قال المفيد و سلّار و ابن البراج و ابن الجنيد و أبو الصلاح، بالردّ في المحدودة «3» و في الكافي للأخير: إذا تزوّج الرجل فخرجت برصاء ... أو محدودة «4».

و لكن الشيخ قال بعدم الردّ في الأمرين، قال في النهاية: المحدودة من الزنا لا تردّ و كذلك التي كانت قد زنت قبل العقد فليس للرجل ردّها إلّا أن يرجع على

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 233- 234.

(2)- المقنع: 109.

(3)- المختلف الفصل الرابع: 2.

(4)- الكافي: 295.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 137

وليّها بالمهر و ليس له فراقها إلّا بالطلاق «1».

و قال في الحدائق: هذا هو المشهور بين المتأخرين.

أمّا المسألة الأولى: فقد أفتى الصدوق بالتفريق بينهما كما عرفت من المقنع.

و تدلّ عليه رواية السكوني عن جعفر بن محمّد عن أبيه عليهم السّلام قال: قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن

يدخل بها زوجها قال: «يفرّق بينهما و لا صداق لها، لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

و رواية الفضل بن يونس قال: سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فلم يدخل بها فزنت؟ قال: «يفرّق بينهما و تحدّ الحد و لا صداق لها» 3.

و الروايتان ناظرتان إلى الزنا قبل الدخول لكنّهما من حيث السند غير نقيّتين و لكن هنا روايتين صحيحتين إحداهما تفسّر الأخرى، هما:

1- صحيحة عبد الرحمن قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت قد زنت؟ قال: «إن شاء زوجها أخذ الصداق ممّن زوّجها و لها الصداق بما استحلّ من فرجها و إن شاء تركها» 4.

و قد أنكر الشيخ دلالة الرواية على جواز الردّ قائلا بأنّه ليس يمتنع أن يكون له استرجاع الصداق و إن لم يكن له ردّ العقد.

يلاحظ عليه: أنّ استرجاع الصداق مع حفظ المرأة جمع بين العوض و المعوّض و هو مستنكر عرفا فلو كان المقصود هذا، للزم التصريح به. و الظاهر من الرواية أنّ استرجاع المهر ممّن زوّجها كناية عن جواز الردّ. و على هذا يكون معنى قوله عليه السّلام: «إن شاء تركها» تركها على حالها و لا يردّها، و بالتالي لا يأخذ صداقها

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2) و 3 و 4- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 138

ممّن زوّجها.

و أمّا على تفسير الشيخ يكون معنى الجملة «ترك أخذ المهر».

2- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه قال: سألته عن المرأة تلد من الزنا، و لا يعلم بذلك أحد إلّا وليّها، أ يصلح

له أن يزوّجها و يسكت على ذلك إذا كان قد رأى منها توبة أو معروفا؟ فقال: «إن لم يذكر ذلك لزوجها ثمّ علم بعد ذلك، فشاء أن يأخذ صداقها من وليّها بما دلّس عليه، كان ذلك على وليّها، و كان الصداق الذي أخذت لها، لا سبيل عليها فيه بما استحلّ من فرجها. و إن شاء زوجها أن يمسكها فلا بأس» «1».

نعم، فرق بين الروايتين، فإنّ الأولى لا تأبى من الانطباق على الزنا بين العقد و الدخول، و لكن الثانية صريحة في الزنا قبل العقد، و من كان يقول بالردّ في الأولى يقول به في الثانية أيضا و مع ذلك فالروايات معرض عنها لم يعمل بها إلّا الصدوق.

و قال في الحدائق: و الأصحاب أعرضوا عن العمل بتلك الأخبار لمعارضتها بما هو أكثر عددا و أقوى سندا «2».

و قد استوفينا الكلام في المسألة عند البحث عن الكفاءة فراجع.

و أمّا الثانية، أعني: جواز ردّ المحدودة، فقد عرفت القائلين به و ليس لهم دليل سوى اعتبار عقلي من كونه عارا و ليس رفع العار منحصرا بالردّ بل يكون بالطلاق أيضا، مضافا إلى ما روي عن رفاعة بسند صحيح، سوى أنّ فيه «سهلا» الذي الأمر فيه سهل، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحدود و المحدودة هل تردّ من النكاح؟ قال: «لا» «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2)- الحدائق: 24/ 368.

(3)- الوسائل: 14 الباب 5 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 139

في أحكام العيوب و فيه مسائل:

المسألة الأولى: حالات في العيوب الطارئة للمرأة

ان للعيب حالات ثلاث:

1- ما يحدث قبل العقد.

2- ما يحدث بعد العقد و الدخول.

3- ما يحدث بينهما.

لا شك في جواز الردّ في الصورة الأولى و

هو القدر المتيقّن كما لا شكّ في عدم جوازه في الثانية «1» و لم يخالف فيه إلّا ابن الجنيد في خصوص الجنون على ما نسبه إليه في المسالك «2».

نعم نسب الجواز إلى الشيخ في الخلاف لكن كلامه خال عن التصريح بحدوث العيب بعد الدخول، غاية الأمر وجود الإطلاق المنزّل على الصورة الثالثة، أي بعد العقد و قبل الدخول، قال في الأوّل: إذا حدث بالمرأة أحد العيوب التي تردّ به و لم يكن في حال العقد فإنّه يثبت به الفسخ. و للشافعي فيه قولان، ثمّ قال: دليلنا عموم الأخبار التي وردت في أنّ له الردّ بهذه العيوب و لم يفصلوا بين عيب كان في حال العقد، و بين ما يحدث فيما بعد «3».

إنّما الكلام في الصورة الثالثة و قد عرفت فتوى الشيخ على الجواز في الخلاف

______________________________

(1)- لتضافر النصوص على العدم لاحظ الوسائل الجزء 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 14 و الباب 2 الحديث 3.

(2)- المسالك: 8/ 125.

(3)- الخلاف: 2، المسألة 128.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 140

و مثله كلامه في المبسوط «1».

و ذهب ابن البرّاج في المهذّب «2»، و ابن إدريس في السرائر «3» و المحقّق في الشرائع «4» إلى عدم الجواز

قال المحقّق: في المتجدّد بعد العقد و قبل الدخول تردّد، أظهره أنّه لا يبيح الفسخ تمسّكا بمقتضى العقد السليم عن المعارض.

و لم أر من المتأخرين، من مال إليه إلّا الشهيد في المسالك، حيث قال بعد توضيح خيرة المحقّق: و لا بأس بهذا القول و إن كان القول الآخر لا يخلو من قوة، و في الحدائق- بعد توضيح قول المشهور- قال: إلّا أنّه لا يخلو من نوع

توقف.

و يمكن الاستدلال على جواز الردّ بوجوه:

الأوّل: إطلاقات جملة من الروايات:

1- صحيح رفاعة و في سنده سهل بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «تردّ المرأة من العفل و البرص و الجذام و الجنون، و أمّا ما سوى ذلك فلا» «5».

2- صحيح محمّد بن مسلم قال: قال أبو جعفر عليه السّلام: «تردّ العمياء و البرصاء، و الجذماء و العرجاء» 6.

و ما ربّما يقال: من أنّه ليس في الروايات إطلاق يعمّ المتجدّد بعد العقد بل هي في مقام تعداد العيوب الموجبة للفسخ، غير تامّ، و إلّا لزم بطلان الإطلاق في أمثال «لا تعاد» لكونه في مقام التعداد مع أنّ السيرة على خلافه.

الثاني: الروايات المحدّدة لسقوط الخيار بالدخول، ففي صحيحة عبد الرحمن: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «7».

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 252.

(2)- المهذّب: 2/ 235.

(3)- السرائر: 2/ 613.

(4)- شرائع الاسلام: 2/ 320.

(5) و 6- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 7 و يتّحد معه رقم 11.

(7)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 141

و غيرها ممّا حدّد الخيار بالدخول و مقتضاه جواز الردّ في المتوسط لعدم حصول الغاية.

الثالث: إطلاق خبر عبد الرحمن: و تزوّج امرأة فوجد بها قرنا ... فقال: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «1».

فالحكم بالردّ من دون الاستفصال بين كونه قبل العقد أو بعده يوجب عمومية الحكم للمتقدّم و المتوسط «2».

هذا ما يمكن به الاستدلال على إطلاق الحكم، و الذي يصح أن يكون مقيّدا أمران:

الف: وجود التدليس في بعض الروايات، كصحيح أبي عبيدة الحذّاء «3» و صحيح قاسم بن بريد «بالباء» لا يزيد «بالياء» كما في المطبوع من

الوسائل، و محمّد ابن مسلم 4 و معتبرة قرب الإسناد 5 و هو دليل على وجود العيب قبل العقد، لكن المرأة دلّست نفسها.

ب- ظهور أكثر الروايات في العيب المتقدّم مثل قوله: عن رجل تزوّج فوجد بها قرنا «6». و قوله: يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء 7 و قوله: تزوّج امرأة فوجدها برصاء ... 8 إلى غير ذلك ممّا يشبهها.

أمّا الأوّل: فلظهور التدليس على تقدّم العيب على العقد. ذهب إليه صاحب الحدائق و الجواهر.

يلاحظ عليه: أنّه من المحتمل أن يكون القيد ناظرا لإخراج العالم بالعيب و إبقاء الجاهل، لا إلى إخراج العيب المتوسط بين العقد و الدخول، فلو كان

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(2)- جامع المدارك: 4/ 373.

(3) و 4 و 5- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 7 و 8.

(6) و 7 و 8- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 3 و 9 و 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 142

للقضية مفهوم فهو لإخراج خصوص العالم لا كل مورد لم يكن هناك تدليس كما عرفت في المتوسط بين العقد و الدخول.

و أمّا الثاني:- فمضافا إلى أنّ المورد لا يكون مخصّصا- أنّ ظهور أكثر الروايات في العيب السابق لأجل أنّ الغالب في أمثال هذه العاهات تقادم العهد، و لأجل ذلك عبّر بشكل ينطبق على العيب السابق، و الظاهر أنّ القول بثبوت الخيار في المتوسط من العيب أقوى لتحكيم الإطلاقات على أصالة اللزوم و أنّ المسقط هو التصرّف و الدخول، و اللّه العالم.

و ربّما يتمسك لإثبات الخيار في المتوسط بالاستصحاب التعليقي بأن يقال:

إنّ هذا العيب لو كان قبل العقد لكان موجبا للخيار و

الأصل بقاؤه على ما كان و هذا الاستصحاب حاكم على استصحاب لزوم العقد الثابت قبل حدوث العيب.

يلاحظ عليه: أنّ الاستصحاب التعليقي بهذه الصورة أشبه بالقياس و الذي نقول به في الاستصحاب التعليقي إنّما هو في مورد انطبق الحكم الكلي على الموضوع الخارجي كالعنب ثمّ حدث فيه تغيّر، فعندئذ يستصحب الحكم السابق الجزئي الثابت للشي ء الخارجي و ليس المقام كذلك لعدم سبق العيب، و عدم وجوده قبل العقد حتّى يشار به إليه و يقال إنّه كان كذا أو الأصل بقاؤه و استصحاب حكم العيب كليّا من دون الانطباق على الخارج أشبه بالقياس و التفصيل في محلّه «1».

المسألة الثانية: هل الخيار فوري أو لا؟

المشهور من كلامهم أنّ الخيار هنا فوري، للرجل كان أم للمرأة فلو علم من له الخيار و لم يبادر بالفسخ سقط الخيار، و علل: أوّلا: بالإجماع على الفورية،

______________________________

(1)- لاحظ المحصول: 4/ 75.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 143

و ثانيا: بأنّ الغرض من الخيار هو دفع الضرر بالتسلّط على الفسخ و هو يحصل بذلك، فيقتصر فيما خالف الأصل على مقدار ما يحصل به الغرض. و ثالثا: بما دلّ على أنّ عقد النكاح لا يقبل الإقالة و لا يصحّ جعل الخيار فيه فيجب الاقتصار على القدر المتيقّن فلو علم بالخيار و لم يتبادر بالفسخ سقط الخيار.

نعم صرّحوا بأنّ الجهل بالموضوع أو الحكم لا يسقطان الخيار، و لكن كما ترى.

أمّا الأوّل: فلأنّ ادّعاء الإجماع في مثل تلك المسألة ممّا يمكن استظهار حكمها من مثل الوجوه السابقة، غير صحيح لاحتمال استناد المجمعين إلى تلك الوجوه.

و أمّا الثاني: فانّما يصح لو كان مدرك الخيار هو: «قاعدة لا ضرر» فيقتصر بما يدفع به الضرر لا الروايات السابقة المطلقة.

و أمّا الثالث: فإنّما يتمّ

لو كان الزمان مأخوذا قيدا للموضوع بحيث يكون عقد النكاح في كل آن موضوعا مستقلا و خروجه في الآن الثاني مستلزما لتخصيص زمانه، لا ما إذا كان الزمان ظرفا بحيث يكون خروجه في آن أو في آنات تخصيصا واحدا كما في المقام، و على الثاني يكون المجرى، مجرى الأصل أعني استصحاب بقاء الخيار عند ما لم يتبادر بالفسخ لا التمسك بالإطلاق.

نعم، ربّما يقال بأنّ القول بالفورية- مع كون الجهل بالعيب و الحكم عذرا موجبا لبقاء الخيار- لا يجتمعان لأنّ الخيار حق واقعي لا يدور مدار العلم و الجهل، و هو في الواقع لا يخلو عن كونه مجعولا إمّا على نحو الفورية أو على نحو الإطلاق، إذ الإهمال بحسب الواقع لا يتصوّر، فلو كان مقيّدا فكيف يحكم ببقائه مع الجهل بالعيب و الحكم؟ و لو كان في الواقع مطلقا فكيف يحكم بلزوم العقد بمجرّد العلم بالعيب و الخيار؟

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 144

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يتم إذا كان هناك دليل واحد، و الدليل الواحد لا يتكفّل حكمين متضادين بخلاف ما إذا كان هناك دليلان، أحدهما يتكفّل فورية الحكم بالذات و الآخر يوسعه في حقّ الجاهل.

فلو كان الحكم في الواقع مضيّقا و فوريا بعد العقد فيمكن توسيعه في حقّ الجاهل بالعيب و الحكم، و مثله ما إذا كان الحكم في الواقع موسعا و غير مقيّد بالفورية، يمكن تضييقه و تقييده بالفورية في حقّ العالم بالعيب.

كل ذلك بالدليل الثاني و بذلك حاولوا حلّ مشكلة الدور في تخصيص حكم الجهر و الإخفات و القصر و الإتمام بالعالم بهما، فإنّ التخصيص بالدليل الواحد يستلزم الدور، لأنّ العلم بالحكم متوقف على وجود الحكم، فلو كان العلم

جزءا للموضوع يلزم توقف الحكم عليه و هو دور، و الجواب: أنّ التضييق حصل بالدليل الثانوي لا بالدليل الأوّلي. و على كل تقدير، فلو قلنا بعدم الفورية لأجل استصحاب الحكم فالخيار باق ما دام لم يدخل بها، فاذا دخل يسقط، اللهمّ إلّا أن يكون لبقائه موجبا- كما إذا امتنع عن الدخول- لصيرورتها كالمعلقة فيجبره الحاكم باختيار أحد الأمرين.

المسألة الثالثة: في أنّ الفسخ ليس طلاقا

إنّ الفسخ ليس بطلاق «1» لأنّه يحتاج إلى لفظ ماض و شروط مقررة، من حضور العدلين و كونها في غير طهر المواقعة، و عليه فلا يعدّ من الثلاثة المحرّمة و لا ينتصف به المهر إلّا إذا دلّ الدليل كما في العنّة، و سيوافيك أحكام المهر في المسألة السادسة.

______________________________

(1)- تقدم البحث عنه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 145

المسألة الرابعة: هل إعمال الفسخ يتوقّف على حكم الحاكم؟

هل يجوز للفاسخ من الرجل و المرأة التفرّد به، أو يتوقف على إذن الحاكم؟

قولان، المشهور جواز التفرّد إلّا إذا كانت في المقام خصومة لا تنقطع إلّا بحكم الحاكم و نظره فيفسخ بإذنه.

و نقل عن ابن الجنيد: أنّه إذا أريد الفرقة لم يكن إلّا عند من يجوز حكمه من والي المسلمين أو خليفته أو بمحضر من المسلمين إن كانا في بلاد الهدنة أو سلطان متغلب، و جعله الشيخ في المبسوط أحوط.

مقتضى الإطلاقات فيما إذا اتفقا على العيب هو التفرّد، و استقلال كل الفسخ. و في رواية علي بن أبي حمزة الواردة في الجنون: «لها أن تنزع نفسها منه متّى شاءت» و في روايات الخصاء: «يفرّق بينهما» و في العنن: «إن شاءت تزوّجت و إن شاءت أقامت» و في بعض آخر: «تفارقه إن شاءت» إلى غير ذلك من التعبيرات الصريحة في تفرّد الفاسخ. إلّا أن يقال إنّها بصدد بيان نفس الحكم و أمّا كيفية الإجراء فهي ساكتة عنها و بما أنّها ربّما تورث الخلاف و الشقاق فالأولى الرجوع إلى الحاكم، و الفسخ في حضوره و باذنه.

نعم، فيما إذا كانت هناك حاجة إلى ضرب الأجل، فلا يتفرّد إلّا برفع أمرها إلى الحاكم.

و في رواية البختري: أنّ عليا عليه السّلام كان يقول: «يؤخّر العنّين سنة من يوم ترافعه امرأته

فان خلص إليها و إلّا فرق بينهما» «1».

و في قرب الإسناد، عن علي عليه السّلام أنّه كان يقضي في العنين أنّه يؤجّل سنة من يوم ترافعه المرأة 2.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 9 و 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 146

المسألة الخامسة: إذا اختلفا في وجود العيب

إذا اختلفا في وجود العيب يرجع إلى الحاكم عند الاختلاف، فإن كان جليّا حكم بمقتضى ما ظهر له و إن كان خفيّا تجري فيه أحكام المنكر و المدّعي، فالقول قول منكر العيب إلّا إذا أقام الآخر البيّنة، لأنّ الأصل السلامة كما تجري فيه أحكام ردّ اليمين و النكول.

المسألة السادسة: في أحكام المهر عند الفسخ
اشارة

إذا فسخ الزوج أو الزوجة بأحد العيوب السابقة، فلا يخلو إمّا أن يكون الفسخ قبل الدخول أو بعده، و على التقديرين إمّا أنّ العيب متقدّم على العقد أو متأخر عنه و قبل الدخول أو بعده «1». بناء على الخيار في العيب الثابت بعد الدخول، ثمّ الفاسخ إمّا زوجة أو زوج، و على كل تقدير، إمّا أن يكون هناك مدلّس أم لا. فالصور أربعة و عشرون صورة كذا في الجواهر.

و لا يخفى، عدم بلوغ الصور الصحيحة إلى العدد المذكور.

أمّا أوّلا: فلأنّه كيف يمكن ضرب الاثنين (قبل الدخول و بعده) في الثلاثة كون العيب متقدّما على العقد، أو متوسطا بينه و بين الدخول، و متأخّرا عنه.

و ثانيا: قد مرّ البحث أنّ العيب الحادث بعد الدخول لا يوجب الفسخ و إنّما الخلاف في المتوسط.

إذا عرفت ذلك فلنقدم البحث عن أحكام صور فسخ الزوج.

صور فسخ الزوج

1- إذا فسخ الزوج قبل الدخول فلا مهر لها. لتضافر النصوص على ذلك

______________________________

(1)- قد تقدّم عدم جواز الفسخ في العيب المتجدّد بعد الدخول، و قد عمّم المشهور الحكم إلى العيب المتجدّد بعد العقد و قبل الدخول و إن خالفنا و قلنا بالفسخ فيه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 147

مثل قوله عليه السّلام في صحيح أبي عبيدة: «و إن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها و لا مهر لها» «1». و قوله عليه السّلام في صحيح أبي الصباح: «ترد على أهلها صاغرة و لا مهر لها» «2» و مثله خبر غياث بن إبراهيم 3 و هذا من غير فرق بين وجود مدلّس أو عدمه لعدم الغرامة حتّى يرجع إلى المدلّس، و بذلك يعلم أنّه ليس للتدليس تأثير في جميع الصور، نعم

له دور في الصورة الآتية.

2- إذا فسخ الزوج بعد الدخول دخولا غير مسقط للخيار كما إذا كان جاهلا بالعيب و إلّا يكون الدخول رضا بالنكاح، و سيجي ء الكلام فيه: استحقت الزوجة المسمّى من غير فرق بين كون العيب متقدّما على العقد أو متأخرا عنه، و قبل الدخول أو بعده خلافا للشيخ في العيب المتقدّم كما سيجي ء.

و يدلّ عليه: أوّلا: أنّ الزوجة بالدخول استحقت المسمّى بلا إشكال، و ليس الفسخ فسخا من أصله و إنّما هو فسخ من حينه فما وجب عليه من المهر و النفقة في الماضي لا يسقط بالفسخ.

و ثانيا: تضافر الروايات مثل رواية رفاعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قضى أمير المؤمنين عليه السّلام في امرأة زوّجها وليّها و هي برصاء، أنّ لها المهر بما استحلّ من فرجها «4». و صحيحة الحلبي «5» و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «6». و صحيحة محمّد ابن مسلم «7».

و للشيخ في المقام تفصيل قال: «إذا فسخ عند الدخول بين ما حدث العيب

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 4 و 14.

(4)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(5)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(6)- الوسائل: 14 الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 4.

(7)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، ذيل حديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 148

قبل الدخول و بعده قال: و إن كان (الفسخ) بعد الدخول، فان كان العيب حدث بعد العقد و قبل الدخول سقط المسمّى و وجب مهر المثل، لأنّ الفسخ و إن كان في الحال

فإنّه مستند إلى حال حدوث العيب فيكون كأنّه وقع مفسوخا حين حدث العيب «1».

و أمّا إن كان العيب حدث بعد الدخول استقرّ المسمّى لأنّ الفسخ إذا كان كالموجود حين حدوث العيب فقد حدث بعد الإصابة فاستقرّ المهر ثمّ فسخ بعد استقراره فلهذا لزمه المسمّى «2».

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّ الفسخ بالعيب الطارئ بعد الدخول لم يقل به أحد كما مرّ.

و ثانيا: أنّ تقدّم العيب أو توسّطه لا يوجب بطلان العقد و لا تنزّله منزلة العقد الفاسد حتى تلحقه أحكام العقد الفاسد فيرجع إلى مهر المثل، بل العقد يقع صحيحا، غاية الأمر يكون الفسخ فسخا من حينه لا من أصله حتّى يجب مهر المثل، و المفروض أنّها استحقت المسمّى بالدخول فلا وجه لسقوطه و إن كان العيب متقدّما على الدخول.

هذا إذا لم يكن هناك تدليس كما إذا لم يكن الزوج و لا المرأة واقفين على العيب فقد عرفت أنّه لا رجوع له بشي ء فتستحق المهر باستحلاله فرجها و لاستقرار المهر بالوطء.

3- إذا كان هناك تدليس، فمتى فسخ النكاح يرجع إلى المدلّس سواء كان المدلّس هو الوليّ أو نفسها. نعم لو كانت عارفة بالعيب و لم يكن المزوّج عارفا به يرجع إليها بالمهر إذا قبضته، و إن لم تقبضه لم تستحق شيئا.

و في صحيحة الحلبي، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل ولّته امرأة أمرها أو ذات

______________________________

(1)- و في المبسوط في المقام عبارة لا تتجاوز عن سطر و نصف كأنه زائد، أو تكرار للشق الأوّل.

(2)- المبسوط: 4/ 253.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 149

قرابة أو جار لها لا يعلم دخيلة أمرها فوجدها قد دلّست عيبا هو بها؟ قال:

«يؤخذ المهر منها و لا يكون

على الذي زوّجها شي ء» «1».

و في رواية رفاعة: «و لو أنّ رجلا تزوّج امرأة و زوجه إيّاها رجل لا يعرف دخيلة أمرها لم يكن عليه شي ء و كان المهر يأخذه منها» 2.

و الظاهر من الروايتين هو الرجوع عليها بالكلّ، غير أنّ لازمه هو خلوّ البضع من المهر فيجب عليه دفع مهر مثلها لأنّه العوض للبضع إذا وطأ لا عن زنا.

فان قلت: إنّ ظاهر الروايتين أنّ الدخول لا يكون مانعا من الردّ بالعيب السابق على العقد، أو المتوسط بين العقد و الدخول، مع أنّ هناك روايات تدلّ على سقوط الخيار بالدخول، ففي رواية عبد الرحمن: «إنّه يردّها ما لم يدخل بها» «3» و في روايته الأخرى: «تردّ من أربعة أشياء .. ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا» «4» و في رواية غياث بن إبراهيم: «و إذا دخل بها فهي امرأته» 5.

قلنا: يمكن الجمع بحمل الطائفة الثانية على الدخول بعد الوقوف على العيب، فإنّه يكون رضا بالعيب بخلاف الأوّل فإنّ حق الردّ باق إذا كان الدخول عن جهل، و تدلّ على هذا الجمع رواية الحسن بن صالح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:

«إن كان علم قبل أن يجامعها ثمّ جامعها فقد رضي بها، و إن لم يعلم إلّا بعد ما جامعها فإن شاء أمسكها، و إن شاء سرّحها إلى أهلها و لها ما أخذت منه بما استحلّ من فرجها» «6».

و مثلها، صحيحة أبي الصباح الكناني 7.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب العيوب، الحديث 4 و 2.

(3)- الوسائل: 14 الباب 3 من أبواب العيوب، الحديث 2.

(4) و 5- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب، الحديث 1 و 14.

(6) و 7- الوسائل:

14 الباب 3، من أبواب العيوب، الحديث 3 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 150

هذا كلّه إذا فسخ الزوج و إليك الكلام فيما إذا فسخت الزوجة.

صور فسخ الزوجة

إذا كان الفسخ قبل الدخول، فلا مهر لها، إلّا فيما سيأتي في موارد العنن، و يمكن الاستدلال عليه بوجوه:

1- صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة حرّة تزوّجت مملوكا على أنّه حرّ، فعلمت بعد أنّه مملوك؟ فقال: «هي أملك بنفسها إن شاءت قرّت معه و إن شاءت فلا، فإن كان دخل بها فلها الصداق و إن لم يكن دخل بها فليس لها شي ء، فإن هو دخل بها بعد ما علمت أنّه مملوك و أقرّت بذلك فهو أملك بها» «1».

و يتمّ الحكم في غير هذا العيب بعدم القول بالفصل.

2- التعليل الوارد في مورد فسخ الزوج- إذا زنت المرأة قبل الدخول- فيما رواه السكوني، عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السّلام قال: «قال علي عليه السّلام في المرأة إذا زنت قبل أن يدخل بها زوجها، قال: يفرّق بينهما و لا صداق لها لأنّ الحدث كان من قبلها» «2».

و مورد الرواية و إن كان فسخ الزوج لا الزوجة و لكن يمكن الاحتجاج بالتعليل على أنّه إذا كان الحدث «الفسخ» من ناحيتها، فلا مهر لها، سواء كان سببها، لأجل ارتكابها عملا شنيعا كما في مورد الرواية فيتسلّط الزوج على الفسخ أو لقيامها بالفسخ بنفسها، لعدم الرغبة في الزوج.

نعم لو كان الفسخ من جانبها لأجل العنّة الثابتة، ففي رواية أبي حمزة، قال:

سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «... فإن تزوّجت و هي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 11

من ابواب العيوب، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 14، الباب 6 من أبواب العيوب، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 151

فإنّ مثل هذا تعرف النساء فلينظر إليها من يوثق به منهنّ فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أن يؤجّله سنة فإن وصل إليها و إلّا فرّق بينهما و أعطيت نصف الصداق و لا عدّة عليها» «1».

و المراد من «أبي حمزة» هو سالم، والد علي بن أبي حمزة البطائني و هو يعد مهمل في الرجال و الإفتاء بها، من باب الاحتياط- و مع ذلك- فقد وصفه السيّد الخونساري بالصحّة في جامع المدارك «2».

و إن كان الفسخ بعد الدخول فعليه المهر لأنّه يستقرّ بالدخول و ليس للفسخ دور في إسقاط ما ثبت بالعقد و استقرّ بالدخول.

أضف إليه، أنّه لم يستحلّ فرجها بلا عوض، بل في مقابل المهر، و العدول عنه إلى المثل أو عدم الدفع أصلا يحتاج إلى الدليل.

إنّما الكلام في الخصاء ففيه احتمالات:

1- إلحاقها بسائر العيوب، فلو فسخت قبل الدخول ليس لها شي ء و إن فسخت بعده فلها المهر كاملا.

2- إنّ عليه نصف الصداق مطلقا، و هو رأي علي بن بابويه كما نقله عنه العلّامة في المختلف «3» و عليه الفقه الرضوي.

3- إنّ لها المهر كاملا مع الخلوة، ذكره الشيخ في النهاية، و قال: «و إن كان قد خلا بها كان للمرأة صداقها منه و على الإمام عليه السّلام أن يعزّره لئلّا يعود إلى مثل ذلك» «4».

أمّا الأوّل: فهو مقتضى القاعدة، أمّا قبل الدخول لما عرفت من الروايتين «5» و الأولوية، و أمّا بعده فلأجل استقرار المهر بالدخول و إنّما المنصّف هو الطلاق

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

(2)- جامع

المدارك: 4/ 377.

(3)- المختلف: 5/ 5، الفصل الرابع في العيوب و التدليس.

(4)- النهاية: 488.

(5)- صحيح محمّد بن مسلم و موثق السكوني الماضيين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 152

قبله.

و تدلّ عليه أيضا صحيحة ابن مسكان قال: بعثت بمسألة مع ابن أعين قلت: سله عن خصيّ دلّس نفسه لامرأة و دخل بها فوجدته خصيّا؟ قال: «يفرّق بينهما و يوجع ظهره و يكون لها المهر لدخوله عليها» «1».

و الدخول ظاهر في معناه المتبادر لا الخلوة.

و عليه تحمل موثقة سماعة، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّ خصيّا دلّس نفسه لامرأة؟ قال: «يفرّق بينهما و تأخذ منه صداقها و يوجع ظهره كما دلّس نفسه» 2.

و أمّا الثاني: فلم نجد له دليلا غير الفقه الرضوي و هو يحتمل أن يكون نفس رسالة علي بن بابويه، و عبارة ابن بابويه و الفقه الرضوي في المقام متّحدان.

و أمّا الثالث: فهو مبنيّ على تفسير الدخول، في صحيحة ابن مسكان بالخلوة و عليها حملت موثقة سماعة، و قد عرفت أنّه على خلاف الظاهر.

بقيت في المقام: رواية علي بن جعفر «3» في قرب الإسناد، من التفصيل بين الدخول فالمهر كلّه و عدمه فالنصف، فهي ممّا لم يعمل بها أحد فإنّها تتعامل مع الفسخ معاملة الطلاق، و قد عرفت أنّه غيره و الأخذ به مشكل حسب المبنى في الأخبار المعرض عنها.

المسألة السابعة: كون العيب جليّا أو خفيا:

إذا كان العيب جليا فقطع المنازعة سهل، و أمّا إذا كان خفيّا فيثبت بالبيّنة العارفة للعيب كالبرص و الجذام، إنّما الكلام في العنن الذي لا يعلم إلّا من قبل صاحبه فهو يثبت بالطرق التالية:

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 13 من أبواب العيوب الحديث، 3 و 2.

(3)- الوسائل: 14 الباب 13 من

أبواب العيوب، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 153

1- إقرار الزوج.

2- البيّنة على إقراره.

3- نكول الزوج عن الحلف لو قلنا بالقضاء به من دون حاجة إلى ردّها إلى المدّعي.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 153

4- باليمين المردودة منه إلى الزوجة، روى الصدوق مرسلا أنّه يعرف به.

5- بالقعود في الماء البارد فإن تشنج حكم بقوله، و إن بقي مسترخيا حكم لها «1».

6- و بأنّه يطعم السمك الطريّ ثلاثة أيّام ثمّ يقال: بل على الرماد «2». فإن ثقب بوله الرماد فليس بعنّين، و إن لم يثقب بوله الرماد فهو عنّين.

7- و بأنّ القابلة تحشو المرأة الخلوق و لا تعلم الرجل و يدخل عليها الرجل فإن خرج و على ذكره الخلوق كذبت و صدق، و إلّا صدقت و كذب «3».

8- تستذفر المرأة فرجها الزعفران ثمّ يغسل ذكره، فإن خرج الماء أصفر صدّقه و إلّا أمره بالطلاق 4 و إليك البحث واحدا بعد الآخر.

أمّا الأوّل و الثاني: فلا شكّ في الثبوت بهما، و أمّا الثالث: فهو مبنيّ على القضاء بالنكول، و هو مورد بحث، و أمّا الرابع: فربّما يبتنى الحكم به على القاعدة المعروفة من أنّ اليمين المردودة كبينة المدّعي أو كإقرار المنكر فإن قلنا بالثاني، تكون اليمين نافذة، و إن قلنا بالأوّل يشكل الأمر، لأنّ بيّنة المدّعي في المقام غير مسموعة لعدم معلومية الموضوع «العنن» إلّا من جانب نفس الرجل فتتعذّر إقامة البيّنة عليه فكيف تكون اليمين- القائمة مقام البيّنة- نافذة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 4.

(2)- الوسائل: 14 الباب 15 من

أبواب العيوب، الحديث 5.

(3) و 4- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 154

يلاحظ عليه: أوّلا: أنّه إذا أقامت بيّنة على إقراره بالعنن تسمع منها، و إن كانت لا تسمع في نفس العنن، فلا يصحّ طرد بيّنتها على الإطلاق، و بالتالي لا يمكن طرد يمينها كذلك.

و ثانيا: نمنع تعذّر إقامة البينة فانّ التعرّف عليه من طريق الأجهزة العلمية ليس أمرا مشكلا فينفذ شهادة الطبيب العادل على كونه عنينا، و أمّا إثباتها بالطرق الأربعة فالأوّل و الثاني و الرابع غير نقي السند و الثالث صحيح السند، و الظاهر أنّه ليس حكما تعبديا بل لأجل كونه مفيدا لليقين.

هذا كلّه إذا ادّعت العنن و صار مصبّ الدعوى.

و أمّا إذا كان مصبّ الدعوى الوطء فله صورتان:

الأولى: لو ادّعى الوطء و أنكرت قبل ثبوت العنن.

الثانية: إذا ادّعى الوطء بعد ثبوت العنن و رفعت أمرها إلى الحاكم و أجّله سنة، و هو مفروض الشرائع.

ففي الصورة الأولى: القول قوله، لأنّ ظاهر الدعوى و إن كان يفترض الرجل مدّعيا للوطء، و المرأة منكرة له، لكن لبّ الدعوى يرجع إلى أمر آخر، و هو أنّ المرأة تدّعي العنّة و الرجل ينكرها فيؤخذ بقول المنكر بيمينه، بناء على أنّ الميزان في تميّز المدّعي و المنكر هو نتيجة الدعوى لا ظاهرها.

و يدلّ عليه ما رواه الشيخ في الصحيح عن أبي حمزة، قال: سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «إذا تزوّج الرجل المرأة الثيب التي قد تزوّجت زوجا غيره فزعمت أنّه لم يقربها منذ دخل بها، فانّ القول في ذلك قول الرجل و عليه أن يحلف باللّه لقد جامعها لأنّها المدّعية» «1».

و في الفقه الرضوي

«إذا ادّعت أنّه لا يجامعها عنّينا كان أو غير عنين فيقول

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 155

الرجل أنّه قد جامعها، فعليه اليمين و عليها البيّنة لأنّها المدّعية».

و لا يخفى أنّ القول بتقديم قوله مطلقا ينافي التفصيل بين البكر و الثيب في رواية أبي حمزة فلو كان المستند هي فينبغي التفصيل.

و أمّا الصورة الثانية: أعني ما إذا ادّعى الوطء بعد ثبوت العنن و ضرب الأجل ففيه قولان:

1- ما ذهب إليه المحقّق في الشرائع: من أنّ القول قوله مع يمينه: و هو خيرة أبي حنيفة و أصحابه و الشافعي و الثوري.

2- ما اختاره الشيخ في الخلاف: و قال: روى أصحابنا أنّه تؤمر المرأة أن تحشو قبلها خلوقا فإذا وطأها و كان على ذكره أثر الخلوق علم أنّه أصابها، و إن لم يكن علم أنّه لم يصبها- و قال:- و هذا هو المعمول به «1» و قال الأوزاعي: يخلى بينهما و يكون بالقرب منهما امرأتان من وراء الحجاب فإذا قضى وطره بادرتا إليها، فإن كان الماء في فرجها فقد جامعها و إن لم يكن في فرجها ماء فما جامعها 2.

و القولان يدوران على أنّ المورد من موارد الرجوع إلى الأمارات المفيدة للاطمئنان كما عليه القول الثاني أو من موارد الرجوع إلى الأصل القضائي المسلّم، من أنّ البيّنة للمدّعي و اليمين على من أنكر، و لأجل عدم تمكّن المدّعي منها ينحصر الحلّ في حلف المنكر.

و لا يخفى أنّه لو أمكن كشف الحال عن طريق مورث لليقين فهو مقدّم على علاج القضية عن طريق إعمال قاعدة «البينة للمدّعي و اليمين على من أنكر» لانصرافها إلى غير هذا

المورد. إنّما الكلام إذا لم يتمكّن القاضي حلّ العقد، عن طريق إعمال الأمارات المورثة لليقين لضيق الوقت أو غيره فيقع الكلام في تشخيص المدّعي و المنكر.

______________________________

(1) و 2- الخلاف: 2 كتاب النكاح المسألة 140.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 156

و من المعلوم وجود الفرق الواضح بين الصورتين، ففي الصورة الأولى لم يثبت كونه عنينا فهي المدّعية و هو المنكر لموافقة قوله أصل السلامة بخلاف الصورة الثانية فقد ثبت العيب و ضرب الأجل، فصار الرجل مدّعيا لزوال ما ثبت.

و على ذلك فلا يمكن إجراء ما قيل في الصورة الأولى من أنّ اليمين يمينه في هذه الصورة.

و مع هذا الفرق الواضح بين الصورتين فقد ذهب المحقق الكركي إلى نفس ما عرفته في الصورة الأولى و قد استدلّ له بوجوه:

1- بأنّه من الأمور التي لا يعلم إلّا من قبله كانقضاء العدّة بالإقرار.

2- و بأنّه لم يثبت العنن و إنّما الثابت العجز، و هو ليس موضوعا لحكم شرعي، و العنن لا يثبت إلّا لمرور سنة فإن وطأ دلّ على عدمها و إلّا ثبت العنن فحينئذ يؤخذ بقول الرجل في نفي العنن فيقبل، لكونه موافقا للسلامة.

3- و استصحاب العجز لا يثبت العنن لأنّه من الأصول المثبتة لأنّ العجز إلى سنة لا يلازم العنن الشرعي، فإن ثبت بالوجدان يؤخذ و إلّا فلا يثبت الاستصحاب.

4- و لإطلاق صحيحة أبي حمزة الماضية، حيث إنّ إطلاقها يعمّ الصورتين و قد قدّم فيها قول الرجل و عليه أن يحلف أنّه جامعها لأنّها المدّعية «1».

يلاحظ عليه: بأمرين:

1- أنّ المدّعي و المنكر من المفاهيم العرفيّة فيجب في تميز أحدهما عن الآخر، الرجوع إلى العرف و لا شكّ أنّ المرأة في الصورة الأولى هي المدّعية،

لأنّها تدّعي أمرا على خلاف أصالة السلامة الحاكمة على جميع الأفراد فهي تدّعي شيئا جديدا، لو تركت ترك.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 15 من ابواب العيوب الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 157

و هذا بخلاف الصورة الثانية: فالمرأة لما أثبتت عجز الرجل عن الوطء بإقراره أو غيره و أجّله الحاكم إلى سنة انقلبت القاعدة فصار العجز في مورده أمرا مسلّما، و خلافه أمرا طارئا جديدا فعندئذ ينقلب الأمر و يكون الرجل هو المدّعي و المرأة هي المنكرة، فاليمين يمينها.

2- لو قلنا بإطلاق صحيح أبي حمزة يأتي التفصيل بين الثيّب و البكر، فالمرجع في الثانية هو الرجوع إلى القرائن لا اليمين.

المسألة الثامنة: إذا ثبت العجز فالخيار للمرأة:

إذا ثبت العجز بأحد الوجوه السابقة فالمرأة مخيرة بين أمرين:

1- الصبر و المقام معه لأنّ الخيار حقّ لها، فلها الأخذ بأحد طرفيه و إذا أعلنت بالصبر فمعناه إسقاط الخيار فلا يعود بعده و هو حقّ واحد يسقط تمامه، و الفرق بينه و بين الإيلاء واضح لأنّ حقّ المواقعة حقوق متجدّدة في كل أربعة أشهر فلها إسقاطه في فترة دون فترة، كما أنّ لها إسقاطه جميعا مرّة واحدة لوجود المقتضي أعني العقد، و يدلّ عليه مرسل الفقيه: «متى أقامت المرأة مع زوجها بعد ما علمت أنّه عنين و رضيت به لم يكن لها خيار بعد الرضا» «1».

و إذا أجّله الحاكم سنة فهل لها الإسقاط في أثنائها؟ الظاهر، نعم و ليس من قبيل إسقاط ما لم يجب أو لم يثبت لوجود المقتضي و هو العقد، و على ذلك مشى الفقهاء في باب الضمان و إسقاطه فلو كان المقتضي موجودا كفى في تضمينه أو إسقاطه، فإذا باع شيئا و احتمل كونه مستحقا للغير كفى في

أخذ الضامن وجود المقتضي و إن لم يثبت كونه كذلك.

2- أن ترفع أمرها إلى الحاكم فهو يؤجّلها سنة من حين المرافعة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 158

أمّا التأجيل سنة فتدلّ عليه نصوص كثيرة، منها: رواية أبي حمزة «6» كما عرفت، و صحيح محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «العنّين يتربصن به سنة ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت و إن شاءت أقامت» «1» و غيرهما 2.

و الظاهر أنّ ضرب الأجل للاستظهار فإذا تبيّن كونه عنّينا، فالقول بلزوم مضي سنة، يحتاج إلى دليل حاسم.

و على ذلك يحمل ما دل على التفريق من دون ذكر التأجيل مثل خبر غياث ابن إبراهيم «3» و أبي الصباح الكناني «4».

و هل الامتناع عن رفع المرافعة يقتضي سقوط الخيار؟ قيل: الظاهر ذلك لو قلنا بفورية الخيار و لكن لا دليل على الفورية.

نعم لو كان الامتناع ظاهرا في الرضا بالنكاح كان مسقطا و إلّا كما صرّح بأنّ الامتناع ليس عن رضى به فلا يسقط.

و على أي حال فإن واقعها أو واقع غيرها فلا خيار لعدم العنن، و الاكتفاء بوقاع غيرها لأجل أنّه دليل على أنّه ليس بعنين و إلّا لما كان هناك فرق بين المرأتين.

نعم لو استمرّ الحال إلى حدّ حرجي فلها أن ترفع الشكوى إلى الحاكم فيأمره بالطلاق رفعا للحرج.

و على كلّ تقدير، فلو فسخت فعليه نصف المهر بلا خلاف و تدلّ عليه صحيحة أبي حمزة و ما في قرب الإسناد «5» «من تمام المهر» لا يقاومها.

***

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 5 و 9.

(3)- الوسائل: 14 الباب 1 من أبواب العيوب،

الحديث 14.

(4)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 6.

(5)- الوسائل: 14 الباب 14 من أبواب العيوب، الحديث 13.

(6)- الوسائل: 14 الباب 15 من أبواب العيوب، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 159

في التدليس و أحكامه

التدليس تفعيل من الدلس و هو تارة بمعنى الظلمة، و أخرى بمعنى الخدعة، و كأنّ البائع لمّا أتى بالمعيب أو الناقص، و قد كتم عليه عيبه أو نقصه كأنّه أتاه في الظلمة، و في ثوب الخدعة.

و التدليس يتحقق بأن يصف مورد العقد و يتبين الخلاف أو يسكت، و على الثاني، إمّا أن يكون العيب خفيّا، أو جليا فعلى الأوّل، يصدق الغش و التدليس سواء كان المفقود وصف كمال أو وصف السلامة، و على الثاني: فالسكوت عن العيب الخفيّ الذي لا يظهر بالاختبار المتعارف قبل المعاملة غش، و أمّا العيب الظاهر فليس ترك إظهاره غشّا اللّهمّ إلّا إذا أظهر سلامته على وجه يعتمد عليه كما إذا فتح قرآنا بين يدي الأعمى فأظهر أنّه بصير يقرأ فاعتمد المشتري عليه على ذلك و أهمل اختباره.

و أمّا وصف الكمال فليس السكوت عنه غشّا إلّا إذا أظهر كونه واجدا له كما إذا أعطى للعبد قلما و قرطاسا مشعرا بأنّه بصدد كتابة الرسالة، و تدلّ بالملازمة على كونه كاتبا، هذا حسب اللغة، و أمّا موارد الشكّ فيرجع فيه إلى الأصل الموجود في المسألة.

ثمّ إنّ التدليس في موارد العيوب المجوّزة للفسخ لا يكون مؤثّرا لأنّ الفسخ هناك دائر مدار العيب سواء كان هناك تدليس أو لا، و إنّما يؤثّر التدليس في الرجوع في المهر فيرجع إلى المدلّس وليّا كان أو غيره فيما إذا تعلّق بذمّته المهر، كما

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2،

ص: 160

إذا فسخ بعد ما دخل بها جاهلا بالعيب.

نعم، التدليس في مورد غير العيوب المنصوصة يؤثّر في جواز الفسخ و لولاه لم يكن له الفسخ سواء كان التدليس بإخفاء العيب كوصل الشعر أو باظهار وصف كمال فيه، لكن إذا اشترط في العقد عدم النقص أو وصف الكمال أو عقد بنحو التوصيف كما إذا قال: زوّجتك هذه الباكرة، أو غيره الثيبة، أو وصفها بصفة الكمال أو عدم النقص قبل العقد، عند الخطبة و المقاولة، ثمّ أوقع العقد مبنيّا على ما ذكره فإنّه بمنزلة الاشتراط، بل يمكن الاكتفاء بما إذا كان التزويج حسب العادة مبنيا على عدم ذاك النقص أو وجود وصف الكمال، فكان عدمه أو وجوده قيدا للمعقود عليه و إن لم يتلفّظ به.

و ذلك ككون المرأة ذات شعر أو باكرا في عرف بلادنا و إن لم يكن الثاني كذلك في المناطق الأوربية- على ما يحكى-.

ثمّ إنّ المحقق رتّب على هذا الأصل مسائل نقتصر بالموارد اللازمة.

المسألة الأولى: إذا تزوّج امرأة على أنّها بكر فبانت ثيبا إذا تزوّج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيبا، فله صور:

إذا شرط الزوج البكارة في العقد أو ذكرها وصفا أو أخبر الوليّ بأنّها بكر فعقد بانيا عليه، أو أقدم عليه على الوجه المألوف بين البنات، و على التقادير الأربعة إمّا أن يثبت بإقرارها أو بالبيّنة كونها ثيبا قبل العقد، أو ثبت كونها كذلك بعده، أو يشتبه الحال، فتكون الصور اثني عشر.

ثمّ إنّه يقع الكلام تارة في جواز الفسخ، و أخرى في تنقيص المهر إذا لم يكن له الفسخ أو كان و اختار المقام معها.

أمّا الأوّل أي جواز الفسخ ففيه قولان:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 161

الف- ما

يظهر من الشيخ و الحلبي و ابن البرّاج و العلّامة من أنّه ليس له الردّ.

1- قال في النهاية: إذا عقد على امرأة على أنّها بكر فوجدها ثيّبا لم يكن له ردّها غير أنّ له أن ينقص من مهرها شيئا «1».

2- قال الحلبي: و إن تزوّج بكرا فوجدها ثيّبا فأقرّت الزوجة بذلك حسب، أو قامت به البيّنة فليس بعيب يوجب الردّ إلّا نقصانا في المهر، و إن فقدت البيّنة و الإقرار فقذفها الزوج بذلك عزّر «2».

3- و قال ابن البراج: إذا تزوّج امرأة على أنّها بكر فوجدها ثيبا، جاز أن ينقص من مهرها شيئا و ليس ذلك بواجب «3».

4- قال العلّامة في التحرير: لو تزوّج و شرط البكارة فخرجت ثيّبا، لم يكن له الفسخ و كان له أن ينقص من مهرها شيئا و هو ما بين مهر البكر و الثيّب و يرجع فيه إلى العادة «4».

و استدل له بصحيحة محمد بن القاسم بن الفضيل عن أبي الحسن عليه السّلام في الرّجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّبا أ يجوز له أن يقيم عليها؟ قال: فقال:

«قد تفتق البكر من المركب و من النزوة» «5».

و الظاهر من الحديث، هو دفع ظن ورد في خلد الزوج و هو أنّها كانت مزوّجة أو زانية، و هو أنّ للثيبوبة عللا أخرى و بذلك يصدّ سوء الظن، و أين هو من القول بعدم جواز الفسخ.

و بالجملة: أنّ السائل سأله أنّه هل يقيم عليها أو لا؟ لأجل احتمال كونها

______________________________

(1)- النهاية: 486.

(2)- الكافي: 296.

(3)- المهذّب: 2/ 213.

(4)- التحرير: كتاب النكاح: 30- 31.

(5)- الوسائل: 14 الباب 10 من أبواب العيوب، حديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 162

زانية فدفع الإمام

عليه السّلام سوء الظن، بأنّ الثيبوبة ليست دليلا على الزنا فقم عليها.

و أين هذا من أنّه لا يجوز له الفسخ إذا ثبت ثيبوبتها بالمقاربة؟

ب- ما يظهر من المحقق من التفصيل بين كونها ثيّبا قبل العقد، و بين طروئها بعده، أو احتمال طروئها كذلك فلا فسخ، قال: إذا تزوّج امرأة و شرط كونها بكرا فوجدها ثيّبا لم يكن له الفسخ لإمكان تجدّده بسبب خفي.

توضيح أحكام الأقسام 1- إذا لم يكن هناك اشتراط و لا توصيف و لا بناء و لا عادة جارية بيد أنّه تزوّج الرجل بزعم أنّها بكر فبان خلافه، فليس له الردّ و لا النقص لأنّ الثيبوبة ليست عيبا مجوزا للفسخ.

2- إذا كان هناك أحد الأمور الأربعة فظهر الخلاف و ثبت بإقرارها أو بالبيّنة تقدّمها على العقد، فالأقوى جواز الردّ لفوت الشرط المقتضي للتخيير أو فوات ما يقوم مقامه «1».

3- و لو ثبت تأخّرها عن العقد فلا خيار لعدم المقتضي بل حتى و لو لم يثبت تأخرها عن العقد بل احتمل، و ذلك لأنّ الخيار خلاف الأصل فهو يحتاج إلى الدليل، فأصالة اللزوم محكمة ما لم يثبت جوازه. نعم استصحاب عدم طروئها إلى زمان العقد، لا يثبت تأخّرها عنه فالمحكّم هو استصحاب اللزوم لا هذا. ثمّ إنّه متى فسخ فإن كان قبل الدخول فلا شي ء لها و إن كان بعده فيستقرّ عليه المهر و يرجع به على المدلّس، و إن كانت هي المدلّسة فلا شي ء لها.

نعم يجب عليه دفع شي ء إلى الزوجة مما يصلح أن يقع مهرا لبطلان خلو الانتفاع من البضع بلا شي ء.

هذا كلّه في الردّ.

______________________________

(1)- قال السيد الاصفهاني في الوسيلة: كتاب النكاح، القول في العيوب، المسألة 16.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 163

أمّا الثاني أي تنقيص المهر فمورده، اثنان:

1- إذا جاز له الفسخ لأجل التدليس لكن أراد المقام معها.

2- إذا لم يكن له الفسخ كما إذا اعتقد أنّها بكر من دون وجود ما يدلّ على الالتزام.

أقول: الظاهر من عبارتي أبي الصلاح و ابن البرّاج، عدّة أقوال ذكرها العلّامة في المختلف:

1- ينقص من مهرها شيئا من دون تقدير، و هو مختار الشيخ في النهاية و هو أمر مبهم يجب تقديره.

2- إنّ الناقص هو السدس، نقل عن القطب الراوندي محتجّا بأنّ الشي ء في عرف الشرع هو السدس و لذا حمل عليه في باب الوصية.

3- قال ابن إدريس: ينتقص من المسمّى مقدار مثل ما بين مهر الثيّب و البكر.

و أورد عليه: أنّه ربّما يستلزم سقوط المهر بالكلّية و ذلك لو فرضنا أنّ مهرها بكرا خمسون، و ثيّبا أربعون و كان المسمّى عشرا فلو كان الساقط هو التفاوت الموجود بين المهرين يلزم أن لا يدفع لها شي ء.

4- إنّ الساقط نسبة ما بين مهرها بكرا و ثيّبا، ففي الصورة المزبورة يسقط خمس العشرة، لأنّ نسبة التفاوت بين الخمسين و الأربعين هو الخمس.

و وجهه: أنّ الرضا بالمهر المعيّن حصل على تقدير وجود الشرط و المفروض خلوّه عنه، فيلزم التفاوت كأرش ما بين المبيع صحيحا و معيبا.

5- الرجوع إلى الحاكم نقله صاحب المسالك عن المحقق، لعدم تقديره بشي ء من الروايات و ليس شي ء أنسب له من نظر الحاكم «1».

______________________________

(1)- المختلف: كتاب النكاح باب المهور 98.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 164

6- و هناك احتمال آخر و هو تقدير النقصان بالنصف استظهارا من النصوص الواردة في الأمة إذا حلّلها مالكها للغير و لكن دون الفرج لكن غلبته الشهوة فافتضها

فيغرّم لصاحبها عشر قيمتها إن كانت بكرا، و إن لم تكن فنصف عشر قيمتها «1». فتدلّ الرواية على أنّ التفاوت بين البكارة و الثيبوبة التي لا فرق فيها بين الأمة و غيرها بالنصف فيأخذ نصف المسمّى.

و أقرب الأقوال هو الرابع و لعلّ القول الأوّل يرجع إليه و إلّا فالقول بنقصان شي ء من دون تعيين مرجع يعينه لا يليق بشأن الشريعة، و أمّا القول الثاني: فلأنّ تقدير شي ء بالسدس في باب الإقرار من باب التعبّد فلا دليل على كونه ضابطا كلّيا.

و القول الثالث: عرفت ضعفه، و أمّا الخامس، أي الرجوع إلى الحاكم: لا يتمّ إلّا أن يكون عنده معيار لمقدار النقص، و أمّا السادس: فلم يقل به أحد.

المسألة الثانية: إذا بانت كتابية:

إذا استمتع بامرأة بلا شرط فبانت كتابية، لم يكن له الفسخ، لعدم المقتضي له من شرط أو توصيف أو بناء على كونها مسلمة و لا إسقاط شي ء من المهر.

و كذا لو تزوّجها دائما بلا شرط إسلامها- فهو إمّا باطل لأجل عدم جواز نكاح الكتابيات- على خلاف التحقيق- أو صحيح لا يفارقها إلّا بالطلاق.

نعم، لو شرط إسلامها فبان الخلاف فقد عرفت أنّ التخلّف عن الشرط مقتض لجواز الفسخ.

و أمّا المهر، فإن فسخ قبل الدخول فلا شي ء و ليس الفسخ كالطلاق قبله و إن كان بعده فيرجع إلى المدلّس، و لو أقام عليها لم يكن له إسقاط شي ء من المهر لاختصاص النقص بالمسألة السابقة.

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 35 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 165

و لو شرط كونها كتابية فبانت مسلمة، فيجري أحكام الفسخ و الرجوع و كون الإسلام كمالا، لا ينفى الخيار لإمكان تعلّق الغرض بغيره.

المسألة

الثالثة: فيما إذا أدخلت زوجة كل على الآخر:

إذا تزوّج رجلان بامرأتين فأدخلت زوجة كلّ واحد منهما على الآخر فوطأها، فلكلّ واحد منهما على واطئها مع جهلها مهر المثل، و تردّ كل واحدة منهما على زوجها و عليه مهرها المسمّى و ليس له وطؤها حتى تنقضي عدّتها من وطء الأوّل، و لو ماتتا في العدّة أو مات الزوجات ورث كلّ منهما زوجة نفسه و ورثته زوجته.

أقول: الأصل في المسألة، هو صحيح جميل بن صالح، أنّ أبا عبد اللّه عليه السّلام قال في أختين أهديتا لأخوين فأدخلت امرأة هذا على هذا، و امرأة هذا على هذا قال: «لكلّ واحدة منهما الصداق بالغشيان، و إن كان وليّهما تعمّد ذلك أغرم الصداق و لا يقرب واحد منهما امرأته حتّى تنقضي العدّة، فإذا انقضت العدّة صارت كلّ امرأة منهما إلى زوجها الأوّل بالنكاح الأوّل» قيل له: فإن ماتتا قبل انقضاء العدّة؟ قال: «يرجع الزوجان بنصف الصداق على ورثتهما فيرثانهما الرجلان» قيل: فإن مات الزوجان و هما في العدّة؟ قال: «ترثانهما و لهما نصف المهر و عليهما العدّة بعد ما تفرغان من العدّة الأولى تعتدّان عدّة المتوفّى عنها زوجها» «1».

و يقع البحث فيها عن جهات:

الأولى: في سند الرواية:

رواه الصدوق بسند صحيح عن الحسن بن محبوب عن جميل بن صالح بلا إرسال، و رواه الكليني و الشيخ، عن الحسن بن محبوب، عن جميل بن صالح، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام و الرواية مرسلة على نقلهما، و حكم في المسالك بضعف الرواية نظرا إلى نقل الكليني و الشيخ، و حكم بالصحّة في الحدائق نظرا إلى

______________________________

(1)- الوسائل: 14 الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 2.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 166

نقل الصدوق، و الحكم بالصحّة جزما يتوقّف على زيادة «بعض أصحابنا» في روايتي الكليني و الشيخ، أو سماعها عن الإمام عليه السّلام مرّتين و إلّا فمن المحتمل سقوط الواسطة عن قلم الصدوق.

و في المقام رواية صحيحة أخرى لا تشمل على كثير من هذه الأحكام، رواه الصدوق عن محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجلين نكحا امرأتين فأتى هذا امرأة هذا، و هذا امرأة هذا؟ قال: «تعتد هذه من هذا و هذه من هذا ثمّ ترجع كل واحدة إلى زوجها» «1».

الثانية: إنّ الرواية معمول بها.

قد عمل بها الشيخ في النهاية و ابن إدريس في السرائر. غير أنّ الشيخ لم يعمل بتنصيف المهر عند موت الزوج فحكم بالمسمّى كلّه و لم يعمل به في كلا الموردين صاحب السرائر فحكم بالمسمّى فيهما، و قال صاحب الجواهر: إنّ الحاجة إلى التأويل في مورد واحد و هو موت الزوجة فإنّ المشهور فيه هو المسمّى لا نصفه لا موت الزوج فانّ فيه روايات كثيرة دالّة على التنصيف «2».

الثالثة: تغريم الولي إذا كان عالما كما هو مورد الرواية موافقة للقاعدة، و أمّا إذا كان جاهلا فهو و الزوجة متساويان في السببية و لا أقوائية في البين فالأولى، التوزيع، و يحتمل أقوائية الزوجة في السببية و يحتمل عدم الضمان عند الجهل، و لعلّ التقييد بالعمد في النصّ لإفادة عدم الضمان في غيره هذا إذا كانت الزوجة جاهلة و إلّا فلا مهر لبغي.

الرابعة: فإذا انقضت العدّة تردّ كل منهما إلى زوجها الأوّل بالنكاح الأوّل، لأنّ الحرام- فكيف الوطء عن شبهة- لا يحرّم الحلال.

الخامسة: فإن ماتت الزوجتان قبل انقضاء العدة يرجع الزوجان بنصف

______________________________

(1)-

الوسائل: 14 الباب 49 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1.

(2)- قد عنون صاحب الجواهر المسألة تبعا للمحقق في آخر كتاب الميراث لاحظ ج 39/ 320.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 167

الصداق على ورثتهما و المقصود الموت قبل دخول الزوج الشرعي فيرجع الزوج إلى نصف المسمّى و هو المراد من الصداق. و المشهور على خلافه، فإنّ المعروف أنّ الموت ليس بمنصّف.

السادسة: و يرثانهما الرجلان، يعني مضافا إلى الرجوع إلى نصف المسمّى، يرث زوج كلّ واحد منهما تركة زوجته لكونه زوجا للميت.

السابعة: و إن مات الزوجان و هما في العدّة يجري فيه ما ذكرناه في الصورة المتقدّمة، من أنّ الموت قبل العدّة كناية عن الموت قبل دخول الزوج الحقيقي، و ينصّف المهر، بموت الزوج، و ترث كل زوجة، زوجه.

الثامنة: عليها عدّتان: عدة الوطء عن شبهة، و عدة المتوفى عنها زوجها، ثمّ إنّ هنا فروعا ذكرها في الجواهر و نشير إليها.

1- إذا اشتبهت على كلّ منهما زوجته و لم يكن طريق إلى معرفتهما، فهل يقرع؟! لأنّ القرعة لكل أمر مشكل، أو يلزم كل واحد منهما بالطلاق، و لو امتنعا طلّق الحاكم أو فسخه، أو تتسلط المرأتان على الفسخ؟

فقد قوّى صاحب الجواهر الوجه الأوّل، و بما أنّ أمر النكاح مهم يحتمل الثاني و إلّا فالحاكم، على أنّ القرعة: إنّما هي فيما إذا لم يكن هناك طريق آخر و المفروض وجوده فتأمل.

2- و لو قاما بالطلاق و تزوّج أحدهما بإحداهما بعد ذلك و طلّقها مرّتين لم تحرم لعدم ثبوت كون هذه الزوجة مطلقة من جانب ذلك ثلاث مرّات.

3- نعم لو زوّجهما معا و طلّقهما مرّتين، حرمتا عليه لعلمه إجمالا بأنّ إحدى المرأتين مطلّقة من جانبه ثلاث

مرّات.

4- و لو طلّقا يلزم كلّ منهما بالنصف إذا كان قبل الدخول فان اتفقا النصفان قدرا و صفة أخذت كل منهما أحد النصفين، و إن اختلفا يقرع بينهما لعدم مالك لهما غيرهما و قد اشتبه المملوك.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 168

المسألة الرابعة: في بطلان العقد مع الوطء و مهر المثل:

من القواعد المقرّرة بينهم، أنّ كل موضع حكم فيه ببطلان العقد فللزوجة مع الوطء مهر المثل لا المسمّى.

و كل موضع حكم فيه بصحّة العقد فلها مع الوطء، المسمّى، و إن تعقّبه الفسخ.

وجه الأوّل: أنّ العقد الباطل كالعدم فيكون الوطء بشبهة، ففيها مهر المثل اتّفاقا، على أنّ المسألة من مصاديق: كلّ ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده، فيأتي في المقام كلّ ما ذكر فيه.

و وجه الثاني: أنّ المسمّى يجب بالعقد و يستقرّ بالدخول، و الفسخ، فسخ من حينه لا من أصل العقد.

نعم فصّل الشيخ: بين العيب الطارئ قبل الوطء و بعده، ففي الأوّل يجب مهر المثل سواء كان حدوثه قبل العقد أو بعده- و قبل الوطء- بخلاف الحادث بعد الوطء، و قد تقدّم البحث عنه و قلنا: إنّ سبق العيب على الوطء، لا يسلتزم بطلان العقد، من أصل حتّى يكون من قبيل الوطء المجرّد عن العقد. و عرفت مفاد الأخبار.

المسألة الخامسة: لو بانت عقيمة مع شرط الاستيلاد:

لو شرط الاستيلاد فخرجت عقيما ربّما يقال ببطلان الشرط لأنّه راجع إلى أمر خارج عن قدرتها، و هذا نظير اشتراط صيرورة السنبل زرعا.

و يلاحظ عليه: أنّ المراد اشتمالها على القابلية و ربّما يقال بصحّة الشرط و لكنّه لا فسخ لإمكان تجدّد شرطه في الشيخوخة، أو لأنّ انتفاء الولادة لا يدلّ على العقم، و يردّ الأوّل: بأنّ المراد كونها

منتجة في أيّام شبابها لا في زمان شيخوختها، على أنّ استيلادها فيها من الغرائب، و يردّ الثاني- مضافا إلى إمكان معرفته بالقرائن-: أنّ المقصود قيامها بالاستيلاد، و هي بعد لم تقم بها سواء كان الوجه هو فقد المقتضي أو وجود المانع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 169

الفصل الخامس عشر: في المهور

اشارة

1- في جعل الحق مهرا

2- في جعل مال الغير مهرا

3- في جعل الخمر مهرا

4- لا تقدير للمهر

5- في تعيين المهر

6- إذا تزوّج امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد

7- لو سمّى للمرأة مهرا و لأبيها شيئا

8- لو أصدقها ظرفا على أنّه خل فبان خمرا

9- إذا تزوّجها بمهر سرا و بآخر جهرا كان لها الأوّل

10- في ضمان المهر على الزوج

11- للزوجة الامتناع حتى تقبض الصداق

12- في حكم مفوضة البضع و مفوضة المهر

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 171

في المهور و أحكامها و يعبّر عنها بمفردها «المهر»، و بالصداق، و النحلة، و الأجر، و الفريضة، و العقر، و الصدقة، و العليقة، و الحباء، و الطول، و قد ورد بعضها في الذكر الحكيم.

و احتمل صاحب الجواهر، اختصاص اسم الأجر، بمهر المتعة و هو غير تام، لورودها في الدائم، مثل قوله سبحانه: فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «1». و قوله سبحانه: إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللّٰاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ «2».

و هو تارة يجب بالعقد، و أخرى بالوطء غير المحرم كالشبهة و بتفويت البضع على الزوج كإرضاع أمّ الزوجة ولد البنت ثالثا و تسميته بالمهر بعيد فانّما هو غرامة ما يصحّ جعله مهرا.

و المهر الصحيح في نكاح المسلمين كما قال المحقق: هو كلّما يصحّ أن

يملكه المسلم، عينا كان أو منفعة مملوك لحرّ كتعليم الصنعة و القرآن، و على إجارة الزوج نفسه مدّة معينة.

أقول: يقع الكلام تارة في مقدار المهر، و أخرى في كيفيته.

أمّا الأولى: فقد أجمع علماء الشيعة على أنّه لا حدّ له من حيث القلّة و الكثرة و يكفي فيه ما تراضى به الناس.

اختلفت كلمة فقهاء العامّة: قال في الخلاف: الصداق ما تراضيا عليه ممّا

______________________________

(1)- النساء: 25.

(2)- الأحزاب: 50.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 172

يصحّ أن يكون ثمنا لمبيع أو أجرة لمكتري قليلا أو كثيرا و به قال في الصحابة: عمر ابن الخطاب و ابن عباس، و في التابعين: سعيد بن المسيب و الحسن البصري، و في الفقهاء: ربيعة و الأوزاعي و الثوري و الشافعي و أحمد و إسحاق.

و قال مالك: مقدّر بأقلّ ما يجب فيه القطع و هو ثلاثة دراهم. و قال أبو حنيفة و أصحابه: مقدّر بعشرة دراهم، فإن عقد النكاح بأقلّ من عشرة صحّت التسمية و كملت عشرة فيكون كأنّه عقد بعشرة و هذه التسمية تمنع من وجوب مهر المثل و قال زفر: يسقط المسمى و يجب مهر المثل و هو القياس على قولهم، و قال ابن شبرمة: أقلّه خمسة دراهم، و قال النخعي: أقلّه أربعون درهما، و قال سعيد بن جبير: أقلّه خمسون درهما «1».

و في مقابل هذه الأقوال المتضاربة، تضافرت الروايات، عن أئمة أهل البيت عليهم السّلام بأنّ المهر عبارة عما تراضى عليه الناس «2». و ما في بعض الروايات:

«المهر ما تراضى عليه الناس أو اثنتا عشرة أوقية و نش أو خمسمائة درهم» «3» فهو إشارة إلى مهر السنّة فانّ كل أوقية أربعون درهما فلو ضربناه في (12) يصير

أربعمائة و ثمانين درهما و إذا أضيف إليه عشرون درهما و هو نصف الأوقية يكون خمسمائة درهم.

كما أنّ في بعض الروايات، أنّ المهر لا يكون إلّا على درهم أو درهمين في جواب من تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها، قالت:

فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «هذا شرط فاسد لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين» «4» إشارة إلى كونه أمرا متموّلا في مقابل ما جعله مهرا في الرواية لا

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 2.

(2)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2 و 9.

(3)- المصدر نفسه: الحديث 4، 10 و أحاديث الباب 4. و النش: النصف من كل شي ء.

(4)- المصدر نفسه: الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 173

لخصوصية في الدرهم و الدرهمين.

و أمّا الثاني: فيكفي كونه عينا أو منفعة لعين أو كلّ عمل محلّل، روى الفريقان أنّه جاءت امرأة إلى النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم، فقالت: زوّجني، فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم:

«من لهذه؟» فقام رجل فقال: أنا يا رسول اللّه، زوّجنيها، فقال: «ما تعطيها؟» فقال:

مالي شي ء، قال: «لا» فأعادت فأعاد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم الكلام فلم يقم أحد غير الرجل ثمّ أعادت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلّم في المرة الثالثة: «أ تحسن من القرآن شيئا؟» قال: نعم، قال: «قد زوّجتكها على ما تحسن من القرآن فعلّمها إيّاه».

و قال أبو حنيفة و أصحابه: لا يجوز أن يكون منافع الحرّ صداقا بحال، سواء كان فعلهم تعليما

أو غيره، فقال: بأنّ المهر يجب أن يكون مالا، أو ما يوجب تسليم المال، مثل سكنى دار، أو خدمة عبد سنة، فأمّا ما لا يكون مثل ذلك فلا يجوز «1».

إنّما الكلام إذا جعل المهر إجارة الزوج نفسه مدّة معينة، فمنع عنه الشيخ في كتبه الثلاثة: النهاية، و الخلاف، و المبسوط «2».

و تبعه ابن البرّاج، قال: و روى أصحابنا أنّ الإجارة مدّة لا يصحّ أن يكون صداقا لأنّ ذلك مخصوص بموسى عليه السّلام «3» و نقل العلّامة في المختلف عن ابن حمزة حيث قال: أو منفعة لحرّ من تعليم القرآن و الأدب و تعليم الصنائع المباحة- سوى الإجارة- يصحّ أن يكون مهرا «4».

و خالف ابن إدريس و جوّز كون العمل في ذمّة الزوج مهرا و قال: و يجوز أن يكون منافع الحرّ مهرا مثل تعليم قرآن، أو شعر مباح، أو بناء، أو خياطة ثوب و غير ذلك مما له أجرة، لأنّ كل ذلك له أجر معيّن، و قيمة مقدّرة.

______________________________

(1)- الخلاف: 2 كتاب الصداق المسألة 3. و استدل على مختاره برواية سهل بن سعد الساعدي. رواها في الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- نقل في الجواهر نصوص الشيخ في كتبه الثلاثة و سيوافيك نصّ النهاية منها.

(3)- المهذّب: 2/ 199.

(4)- المختلف: كتاب النكاح: 94.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 174

و استثنى بعض أصحابنا من جملة ذلك الإجارة إذا كانت معيّنة يعملها الزوج بنفسه، قال: لأنّ ذلك كان مخصوصا بموسى عليه السّلام قال: و الوجه في ذلك أنّ الإجارة إذا كانت معينة لا تكون مضمونة بل إذا مات المستأجر لا تؤخذ من تركته و يستأجر لتمام العمل- ثمّ ردّه- و حكم بالصحّة سواء

كانت الإجارة في الذمّة أو معينة لعموم الأخبار و أنّ دليل الاستثناء خبر واحد، فإذا تؤمّل حقّ التأمّل بان و وضح أنّ شعيبا عليه السّلام استأجر موسى ليرعى له لا يرعى لبنته و ذلك كان في شرعه و ملّته أنّ المهر للأب دون البنت و لكنّه لا يجوز في شرعنا، فأمّا إذا عقد على إجارة ليعمل لها فالعقد صحيح سواء كانت الإجارة معيّنة أو في الذمة «1».

و الخبر الذي أشار إليه ابن إدريس هو ما رواه الكليني عن أبي نصر البزنطي بسندين أحدهما صحيح، قال: قلت لأبي الحسن عليه السّلام قول شعيب إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هٰاتَيْنِ عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ أيّ الأجلين قضى؟ قال: «الوفاء منهما أبعدهما عشر سنين» قلت: فدخل بها قبل أن ينقضي الشرط أو بعد انقضائه؟ قال: «قبل أن ينقضي» قلت: فالرجل يتزوّج المرأة و يشترط لأبيها إجارة شهرين يجوز ذلك؟ فقال: «إنّ موسى عليه السّلام قد علم أنّه سيتمّ له شرطه فكيف لهذا بأن يعلم أن سيبقى حتّى يفي؟ و قد كان الرجل على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم يتزوّج المرأة على السورة من القرآن و على الدرهم و على القبضة من الحنطة» «2».

أقول: يقع الكلام في صورتين:

الصورة الأولى: إذا كان المهر عملا في ذمّته غير مشروط عليه المباشرة بنفسه

______________________________

(1)- السرائر: 2/ 577- 578.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 1، و لا بدّ من حمل قوله «و قد كان الرجل ...» على العمل غير المشروط بالمباشرة. و الآية من سورة القصص: 27.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 175

فلا إشكال فيه،

و لا أظنّ أن يكون ذلك مورد الاستثناء لتصريح الشيخ و من تبعه بجواز ذلك.

قال في النهاية: يجوز العقد على تعليم آية من القرآن أو شي ء من الحكم و الآداب لأنّ ذلك له أجر معيّن و قيمة مقدّرة، و لا يجوز العقد على إجارة و هو أن يعقد الرجل على امرأة على أن يعمل لها أو لوليّها أيّاما معلومة أو سنين معيّنة «1».

الصورة الثانية: إذا جعل العمل المباشري مهرا في ذمّته و هذا هو الذي منعه الشيخ في ذيل كلامه في النهاية كما عرفت، و ما في الجواهر من أنّه ليس من شي ء من كلامه في كتبه الثلاثة الإشارة إلى الفرق بما عرفت غير ظاهر، إذ لو كان مورد كلامه هو أولى الصورتين يلزم التناقض بين صدر كلامه و ذيله إذ ليس جعل منفعة علم الحرّ مهرا، إلّا تعهده بنفس العمل مباشرة أو تسبيبا فمورد كلامه هو الصورة الثانية، أعني إذا كان المهر استئجار الزوج لأن يعلم أو يعمل بنفسه لها و لكن الأقوى الصحة لورود النصّ فيه بالخصوص أعني المعتبرة المستفيضة من جعل النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم تعليم الزوج القرآن صداقا للمرأة التي روتها العامّة و الخاصّة «2».

فان قلت: لو فرض موت الزوج قبل إنجاز العمل، و قد كان المهر هو العمل المباشري، و قد امتنع القيام بدفع المهر.

قلت: يؤخذ من تركته و ينجز به العمل شأن كلّ شرط مباشري امتنع القيام به فما نقله ابن إدريس من أنّه «إذا كانت الإجارة معيّنة لا تكون مضمونة و لا يؤخذ من تركته لا دليل عليه و لو قبل بالانفساخ، فينتقل من المهر المسمّى إلى مهر المثل.

فإن قلت: فما تصنع بصحيحة البزنطي

حيث منع عنه و قد تقدّم أنّ القدر المتيقّن هو كون العمل في ذمّة الزوج مباشرة؟

______________________________

(1)- النهاية: 469.

(2)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور الحديث 1، و الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 176

قلت: لا مناص من حمله على الكراهة لأجل عدم علمه بالبقاء و هو كاف في الكراهة، و ذلك لتضافر الروايات على أنّ النبيّ جعل قيام الزوج بنفسه بتعليم القرآن لزوجته مهرا. و هو ممّا لا يمكن طرحه و لا تأويله.

أضف إليه أنّه من المحتمل أن يكون الممنوع هو العمل للأب، و يكون ذا مهرا للبنت فمن المحتمل أن يكون هذا ممنوعا في الشريعة الإسلامية و هو خيرة ابن ادريس في السرائر «1» و إن كان للنظر فيه مجال. إذ لا وجه لكونه مانعا بعد وروده في شريعة شعيب عليه السّلام و وروده في القرآن، و لو كان ممنوعا في شريعتنا كان الإشعار بالاختصاص بها، لازما. كما هو الحال في مسألة هبة المرأة نفسها بأنّها تختصّ بالنبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال سبحانه: وَ امْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهٰا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرٰادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهٰا خٰالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ فقال الإمام لا تحل الهبة إلّا لرسول اللّه «2».

فتلخص أنّ الصحيحة تؤول بأحد وجهين: الأوّل الحمل على الكراهة، الثاني: الحمل على كونه أجيرا للأب و يقع ذلك مهرا و إن ضعّف الاحتمال الثاني.

و هناك احتمال ثالث، ذكره في الجواهر، و حاصله: جعل الصداق الإجارة نفسها على وجه يكون البضع أجرة، كما كانت الإجارة مهرا على معنى تزويج المرأة نفسها بإجارة نفسه لها شهرا، أو على عمل بحيث يكون الصداق عقد الإجارة

أو يذكر العمل فيه على إرادة عقد الإجارة و يجعل البضع نفسه أجرة لذلك، كقول شعيب لموسى عليهما السّلام عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ و لا ريب في عدم صحّة ذلك ضرورة عدم صلاحية البضع لأن يكون أجرة و لا ثمنا لمبيع و لا عوضا في جميع المعاوضات «3».

______________________________

(1)- السرائر: 2/ 578.

(2)- الوسائل: 15 الباب 19 من أبواب المهور، الحديث 1، و الآية من سورة الأحزاب/ 50.

(3)- الجواهر: 31/ 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 177

و الفرق بينه و بين القسمين أنّ الصداق فيهما نفس العمل، و في المقام الإجارة جمودا على ظاهر الآية.

و لكنه احتمال بعيد في الأذهان و تطبيق قوله سبحانه: عَلىٰ أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمٰانِيَ حِجَجٍ «1» على ذلك بعيد، لأنّ الإجارة ذكرت طريقا للمقصود، و هو التعهد على رعي الغنم مباشرة و ما ذكره غير واضح لا في ناحية جعل المهر نفس الإجارة، و لا في ناحية كون البضع ثمنا للإجارة بل الآية من قبيل القسم الثاني كما لا يخفى.

فحمل الرواية على الكراهة أولى من الطرح و هو أولى من الأخذ بظهوره لمخالفته القواعد.

و يبقى موثق السكوني «2» و هو لا يقاوم دلالة الذكر الحكيم و الروايات المستفيضة.

في جعل الحقّ مهرا

إلى هنا تبيّن أنّه يصحّ جعل المهر عروضا و عينا، و منفعة و عملا، إنّما الكلام في جعل الحقّ مهرا، و هو على أقسام:

و اعلم أنّ الحقوق من حيث صحّة الإسقاط و النقل بعوض أو بلا عوض، و الانتقال القهري بإرث و نحوه على أقسام و يمكن عدّ بعضها من الأحكام.

1- لا يصحّ إسقاطه و لا نقله، و ما لا ينتقل بالموت و من ذلك حقّ الأبوة و حقّ الولاية للحاكم

و حقّ الاستمتاع بالزوجة و حقّ الوصاية.

2- ما يجوز إسقاطه و لا يصحّ نقله و لا ينتقل بالموت أيضا كحق الغيبة و الشتم و الأذية بإهانة أو ضرب بناء على وجوب إرضاء صاحبه و عدم كفاية التوبة.

______________________________

(1)- القصص: 27.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 178

3- ما يجوز إسقاطه و نقله لا بعوض كحق القسم، كما عن الشهيد في اللمعة من أنّه لا يصحّ الاعتياض في القسم.

4- ما يجوز إسقاطه و ينتقل بالموت و لا يصحّ نقله كحقّ الشفعة على وجه.

5- ما يصحّ نقله و إسقاطه و ينتقل بالموت أيضا، كحقّ الخيار و حقّ التقاص و الرهانة و حقّ التحجير و حقّ الشرط.

6- و منها ما هو محلّ الشكّ من جهة صحّة الإسقاط و النقل و الانتقال، و عدّ من ذلك حقّ الرجوع في العدّة الرجعية، و حقّ النفقة في الأقارب كالأبوين و الأولاد، و حق الفسخ بالعيوب في النكاح، و حقّ السبق في إمامة الجماعة، و حق المطالبة في القرض و الوديعة و العارية، و حقّ العزل في الوكالة، و حق الرجوع في الهبة و حقّ الفسخ في سائر العقود الجائزة كالشركة و المضاربة و نحوهما «1».

هذه هي أقسام الحقوق، إنّما الكلام في صحّة جعلها مهرا، لا شك في عدم صحّة جعل الأوّل، و الثاني، و الثالث، مهرا كما هو واضح إنّما الكلام في جعل الرابع منها مهرا.

يمكن أن يقال بالصحّة لعموم قوله عليه السّلام «ما تراضيا عليه» و كونه قابلا للمعاوضة بالمال، و الميزان كونه قابلا لبذل الثمن.

و ربّما يقال بعدمها لإطلاق الفتاوى من اعتبار كونه مملوكا على وجه ينتقل إلى الزوجة

و يقبل التنصيف لو احتيج إليه بطلاق قبل الدخول و نحوه و لو بتقويمه.

يلاحظ عليه: أنّ إطلاق كلامهم وارد مورد الغالب كيف و تعليم القرآن لا يعدّ مملوكا، و أمّا مسألة التنصيف فيكفي فيها كونه قابلا للتقويم كالتحجير.

______________________________

(1)- لاحظ تعليقة السيّد الطباطبائي على متاجر الشيخ: 56 و لا يخفى أن بعضها من باب الحكم الخارج عن موضوع البحث.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 179

و أمّا خبر حمادة «1» فلا ينافي ما ذكرناه لأنّ اشتراط عدم التزوّج بزوجة ثانية لا يبذل بإزائه الثمن، و البذل في ظرف نادر لا يكون ميزانا.

في جعل مال الغير مهرا

هل يجوز جعل مال الغير مهرا، أو لا؟ ربّما قيل بالثاني، و استدل بوجوه:

1- لا يصحّ ملكه فعلا بدون إذن مالكه و قد قيل في حدّه كما- في الشرائع- كلّما يصح أن يملك.

يلاحظ عليه: أنّ المقصود من القيد إخراج الكلب و الخنزير و الخمر ممّا لا يملك كما هو الظاهر لمن أمعن النظر في ذيل كلامه.

2- يحرم التصرّف في مال الغير.

يلاحظ عليه: أنّ إجراء العقد على مال الغير ليس تصرّفا فيه، نعم، لو سلّمه إلى الغير يكون حراما، غاية الأمر أنّه إن رضي عند التسليم و لو بالشراء منه و إلّا فينتقل إلى مهر المثل.

3- إنّ المهر كالأعراض التي لا يصحّ أن تكون لمالك و العوض لآخر.

يلاحظ عليه: أنّه ليس عوضا مائة بمائة، فلا يكون حكمه حكمها و الأولى أن يقال: إنّ جعل مال الغير مهرا إذا كان بلا إذن ينصرف عنه إطلاق دليل المهر.

نعم يصحّ جعله مهرا إذا وليّ ملك الغير سواء كان وليّا كما هو المنصوص فيما إذا زوّج ولده الصغير و لم يكن له مال فالمهر على الولد «2».

أم لم يكن بشرط أن يكون هناك مخالطة بين صاحب المال و الزوج.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15 الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1، 2 و 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 180

في جعل الخمر مهرا

لو عقد الذميان على خمر أو خنزير، صحّ العقد و المهر، إمّا لأنّهما يملكانهما في دينهما فيصحّ لهم عقدا و مهرا، أو من باب إجراء حكم الصحيح عليه إلزاما لهما بما ألزما به أنفسهما، كما عليه صاحب الجواهر، قائلا بأنّ إطلاق روايات الباب يقتضي عدم مالكية أحد للخمر و الخنزير مسلما كان أو كافرا و لا ثمرة عملية بين المبنيين.

إنّما الكلام، إذا أسلما أو أسلم أحدهما فله صورتان:

الأولى: إذا كان الإسلام بعد القبض، فلا شي ء على الزوج لخروجه عن العهدة سواء كان باقيا أم تالفا.

الثانية: إذا كان قبل القبض فلا يصحّ دفع العين اتفاقا، لحرمة الإقباض و القبض إذا أسلما و حرمة الأوّل إذا أسلم الزوج، و الثاني، إذا أسلمت الزوجة فيكون كالمثل المتعذّر.

و بعبارة أخرى، إذا أسلم لا يجوز تملّكه، فلو أسلم الزوج فلا يتملّك حتّى يملّك و لو أسلمت الزوجة فلا يتملّك فكيف يكون مهرا.

إنّما الكلام في المنتقل إليه فهل ينتقل إلى القيمة التي هي أقرب شي ء إليه سواء كان عينا أو مضمونا، أو إلى مهر المثل، الظاهر هو الأوّل، أخذا بالقاعدة المعروفة في المثل المتعذّر، مضافا إلى خبر عبيد بن زرارة قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: النصراني يتزوّج النصرانية على ثلاثين دنّا خمرا و ثلاثين خنزيرا ثمّ أسلما بعد ذلك و لم يكن دخل بها؟ قال: «ينظر كم قيمة الخمر و كم قيمة الخنازير و يرسل بها

إليها ثمّ يدخل عليها و هما على نكاحهما الأوّل «1».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 181

نعم في سنده القاسم بن محمّد الجوهري و لم يرد فيه توثيق لكنّه صريح في الانتقال إلى القيمة و عليه يحمل ما في خبر طلحة بن زيد «1» من أنّه يعطياهما صداقهما» و الصداق و إن كان ظاهرا في مهر المثل، لكن يصح تفسيره بالقيمة، لأجل خبر «عبيد» هذا من غير فرق بين كون المهر عينا أو مضمونا، لأنّ المفروض عدم إمكان إقباضه أو قبضه.

نعم، لو أسلم الزوج دون الزوجة، فقبضت الزوجة المهر بلا إذنها، فالظاهر الاكتفاء به، لسقوط الإقباض و صحّة القبض لكونها كافرة. فلاحظ.

*** إذا عقد الزوجان المسلمان على مهر فاسد مثل الخمر و الخنزير و الميتة و ما أشبهها فالبحث فيه من جهتين.

الأولى: هل العقد صحيح أو لا؟

الثانية: على فرض صحة العقد، هل يجب لها مهر المثل أو القيمة، أو يفصّل كما يأتي.

أمّا الجهة الأولى: فقد اختلفت فيه كلمة الشيخ، فذهب في النهاية: إلى البطلان قال: و لا يجوز في المهر ما لا يصح تملّكه من خمر أو نبيذ أو لحم خنزير و ما أشبه ذلك، فإن عقد على شي ء من ذلك كان العقد باطلا «2».

و حكم بالصحة في الخلاف. قال: إذا عقد على مهر فاسد .. فسد المهر و لم يفسد النكاح و وجب لها مهر المثل «3».

و قال في المبسوط: كان العقد، صحيحا و وجب لها مهر المثل، و قال قوم

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 3 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- النهاية: 489.

(3)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية

الغراء، ج 2، ص: 182

لا يصحّ النكاح، و إليه ذهب قوم من أصحابنا «1».

و قال أبو الصلاح: و لا يصح العقد على عين محرّمة كالخمر و لحم الخنزير و عين الغصب «2».

و قال القاضي: فان كان المهر فاسدا وجب مهر المثل- و قال بعد عدّة أسطر- أمّا ما لا يصحّ للمسلمين تملّكه مثل الميتة و لحم الخنزير و الخمر و الشراب المسكر و ما أشبه ذلك فلا يجوز أن يجعل مهرا و لا أجرا في النكاح فان عقد على شي ء منه كان باطلا «3».

و الظاهر بقرينة ما ذكره قبلا، هو بطلان المهر، لا العقد، و إن نسب إليه بطلان العقد، في الحدائق «4».

و نقل الصحة عن ابن حمزة و ابن زهرة، و ابن إدريس، و هو ظاهر المحقّق في الشرائع، و المتأخرين.

احتج القائل بالبطلان بوجوه:

1- تعليق الرضا بالباطل المقتضي لارتفاعه بارتفاعه.

2- إذا كان المهر مذكورا في العقد يكون حكمه حكم المعاوضة فيبطل إذا بان أنّ العوض غير مملوك.

3- قد ورد في الروايات المستفيضة، بأنّ المهر ما تراضيا عليه، فينعكس بعكس النقيض إلى أنّ ما لا يتراضيان عليه لا يجوز جعله مهرا، فينافي ما دلّ على عدم إخلاء البضع مهرا فليس حينئذ إلّا البطلان.

يلاحظ على الأوّل: أنّ أعيان المهور من قبيل الدواعي، و ما يناط الرضا به، عبارة عن ماليته، و الرضا بالنكاح و إن كان معلّقا على كون الخمر مهرا، لكنّه ليس

______________________________

(1)- المبسوط: 4/ 272، كتاب الصداق.

(2)- الكافي: 293.

(3)- المهذب: 2/ 200.

(4)- الحدائق: 24/ 325.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 183

على وجه إذا ارتفعت عينه، و قامت مكانه قيمته، لارتفع الرضا أيضا إلّا إذا كان المهر من العتاتيق النادرة التي لا

يقوم شي ء مقامها عند الزوجة.

يلاحظ على الثاني: بأنّ كون المهر عوضا، يفارق كون الثمن في البيع و الإجارة عوضا فإنّ البيع علقة بين المالين كما أنّ الإجارة علقة بين الأجرة و تسليم العين، لغاية الانتفاع فلو بان غير مملوك بطل العقد لفقد الركن، و هذا بخلاف النكاح فانّه علقة بين الزوجين بحكم قوله سبحانه: وَ أَنْكِحُوا الْأَيٰامىٰ مِنْكُمْ وَ الصّٰالِحِينَ مِنْ عِبٰادِكُمْ وَ إِمٰائِكُمْ «1»، فلو بان غير مملوك لكان التخلّف من قبيل تخلّف توابع العقد «2» أركانه، فأشبه بالشرط الفاسد كما إذا اشترط كون الطلاق بيدها صحّ العقد و بطل الشرط معلّلا بأنّ شرط اللّه قبل شرطكم كما ورد في النص، و بعبارة يكون من قبيل تعدّد المطلوب.

يلاحظ على الثالث: بأنّ عكس النقيض لا ينتج إلّا عدم كون ما لا يملك، (المذكور في العقد) مهرا و هو لا يستلزم خلوّه عن المهر ثبوتا حتى يلزم البطلان.

و بذلك تظهر قوّة القول بالصحّة، نعم الاستدلال على الصحّة بتنظير المقام، بما إذا كان العقد خاليا عن المهر لا يخلو عن خفاء، لأنّهما قد تراضيا على عدم المهر في المقيس عليه فصحّ العقد لوجود الرضا و إن لم يكن له مهر، إلّا أنّ الشارع ألزم الزوج بدفع مهر المثل و هذا لا يضرّ برضاهما و هذا بخلاف المقام فإنّ التراضي لم يقع بالعقد خاليا عن العوض، و ما وقع عليه العقد أعني المسمّى صار باطلا، و أمّا المثل أو القيمة فلم يقع عليه التراضي.

______________________________

(1)- النور: 32.

(2)- و من ثمّ سمّاه سبحانه، نحلة و قال: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء: 4)، و هي العطية، و أمّا التعبير بأنّه مستام أو يشتريها بأغلى الثمن فلأجل تقريب الحكم إلى الأذهان

حيث ورد في جواز النظر إلى محاسن النساء لا أنّه شراء حقيقة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 184

و العجب من صاحب الحدائق حيث رأى أنّ الأدلّة من الطرفين متدافعة فرجح البطلان، مع أنّه كان له الاستئناس بالصحّة من الروايات الدالّة على عدم إفساد الشرط الفاسد معلّلا، بأنّ شرط اللّه قبل شرطكم.

ما هو الواجب على الزوج؟ هنا احتمالات:

1- الواجب على الزوج دفع القيمة لأجل أنّها أقرب إلى الشي ء عند تعذّره، فانّ العقد على الشي ء باعتبار ماليّته، فإذا تعذّر الشخص تحفظ ماليته.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصار إليه إذا صحّ المسمّى و طرأ عليه التعذّر و المفروض أنّ المسمّى لم يقبل و لم يقع مورد الإمضاء لا بشخصه و لا بماليته.

فكيف ينتقل إلى ماليته؟

2- الواجب عليه، مهر المثل كما هو الحال فيما إذا كان خاليا لأنّه إذا كان المسمّى باطلا كان العقد بحكم الشرع كالخالي عنه و الحكم فيه هو مهر المثل.

و مع ذلك لا يجري فيه حكم المفوضة بضعها من التمتيع إذا طلّقها قبل الدخول، لقوله سبحانه: إِذٰا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنٰاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمٰا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهٰا فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا «1» لأنّه فيما إذا رضيت بالنكاح خاليا عن المهر و إن حكم الشارع بمهر المثل على الزوجة إذا لم يطلّق و التمتيع إذا طلّق، لا فيما إذا أقدمت عليه ملتزما بمهر فبطل المسمّى لأجل كونه غير مملوك، فالطلاق في مثله قبل الدخول أشبه بالطلاق قبل الدخول مع فرض المهر.

3- التفصيل بين ما يتقوّم كالخمر و الخنزير، و ما لا يتقوّم كالحرّ إذا جعله مهرا فالواجب في الأوّل هو دفع القيمة دون الثاني ففيه مهر المثل.

______________________________

(1)- الأحزاب: 49.

نظام

النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 185

4- التفصيل بين العلم بكون المهر خنزيرا، أو ميتة ففيه مهر المثل، و الجهل و تخيّل أنّ المائع خلّ أو الحيوان غنم، فبان خمرا أو خنزيرا ففيه القيمة، و الوجهان الأخيران ليسا بمعتمدين و الأمر يدور بين دفع قيمته أو مهر المثل، و يمكن تصحيح دفع القيمة بأنّ العاقدين إمّا أن يكونا جاهلين بعدم الجواز أو عالمين، فعلى الصورة الأولى فقد تقدّم من أنّ الأعيان غالبا من قبيل الدواعي و أنّ ما يناط به الرضا هو قيمتها، فلو رضيت بكون الخمر مهرا لها فإنّما رضيت لأجل أنّه يبذل بازائه الثمن. فدفع قيمته ليس شيئا مباينا و لو كانا عالمين فرضيا بكونه خمرا، لأجل ادّعاء المالية له في عرف الناس فقد ارتضيا بكونه مهرا لأجل هذا الادعاء فلو دفع، لم يكن مباينا و يمكن الاستئناس به ممّا مرّ في خبر عبيد بن زرارة، و الأولى التصالح أو دفع الأكثر بين القيمة و مهر المثل.

لا تقدير للمهر

لا تقدير للمهر لا في جانب القلّة بل يكفي ما تراضى عليه الزوجان و إن قلّ بشرط أن يكون له مالية فلا يصح النكاح على حبّة من حنطة أو ذرّة من سكر، و لا من جانب الكثرة، على المشهور لإطلاق الكتاب و السنّة، بل صراحتهما في الجواز و نقل الخلاف عن المرتضى و الصدوق و الإسكافي.

أما الأوّل: فقال في الانتصار: و ممّا انفردت به الإمامية أنّه لا يتجاوز بالمهر خمسمائة درهم جيادا قيمتها خمسون دينارا فما زاد على ذلك ردّ إلى هذه السنّة و باقي الفقهاء يخالفون في ذلك- ثمّ استدل عليه- بأنّ ما ذكر مجمع عليه، و لا إجماع على أنّ ما زاد

يكون مهرا «1».

و أمّا الثاني: فالظاهر منه الاستحباب في المقنع قال: و إذا تزوّجت أن لا

______________________________

(1)- الانتصار: 124.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 186

يتجاوز مهرها مهر السنّة و هي خمسمائة درهم فعلى هذا تزوّج رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم نساءه و عليه زوّج بناته و صار مهر السنّة خمسمائة درهم «1».

نعم، الظاهر من الهداية هو عدم الجواز، قال: و مهر السنّة خمسمائة درهم فمن زاد على السنّة ردّ الى السنّة .. «2». و نسب إليه في الفقيه و لم نجده فيه.

و أمّا ابن الجنيد: فوجه النسبة هو نقله رواية مفضّل بن عمر التي هي الدليل الوحيد لعدم جواز الزيادة.

و على كل تقدير، فهذا القول مخالف لظاهر الكتاب و السنّة، قال سبحانه:

وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً فَلٰا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً «3» و فسر القنطار بوجوه مختلفة يجمعها زيادته على مهر السنّة كثيرا «4». و العجب أنّ القول بعدم جواز الزيادة كان قول الخليفة عمر بن الخطاب، فقال: أيّها الناس ما إكثاركم في صداق النساء، فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم؟ قال: نعم، فقالت: أما سمعت ما أنزل اللّه في القرآن، قال: و أيّ ذلك؟ فقالت: أما سمعت اللّه يقول: وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً، فلمّا سمع ذلك فقال: كل الناس أفقه من عمر، ثمّ رخّص و قال: فمن طابت نفسه فليفعل «5».

و نقل ابن إدريس في آخر السرائر، أنّه قال: يا أيّها الناس لا تغالوا بصدقات النساء ... ثمّ نزل عن المنبر فما أقام إلّا يومين أو ثلاثة حتّى أرسل في صداق بنت عليّ بأربعين ألفا «6». هذا

كلّه حول المنع، و أمّا ما يدلّ على الجواز من السنّة فيكفي

______________________________

(1)- المقنع: 99.

(2)- الهداية: 68.

(3)- النساء: 20.

(4)- القاموس المحيط: 2/ 122، مادة «القنطرة».

(5)- و قد ذكر مصادره في الغدير: 6/ 95- 98.

(6)- السرائر: 2 و نقله العلّامة الأميني عن تاريخ ابن كثير: 7/ 81- 139 و الإصابة: 4/ 492 و الفتوحات الإسلامية: 2/ 472. الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 187

في ذلك صحيح الوشّاء و غيره «1» فلاحظه.

في تعيين المهر

اشارة

قال المحقّق في النافع: و لا بدّ من تعيينه بالوصف أو الإشارة و تكفي المشاهدة عن كيله و وزنه.

و قال العلامة في القواعد: يشترط في صحّته مع ذكر المهر التعيين، إمّا بالمشاهدة و إن جهل كيله أو وزنه كقطعة من ذهب و قبّة من طعام، أو بالوصف الرافع للجهالة مع ذكر قدره إن كان ذا قدر، فلو أبهم فسد المهر و صحّ العقد «2».

و قال السيّد الاصفهاني في الوسيلة: لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام، فلو أمهرها أحد هذين أو خياطة أحد ثوبين مثلا بطل المهر دون العقد و كان لها مع الدخول مهر المثل، نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع و نحوه من المعاوضات فيكفي مشاهدة عين حاضرة و إن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه كصبرة من الطعام و قطعة من الذهب و طاقة مشاهدة من الثوب و صبرة حاضرة من الجوز و أمثال ذلك «3».

و فيما ذكروه حتّى ما ذكره السيّد الاصفهاني في الوسيلة- من القول بالبطلان في صورة التردّد- مجال تأمّل لأنّه إن كان حكم النكاح عند ذكر المهر، حكم المعاوضات، يجب

أن لا يكتفي في المشاهدة إلّا فيما يكتفي بها فيه كما في الثمرة على الشجرة و نظائرها، لأنّ المعدودة و المكيل و الموزون يجب فيها إعمال المقياس الرائج فيها.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 1 و غيره.

(2)- إيضاح الفوائد في شرح القواعد: 3/ 194، قسم المتن.

(3)- وسيلة النجاة: فصل المهر، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 188

و إن لم يكن حكمه حكمها، فلا وجه لاعتبار أحد الأمرين المشاهدة أو الوصف الرافع للجهالة كما في كلام المحقق و العلامة، بل لا يعتبر التعيين و يكفي التردّد بين الصورتين، و ذلك لصدق قوله عليه السّلام: «المهر ما تراضى به الناس» هذا كلّه في المهر المعيّن في الخارج فلا يشترط فيه سوى كونه متموّلا و مرضيا به.

و أمّا إذا زوّجها على مهر مجهول في الذمّة لا يمكن استعلامه فله صورتان:

الأولى: إذا كان مجهولا من جميع الجهات كما إذا أمهر شيئا متموّلا فيرجع فيه إلى مهر المثل لامتناع تقويم المجهول.

و يمكن الاكتفاء بكلّ ما يصدق عليه المال لأنّها لا تستحق إلّا ما صدق عليه ما هو مذكور في العقد و ذكر المهر على وجه الإجمال و إن كان في مقابله البضع لكنّه لا يدلّ على تعيينه بما هو مهر لأمثالها بل في حدود ما يصدق عليه ما هو مذكور في العقد.

الثانية: إذا كان مجهولا من بعض الجهات لا كلّها، كما إذا أمهر عبدا و دابّة و لكلّ، مراتب و درجات في المالية، فهل يرجع إلى مهر المثل لعدم إمكان استعلامه أو يرجع إلى الوسط كما عليه الروايات، و الظاهر من المحقق التوقف حيث نسبه إلى القيل.

روى الكليني بسند صحيح عن علي بن

أبي حمزة قال: سألت أبا إبراهيم عليه السّلام عن رجل زوّج ابنه ابنة أخيه و أمهرها بيتا و خادما ثمّ مات الرجل، قال:

«يؤخذ المهر من وسط المال» قال: قلت: فالبيت و الخادم؟ قال: «وسط من البيوت و الخادم وسط من الخدم». الحديث «1».

و روى أيضا عن أبي حمزة مثله 2.

و روى الشيخ مرسلا عن أبي الحسن عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة على دار قال:

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 189

«لها دار وسط» «1».

و قد استشكل على العمل بالروايات من وجهين:

الأوّل: ضعف السند، لأنّ السند ينتهي في الأولى و الثانية إلى البطائني و هو رأس الواقفية، و الثالثة مرسلة.

الثاني: أنّ الوسط من الدور و البيوت مختلف اختلافا يسيرا بل هو في غاية البعد عن القسط.

هذا حاصل ما ذكره المحقق الثاني في جامع المقاصد.

و يمكن الذبّ عنه أمّا الأولى، فبوجهين:

1- أنّ فساد عقيدته لا يضرّ بكونه صدوقا في الحديث فلا يكون فساد العقيدة دليلا على فساد رواياته، و لذلك ضعّفه من ضعّفه لا لأجل كونه غير متعهد في النقل، و قد روى عن الصادق عليه السّلام و أبي إبراهيم عليه السّلام قرابة- 545- حديثا، و رفض هذه الأحاديث مع عناية الأصحاب بنقلها خصوصا مشايخ الثقات، مشكل، مع تضارب الروايات في حقّه، و قد ذكرنا في كتاب «كلّيات في علم الرجال» «2» أنّ ما نقل عن علي بن الحسن بن فضال من أنّ «علي بن أبي حمزة كذّاب ملعون» راجع إلى ابنه (الحسن بن علي بن أبي حمزة) لا إلى نفسه لأنّ ابن فضال لم يدرك الأب و إنّما أدرك الولد.

2-

الظاهر أنّ الرواة تحمّلوا منه هذه الأحاديث أو أكثرها حال استقامة عقيدته، و من المعلوم أنّ الانحراف المتأخّر لا يضرّ بما حدث حال الاستقامة.

و أمّا الثاني: فلأنّ الوسط من الدور و إن كان يختلف و بينهما مراتب، و لكلّ

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 3.

(2)- كليات في علم الرجال: 236.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 190

مرتبة، مصاديق متفاوتة لكن المرتبة تتعين بالنظر إلى حال الزوج في الغنى و الفقر، و السعة و الضيق، و عند ذاك يكون تعيين الفرد الوسط أمرا سهلا، لا مشكلا، فالعمل بالروايات أولى بل متعيّن و إن لم تتفقا على فرد وسط، فالمرجع هو التصالح.

غير أنّ مقتضى القاعدة في المقام هو الذي ذكرناه في المجهول من جميع الجهات إذ ليس على الزوج إلّا الخروج عمّا تعهّد في متن العقد و هو يصدق على كلّ فرد من الأعلى و الأدنى فإلزام الوسط على الزوج حكم تعبّدي و لا يحتاج إلى رضى الزوجة و عليه فيقتصر على مورد النص.

***

مسألة: إذا تزوّج امرأتين فصاعدا في عقد واحد بمهر واحد:

يقع الكلام في موضعين.

الاولى: هل يصح العقد أو لا؟

الثاني: على تقدير الصحّة كيف يقسط المهر عليهنّ.

أمّا الأوّل: قال الشيخ في الخلاف: إذا تزوّج بأربع نسوة بعقد واحد ممّن له الولاية عليهنّ بألف، فالنكاح صحيح و كذلك عند الشافعي، و قال المزني: العقد باطل، و المهر عندنا صحيح و عند الشافعي على قولين «1».

و قال ابن البرّاج إذا تزوّج أربع نسوة بعقد واحد بألف كان العقد و المهر صحيحين و كان لكل واحد منهنّ ربع الألف «2».

و قال في المختلف: لو تزوّج امرأتين بمهر واحد، قال الشيخ في المبسوط يكون بالسوية بينهما و تبعه ابن البرّاج عملا

بالأصل، و قيل: يقسط المهور على

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 407 كتاب الصداق المسألة 12.

(2)- المهذّب: 2/ 209.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 191

مهور الأمثال كما لو تزوّج و باع و هو الأقوى «1».

و نقل في الجواهر عدم الفرق بين اتّحاد الزوج و تعدّده كما لو قال زوّجت فاطمة زيدا و هندا بكرا فقال وكيلهما: «قد قبلت».

أمّا صحّة العقد فلدخوله تحت العمومات.

و إن شئت قلت: المقتضي للصحّة موجود، و الجمع بين المرأتين في عقد واحد لا يمنع، و كون تزويجهما بمهر واحد، غير مانع لحصول التراضي أوّلا، و إمكان تعيين مقدار كل واحد من المهر ثانيا، و على فرض بطلان المهر لا يبطل العقد كما تقدّم في ما جعل مال الغير مهرا.

و أمّا حكم المهر ففيه أقوال:

1- يصحّ المهر و يقسّط بالسوية و هو خيرة الشيخ كما نقله، في المختلف و ابن البرّاج كما عرفت و ليس له دليل ظاهر، و ما حكاه في المختلف من العمل بالأصل لم يعلم وجهه.

2- التقسيط على مهور أمثالهنّ و تعطى كلّ واحدة ما يقتضيه التقسيط كما لو باع عبد نفسه و عبد غيره بثمن واحد و أجاز الغير، و ذلك لأنّ العروض إذا قوبلت بعوض مالي كانت القيمة ملحوظة و قيمة البضع هي مهر المثل فيكون قسط كل واحدة من المسمّى بحسبه لا محالة و كيفية التقسيط في المقام و ما إذا باع مال نفسه و غيره واحد، و هو أنّه يقوّم كل مجموع ماله و مال غيره مرّة ثمّ يقوّم كل واحد مستقلا ثانيا، ثمّ ينسب قيمة كلّ مستقلا إلى مجموع القيمتين فيؤخذ بهذه النسبة عن المسمّى. و في المقام ينظر إلى مجموع مهور أمثال

هؤلاء المعقود عليهنّ ثمّ ينظر إلى مهر مثل كل واحدة مستقلا ثمّ ينسب الثاني إلى الأوّل فيؤخذ بتلك

______________________________

(1)- المختلف: الفصل الثالث في الصداق 102.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 192

النسبة عن المسمّى. و هذا هو الظاهر.

3- فساد المهر، و أنّ لكل واحدة مهر المثل كما لو أصدقها مجهولا يتعذّر قيمته.

يلاحظ عليه: أنّ الجهالة غير مانعة و لا يجري عليها أحكام المعاوضات.

***

مسألة: لو تزوّجها على كتاب اللّه و سنّة نبيّه و لم يسمّ مهرا:

فالمهر هو مهر السنّة أعني خمسمائة درهم، قال في الجواهر: بلا خلاف أجده، و في الروضة و غيرها، الإجماع، و إنّما خالف الشهيد في المسالك لوجوه يأتي ذكرها

صور المسألة و حكم القاعدة الأوّلية:

1- ما إذا أشار بكلامه إلى مهر السنّة سواء علما مقدار مهر السنّة أو لم يعلماه أو يعلمه أحدهما دون الآخر، و عندئذ يكون المراد من الكتاب و السنّة، الخصوصيات الواردة له فيها، و منها، مهر السنّة و جهلهما بالمقدار غير ضائر، لما عرفت من عدم اعتبار شي ء سوى التموّل و الرضا، حتّى يصحّ العقد على امرأة على مهر امرأة أخرى.

2- أراد بذلك، أنّهما يتزوّجان لكون النكاح ممّا دعا إليه القرآن و السنّة النبوية و أنّ عملهما نكاح لا سفاح، و من المعلوم أنّه يرجع إلى مهر المثل لكونه من مصاديق المفوضة بضعها.

3- إذا اشتبه المقصود بفوت الزوج أو نسيانه أو اختلاف الزوجين، فمقتضى القاعدة أقلّ الأمرين من مهر السنّة و مهر المثل، و يكون الأوّل في زماننا أقل من الثاني.

هذا حكم القاعدة أمّا الرواية الواردة في ذلك المجال فهو ما رواه أسامة بن

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 193

حفص، و كان قيما لأبي الحسن موسى عليه السّلام قال: قلت له: رجل

يتزوّج امرأة و لم يسمّ لها مهرا و كان في الكلام: أتزوّجك على كتاب اللّه و سنّة نبيّه، فمات عنها أو أراد أن يدخل بها فما لها من المهر؟ قال عليه السّلام: «مهر السنّة» قال: قلت: يقولون: لها مهور نسائها، فقال: «هو مهر السنّة» و كلّما قلت له شيئا قال: «مهر السنّة» «1».

ثمّ إنّه يمكن أن يكون ناظرا إلى الصورة الأولى بمعنى أنّ الزوجين جعلا المهر، مهر السنّة و توهما أنّ المهر باطل لأجل اعتقاد أنّ الجهل بالمقدار مبطل فيرجع إلى مهر المثل فأراد الإمام عليه السّلام ردّ التوهم و أنّه غير مضرّ فيرجع إلى مهر السنّة.

و يمكن أن يكون ناظرا إلى هذه الصورة بجعل موت الزوج قرينة على ذهاب الصورة الواقعية، فجعل الإمام عليه السّلام قول الرجل «على كتاب اللّه و سنّة نبيّه» أمارة على أنّ المهر مهر السنّة.

و يحتمل أن يكون حكم الإمام عليه السّلام بكون المهر، مهر السنّة لأجل الأخذ بالقاعدة لدوران الأمر بين الأقل و الأكثر، و كان مهر السنّة أقل في ذاك الزمان.

و لا يخفى أنّ الحكم بأنّ المهر مهر السنّة إنّما يصحّ إذا كان اللفظ المزبور ظاهرا فيها و لعلّه كان في عصره كذلك، و عندئذ لا يصح تعميمه في عصرنا هذا لعدم ظهوره فيه منه.

و على كلّ تقدير، فقد استشكل في المسالك على الأخذ بالرواية بوجوه، ثلاثة:

1- ليس في الكتاب ما يدلّ على كون المهر خمسمائة.

2- إنّ تزويجها على الكتاب و السنّة أعم من جعل المهر مهر السنّة إذ كل نكاح جائز، فهو على كتاب اللّه و سنّة نبيّه صلى اللّه عليه و آله و سلم «2».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 13 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- المسالك: 8/

175.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 194

3- على تقدير إرادتهما بذلك كون المهر مهر السنّة، ففي الاكتفاء بذلك عن ذكر القدر في العقد نظر كما لو قال: تزوّجتك على المهر الذي تزوّج به فلان.

يلاحظ على الأوّل: أنّه من المحتمل أن يكون المراد أنّه تزوّج على مجموع ما ورد في الكتاب و السنّة لا ورود مهر السنّة في كلّ واحد.

و على الثاني: ما احتملناه من كون العبارة في ذلك العصر كانت ظاهرة في جعل المهر، مهر السنّة.

و على الثالث: من منع كون الجهالة مضرّا في مورد المهر كما مر.

مسألة: لو سمّى للمرأة مهرا و لأبيها شيئا:

قال في الخلاف: فالنكاح صحيح بلا خلاف و ما سمّاه لها يجب عليه الوفاء به و هو بالخيار فيما سمّاه لأبيها و نقل عن الشافعي قولين:

1- المهر فاسد و يرجع إلى مهر المثل.

2- كان الكل للزوجة و به قال مالك «1».

و قال في النهاية: و إذا عقد الرجل على امرأة و سمّى لها مهرا و لأبيها أيضا شيئا كان المهر لازما له و ما سمّاه لأبيها لم يكن عليه منه شي ء «2».

و قال ابن الجنيد- على ما في المختلف-: و لا يلزم الزوج غير المهر من جعالة جعلها لولي أو واسطة، و لو و في الزوج بذلك تطوّعا كان أحوط، فإن طلّقها لم يكن عليه إلّا نصف الصداق دون غيره، فإن كان قد دفع ذلك إليها رجع بنصف المهر و كل الجعالة على الواسطة، فإن كانت المرأة شرطت رجع عليها بنصف صداقها و بنصف ما أخذه من شرطت ذلك له، لأنّ ذلك كله بعض الصداق الذي لم يرض بنكاحها.

______________________________

(1)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 31.

(2)- النهاية: 473.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص:

195

و أورد عليه العلّامة بعد نقل كلامه: إن كان قد جعل للواسطة شيئا على فعل مباح و فعله لزمه و لم يسقط منه شي ء بالبطلان، لأنّها جعالة على عمل محلّل مطلوب في نظر العقلاء فكان واجبا بالفعل كغيره و إن لم يكن على جهة الجعالة، بل ذكره في العقد لم يكن عليه شي ء منه سواء أطلّق أو لا «1».

هذا، و للمسألة صور:

1- أن يقوم الزوج بأمرين، عقد الجعالة لكلّ من قام بتزويجه و يتعهد له بكذا، و عقد النكاح مع البت.

2- أن يدفع للأب أو للأم شيئا تبرّعا بما أنّهما قاما بتربية زوجته.

3- تشترط الزوجة على الزوج في ضمن عقد النكاح دفع شي ء إلى الأب من دون أن يكون مؤثرا في تقليل المهر.

4- تلك الصورة، و لكنّه يكون مؤثّرا في تقليل المهر.

5- تقسيط المهر بين الزوجة و الأب.

أمّا الأولى: فيجب عليه الوفاء بالجعل، لأنّ هنا عقدين و لا صلة لأحدهما بالآخر، و لو طلّق قبل الدخول، لا يرجع بشي ء ممّا دفع من الجعل، و ما ذكره ابن الجنيد من استحباب الوفاء أو استرجاعه إذا طلّق قبل الدخول ضعيف كما نبّه به العلّامة.

و أمّا الثانية: فحكمها واضح، و ما على المحسنين من سبيل.

و أمّا الثالثة: فهي محكومة بالصحّة حسب القواعد، و يكون الزوج هو المشروط عليه و الزوجة هي المشروطة لها و لكن المشروط للأب، و هذا لا ينافي مع قولهم من عدم صحّة الشرط لغير المتعاقدين، فإنّ المراد أن يكون غيرهما مشروطا

______________________________

(1)- المختلف: 101 كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 196

عليه أو مشروطا له، و أمّا إذا كان الأمر بينهما و اتفقا على دفع شي ء إلى الثالث فلا مانع،

كما إذا تبايعا و اشترط المشتري على البائع أن يدفع شيئا إلى المسجد أو إحدى المشاريع الخيرية.

و منه تظهر صحّة الصورة الرابعة كما إذا باع شيئا بأقلّ من ثمن المثل و اشترط على المشتري أن يعمّر المسجد. و إنّما الكلام في شمول المعتبرة لها و هي صحيحة الوشّاء عن الرضا عليه السّلام قال: سمعته يقول: لو أنّ رجلا تزوّج المرأة و جعل مهرها عشرين ألفا و جعل لأبيها عشرة آلاف كان المهر جائزا و الذي جعله لأبيها فاسدا «1». و لعلّ الصحيحة ناظرة إلى الصورة الخامسة، و لا شكّ في حرمته و فساد ما جعله لأبيها، لأنّ المهر ثمن رقبتها و هي أحقّ بمهرها على ما ورد في معتبرة السكوني «2».

مسألة: لا بدّ من تعيين المهر بما يرفع الجهالة:

فلو أصدقها تعليم سورة وجب تعيينها، و لو أبهم فسد المهر و كان لها مع الدخول مهر المثل، و هل يجب تعيين الحرف (القراءة)؟ قيل: نعم و قيل: لا، لم يذكر له دليل سوى عدم وجود الخلاف.

و لكنّه محجوج بغير واحد من الروايات الدالة على كفاية الإبهام و أنّه لا يعامل مع المهر معاملة العوض.

1- مثل خبر سهل الساعدي في تزويج النبي إيّاه على ما يحسنه من القرآن الدال على اغتفار هذه الجهالة. و قد تقدم بنصّه و مصدره.

2- صحيحة محمّد بن مسلم المتضمّنة لتلك القصة حيث زوّج النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم بما مع الرجل من القرآن «3».

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 9 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15 الباب 22 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- الوسائل: 15 الباب 2 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 197

3- ما دلّ من الأخبار على صحّة

التزويج على الدار و البيت و الخادم و أنّ لها وسطا من الأشياء «1».

4- ما دلّ على صحة العقد، بجعل المهر ما حكمت به الزوجة أو الزوج، فانّ العقد اشتمل على مهر مجهول «2».

5- ما دلّ على أنّه يجري على تمثال من سكر و التمثال يختلف صغرا أو كبرا «3».

6- رواية بريد العجلي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة على أن يعلّمها سورة من كتاب اللّه فقال: «ما أحبّ أن يدخل حتّى يعلّمها السورة و يعطيها شيئا ...» الحديث «4».

و ليس في السند إلّا الحارث بن محمّد و هو من أصحاب الأصول و يروي عنه الحسن بن محبوب.

فالحقّ ما ذكرناه، من عدم اشتراط شي ء سوى كونه متموّلا و موردا للرضا فلا يجب تعيين السورة فضلا عن تعيين القراءة.

لو أصدقها تعليم صنعة لا يحسنها أو تعليم سورة فله تأجير الغير لتعليمها، لأنّه ثابت في الذمّة، و إلّا فيقوم بتعليمها بعد تعلّمه. و لو تعذّر التوصل كما إذا اشترطت مباشرة الزوج و صار مريضا و عجز عن التعلّم كان عليه أجرة التعليم، لأنّه قيمة المهر حيث تعذّر عنه.

فان قلت: إذا تلفت العين المستأجرة، أو إذا تعذّر إنجاز العمل من الأجير المشروط عليه المباشرة بطلت الإجارة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 25 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2 و 3.

(2)- الوسائل: 15 الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 2.

(4)- الوسائل: 15 الباب 7 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 198

قلت: الفرق هو أنّ العين المستأجرة أو نفس العمل من الأركان في الإجارة بخلاف المهر.

***

مسألة: لو أصدقها ظرفا على أنّه خلّ فبان خمرا

قال الشيخ: إذا

قال أصدقتها هذا الخلّ فبان خمرا كان لها قيمتها عند مستحلّيها، و قال الشافعي: و يبطل المسمّى و لها مهر المثل، دليلنا: أنّ العقد وقع على معين و نقله إلى مهر المثل يحتاج إلى دليل «1».

و قال المحقّق في الشرائع: و لو قيل كان لها مثل الخل كان حسنا، و به قال ابن الجنيد و ابن ادريس و العلّامة كما في المختلف.

و عن العلّامة في أكثر كتبه وجوب مهر المثل و اختاره في الجواهر.

وجه الأوّل: أنّهما عقدا على موجود شخصي باعتبار ماليّته، فمع بطلان المعاوضة عليه يصار إلى القيمة.

يلاحظ عليه: أنّهما عقدا على هذا بما أنّه خلّ لا بما أنّه خمر، فليس الخمر مقصودا أبدا حتى يصار إلى قيمتها، نعم هو محتمل و إن لم يكن متعيّنا إذا عقدا على الظرف بما أنّه خمر جاهلا بالحكم أو عالما به- و قد مرّ- فلاحظ.

و وجه الثاني: أنّهما عقدا على ما في الظرف زاعمين كونه خلّا، فإذا ظهر خمرا لزم مثله، إذ هو مثلي فائت فيلزم مثله الذي هو أقرب الأشياء إليه.

يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا عقدا على الخلّ الكلّي و طبّقاه على الظرف الماثل بين أيديهما و يكون عندئذ من باب الخطاء في التطبيق بحيث لو كانا عالمين بأنّه خمر لما أشارا إليه، و أمّا إذا فرض أنّهما عقدا على ما في الظرف

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، المسألة 10، كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 199

المخصوص بحيث يكون المهر جزئيا من أوّل الأمر، فإذا بان كونه خمرا ارتفع كونه مهرا و الفرد الآخر لم يقع التراضي عليه.

و الأولى أن يقال: إنّ الرضا بالخلّ الموجود في الظرف لأجل الرضا بالكلي

أوّلا، و على ذلك فالمهر و إن كان أمرا جزئيا، لكن الرضا به لأجل الرضا بالخلّ الكلّي، و لو دفع إليه فرد آخر لا يعدّ وفاء بغير ما عليه، بل الالتزام بأنّ المهر هو ذاك الخلّ الخاص بما هو هو لا يصدر من العاقل إذا كان سائر الأفراد مثله، و لأجل ذلك قلنا في محلّه أنّ المعاملة على الثمن الشخصي كالنقود الرائجة شي ء لا يصحّ قصده من الإنسان العادي، بل الظاهر أنّ الثمن في النقود هو الكلّي في الذمة و أنّ الإشارة إلى الفرد لأجل كونه مصداقا له.

و أمّا القول الثالث: فاستقر به صاحب الجواهر بعدم الرضا بالكلّي إلّا في ضمن الشخص المعين المفروض بطلانه بخروجه عن المالية فيرجع الأمر إلى ذكر مهر لم يسلّم لها فينتقل إلى مهر المثل.

و يظهر ضعفه ممّا ذكرنا من أنّ الرضا بالجزئي في أغلب الموارد من باب الرضا بالكلّي فلا يعدّ دفع مثله دفع شي ء لم يتراضيا عليه.

مع أنّ إلزام مهر المثل عليه إلزام لم يرض به واحد من الطرفين و لم يتزوجا خاليا من المهر حتّى يكونا مقهورين عليه لعدم خلو البضع عن المهر و أقربه هو دفع المثل لأنّهما تراضيا بشي ء شرعي عرض عليه الخطأ في مقام التطبيق.

***

مسألة: إذا تزوّجها بمهر سرّا و بآخر جهرا كان لها الأوّل:

قال الشيخ: إذا عقدا في السرّ بمهر ذكراه، و عقدا في العلانية بخلافه فالمهر هو الأوّل، و للشافعي فيه قولان الأشهر الذي عليه أصحابه مثل ما قلناه و قال

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 200

المزني: مهر العلانية أولى، و ذكر أنّه نصّ الشافعي قال أصحابه ذلك إذا كان الأوّل مراوضة «1».

أقول: للمسألة صورتان:

الأولى: إذا وقع العقد بمهر معيّن سرّا ثمّ عقدا ثانيا بمهر آخر،

سواء كان الثاني أكثر أو أقلّ فالثاني لغو بلا كلام و لعلّ إليه تشير رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل أسرّ صداقا و أعلن أكثر منه فقال: «هو الذي أسرّ و كان عليه النكاح» «2».

الثاني: إذا عقدا على ألفين ظاهرا و كان الجد أنّ المهر هو ألف. و الظاهر، بطلان كون الألفين مهرا لعدم تعلّق الإرادة الجدّية لهما حسب الفرض، إنّما الكلام في وقوع ما أرادا جدّا مهرا.

و الظاهر تعيّنه لتعلّق الإرادة الجدّية و عدم تعلّقها بالألفين، فأشبه بما إذا تواطئا على المهر خارج العقد و لم يذكرا في متنه فالأقوى ثبوت المتواطؤ عليه.

و احتمال الانتقال إلى مهر المثل نظرا إلى أنّ الألف غير مذكور و الألفين غير مقصود، أو وقع ما تلفّظا به، ضعيف، لما عرفت من أنّ النظر إلى الألفاظ طريقي لا موضوعي فلا معنى لوقوع ما تلفّظا به و الرجوع إلى مهر المثل مع اتفاقهما على الألف مع كونه مهرا صحيحا شرعيا، و إنّما يرجع إذا كان المذكور فاسدا شرعا كالخمر.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، كتاب الصداق، المسألة 11.

(2)- الوسائل: 15 الباب 15 من أبواب المهور الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 201

في ضمان المهر على الزوج

اشارة

لا إشكال في ضمان المهر على الزوج حتّى يسلّمه إلى الزوجة عينا كان أو دينا أو منفعة أو عملا بلا خلاف.

إنّما الإشكال في كيفيته.

قال الشيخ: إذا أصدقها شيئا بعينه كالثوب و العبد و البهيمة فتلف قبل القبض سقط حقّها من عين الصداق و النكاح بحاله بلا خلاف، و يجب لها مثله إن كان له مثل، فإن لم يكن له مثل فقيمته. و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه قاله في القديم و

هو اختيار الاسفرايني و به قال أبو حامد و اختار المزني قوله في الجديد أنّ لها مهر مثلها، و عليه أكثر أصحابه- دليلنا- أنّ كل عين يجب تسليمها إلى مالكها فإذا تلف و لم يسقط سبب الاستحقاق لملكها وجب الرجوع إلى بدلها كالغصب و القرض و العارية عند من ضمنها، و لأنّ إيجاب مهر المثل يحتاج إلى دليل و لا دليل عليه «1».

و قال المحقّق: لو تلف قبل تسليمه (بفعل الزوج أو غيره) كان ضامنا له (بمثله إن كان مثليا) و بقيمته وقت تلفه «2».

فنقول: الضمان على قسمين:

1- ضمان المعاوضة، و المراد منه ما إذا كانت جهة الضمان و سببه هو المعاوضة و المعاقدة كالمبيع في يد البائع، و الثمن في يد المشتري قبل التسليم و عندئذ ينفسخ البيع و يجب فيه مثل المبيع أو قيمته.

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 406، كتاب الصداق، المسألة 8.

(2)- الجواهر: 31/ 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 202

2- ضمان اليد كالمستعار المضمون و المقبوض بالسوم، و في مثله يتعيّن عليه المثل أو القيمة أيضا، و المقام من قبيل الثاني لعدم كون المهر عوضا واقعيا للتعبير عنه بالنحلة في بعض الآيات مثل قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً:

و جواز إخلاء النكاح عن المهر.

فان قلت: لو كان ضمان المهر، ضمان اليد فلما ذا قيل بوجوب مهر المثل فيما إذا عقد على الخمر أو الخنزير.

قلت: إنّ البحث فيما إذا كان المهر صحيحا شرعا، لا ما إذا كان باطلا إذ عندئذ يكون من العقد الخالي عن المهر فيرجع فيه إلى مثل المسمّى أو قيمته، مضافا إلى ما عرفت من احتمال كون المهر هو قيمة الخمر ذميين كانا أو مسلمين، فلاحظ.

المضمون قيمة يوم التلف

إذا

كان ضمانه من قبيل ضمان اليد فهل المضمون قيمة يوم العقد لأنّه قيمة يوم الضمان، أو يوم التلف، أو أعلى القيم منه، إليه، لا وجه للأوّل و الثالث بعد كون المضمون قبل التلف هو نفس العين، فلا وجه لاعتبار ضمان القيمة ما لم يتلف و إنّما ينتقل إلى القيمة عند التلف. و أولى منه القول بضمان قيمة يوم الأداء لأنّه مسئول عن العين قبل التلف و بعده إلى يوم الأداء فيطالب بها إلى حين الأداء. فإن أدّى، و إلّا فيحكم عندئذ بأداء القيمة.

نعم لو كان نقصان القيمة لنقصان في العين كما إذا كان سمينا فصار هزيلا لا لتفاوت القيمة السوقية، فالقول بضمانه قوي كما احتمله في الجواهر «1».

مسألتان:

1- لو عاب المهر المعيّن قبل العقد.

2- لو عاب المهر المعيّن بعد العقد.

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 40.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 203

لو عقد على مهر مشخص فوجده معيبا سابقا على العقد، فلا شكّ أنّ منصرفه إلى السالم الصحيح كما هو الحال في سائر الموارد. فللزوجة عندئذ أحد الأمرين:

1- قيمة المسمّى.

2- عينه مع الأرش.

و أورد على الأوّل، باقتضاء ردّه فسخ العقد بالنسبة إليه و هو- مضافا إلى أنّه يحتاج إلى الدليل- يستلزم الرجوع إلى مهر المثل، ضرورة أنّه بعد ردّه يكون العقد خاليا عن المهر، و الرجوع إلى القيمة إنّما هو في الواجب بالعقد، التالف في يد الزوج «1».

يلاحظ عليه: أنّه يكفي في جواز الردّ أنّ إلزامها بقبول المعيب ضرر مرفوع شرعا. و أمّا لزوم دفع قيمة المسمّى أو مثله فلأجل عدم تعلّق الردّ بالمسمّى بجميع مراتبه من المثل أو القيمة حتّى ينتج فسخ العقد بالنسبة، أو يشبه العقد الخالي عن المهر، و إنّما تعلّق ببعض

مراتبه و هو العين لأجل نقصانها و أمّا تقييد الرجوع إلى القيمة فيما إذا تلف بيد الزوج دون ما إذا كان معيبا سابقا ليس له وجه واضح.

نعم، تجويز الرجوع إلى القيمة إنّما يصحّ إذا خرجت العين من ملك الزوجة و هي بعد باقية في ملكها،.

و أورد على الثاني: بأنّه يحتاج إلى الدليل و قد ثبت في المبيع بدليل خاص مضافا إلى أنّه جزء من الثمن مقابل الجزء الفائت من المبيع.

يلاحظ عليه: أنّه يكفي في ذلك لزوم الخروج عن الوصف الفائت و أخذ الأرش، أحد طرقها، و لا يختص بالفائت من المبيع، و ليس الأرش في المبيع أمرا

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 40.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 204

تعبديا بل أمرا عقلائيا أمضاه الشارع.

قال في القاموس: الأرش ما يدفع بين السلامة و العيب في السلعة، و هو أعم من كونه ثمنا أو صداقا.

و بالجملة فمع إمكان تصحيح كون المسمّى مهرا أولى من تجويز رجوعه إلى مهر المثل، نعم استوجه صاحب الجواهر لزوم دفع مهر المثل و هو كما ترى.

لو عاب بعد العقد في يد الزوج، فالوجهان السابقان و لكن الأولى هو الثاني، أي أخذ العين مع الأرش لأنّه لم يخرج عن ملكها بالعيب و العين باقية و الفائت وصف من أوصافها فيجب الخروج عن ذلك الفائت و هو الوصف دون العين.

نعم لو قلنا بكون الضمان في المقام ضمان المعاوضة فينفسخ العقد بالنسبة إلى المهر و يرجع إلى مهر المثل لا القيمة و قد عرفت أنّ الضمان، ضمان اليد فالرجوع إلى القيمة خال عن الدليل على كلا المبنيين و قد مرّ الإفتاء به عن بعض العامة.

مسألة: للزوجة الامتناع حتّى تقبض الصداق

قال الشيخ: إذا سمّى الصداق و دخل بها قبل

أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفي بل لها المطالبة بالمهر و يجب عليها تسليم نفسها. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتى تقبض لأنّ المهر في مقابلة كل وطء في النكاح- دليلنا- أنّ البضع حقّ استحقّه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ جاز أن تمنع حقّه لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل «1». و ما ذكره يدلّ على التفصيل بين قبل الدخول و بعده، و قال في النهاية:

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 416. كتاب الصداق، المسألة 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 205

و للمرأة أن تمتنع من زوجها حتّى تقبض منه المهر «1». و هو يدلّ على المنع مطلقا.

و قال في الوسيلة: و للمرأة الامتناع من الدخول بها و إن أفضى إليها كرها حتى تستوفي المهر، و إن مكّنت من الدخول لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع فإن امتنعت نشزت و سقطت نفقتها «2».

أقول: إنّ للمسألة صورا:

الصورة الأولى: إذا كان المهر حالّا و الزوج موسرا و لم يدخل بها فهل يجوز لها الامتناع؟ و المسألة غير منصوصة و فيها قولان:

الأوّل: ما عرفت من القول بالمنع، لأنّ ذلك مقتضى المعاوضة، و إيتاء أجورهن في غير واحد من الآيات و قال: إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسٰافِحِينَ «3» و قال تعالى: يٰا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّٰا أَحْلَلْنٰا لَكَ أَزْوٰاجَكَ اللّٰاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ «4» و قال تعالى: وَ لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذٰا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ «5»، و تسليم الزوجة نفسها مقيد لبّا و لفظا على أخذ الصداق و إطلاقه يقتضي كونه نقدا.

و بذلك يظهر أنّ حقّ الاستمتاع في مقابل الصداق،

فإذا أبى أحد الطرفين فللطرف الآخر الإباء أخذا بحكم التقابل، نعم لا يجبر واحد منهما على التسليم.

الثاني: إنّ تسليم الزوجة نفسها حقّ عليها و تسليم المهر إليها حقّ عليه، فيجب على كلّ منهما إيصال الحقّ إلى مستحقّه فإذا أخلّ أحدهما بالواجب عصى و لا يسقط بعصيانه حقّ الآخر.

و قد استجوده صاحب الحدائق، و قال: إنّ قضيته العقد أوجبت استحقاق

______________________________

(1)- النهاية: 475.

(2)- الوسيلة: 299.

(3)- المائدة: 5.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 205

(4)- الأحزاب: 50.

(5)- الممتحنة: 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 206

الزوج البضع و استحقاق المرأة المهر، فليس لأحدهما الإخلال بما وجب عليه في مقابلة امتناع الآخر و إخلاله بما وجب عليه «1».

يلاحظ عليه: أنّ القائل لاحظ الحقّين، أمرين مستقلّين ليس أحدهما في مقابل الآخر فأشبه بالحقوق غير المتقابلة مثلا أنّ لكلّ مسلم على مسلم أن لا يغتابه فليس له الوقيعة من أخيه إذا اغتاب الآخر، و لكن المقام من قبيل الحقوق، متقابلة حيث تقول في العقد على الزوجين «على الصداق المعلوم».

نعم ذكر صاحب الحدائق في المسألة قولين آخرين.

1- يجبر الزوج على تسليم الصداق أوّلا فإذا أسلم سلمت نفسها، و الفرق بينهما أنّ فائت المال يستدرك و فائت البضع لا يستدرك.

2- لا يجبر واحد منهما لكن إذا بادر أحدهما إلى التسليم أجبر الآخر على تسليم ما عنده.

و لا يخفى أنّ القولين ليسا في طول القول الآخر فللقائل بالامتناع أن يقول بأحد هذين الوجهين.

و الظاهر، جواز إجبار الزوج إذا رفعت المرأة كلّ حاجز يمنع من الاستمتاع و صارت مستعدة لكنّه لا تسلم نفسها إلّا

إذا أسلم، و ذلك لأنّ موقف الزوجة موقف البائع فكما أنّه إذا دفع المانع عن تسلّط المشتري عليه، يجوز طلب الثمن من المشتري، فهكذا المقام يكفي كونها دافعة للمانع سوى تسليمها للزوج و المفروض وجودها.

و أمّا تسمية المهر نحلة في قوله تعالى: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً «2» أو عدم بطلانه مع كون العقد عاريا من المهر، و عدم فساده إلى غير ذلك من الأحكام

______________________________

(1)- الحدائق: 24/ 461.

(2)- النساء: 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 207

التي لا تجتمع مع الغرض الحقيقي، فلا ينافي ما ذكرناه لما عرفت من أنّ النكاح برزخ بين المعاوضة و العبادة.

الصورة الثانية: إذا كان المهر حالّا و الزوج معسرا.

و الظاهر، أنّ الحكم فيهما واحد و التفاوت بالإثم في الأوّل دون الثاني و جواز الجبر فيه دون الآخر، و أمّا استحقاق النفقة فالظاهر أنّها تستحق لعدم امتناعه من التمكّن إذا دفع إليه حقّها، بخلاف الناشزة، فإنّها تمنع مع عدم استحقاقها شيئا و عدم تمكّن الزوج من الدفع إنّما يسقط جواز الجبر لا الحكم الوضعي، أعني:

النفقة التي يقدر عليها.

الصورة الثالثة: إذا كان المهر مؤجّلا سواء كان الزوج موسرا أو معسرا و الظاهر بل المقطوع أنّه ليس لها الامتناع لأنّ حقّه بلا معارض، بخلاف حقّها فإنّه مؤجّل فلا حجّة لها على الامتناع.

نعم، لو مضت مدّة و لم يدخل بها لمانع من مرض أو سفر أو غيرهما و صار المهر حالّا فهل يجوز لها الامتناع تمسّكا بتقابل الحقّين المتقابلين، أو لا يجوز تمسّكا باستقرار وجوب التسليم عليها قبل الحلول فيستصحب، و لأنّهما عقدا و تراضيا على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسليم الآخر، فبناء المعاوضة حينئذ على سقوط حقّ

الامتناع بالنسبة إليها؟ رجّح صاحب الجواهر الثاني، و الظاهر، هو الأوّل لأنّه إذا صار الثمن حالا يندرج تحت الكبرى الكلّية من أنّه يجوز الامتناع لصاحب الحقّ المتقابل عن التسليم إذا امتنع الآخر عنه، و معه لا يبقى مجال للاستصحاب، و تراضيهما على أن لا يقف تسليم أحد العوضين على تسليم الآخر كان محدودا مؤقّتا لا عند ما حلّ الأجل ففي مثل هذا يتمسّك بالقاعدة الكلية.

الصورة الرابعة: إذا كان المهر حالا و دخل بها، فهل له الامتناع فيما بعد

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 208

حتى تتسلم؟ ففيه خلاف، نقل عن المفيد جواز الامتناع.

قال في المقنعة: فإن دخل بها قبل أن يقدم شيئا أخطأ السنّة، و كان المهر في ذمته دينا عليه، يلزم تسليمه إلى المرأة أيّ وقت طالبته به «1» و أنت ترى أنّ العبارة ساكتة عن جواز الامتناع و إنّما صريحة في لزوم التسليم.

و اضطرب كلام الشيخ في كتابيه، فقال في الخلاف بعدم جواز الامتناع: إذا سمّى الصداق و دخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك، الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفى بل لها المطالبة بالمهر، و يجب عليها تسليم نفسها. و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتى تقبض، لأنّ المهر في مقابلة كل وطء في النكاح، ثمّ استدل الشيخ بأنّ البضع حقّ استحقه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ، جاز أن تمنع حقّه لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل «2».

و قال في المبسوط: بجواز الامتناع و قد عرفت كلام ابن حمزة.

و ذهب المحقّق إلى ما ذهب إليه الشيخ في الخلاف و هو عدم جواز الامتناع قائلا: بأنّه

أشبه بأصول المذهب و قواعده لأنّ الاستمتاع حقّ لزم بالعقد، خرج منه الاستمتاع قبل القبض بالإجماع فيبقى الباقي على أصله، و أيّده في الجواهر بقوله: و سقوط حقّها برضاها (و لو مرّة واحدة) و لا دليل عليه.

و الظاهر جواز الامتناع فليس هنا حقّان منفصلان بل حقان متقابلان فلها الامتناع في مقابل امتناعه، و أمّا حديث سقوط حقّها بالرضا فعجيب جدّا، لأنّه رضى بتأخّر حقّها عن زمان الاستمتاع و هو لا ينافي فعلية حقها بعده.

***

______________________________

(1)- المقنعة: 509.

(2)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 39.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 209

في مفوضة البضع

اشارة

التفويض ينقسم إلى: تفويض البضع، و تفويض المهر، و الفرق بينهما، هو أنّ الأوّل عبارة عن إهمال المهر في العقد و عدم ذكره بالمرّة. و الثاني، عبارة عن ردّ أمر المهر إلى أحد الزوجين أو ثالث، و الكلام في الأوّل في أمور:

الأمر الأوّل: يجوز إخلاء العقد من المهر لتصريح الكتاب و الأخبار الكثيرة، أمّا الكتاب، فقوله سبحانه: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتٰاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ «1».

وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ «2».

و أمّا السنّة فيكفي ما ورد في حكم صداق المرأة التي نكحت بلا مهر حيث

______________________________

(1)- البقرة: 236.

(2)- إنّ الآية بصدد بيان حكم الطلاق قبل المس، و هو على قسمين: تارة يقع الطلاق قبل المس و قبل الفرض، و أخرى قبل المس و لكن بعد الفرض و تضمّنت الآية الأولى حكم الأوّل، و الثانية حكم الثاني.

و

بذلك يظهر معنى الآية الأولى و أنّه لما ذا أتى ب «أو» دون «الواو» و قال: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً و ذلك: لأنّ الشق الأوّل مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ راجع إلى الطلاق قبل المس و بعد الفرض، و كأنّه قال: ما لم تمسّوهنّ (و قد فرضتم لهنّ فريضة). و قد ذكر حكمه في الآية الثانية.

و الشق الثاني يرجع إلى الطلاق قبل المس و قبل الفريضة و قال: أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً أي ما لم تمسّوهنّ و لم تفرضوا لهنّ فريضة و بيّن سبحانه حكمه في الآية الأولى. و على كل تقدير، تدلّ على جواز إخلاء العقد من ذكر المهر، و الظاهر من الجناح المنفي هو نفيه عن ترك المهر في العقد و يدلّ على ذلك ذكر التمتيع إذا طلّقن قبل الدخول و الحال هذه، فيكون التمتيع قائما مقام المهر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 210

سلّم صحة العقد و يبحث عن شئون مهرها كما في رواية الحلبي و موثق منصور ابن حازم و رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه «1».

و يؤيّده، ما مرّ من أنّ المهر ليس من أركان العقد، فإنّه رابطة بين الزوجين بخلاف العوضين في البيع.

الأمر الثاني: يتحقّق تفويض البضع بالسكوت عن المهر تارة، و عدمه في حال العقد أخرى، و عدمه مطلقا في الحال و المآل ثالثا، إنّما الكلام في صحّة العقد في الأخير، و لا شكّ أنّ الشرط فاسد، و إنّما الكلام في فساد المشروط، فهل يفسد لأجل كونه على خلاف مقتضى عقد النكاح لدلالة الأخبار على وجوب المهر بالعقد أو بالوطء، أو بالفرض، أو لا؟ الظاهر لا، إذ لو

كان الالتزام بالمهر و لو بالمال من مقتضيات العقد لزم كونه كذلك عند جميع الأمم، كما أنّ الثمن في البيع و الأجرة في الإجارة كذلك و لأجل ذلك التزموا على بطلان البيع بلا ثمن و الإجارة بلا أجرة.

و أقصى ما يمكن أن يقال: إنّه على خلاف الكتاب و السنّة، و من المعلوم أنّ مثله يكون فاسدا و لا يكون مفسدا كما هو الحال في كل شرط فاسد لأجل كونه على خلاف الكتاب و السنّة.

و ما دلّ من الروايات من أنّه: لا تحلّ الهبة إلّا لرسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و أمّا غيره فلا يصلح نكاح إلّا بمهر «2»، و نظائره فليس صريحا في فساد العقد بل الظاهر منها أنّه لا يتمّ النكاح إلّا بمهر، فعليهما أن يعيّنا مهرا في المآل.

الأمر الثالث: فإن طلّقها قبل الدخول و قبل الفرض فعليه التمتيع وجوبا لظاهر الكتاب في قوله سبحانه: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ «3» و المراد من المحسن هو

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 12 من أبواب المهور، الحديث 1، 2 و 3.

(2)- الوسائل: 14 الباب 2 من أبواب عقد النكاح، الحديث 2.

(3)- البقرة: 236.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 211

المحسن بالطاعة. مضافا إلى النصوص الواردة في المقام «1».

الظاهر اختصاص الحكم بالطلاق و أمّا المفارقة بالموت قبل المس و الفرض فلا دليل عليه، قال الشيخ: إذا مات أحدهما قبل الفرض و قبل الدخول فلا مهر لها، و به قال في الصحابة عليّ عليه السّلام و ابن عباس و زيد و الزهري، و به قال ربيعة و مالك و الأوزاعي و أهل الشام و هو أحد قولي الشافعي و القول الآخر: لها مهر مثلها،

و به قال ابن مسعود و أهل الكوفة و ابن شبرمة و ابن أبي ليلى و الثوري و أبو حنيفة و أصحابه و أحمد و إسحاق- دليلنا- أنّ الأصل براءة الذمّة و شغلها بذلك يحتاج إلى دليل «2».

و بذلك يظهر حكم الفراق بلا طلاق، نظير الفراق عن لعان أو الفسخ بغيب و من فرض له مهر فاسد إلى غير ذلك من الصور، سواء كان الفراق من جانب الزوج أو من جانب المرأة.

الأمر الرابع: هل التمتيع يختص بالمطلّقة التي لم يفرض لها مهر و لم يدخل بها، أو يعمّ ما إذا لم تفرض لها فرض و لكن دخل بها- فإنّ الواجب فيه مهر المثل- مع التمتيع أيضا؟.

الظاهر هو الأوّل، و التمتيع، يقع موضع المهر، كما هو ظاهر الآية و النصوص و الفتاوى، و ربّما يقال بالثاني أخذا بما ورد في بعض الروايات ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «متعة النساء واجبة دخل بها أو لم يدخل بها، و يمتّع قبل أن يطلّق» «3».

يظهر من بعضها الآخر أنّ المتعة مطلوبة حتّى مطلقا و إن فرض لها المهر

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور.

(2)- الخلاف: 2 كتاب الصداق، المسألة 18.

(3)- الوسائل: 15، الباب 50 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 212

لقوله في صحيح البزنطي: «إنّ متعة المطلّقة فريضة» «1» و قوله في صحيح حفص ابن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطلّق امرأته أ يمتّعها؟ قال: «نعم أما يحبّ أن يكون من المحسنين، أما يحبّ أن يكون من المتّقين» «2».

و الكلّ محمول على الاستحباب كما هو لسان صحيح البختري ففي

رواية جابر عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير قوله تعالى:

فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَرٰاحاً جَمِيلًا قال: «متّعوهنّ: جمّلوهنّ بما قدرتم عليه فإنهنّ يرجعن بكآبة و حياء و همّ عظيم و شماتة من أعدائهنّ، فإنّ اللّه كريم يستحيي و يحبّ أهل الحياء إنّ أكرمكم عند اللّه أشدّكم إكراما لحلائلهم» «3».

الأمر الخامس: المعتبر في المتعة حال الزوج في الوسع و الإقتار.

و هل المعتبر في المتعة، هو حال الزوج، فيقوم بما يناسب حاله كما هو ظاهر الآية، و كثير من النصوص «4» أو الميزان اعتبار حالها، و هو المروي عن الشافعي، قال في الخلاف: «فالاعتبار بالإعسار و اليسار، بالرجل، دونها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه و الآخر الاعتبار بإعسارها و يسارها و جمالها لأنّه بدل عن مهر مثلها و ذلك معتبر بها «5».

و يؤيّد القول الثاني: بعض الروايات مثل ما رواه الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يطلّق امرأته قبل أن يدخل بها؟ قال: «عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها شيئا فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 9 و روي مرسلا أيضا في الباب 49، الحديث 9 و من 48، الحديث 6 و 2 من أبواب المهور.

(2)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور، الحديث 5.

(3)- الوسائل: 15 الباب 49 من أبواب المهور، الحديث 6، و الآية 49 من سورة الأحزاب.

(4)- الوسائل: 15 الباب 49 من أبواب المهور.

(5)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 16.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 213

النساء» «1».

و حملها في الوسائل، على التقية، و يمكن أن يقال:

إنّ الميزان هو حال الزوج فلو كان معسرا لا يطلب منه ما يطلب من الموسر و إن كانت الزوجة جميلة مثرية إذ التكليف فرع القدرة، و إن كان الزوج موسرا فيجب عليه مراعاة حالها، فلو كان قادرا على نوعين من العمل أحدهما لا يناسب شأنها و الآخر يناسب حالها فليختر ما يناسب شأنها فهو قادر على ذلك، و هذا لا ينافي كون الميزان هو حال الزوج، فلاحظ.

ثمّ إنّ الظاهر من الآية اعتبار حالين للزوج: السعة و الإقتار، لكن الظاهر من الشرائع، تقسيمه إلى ثلاث:

حيث قال: فالغني، يمتع بالدابة، أو الثوب المرتفع، أو عشرة دنانير، و المتوسط، بخمسة دنانير، أو الثوب المتوسط، و الفقير، بالدينار أو الخاتم و ما شاكله «2».

و هو مطابق لما رواه الصدوق في الفقيه «3» و هو معنى ما ورد في فقه الرضا عليه السّلام «4».

و الظاهر، إمكان الجمع بين اللحاظين فإنّه إذا كان المراد من اليسار و الإقتار هو النسبيّ منهما فالمتوسط بينهما داخل في كلا القسمين باعتبارين و ليس شيئا ثالثا، و لأجل ذلك اكتفى الذكر الحكيم بذكر حالين.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 48 من أبواب المهور الحديث 7 و مثلها رواية أبي الصباح الكناني، الحديث 8 من نفس الباب.

(2)- الجواهر: 31/ 55.

(3)- الوسائل: 15، الباب 49 من أبواب المهور، الحديث 3.

(4)- المستدرك: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 214

الأمر السادس: المفوضة لا تستحق المهر بنفس العقد و لكن لها حق المطالبة بفرض المهر و أنّ لها حبس نفسها عليه. و وجهه، أنّ رضاها بالتفويض إنّما هو بالنسبة إلى خلوّ العقد عن المهر لا عدمه مطلقا، و ذلك لما عرفت من

أنّ النكاح لا يخلو عن المعاوضة فلها المطالبة بتعيين العوض، نعم إذا تراضيا بشي ء من العوض جاز، لأنّ الحقّ لهما سواء كان بقدر مهر المثل أو أزيد أو أقلّ.

إذا كان مفروض الزوج أقلّ من مهر السنّة، لم يقع بغير رضاها بلا إشكال لأنّها تستحق في الواقع مهر المثل لكن الشارع حدّدها بمهر السنّة فالتقليل من مهر السنّة يحتاج إلى الدليل.

لو ترافعا إلى الحاكم، يفرض لها مهر المثل بشرط أن لا يتجاوز مهر السنّة بناء على عدم جواز التجاوز عنه و قد عرفت حاله.

الأمر السابع: التفويض في المولّى عليها

يتحقق التفويض من البالغة الرشيدة و إن كانت بكرا بناء على ما عرفت من أنّ أمرها إليها.

و أمّا الصغيرة و المجنونة و الكبيرة السفيهة، فليس لهنّ التزويج بالمهر فضلا عن التفويض.

و إنّما الكلام في جواز ذلك للولي فهل له التزويج بأقلّ من مهر المثل أو بدون ذكر المهر لتكون مفوّضة البضع؟ قولان:

1- يصحّ العقد، دون التفويض أو النقص مع المصلحة في النكاح أو عدم المفسدة فيه و يثبت لها مهر المثل و يستقرّ مع الدخول و إلّا النصف إذا طلّق قبله.

2- يصحّ العقد و التفويض و العقد على المهر الأنقص من مهر المثل، و على ذلك فلو طلّق قبل الدخول تكون المتعة إذا لم يذكر المهر و نصف المسمّى الأنقص. مبنى الوجه الأوّل: أنّ النكاح من قبيل المعاوضات فيكون تصرّف الولي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 215

منوطا بمهر المثل و ثمن المثل و التفويض أقلّ من مهر المثل على القول بتحديده بمهر السنّة.

يلاحظ عليه: أنّ قياس النكاح على سائر المعاوضات، مورد تأمّل، لأنّه و إن كان يشترط في تصرّف الولي من الأب و

الجدّ وجود المصلحة، أخذا بقوله سبحانه:

وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ* «1» إذ المراد من الاقتراب، ما يعدّ تصرّفا كالاقتراض و البيع و الإجارة، و ما أشبه ذلك إلّا أنّ الآية مختصة بباب المعاوضات المحضة لا مثل النكاح الذي تكون فيه المعاوضة ضمنية و لأجل ذلك، لو اقتضت المصلحة النكاح بصورة التفويض أو الأنقص من مهر المثل جاز و إن كان مهر السنّة الذي هو المتعيّن في صورة التفويض، و لأجل ذلك يجوز له العفو عن أصل المهر إذا اقتضت المصلحة طلاقها.

***

الكلام في بعض الصور الباقية

إلى هنا تمّ الكلام فيما إذا كانت مفوضة البضع إن لم يذكر مهر لها في العقد، و طلّقها الزوج قبل الدخول و لنذكر أحكام سائر الصور:

1- إذا طلّقها بعد الدخول و قبل الفرض، فلها مهر أمثالها بلا خلاف، مضافا إلى النصوص المتضافرة، ففي مضمرة الحلبي قال: سألته عن الرجل يتزوّج امرأة فدخل بها و لم يفرض لها مهرا ثمّ طلّقها؟ فقال: «لها مهر مثل مهور نسائها و يمتّعها» «2».

______________________________

(1)- الأنعام: 152.

(2)- الوسائل: 15 الباب 12، من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 216

2- لو مات أحدهما قبل الدخول و قبل الفرض فلا مهر كما هو الأصل و لا متعة لاختصاصها في الكتاب بالطلاق، و ثبوته في غيره يحتاج إلى الدليل، بل الدليل على خلافه لصحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في المتوفّى عنها زوجها إذا لم يدخل بها: «إن كان فرض لها مهرا فلها مهرها الذي فرض لها ...

و إن لم يكن فرض لها مهرا فلا» «1». و لقد نقل الخلاف عن المخالفين و هو

ليس بحجّة.

3- لو دخل بها و الحال هذه يجب مهر المثل و قد اختلفت كلمتهم حول مهر المثل في موارد مع أنّ الوارد في النصّ هو قوله: «لها صداق نسائها» و «مهر نسائها» و «مهر مثل مهور نسائها» في الروايات الثلاثة الماضية، أعني: رواية الحلبي، و منصور بن حازم و عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه و إليك موضع الاختلاف.

هل الميزان في مهر المثل هو لحاظ المرأة كل الشئون من الشرف و الجمال و البكارة و العقل و اليسار و العفّة و تدبير المنزل و العلم و القدرة على الخياطة و نحوها، فيكون المراد مهر من ماثلتها في هذه الشئون، أو الميزان لحاظها بصفاتها الظاهرية بين أهلها؟

فإذا كان المراد من المثلية هو الثاني، فهل الميزان الأقارب مطلقا من غير فرق بين من يرجع منهم إلى الأب أو الأمّ، أو هو خصوص أقارب الأب كما عليه المهذّب.

و على فرض اعتبار الأقارب فهل يعتبر أن يكونوا من أهل بلدها لاختلاف المهور باختلاف البلدان اختلافا عظيما، أو لا؟ وجهان و إلى الأوّل ذهب صاحب المدارك.

______________________________

(1)- الوسائل: 15 الباب 58 من أبواب المهور الحديث 22.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 217

في تفويض المهر

قد عرفت أحكام تفويض البضع و هو العقد من دون ذكر المهر، فحان حين البحث عن حكم تفويض المهر و هو أن يتزوّج و يفوّض تقديره إلى أحد الزوجين.

و يظهر من الشيخ: صحّة التفويض إلى تقديرهما معا و هو اتّفاقهما على مقدار معين قال في الخلاف: مفوضة المهر هو أن يذكر مهرا و لا يذكر مبلغه فيقول: تزوّجتك على أن يكون المهر ما شئنا أو ما شاء أحدنا. فإذا تزوّجها على ذلك فإن قال: على

أن يكون المهر ما شئت أنا، فإنّه مهما يحكم به وجب عليها الرضا به قليلا كان أو كثيرا، و إن قال: على أن يكون المهر ما شئت أنت، فإنّه يلزمه أنّ يعطيها ما تحكم به ما لم يتجاوز خمسمائة درهم، و قال الفقهاء كلّهم؛ أبو حنيفة و الشافعي: إنّه يلزمه مهر المثل «1».

و الظاهر، من فقهاء سائر المذاهب إبطال هذا القسم من التفويض و جعله من المهر الفاسد، و إجراء حكمه عليه.

أقول: يقع الكلام في موارد:

الأوّل: هل يختص التفويض بأحد الزوجين، أو يعمّهما، بل يعمّ الأجنبي؟.

و الظاهر من المحقّق، هو الأوّل، و من الشيخ هو الثاني، و الظاهر من البعض المحكي عنه في المسالك، هو الثالث.

أقول: النصوص الواردة في المقام وارد مورد الغالب و هو تفويض المهر إلى أحدهما، و أمّا التفويض إليهما فيكفي في ذلك عموم «الصداق ما تراضيا عليه» «2»

______________________________

(1)- الخلاف: 2/ 410، كتاب الصداق، المسألة 21.

(2)- الوسائل: 15 الباب 1 من أبواب المهور، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 218

ثمّ لو لم يتّفقا فعن الشيخ، أنّه يتوقف حتّى يصطلحا و احتمل الرجوع إلى الحاكم، و أمّا تفويضه إلى الأجنبي فهو نوع وكالة منهما من حيث المورد و قد رجعنا إلى مظانّه فلم نجد دليلا صالحا للعمومية، اللّهمّ إلّا أنّ يقال: يكفي في إحراز الصلاحية كونه قابلا للوكالة عند العرف فيعمّه أدلّة لزوم الوفاء بالشروط.

الثاني: الظاهر من الروايات أنّه متى فوّض أمر المهر إلى الزوج كان له الحكم بما شاء من قليل أو كثير، و لو فوّض إلى الزوجة فليس لها الحكم بأزيد من مهر السنّة. و يدلّ عليه رواية الحسن بن زرارة عن أبيه، قال: سألت أبا جعفر

عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة على حكمها، قال: «لا يجاوز حكمها مهور آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلم اثنتي عشرة أوقية و نشّا و هو وزن خمسمائة درهم من الفضّة» قلت: أ رأيت إن تزوّجها على حكمه و رضيت بذلك؟ قال: فقال: «ما حكم من شي ء فهو جائز عليها قليلا كان أو كثيرا» قال: فقلت له: فكيف لم تجز حكمها عليه و أجزت حكمه عليها؟

قال: فقال: «لأنّه حكّمها فلم يكن لها أن تجوز ما سنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم و تزوّج عليه نساءه فرددتها إلى السنّة و لأنّها هي حكّمته و جعلت الأمر إليه في المهر و رضيت بحكمه في ذلك فعليها أن تقبل حكمه قليلا كان أو كثيرا» «1».

و صحيحة محمّد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة على حكمها أو على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها؟ قال: «لها المتعة و الميراث و لا مهر لها» قلت: فإن طلّقها و قد تزوّجها على حكمها؟ قال: «إذا طلّقها و قد تزوّجها على حكمها لم تجاوز حكمها عليه أكثر من وزن خمسمائة درهم فضّة مهور نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم» 2.

و الحسن بن زرارة و إن كان مهملا في الرجال و لم يذكر فيه مدح و لا ذمّ،

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15 الباب 21 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 219

لكن الظاهر من رواية الكشي «1» كونه ممدوحا من حيث دعاء الإمام الصادق عليه السّلام في حقّه عند ما أدّى رسالة أبيه إلى الصادق عليه السّلام

و لذا عدّه المجلسي من الممدوحين، و تعبير الرواية في بيان التفريق و إن كان غير واف بالمراد و أشبه بالمصادرة بالمطلوب و لكن يمكن أن يقال: إنّ المراد أنّه إذا كان الزوج هو المفوّض فبما أنّه الباذل ماله فله الحكم بما شاء لتسلّط الناس على أموالهم، و هذا بخلاف ما إذا كانت المرأة هي المفوضة فبما أنّها تبذل من كيس الغير فليس لها أن تتجاوز من مهر السنّة أخذا بالورع.

الثالث: إنّك قد عرفت في تفويض البضع أنّه لو طلّقها قبل الدخول ففيها المتعة و هذا بخلاف المقام، و الفرق عدم ذكر المهر هناك بخلافه في المقام، فإنّه قد ذكر إجمالا، و على هذا لو طلّق قبل الدخول و بعد الحكم لزمه النصف، و إن كان طلّق قبل الدخول و قبل الحكم يلزم بالحكم و كان لها النصف و يدلّ عليه ذيل رواية محمّد بن مسلم «2» و الرواية و إن كانت واردة في مورد كون الحاكم هو المرأة، لكنّه لا فرق لعمومية أدلّة النصف في الطلاق.

و الفرق بين الطلاق قبل الدخول في تفويض البضع و ما نحن فيه واضح حيث إنّ الأوّل فيه المتعة دون المقام ففيه نصف ما يحكم به و ذلك لأنّه أقدم على النكاح بصورة المجان فالشارع أجبره بالتمتيع بخلاف المقام لأنّه لم يقدم إلّا بالمهر غاية الأمر جعل التقدير بيد الغير فإذا طلق فلا وجه للعدول عن النصف مثل ما اذا كان معيّنا من أوّل الأمر.

الرابع: لو مات الحاكم قبل الحكم و بعد الدخول فلها مهر المثل مطلقا أو ما لم يزد عن مهر السنة خصوصا إذا كان الحكم إليها و قد مات قبل حكمها.

______________________________

(1)- رجال الكشي، طبعة الأعلمي.

(2)- الوسائل:

ج 15 الباب 21 من ابواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 220

الخامس: لو مات الحاكم قبل الحكم و قبل الدخول فالمشهور سقوط المهر و ثبوت المتعة قال الشيخ:

«فان مات الرجل أو ماتت المرأة قبل ان يحكما لم يكن لها مهر و كان لها المتعة حسب ما قدمناه» «1» و قوله: «قبل أن يحكما» قرينة على أنّ الميت هو الحاكم.

و الدليل الوحيد هو صدر صحيحه ابن مسلم حيث قال: في رجل تزوج امرأة على حكمها او على حكمه فمات أو ماتت قبل أن يدخل بها، قال: «لها المتعة و الميراث و لا مهر لها».

و الاستدلال مبني على كون الميت هو الحاكم لا المحكوم عليه سواء كان الحاكم زوجا أو زوجة و ربما يدعى أنّ المتبادر هو كون الميت هو الحاكم لأنّه الأقرب و المحدّث عنه كما في الحدائق «2».

يلاحظ عليه: أنّ المحدّث عنه، في قوله: «مات» هو الرجل، و هو في الحديث هو المحكوم عليه، لقوله: «رجل تزوج امرأة، على حكمها» كما ان المحدّث عنه في قوله «ماتت» هو المرأة المحكومة عليها فلو لم تكن الرواية ظاهرة في غير هذه الصورة فليست ظاهرة فيها.

نعم ذيل الحديث يمكن أن يكون قرينة على أنّ الميت هو الحاكم، لأنّ المفروض فيه هو الطلاق قبل الدخول مع حياة الزوجين، فقد ذكر أنّ الحكم لا يسقط بالطلاق مع بقاء الحاكم، و إذا لم يسقط بالطلاق لم يسقط بالموت، بطريق أولى، لبقاء الزوجية في الثاني دون الأوّل، فيستكشف من عدم الرجوع إلى الحاكم، كون الميت هو، و إلّا كان الحق، الإرجاع إليه لعدم سقوط الحق بالموت.

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية: 472.

(2)- البحراني: الحدائق الناضرة: 24/ 493.

نظام النكاح في

الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 221

و هناك قولان آخران:

الأوّل: ما حكى عن الشيخ في المبسوط «1» و العلّامة في القواعد «2» انّ لها مهر المثل مع موت الحاكم، و علّله بوجهين:

1- انّه قيمة البضع حيث لم يتعين غيره

2- انّ المهر مذكور غاية الأمر انه مجهول، فإذا تعذر وجب الرجوع إلى مهر المثل.

و الأوّل انّما يتم اذا دخل بها و المفروض غيره، و الثاني غير ثابت لأنّه غير مذكور إلّا إجمالا و ليس لها واقع ثابت حتى يكون المثل طريقا إليه.

الثاني: عدم ثبوت شي ء مع موت الحاكم. و لو لا النص يكون هذا أظهر، لأنّ مهر المثل يكون بالدخول، و المتعة بالطلاق و هو غير المفروض و لكنه يرده كأنّه اجتهاد في مقابل النص، كما لا يخفى.

تم الكلام في تفويض البضع و تفويض المهر و يليه الكلام في احكام المهر بإذنه سبحانه

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 296.

(2)- العلامة: القواعد: 2/ 41.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 223

الفصل السادس عشر: في أحكام المهر

اشارة

1- ليس الدخول هادما للصداق

2- ما هو السبب لاستقرار المهر على الزوج

3- إذا لم يسمّ المهر و قد قدّم شيئا و دخل

4- الطلاق قبل الدخول منصّف للمهر

5- إذا أبرأته من الصداق ثمّ طلّقت

6- إذا خلعها بالمهر قبل الدخول

7- إذا اشترط عدم التزوج و التسري

8- إذا اشترطت أنّ لا يقتضّها

9- إذا اشترطت عدم اخراجها من بلدها

10- الصداق يملك بالعقد

11- إذا صار المهر المؤجّل حالّا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 225

في أحكام المهر و فيه مسائل:

المسألة الأولى: ليس الدخول هادما للصداق من أحكام المهر
اشارة

عدم سقوطه بالدخول كلا أو بعضا، عاجلا أو آجلا، طالت المدّة أم قصرت أخذا بالقاعدة المسلّمة بين العقلاء و المنسوبة إلى الإمام علي عليه السّلام من أنّ الحقّ القديم لا يبطله شي ء. و عموم قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء/ 40) و الروايات الخاصة المتضافرة كصحيح البزنطي قلت لأبي الحسن عليه السّلام: الرجل يتزوّج المرأة على الصداق المعلوم فيدخل بها قبل أن يعطيها فقال: يقدّم إليها ما قلّ أو كثر إلّا أن يكون له وفاء من عرض، إن حدث به حدث أدّى عنه فلا بأس. «1»

و قال صاحب الحدائق و يؤيّد الحكم ما دلّ على أنّ من تزوّج امرأة و لم ينو أن يوفيها صداقها فهو عند اللّه زان ثمّ ذكر الروايات «2» لكن الاستدلال بها كما ترى، إذ لا صلة بين المسألتين، فإن نيّة غصب مهر المرأة شي ء، و كون الدخول بمجرّده، هادما للمهر و مسقطا له، شي ء آخر و الكلام في المسألة الثانية دون الأولى.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ أيضا، الحديث 2، 3، 9، 10، 12 من هذا الباب.

(2)- الحدائق: 24/

497.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 226

و المسألة موضع اتّفاق بين الأصحاب قال الشيخ: إذا سمّى الصداق، و دخل بها قبل أن يعطيها شيئا لم يكن لها بعد ذلك الامتناع من تسليم نفسها حتّى تستوفى، بل لها المطالبة بالمهر، و يجب عليها تسليم نفسها و به قال الشافعي. و قال أبو حنيفة: لها أن تمتنع حتّى تقبض، لأنّ المهر في مقابلة كلّ وطء في النكاح. دليلنا:

أنّ البضع حقّ استحقّه و المهر حقّ عليه و ليس إذا كان عليه حقّ، جاز أن تمنع حقّه، لأنّ جواز ذلك يحتاج إلى دليل. «1»

و عنوان البحث يدلّ على أنّ بقاء المهر في ذمّة الزوج أمر مسلّم بين الفقهاء قاطبة إنّما الكلام في محلّ آخر، و هو هل للمرأة الامتناع في مقابل حقّها أو لا؟ غير أنّه نقل من الصدوق و الحلبي أنّها إن أخذت منه شيئا قبل الدخول سقط الباقي إلّا أن توافقه على بقاء الباقي عليه دينا «2» و نقل المحدّث البحراني عن الشيخ في التهذيب أنّه قال: عن بعض أصحابنا أنّه إذا دخل بها هدم الصداق «3» و إليك ما وقفنا من كلامهما:

1- قال الصدوق: و إذا تزوّج الرجل امرأة بألف درهم، فأعطاها عبدا له آبقا و بردا حبرة بالألف التي أصدقها فلا بأس بذلك إذا هي قبضت الثوب و رضيت بالعبد. «4»

2- قال الحلبي: و إذا سلمت نفسها، و قد قبضت شيئا لم يكن لها غيره إلّا أن توافقه على الباقي و تشهد عليه به فإن ادّعت باقيا و لم تكن لها بيّنة فعليه اليمين

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، المسألة 39.

(2)- الجواهر: 31/ 72.

(3)- الحدائق: 24/ 498.

(4)- الصدوق، المقنع: 109 و العبارة ليست

صريحة فيما نسب إليه، و لعلّه أفتى بذلك في كتاب غير المقنع و الهداية و لقد راجعناهما فلم نجد شيئا صالحا للمقام سوى هذه العبارة في المقنع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 227

و إن ثبت بالبيّنة و الإقرار فلها مطالبته به. «1»

و على كلّ تقدير فسواء أ كان للقول- بأنّ الدخول هادم للصداق- قائل كالصدوق و الحلبي أم لا، فقد وردت روايات في المقام لكنّها على أصناف:

الصنف الأوّل: ما هو قاصر الدلالة على الحكم

هناك لفيف من الروايات ليست صريحة في المقصود نظير:

1- خبر الحسن بن زياد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا دخل الرجل بامرأته ثمّ ادّعت المهر و قال: قد أعطيتك، فعليها البيّنة و عليه اليمين». «2»

إذ لو كان الدخول هادما للمهر، فلا معنى لإقامة الدعوى، و طلب البيّنة من المرأة و توجّه اليمين على الزوج، و الحديث يعرب عن كون النزاع ليس ثبوتيا، بل عدم السقوط مسلّم، و إنّما النزاع في عالم الإثبات فكأنّ الدخول أمارة إلى أخذ الدين فصار ادّعاء المرأة على خلاف الظاهر فطولبت بالبيّنة و إلّا فعلى الزوج اليمين.

2- صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة فدخل بها فأولدها ثمّ مات عنها فادّعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم، و تطلب الميراث قال: فقال: «أمّا الميراث فلها أن تطلبه، و أمّا الصداق فانّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلته و دخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك». 3

و لعلّ مورد الحديث في مفوضة البضع أي من تزوّج و لم يذكر لها مهرا

______________________________

(1)- الكافي: 294.

(2) و

3- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 7 و 13.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 228

و مقتضى القاعدة في مثله و إن كان مهر المثل، لكنّه فيما إذا لم يسق إليها شيئا قبل الدخول، الظاهر في تراضيهما على أنّه المهر، و لأجل ذلك ليس لها المهر و إن كان لها الميراث، فقوله: «فادّعت شيئا من صداقها» ظاهر في أخذ شي ء قبل الدخول بعنوان المهر، و ما ساقه و إن كان غير ظاهر في كونه جزء المهر أو كلّه، لكن يحمل على الثاني صيانة لها عن مخالفة القواعد.

الصنف الثاني: ما يدلّ على سقوط العاجل لدلالة الدخول عليه

3- و هناك روايات تدلّ على سقوط العاجل دون الآجل و كان الأوّل ما كان الدخول مشروطا به، دون الثاني «1» فيكون الدخول أمارة إلى إعطائه و أخذها، أو إلى إسقاطها، و أين هو من هدم الدخول الصداق و سيوافيك من المحقّق في المسألة الثانية أنّه إذا لم يسمّ لها مهرا و قدّم لها قبل الدخول شيئا ثمّ دخل بها كان ذلك مهرها و لم يكن لها مطالبته بالدخول إلّا أن تشارطه قبل الدخول على أنّ المهر غيره، و سيوافيك كلام ابن إدريس في تلك المسألة و أنّه إجماعيّ.

و بذلك عالجنا قسما من الروايات المخالفة، و أمّا غير ما ذكرنا الآبية عن الحمل على هذين الوجهين بل الظاهر منه أنّ الدخول يهدم الصداق، عاجله و آجله سمّى المهر أم لم يسمّ، قدّم شيئا قبل الدخول أو لا، فهو إمّا مؤوّلة أو مردود علمها إليهم عليهم السّلام. نظير ما رواه الشيخ عن الحسن بن علي بن كيسان، قال: كتبت إلى الصادق عليه السّلام أسأله عن رجل يطلّق امرأته و طلبت منه المهر، و روى

أصحابنا إذا دخل بها لم يكن لها مهر، فكتب عليه السّلام: لا مهر لها. «2»

أضف إلى ذلك أنّ جعل الدخول هادما للصداق إطاحة بحقوق المرأة و مخالف لحكم الفطرة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 3، 4، 5 و 6.

(2)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب المهور، الحديث 15 و لاحظ الحديث 8 و 14.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 229

ما هو الموجب لاستقرار المهر كلّه على الزوج

المشهور هو أنّ الموجب للمهر هو الوطء قبلا أو دبرا على وجه يجب عليه الغسل و إن لم ينزل و يدلّ عليه قوله سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ (البقرة/ 237) و المسّ كناية عن الدخول، لعدم وجوب الصداق بالمعنى اللغوي إجماعا، و تضافر الروايات بتعابير مختلفة على أنّ التقاء الختانين يوجب المهر، ففي صحيح الحلبي:

إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة. «1» و في خبر حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة و الغسل. 2 هذا ممّا لا خلاف فيه.

إنّما الكلام في قيام الخلوة- مقامه- و عدمه.

قال الشيخ في الخلاف: إذا طلّقها- بعد أن خلا بها و قبل أن يمسّها- اختلف الناس فيه على ثلاثة مذاهب:

فذهبت طائفة: إلى أنّ وجود هذه الخلوة و عدمها سواء، فيرجع إليه نصف الصداق و لا عدّة عليها. و هو الظاهر من روايات أصحابنا، و به قال في الصحابة ابن عباس، و ابن مسعود، و في التابعين الشعبي و ابن سيرين و في الفقهاء الشافعي، و أبو ثور.

و ذهبت طائفة: إلى أنّ الخلوة كالدخول، يستقرّ بها المسمّى، و يجب عليها العدّة. و به قال

قوم من أصحابنا، و روي ذلك في أخبار من طريق أصحابنا، و روي ذلك عن علي عليه السّلام و به قال: عمر بن الخطاب، و ابن عمر، و في التابعين:

الزهري، و في الفقهاء: الأوزاعي، و أبو حنيفة و أصحابه. و هو نصّ قول الشافعي في القديم.

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 3 و 4 و لاحظ الحديث 1، 5، 6، 7 و 8 (و هو متحد مع الحديث 4 و 9 من هذا الباب).

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 230

و ذهبت طائفة إلى أنّها: إن كانت خلوة تامة، فالقول قول من يدّعي الإصابة.

و به قال مالك بن أنس، قال: و الخلوة التامة أن يزفّها الزوج إلى بيته و يخلو بها، و إن لم تكن تامّة مثل أن خلا بها في بيت والدها ما لم تزل حشمة، فإن طالت مدّته عندهم و ارتفعت الحشمة صارت خلوة تامة. «1»

و الأقوال الثلاثة راجعة إلى مقام الثبوت، فالقول الأوّل ينفي سببية الخلوة- عند عدم المس- و الثاني يعترف بها و إن لم يمس، و الثالث يفصل بين الخلوة التامة و الناقصة.

و أمّا أصحابنا فلهم أقوال أربعة و لا يمكن عدّ الجميع أقوالا متعارضة كما يتّضح و إليك الأقوال:

1- لا يجب بالخلوة و إن كانت تامة و هو المشهور.

2- يجب بالخلوة بما أنّها سبب تام، حكاه الشيخ في الخلاف عن بعض أصحابنا و هو بعد غير محقق عندنا.

3- يجب على ظاهر الحال، بمعنى أنّ الخلوة أمارة الدخول و أنّ اتّفاقهما على عدمه، للفرار من العدّة من جانبها و المهر من جانبه.

4- إنّ مقدّمات الوطء مطلقا، كالتقبيل و سائر الاستمتاعات تقوم مقام الدخول

نسب إلى ابن الجنيد.

يظهر من عبارة الشيخ في النهاية، القول الثالث قال: «و متى خلا الرجل بامرأته فأرخى الستر ثمّ طلّقها وجب عليه المهر على ظاهر الحال و كان على الحاكم أن يحكم بذلك و إن لم يكن قد دخل بها إلّا أنّه لا يحلّ للمرأة أن تأخذ أكثر

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 42.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 231

من نصف المهر ما لم يدخل بها. «1»

و أمّا القول الرابع: فقد نقله العلّامة في المختلف عن ابن الجنيد «2» و ليس له أيّ دليل لا واضح و لا غير واضح إلّا القياس بحرمة مملوكة الولد على الوالد أو بالعكس إذا كانت ملموسة أو منظورة حيث وقع النظر و اللمس هناك مكان الوطء فليكن هنا أيضا كذلك. و هو كما ترى.

و أمّا الروايات فمنها ما يدلّ على القول الأوّل كموثق يونس بن يعقوب قال:

سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فأغلق بابا و أرخى سترا و لمس و قبّل ثمّ طلّقها أ يوجب عليه الصداق؟ قال: «لا يوجب الصداق إلّا الوقاع». «3»

و منها ما يدلّ على أنّ الخلوة تقوم مقام الوطء في السببية، ففي صحيح زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «إذا تزوّج الرجل ثمّ خلا بها فأغلق عليها بابا أو أرخى سترا ثمّ طلّقها فقد وجب الصداق و خلاؤه بها دخول». «4»

ثمّ إنّ الكليني نقل عن ابن أبي عمير، أنّه حمل الروايات على أنّه يحكم الوالي بظاهر الحال، إذ قلّما يتّفق أن ينفك الإخلاء عن الوقاع فيكون أمارة إلى الدخول و استحسنه الشيخ فقال: إنّما أوجبنا نصف المهر مع العلم بعدم الدخول و مع التمكّن

من معرفة ذلك، و أمّا مع ارتفاع العلم فالقول ما قاله ابن أبي عمير. «5»

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية، كتاب النكاح، باب المهور، ص 471 و مثله عبارة ابن البرّاج في المهذّب:

2/ 204 و عبارة إصباح الشيعة بمصباح الشريعة لقطب الدين الكيدري: 424، ط. مؤسسة الإمام الصادق عليه السّلام.

(2)- العلّامة: مختلف الشيعة، الفصل الثالث في الصداق: 95.

(3)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 1، و لاحظ روايته الأخرى 5.

(4)- المصدر نفسه: الحديث 3 و لاحظ الحديث 4.

(5)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 232

و لكن الانصاف أنّ الحمل بعيد عن ظاهر النصّين، نعم يؤيّده ما رواه أبو بصير قال: تزوّج أبو جعفر عليه السّلام امرأة فأغلق الباب فقال: افتحوا و لكم ما سألتم فلمّا فتحوا صالحهم. «1» إذ لو كانت الخلوة سببا مستقلا، لما كان معنى للمصالحة.

و مع ذلك يحتمل الحمل على التقية و قد نقله الشيخ عن الأوزاعي و أبو حنيفة و أصحابه و هو نصّ قول الشافعي في القديم.

فلم يبق إلّا ما يرجع إلى عمل أبي جعفر و هو مضطرب فمنه ما يظهر منه استقلال الخلوة في السببية. «2» و منه ما يدلّ على الخلاف و أنّ أباه قال: لا يجب إلّا النصف «3» و منه ما يظهر وجود النزاع بين مولاة المرأة و أبي جعفر عليه السّلام في الدخول و عدمه و أنّ أبا جعفر عليه السّلام صالحهم «4» و مثل هذا لا تصلح للاحتجاج، فالقول المشهور هو المتعيّن.

المسألة الثانية: إذا لم يسمّ و قدّم شيئا و دخل

إذا لم يسمّ لها مهرا في العقد و لا بعده، و قدّم لها قبل الدخول شيئا، ثمّ دخل بها، فهل يكون ذلك

مهرها و لا تكون لها مطالبته بعده، أو لا؟

ذهب الشيخان و ابن إدريس و ابن سعيد و غيرهم إلى الأوّل و نسبه المحقّق إلى المشهور و إليك كلماتهم:

1- قال المفيد: و إن لم يسمّ مهرا ... و دخل بها و أعطاها قبل الدخول شيئا قلّ أم كثر فذلك مهرها، لا شي ء لها عليه بعده، لأنّها لو لم ترض به مهرا ما أمكنته

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 55 من أبواب المهور، الحديث 8.

(2)- كرواية الحلبي و محمد بن مسلم برقم 2 و 6.

(3)- كرواية زرارة برقم 7.

(4)- كرواية أبي بصير برقم 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 233

من نفسها حتى تستوفي تمامه أو توافقه على ذلك و تجعله دينا عليه في ذمّته. «1»

2- قال الشيخ: و إن لم يكن قد سمّى لها مهرا، و أعطاها شيئا ثمّ دخل بها لم يكن لها شي ء سوى ما أخذته. «2»

3- قال ابن إدريس: و إن لم يكن سمّي لها مهرا و أعطاها شيئا قبل دخوله بها ثمّ دخل بها بعد ذلك لم تستحقّ عليه شيئا سوى ما أخذته منه قبل الدخول سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا على ما رواه أصحابنا و أجمعوا عليه، فإنّ دليل هذه المسألة هو الإجماع المنعقد منهم بغير خلاف، و فيه الحجّة لا وجه لذلك إلّا الإجماع. «3»

4- و قال ابن سعيد: و إذا لم يسمّ لها و أعطاها شيئا و دخل بها فهو مهرها لا غير إلّا أن توافقه على أنّ الباقي في ذمّته، فإن أعطاها شيئا فادّعت الهديّة و ادّعى أنّه مهر و لا بيّنة فالقول قوله مع يمينه. «4»

إنّ مقتضى القاعدة غير ما نسب إلى المشهور فانّ مقتضاها

أنّها إن رضيت بما أخذت مهرا، لم يكن لها غيره و إلّا فلها مع الدخول مهر المثل و يحتسب ما وصل إليها منه، إذا لم يكن على وجه التبرّع كالهدية و لكن الأصحاب عدلوا عن مقتضى القاعدة و القدر المتيقّن من فتوى الأصحاب ما إذا قدم لها شيئا بنيّة المهر، و إلّا فلو لم ينو شيئا أو نوى الهدية، فالمهر- مهر المثل- على ذمّته كما صرّح بذلك ابن سعيد في ذيل عبارته.

و استدل على الحكم بأمور:

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة: 509- 510.

(2)- الطوسي: النهاية: 470.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 581.

(4)- ابن سعيد الحلي: الجامع: 441.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 234

ألف: حمل ما سبق من الروايات الظاهرة في أنّ الدخول، يهدم الصداق على ما إذا لم يسمّ مهرا و قدّم شيئا قبل الدخول و أظهرها صحيح الفضيل عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة فدخل بها فأولدها، ثمّ مات عنها، فادّعت شيئا من صداقها على ورثة زوجها، فجاءت تطلبه منهم، و تطلب الميراث قال فقال: «أمّا الميراث فلها أن تطلبه، و أمّا الصداق فانّ الذي أخذت من الزوج قبل أن يدخل عليها فهو الذي حلّ للزوج به فرجها قليلا كان أو كثيرا إذا هي قبضته منه و قبلته و دخلت عليه فلا شي ء لها بعد ذلك». «1» و لكن الحديث ليس ظاهرا فيما لم يسمّ لها و مثله غيره ممّا مرّ في المسألة السابقة، و لذلك وصف المحقق مستند الفتوى بأنّه:

«تعويل على تأويل رواية» و على كلّ تقدير فكون الروايات محمولة على هذه الصورة، غير كونها ظاهرة فيها:

ب: الإجماع الوارد في كلام ابن إدريس و زعم أنّه لا دليل للحكم سواه و

وصفه المحقق بالشهرة، و الظاهر أنّ مستند الشيخين و غيرهما، هو الروايات فيكون الإجماع مدركيا.

ج: ما ذكره العلّامة في المختلف من أنّه كانت العادة في الزمن الأوّل على تقديم المهر على الدخول و الآن بخلافه و لعلّ المنشأ في الحكم العادة فإن كانت العادة في بعض الأزمان و الأصقاع كالعادة القديمة كان الحكم ذلك و إلّا فلا «2».

يلاحظ عليه: أنّ الظاهر أنّهم بصدد بيان الحكم الشرعي و أنّه يتعين ما قدّم في المهر، من دون نظر إلى العادة.

د: ما مرّ في كلام المفيد من أنّها لو لم ترض به مهرا، ما أمكنته من نفسها حتى تستوفي تمامه ....

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8، من أبواب المهور، الحديث 13.

(2)- العلّامة: المختلف: الفصل الثالث في الصداق: 95.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 235

يلاحظ عليه: أنّه خلاف المفروض، إذ الفرض هو تقديمه لها شيئا من دون أن يصفه بشي ء من المهر و الهدية و إلّا فلو وصفه بأنّه مهرها و مع ذلك أمكنته من نفسها، يكون ما قدّم هو المهر، أورد عليه في المسالك بأنّه لا يلزم من عدم رضاها، عدم تمكينها، لجواز اعتمادها في ذلك على ما يلزم شرعا بالدخول و هو مهر المثل. «1»

و الأقوى أنّه إن دلّت القرائن على أنّه أعطاها بعنوان المهر، و أنّها قبلتها كذلك عن وعي و شعور، كان الحكم ذلك، و إلّا فمهر المثل على ذمّته. و اللّه العالم.

***

المسألة الثالثة: الطلاق قبل الدخول منصّف

اتّفق الفقهاء على أنّ الطلاق قبل المسّ منصّف تبعا للكتاب و السنّة قال سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/

237) و في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل طلّق امرأته قبل أن يدخل بها قال:

«عليه نصف المهر إن كان فرض لها شيئا، و إن لم يكن فرض لها فليمتّعها على نحو ما يمتّع به مثلها من النساء». «2» و على ذلك:

1- فإن كان دينا على الزوج برئت ذمّته من النصف.

2- فإن كانت عينا صارت مشتركة بينهما.

3- و لو كان دفعه إليها و كان باقيا استعاد لنصفه.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 230.

(2)- الوسائل: 15، الباب 51 من أبواب المهور، الحديث 2 و لاحظ سائر أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 236

4- و لو حصل نماء كان لها خاصة، لأنّه حصل في ملكها، و لا يستحق الزوج من النماء شيئا.

5- و لو كان دفعه إليها و كان تالفا استعاد نصف مثله إن كان مثليا و نصف قيمته إن كان قيميا.

و لم أعثر على خلاف في ضمانها بالمثل أو القيمة عند التلف، و لا كلام في الإتلاف سواء كان من جانبها أو من جانب الغير إنّما الكلام في التلف من غير تقصير و تفريط فإنّ الحكم بضمانها، مع كون العامل سماويا خارجا عن الاختيار، عاملا لا يتفاوت الحال معه بين كون العين في يدي الزوج أو الزوجة، كانهدام البيت بالزلازل أو السيول، و الأمطار الهائلة، أو بالصواريخ و القنابل المدمّرة من جانب العدو المشترك فإنّ الحكم في هذه الموارد، خلاف منصرف الأدلّة حتّى قوله: «على اليد ما أخذت حتى تؤدّي»، نعم لو تلفت العين بالسرقة و الأعذار الخاصة فهي ضامنة للنصف بالمثل أو القيمة، و قد ذكرنا أنّ حكم العقلاء في الأعذار العامة غير حكمهم في الأعذار الخاصة.

6-

لو اختلف قيمته في وقت العقد و وقت القبض فهناك أقوال:

ألف: لزمها أقلّ الأمرين.

ب: ضمانها قيمة النصف يوم التلف.

ج: ضمانها قيمته يوم الطلاق الذي هو يوم تملّك النصف من العين.

د: ضمانها قيمته يوم الخروج عن الضمان.

وجه الأوّل خفي جدّا و إن نقل في الجواهر له وجها. «1»

وجه الثاني هو أنّ يوم التلف هو اليوم الذي تعلّق حقّ الاستعادة بالعين

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 80.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 237

ما دامت موجودة فمع التلف تضمن النصف بقيمة ذلك اليوم الذي، هو أوّل زمان تعلّق الحقّ المزبور بها.

و أمّا الوجه الثالث فقد أشير إلى دليله عند ذكره فلاحظ و الأقوى هو الوجه الرابع، و هو ضمان قيمة يوم الدفع، و هو المطابق لحكم العقلاء في ضمان القيميات و يدعمه الدليل الفقهي الواضح و ذلك: لأنّ الزوجة و إن ملكت العين كلّها بنفس العقد، لكنّها تملكتها بلون خاص و هو أنّه إذا طلّقها الزوج، يتملّك النصف من جديد أو يعود النصف إلى ملكه السابق.

و بعبارة أخرى: تتملّك العين بالعقد و يستقرّ بالدخول. «1» و على ضوء هذا فقد أخذت العين مسئولة عن النصف و استولى عليها ضامنة له على الوجه المزبور، فإذا تحقّق الشرط و طلّق الزوج قبل الدخول و رجع النصف إلى ملكه، و هي مستولية على كلا النصفين، فتكون مسئولة عن ردّ مال الغير إليه و تخاطب بقوله صلى اللّه عليه و آله و سلم: «على اليد ما أخذت حتّى تؤدي» فتكون النتيجة بقاء نصف العين على عهدتها إلى زمان الخروج عنها، فما لم تخرج تكون ذمّتها مشغولة به. فإذا امتنع الخروج بردّ العين، ينتقل إلى بدلها عملا بالقسم الممكن من الخروج عن

العهدة، لأنّه إذا امتنع الخروج عن العهدة بدفع نفس العين، يرجع إلى ما تحفظ به ماليتها و هو ليس إلّا قيمة يوم الخروج، لا القيم السابقة و ذلك بوجهين:

الأوّل: إنّ المضمون له قبل يوم الدفع هو نفس العين، لا قيمتها فالرجوع إلى القيم السابقة، عود إلى ما ليس بمضمون.

الثاني: إنّ الغاية من الحكم بدفع القيمة ملأ الفراغ الذي حصل بتلف العين حتى يستطيع المضمون له من شراء ما يعادلها، و لا يحصل الملأ، إلّا بدفع قيمة يوم الدفع إذ لو كانت أزيد من القيم السالفة، تتعين تلك القيمة للبدلية و لو

______________________________

(1)- العلّامة الحلّي: المختلف، الفصل الثالث فيما يتعلّق بالصداق 99.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 238

كانت أقلّ منها، يكون دفع الزائد خارجا عن تحقّق الغاية المطلوبة، و الغاية المذكورة و إن كانت يمكن أن تكون حكمة للحكم، لكنّها ربّما تصدّ الفقيه عن العدول إلى حكم يكون أوسع منها أو أضيق إذ تكون قرينة لصرف إطلاقات أدلّة الضمانات إلى ما يتحقّق فيه الفرض المذكور، و يستطيع المضمون له من جبر الضرر.

و بالجملة: المتبادر من النبوي، كون الذمّة مشغولة بالعين، لا بالمثل و لا بالقيمة، و المراد من الاشتغال ليس كون العين الشخصية، في الذمة، حتى يقال إنّ الذمم، ظرف الكليّات، لا الشخصيات، فانّ ظرفها هو الخارج بل المراد، كون الشخص مسئولا عن الخروج عن عهدة العين الشخصية، بمقدار ما يمكن، فإذا كانت الذمة مشغولة بنفس العين، فلا يعدل إلى القيمة إلّا إذا حاول المسئول الخروج عن العهدة، و عندئذ يقوم بدلها مقامها و ليس بدلها، إلّا قيمة ذلك اليوم لأنّها تعدّ بدلا و عدلا للعين لا القيم السابقة.

هذا إجمال ما أوضحناه في

محلّه. و ليس في الأدلّة ما يخالفه سوى خبر «1» علي ابن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عن أبيه أنّ عليّا عليه السّلام قال في الرجل يتزوّج المرأة على وصيف «2» فيكبر عندها و يريد أن يطلّقها قبل أن يدخل بها، قال: عليها نصف قيمته يوم دفعه إليها لا ينظر في زيادة و لا نقصان. «3»

يلاحظ عليه: مضافا إلى ضعف السند، أنّه لا يرتبط بالمقام، أعني: زيادة القيمة السوقية، بل هو ناظر إلى زيادة العين و نقصانها خارجا، و بما أنّ الزيادة حصلت في ملك الزوجة و عندها تكون لها لا لزوجها و لو بالمناصفة هذا كلّه فيما إذا تلفت العين.

______________________________

(1)- وصفناه بالخبر لورود محمد بن أحمد العلوي في سنده و هو لم يوثق.

(2)- الغلام دون المراهق.

(3)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 239

7- إذا زال ملكها على المهر بوجه لازم كالبيع و الهبة فالحكم كما سبق، لكونه كالتالف عرفا في عدم إمكان ردّ العين.

8- لو عاد إلى ملكها بالإقالة أو الشراء من المشتري من جديد فإمّا أن يعود بعد دفع المثل أو القيمة و الخروج عن العهدة بدفع البدل شرعا و عرفا أو قبله، فعلى الأوّل لا وجه للرجوع بعد فراغ الذمّة على وجه القطع و على الثاني يرجع إلى العين، لما عرفت أنّ الذمة مشغولة في جميع الحالات قبل البيع و بعده، قبل الرجوع إلى ملكها أو بعده، بردّ العين، فإذا أمكن الردّ فلا وجه لقيام البدل مكانها، إذ القدر المتيقّن من قيامه إذا لم يتمكّن من المبدل.

9- و لو تعلّق به حقّ لازم من غير انتقال كالرهن و الإجارة فله

الخيار بين أخذ البدل، لعدم إمكان ردّ العين حاليا، و الصبر إلى التمكّن منه. و بالجملة فرق بين بيع العين و إجارتها فانّ البيع مانع عن رجوع الزوج إلى ملكه، لأنّ المشتري تملّك العين على وجه الإطلاق و مالكيته للعين على وجه يمنع عن عود العين إلى ملك الزوج و هذا بخلاف إيجار العين مع بقائها على ملك الزوجة فانّها لا تمنع عن عود مالكية الزوج لما عرفت من أنّها ملكت العين على وجه خاص لا على وجه الإطلاق.

و الحاصل أنّ المقتضي موجود، و المانع مفقود، فله الصبر إلى انقضاء مدّة الاجارة و لو انتقل عنها لا على وجه اللزوم كما لو باعت بخيار، فليس للزوج إلزامها على الرجوع، بل تخيّرت بين الرجوع و دفع نصف العين، و عدمه و دفع نصف القيمة.

10- و لو نقصت عينه أو صفته مثل عور الدابة، كان له نصف العين مع الأرش، لما عرفت من كون الذمة مشغولة بدفع العين و المفروض إمكانه، و طروء النقص و العيب عليها، لا يلحقها بالتلف، غاية الأمر، طروء التعيب في ملكها

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 240

يوجب الضمان عليها و تخرج عنه بالأرش.

11- و لو زادت العين سمنا، فانّ له عليها نصف قيمته من دون الزيادة، لأنّها ملك للمرأة شأن كلّ نماء متّصل و منفصل فإنّه يتبع العين، فالعين كانت ملكا للزوجة فالنماء لها أيضا و إلى ذلك ينظر خبر علي بن جعفر الماضي. «1»

فلاحظ.

المسألة الرابعة: إذا أبرأته من الصداق، ثمّ طلّقت
اشارة

إذا أبرأت الزوجة زوجها من الصداق، ثمّ طلّقها الزوج قبل الدخول فهل يرجع الزوج إلى نصفه؟ و نظيره إذا بذلته له ليخلعها عليه فخلعها به، فهل يستحقّ عليها مقدار نصفه؟ فالمسألة عند العامة

ذات أقوال ثلاثة ذكرها الشيخ في خلافه.

قال: إذا أصدقها صداقا، ثمّ وهبته له، ثمّ طلّقها قبل الدخول فله أن يرجع عليها بنصفه و للشافعي فيه قولان قال في القديم: لا يرجع و هو اختيار المزني، و قال الشافعي: و هذا حسن. و قال في الجديد: يرجع، و هو أصحّ القولين عندهم سواء وهبت له بعد أن قبضته أو قبل القبض، الباب واحد.

و قال أبو حنيفة: إن كان ذلك بعد القبض رجع عليها بالنصف، و إن كان قبل القبض لم يرجع عليها بشي ء. دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم. «2»

فالمسألة كما عرفت ذات أقوال ثلاثة: 1- لا يرجع مطلقا. 2- يرجع مطلقا.

3- يفصل بين كونه بعد القبض فيرجع، و قبل القبض فلا يرجع و المشهور عند الأصحاب هو الرجوع.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 2.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 35.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 241

و قال في المبسوط: «إذا أصدقها صداقا ثمّ وهبته ثمّ طلّقها قبل الدخول، فانّه يرجع عليها بنصفه ثمّ لا يخلو من أحد أمرين إمّا أن يكون عينا أو دينا، فإن كان عينا كالعبد و الثوب فوهبته له ثمّ طلّقها قبل القبض فهل يرجع عليها بنصف الصداق أم لا؟ قيل: فيه قولان: أحدهما لا يرجع بشي ء، و الثاني يرجع عليها بالنصف، و هو الصحيح عندنا سواء وهبت له قبل القبض أو بعد أن أقبضه. «1»

قال القاضي: فإن وهبت الزوجة لزوجها الصداق قبل طلاقه كان له إذا طلّقها الرجوع عليها بنصف ذلك. «2»

و قال السيد الأصفهاني: لو أبرأته من الصداق الذي كان عليه، ثمّ طلّقها قبل الدخول رجع بنصفه إليها، و كذا لو كان الصداق عينا

فوهبته إيّاها رجع بنصف مثلها إليها أو قيمة نصفها. «3»

و المشهور هو الرجوع و المسألة منصوصة، ففي مضمرة سماعة قال: سألته عن رجل تزوّج جارية أو تمتّع بها ثمّ جعلته من صداقها في حلّ، أ يجوز أن يدخل بها قبل أن يعطيها شيئا؟ قال: «نعم إذا جعلته في حلّ فقد قبضته منه، و إن خلّاها قبل أن يدخل بها ردّت المرأة على الزوج نصف الصداق». «4»

و روى محمّد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة فأمهرها ألف درهم و دفعها إليها فوهبت له خمسمائة درهم و ردّتها عليه، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، قال: «تردّ عليها «5» الخمسمائة الدرهم الباقية، لأنّها إنّما كانت

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 308 و الصحيح أقبضها و ما ذكر من احتمال عدم الرجوع فلعلّه ناظر إلى أحد قولي الشافعي كما في الخلاف.

(2)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 204.

(3)- السيد الأصفهاني: الوسيلة، فصل في المهر، ص 348، الطبعة الثانية.

(4)- الوسائل: 15، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 2 و لاحظ الحديث 1 من هذا الباب.

(5)- هكذا في الوسائل: الصحيح عليه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 242

لها خمسمائة درهم فوهبتها له، فهبتها إيّاها له و لغيره سواء». «1» و الحكم في لسان الحديث معلّل حيث قال في مضمرة سماعة إنّ جعله في حلّ بمنزلة قبضها، و قال في خبر ابن مسلم: و إنّ هبتها منه، و من غيره سواء، و معه لا وجه للوسوسة لبعض الوجوه التي نقلها الشهيد في المسالك عن بعض العامّة نظير كيف يرجع الزوج إلى الزوجة مع:

1- أنّها لم تأخذ منه مالا.

يلاحظ عليه: أنّه لا يشترط في اشتغال الذمّة

أخذ المال بل تكفي صحّة تصرّفها في الصداق و لو بالهبة منه أو من غيره.

2- و لا نقل إليها الصداق.

يلاحظ عليه: أنّه لو لا النقل لزم بطلان الهبة و المفروض صحّتها، خصوصا إذا كان الصداق عينا.

3- و لا أتلفتها عليه.

يلاحظ عليه: أنّ الضمان في المقام ليس لأجل الإتلاف بل لأجل التصرف، الكافي في الضمان و إن لم يكن تلفا.

4- لو رجع الشاهدان بدين في ذمّة زيد لعمرو، بعد حكم الحاكم عليه، و إبراء المشهود عليه لم يرجع المشهود عليه عليهما لعدم تغريمهما له بشي ء، و لو كان الإبراء إتلافا على من في ذمّته، غرما له. «2»

يلاحظ عليه: أنّ الإبراء إنّما يكون إتلافا- أو شبه إتلاف أو استيفاء- على من في ذمّته إذا كانت ذمّته مشغولة بالدين واقعا كما في إبراء الزوجة الزوج من

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 35 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- زين الدين العاملي: المسالك: 1/ 596.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 243

الصداق، و أمّا المقام فبما أنّ الشاهدين قد رجعا عن شهادتهما، فلم يثبت أصل الاشتغال، حتّى يكون الإبراء لما في ذمّة المشهود عليه، إتلافا عليه أو استيفاء و إلى ما ذكر يرجع قول الشهيد الثاني «و الفرق بين مسألة رجوع الشاهدين، و المتنازع فيها، أنّ حقّ المهر ثابت حال الإبراء في ذمّة الزوج ظاهرا و باطنا، فإسقاط الحقّ بعد ثبوته متحقّق بخلاف مسألة الرجوع لأنّه لا ثبوت فيها فالبراءة مستمرة و لا أثر للإبراء».

إذا خلعها بالمهر قبل الدخول

هذا كلّه الفرع الأوّل و أمّا الفرع الثاني أعني: ما إذا خلعها به أجمع، فيرجع الزوج إلى نصف القيمة و خالف الشهيد الثاني و زعم أنّ الحقّ عدم الرجوع قائلا بالفرق بين الفرعين و

إليك نصّه. قال: «للفرق بين الهبة و الإبراء له قبل الطلاق، و بين الخلع لانتقال الملك فيهما قبله (الطلاق) فلم يصادف الطلاق الموجب لعود النصف إليه ملكا، فانتقل إلى العوض (في الذمّة) و أمّا الخلع فانتقال ملك المهر إلى الزوج لا يحصل بمجرّد البذل من المرأة بل به و بالخلع لأنّها جعلته عوضا عن البينونة فلا يملك إلّا بتمام السبب و هو الطلاق و يحصل استحقاقه للنصف فيتمّ السببان في حالة واحدة و إن تقدّم جزء السبب في ملك عوض الخلع، فلا يتمّ ما قالوه من سبق ملكه له، على استحقاقه النصف بالطلاق فضلا عن سبقه على الطلاق كالهبة. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ ما ذكره إنّما يتمّ إذا كان قبول البذل و الطلاق مقترنين، كما إذا انشأت الزوجة بذل الفدية ليخلعها بها، فيقول الزوج بعد بذلها لأجل الخلع:

خلعتك على كذا، أو أنت مختلعة هكذا، و أمّا إذا سبق قبول البذل على إنشاء

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 241.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 244

الطلاق كأن يقول- بعد إنشاء الزوجة: بذلتك لتخلعني- قبلت ذلك. فأنت على ما بذلت مختلعة فيكون المقام مثل الإبراء و الطلاق، و تصوّر أنّ الطلاق جزء المملّك غير صحيح بل هو شرط فعل، غاية الأمر لو لم يف بالشرط، يكون الباذل بالخيار.

المسألة الخامسة: في اشتراط عدم التزوّج و التسري
اشارة

لا شكّ أنّه إذا شرط ما يخالف مقتضى العقد، كما إذا قال: بعتك بلا ثمن أو آجرتك بلا أجرة، أو أنكحتك بشرط أن لا تتمتّع أبدا، فالشرط و المشروط باطلان، لاستلزامه إنشاء أمرين متناقضين فانّ البيع لا ينفك عن الثمن، و لا الإجارة عن الأجرة، و لا النكاح عن التمتّع. إنّما الكلام إذا شرط ما يخالف الشرع

كأن تخرج من البيت متى شاءت، أو يكون الطلاق بيدها أو لا يقسم ضرّتها، و لا يبذل نفقتها، بطل الشرط «1»، لقوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له، و لا عليه «2»، إنّما الكلام في بطلان النكاح و المهر و للأصحاب في المسألة قولان:

1- صحّة العقد و المهر دون الشرط و هو خيرة الشيخ في المبسوط «3» و ابن البرّاج في المهذّب «4» و ابن إدريس في السرائر «5» و المحقق في الشرائع «6» و غيره.

______________________________

(1)- و قد مثّل المحقّق تبعا لمن قبله، باشتراط ترك التسرّي و التزوّج، و قد عدلنا عنهما إلى ما في المتن لما سيوافيك من صحّة اشتراطهما و ما نذكر في المقام من النقض و الإبرام فإنّما هو مع قطع النظر عن المناقشة في بعض الأمثلة أعني ترك التسرّي و التزوّج.

(2)- الوسائل: 15، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(4)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 206 على احتمال.

(5)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 589.

(6)- الجواهر: 31/ 95، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 245

2- صحّة العقد دون المهر و الشرط يظهر من الشهيد الثاني في المسالك و ليس بقول بعيد، لو لا بعض الإطلاقات.

و هنا احتمال، بطلان العقد، و بطلان المهر و الشرط على وجه أولى و احتمال رابع، صحّة العقد و المهر و الشرط و سيوافيك بيانها.

و إليك دراسة القولين، و وجه الاحتمالين.

صحّة العقد و المهر دون الشرط

فقد عرفت أنّه القول المشهور بين الأصحاب:

قال الشيخ: إن شرط شرطا لا يسوغ في الشرع، فالشرط باطل. فإذا ثبت أنّه باطل لم يخل من أحد أمرين، إمّا أن يكون على

صفة يفسد المهر أو العقد «1» فإن كان ممّا يعود فساده إلى المهر، مثل أن شرط أن لا يسافر بها، و لا يقسم لها و لا يتسرى عليها و لا يتزوّج عليها فهذا شرط باطل و لا يفسد المهر عندنا و عند بعضهم يفسده و يجب مهر المثل. «2»

و قال في الخلاف: إذا أصدقها ألفا و شرط أن لا يسافر بها أو لا يتزوّج عليها أو لا يتسرى عليها، كان النكاح و الصداق صحيحين و الشرط باطلا و قال الشافعي: المهر فاسد و يجب مهر المثل فأمّا النكاح فصحيح. «3»

و قال ابن البرّاج: و إذا عقد الرجل نكاحا و شرط للزوجة في الحال شرطا يخالف الكتاب و السنّة مثل أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرى و لا يتزوّج بعد موتها أو ما

______________________________

(1)- هذا هو القسم الثاني الذي يرجع إليه الشيخ في ذيل كلامه، في غير هذا الفرع بل في فرع آخر نظير اشتراط عدم الوطء فتدبر.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(3)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 32.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 246

أشبه ذلك، كان الشرط باطلا و النكاح ماضيا و له أن يتزوّج و يتسرى. «1»

يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: صحّة العقد.

الثاني: صحّة المهر.

أمّا الأوّل: فيقال إنّ البحث مركّز على القول بأنّ الشرط الفاسد مفسد، و إلّا فلا كلام في الصّحة، و على ذلك فالشرط الفاسد في خصوص المقام ليس بمفسد و ذلك لأنّ للشرط دخلا في قلّة المهر و كثرته، و فساده يوجب جهالة المهر، و جهالته تفسده، لكن فساد المهر، لا يوجب فساد النكاح، إذ ليس النكاح من قبيل المعاوضات و قد عرفت صحّة عقد مفوضة المهر أو

البضع، و إلى ذلك يشير الشهيد الثاني بقوله: إنّ الشرط في النكاح يكون جزءا من العوض الذي هو المهر فيما يعود إلى المرأة كالمذكور هنا من عدم التزويج و التسري و حقّ فساد الشرط أن يفسد المهر لا العقد لما عرفت من عدم التلازم بينهما. «2»

و بعبارة أخرى أنّ النكاح رابطة بين الزوجين و هما من الأركان و المفروض عدم الجهالة فيهما، و ليس المهر من أركان النكاح و إن كان يجب أن لا يخلو منه.

و أمّا الثاني: فإثبات صحّته حسب القواعد مشكل مع فرض مدخلية الشرط في قلّة المهر و زيادته، نعم ذكر الشهيد الثاني: أنّ المهر لا يفسد بناء على وجود المقتضي لصحّته و المانع ليس إلّا الشرط و هو شي ء آخر و فساد أحد الشيئين لا

______________________________

(1)- المهذّب: 2/ 306 و ليس في العبارة تصريح بصحّة المهر و لكن لو كان المهر باطلا كان عليه عطفه على الشرط في البطلان.

(2)- زين العابدين العاملي: المسالك: 2/ 245.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 247

يقتضي فساد الآخر، لما علم من التوسّع في حاله «1» و هو كما ترى لأنّ للشرط دخلا في قلّة المهر و زيادته، بحيث لولاه لما رضيت بالمهر المفروض، فإذا بطل الشرط يكون المهر مجهولا يرجع إلى مهر المثل و على ضوء القواعد، العقد صحيح دون المهر، و قد نبّه بذلك أيضا الشهيد في كلامه أيضا و قال: إنّ الشرط كالعوض المضاف إلى الصداق حيث يكون من المرأة و ببطلانه يفوت بعض العوض فلا يعلم قدر الصداق فيثبت مهر المثل. هذا كلامه و نقلناه ملخصا و ما ذكره صحيح لو لا أنّ التعبد دلّ على صحّة المهر، كالعقد و

إليك بعض ما ورد:

1- محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك أنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بما اشترط، و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها و نكح عليها. 2

2- و مثله خبر عبد اللّه بن سنان. 3

3- روى زرارة أنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها، على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا، و جعلا عليهما من الهدي و الحجّ و البدن، و كلّ مال لهما في المساكين إن لم يف كلّ واحد منهما لصاحبه، ثمّ إنّه أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فذكر ذلك له فقال: ...

اذهب فتزوّج و تسرّ فإنّ ذلك ليس بشي ء و ليس عليك و لا عليها. «4»

4- و مثله مرسلة العيّاشي عن أبي جعفر عليه السّلام. «5»

______________________________

(1) و 2 و 3- الوسائل: 15، الباب 38 من أبواب المهور، الحديث 1- 2.

(4)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 2.

(5)- المصدر نفسه، الحديث 6 من هذا الباب: مرسلة العياشي.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 248

و ضعف الأسناد يجبر بالتضافر و عمل الأصحاب، و مقتضي الإطلاق صحّة العقد و المهر أيضا. و منه يعلم حال فرع آخر و هو أنّه لو شرط تسليم المهر في أجل فإن لم يسلّمه كان العقد باطلا، فقال المحقق تبعا للمشهور لزم العقد و المهر و بطل الشرط خاصّة، مستدلا بروايات منها صحيح محمّد بن قيس: عن

أبي جعفر عليه السّلام في الرجل يتزوّج المرأة إلى أجل مسمّى فإن جاء بصداقها إلى أجل مسمّى فهي امرأته، و إن لم يأت بصداقها إلى الأجل فليس له عليها سبيل و ذلك شرطهم بينهم حين أنكحوه، فقضى للرجل أنّ بيده بضع امرأته و أحبط شرطهم. «1»

و الظاهر أنّ المراد من التزويج إلى أجل مسمى، كونه أجلا للمهر لا للتزويج بشهادة رواية زيد. 2

إلى هنا خرجنا بالنتيجة التالية:

إنّ العقد و المهر صحيحان، و الشرط باطل.

و لكن باب المناقشة في مثل اشتراط ترك التزوّج و التسري مفتوح و الأولى التمثيل بما ذكرناه في صدر البحث، من اشتراط كون الطلاق و الوطء بيد المرأة أو اشتراط عدم الانفاق للضرّة و نظائرها، و أمّا اشتراط ترك التسري و التزوّج من الشروط العقلائية التي ربّما تكون مؤثرة في توطيد أواصر الزوجية، فهي ليست مخالفة للشرع أوّلا، و الروايات الدالة على بطلانهما، ناظرة إلى جهة أخرى، غير جهة نفس الاشتراط ثانيا، فإليك بيان الأمرين:

1- ليس ترك التزوّج و التسري من الشرط المخالف

المقياس في تميّز الشرط المخالف عن غيره هو أن يكون الشرط مخالفا للحكم الشرعي بالدلالة المطابقية، أي تكون المخالفة مائة بالمائة و ذلك فيما إذا كان

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب المهور، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 249

الحكم الشرعي وحداني التعلّق أي له وجه واحد، و تعلّق فارد و لا يجوز العدول عمّا ورد إلى غيره كما في الأمثلة التالية:

1- الطلاق بيد من أخذ بالساق.

2- الوطء بيد الزوج متى شاء وجبت عليها الطاعة.

3- يجب للزوج القيام بحقّ المضاجعة و المواقعة و النفقة لعامة زوجاته.

4- يحرم قطع الرحم أو تجب الصلة بين الأرحام.

5- لا يجوز للزوجة أن

تخرج من البيت إلّا بإذن الزوج.

إلى غير ذلك من الأحكام الشرعية القطعية التي لا يجوز العدول عنهما إلى غيره الذي عبّرنا عنها بوحدانيّ التعلّق.

فإذا تعلّق غرض الزوجة أو أوليائها، اشتراط خلاف ما ذكر كاشتراط كون الطلاق أو الوطء بيد الزوجة، أو اشترط عدم القيام بالوظائف اللازمة في حقّ الضرّة، أو قطع الرحم بين الأرحام أو الوالدين، أو كونها مختارة في الخروج عن البيت بلا حاجة لإذن الزوج فإنّ الشرط في جميع هذه الموارد على خلاف الكتاب و السنّة و فيها يصدق شرط اللّه قبل شرطكم و أمّا أنّ فساد الشرط يفسد العقد أو المهر، فقد مرّ الكلام فيه، و قلنا بعدم الفساد.

و أمّا إذا كان للتشريع وجهان، و بعبارة أخرى يكون ثنائيّ التعلّق كما في الأمثلة التالية:

1- للزوج أن يتزوّج زوجة ثانية و أن لا يتزوّج.

2- للزوج أن يتسرّى بامته و أن لا يتسرّى.

3- للزوج أن يقيم في بلد أهل الزوجة و أن لا يقيم.

4- للزوج أن يفتض و أن لا يفتض ما لم يؤدّ إلى ضياع حقّ الزوجة. إلى غير

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 250

ذلك من التشريعات ذوات الأعدال.

ففي هذه الموارد يكون مآل الاشتراط إلى أحد أمرين:

1- سلب الاختيار عن الزوج، و أن لا يكون له هذا الشأن، من التزوّج، و التسري، و الإقامة في أيّ بلد شاء و الافتضاض أيّ وقت شاء، و لا شكّ أنّ الاشتراط بهذا المعنى، يخالف التشريع الإلهي و لكن هذا النوع من المخالفة بعيد عن الأذهان العامة فانّ الذي يهمّهم غير ذلك و هو الذي نذكر في التالي:

2- إنّ الشارط مع تسليمه كون زمام الأمر بيد الزوج يشترط عليه أن يأخذ من الطرفين،

ذات الطرف المعيّن في فترة خاصة أي لا يتزوّج و لا يتسرّى، و يقيم في بلد أهل الزوجة، و لا يفتض، فانّ مثل ذلك لا يعد معارضا للتشريع، و إنّما هو أخذ التزام من الزوج، على تطبيق عمله على واحد في الطرفين، لغاية من الغايات، و يكون نظير سائر الشروط، الذي أشرنا إليه كعدم الخيار للبائع، أو عدم استفادة البائع من المبيع، أو المشتري من الثمن، مدّة محدودة فإنّ مآل جميع مدّة الشروط إلى تقييد الإطلاق، و إخراج ما لولاه لدخل.

و على ضوء هذا، لا يعدّ اشتراط عدم التزوّج و التسري في الأمة، مخالفا للحكم الإلهي، إذ ليس الشارط بصدد نفي الخيار الشرعي، و إحلال حكمه محلّه، بل هو يسلم أنّ للزوج، أن يتزوّج و لا يتزوّج و يتسرى و لا يتسرى لكنّه يشرط عليه أن يختار طرفا خاصا من هذا الخيار، فمثل هذا، فمثل هذا، استثناء من الإطلاق، بحيث لولاه لدخل، هذا كلّه حول الأمر الأوّل، فتبيّن أنّ الشرط المخالف للكتاب و السنّة، غير اشتراط ترك التسري و التزوّج المتعارف. بقي الكلام في الأمر الثاني و هو:

2- بيان حال الروايات الدالّة على بطلان هذا النوع من الشرط.

إنّ الروايات الواردة على أقسام ثلاثة:

أ: ما يدلّ على صحّة الاشتراط و هذا هو المؤيّد لنظرنا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 251

ب: ما يدلّ على عدم صحّته لأجل بطلان ما يترتّب عليه.

ج: ما يوهم عدم صحّته لنفسه.

أمّا القسم الأوّل فتدلّ عليه:

1- رواية عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه أنّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قال لغلامه: أعتقك على أن أزوّجك جاريتي هذه، فإن نكحت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك فنكح أو تسرّى أ عليه مائة دينار و

يجوز شرطه؟

قال: يجوز عليه شرطه. «1»

2- رواية محمّد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في الرجل يقول لعبده: أعتقك على أن أزوّجك ابنتي فإن تزوّجت عليها أو تسرّيت فعليك مائة دينار، فأعتقه على ذلك و زوّجه فتسرّى أو تزوّج قال: عليه شرطه. 2

و أمّا القسم الثاني، أعني: ما يدلّ على أنّ بطلان الاشتراط لأجل ما يترتّب عليه و هو وقوع الطلاق بنفس عدم الوفاء بالشرط من دون حاجة إلى إجراء صيغة أو حضور العدلين و كونها في غير طهر المواقعة و غيرها من الشروط فهو عبارة عن ما يلي:

3- رواية عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل قال لامرأته: إن نكحت عليك أو تسرّيت فهي طالق؟ قال: ليس ذلك بشي ء إنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم قال: من اشترط شرطا سوى كتاب اللّه فلا يجوز ذلك له و لا عليه. «3»

4- محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام في رجل تزوّج امرأة و شرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق، فقضى في ذلك: إنّ شرط اللّه قبل شرطكم فإن شاء وفى لها بما اشترط و إن شاء أمسكها و اتّخذ عليها

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 16، الباب 12، من أبواب كتاب العتق، الحديث 1 و 4.

(3)- الوسائل: 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 252

و نكح عليها. «1»

و المراد من قوله: «شرط اللّه قبل شرطكم» عدم وقوعه إلّا الطلاق بصيغة خاصّة في حضور العدلين و كونها في طهر غير المواقعة، و غيرهما من الشرائط.

نعم ظاهر قوله: «فإن شاء

وفى لها بما اشترط ...» أنّ الشرط ممّا يمكن الوفاء به و بما أنّ الشرط أعني: شرط النتيجة، لا يمكن الوفاء به، لا محيص من العدول عن هذا الظاهر، بالتفريق بين الجملتين بحمل قوله: «شرط اللّه ...» على توقّف الطلاق على الشروط، و حمل قوله: «فإن شاء وفى بما اشترط» على ترك التزوّج و التسرّي، أي لا يتزوّج و لا يتسرّى حفظا للوئام.

و هذا النوع من الطلاق، هو المعروف بالطلاق المعلّق أو الحلف عليه.

قال السبكي الشافعي: إنّ الطلاق المعلّق، منه ما يعلّق على وجه اليمين، و منه ما يعلّق على غير وجه اليمين، فالطلاق المعلّق على غير وجه اليمين كقوله:

إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق، أو إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، و الذي على وجه اليمين كقوله: إن كلّمت فلانا فأنت طالق، أو إن دخلت الدار فأنت طالق، و هو الذي يقصد به الحث أو المنع أو التصديق، فإذا علّق الطلاق على هذا الوجه ثمّ وجد المعلّق عليه، وقع الطلاق «2». أي على قاعدتهم.

و على هذا فالروايات وردت لردّ فتوى العامة القائلة بالجواز و قد تضافرت الروايات عن أئمّة أهل البيت على أنّ الحلف على العتاق و الطلاق و صدقة الأموال باطل. «3»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 38، من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- السبكي: الدرة المضيئة في الردّ على ابن تيميّة.

(3)- الوسائل: 16، الباب 14 من أبواب كتاب الأيمان، لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 253

5- و يقرب من هذا القسم: رواية حمادة أخت أبي عبيدة الحذّاء قالت:

«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوّج امرأة و شرط لها أن لا يتزوّج عليها و رضيت أنّ ذلك مهرها قالت: فقال

أبو عبد اللّه عليه السّلام: هذا شرط فاسد، لا يكون النكاح إلّا على درهم أو درهمين. «1»

دلّت الرواية على أنّ فساد الشرط إنّما لأجل أنّه جعل نفس ترك التزوّج عليها مهرا و أنّه لا يصلح له و لو كان نفس الشرط، فاسدا، لكان نسبة الفساد إليه أولى، لأنّ التعليل بالذاتي أولى من التعليل بالعرضي.

و على ضوء هذه الروايات الثلاث ظهر أنّ اشتراطهما صحيح بشرط أن لا يترتّب عليه أمر فاسد، كتحقّق الطلاق بلا شروطه أو صحّة النكاح بلا مهر أبدا.

6- و مثله رواية زرارة: أنّ ضريسا كانت تحته بنت حمران، فجعل لها أن لا يتزوّج عليها و لا يتسرّى أبدا في حياتها و لا بعد موتها، على أن جعلت له هي أن لا تتزوّج بعده أبدا و جعلا عليهما من الهدي و الحجّ و البدن و كلّ مال لهما في المساكين إن لم يف كلّ واحد منهما لصاحبه، ثمّ إنّه أتى أبا عبد اللّه عليه السّلام فذكر ذلك له، فقال: إنّ لابنة حمران لحقّا و لن يحملنا ذلك على أن لا نقول لك الحقّ، اذهب فتزوّج و تسرّ فإنّ ذلك ليس بشي ء و ليس عليك و لا عليها، و ليس الّذي صنعتما بشي ء فجاء فتسرّى و ولد له بعد ذلك أولاد. «2»

و الظاهر أنّ عدم النفوذ لأجل أنّه لا تكون الأموال صدقة بنفس الشرط «3» فانّها مثل الطلاق- مضافا إلى أنّها تحتاج إلى قصد القربة- تتوقف على صيغة خاصة، هذا كلّه حول القسمين الأوّلين.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 2.

(3)- المصدر نفسه: 16 من كتاب الأيمان، الباب 14، لاحظ الروايات.

نظام النكاح في الشريعة

الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 254

و أمّا القسم الثالث: أي ما يبدو منه كون نفس الشرط فاسدا مخالفا للكتاب، لا باعتبار ما يترتّب عليه من الطلاق فهو رواية ابن مسلم التي رواها العياشي مرسلا عن أبي جعفر فصدرها ظاهر في أنّ بطلان الشرط لأجل بطلان ما يترتّب عليه حيث قال: «إن تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو أتى عليها سرية فانّها طالق فقال: شرط اللّه قبل شرطكم ...» «1»، فهو مثل رواية محمد بن قيس.

و لكن الذيل يوهم أو يدلّ على أنّ بطلان الشرط لأجل كونه مخالفا للكتاب، حيث أخذ الإمام عليه السّلام يستدلّ على بطلان الشروط الثلاثة، بالآيات الواردة فيها.

و لكن الرواية مرسلة أوّلا، و مضطربة ثانيا، و مشتملة على لحن «2» في نقل الآية ثالثا ففيها: «و أحلّ لكم ما ملكت أيمانكم» مع أنّ الوارد في الكتاب: أَوْ مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 3) و: إِلّٰا مٰا مَلَكَتْ أَيْمٰانُكُمْ (النساء/ 22)، و لا يمكن تصديق مضمونه رابعا إذ من المعلوم أنّه ليس هنا أيّة دالّة على انّ الالتزام أو الملتزم في المقام تخالفانه.

ثمّ إنّ المشايخ، لأجل عدم تنقيح مناط المخالفة للكتاب و السنّة، وقعوا في إشكال. فمن جانب أفتوا بكون ترك التسري و التزوّج من الشروط المخالفة لهما و من جانب آخر، أفتوا بجواز شرط عدم الافتضاض، أو عدم الإخراج عن بلدها مع أنّ الجميع من باب واحد، و ربّما كان وجه الفصل، هو ورود النصّ في الأوّلين دون الأخيرين، مع أنّ لسان النص، ليس التعبّد بل لأجل كون اشتراطهما على خلاف الكتاب و السنّة، و لو أنّهم أعطوا حق النظر- كما هو عادتهم أنار اللّه برهانهم- لوقفوا أنّ وجه المخالفة، ليس في نفس

الاشتراط بل لما يترتّب عليهما من تحقّق الطلاق بلا شروط.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 6.

(2)- و يكون دليلا على عدم كون الراوي ضابطا في نقل الرواية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 255

و على ذلك نحن في غنى عن البحث في اشتراط عدم الافتضاض و الخروج، و لكن لأجل الإيضاح نذكرهما بوجه موجز.

المسألة السادسة: إذا شرطت أن لا يقتضّها

لو شرطت أن لا يقتضّها، ففي المسألة أقوال ثلاثة:

1- يصحّ الشرط مطلقا، و عليه الشيخ في النهاية و المحقق في الشرائع.

2- لا يصحّ الشرط مطلقا و عليه ابن البرّاج في المهذّب و ابن إدريس في السرائر.

3- التفصيل بين الدائم فلا يصحّ، و المنقطع فيصحّ و عليه الشيخ في المبسوط.

و إليك كلماتهم:

قال الشيخ: فإن شرطت عليه في حال العقد أن لا يقتضّها، لم يكن له اقتضاضها، قال: فإن أذنت له بعد ذلك في الاقتضاض جاز له ذلك. «1»

قال في المبسوط: و أمّا إن كان شرطا يعود إلى فساد العقد مثل أن تشترط الزوجة عليه ألّا يطأها فالنكاح باطل لأنّه شرط يمنع المقصود بالعقد، فقد روى أصحابنا أنّ العقد صحيح و الشرط صحيح و لا يكون له وطؤها فإن أذنت فيما بعد، كان له ذلك و عندي أنّ هذا يختصّ عقد المتعة دون الدوام. «2»

و قال ابن البرّاج بالمنع مطلقا قال: فإن شرط لها أن يكون الوطء بيدها لم يصح ذلك و ذكر (أي الشيخ في النهاية) أنّها إن شرطت عليه أن لا يقتضّها لم يكن

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية: 474.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 256

له ذلك إلّا بأمرها و الأولى ما ذكرناه. «1»

قال المحقّق: و لو شرط أن لا يقتضّها

لزم الشرط و لو أذنت بعد ذلك جاز عملا بإطلاق الرواية، و قيل يختصّ لزوم هذا الشرط بالنكاح المنقطع و هو تحكّم.

و لا يخفى ضعف التفصيل لأنّ عدم الاقتضاض إن كان مخالفا لمقتضي العقد، يكون العقد باطلا من غير فرق بين الدائم و المنقطع و إلّا، فيكون صحيحا مطلقا، و إن كان شرطا مخالفا للكتاب و السنّة، يكون الدائم و المنقطع في الحكم بالافساد و عدمه سواسية.

و يدلّ على الصحّة مطلقا- مضافا إلى ما ربّما يتمسّك به في المقام من النبوي: المؤمنون عند شروطهم. «2»- بعض الروايات المتضافرة كرواية سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: رجل جاء إلى امرأة فسألها، أن تزوّجه نفسها فقالت: أزوّجك نفسي على أن تلتمس منّي ما شئت من نظر و التماس، و تنال منّي ما ينال الرجل من أهله إلّا أنّك لا تدخل فرجك في فرجي و تلذّذ بما شئت فإنّي أخاف الفضيحة، قال: ليس له منها إلّا ما اشترط. «3»

و استدلّ على المنع، بما ذكره ابن إدريس في السرائر فانّه بعد ما نقل فتوى الشيخ في النهاية، و رجوعه عنها في المبسوط قال: و الذي يقتضيه المذهب أنّ الشرط باطل لأنّه مخالف لموضوع الكتاب و السنّة. «4»

و قد عرفت عدم المخالفة، و ذلك للفرق بين الحكم الوحداني، و الحكم

______________________________

(1)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 207 و قد سوّى ابن البراج بين الشرطين: كون الوطء بيدها، و عدم الاقتضاض.

(2)- و الظاهر عدم الصحّة لأنّه مخصص بما لم يكن مخالفا للكتاب و السنّة و التمسّك في المقام، تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية، لاحتمال كون الاشتراط على خلافهما.

(3)- الوسائل: 15، الباب 36، من أبواب المهور، الحديث

1، و لاحظ الحديث 2.

(4)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 589.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 257

الثنائي فللزوج الخيار بين الاقتضاض و عدمه، فتشترط الزوجة أن يختار جانب الترك، نعم لو اشترط كون الوطء بيدها فهو يصادم نفس الحكم الشرعي، و ربما كانت النتيجة واحدة و لكن يحرّم الكلام و يحلّل الكلام.

المسألة السابعة: في اشتراط عدم إخراجها من بلدها

إذا شرطت أن لا يخرجها من بلدها، يصحّ و يجب الوفاء، لعموم وجوب الوفاء بالشرط و عدم كونه مخالفا للكتاب و السنّة، و ورود النصّ به. «1»

نعم ذهب الشيخ في الخلاف «2» و المبسوط «3» إلى عدم الجواز و تبعه ابن إدريس و قال مجيبا عن النصّ الدال على الجواز: و هذه رواية شاذة لأنّها مخالفة لما تقتضيه أصول المذهب، لأنّها يجب عليها مطاوعة زوجها و الخروج معه إلى حيث شاء و إن لم تجبه إلى ذلك كانت عاصية للّه تعالى و سقطت عنه نفقتها. «4»

يلاحظ عليه: أنّه تجب عليها المطاوعة لو لا الاشتراط. و معه لا يصدق العصيان.

المسألة الثامنة: في اشتراط الخيار في النكاح
اشارة

المشهور أنّه لا يصحّ جعل الخيار في النكاح و يصحّ في الصداق.

قال الشيخ: فإذا شرطا في النكاح خيار الثلاث، نظرت، فإن كان في أصل العقد، فالنكاح باطل، لأنّه عقد يلزم بنفسه فلا يصحّ خيار الشرط فيه، و إن كان

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 40 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 32.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 303.

(4)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 59.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 258

الشرط في المهر ففيه قولان: أحدهما: النكاح باطل، و الثاني: النكاح صحيح. «1»

و هل عدم الصحّة، لأجل أنّ فيه شائبة العبادة التي لا تقبل الخيار، أو لكونه منافيا لمقتضى العقد أو لكونه منافيا للكتاب و السنّة أو شي ء آخر، و هو: أنّ العقلاء ينظرون إلى النكاح، بنظر قدسي، فيرون علقة الزوجية أعلى و أنبل من قبول الخيار و الاقالة و لأجل ذلك لم ير منهم، و الأدلّة الإمضائية للنكاح، لا تشمل غير المعتبر عند العقلاء إذا كان هناك دالّ على التوسع

و هو غير موجود.

و من الأصحاب من يقول بصحّة العقد و بطلان الشرط قائلا بوجود المقتضي لصحّة العقد، و هو اجتماع شرائط الصحّة فيه لأنّه الفرض، و انتفاء المانع إذ ليس إلّا اشتراط الخيار و إذا كان العقد غير قابل للخيار لنفي شرطه، و عمل بمقتضى العقد لأصالة الصحّة. «2»

و قال المحقق: «لو شرط الخيار في النكاح بطل و فيه تردّد منشؤه الالتفات إلى تحقق الزوجية لوجود المقتضي، و ارتفاعه عن تطرق الخيار أو الالتفات إلى عدم الرضا بالعقد لترتّبه على الشرط «3» و ما ذكر من مقتضى الصحّة، فهو ما أشار إليه ابن إدريس في كلامه الماضي و أمّا ما أفاد في وجه الفساد فهو وجهان:

1- النكاح أرفع من تطرّق الخيار.

2- إنّ الرضا ترتّب على صحّة الشرط و المفروض انتفاؤها.

و الوجه الأوّل هو المتعيّن و أمّا الوجه الثاني، فلو صحّ لزم بطلان العقد في كلّ مورد بطل الشرط مع أنّهم لا يقولون بفساد العقد، مع فساد شرطه اللّهمّ إلّا أن

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 304.

(2)- الحدائق: 24/ 545 نقلا عن السرائر.

(3)- الجواهر: 31/ 106، قسم المتن.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 259

يقال بوجود تعدّد المطلوب في غير النكاح و وحدته فيه.

و خلاصة الكلام أنّه إذا كان الخيار، أمرا غير رائج بين العقلاء فالأدلّة الإمضائية، لا تشمل ما هو الخارج عنه.

الخيار في المهر

نعم لو اشترط الخيار في المهر صحّت الثلاثة: العقد و المهر و الشرط، إذ ليس المهر المشروط بأقلّ ممّا لم يذكر فيه المهر فيندرج تحت قوله: «المؤمنون عند شروطهم» «1» ثمّ إنّه لو استمرّت الزوجية و لم يفسخ ذو الخيار، تعيّن المذكور في العقد و إلّا يرجع إلى مهر المثل.

المسألة التاسعة: في أنّ الصداق يملك بالعقد

المشهور بين الأصحاب أنّ المهر يملك بالعقد كلّه، لكن ملكية متزلزلة بالنسبة إلى الكلّ، و إنّما يستقرّ الكلّ بالدخول خلافا لابن الجنيد حيث استظهر من كلامه أنّها لا تملك إلّا النصف، و إنّما يملك النصف الآخر بالدخول فقال:

الذي يوجبه العقد من المهر المسمّى، النصف، و الذي يوجب النصف الثاني من المهر، بعد الذي وجب بالعقد منه، هو الوقاع أو ما قام مقامه من تسليم المرأة نفسها لذلك «2».

لكن عبارته ليست آبية عن الحمل على الاستقرار بالدخول.

قال الشيخ في الخلاف: إذا أصدقها صداقا ملكته بالعقد، و كان من ضمانه إن تلف قبل القبض، و من ضمانها إن تلف بعد القبض. فإن دخل بها استقرّ، و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب المهور، الحديث 4.

(2)- المختلف: كتاب الصداق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 260

طلّقها قبل الدخول بها رجع بنصف المهر المعيّن دون نمائه. و به قال أبو حنيفة، و أصحابه، و الشافعي.

و قال مالك: إنّما ملكت بالعقد نصفه، فيكون الصداق بينهما نصفين، فإذا قبضته كان لها نصفه بالملك، و الآخر أمانة في يدها لزوجها. فإن هلك من غير تفريط هلك منهما. فإن طلّقها قبل الدخول كان له أخذ النصف، لأنّه ملكه لم يزل عنه.

دليلنا: قوله تعالى: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً (النساء/ 4) و فيه دلالة من وجهين:

أحدهما: أنّه أضاف الصدقات إليهن،

و الظاهر أنّه لهنّ، و لم يفرق بين قبل الدخول و بعده.

و الثاني: أنّه لمّا أمر بايتائهنّ ذلك كلّه، ثبت أنّ الكل لهنّ.

و أيضا إجماع الفرقة، فإنّهم رووا بلا خلاف بينهم: أنّه إذا أصدقها غنما، ثمّ طلّقها قبل أن يدخل بها، فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: «إن كان أصدقها و هي حامل عنده فله نصفها و نصف ما ولدت، و إن أصدقها حائلا ثمّ حملت عندها لم يكن له من أولادها شي ء» و هذا يدلّ على أنّها قد ملكته بالعقد دون الدخول. «1»

و قال ابن إدريس: و متى مات أحد الزوجين قبل الدخول، استقرّ جميع المهر كاملا، لأنّ الموت عند محصلي أصحابنا يجري مجرى الدخول في استقرار المهر جميعه، و هو اختيار شيخنا المفيد في أحكام النساء، و هو الصحيح، لأنّا قد بيّنا، بغير خلاف بيننا، أنّ بالعقد تستحقّ المرأة جميع المهر المسمّى، و يسقط الطلاق قبل الدخول نصفه، فالطلاق غير حاصل إذا مات، فبقينا على ما كنّا عليه من

______________________________

(1)- الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 261

استحقاقه، فمن ادّعى سقوط شي ء منه، يحتاج إلى دليل، و لا دليل على ذلك من إجماع، لأنّ أصحابنا مختلفون في ذلك، و لا من كتاب اللّه تعالى، و لا تواتر أخبار، و لا دليل عقل، بل الكتاب قاض بما قلناه، و العقل حاكم بما اخترناه.

و يدلّ على القول المشهور أمور:

1- قوله سبحانه: وَ آتُوا النِّسٰاءَ صَدُقٰاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْ ءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً (النساء/ 4) فإنّ الإضافة إليها دليل على كونه بأجمعه لها مطلقا قبل الدخول و بعده.

2- ما دلّ على أنّ نماء

الصداق المتخلل بين العقد و الطلاق لها و إن طلّقها الزوج قبل الدخول. «1»

3- ما دلّ على أنّ لها الصداق كاملا إذا مات الزوج قبل الدخول و ترثه و تعتدّ أربعة أشهر و عشرا كعدّة المتوفى عنها زوجها «2».

نعم يبقى الكلام في المعارض و هو:

صحيح أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجل تزوّج امرأة على بستان له معروف و له غلّة كثيرة، ثمّ مكث سنين لم يدخل بها ثمّ طلّقها؟ قال: ينظر إلى ما صار إليه في غلّة البستان من يوم تزوّجها فيعطيها نصفه و يعطيها نصف البستان إلّا أن تعفو فتقبل منه و يصطلحا على شي ء ترضى به منه فإنّه أقرب للتقوى. «3»

فانّ مقتضى كون الصداق كلّه ملكا للزوجة هو عود جميع النماء المتخلّل

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 34 من أبواب المهور، الحديث 1- 2 موثق عبيد بن زرارة.

(2)- الوسائل: 15، الباب 58 من أبواب المهور، الحديث 20- 24.

(3)- الوسائل: 15، الباب 30 من أبواب المهور، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 262

بين العقد و الطلاق إليها، لا نصف النماء.

و يمكن أن يقال بأنّ الصداق هو الأرض، و أمّا الغلة، فهو للرجل الزارع و ليست من نماء الأصل و ذلك لقاعدة أنّ الزرع لمالك الحبّة و أمّا دفع النصف فلأجل التصرّف في أرض الغير، فتستحقّ أجرة المثل و لعلّها كانت هي نصف غلّة البستان، و بما أنّ صدر الحديث يعرب عن وجود الشقاق بينهما حيث مكث الزوج سنين و لم يدخل بها ثمّ طلّقها فيحتمل أن يكون التصرّف كان بلا إذن منها، فيتعيّن أجرة المثل و لأجل ذلك أمر بالصلح و أنّه أقرب للتقوى.

نعم هناك

روايات ربّما يستظهر منها نظر ابن الجنيد، نظير قوله:

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 262

1- إذا أولجه وجب الغسل و الجلد و الرجم و وجب المهر.

2- لا يوجب المهر إلّا الوقاع في الفرج.

3- متى يجب المهر؟ قال: إذا دخل بها.

4- إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة. «1»

و هذا الصنف غير آب عن الحمل على الاستقرار و يؤيّد ذلك ما سبق من أنّه إذا وهبته أو أبرأته عن المهر، ثمّ طلّقها الزوج قبل الدخول، وجب عليه النصف على ما مرّ.

و تظهر الثمرة في مقامين:

الأوّل: النماء المتخلّل بين العقد و الطلاق كلّه لها على القول المشهور، و ينصّف على القول الشاذ.

الثاني: يجوز لها التصرف بالبيع شأن كلّ ملكية متزلزلة، غاية الأمر يرجع الزوج بعد الطلاق إلى المثل أو القيمة.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 5- 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 263

بخلاف ما لو قلنا بأنّها لا تملك إلّا النصف:

و يدلّ عليه أمور:

1- الناس مسلّطون على أموالهم. «1»

2- جواز هبتها كلّ المهر لزوجها. «2»

3- جواز دفع العبد الآبق و الحبرة مكان الصداق كلّه. «3»

نعم خالف الشيخ و قال بعدم جواز التصرّف قبل القبض و تمسّك بقول النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و لا تبع ما لم يقبض و إليك نصّه:

ليس للمرأة التصرّف في الصداق قبل القبض و به قال جميع الفقهاء و قال بعضهم: لها ذلك. دليلنا أنّ جواز تصرّفها فيه بعد القبض مجمع عليه و لا دليل على جواز تصرّفها فيه قبل القبض و روي عن النبيّ

صلى اللّه عليه و آله و سلم أنّه نهى عن بيع ما لم يقبض و قد روى ذلك أصحابنا و لم يفصل. «4»

و لعلّ النهي للكراهة و التنزيه و على فرض كونه محظورا فما دلّ من الروايات على الجواز أخصّ منه فتقدّم عليه.

المسألة العاشرة

قد عرفت أنّ المشهور هو أنّ المرأة تملك المهر بمجرّد العقد إلّا أنّه متى طلّقها قبل الدخول عاد نصفه إلى الزوج، لكنّه إن عفت الزوجة أو من بيده عقدة النكاح، يصير المجموع له و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ

______________________________

(1)- المجلسي: البحار: 2/ 272.

(2)- الوسائل: 15، الباب 41 من أبواب المهور، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 24 من أبواب المهور، الحديث 1.

(4)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 264

قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَ قَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ وَ لٰا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللّٰهَ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة/ 237).

هذا ممّا لا كلام فيه إلّا أنّه وقع الاختلاف في تفسير من بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فهل هو الأب أو الجدّ للمرأة، أو الزوج، المشهور عند أصحابنا هو الأوّل و دلّت عليه روايات، قال الشيخ في الخلاف: «الذي بيده عقدة النكاح عندنا هو الوليّ، الذي هو الأب، أو الجدّ. و به قال ابن عباس، و الحسن البصري، و ربيعة، و مالك، و أحمد بن حنبل. و هو قول الشافعي في القديم.

إلّا أنّ عندنا له أن يعفو عن بعضه «1»، و ليس له أن يعفو عن جميعه.

و قال في الجديد: هو الزوج، و رووا ذلك عن علي عليه

السّلام و جبير بن مطعم، و سعيد بن جبير، و سعيد بن المسيب، و شريح، و مجاهد، و الشعبي، و النخعي، و الأوزاعي، و أهل الكوفة، سفيان الثوري، و ابن أبي ليلى، و أبي حنيفة و أصحابه.

دليلنا: إجماع الفرقة و أخبارهم، و أيضا قوله تعالى: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ- إلى قوله:- أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/ 237) و فيها أدلّة:

أوّلها: أنّه افتتح الآية، فخاطب الزوج بخطاب المواجهة، ثمّ عدل عنه إلى الكناية، فقال: فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ (البقرة/ 237) و الخطاب متى عدل به عن المواجهة إلى الكناية، فالظاهر أنّه كنّى عن غير من واجهه بالخطاب أوّلا، و لو كان المراد به الزوج لما عدل به عن المواجهة.

______________________________

(1)- يأتي الكلام فيه فانتظر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 265

الثاني: أنّه قال: إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ يعني الزوجة عن نصفها، ثمّ عطف على هذا فقال: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فكان حمله على الولي أولى، لأنّه عطف عفو نصف الصداق من الولي على عفو نصفه من الزوجة، فكان عطف عفو على عفو تقدّم، أولى من عطف عفو لا على عفو تقدّم.

الثالث: قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ فإذا حملناه على الولي حملنا الكلام على ظاهره من غير إضمار، فإنّ للولي أن يعقد، و بيده أن يعفو بعد الطلاق و قبل الدخول. و الزوج لا يملكها بعد الطلاق، و إنّما كان يملكها، فافتقر إلى إضمار. (أي من يملك عقد النكاح قبل الطلاق بخلاف الوليّ فانّه يملكها مطلقا و لأجل ذلك يزوّجها فيما بعد بغير المطلّق، أو له أيضا).

و الرابع: أنّ

اللّه تعالى ذكر العفو في الآية في ثلاثة مواضع فقال: إِلّٰا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكٰاحِ وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوىٰ (البقرة/ 237) فمن قال: الذي بيده عقدة النكاح الولي حمل كلّ عفو على فائدة.

و إذا قلنا: هو الزوج. حملنا عفوين على فائدة واحدة على ما مضى فكان حمل كلّ عفو على فائدة أولى من حمل عفوين على فائدة. «1»

و هنا وجه خامس لترجيح قول الأصحاب و هو أنّه إذا قلنا بأنّ المراد ممّن بيده عقدة النكاح هو الولي من الأب أو الجدّ يكون المفروض في كلا العفوين أمرا واحدا و هو أنّ المهر كان في ذمّة الزوج أو تحت سلطته و لم يقع في سلطة الزوجة أو وليها، فالعفو عن كلا الموردين يتحقق بعفو نصف المهر عندئذ، و أمّا إذا قلنا إنّ المراد منه هو الزوج يكون المفروض في العفو الثاني غيره في الأوّل و هو أن لا يطلب الزوج النصف الباقي و لا يصدق إلّا بدفع الجميع.

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب الصداق، المسألة 34.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 266

و أمّا الروايات فقد عقد صاحب الوسائل بابا «1» في أبواب المهور، تدل أو يستظهر منها أنّ المراد منه هو الوليّ، ثمّ بذل صاحب الحدائق بعده الجهد في المقام فأورد أربعة عشر حديثا «2» كلّها يؤيّد القول المشهور.

نعم ربما ورد في بعض الروايات «الأخ» و الإجماع منعقد على عدم ولايته، فيحمل على ما إذا كان وصيّا فيما لم يرد في متنها لفظ الوصي. «3» أو على ما إذا كان متوليا لأمور الزوجة بإذنها منها و ذلك فيما إذا ذكر معه في متنها الوصي 4 و في حديث إسحاق

بن عمّار إيماء إلى ما ذكرنا 5.

و هل يشترط في عفو الولي وجود المصلحة عطفا على ما دلّ على اعتبار المصلحة في التصرّف في مال المولّى عليه في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْيَتٰامىٰ قُلْ إِصْلٰاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ (البقرة/ 220) و قوله تعالى: وَ لٰا تَقْرَبُوا مٰالَ الْيَتِيمِ إِلّٰا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ (الأنعام/ 152).

أو لا يعتبر وجودها بل يكفي عدم المفسدة أخذا بإطلاق الروايات الكثيرة وجهان، و يؤيّد الأوّل أنّه ليس للولي في المقام العفو عن كلّ الصداق «6» لافتقاده المصلحة و مع ذلك يحتمل أن يكون لاشتماله على المفسدة فيه، و لأجل عدم دليل واضح في المقام على أيّ واحد من القولين فالأحوط الاكتفاء بما إذا كانت فيه المصلحة و يكون المقام كسائر تصرّفات الأولياء و إلى ما ذكرنا صرّح المحقّق و قال: «يجوز للأب و الجدّ للأب، أن يعفو عن البعض و ليس لهما العفو عن الكلّ و لا يجوز لولي الزوج أن يعفو عن حقّ الزوج إن حصل الطلاق» كما إذا صار مولّى

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 52 من أبواب المهور.

(2)- البحراني: الحدائق: 24/ 560- 563.

(3) و 4 و 5- الوسائل: 15، الباب 52 من أبواب المهور، الحديث 5 و 1.

(6)- الوسائل: 13، الباب 7 من أبواب الوكالة، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 267

عليه بجنون أو بلغ فاسد العقل و قلنا بصحّة طلاق الولي عنه.

المسألة الحادية عشرة: فيما إذا صار المهر المؤجّل حالا

إذا كان المهر مؤجّلا، لم تكن للمرأة الامتناع من الدخول، لأنّها رضيت على كونه مؤجّلا، لكنّها لو امتنعت إلى أن صار المهر حالا، كان لها الامتناع، كما إذا كان المهر حالا من أوّل الأمر، و عصيانها فيما كان مؤجّلا لا يؤثّر فيما إذا

صار حالا، لأنّ المقام من قبيل تبدّل الموضوع.

المسألة الثانية عشرة: لو أصدقها قطعة من فضّة فصاغتها قرطين، ثمّ طلّقها قبل الدخول

إذا امتنع إعادة النصف لطروء صفة عليها موجبة لارتفاع قيمتها، نظير ما إذا خاط اللباس أو صبغه ينتقل إلى المثل و القيمة شأن كلّ تصرف موجب لارتفاع القيمة، المستلزم لامتناع ردّ العين على ما هو عليه نعم لو رضي الزوج مع بذل قيمة الوصف جاز، لكن بدلا عن القيمة، لا ردّا لنفس الصداق.

المسألة الثالثة عشرة:

يجوز أن يجمع بين نكاح و بيع في عقد واحد و يقسّط العوض على الثمن و مهر المثل، بشرط أن يكون المبيع عروضا، فلو كان مهر المثل مائة دينار، و ثمن المبيع خمسين دينارا و كان العوض في مقابلها مائة دينار، يقسّم العوض أثلاثا، ثلثان للمهر، و ثلث لثمن المبيع.

نعم لو كان المبيع نقدا، يلزم الربا كما إذا قالت: زوّجتك نفسي و بعتك هذا الدينار، بدينار، لأنّه باع الدينار بدينار مع زيادة، و هو الاستيلاء على البضع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 268

المسألة الرابعة عشرة:

لا بدّ من تعيين المهر بما يخرج عن الإبهام فلو أمهرها أحد هذين مشيرا إلى نوعين كالدرهم و الدينار أو خياطة أحد ثوبين مختلفي الخياطة كالقميص و العباءة مثلا بطل المهر دون العقد، و كان لها مع الدخول مهر المثل «نعم لا يعتبر فيه التعيين الذي يعتبر في البيع و نحوه من المعاوضات، فيكفي مشاهدة عين حاضرة، و إن جهل كيله أو وزنه أو عدّه أو ذرعه كصبرة من الطعام و قطعة من الذهب و طاقة مشاهدة من الثوب و صبرة حاضرة من الجوز و أمثال ذلك». «1»

و ذلك لأنّ النكاح ليس من المعاوضات الحقيقية، فيكفي الخروج من الإبهام، فلو قال: أتزوّجك بما في يدي، مردّدا بين الدينار و الدرهم و النحاس فلا يصحّ كما عرفت، نعم لو قال: جعل الصداق أحد الثوبين المتساويين من جميع الجهات قيل: لا يصحّ لاشتراط التعيين لرفع الغرر.

يلاحظ عليه: أنّه إنّما يصحّ لو كانت الألبسة قيمية، تختلف أفرادها قيمة و رغبة، و أمّا الآن فقد غيّر الجهاز الصناعي الوضع و صيّرها مثلية لا يتفاوت أفرادها و إن كانت آلافا منها و هذا أحد

الموارد التي يكون لعنصر الزمان و المكان تأثير في الافتاء لأجل تغيير الصغرى و بالتبع تتغيّر الكبرى، و للبحث صلة ليس المقام مناسبا لذكرها.

و بما ذكرنا يعلم صحّة ما أفاده المحقق حيث قال:

1- «لو تزوّجها على مال مشار إليه غير معلوم الوزن أو غيره ممّا يعتبر فيه العدّ، و الكيل، و الذرع فتلف قبل قبضه فأبرأته منه صحّ، و ذلك لعدم اشتراط العلم بالمقدار في صحّة الإبراء إذ الإبراء مبني على الغرر و الضرر.

______________________________

(1)- السيد الأصفهاني: الوسيلة: 3/ 207، المسألة 3، فصل في المهر.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 269

2- و كذا لو تزوّجها بمهر فاسد و استقرّ لها مهر المثل فأبرأته أو من بعضه صحّ و لو لم تعلم كميته لأنّه إسقاط للحق فلم تقدح فيه الجهالة.

هذا كلّه ممّا لا غبار عليه نعم ذكر في آخر كلامه.

3- لو أبرأته من مهر المثل قبل الدخول لم يصحّ لعدم الاستحقاق فهو من قبيل إبراء ما لا يجب. «1»

و هذا يخالف ما ذكره سابقا من أنّ المهر يملك بالعقد و يستقرّ بالدخول على أنّ الحقّ، صحّة ضمان أو إسقاط ما ثبت فيه المقتضي و إن لم يصل إلى حدّ الوجوب، كضمان الدرك و غيره.

المسألة الخامسة عشرة: في تزويج الصغيرة و حكم المهر
اشارة

اتّفق الأصحاب على أنّ الوالد إذا زوّج ولده الصغير فإن كان له مال فالمهر على الولد و إن كان فقيرا فالمهر في عهدة الوالد، فلو مات الوالد أخرج المهر من أصل تركته لأنّه من ديونه سواء بلغ الولد و أيسر ثمّ مات الوالد، أو مات قبل ذلك أو بقي على ما كان عليه من الفقر.

و المسألة مورد اتّفاق و لأجل التقريب نذكر كلمة الشيخين:

قال المفيد: «و إذا عقد الرجل على

ابنه و هو صغير و سمّى مهرا، ثمّ مات الأب كان المهر من أصل تركته قبل القسمة إلّا أن يكون للصبي مال في حال العقد فيكون المهر من مال الابن دون الأب». «2»

و قال الشيخ: و إذا عقد الرجل على ابنه و هو صغير إلى آخر عبارة شيخه

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 124- 125.

(2)- المفيد: المقنعة، باب عقد المرأة على نفسها للنكاح: 511.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 270

المفيد. «1»

و أمّا الروايات فقد نقل الشيخ الحرّ في الباب 28 من أبواب المهور، خمس روايات و أحال الباقي إلى أبواب أخر مثل عادته في جميع الأبواب و يا ليته لم يجر على هذه العادة فقد أتعب المراجع لو لا أن المعلّق- رحمه اللّه- استدرك ما فاته و قد استقصاها الشيخ البحراني في كتابه. «2»

و لنذكر بعضها:

1- موثقة عبيد بن زرارة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير؟ قال: إن كان لابنه مال فعليه المهر، و إن لم يكن للابن مال فالأب ضامن المهر ضمن أو لم يضمن. «3»

2- خبر الفضل بن عبد الملك «4» قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يزوّج ابنه و هو صغير؟ قال: لا بأس، قلت: يجوز طلاق الأب؟ قال: لا، قلت: على من الصداق؟ قال: على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن. «5»

و حصيلة الرواية، أنّه إن ضمن الوالد المهر، فالصداق عليه كان الولد فقيرا أو غنيا و إلّا، فيضمن إذا كان الولد فقيرا لا غنيّا.

______________________________

(1)- الطوسي: النهاية، باب

من يتولّى العقد على النساء: 467.

(2)- البحراني، الحدائق: 24/ 571.

(3)- الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1 و لاحظ الحديث 4 و 5 من نفس الباب.

(4)- المعروف بالبقباق، وصف بكونه خبرا لكون عبد اللّه بن محمد في طريقه و هو المعروف بالبنان أخو أحمد بن عيسى القمي و هو لم يوثّق، نقله الحر العاملي عن الكافي، و فيه: «إلّا أن يكون للغلام» مكان «إلّا أن لا يكون للغلام» و الثاني هو الصحيح و عليه نسخة المسالك، فلاحظ 1/ 605.

(5)- المصدر نفسه: الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 271

و هل يجوز للأب على تقدير فقر الولد، التصريح بعدم الضمان؟ قيل: نعم، كما عن العلامة في التذكرة، و قيل: لا، لأنّ قوله: «ضمن أو لم يضمن» يعمّ تلك الصورة أي اشتراط عدم الضمان.

يلاحظ عليه: أنّه ناظر إلى صورة عدم الضمان، لا التصريح بعدم الضمان و بعبارة أخرى ناظر إلى حالة السكوت لا التصريح بعدمه، و الظاهر صحّة نفي الضمان إذا كان في النكاح مصلحة تفوت بترك التزويج، و أدلّة الشروط متقدّمة على أحكام العناوين الأوّلية خصوصا إذا رضيت الزوجة به.

ثمّ إنّ إطلاق لفظ المال في جانب الولد يشمل لما يؤخذ في الدين و ما لا يؤخذ كدابّة الركوب و دار السكنى من مستثنيات الدين، ففي ذلك المورد، المهر على الابن، فإذا بلغ و طلبت الزوجة مهرها فهل يجب عليه بيعهما لأداء دينه، أو يتحوّل الصداق عندئذ إلى الذمة و لا يجب صرف هذه الأشياء في أداء دين المهر لو طلبته الزوجة، اختار الثاني المحدّث البحراني «1» و زعم أنّه نتيجة الجمع بين الدليلين.

يلاحظ عليه: أنّ مناسبة الحكم و الموضوع يقتضي كون

المال في ذلك الظرف كالرهن في مقابل الصداق و ربّما ترغب الزوجة لأجل وجود رصيد مالي في مقابل المهر، و لازم ذلك أنّه لو طلبت يجب عليه صرف مالا يؤخذ في الدين في أداء الصداق و إلّا فلو لم يجب صرفه في أداء الصداق فأيّ فرق بين وجوده و عدمه في تعلّق الصداق بذمة الزوج، و بالجملة: إن تعلّق الصداق بذمة الزوج يكشف عن وجود استطاعة مالية له، يتمكّن معها، من الخروج عن عهدة الصداق و هذا فرع كونه قابلا للصرف في الدين.

و لو افترضنا وجود مال يفي ببعض الصداق لا كلّه، فهل يكون الكلّ على

______________________________

(1)- البحراني، الحدائق: 24/ 575.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 272

الأب، أو على الابن؟ أقول: إنّ لسان الروايات عدم وجود مال له أصلا فعند ذلك يضمن الأب، دون ما إذا كان له مال يفي الكلّ أو البعض فهو خارج عن لسان الروايات «1»، و لكن المناسبة تقتضي لزومه عليه بنسبة ما يملكه و إن كان ظاهر الإطلاق كونه على الأب و الأولى التصالح.

فروع

1- لو زوّج الصغير المعسر و صار المهر في ذمّته، فدفع الوليّ المهر إلى الزوجة فبلغ الصبي فطلّق قبل الدخول، فهل يستعيد الولد النصف أو يرجع إلى الوالد.

2- نفس الصورة و لكن الوالد لم يدفع إليها حتّى طلّقها الولد بعد البلوغ و قبل الدخول، فهل يستعيد الابن النصف من الوالد أو لا.

3- لو تزوّج ولده الكبير، و تبرّع الوالد المهر عنه و دفعه إليها، ثمّ طلّق قبل الدخول فما هو حكم النصف.

4- لو كان المهر عينا للأب فأصدقها و طلّق الولد قبل الإقباض، فما هو حكم النصف؟

5- تلك الصورة و لكنّه طلّقها بعد

الإقباض.

فقد جزم المحقّق في صدر كلامه في الصورة الأولى و الثالثة بأنّه يستعيد الولد النصف، لكنّه قال في نهاية كلامه: و في المسألتين تردّد.

و لنأخذ بالاستدلال على قول المحقق و هو صحّة الاستعادة بوجهين:

الأوّل: إنّ الطلاق مملّك جديد للنصف لا فاسخ لسبب الملك.

______________________________

(1)- مثل قوله: «و إن لم يكن له مال»، أو «دون ما لم يكن له شي ء» و في البعض «إلّا أن لا يكون للغلام مال» و هو منصرف إلى المال الوافي، فلاحظ الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1، 4، 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 273

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من النصوص، هو أنّه سبب جديد لتملّك الزوج، نصف المهر فيما إذا كان هو الدافع و أن يكون المهر خارجا عن ملكه، لا عن ملك غيره كما في المقام و لو تعبّدنا بظهور الآية فظاهرها كون النصف للفارض و هو في المقام نفس الوالد، قال سبحانه: وَ إِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَنِصْفُ مٰا فَرَضْتُمْ (البقرة/ 237) و أمّا الروايات الواردة في أنّ الطلاق منصّف «1» فموردها ما إذا كان الباذل هو الزوج فلا يمكن الاستئناس منها للمقام.

الثاني: أنّه يجري مجرى الهبة، فالواهب هو الأب و المتّهب هو الزوجة، وهبة الرحم لازم لا رجوع فيه، فيرجع النصف لا محالة إلى الابن.

يلاحظ عليه: بأنّ ظاهر الروايات هو تعلّق المهر بذمة الوالد عند إعسار الولد، فهو يدفع المهر، و يوفي دينه لا أنّه يهبه للمرأة و كان على المحقّق ترك ذكر هذا الوجه.

و يمكن الاستدلال على الوجه الثاني أي عوده إلى الوالد بأنّ لسان الروايات هو ضمان الوالد لما وجب تحقيقا أو تقديرا، ففي موثقة عبيد: «فالأب ضامن

المهر، ضمن أو لم يضمن» «2» و في رواية الفضل، قلت: على من الصداق؟ قال: «على الأب إن كان ضمنه لهم، و إن لم يكن ضمنه فهو على الغلام إلّا أن لا يكون للغلام مال فهو ضامن له و إن لم يكن ضمن» 3 فإذا كان الطلاق موجبا لاستحقاق المرأة نصف الصداق لا غير، كان ذلك كاشفا عن مقدار ما ضمن به في الواقع فيرجع الباقي إلى الضامن نظير الفسخ بالعيب في البيع الذي ضمن ثمنه شخص آخر، فإذا فسخ المشتري بالعيب يرجع الثمن إلى الباذل، لا المشتري.

و الذي يوضح هذا القول، هو الفرع الثاني فلو كان الصداق على ذمّة الأب،

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 51 من أبواب المهور.

(2) و 3- الوسائل: 15، الباب 28 من أبواب المهور، الحديث 1 و 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 274

لإعسار الولد و لم يدفعه حتّى بلغ الولد فطلّقها قبل الدخول، أ فهل ترى أنّ الولد يرجع إلى الأب في النصف الآخر نظيره ما إذا ضمن الشخص و لكن أبرأه المضمون له فلا يرجع المضمون عنه إلى الضامن، بحجّة أنّ الإبراء كالإعطاء.

و ربّما يتبادر في بادئ النظر الفرق بين ما إذا كان المهر في الذمّة و ما إذا كان المهر عينا خارجيّة، أقبضها لها أم لم يقبضها فانّ رجوع النصف إلى الولد، في الصورة الثانية أوضح من غيرها.

و لكن الظاهر عدم الفرق فإذا كان الطلاق قبل الدخول منصّفا للصداق و مملّكا النصف للزوج فلا فرق بين كونه في الذمّة أو في الخارج، أقبضه أم لم يقبضه.

و يمكن دعم القول الثاني بملاحظة أمرين:

الأوّل: إنّ الطلاق قبل الدخول قاطع لاستمرار مالكية المرأة بالنسبة إلى النصف فلا بدّ من

رجوع النصف إلى المورد الذي خرج منه فلو كان الدافع هو الزوج فيرجع إليه و إلّا فلا بدّ في تعيين مورده من التماس دليل آخر.

الثاني: إنّ الإمعان في الروايات يعطي، أنّ إلزام الأب بأداء الصداق عند إعسار الابن أشبه بغرامة يدفعها الأب مقابل إشغال ذمّة الصبيّ بالصداق مع إعساره فإذا تبيّن بالطلاق قبل الدخول، أنّ اشغال ذمّته لم يتجاوز عن النصف فتتحدد الغرامة به و يعود النصف إلى من دفعه بعنوان الغرامة، و بعبارة أخرى إذا كان الصداق في مقابل البضع فطبع الحال يقتضي كونه على الولد تحقيقا أو تقديرا، فيكون ما يدفعه الأب، غرامة أو عوضا عمّا هو الصداق الذي وجب عليه واقعا.

هذه هي الوجوه المذكورة في كلمات القوم أو ما يمكن أن يقال: لكن الظاهر رجوعه إلى الولد في الصورة الثالثة بلا كلام، و لعلّها خارجة عن

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 275

محلّ البحث و هي ما إذا تزوّج الولد الكبير، و تبرّع الوالد بصداقه، ثمّ طلّق الولد، قبل الدخول، فإن تبرّع الوالد، تمليك المال للولد، ليدفع صداقا لزوجته فإذا طلّق، يرجع إلى ما خرج عنه و هو ملك الولد.

و أمّا في غير هذه الصور، فالوجهان متساويان، و لعلّ مقتضى الإطلاقات، هو رجوعه إلى الولد، و الذوق الفقهي و حكم الفطرة و الأشباه و النظائر تقتضي الثاني، فالأولى التصالح و اللّه العالم.

تمّ الكلام في أحكام المهر الذي هو الطرف الثالث في كلام المحقق و لنبدأ بالطرف الرابع و هو بيان أحكام التنازع التي قلّما يتّفق باب أن يخلو عنه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 277

الفصل السابع عشر: في أحكام التنازع

اشارة

1- إذا اختلفا في أصل المهر

2- إذا ادّعت المواقعة و

أنكرها الزوج

3- إذا اختلفا في قدر المهر

4- إذا اختلفا في وصفه بعد الاتفاق على نوعه

5- لو اتفقا على التسمية و انّها أكثر من مهر المثل و ادّعى

التخلص من الزائد بالابراء أو الوفاء

6- إذا أصدقها التعليم

7- إذا اختلفا في كون العقد تأسيسا أو تأكيدا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 279

في أحكام التنازع و فيه مسائل

الأولى: إذا اختلفا في أصل المهر
اشارة

إذا اختلفا في أصل المهر فإمّا أن يكون التنازع قبل الدخول أو بعده، فعلى الأوّل قال المحقق: القول قول الزوج مستدلا باحتمال تجرّد العقد عن المهر، و عليه فلو طلّق و الحال هذه فليس له إلّا المتعة عملا بقوله سبحانه: لٰا جُنٰاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسٰاءَ مٰا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَ مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ (البقرة/ 236).

و أمّا على الثاني فقال المحقق: القول قوله أيضا نظرا إلى البراءة الأصلية و لنأخذ بدراسة الصورة الأولى ثمّ الثانية.

أمّا الصورة الأولى: أي التنازع قبل الدخول فتوضيح جريان البراءة من المهر هو: أنّ العقد، ليس دليلا على الاشتغال بالمهر، لاحتمال أن يكون العقد من موارد مفوّضة البضع التي لا يذكر فيها المهر أبدا أو من موارد مفوضة المهر، التي يذكر فيها المهر إجمالا لا تفصيلا، كما إذا تزوّج بحكمها في المهر، أو بحكمه فيه، فلا يكون العقد بما هو هو دليلا على الاشتغال.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 280

يلاحظ عليه: بأنّ المسألة مطروحة في مجتمعنا، و ليس من هذين القسمين أثر فيه فالاعتماد على هذا الاحتمال مع كون الغالب هو اقتران العقد بالمهر مشكل، و على ذلك يلزم على القاضي، تبيين الحال بوجه آخر و هو أنّ ما يذكر فيه

المسمّى، و ما لا يذكر كالمفوضة بضعا أو مهرا و إن كانا من قبيل المتباينات عند العقل، لكنّها عند العرف من قبيل الأقلّ و الأكثر، فمن ادّعى التسمية كالزوجة في المقام فقد ادّعت شيئا زائدا فعليها البيّنة، و إلّا فاليمين على الآخر، فإذا حلف الزوج عند فقد البيّنة للزوجة يتعين مهر المثل، إذا كانت مفوّضة البضع، أو المهر على طبق حكم الحاكم منها، إذا كانت مفوّضة المهر، فيكون المحكّم، حكم الحاكم و هو إمّا الزوج أو الزوجة كما مرّ.

أمّا الصورة الثانية: فالمعروف هو البراءة و لكن مقتضى القاعدة في المقام هو الاشتغال و ذلك لأنّ طبع الدخول و الاستمتاع يقتضي العوض، فالاستمتاع بالمرأة و ادّعاء عدم الاستحقاق لا يجتمعان في نظر العرف و لذلك يقول الإمام: «إذا التقى الختانان وجب المهر و العدّة» «1» فالعدول عنه يتوقّف على دليل قاطع و ليس سوى احتمالات منفية في المقام و إليك بيانها:

1- جواز كون المسمّى دينا في ذمّة الزوجة أو عينا في يدها فلا يكون العقد المشتمل على التسمية بمجرّده مقتضيا لاشتغال ذمّة الزوج بشي ء من المهر. «2»

يلاحظ عليه: أنّ كون المهر دينا له في ذمّتها أو عينا في يدها لا ينافي دعواها الاستحقاق بالعقد و الدخول، غاية الأمر يكون ذلك على فرض الصحّة أداء منه لما استحقت عليه و عندئذ يلزم عليه إثباته.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 54 من أبواب المهور، الحديث 8 و غيره.

(2)- السيّد علي الطباطبائي: الرياض: 2/ 124، الطبعة الحجرية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 281

2- جواز كون الزوج صغيرا زوّجه أبوه و المهر عليه كما مرّ.

يلاحظ عليه: أنّ لازم ذلك عدم إيقاف المحاكمة و استمرارها بطرح السؤال فإن اعتذر بذلك

و ثبت كونه كذلك و إلّا فلا وجه للتمسّك بالبراءة مع كون نفس العمل- العقد مع الدخول- غير منفكّ عن المهر.

3- ما في كلام المحقّق و توضيحه: أنّ كون العقد و الدخول سببا لتعلّق المهر صحيح لكن يصحّ أن يكون مقدار المهر أرزة واحدة و هي ربع حبّة، و الحبّة ثلاثة قراريط و هو جزء من عشرين جزء من عشرين جزء من دينار، و هذا الاحتمال قائم و الزيادة غير معلومة و الحاصل أنّ ثبوت استحقاق المهر، يقتضي أقلّ ما يتموّل الصالح لأن يكون مهرا، و أين هو من مهر المسمّى أو المثل.

يلاحظ عليه: أنّ طبع العمل يقتضي ضمانه بقيمة مثله لا بأقلّ صالح للمهر، و هو ليس إلّا مهر المثل.

و الحاصل أنّ هذه الأمور لا تصلح لدفع القاعدة فيحكم عليه بمهر المثل إلّا أن تدّعي المرأة المسمّى و كان أقلّ منه فتؤخذ بإقرارها.

و أمّا ما ذكره العلّامة في التحرير من أنّه إذا وقع الاختلاف في أصل المهر بعد الدخول يستفسر، هل سمّي أو لا، فإن ذكر تسميته كان القول قوله مع اليمين، و إن ذكر عدمها لزم مهر المثل، و إن لم يجب بشي ء حبس حتّى يبين. «1»

يلاحظ عليه: أنّ الشقّ الأوّل خارج عن الفرض و هو ادعاء التسمية فذكره كأنّه استدراك و الظاهر أنّه محكوم بدفع مهر المثل سواء أجاب أم لم يجب، أخذا بالقاعدة.

______________________________

(1)- تحرير الأحكام: ج 2، كتاب النكاح: 39، الطبعة الحجريّة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 282

فروع

1- إذا اختلفا في القدر، بأن ادّعت الزوجة قدرا زائدا على ما أقرّ به الزوج فلا إشكال و لا خلاف في أنّ مقتضى القاعدة هو تقديم قول الزوج مضافا إلى

ورود النصّ فيه. «1»

قال الشيخ بعد عنوان المسألة: إنّ القول قول الزوج بيمينه إذا لم تكن هناك بيّنة معها، و وافقنا جماعة على ذلك، و قال قوم يتحالفان، و بمن يبدأ؟ فيه أقوال ثلاثة:

أحدها يبدأ بيمين الزوج، و الثاني بيمين الزوجة، و الثالث يبدأ الحاكم بأيّهما شاء- إلى أن قال:- و متى تحالفا بطل المهر و وجب لها مهر المثل. «2»

و ما ذكروه من التحالف إنّما يصحّ إذا دار الأمر بين المتباينين، كأن يقول:

تزوّجتك بألف درهم و قالت الزوجة: بل تزوجت بألف دينار دون ما إذا دار الأمر بين الأقل و الأكثر كألف و الألفين درهم. على أنّه يمكن القول به بأنّ المثال الأوّل أيضا من قبيل الزيادة و النقيصة إذا كان المحور في تشخيص المدّعي، نتيجة الدعوى لا مصبّها الظاهري فانّ قيمة ألف دينار، يزيد على ألف درهم، فمدّعي الزيادة يحكم بإقامة البيّنة و إلّا يحلف الآخر.

2- و لو اختلفا في وصفه بعد الاتّفاق على نوعه على وجه ترتفع الجهالة فالقول قول الرجل، لأصالة البراءة من الزائد و من الوصف الذي هو بمنزلة الزائد.

3- لو اتّفقا على التسمية، و اعترف بأنّها أكثر من مهر المثل و يدعي

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 18 من أبواب المهور، الحديث 1.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 300.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 283

التخلّص من الزائد بإبراء أو وفاء و نحوهما، فالقول قول المرأة مع يمينها لأصالة عدم التسليم.

قال الشيخ: إذا اختلف الزوجان في قبض المهر فقال: قد أقبضتك المهر و قالت: ما قبضته، فالقول قولها، سواء كان قبل الزفاف أو بعده قبل الدخول بها أو بعده و فيه خلاف، و روي في بعض أخبارنا أنّ القول قوله

بعد الدخول. «1»

و يشير بما في آخر كلامه إلى ما روي من أنّ الدخول يهدم العاجل و قد مرّ الكلام فيه.

4- و لو اختلفا في التعجيل و التأجيل أو زيادة الأجل، فالقول قولها، و ذلك لأنّ مقتضى طبع العقد هو النقد، و التأجيل على خلاف الأصل، كما هو المفروض في باب المعاوضات و توهم أنّ التأجيل نقص في المهر و عدمه زيادة فيه و الأصل عدمها، مدفوع بتقدّم الأصل السببي على المسبّبي، و ذلك لأنّ الشكّ في الزيادة و عدمها مسبّب عن ذكر الأجل في العقد، و الأصل عدمه (فتأمّل) على أنّك قد عرفت أنّ طبع العقد يقتضي النقد، و النسيئة على خلافه و لا تثبت إلّا بالدليل.

5- لو دفع قدر مهرها من دون أن يصرّح بأنّه وفاء عن المهر ثمّ اختلفا بعد ذلك فقالت المرأة: دفعته هبة، و قال الزوج: دفعته صداقا، فالقول قوله لأنّه أبصر بنيّته و في الوفاء تعتبر نيّة الدافع لا القابض.

أضف إلى ذلك أنّ طبع المال يقتضي الضمان، و خلافه يحتاج إلى الدليل.

قال الشيخ: و إن اختلفا فقالت: قلت لي: خذي هذه هدية أو قالت هبة، و قال: بل قلت خذيها مهرا، فالقول قول الزوج بكلّ حال «2» و على كلّ تقدير فإنّما

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 301.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 302.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 284

يقدّم قول الزوج لو لم تكن هناك قرينة دالّة على كونه هدية، كالمقنعة و الجورب بل الخاتم أحيانا فانّ الظاهر المفيد للاطمئنان في هذه الموارد موجب لتقدّم قولها على ادّعاء الزوج.

المسألة الثانية: إذا ادّعت المواقعة و أنكرها الرجل

إذا خلا الزوج بالزوجة خلوة خالية من موانع الوقاع فادّعت المواقعة و أنكرها الزوج فللمسألة صور:

1- أن تكون المرأة

قبل الإخلاء بكرا و ادّعت المواقعة قبلا و أمكن للزوج إقامة البيّنة على كونها بكرا فعلا.

2- تلك الصورة و لكن لا يتمكّن الزوج من إقامتها على كونها بكرا.

3- إذا اختلفا و كانت الزوجة ثيّبا.

ففي الصورة الأولى يقدّم قوله لأجل شهادة البيّنة على كونها بكرا، نعم إذا شهدت على أنّها ثيّبا، لا يقدّم قولها، لإمكان إزالة البكارة عن غير طريق الوقاع و لأجل ذلك قلنا في عنوان المسألة: «أمكن للزوج إقامة البيّنة على كونها بكرا».

و في الثانية و الثالثة يكون المقام من قبيل تعارض الظاهر مع الأصل فإنّ وجود القدرة و الداعي و انتفاء الصارف يحتّم الفعل غالبا، لكن الأصل عدمه.

فالمرجع هو الأصل، و قد مرّ الكلام في الروايات الدالة على استقرار المهر بالخلوة فلا نعيد.

المسألة الثالثة: إذا أصدقها التعليم و ...

لو أصدقها تعليم سورة أو صناعة فقالت: علّمني غيره، قال المحقق:

فالقول قولها، و أضاف صاحب الجواهر قوله: «بلا خلاف و لا إشكال، و استدل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 285

عليه بأنّها منكرة لما يدّعيه، نحو إنكارها وصول المهر لو ادّعى عليها تسليمه و حينئذ فيلزم في الفرض بأجرة التعليم». «1»

و فيما ذكره نظر، لأنّها على فرض صدق قولها هي الّتي فوّتت على الزوج إمكان الوفاء بالصداق بتعليمه إيّاها و مع ذلك كيف تستحقّ أجرة التعليم و قياس المقام بتعذّر الصداق فينتقل إلى المثل و القيمة قياس مع الفارق لأنّ التعهّد في كلّ مورد بشي ء، يلازم التعهّد على دفع عوضه لو تعذّر بعذر مقبول فينتقل إلى العوض شأن كلّ تالف و أمّا المقام فالذي تعهّد به الزوج، عبارة عن القيام بالتعليم بما هو هو، غاية الأمر أنّه لو تعذّر بالعذر المقبول يتعيّن بدله، و لكنّه لم يتعهّد

بدفع البدل حتّى و لو كانت هي المفوّتة فيلزم بالمثل أو القيمة نعم لا يجوز خلوّ النكاح من المهر، فلا محيص عن جعل تعلّمها من غيره، بمنزلة إبراء الزوج من الصداق المقرّر و اللّه العالم.

قال الشيخ: فإن أصدقها تعليم سورة من القرآن ثمّ اختلفا ... و قالت: إنّي حفظتها من غيره فعلى وجهين، أحدهما: القول قولها، لأنّ الأصل أنّه ما لقّنها و هو الأقوى، و الثاني: القول قوله، لأنّها ما كانت تحفظها و هي الآن تحفظها فالظاهر أنّها منه حفظت. «2»

المسألة الرابعة: إذا اختلفا في كون عقد تأسيسا أو تأكيدا

إذا اتّفق الزوجان على وقوع عقد نكاح بينهما في وقتين و اختلفا في كون الثاني تأسيسا أو تأكيدا فقال الزوج: كان تكرارا على وجه الاحتياط في تصحيحه أو لقصد اشتهاره، و ادّعت المرأة أنّ كلا منهما عقد شرعي مستقلّ لا تكرار. و مفهوم

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 143.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 274 و لا يخفى عليك الضعف في ادّعاء الظهور في أنّها حفظت منه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 286

كلامها حصول فرقة بينهما بسبب من الأسباب، ثمّ عقد عليها.

قال الشيخ: لو اختلفا فقالت: هما نكاحان فلي المهران، و قال الزوج: نكاح واحد و إنّما تكرّر عقده فلك مهر واحد قال: فالقول قول الزوجة مستدلا بأنّ الظاهر معها لأنّ الظاهر من العقد إذا وقع، أنّه وقع صحيحا و حمله على خلافه خلاف الظّاهر و يترتّب عليه أنّه يلزمه المهران معا و قال بعضهم: يلزمه مهر و نصف. «1»

و علّله المحقّق بنفس ما في المبسوط و قال: القول قولها لأنّ الظاهر معها، و أوضحه في الجواهر بأنّ ظاهر الإتيان بالصيغ، إرادة ترتّب آثارها عليها الذي هو مقتضى أصالة الصحّة فيها.

و علّله في المسالك بأنّ

العقد حقيقة شرعية في السبب المبيح للبضع و استعماله في نفس الإيجاب و القبول المجرّدين عن الأثر مجاز. «2»

و عن كشف اللثام أنّ الأصل و الظاهر التأسيس و الحقيقة في لفظ العقد و صيغته، و لا عقد في المكرّر حقيقة و لا في الصيغة المكرّرة.

يلاحظ على ما في المسالك و ما في ذيل كلام كشف اللثام بأنّهما لم يتّفقا على عنوان العقدين بما له من المفهوم حتى يقال إنّه حقيقة في السبب المبيح و العقد الحقيقي، لا مجرّد الإيجاب و القبول أو المجاز بل اتّفقا على مصداقهما، أي صدور أنكحت و زوّجت في وقتين، فادّعى أحدهما أنّه كان تكرارا للاحتياط و ادّعت الزوجة أنّه كان للتأسيس، فكون لفظ العقد حقيقة في المبيح كما في كلام المسالك

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 291، ثمّ علّل كون الواجب مهرا و نصفا بوجه لا ينطبق مع مفروض العبارة

(2)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 287

أو كونه ظاهرا في التأسيس و الحقيقة دون المجاز كما في الكشف، لا صلة له بالدعوى. نعم ما ذكره المحقق و جاء في صدر عبارة كشف اللثام هو المهم أعني:

حمل الفعل الصادر على الصحيح و هو المؤثّر، و هو لا يجتمع مع التأكيد.

أقول: إنّ القضاء في مثل هذه المسألة يتوقّف على رعاية القرائن المزيلة للشكّ، قبل الأخذ بقول أحدهما و هي:

أوّلا: جرى الرسم سابقا و لاحقا على التزويج بمهر سرّا، و بآخر جهرا، و قد عنونه المحقّق فيما سبق «1» فلو كان هذا رائجا في موضع النزاع ربّما يصدّنا عن الحكم بقولها، لأنّه تكون قرينة مفيدة للاطمئنان.

ثانيا: إنّ الإشهاد و إن كان مستحبا في النكاح، لكنّه قلّما

يتّفق نكاح بلا شهود عدول، فإن شهدوا على أحد الأمرين فلا تصل النوبة إلى قول واحد منهما.

ثالثا: لو ادّعى الزوج مفارقتها عن زوجها بالطلاق قبل الدخول، و ادّعت أنّها زوجته فعلا، بلا دخول فلا معنى، لاستحقاقها المهرين أو مهر و نصف، بل يكفي نصفان من مهرين.

هذا و نظائره يجرّنا إلى عدم الغفلة عمّا يحيط بالنزاع من القرائن المفيدة للاطمئنان، فلو خلت الواقعة عن كلّ قرينة، فالإقرار بإجراء عقدين في وقتين، إقرار بنكاحين مؤثّرين يستتبعان مهرين مختلفين فمقتضى الحمل على الصحّة هو التأسيس، لا التأكيد إذ يدور أمره بين الصحيح و غيره.

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 37.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 289

الفصل الثامن عشر في القسم و النشوز و الشقاق

اشارة

1- القسم لغة و اصطلاحا

2- القسم من حقوق الزوجة و ثمرته الاستئناس

3- أقوال الفقهاء في وجوبه و عدمه أو التفصيل بين الواحدة و غيرها

4- في جعل القسمة أزيد من ليلة واحدة

5- النشوز لغة و اصطلاحا و الآية الواردة فيه

6- معالجة نشوز المرأة بوجوه خمسة واردة في الآية

7- في نشوز الزوج و الضابطة فيه نفس الضابطة في الزوجة

8- القول في الشقاق و تفسير الآية الواردة فيه

9- هل بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم أو التوكيل

10- إذا حكما في غياب الزوجين أو أحدهما فهل يكون نافذا

11- يجب أن يكون شرط الحكمين جائزا لا حراما

12- إذا منعها الزوج من حقوقها و انجرّ الأمر إلى الطلاق الخلعي

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 291

في القسم و النشوز و الشقاق

القول في القسم

[القسم لغة و اصطلاحا]

القسم- بالفتح- مصدر قسّمت الشي ء، أقسمه فمصدر الثلاثي و المزيد فيه واحد، و بالكسر الحظّ و النصيب و التقدير، و عرفا هو قسمة الليالي بين الزوجات و يمكن اعتباره من كلّ منهما.

و اعلم انّ للزوجة على الزوج حقوقا من الكسوة و المأكل و المشرب و الإسكان مقابل حقوقه عليها و من تلك الحقوق، هو القسم و هو حقّ لها عليه في الجملة، و إن كانت ثمرته مشتركة و هو الاستئناس، و فيه أقوال ثلاثة:

1- من كانت له زوجة واحدة، لها على زوجها حقّ المبيت عندها و المضاجعة معها في كلّ أربع ليال، ليلة و له ثلاث ليال، و إذا كانت له زوجتان فلهما ليلتان من كلّ أربع ليال، و ليلتان له، و إذا كانت له ثلاث، كانت لهن ثلاث، و الفاضل له، و إذا كانت

عنده أربع كانت لكلّ منهنّ ليلة و يكون جميع لياليه لهنّ، و قد نسب هذا القول إلى المشهور و اختاره ابن البرّاج و قال: «و إذا لم يكن للرجل إلّا زوجة واحدة كان عليه المبيت عندها ليلة واحدة من أربع ليال و له أن يفعل من الثلاث الأخر ما يشاء فيما كان مباحا له. «1»

2- لا يجب عليه شي ء منه بل القدر اللازم أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة، لا هي ذات بعل و لا مطلّقة.

______________________________

(1)- ابن البرّاج: المهذّب: 2/ 227.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 292

نعم لها عليه حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر مرّة، و إن كانت عنده أكثر من واحدة، فإذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند غيرها أيضا فإذا كنّ أربع و بات عند إحداهنّ، طاف عليهن في أربع ليال، لكلّ منهنّ ليلة، و لا يفضل بعضهن على بعض، و إذا كانت عنده ثلاث فإذا بات عند إحداهنّ يجب عليه أن يبيت عند الأخريين ليلتين لكلّ منهما ليلة و إذا كانت عنده زوجتان و بات عند إحداهما بات في ليلة أخرى عند الأخرى، و بعد ذلك إن شاء ترك المبيت عند الجميع و إن شاء شرع فيه على النحو المتقدّم، و على أيّ تقدير فلا تجب في الواحدة، و تجب في المتعددة إذا ابتدأ صيانة للعدل بينهنّ.

و هذا خيرة الشيخ الطوسي حيث قال: إذا كان للرجل زوجات فلا يجب عليه القسم ابتداء، لكن الذي يجب عليه النفقة و الكسوة و المهر و السكنى، فمتى تكفّل بهذه فلا يلزمه القسم، لأنّه حقّ له، فإذا أسقطه لا يجبر عليه، و يجوز له تركه و أن يبيت في

المساجد و عند أصدقائه، فأمّا إن أراد أن يبتدئ بواحدة منهنّ فيجب عليه القسم، لأنّه ليس واحدة منهنّ أولى بالتقديم من الأخرى، فعليه أن يقسّم بينهنّ بالقرعة. «1»

3- يجب القسم عند التعدد و لا يجب في الواحدة اختاره ابن حمزة قال:

و القسم إذا كانت له زوجتان أو أكثر «2» و نسب هذا إلى المقنعة و النهاية و الجامع للشرائع لكن عبارتها لا تؤدّي ذلك فلاحظ. «3»

هذه هي الأقوال فلنأخذ بدراسة القول الأوّل.

استدلّ للقول الأوّل بوجوه غير تامّة:

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 325- 326.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 312.

(3)- المقنعة: 516، النهاية: 483، و الجامع: 456.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 293

1- قوله سبحانه: وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19).

يلاحظ عليه: أنّه لا يدلّ على أزيد من المعاشرة على النحو المعروف و هو غير وجوب البيتوتة في كلّ أربعة ليال، ليلة، بل يجب عليه أن لا يهجرها و لا يجعلها كالمعلّقة غير مطلّقة و لا مزوّجة و بهذا يعلم عدم دلالة غيره من قوله سبحانه: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228) أو قوله: قَدْ عَلِمْنٰا مٰا فَرَضْنٰا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوٰاجِهِمْ (الأحزاب/ 50) و نرجع إلى الآية في مطاف البحث.

2- التأسّي بالنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم فإنّه كان يقسم بين نسائه في مرضه فيطاف به بينهنّ. «1»

يلاحظ عليه: أنّه أخصّ من المدّعى بل ينطبق على القول الثاني لأنّ نساء النبيّ كانت متعدّدة و كان يبتدئ بالقسم.

3- خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيّام ثمّ يقسم. «2»

يلاحظ عليه: أنّ مورده التعدد، فخصّت

ثلاثة أيّام للزوجة الجديدة تكريما، و لمّا كان الإمام عارفا بأنّه يدخل على الجديدة و لا يتركها أمره بالقسم.

الروايات الدالّة على أنّ للحرة ليلتين و للأمة ليلة. «3»

يلاحظ عليه: بمثل ما مرّ فإنّ مواردها نكاح الحرّة على الأمة و بما أنّ الإمام عليه السّلام كان عارفا بأنّه لا يترك الحرّة أمره بالقسم.

4- ما دلّ على أنّه يجوز لهنّ بيع حقّهنّ إذا طابت نفسهنّ فيدل على كونه

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 5 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 2 (مرسلة الطبرسي).

(2)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 4.

(3)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب القسم و النشوز، روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 294

حقّا. «1»

5- ما دلّ على أنّه يجوز أن يفضّل نساءه بعضهنّ على بعض ما لم يكن أربعا. «2»

يلاحظ على الدليلين: بأنّهما أخصّ من المدّعى و موردهما ما إذا كانت متعددة و مع الابتداء بواحدة منها فالكلّ على القول الثاني أطبق.

و بكلمة قصيرة «أنّ جميع هذه النصوص جارية مجرى الغالب في حال الزوج حيث إنّه يبيت عند زوجته فمع فرض تعدّدها كان عليه ملاحظة العدل في القسمة و التفصيل على الوجه المذكور في النصوص، و ليس المراد وجوبها ابتداء و لا وجوب مبيت ليلة من الأربع ليال لو كانت واحدة». «3»

استدل للقول الثاني بأمرين:

1- الروايات المستفيضة في حصر حقوق الزوجة في أمور من الملبس و المطعم و المسكن و لم يذكر فيها القسم. «4»

يلاحظ عليه: أنّ الحصر فيها نسبي ناظر إلى الحقوق المالية بشهادة أنّه لم يذكر فيها حقّ المواقعة في كلّ أربعة أشهر، مرّة.

2- التأسي بالنبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم حسب

ما عرفت من الروايات.

يلاحظ عليه: أنّ القسم لم يكن واجبا عليه بشهادة أنّه سبحانه أذن له بإيواء

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 6 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(3)- الجواهر: 31/ 154.

(4)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 5 و 8 و غيرهما و الباب الثاني من تلك الأبواب، الحديث 1 و الباب 48 من أبواب النفقات، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 295

من شاء منهنّ و اعتزال من شاء قال سبحانه: تُرْجِي مَنْ تَشٰاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشٰاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْكَ (الأحزاب/ 51) على أنّ جهة الفعل مجهولة و أنّه هل كان واجبا أو مستحبّا.

استدل للقول الثالث بالدليل الأخير أيضا و قد علمت أنّ جهة الفعل مجهولة و لعلّ الوجوب- على فرض تسليمه- كان مشروطا بالابتداء.

و بهذا تبيّن أنّ جميع الأقوال خالية عن الدليل غير القول الثاني و ذلك لغاية حفظ العدل بين النساء.

و مع ذلك كلّه فهنا كلام ربما يرجّح معه القول الأوّل و هو أنّ قوله سبحانه: وَ عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ضابطة كلّية يختلف انطباقها على مواردها حسب اختلاف الأزمنة و الأمكنة، و لو صحّ أنّ لعنصر الزمان و المكان، تأثيرا في الموضوع، ثمّ في الحكم فهذا المورد من مواضعه، و من المعلوم أنّ الاكتفاء بما جاء في القول الثاني، و أيّده الفقيه الاصفهاني بقوله من أنّه يكفي «أن لا يهجرها و لا يذرها كالمعلّقة لا هي ذات بعل و لا مطلّقة» لا يعدّ اليوم معاشرة بالمعروف.

و ليس إطفاء نار الشهوة، الحاجة الوحيدة للزوجة، بل لها حاجات روحية ليست

في الأهمية بأقلّ منها كالاستئناس بالزوج يقول سبحانه: وَ مِنْ آيٰاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوٰاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهٰا وَ جَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَ رَحْمَةً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لَآيٰاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم/ 21).

قال الطبرسي: أي لتطمئنّوا إليها و تأنسوا بها و يستأنس بعضكم ببعض، و قال سبحانه: وَ جَعَلَ مِنْهٰا زَوْجَهٰا لِيَسْكُنَ إِلَيْهٰا (الأعراف/ 189) كلّ ذلك يعرب عن أنّه يجب أن تكون أواصر الحبّ و المودّة بين الزوجين آكد و أشدّ، ممّا جاء في القول الثاني، و من مظاهره البيتوتة و المضاجعة إلّا إذا كان الزوج معذورا لمرض أو لمهنة أو لعوارض عائقة، و بما أنّ الإجماع و الروايات الماضية دالّة على عدم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 296

وجوب، أزيد من ليلة واحدة، يكتفي في تجسيد الآية و تحقيقها بالحياة، بالقسم بليلة واحدة في أربع ليال، فالأحوط ما هو المشهور لو لم يكن الأقوى.

في جعل القسمة أزيد من ليلة واحدة

هل يجوز أن يجعل القسمة أزيد من ليلة لكلّ واحدة، فيه قولان:

1- يجوز مطلقا و هو خيرة الشيخ قال: «المستحب أن يقسم ليلة ليلة، لأنّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم كذا فعل و إن قسّم ليلتين ليلتين أو ثلاثا ثلاثا جاز فهو متحكم في ملكه و ما زاد على ذلك فإن كان برضاهنّ جاز أيضا و إن لم يكن برضاهنّ لم يجز». «1»

2- اشتراطه مطلقا برضاهنّ و هو خيرة المحقق في الشرائع.

استدل للقول الأوّل بإطلاق الأمر بالقسمة ففي خبر عبد الرحمن بن أبي عبد اللّه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الرجل يكون عنده المرأة فيتزوّج أخرى كم يجعل للتي يدخل بها؟ قال: ثلاثة أيّام ثمّ يقسم. «2»

يلاحظ عليه: أنّه لو صحّ

الاستدلال به، لما كان الزائد على الثلاث، متوقّفا على رضاهنّ.

و استدلّ للقول الثاني، بما ورد في خبر سماعة حيث جاء فيه، يفضل المحدثة حدثان عرسها ثلاثة أيّام إن كانت بكرا ثمّ يسوّي بينهما بطيبة نفس إحداهما للأخرى و معناه أنّه إذا جعل لكلّ واحدة منهنّ ليلتين متواليتين و لم تطب نفس إحداهما إلّا بليلة لا يجوز ذلك إلّا بطيب النفس منهما.

و ربّما يستدل بالتأسي للنبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم و بما تضافرت أنّ كلّ زوجة تستحق ليلة من

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 328.

(2)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 4 و لاحظ 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 297

أربع لا أكثر.

و الثاني موهون بعدم وجوب القسم عليه فضلا عن الكيفية و الثالث و إن كان متضافرا، لكنّه بصدد بيان الكميّة لا الكيفية فلم يبق سوى خبر سماعة، و كونه ناظرا إلى الكيفية مشكل فالإطلاق محكم، فالواجب المباشرة بالمعروف و عدم العول و الجور، و هو متحقق في كلتا الصورتين.

ثمّ إنّ البكر تختص أوّل عرسها بسبع ليال و الثيّب بثلاث تفضلان بذلك على غيرهما «1» و لا يقضى لنسائه شي ء من ذلك لظهور النصّ و يدخل في القسمة المضاجعة بأن ينام قريبا منها على النحو المعتاد معطيا لها وجهه و لا يدخل فيها المواقعة بلا خلاف و يختصّ بالليل دون النهار، لاقتصار النصوص على الليلة «2» و السيرة المستمرة و لأجل ذلك يدخل الصبيحة ليلتها.

ثمّ إنّ المحقّق ذكر مسائل في المقام أكمل به البحث عن القسم، و هي مسائل واضحة فلنرجع إلى القول بالنشوز.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1، و

ما في رواية الحديث الثاني يحمل على التفضيل لكون زينب بنت جحش كانت بنت عمة النبيّ.

(2)- الوسائل: 15، الباب 5 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 298

القول في النشوز

[النشوز لغة و اصطلاحا]

النشوز في اللغة: الارتفاع و منه قوله سبحانه: يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذٰا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجٰالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّٰهُ لَكُمْ وَ إِذٰا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللّٰهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجٰاتٍ وَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (المجادلة/ 11) أي إذا قيل لكم: انهضوا إلى أمر اللّه، فانهضوا، يرفع اللّه ... و سمّى خروج أحد الزوجين عن طاعة الآخر، نشوزا، لأنّه بمعصيته قد ارتفع و تعالى عمّا أوجب اللّه عليه و لو كان الخلاف من جانب فهو النشوز و إن كان من الجانبين فهو الشقاق، و لعلّ نشوز المرأة يلازم خروجها عن طاعة اللّه و لأجل ذلك عدّت طاعتها، مقابلا لنشوزها في سورة النساء كما سيوافيك و ليس كذلك نشوز الرجل، لأنّه ربّما يتحقق بأمر تكرهه المرأة كما إذا أراد طلاقها لكونها مسنّة أو دميمة، أو غير ذلك ممّا يجبئ في بحث نشوز الرجل و على كلّ تقدير يقع الكلام في مقامين:

الأوّل: في نشوز الزوجة.

الأصل فيه قوله سبحانه: وَ اللّٰاتِي تَخٰافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَ اهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضٰاجِعِ وَ اضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلٰا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيًّا كَبِيراً (النساء/ 34).

و توضيح الآية يتوقف على إيضاح أمرين:

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 299

1- هل الخوف بمعنى العلم، كما عن الفراء حيث قال: معناه تعلمون نشوزهنّ و قد يكون الخوف بمعنى العلم، لأنّ خوف النشوز هو العلم بموقعه. «1»

و الظاهر أنّه بمعناه الحقيقي و هو يتحقّق بظهور أماراته و أسبابه مثل أن تتقطب في وجهه أو تبرم في حوائجه المتعلّقة بالاستمتاع و إنّما ذكر الخوف دون النشوز لمراعاة العلاجات الثلاثة المذكورة في الآية، فانّ العظة كما يناسب مع نفس

النشوز، يناسب مع ظهور أماراته و آثاره. «2»

2- هل الزوج في أعمال العلاج مخيّر بين هذه الثلاثة أو يصحّ له الجمع بينها، أو يتدرج من الأخف إلى الأثقل حسب تدرّج النشوز. و لا يصحّ القضاء الصحيح بين هذه الأقوال إلّا بذكر المحتملات.

أقول: قد ذكر في الآية وجوه خمسة:

ألف: ما اختاره المحقّق في الشرائع و قال: متى ظهر من الزوجة أمارات النشوز، جاز له هجرها في المضجع بعد عظتها و لا يجوز له ضربها و الحال هذه، أمّا لو وقع النشوز و هو الامتناع عن طاعته فيما يجب له، جاز ضربها و لو بأوّل مرّة.

و حاصله: أنّ الزوج يعالج عند خوف النشوز بالأوّلين على وجه الترتيب و عند وجود النشوز بالضرب سواء أعمل الأوّلين قبل تحقّق النشوز أو لا، لكنّه إذا تحقّق النشوز فله الاكتفاء بالأخير كما أنّ له إعمال الجميع من دون رعاية ترتيب، فالترتيب بين الأوّلين مختصّ بصورة خوف النشوز، و هذا المعنى يستفاد من المبسوط بعد الإحاطة بكلامه. «3»

______________________________

(1)- الطبرسي: مجمع البيان: 2/ 45.

(2)- الميزان: 4/ 367.

(3)- الطوسي: المبسوط: 4/ 337.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 300

يلاحظ عليه: أنّ المضاجعة من حقوقها، و تركها عقوبة عليها، و لا تجوز إلّا بفعل المحرّم، و ليس الخوف عن النشوز مبرّرا لذلك و لذلك اختار بعضهم المعنى الثاني.

ب: انّ الأمور الثلاثة مترتبة على مراتب ثلاث من حالها فمع ظهور أمارات النشوز يقتصر على الوعظ و مع تحقّقه قبل الإصرار ينتقل إلى الهجرة فإن لم ينجع و أصرّت انتقل إلى الضرب. و هذا لا غبار عليه لو لا أنّه تصرّف في ظاهر الآية بلا قرينة حيث جعل العظة من آثار الخوف و الأخيرين من

آثار نفس النشوز إلّا أن يقال بأنّ الصارف عن الأخذ بالظاهر هو أنّ العقوبة كترك المضاجعة لا تحلّ إلّا بفعل المحرّم و هو لا يتحقّق إلّا بالنشوز فلأجل ذلك جعل الموضوع في الثاني هو ذاته لا خوفه.

ج: ما اختاره المحقق في النافع، من التحفظ على ظاهر الآية و هو ترتّب العلاجات الثلاثة على أمارات النشوز من غير فرق بين الضرب و غيره إلّا أنّها مترتبة حسب ترتّب النهي عن المنكر قال في النافع: و قد حفظ القائل ظهور الآية في ترتّب الثلاثة على الخوف، و لكنّه تصرّف في حمل الواو على الترتيب الذي مخالف لمعناها من الجمع أو التخيير، و الداعي إليه، كونه من قبيل النهي عن المنكر «1».

د: ما هو المحكي عن ابن الجنيد، من جعل الأمور الثلاثة مترتبة على نفس النشوز و يجوز الجمع بين الثلاثة ابتداء، و ذلك لأنّه حمل الخوف على العلم لقوله سبحانه: فَمَنْ خٰافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلٰا إِثْمَ عَلَيْهِ (البقرة/ 182) و عليه يجوز أن يختار واحدا من الثلاثة أو يجمع بينها على اختلاف في معنى الواو في المقام.

______________________________

(1)- المحقق: النافع: 191.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 301

يلاحظ عليه: أنّ المقام لا يتجاوز عن النهي عن المنكر فقد يراعى فيه الترتيب فليكن المقام مثله.

ه: كون الثلاثة مترتبة على النشوز بالفعل- مثل المحكي عن ابن الجنيد- غير أنّ الثلاثة مترتّبة فيدرج في الأدنى إلى الأعلى. «1» و حاصل الوجوه الخمسة عبارة عن الوجوه التالية:

1- إنّ الأوّلين مترتّبان على الخوف، و الثالث على نفس النشوز.

2- إنّ الأوّل مترتّب على الخوف، و الثاني و الثالث على النشوز و يعمل على الترتيب.

3- إنّ الثلاثة مترتبة

على الخوف، إلّا أنّها مترتبة حسب ترتّب النهي عن المنكر.

4- إنّ الثلاثة مترتبة على النشوز، مخيرا في إعمالها بلا ترتيب.

5- مترتّبة على نفس النشوز لكنّه على ترتيب النهي عن المنكر.

و لعلّ الأظهر هو القول الثالث، من كفاية الخوف في اعمال التأديب، مع الحفظ على الترتيب كموارد النهي عن المنكر، و أمّا إشكال العقوبة عليها عند الخوف و إن لم يصدر منها محرّم فهو محجوج بظاهر الآية و لعلّ الرغبة في حفظ أواصر الزوجية، و التسريع في الإصلاح يبرّر هذا المقدار من العقوبة التي ترجع إلى ترك المضاجعة، أو الضرب على وجه لا يدمى و لا يبرح و أمّا حكم النشوز فيعلم من حكم الخوف بطريق أولى.

هذا ظاهر الآية و أمّا النصوص الواردة في نشوز الرجل فالروايات الواردة فيه تفسر الآية بنفس النشوز لا بالخوف مع وروده في كلا الموردين فعن أبي عبد اللّه

______________________________

(1)- العلّامة: الارشاد: 2/ 33.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 302

عليه السّلام في تفسير قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فقال: هي المرأة تكون عند الرجل فيكرهها فيقول لها: إنّي أريد أن أطلّقك، فتقول له: لا تفعل إنّي أكره أن تشمت بي. «1»

و هل هذا قرينة على عطف الآيتين على أمر واحد؟! و هو أنّ المراد من الخوف، هو العلم بالنشوز، و يلازم الترتيب في التأديب كسائر الموارد فينطبق على قول العلّامة في الارشاد و اللّه العالم.

نعم اختار السيد الاصفهاني، القول الأوّل فجعل العظة و ترك الاضطجاع مترتّبين على الخوف، و الضرب مترتّبا على النشوز نفسه. «2»

ثمّ إنّ المراد من أمارات النشوز كلّ عمل يحكي عن كونها بصدد الترفع و الاستعلاء

مثل أن تقطّب في وجهه أو تبرم بحوائجه أو تغيّر عادتها، فانّ كلّ ذلك من أمارات النشوز فيجوز للزوج التمسّك بالتأديبين الأوّلين هذا إذا كان يوما أو يومين و أمّا إذا استمرّت هذه الحالة بحيث أثّر وضعها في استمتاعه و تلذّذه بها و عادت الحياة منغصة و إن كانت غير عاصية، فلا يبعد حالتها من نفس النشوز فيجوز معه التأديب الثالث.

ثمّ إنّه يجب أن يكون الضرب لأجل الإصلاح لا التشفي و الانتقام، و أن لا يكون مدميا و لا شديدا مبرحا و بما أنّ الضرب لصالحه يكون الزوج ضامنا إذا كان هناك تلف، بخلاف ضرب الصبيّ فانّه لصالحه فلا يكون الولي ضامنا.

المقام الثاني: في نشوز الزوج

إنّ الضابطة في كلا النشوزين أمر واحد و هو الخروج عن الطاعة الواجبة

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1 و غيره.

(2)- السيد الأصفهاني، في الوسيلة، فصل القول في النشوز: 352.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 303

فلو منع حقوقها من قسم و نفقة و كسوة فهو نشوز و اللائق بمقام المرأة هو العظة و التذكرة و الهجر إذا لم يقم بوظيفته، و أمّا الضرب فليس من شأنها غالبا، و لأجل ذلك لم يذكر التأديبات الثلاث في الآية فللزوجة رفع الأمر إلى الحاكم حتّى يلزمه بالقيام بالواجب.

نعم النشوز من جانب الرجل يتحقّق تارة بالخروج عن الوظيفة و أخرى بالعزم على عمل حلال تكرهه كما إذا أراد طلاقها لكونها مسنّة أو دميمة فيجوز عليهما الصلح و لو بإغماض الزوجة عن بعض حقوقها، صيانة لشرفها و كيانها، قال سبحانه: وَ إِنِ امْرَأَةٌ خٰافَتْ مِنْ بَعْلِهٰا نُشُوزاً أَوْ إِعْرٰاضاً فَلٰا جُنٰاحَ عَلَيْهِمٰا أَنْ يُصْلِحٰا بَيْنَهُمٰا صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ

(النساء/ 128) لكن ما يأخذه الزوج إنّما يكون حلالا إذا كان في مقابل فعل أو ترك حلال، لا في مقابل المحرّم فعلا أو تركا و لعلّ المراد من الإعراض في الآية هو الطلاق و قد تضافرت الروايات في المقام على جواز هذا النوع من الصلح. «1»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب القسم و النشوز.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 304

القول في الشقاق

[الشقاق لغة و اصطلاحا]

الشقاق على وزن فعال من الشقّ، و هو لغة: الصدع و التفرقة، يقال: شقّ عصا القوم غير أنّ لازم الشقّ، كون كلّ نصف في ناحية يطلق عليه الشق، و المقصود في المقام وقوع النشوز من الزوجين و المنافرة بين الطرفين و الأصل في ذلك قوله سبحانه: وَ إِنْ خِفْتُمْ شِقٰاقَ بَيْنِهِمٰا فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً (النساء/ 35) و هل المراد من خوف الشقاق هو ظهور أماراته منهما، لا نفسه أو هو بمعنى العلم به، و الخوف من استمراره؟ و الظاهر هو الأوّل و الكلام في أمور:

الأوّل: من هو المخاطب لقوله: وَ إِنْ خِفْتُمْ و فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ فهل المراد هو الحكّام بعد ما انجرّ الأمر إليهم أو الزوجان و قد حكي الأخير عن الصدوقين فإن امتنعا فالحاكم و هو صريح الفقه الرضوي: «يختار الرجل و تختار المرأة رجلا». «1»

وجهان: و يؤيّد الأوّل ظاهر الآية و أوضحه الشيخ و قال: «إنّ الخطاب إذا ورد مطلقا فيما طريقه الأحكام كان منصرفا إلى الأئمّة و القضاة كقوله تعالى:

وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا (المائدة/ 39)، و الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ (النور/ 2) و

أيضا فانّ الخطاب لا يتوجّه إلى الزوجين لأنّه لو توجّه إليهما لقال فابعثا. «2»

______________________________

(1)- النوري: المستدرك: 15، الباب 8 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(2)- الطوسي: الخلاف: 2/ 426، المسألة 9، كتاب القسم بين الزوجات.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 305

و مع ذلك فيمكن استظهار المعنى الثاني من بعض الروايات ففي موثقة سماعة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا أ رأيت ان استأذن الحكمان فقالا للرجل و المرأة: أ ليس قد جعلتما أمركما إلينا في الإصلاح و التفريق؟ فقال الرجل و المرأة: نعم .... «1» و لكنّها ليست صريحة في أنّ البعث كان من الزوجين بل من المحتمل أنّ البعث كان من الحاكم، و التقى الحكمان المبعوثان بالزوجين و جرى بينهما ما جرى و يؤيّد أنّ البعث من الحاكم خبر عبيدة. «2»

أضف أنّ ما يحكم به الحكمان أمر يجري عليهما أرادا أم لم يريدا و مثل هذا الأمر يطلب لنفسه قوة مجرية قاهرة تجري الحكم في حقّهما و ليس هو إلّا القضاة و الأئمّة المسئولون.

و ظاهر الخطاب في قوله فَابْعَثُوا هو وجوب البعث لحفظ الوئام و يؤكّد الوجوب فيما إذا اطلع القاضي على وقوع الزوجين أو أحدهما في عمل محرّم، كما أنّ ظاهرها كون الحكم من أهله و أهلها، فلا يعدل عنه إلى غيره، إلّا إذا تعذّر الأهل أو كانت الغاية، غير متأتية به، فيحكّم غيره صيانة للغرض يقول السيد الأصفهاني:

الأولى بل الأحوط أن يكون الحكمان من أهل الطرفين بأن يكون حكما من أهله، و حكما من أهلها فإن لم يكن لهما أهل أو لم يكن

أهلهما أهلا لهذا الأمر تعيّن من غيرهم. «3»

نعم لا يعتبر أن يكون من جانب كل منهما، حكم واحد بل لو اقتضت المصلحة بعث اثنين أو أزيد، و ذلك لأنّ ذكر الحكم الواحد، من باب الاقتصار

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 6.

(3)- السيد الاصفهاني: الوسيلة: القول في النشوز: 352.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 306

على الأقل.

و بما ذكرنا يعلم أنّ المبعوثين حكمان لا وكيلان للزوجين إذ المفروض أنّ الخطاب للحكّام، و الحكمان يبعثان من جانبهم، فلا موضوع للوكالة و لا منافاة أو يكونا حكمين و لكن يكون الطلاق مشروطا، بإذن الزوج كما سيوافيك.

قال الشيخ: بعث الحكمين في الشقاق على سبيل التحكيم، لا على سبيل التوكيل و به قال علي عليه السّلام و ابن عباس و عمرو بن العاص و هو أحد قولي الشافعي.

و القول الآخر أنّهما على سبيل التوكيل و به قال أبو حنيفة. دليلنا قوله تعالى:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا و هذا ظاهر في التحكيم لأنّه لم يقل فابعثوا وكيلا- إلى أن قال:- و أيضا قال: إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا فأضاف الارادة إلى الحكمين فلو كان توكيلا لم يضف إليهما. و أيضا: روى أصحابنا أنّهما ينفّذان ما اتّفق رأيهما عليه إلّا الفرقة بينهما فانّهما يستأذنانهما فدلّ ذلك على أنّه على سبيل التحكيم، لأنّ التوكيل لا يجوز فيه إنفاذ شي ء إلّا بإذن الموكّل. «1»

و على كلّ تقدير فإن اتّفقا على الإصلاح فعلاه من غير مراجعة لهما، لأنّه مقتضى تحكيمهما أو توكيلهما و إن اتّفقا على التفريق فمقتضى التحكيم هو النفوذ، لو

لا ما ورد من أنّه ليس للمصلحين أن يفرّقا حتّى يستأمرا «2» و في رواية يشترط عليهما إن شاءا جمعا و إن شاءا فرّقا فإن جمعا فجائز و إن فرّقا فجائز. 3 نعم روى أهل السنّة عن علي عليه السّلام قال: رجل أتى عليّا عليه السّلام و معه امرأته مع كلّ واحد فئام من الناس فقال علي عليه السّلام: «ما شأن هذا؟ قالوا: وقع بينهما شقاق، قال:

فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَ حَكَماً مِنْ أَهْلِهٰا إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا، فبعثوهما

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 2، كتاب القسم، المسألة 9، ص 426.

(2) و 3- الوسائل: 15 الباب 13 من أبواب القسم، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 307

فقال علي للحكمين: هل تدريان ما عليكما إن رأيتما أن تجمعا جمعتما و إن رأيتما تفرّقا فرّقتما، فقالت المرأة: رضيت بما في كتاب اللّه لي و علي، فقال الرجل: أمّا فرقة فلا، فقال: و اللّه لا تذهب حتّى تقرّ بمثل ما أقرّت». «1»

و في سنن البيهقي: «كذبت و اللّه حتّى تقرّ بمثل الذي أقرّت» و ظاهر الرواية أنّه لا محيص له من إعطاء الرضاء بكلا الأمرين، فيكون مخالفا لما مرّ من أنّه ليس لهما التفريق إلّا بإذن الزوج.

و على كلّ تقدير، فلو رضيا بكلّ ما حكما من بدء الأمر أو استأمر الرجل، فأمضى التفريق فهو، إنّما الكلام إذا لم يرض به لا في أوّل الأمر و لا بعده فالأحوط عدم التفريق أخذا بما تقدّم من الروايات أمّا ما روي عن علي عليه السّلام فلعلّه كان حكما حكوميّا، نافذا في ظرفه الخاصّ.

و في الختام نقول: يدلّ قوله سبحانه: إِنْ يُرِيدٰا إِصْلٰاحاً يُوَفِّقِ اللّٰهُ بَيْنَهُمٰا

على أنّه يجب على الحكمين أن لا يدّخرا وسعا في الإصلاح و المعنى أنّه إن أخلصا في القضاء يوفق اللّه بينهما. و هل الضمير يرجع إلى الحكمين، أو إلى الزوجين؟

وجهان، قال الزمخشري: إن قصدا إصلاح ذات البين و كانت نيّتهما صحيحة و قلوبهما ناصحة لوجه اللّه، بورك في وساطتهما و أوقع اللّه بطيب نفسهما و حسن سعيهما بين الزوجين الوفاق و الألفة و ألقى في نفوسهما المودّة و الرحمة، و قيل الضميران للحكمين أي إن قصدا إصلاح ذات البين و النصيحة للزوجين يوفق اللّه بينهما فيتفقان على الكلمة الواحدة و يتساندان في طلب الوفاق حتى يحصل الغرض و يتمّ المراد، و قيل الضميران للزوجين أي إن يريدا إصلاح ما بينهما و طلبا الخير و أن يزول عنهما الشقاق يطرح اللّه بينهما الألفة و أبدلهما بالشقاق وفاقا

______________________________

(1)- ابن قدامة: المغني: 8/ 169؛ الوسائل: 15، الباب 13 من أبواب القسم و النشوز، الحديث 6؛ سنن البيهقي: 7/ 305 و اللفظ في المصدرين مختلف و إن كان المضمون واحدا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 308

و بالبغضاء مودّة إِنَّ اللّٰهَ كٰانَ عَلِيماً خَبِيراً يعلم كيف يوفق بين المختلفين و يجمع بين المفترقين. «1»

إكمال:

لو حكم الحكمان لكن غاب الزوجان أو أحدهما، فهل يكون حكمهما نافذا؟ لا شكّ في النفوذ على القول بالوكالة لعدم اشتراط حضور الموكّل في تصرّف الوكيل فيما وكّل به إنّما الكلام على القول بالتحكيم فقال الشيخ بعدم النفوذ، و إليك نصّه: «و إذا غاب أحد الزوجين بعد التوكيل و لم يفسخ الوكالة، كان لوكيله أن يمضي ما وكّله فيه، لأنّ الغيبة لا تفسخ الوكالة و إذا قيل على سبيل الحكم، لم يكن لهما

أن يفصلا شيئا لأنّا و إن أجزنا القضاء على الغائب فإنّما نقضي عليه فأمّا أن يقضى له فلا، و هاهنا لكل واحد منهما حقّ له و عليه، لم يجز. «2»

و ذهب المحقق إلى النفوذ مجيبا عن دليل الشيخ بأنّ حكمهما مقصور على الإصلاح أمّا التفرقة فموقوفة على الإذن «3» و لكن الجواب لا ينطبق على دليل الشيخ لأنّه يقول بأنّ الحكم لصالح الغائب غير جائز و إنّما الجائز هو الحكم عليه.

و الأولى أن يقال بالنفوذ، لإطلاق الأدلّة و صيانة جعل الحكم عن اللغويّة، و سدّا لباب الفرار عنه للمتجاوز.

ثمّ إنّ هناك فرعين:
الأوّل: يجب على الحكمين أن يشترطا عليهما أمرا جائزا

و ألّا يكون باطلا

______________________________

(1)- الزمخشري: الكشاف: 1/ 396.

(2)- الطوسي: المبسوط: 4/ 341.

(3)- الشرائع: 2/ 339.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 309

من رأس و هذا ممّا لا إشكال فيه إنّما الكلام في تشخيص الموافق للكتاب و السنّة و مخالفهما، فنقول: و الضابط، كلّ أمر جائز شرعا بالذات و ليس بمحرّم كما إذا شرطا على الزوج أن يسكّن الزوجة في مسكن مخصوص، أو لا تسكن معها أمّ الزوج و أخته أو ضرّتها في دار واحدة، أو شرطا على الزوجة أن تؤجّله بالمهر الحال إلى أجل أو تردّ عليه ما قبضته قرضا أو تنظف الدار في كلّ يوم، و تغسل ثيابه و تمهّد البيت للعيش الرغيد. نعم ليس لهما، أن يشترطا العمل المحرّم، كما لو شرطا عليه، أن لا ينفق على ضرّتها أو يبخس بحقوقها، أو يجوز لها الخروج من البيت بلا إذن، أو يشترطا عليها أن لا ينفق، و لا يقسم عليها، و أمّا اشتراط عدم التزوّج و التسرّي، فقد مضى الكلام فيه و أنّه على فرض لا يعدّ مخالفا للحكم الشرعي و على

فرض يعدّ، قال الشيخ:

و إذا شرط الحكمان شرطا نظر فيه فإن كان ممّا يصلح لزومه في الشرع لزم و إن كان ممّا لا يلزم مثل أن شرطا عليها ترك بعض النفقة أو القسم أو شرط عليه أن لا يسافر بها فكلّ هذا لا يلزم الوفاء به. «1»

نعم لو رضى الزوج أو الزوجة بترك بعض الحقوق فهو أمر آخر، إنّما الكلام نفوذ حكم الحكمين في ذلك المجال، سواء رضي الزوجان أو لا.

الثاني ربّما يمنعها الزوج من حقوقها المستحبّة أو الواجبة

و ينجرّ الأمر إلى الخلع، فما هو حكمه؟! أقول: إنّ للمسألة صورا:

1- يترك بعض حقوقها المستحبّة و ينجر الأمر إلى بذل الفدية من جانبها.

2- يأتي ببعض الأعمال المباحة فيثير غيرتها، كما إذا يتزوّج أو يتسرّى و هي لا

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 4/ 341.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 310

تتحمل و ينجرّ الأمر إلى بذل الفدية بالصداق أو شي ء آخر.

3- يترك بعض حقوقها الواجبة لا بنيّة دفعها إلى طلب الطلاق بل ربّما يريد المقام معها و إنّما يتركه لضعف دينه و حرصه إلى المال أو غضبه عليها و لكنّه يدفعها عمله إلى بذل الفدية و طلب الطلاق.

4- يترك بعض الحقوق لتلك الغاية و لكن لا يظهر نيّته عليها.

5- تلك الصورة مع الإظهار.

لا كلام في جواز الفعل في الصورتين الأوليين، تكليفا و حليّة الفدية وضعا، لأنّه لم يرتكب عملا محرّما، بل مباحا و اندفاعها إلى بذل الفدية متأثرة عن عمل الزوج لا صلة له به.

كما لا شكّ في حرمة العمل في الصور الأخيرة الثلاثة تكليفا، إنّما الكلام في حليّة البذل وضعا، و الظاهر صدق الإكراه في الصورتين الأخيرتين إنّما الكلام في الصورة الثالثة و الظاهر حرمته إذا علم أنّ عمله المحرّم يدفعها إلى

بذل الفدية للخلع، فإنّ إرادة الملزوم لا ينفكّ عن إرادة اللازم مع العلم بالملازمة لا معها.

تمّ الكلام في القسم و النشوز و الشقاق و بتمامه تمّ ما هو المهم من أبواب النكاح بقي الكلام في فصلين آخرين:

1- أحكام الأولاد.

2- النفقات.

و إليك الكلام فيهما في الفصلين التاليين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 311

الفصل التاسع عشر في أحكام الأولاد

اشارة

1- الولد يلحق بالزوج بشروط ثلاثة:

أ- الدخول الموجب للحوق الولد. ب- مضيّ أقل الحمل. ج- عدم التجاوز عن أقصاه

2- إذا جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر

3- إذا زنت على فراش زوجها، فما هو حكم الولد؟

4- إذا اختلفا الزوجان في الدخول، أو الولادة، أو في المدّة

5- في أحكام ولد الشبهة

6- من حقوق الولد الرضاع

7- يجوز للأم أخذ الأجرة للرضاع

8- الأجرة على الأب، إذا لم يكن معسرا و إلّا على الولد إذا كان ذا مال

9- الأم أحق بالرضاع من غيرها

10- الحضانة من حقوق الأم

11- سقوط الحق عند تزوج الأم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 313

في أحكام الأولاد

[شروط لحوق الولد بالزوج]

إنّ ولد الزوجة الدائمة «1» يلحق بالزوج بشروط ثلاثة:

1- الدخول الموجب للحوق الولد.

2- مضيّ أقلّ مدّة الحمل.

3- أن لا يتجاوز أقصى مدّة الحمل.

و إليك دراسة الشروط الثلاثة:

أمّا الشرط الأوّل، فهو مقوّم اللحوق عقلا و شرعا إنّما الكلام في كفاية بعض الأقسام كما إذا دخل و عزل عن الزوجة، أو دخل و لم ينزل أصلا، أو مسّها بالوطء في الدبر. و اللحوق في الصورة الأولى منصوص، روى أبو البختري عن جعفر بن محمّد عليهما السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم فقال: كنت أعزل عن جارية لي فجاءت بولد فقال صلى اللّه عليه و آله و سلم: «إنّ الوكاء قد ينفلت» فألحق به الولد. «2»

و الوكاء رباط القربة التي هي وعاء الماء للسّقاء. و العبارة كناية عن انفلات المني و إن لم يشعر به الفاعل. إنّما الكلام في القسمين الأخيرين و قد وجه

______________________________

(1)- يشترك ولد المتعة

مع ولد الدائمة فيما نتلوه من الأحكام غير انّه ينفى بلا لعان بخلاف ولد الدائمة فانّه لا ينفى إلّا باللعان، و إلّا فالولدان مشاركان في تمام الأحكام. لاحظ الحدائق: 25/ 21.

(2)- الوسائل: 15، الباب 15 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1. و لاحظ أيضا الباب 19 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، التوقيع الرفيع.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 314

صاحب الجواهر اللحوق في الشقّ الثاني بإمكان التولد من الرجل بالدخول. إن لم ينزل و لعله لتحرك نطفة الامرأة و اكتسابها العلوق من نطفة الرجل في محلّها. «1»

و هو كما ترى، و أشكل منه الصورة الثالثة فانّ احتمال التولد من الرجل بعيد ملحق بالمحال العادي.

و لو أخذنا بإطلاق «الولد للفراش» في الصورة الثانية، فلا شكّ في عدم صحّة الأخذ به في الثالثة.

قال ابن إدريس: و متى وطأ امرأته أو جاريته، و كان يعزل عنهما، و كان الوطء في القبل، و جاءت المرأة بولد، وجب عليه الإقرار به و لا يجوز نفيه لمكان العزل. «2»

و أمّا الشرط الثاني أعني: مضيّ أقلّ مدّة الحمل و هي ستة أشهر من حين الوطء، فتدل عليه- مضافا إلى اتّفاق علماء الإسلام عليه. «3» و إلى قوله سبحانه: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً (الأحقاف/ 15) إذا ضمّ إلى قوله سبحانه: وَ فِصٰالُهُ فِي عٰامَيْنِ (لقمان/ 14)- الروايات المستفيضة التي منها قول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام: «لا تلد المرأة لأقلّ من ستة أشهر». «4»

و أمّا الشرط الثالث، و هو أن لا يتجاوز أقصى مدّة الحمل و هو ممّا لا خلاف فيه إنّما الخلاف في تقدير المدّة المذكورة هل هي تسعة أشهر، أو عشرة أشهر، أو سنة مع الاتّفاق

منّا على أنّها لا تزيد على السنة؟

______________________________

(1)- الجواهر: 31/ 223.

(2)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 658.

(3)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 373.

(4)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 8.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 315

الأوّل هو المشهور بين الأصحاب، و الثاني هو خيرة الشيخ في المبسوط «1» و الثالث مع أنّ المحقّق جعله متروكا، هو خيرة جمع من الأصحاب، كالمرتضى في الانتصار و الحلبي في الكافي و الشهيد الثاني في المسالك.

قال المرتضى: و ممّا انفردت به الإماميّة القول بأنّ أكثر مدّة الحمل سنة واحدة و خالف باقي الفقهاء في ذلك، فقال الشافعي: أكثر الحمل أربع سنين، و قال الزهري و الليث و ربيعة: أكثره سبع سنين و قال أبو حنيفة: أكثره سنتان، و قال الثوري و البستي: أكثره سنتان، و عن مالك فيه ثلاث روايات إحداهنّ مثل قول الشافعي أربع سنين و الثاني خمس سنين و الثالث سبع سنين. «2» و سيوافيك نقل أقوالهم عن الخلاف أيضا.

و قال الحلبي: «فإن كان لمدّة طلاقها أو الوفاة عنها سنة فما دونها فهو لاحق بالأوّل و إن كان لأكثر من ذلك لم يلحق به، و كذلك الحكم فيها إذا لم تتزوّج بعد الطلاق أو الوفاة، و جاءت بولد سنة فما دونها، في لحوقه بالمطلّق أو المتوفّي و لا يلحق به بعد السنة». «3»

و قال الشهيد الثاني: القول بالسنة للمرتضى مدّعيا عليه الإجماع، و وافقه عليه أبو الصلاح و مال إليه في المختلف- إلى أن قال:- و هذا القول أقرب إلى الصواب و إن وصفه المصنّف بالترك و قد وقع في زماننا. «4»

أقول: أمّا القول بالعشرة فقد اعترف غير واحد كالشهيد في المسالك،

______________________________

(1)- و

في المسالك: 1/ 625، قال به في موضع من المبسوط و لكن الموجود فيه في كتاب الطلاق، باب العدد هو اختيار القول المشهور. لاحظ ج 5/ 232، قال: لأنّ الولد لا يبقى أكثر من تسعة أشهر.

(2)- المرتضى: الانتصار، المسألة الأخيرة من كتاب العدّة 154.

(3)- الحلبي: الكافي: 314- 315.

(4)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 376.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 316

و البحراني في الحدائق «1» بعدم العثور على رواية تدل عليها و إن كان يظهر من ابن حمزة أنّ بها رواية حيث قال: أكثر مدّة الحمل فيه روايات ثلاث: تسعة أشهر، و عشرة، و سنة. «2» و اللازم هو دراسة ما يدل على القولين من الروايات و لننقل آراء العامة في المسألة فلعلّ فيها ما يعين على حلّ التعارض بين القسمين في الروايات.

و قد وقفت عليها عند نقل رأي المرتضى عن الانتصار.

قال الشيخ في الخلاف: «أقلّ الحمل ستة أشهر بلا خلاف، و أكثره عندنا تسعة أشهر، و قد روي في بعض الأخبار سنة، و قال الشافعي: أكثره أربع سنين، و ذهب الزهري و الليث بن سعد إلى أنّ أكثره سبع سنين، و عن مالك روايات، المشهور منها ثلاث: إحداها مثل قول الشافعي أربع سنين، و الأخرى خمس سنين، و الثالثة سبع سنين، و ذهب الثوري و أبو حنيفة و أصحابه إلى أنّ أكثر مدّة الحمل سنتان، و هو اختيار المزني- دليلنا- إجماع الفرقة و العادة، و ما رأينا و لا سمعنا في زماننا هذا، و لا قبله من ولد لأربع سنين، أو سبع سنين؛ و ما يدعونه من الروايات الشاذة لا يلتفت إليه. لأنّها غير مقطوع بها، و ما ذكرناه مقطوع به بلا

خلاف. «3»

أقول: إنّ ما يدلّ على أنّ أقصى الحمل سنة بين صريح، و غير صريح قابل للحمل على ما دلّ على رأي المشهور.

أمّا الأوّل فنذكر منه ما يلي:

1- ما رواه غياث عن جعفر عن أبيه عليه السّلام قال: أدنى ما تحمل المرأة لستة

______________________________

(1)- الحدائق: 25/ 10.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 318.

(3)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب العدّة، المسألة 52.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 317

أشهر و أكثر ما تحمل لسنتين على ما في الوسائل. «1» و «سنة» على ما في الوافي. «2»

و مع هذا الاضطراب في المتن و اشتمال سند الحديث على أناس لم يوثّقوا كسلمة بن الخطاب، و إسماعيل بن إسحاق، و إسماعيل بن أبان، كيف يمكن الاحتجاج به؟

2- ما رواه حريز عمن ذكره عن أحدهما عليهما السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: اللّٰهُ يَعْلَمُ مٰا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثىٰ وَ مٰا تَغِيضُ الْأَرْحٰامُ وَ مٰا تَزْدٰادُ (الرعد/ 8). قال «الغيض»: كل حمل دون تسعة أشهر، و مٰا تَزْدٰادُ كلّ شي ء يزداد على تسعة أشهر، و كلّما رأت المرأة الدم الخالص في حملها فانّها تزداد بعدد الأيّام الّتي زاد فيها في حملها من الدم. «3»

الرواية مرسلة أوّلا، غير دالّة على المطلوب (السنة) ثانيا، و قد فسّر الغيض و الزيادة الواردين في الآية بوجه آخر، ثالثا. «4»

3- المرسل المنقول من نوادر المعجزات للراوندي عن سيّدة النساء فاطمة عليها السّلام، أنّها ولدت الحسين عليه السّلام عند تمام سنة من حملها به، و هو معارض بغيره. «5»

و أمّا الثاني أي غير الصريح القابل للحمل و هو صحيح عبد الرحمن بن الحجاج قال: سمعت أبا إبراهيم عليه السّلام يقول: إذا طلق الرجل امرأته فادّعت حبلا انتظر

بها تسعة أشهر، فإن ولدت و إلّا اعتدت بثلاثة أشهر ثمّ قد بانت منه. «6»

______________________________

(1)- الوسائل: الجزء 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 15.

(2)- الفيض: الوافي: الجزء 23، باب ما إذا تعدّد صاحب الفراش و أدنى حد الحمل و أقصاه، الحديث 8.

(3)- نور الثقلين: 2/ 485.

(4)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 6.

(5)- النوري: المستدرك: 15، الباب 12 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.

(6)- الوسائل: 15، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 318

وجه الاستدلال انّه عليه السّلام لم يرخص لها في التزويج إلّا بعد مضيّ التسعة و الثلاثة الأشهر، التي بعدها، الذي مجموعه سنة فهو يدلّ على أنّ أقصى مدّة الحمل سنة إذ لو كان ذلك تسعة أشهر لجوّز لها النكاح بعدد التسعة.

و بذلك تظهر كيفية الاستدلال بروايات أربع لمحمّد بن حكيم الممدوح «1» و لكن الدقة في الصحيح و في ما رواه ابن حكيم، انّ مضي التسعة الأشهر و إن كشف عن براءة الرحم و كذب ادّعائها، و مع ذلك كلّه أوجب عليها الاعتداد، ثلاثة أشهر تعبّدا لحكمة، غير معلومة لنا، لا انّها جزء من مدّة الحمل. و في نفس الروايات التي رواها ابن حكيم، دلالة على ما ذكرنا قال: قلت له رجل طلق امرأته فلما مضت ثلاثة أشهر ادّعت حبلا قال: ينتظر بها تسعة أشهر، قال قلت: فانّها ادّعت بعد ذلك حبلا؟ قال: هيهات هيهات إنّما يرتفع الطمث في ضربين ... فلو كان أقصى الحمل هو السنة، لما كان مكان لقوله: هيهات هيهات. و لا مانع من إلزامها بالعدة بعد انقضاء أقصى الحمل، تأديبا لها، حيث ادّعت الحبل، مع

كون الادّعاء على خلاف الواقع.

و أمّا ما دلّ على كون الأقصى هو تسعة أشهر، و إن كان ضعيف السند «2» لكنّه منجبر بعمل المشهور، و كونه هو الغالب، و النادر كالمعدوم، أضف إلى ما ذكرنا ما استظهرناه من صحيح عبد الرحمن بن الحجاج و ما رواه محمد بن حكيم من الروايات الأربع حيث عرفت انّها ناظرة إلى انّ أقصى الحمل هو التسعة أشهر، و الثلاثة الأخيرة، عدّة تعبدا لحكمة لا يحيط بها إلّا اللّه.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 25 من أبواب العدد، الحديث 2، 3، 4، 5.

(2)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2 و 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 319

فروع

الأوّل: لو دخل بزوجته و جاءت بولد لأقلّ من ستة أشهر و هو حيّ كامل فالشيخان على أنّه بالخيار إن شاء أقرّ به و إن شاء نفاه عنه.

و إليك نصّهما: قال المفيد: و إن ولدته حيّا تامّا لأقل من ستة أشهر من يوم لامسها فليس يولد له في حكم العادة و هو بالخيار إن أقرّ به و إن شاء نفاه عنه، غير انّه إن نفاه فخاصمته المرأة و ادّعت انّه منه و اختلفا في زمان الحمل كان عليه ملاعنتها. «1» و قال الشيخ: فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر حيّا سليما جاز له نفيه من نفسه، و كذلك إن جاءت بالولد لأكثر من تسعة أشهر، كان له نفيه إلّا أنّه متى نفاه، و رافعته المرأة إلى الحاكم كان عليه ملاعنتها. «2»

و ذهب الباقون من الأصحاب إلى لزوم النفي، لأنّ سكوته عن نفيه يوجب لحاقه به و اعترافه بنسبه و هو حرام و يدلّ عليه مضافا إلى ما

عرفت: خبر أبان بن تغلب سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تزوج امرأة فلم تلبث بعد ما اهديت إليه، إلّا أربعة أشهر حتى ولدت جارية فأنكر ولدها و زعمت هي انّها حبلت منه، فقال: لا يقبل ذلك منها و إن ترافعا إلى السلطان تلاعنا و فرّق بينهما و لم تحل له أبدا». «3»

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة، باب لحوق الأولاد: 538.

(2)- الطوسي: النهاية: 505.

(3)- الوسائل: 15، الباب 17 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 10 و في السند أبو جميلة و هو المفضل بن صالح الأسدي النخاس الضعيف.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 320

و منه يعلم حكم ما إذا ولدت الزوجة بعد أقصى زمان الحمل من حين الوطء فإنّ على الزوج نفيه على ما مرّ و يدلّ عليه خبر إسماعيل بن مرار عن يونس. «1»

الثاني: لو زنت المرأة على فراش زوجها كان الولد ملحقا بالزوج لا ينتفى منه إلّا باللعان للخبر المستفيض عنه صلى اللّه عليه و آله و سلم: «الولد للفراش و للعاهر الحجر»، و قد استدل به الإمام على ما في موثق سعيد الأعرج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن رجلين وقعا على جارية في طهر واحد. لمن يكون الولد؟ قال: «للذي عنده لقول رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم: الولد للفراش و للعاهر الحجر». «2»

فإذا كان هذا حال الفجور، فأولى منه اتهامها به.

نعم لو لامسها غير الزوج أيضا عن شبهة على وجه يمكن تولده منهما فانّه يقرع بينهما، و يلحق بمن تقع القرعة عليه لانّها حينئذ فراش لهما، نعم لو أمكن لأحدهما دون الآخر تعيّن له.

الثالث: إذا تنازع الزوجان فله صور:

1- إذا اختلفا في

الدخول و عدمه فادّعته المرأة ليلحق به الولد، و أنكره الزوج.

2- إذا اتّفقا على الدخول، و لكن أنكر الزوج الولادة و ادّعى أنّها أتت به من خارج.

3- و لو اتّفقا على الدخول و الولادة و اختلفا في المدّة فادّعى الزوج ولادته لدون ستة أشهر و ادّعت الزوجة ولادتها بعد ستة أشهر.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1 و هو موقوف.

(2)- الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 321

4- تلك الصورة لكن ادّعى الزوج ولادته لأزيد من أقصى الحمل و ادّعت الزوجة ولادته قبل مضيّ أقصاه.

و أمّا أحكام الصور فهناك وجهان:

أ: انّ الميزان في تمييز المدّعي عن المنكر، هو الموافقة مع الأصل العملي الموجود في المقام و المخالفة معه. و عليه، فالقول قوله في الثلاثة الأول حيث إنّ الزوجة تدّعي الدخول أو الولادة منها، أو تقدّم الدخول، و هو ينكرها و الأصل عدمها كما أنّ القول قولها في الرابعة، حيث إنّ الزوج يدّعي تقدم الدخول حتى تكون الولادة بعد مضيّ أكثر المدة، و هي تنكره.

ب: انّ المرجع في التمييز إنّما هو قاعدة الولد للفراش و للعاهر الحجر، ففي الصور الثلاث الأخيرة، القول قولها للقاعدة و يكون الرجل مدّعيا. و أمّا الصورة الأولى، فبما انّهما لم يتفقا على الوطء لم يثبت الفراش فتكون هي المدّعية دون الرجل.

نعم لا يحسم النزاع على القولين إلّا باليمين، و توهّم انّ تقديم قولها في الوجه الثاني ليس لإنكارها حتى تتوجه عليها اليمين بل لتغليب جانب الفراش المستدل عليه بالعموم المتقدّم و ليس فيه اعتبار اليمين غير تام، لأنّ القاعدة صارت رصيدا لتمييز المنكر عن المدعي، و

معه كيف لا تجب عليها اليمين بمجرّد انّ تقديم قولها لأجل تغلّب جانب الفراش.

الرابع: لو طلّقها فاعتدّت- و لم تتزوج- و لكن جاءت بولد ما بين الوطء الذي لحقه الفراق إلى أقصى مدّة الحمل، يلحق بالزوج لإمكان اللحوق، فتكون القاعدة محكمة إلّا إذا علم الانتفاء، كما لو كان بأقل من ستة أشهر، أو بأزيد من الأقصى من زمان الاتّفاق على الوطء.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 322

الخامس: لو طلّقها فاعتدّت و تزوجت ثمّ أتت بولد لم يمكن لحوقه بالثاني و أمكن لحوقه بالأوّل كما إذا أتت بولد سويّ لدون ستة أشهر، من وطء الثاني و دون أقصى الحمل من وطء الأوّل فيلحق بالأوّل و إن لم يمكن لحوقه بالأوّل و أمكن لحوقه بالثاني كما إذا أتت بولد فوق أقصى مدّة الحمل من وطء الأوّل و لستة أشهر، أو أكثر قبل انقضاء أقصى الحمل من وطء الثاني فيلحق بالثاني و إن أمكن لحوقه بكليهما كما إذا أتت بولد سويّ قبل مضي الأقصى من وطء الأوّل و لستة أشهر، من وطء الثاني فهل تقدم قاعدة الفراش، من غير فرق بين العقد عليها أو وطأها شبهة، أو يقرع؟ و الأوّل هو المتعيّن لروايات متضافرة. «1»

السادس: لو زنى بامرأة فاحبلها ثمّ تزوج بها و كذا لو زنى بأمة فحملت ثمّ ابتاعها. فلا يلحق بالزاني لأنّ تجدد الفراش لا يقتضي إلحاق المحكوم بانتفائه مضافا إلى خبر علي بن مهزيار. «2»

السابع: قد عقد المحقق تبعا لسائر الفقهاء فصلا لبيان أحكام ولد الموطوءة بالملك، و بسط الكلام فيها الفقيهان الجليلان: البحراني، و النجفي في موسوعتيهما: الحدائق و الجواهر، فقد أغنانا الكلام فيها عدم الابتلاء بها في هذه الأيّام، فلنعطف

عنان الكلام إلى البحث عن أحكام ولد الموطوءة بالشبهة.

***

في أحكام ولد الشبهة

قد أشبعنا الكلام في مفهوم الوطء بالشبهة عند البحث عن نشر الحرمة

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 58 من أبواب نكاح العبيد و الإماء.

(2)- الوسائل: 15، الباب 101 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 323

بالمصاهرة من أسباب التحريم و نركّز البحث في المقام على لحوق ولد الشبهة بالواطئ كما في النكاح الصحيح قال الشهيد الثاني: لا خلاف في أنّ وطأ الشبهة كالصحيح في لحوق النسب «1» و على ذلك لو اشتبهت عليه أجنبيّة فظنها زوجته فوطأها يلحق به إجماعا. و لجملة من الأخبار المبثوثة في أبواب مختلفة منها موثق زرارة، قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام: فإن تزوج امرأة، ثمّ تزوج أمّها و هو لا يعلم أنّها أمّها قال: «قد وضع اللّه عنه جهالته بذلك» ثمّ قال: إن علم أنّها أمّها فلا يقربها، و لا يقرب الابنة حتى تنقضي عدّة الأمّ، فإذا انقضت عدّة الأمّ حلّ له نكاح الابنة.

قلت: فإن جاءت الأمّ بولد؟ قال: «هو ولده و يكون ابنه و أخا امرأته» «2» و بالجملة ينزل فراش المشتبه منزلة الفراش الصحيح هذا كلّه إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الرجل، و أمّا إذا كان الاشتباه بالنسبة إلى الامرأة فظاهر الحال و إطلاق قوله صلى اللّه عليه و آله و سلم:

الولد للفراش و للعاهر الحجر، انّها تختص بالولد.

و يترتب على ذلك انّه لو تزوج امرأة بظنّ أنّها لا زوج لها بموت أو طلاق، فظهر أنّه لم يمت أو لم يطلّق فإنّها تردّ على الأوّل بعد الاعتداد من الثاني، و ما أتت من الأولاد بعد تزويج الثاني، يلحق به لا بالمرأة

لعلمها بالخلاف.

لا كلام في أنّه يلحق بالثاني، إذا كان التزويج بحكم الحاكم، أو شهادة الشاهدين فانّه يكون مسوغا للوطء و موجبا للحوق الأولاد إنّما الكلام إذا تزوج اعتمادا على قول من لا يثبت به الموضوع كإخبار مخبر فإن ظن جواز التعويل عليه شرعا جهلا منهما بالحكم الشرعي على نحو يكون محقّقا للشبهة و إلّا كان زنا فلا مهر و لا يلحق الولد بالواطئ.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 392.

(2)- الوسائل: 14، الباب 26 من أبواب ما يحرم بالمصاهرة، الحديث 1 و لاحظ الجزء 14، الباب 67 من أبواب نكاح العبيد و الإماء، و الباب 7 من أبواب العيوب و التدليس، و الباب 7 من أبواب عقد النكاح.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 324

من حقوق الولد الرضاع، و الحضانة

[الرضاع]
اشارة

قد استوفينا الكلام في الرضاع و شروطه و حدوده عند البحث فيما يحرم بالمصاهرة، و إنّما نخصّ المقام بالبحث عمّا يرجع إلى الولد من حيث كونه حقّا و نقدّم البحث عن الرضاع على الحضانة و نستوفي الكلام في ضمن فروع:

الأوّل: لا يجب على الأمّ الإرضاع

المشهور عند الأصحاب انّه ليس للرجل إجبار زوجته على الرضاع. قال الشيخ: ليس للرجل أن يجبر زوجته على الرضاع لولدها منه شريفة كانت أو مشروفة، مؤسرة كانت أو معسرة، دنية كانت أو نبيلة و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: له إجبارها إذا كانت معسرة دنية، و ليس له ذلك إذا كانت شريفة موسرة. و قال أبو ثور: له إجبارها بكلّ حال لقوله تعالى: وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ و هذا خبر معناه الأمر، فإذا ثبت وجوبه عليها ثبت انّه يملك إجبارها عليه، لأنّه إجبار على الواجب. دليلنا انّ الأصل براءة الذمة، و الإجبار يحتاج إلى دليل، و الآية محمولة على الاستحباب، و عليه إجماع الفرقة، و أخبارهم تشهد بذلك.

يلاحظ على الاستدلال بالآية على الوجوب، انّها بصدد بيان مدّة الرضاع و انّها حولان كاملان و ليست بصدد بيان وجوب الرضاع فيها و إلّا لخالف الصدر مع قوله: لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ الظاهر انّه يجوز لها إتمام الحولين و عدمه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 325

اتّفقوا على عدم وجوب الرضاع على الأمّ مستدلين بقوله سبحانه: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَ أْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ (الطلاق/ 6)

وجه الاستدلال انّه لو كان الرضاع

عليها واجبا لما حسن أن يقال: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ.

يلاحظ عليه: أنّ مورد الآية هو المطلقات و إسراء الحكم منها إلى غيرها، قياس مع الفارق، و تصوّر انّ المراد منها الرجعيات، و الرجعية بحكم الزوجة فيثبت الحكم في غير المطلّقات، كما ترى لانّه أيضا لا يعدو من اسراء الحكم عن الرجعية التي لا تزال في حال الانحلال من الزوجية، إلى الزوجة و هو قياس مع الفارق.

و استدل في الجواهر بقوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (البقرة/ 233) لشمولها لإضرارها بالإجبار على إرضاعه.

يلاحظ عليه: أنّ الآية فسّرت بوجوه مختلفة مذكورة في التفاسير «1» يشكل الإذعان بشمولها للمورد.

و الأولى الاستدلال بالسنة، روى سليمان بن داود المنقري قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن الرضاع فقال: «لا تجبر الحرّة على رضاع الولد و تجبر أمّ الولد». «2»

نعم لا يجب عليها الإرضاع بما هي أمّ و ذلك لا ينافي وجوبه عليها بعنوان ثانوي، كما إذا لم يكن له أب أو كان و لم يكن له مال، و عدم وجود متبرع للاجرة، أو عدم مال للولد، و عندئذ يجب ذلك عليها كما يجب عليها الانفاق عليه إذا كان

______________________________

(1)- الطبرسي: 1/ 335، ط صيدا.

(2)- الوسائل: 15، الباب 68 من أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 326

الأب معسرا أو مفقودا.

و أمّا اللبأ، و هو أوّل ما يحلب مطلقا أو إلى ثلاثة أيّام فإن قلنا بالقول الضعيف بأنّ الولد، لا يعيش بدونه فيجب عليها، و لكن الوجوب لا ينافي أخذ الأجرة فإنّ مالك الطعام يلزمه الانفاق للمضطر، و لا ينافي لزوم دفع العوض، و قد أوضحنا حال ذلك في مبحث أخذ

الأجرة على الواجبات فلاحظ. «1»

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 326

الثاني: في جواز استئجار الأمّ للرضاع

قد عرفت عدم وجوب الرضاع على الأمّ، إنّما الكلام في أنّه هل يجوز استئجار الأمّ على الرضاع مطلقا، كانت في حباله أو لا، فلأنّ منافعها مملوكة لها و لا تعلّق للأب بها، أمّا الأوّل فقد منعه الشيخ قائلا بأنّ زوجها قد ملك الاستمتاع بها في كلّ ذلك إلّا ما استثنى من أوقات الصلاة و الصيام، فما عقدت عليه من المنافع لا يقدر على إيفائه فيكون العقد باطلا كما لو آجر نفسه شهرا ثمّ آجرها ذلك الشهر بغير المستأجر. «2»

يلاحظ عليه: أنّ حقّ الاستمتاع قابل للإسقاط، و العقد على الرضاع، قرينة على أنّه أسقط حقّه في الفترة الخاصة بالرضاع.

إذا استأجرها فهل هي تقوم بالرضاع بنفسها أو يجوز لها استئجار مرضعة له. و الجواب متوقف على كيفية الاستئجار فإن تعلقت على تحصيل الرضاع كيف اتّفق، بها أو بغيرها فيجوز لها استئجار غيرها و إلّا فلا و لو كانت مطلقة فهي منصرفة إلى القيام به بنفسها.

______________________________

(1)- لاحظ: المواهب في تحرير أحكام المكاسب: 711- 720.

(2)- المبسوط: 6/ 37.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 327

الثالث: الرضاع بلا استئجار

و هل تستحق الأجرة إذا أرضعته بنفسها أو بغيرها و إن لم يقع عقد بينها و بين الأب، مقتضى القاعدة الاستحقاق إذا قامت بالرضاع بنيّة أخذ الأجرة، لا مع قصد التبرع و على ذلك يحمل صحيح عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في رجل مات و ترك امرأة و معها منه ولد، فألقته على خادمة لها فأرضعته ثمّ جاءت تطلب رضاع الغلام من الوصي فقال: لها أجر مثلها و ليس للوصي أن يخرجه من حجرها حتى يدرك و يدفع إليه ماله. «1» و الأخذ بإطلاق الرواية مع نيّة

التبرع أمر مشكل هذا حسب الثبوت و أمّا الإثبات فتجب الأجرة إلّا إذا ثبت التبرع بالإقرار أو بالبيّنة.

الرابع: الأجرة على الأب و الولد

إذا كان الولد ذا مال، فالنفقة على نفسه، كان الأب حيّا أو ميّتا، نعم لو كان فقيرا و كان الأب موسرا فعليه الأجرة و إلّا فعلى الأم إرضاعه و ما دلّ «2» على أنّ الأجرة على الولد إذا كان ذا مال و إن كان موردها فيما إذا مات الأب لكن الحكم يعمّ حياة الأب أيضا لأنّ لزوم الانفاق فرع الفقر و الحاجة، و إذا كان غنيا ذا مال فلا يجب على الأب بل يتعيّن الإنفاق من ماله، نعم نقل في الجواهر عن بعضهم «3» وجوب ذلك على الأب و إن كان الولد ذا مال مستندا بإطلاق قوله سبحانه:

وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ (البقرة/ 233) و لكن الآية منزّلة على الغالب من عدم مال للولد.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

(2)- المصدر نفسه، لاحظ جميع روايات الباب.

(3)- الجواهر: 31/ 274.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 328

الخامس: نهاية الرضاع حولان

الرضاع حولين كاملين من حقوق الولد قال سبحانه: وَ الْوٰالِدٰاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلٰادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كٰامِلَيْنِ لِمَنْ أَرٰادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضٰاعَةَ (البقرة/ 233) و إنّما يتصوّر ذلك إذا كان الوضع لأقلّ الحمل كما في قوله سبحانه: وَ حَمْلُهُ وَ فِصٰالُهُ ثَلٰاثُونَ شَهْراً (الأحقاف/ 15) فإذا كان الفصال ثلاثين شهرا يبقى للحمل أقلّ مدّته و هي ستة أشهر و يكون الفرض الرضاع حولين و أمّا إذا كان الوضع لتسعة أشهر التي هي الغالب يكون الفرض أحد و عشرون شهرا روى سماعة: «الرضاع واحد و عشرون شهرا فما نقص فهو جور على الصبيّ» «1» و في خبر عبد الوهاب بن الصباح: و الفرض في الرضاع أحد و عشرون شهرا فما نقص عن أحد و عشرين شهرا فقد

نقص المرضع و إن أراد أن يتمّ الرضاعة فحولين كاملين. 2

فقد خرجنا بهذه النتيجة انّ الفرض يختلف حسب اختلاف وضع الحمل في أقلّ مدّته و أكثره و مع ذلك، يجوز الرضاع إلى حولين كاملين مطلقا غير انّ الثلاثة جزء من الفرض في الأوّل دون الثاني و قد نقل عن ابن عبّاس انّ من ولد لستة أشهر ففصاله في عامين و من ولد لسبعة فمدّة رضاعه ثلاثة و عشرون شهرا و من ولد لتسعة فمدّة رضاعه هو أحد و عشرون. «3»

نعم استثنى المحقّق و غيره شهرا أو شهرين، باعتبار صعوبة فصال الطفل دفعة واحدة على وجه يخشى عليه التلف لشدّة تعلّقه به. «4» و يؤيّده صحيح سعد ابن سعد الأشعري «5» لكن لا يجب عليه بذل الأجرة لإمكان أن تتخذ الأم أسلوبا

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 5، 2.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 80.

(4)- الجواهر: 31/ 278.

(5)- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 329

في الفطام حتى لا يصعب عليه الفصل على رأس الحولين فلو لم تتخذ و احتاج إليه الولد لشدّة التعلّق، أو احتاج إليه لمرض و نحوه بحيث لا يمكن تغذيته بغير اللبن وجب على الأمّ الرضاع فهل تستحق النفقة أو لا؟ أو التفصيل بين تقصير الأمّ في اتخاذ الأسلوب السهل و مرض الولد غير المترقب وجوه.

و في غير واحد من الروايات على أنّه لا يجوز لها أخذ الأجرة على أكثر من حولين و هي بين صحيح و حسن فلاحظ. «1»

السادس: الأمّ أحقّ بالرضاع من غيرها

اتّفقت كلمتهم على أنّ الأمّ أحقّ بإرضاعه من غيرها و به فسّر قوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ

وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا فإن لم ترض بالرضاع إلّا بالأجرة فإن لم يجد الأب من هي أرخص أجرا منها، فهي أحقّ بها، و إلّا فيدفع إلى من هو أرخص أجرا. ففي خبر البقباق قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: الرجل أحقّ بولده أم المرأة؟ قال:

لا بل الرجل فإن قالت المرأة لزوجها الذي طلّقها: أنا أرضع ابني بمثل ما تجد من يرضعه فهي أحقّ به. «2»

فلو تبرعت أجنبية بإرضاعه فرضيت الأمّ بالتبرع فهي أحقّ به، و إن لم ترض فللأب تسليمه إلى المتبرعة و يمكن أن يستدل عليه بقوله: ... وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ (البقرة/ 233)، و قوله: وَ إِنْ تَعٰاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرىٰ (الطلاق/ 6).

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 70 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3، 4، 7.

(2)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 330

الحضانة
اشارة

الحضانة مأخوذة من «حضن الطائر بيضه»: إذا ضمّه تحت طائره، و كأنّ الأب أو الأمّ يضمّ الولد إلى نفسه ليحفظه و يصونه، و عرّفها في المسالك بقوله: «ولاية على الطفل و المجنون لفائدة تربيته، و ما يتعلّق بها من مصلحته من حفظه، و جعله في سريره و كحله، و دهنه، و تنظيفه و غسل خرقه و ثيابه و نحو ذلك و هي بالأنثى أليق منها بالرجل لمزيد شفقتها و خلقها أسعد لذلك بالأصل». «1»

و الظاهر انّ الحضانة من مقولة الحقّ للأمّ أو الأب لأنّها و إن كانت تبعث الأمّ ثمّ الأب إلى القيام بأعمال و تكاليف شاقة لكنّها مقترنة بالفرح و السرور بحضور الولد عنده و بذلك اعتبر حقا لهما و لو أغمضا عن ذلك، فذو الحقّ هو الولد، و

كلّ من الأمّ و الأب من عليه الحقّ نعم هو حقّ قابل للاسقاط، إذا قام الآخر بالحضانة و لا يجوز لهما الاسقاط معا و لأجل ذلك قال الشهيد في قواعده: «لو امتنعت الأمّ من الحضانة صار الأب أولى، و لو امتنعا فالظاهر إجبار الأب ... «2»

و يتمّ بيان المسائل في ضمن فروع:

الأوّل: الأمّ أحقّ بالحضانة مدّة الرضاع

المشهور أنّ الأمّ أحقّ بالولد ذكرا كان أو أنثى مدّة الرضاع و هما حولان.

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 421.

(2)- الشهيد: القواعد و الفوائد: 1/ 396، تحقيق الدكتور عبد الهادي الحكيم.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 331

قال الشيخ: إذا بانت المرأة من الرجل و لها ولد منه، فإن كان طفلا لا يميّز فهي أحقّ به بلا خلاف. «1» و به فسر قوله سبحانه: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا (البقرة/ 233) و يدل عليه النصوص «2» بالخصوص، نعم خالف ابن فهد و ادعى الإجماع أيضا على اشتراك الحضانة بين الأبوين مدّة الحولين حيث قال: وقع الإجماع على اشتراك الحضانة بين الأبوين، مدّة الحولين و على سقوطها بعد البلوغ «3» و تدلّ عليه رواية داود بن الحصين «4» لكنّها لا تقاوم النصوص الدالة على أحقّية الأمّ، مدّة الرضاع إذا تبرعت أو رضيت بما رضى به غيرها.

هذا بالنسبة إلى الحولين و أمّا بعد هما فهناك أقوال:

1- ما اختاره الشيخ في النهاية «5»، و ابن البراج في المهذّب «6» و ابن إدريس في السرائر «7» و المحقّق في الشرائع «8» و إليك نصّ الأخير: «فإذا فصل فالوالد أحقّ بالذكر، و الأمّ أحقّ بالأنثى حتى تبلغ سبع سنين ...».

2- ما ذهب إليه المفيد في المقنعة، و نسب إلى تلميذه سلار في المراسم من أنّ الأمّ أحقّ

بالذكر مدّة الحولين و بالأنثى إلى تسع سنين و إليك نصّهما: قال المفيد: «و إذا فصل الصبي من الرضاع كان الأب أحقّ بكفالته من الأمّ، و الأمّ

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 82.

(2)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2، 3، 5 و سيوافيك متون بعضها.

(3)- ابن فهد: المهذّب: الباب 3.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

(5)- الطوسي: النهاية: 503- 504.

(6)- ابن البراج: المهذّب: 2/ 262.

(7)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 651.

(8)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 567.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 332

أحقّ بكفالة البنت حتّى تبلغ تسع سنين، إلّا أن تتزوج، فإن تزوجت كان الأب أحقّ بكفالة البنت حينئذ». «1»

3- ما اختاره الصدوق في المقنع و قال: إنّ الأمّ أحقّ بالولد ما لم تتزوج. «2»

4- ما نسب إلى ابن الجنيد «3» و اختاره في الخلاف من أنّ الأمّ أحقّ بالبنت ما لم تتزوج و بالصبي إلى سبع سنين و إليك نصّ الخلاف: «إذا بانت المرأة من الرجل و لها ولد منه، فإن كان طفلا لا يميّز فهي أحقّ به بلا خلاف، و إن كان طفلا يميّز و هو إذا بلغ سبع سنين أو ثمان سنين فما فوقها إلى حدّ البلوغ فإن كان ذكرا فالأب أحقّ، و إن كان أنثى فالأمّ أحقّ بها ما لم تتزوج، فإن تزوجت فالأب أحقّ بها و وافقنا أبو حنيفة و أصحابه في الجارية، و قال في الغلام: الأمّ أحقّ به حتى يبلغ حدّا يأكل و يشرب و يلبس بنفسه فيكون أبوه أحقّ به و قال الشافعي: يخيّر بين أبويه، فإذا اختار أحدهما سلّم إليه و به قال علي عليه السّلام و

عمر و أبو هريرة، و قال مالك: إن كانت جارية فالأمّ أحقّ بها حتى تبلغ و تزوج، و يدخل بها الزوج، و إن كان غلاما فأمّه أحقّ به حتى يبلغ. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم «4» إذا وقفت على آراء الفريقين في المسألة، فلندرس دليلها:

دليل القول الأوّل هذا القول هو المشهور أو الأشهر بين الأصحاب و لم يرد نصّ صريح فيه، و إنّما هو نتيجة الجمع بين ما دلّ على أنّ الأمّ أحقّ بالولد مدّة الحولين فانّ مفهومها

______________________________

(1)- المفيد: المقنعة: 531 و لم نعثر على ما نسب إلى تلميذه في المراسم.

(2)- الصدوق: المقنع: 360، تحقيق مؤسسة الإمام الهادي عليه السّلام.

(3)- العلّامة: المختلف: 7/ 306، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية.

(4)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 36، لاحظ ما علقه ابن إدريس في السرائر على هذا الموضع من كلام الشيخ: 2/ 653.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 333

بل صريح بعضها انّه بعد الحولين تصير الحضانة للأب، و ما دلّ على أنّ المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، بحمله على الأنثى أو تخصيص المفهوم به، توضيحه:

انّ رواية الكناني «1» و داود بن الحصين 2 دلّا على انّ الولد إذا فطم فالأب أحقّ به من الأمّ. و هو يعم الذكر و الأنثى، غير انّ خبري أيوب بن نوح دلّا على أنّ الأمّ أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين، قال: كتب إليه بعض أصحابه: كانت لي امرأة ولي منها ولد و خلّيت سبيلها. فكتب عليه السّلام: المرأة أحقّ بالولد إلى أن يبلغ سبع سنين إلّا أن تشاء المرأة 3 فحملا على الأنثى جمعا بينهما، مضافا إلى انّه يؤيّد الاعتبار إذ الوالد

أنسب بتربية الذكر و تأديبه، كما انّ الوالدة أنسب بتربية الأنثى و تأديبها.

هذا و لكن الاعتبار يقتضي بقاء الحضانة للأمّ في الذكر و الأنثى لأنّ الولد في السنين الأولى، أحوج إلى الأمّ من الأب و العمدة هو النصّ لو تمّ الجمع.

و أمّا القول الثاني: فالحكم في الذكر ظاهر و أمّا الأنثى و انّها تبقى في حضانة الأمّ إلى تسع سنين فلم نقف فيه على نصّ و من البعيد أن يعتمد المفيد على الاعتبار الّذي ذكره صاحب الجواهر من انّها لما كانت مستورة و لا بدّ للأب من التبرج كثيرا لم يكن بد من ولي يربيها إلى البلوغ و حدّه تسع سنين.

و أمّا القول الثالث: فتدلّ عليه مرسلة المنقري عمّن ذكره قال: سئل أبو عبد اللّه عن الرجل يطلق امرأته و بينهما ولد أيّهما أحقّ بالولد؟ قال: المرأة أحقّ بالولد، ما لم تتزوج «4» و حمله الشيخ على انّ المراد بالولد هو الأنثى.

______________________________

(1)- 3- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، 2، 6 و لاحظ الحديث 7.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4، و رواه المنقري أيضا عن حفص ابن غياث لاحظ كلام صاحب الوسائل في ذيل الحديث و ليس حديثا ثانيا.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 334

و أمّا القول الرابع: أمّا في جانب الأنثى فتدل عليه رواية المنقري كما عرفت، إنّما الكلام في الذكر حيث ذهب القائل إلى الحضانة للأمّ إلى سبع أو ثمان سنين، فقد ادّعى الشيخ عليه الإجماع و ورود الروايات و أنكره ابن إدريس في السرائر و قال: ما ذكره شيخنا في مسائل خلافه، بعضه قول بعض المخالفين و ما اخترناه هو

الصحيح لانّه لا خلاف في أنّ الأب أحقّ بالولد في جميع الأحوال و هو الوالي عليه و القيّم بأموره فأخرجنا بالإجماع الحولين في الذكر و في الأنثى السبع، فمن ادعى أكثر من ذلك، يحتاج فيه إلى دليل قاطع و هو مذهب شيخنا في نهايته. «1»

إلى هنا تمّت دراسة الأقوال، و هناك قول خامس لصاحب الحدائق فانّه بعد ان ذكر أدلّة الأقوال، اختار قولا آخر و حاصله: أنّه إن وقع التشاجر و النزاع بين الأبوين في الحضانة فالظاهر انّ الأب أحقّ به إلّا في مدّة الحولين إذا رضيت بما ترضى به غيرها أو تبرعت فانّها تصير حينئذ أحقّ، و إن لم يكن هناك تنازع بينهما فالأمّ أحقّ به إلى السبع ما لم تتزوج و على ذلك يحمل ما دلّ على سبع على عمومه «2» و أيّد رأيه بما دلّ على أنّ الصبي يربّى سبعا أو يلعب سبعا ثمّ قال: «إنّ السبع التي هي مدّة التربية و اللعب إنّما يكون عند الأمّ لأنّها المربية» «3» و ما ذكره و إن كان موافقا للاعتبار، لكنّه لا يلائم ما ورد من كون الأب أحقّ بالولد بعد الفطام من غير فرق بين وجود النزاع و عدمه. «4»

الثاني: في أنّه تسقط الحضانة عند تزوج الأمّ

ذكر الأصحاب بأنّه ثبتت الحضانة للأمّ بشروط و هي: أن تكون مسلمة،

______________________________

(1)- ابن إدريس: 2/ 653 و لكلامه ذيل تركنا نقله صيانة لمقام الشيخ الطوسي.

(2)- يريد روايتي أيوب بن نوح المذكورة في الباب 81 من أبواب أحكام الأولاد برقم 6 و 7.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 90.

(4)- الوسائل: 15، الباب 81، الحديث 1، 2، 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 335

عاقلة، و فارغة من حقوق الزوج فلو تزوجت سقط حقّها في

الحضانة.

و الشرط الثالث منصوص- كما عرفت و أمّا الثاني فلا حضانة للمجنون لانّه يحتاج إلى الحضانة و أمّا الأوّل فلو قلنا بأنّها ولاية فلا ولاية للكافر أو كان هناك خوف من التفتين عن دينه فهو، و إلّا فالإطلاق محكم و لا وجه للانصراف و مصلحة حياة الولد، أولى بالرعاية.

إذا طلّقها زوجها، هل يعود حقّها من الحضانة؟ قال الشيخ في الخلاف بالعود و حكاه عن أبي حنيفة و الشافعي، و قال مالك لا يعود لأنّ النكاح أبطلها.

استدل الشيخ بأنّ النبيّ علق بطلان حقّها بالتزويج فإذا زال التزويج فالحقّ باق على ما كان «1» ثمّ صرّح في مسألة أخرى بأنّه إنّما يعود إذا كان الطلاق باينا لا رجعيّا، لأنّ الرجعيّة بمنزلة الزوجة «2» و اختار في الجواهر عدم عودها قائلا بظهور الدليل في سقوط أحقّيتها بأصل وقوع النكاح منها و هو متحقّق منها و إن طلقت، فتأمل و اللّه العالم. «3» و الحكم مبنيّ على أنّ المرجع هل هو استصحاب حكم المخصص، أو حكم العام. و قد أوضحنا حاله في بحوثنا الأصولية. «4»

الثالث: إذا مات الأب
اشارة

لو مات الأب و قد صارت الحضانة له بأن كان الولد أكبر من سنتين، و البنت أكبر من سبع قال المحقّق: كانت الأمّ أحقّ بهما من الوصيّ المنصوب من قبل الأب و غيره، وجهه أنّ ظاهر الآية «5» و النصوص «6» في كون الحقّ لهما دون

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ 83، المسألة 39 من مسائل النفقات.

(2)- المصدر نفسه، المسألة 40.

(3)- الجواهر: 31/ 295.

(4)- المحصول: 4/ 211.

(5)- البقرة/ 233: لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ.

(6)- الوسائل: الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1، و الباب 81.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء،

ج 2، ص: 336

غيرهما، غير أنّه مع وجودهما كان الحكم على التفصيل الذي سمعت و أمّا مع موت أحدهما، يبقى الآخر بلا معارض، مضافا إلى قوله سبحانه: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ (الأنفال/ 75) و إلى الاعتبار، إذ ليس في مرتبة الأبوين من يصلح لتربية الولد، و المسألة موضع اتّفاق و لم يتردد فيها إلّا البحراني. «1»

و أولى من هذه الصورة ما إذا انتقلت الحضانة إلى الأب لأجل فقدان الشرط في الأمّ كما إذا تزوجت فإذا مات الأب و الحال هذه، فالأمّ أولى بها من غيرها و النصّ الدال على مانعية التزويج مختص بما إذا اجتمعت الأمّ مع الأب، و يؤيّد ذلك ما دلّ على أولوية الأمّ- مع التزويج- إذا كان الأب رقا. «2»

و لو فقد الأبوان

إنّ المسألة غير منصوصة و قد تضاربت أقوالهم في المسألة و ذكرها الشهيد في المسالك على وجه التفصيل و تبعه صاحب الجواهر و إليك بيان بعض الأقوال:

1- لو فقد الأبوان فالحضانة لأب الأب لثبوت الولاية له من قبل الأب لأنّ له ولاية المال و النكاح فيكون له ولاية التربية بطريق أولى، و إنّما كانت الأمّ أولى منه بالنصّ، فمع عدمها، و عدم من هو أولى منه ثبتت له الولاية. و يؤيّده تولي عبد المطلب لحضانة النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم بعد فقد الأبوين.

و لو عدم أب الأب فالحضانة للأقارب و ترتبوا ترتيب الإرث. مستدلا بقوله سبحانه: وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ (الأنفال/ 75)

______________________________

(1)- البحراني: الحدائق: 25/ 94.

(2)- الوسائل: 15، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 337

فانّ الأولوية تشمل الارث و

الحضانة و غيرهما، و لأنّ الولد مضطرّ إلى التربية و الحضانة فلا بدّ في الحكمة من نصب قيّم لها، و القريب أولى بها من البعيد، و على هذا فمع فقد الأبوين و الجدّ، ينظر في الموجود من الأقارب و يقدر لو كان وارثا و يحكم له بحقّ الحضانة، ثمّ إن اتّحد اختص و إن تعدد أقرع بينهم لما في اشتراكها من الاضرار بالولد و هذا القول هو المعتمد. «1»

غير أنّ المحقق سلّم كون الحضانة لأب الأب عند فقد الأبوين، و تردد في كون الحضانة للأقارب عند فقد أب الأب. و التفريق غير وجيه و ما ذكر من الوجه في الجدّ، مشترك مع سائر الأقارب.

2- إنّ الحضانة عند فقد الأبوين لأب الأب، و لو فقد الجميع يرجع الأمر إلى الحاكم فإن كان للولد مال استأجر الحاكم من يربّيه من ماله، فإن لم يكن له مال، كان حكم تربيته حكم الإنفاق عليه. و استجوده صاحب الحدائق. «2»

3- إذا فقد الأبوان و الجدّ، فالخالة تقوم مقام الأمّ لما روي عن الرضا عن آبائه عن علي عليهم السّلام انّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم قضى بابنة حمزة لخالتها و قال: «الخالة والدة». «3»

إلى غير ذلك من الأقوال التي ذكر لها وجه، و الذي يقوى في النظر، هو ما استقواه في الجواهر و هو: انّ الحضانة بعد الأبوين للجدّ من قبل الأب، و لو فقد فهي للوصي للأب، أو الجدّ، ثمّ للأرحام، ثمّ للحاكم. و في صحيح ابن سنان «4» تصريح على تقديم الأمّ- عند فقدان الأب- على الوصي و لعلّ فيه إيعاز إلى كونه المتعين عند فقد الأبوين و الجدّ فلاحظ.

تمّ الكلام في أحكام الأولاد و

يليه البحث عن أحكام النفقات:

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 430.

(2)- البحراني: الحدائق: 25/ 97.

(3)- الوسائل: 15، الباب 73 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 4.

(4)- الوسائل: 15، الباب 71 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 339

الفصل العشرون في أحكام النفقات

اشارة

1- الأسباب الموجبة للانفاق ثلاثة: 1- الزوجية 2- القرابة 3- الملك

2- وجوب الانفاق على الزوجة مشروط بشرطين: الدائمية، و التمكين

3- عدم سقوط النفقة إذا كانت مريضة

4- نفقة المطلقة الرجعيّة على الزوج

5- سقوط نفقة البائن و سكناها

6- نفقة البائن الحامل

7- في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها

8- هل هناك تقدير لنفقة الزوجة

9- حكم الحاجات المستجدّة

10- الكلام في اللواحق و فيها مسائل

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 341

في أحكام النفقات

اشارة

و المقصود في المقام ما يجب الإنفاق بالسبب و إن لم يتوقف عليه حفظ حياة المنفق عليه فخرج ما يجب الإنفاق لحفظ النفس المحترمة و إن لم يكن هناك أي سبب، و الأسباب الموجبة للإنفاق ثلاثة:

1- الزوجية.

2- القرابة.

3- الملك.

[الزوجية]
اشارة

و إليك البحث في الأوّل على وجه الإيجاز:

لا شك في أنّ نفقة الزوجة على الزوج بلا خلاف، و يدلّ عليه الكتاب و السنّة قال سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا سَيَجْعَلُ اللّٰهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً (الطلاق/ 7).

روى أبو بصير في الصحيح قال: سمعت أبا جعفر يقول: «من كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها، و يطعمها ما يقيم صلبها، كان حقّا على الإمام أن يفرق بينهما». «1» إنّما الكلام في الأمرين التاليين:

1- شرط وجوبها.

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 2 و لاحظ أحاديث الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 342

2- مقدارها.

أمّا الشرط فهو عبارة عن أمرين:

1- كون العقد دائما.

2- التمكين الكامل.

و إليك البحث عنهما واحدا تلو الآخر.

أمّا الأوّل فقد فرغنا عند البحث عن العقد المنقطع. و في رواية هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه في حديث في المتعة قال: و لا نفقة ... «1» و في الحكم بأنّهنّ مستأجرات «2» دلالة على عدم وجوب النفقة، إذ لا نفقة للأجير على الموجر.

و أمّا الثاني: فالمشهور على أنّ التمكين شرط، و عرفه المحقّق بقوله: «و هو التخلية بينها و بينه بحيث لا تخص موضعا و لا وقتا، فلو بذلت نفسها في زمان دون زمان، أو مكان دون مكان آخر ممّا يسوغ فيه الاستمتاع لم

يحصل التمكين.

و إلى هذا القول ذهب ابن إدريس و قال: أمّا النفقة فإنّما تجب يوما بيوم في مقابلة التمكين من الاستمتاع. «3»

ربما يقال بأنّه تجب النفقة بمجرّد العقد إذا كان دائما و تسقط بالنشوز فليس التمكين شرطا بل النشوز مانع.

قيل: إنّ الثمرة بين القولين (شرطية التمكن أو مانعية النشوز) تظهر في الموارد التالية:

1- إذا تنازعا في النشوز و عدمه، فلو قلنا بأنّ النشوز مانع فالقول قولها، لأنّ

______________________________

(1)- الوسائل: 14، الباب 45 من أبواب المتعة، الحديث 2.

(2)- الوسائل: 14، الباب 4 من أبواب المتعة، الحديث 2 و 4.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 654.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 343

الأصل عدمه، فعليه البيّنة على وجود النشوز، بخلاف ما لو قلنا بأنّ التمكين شرط، فالقول قوله، و عليها البيّنة على وجود الشرط.

يلاحظ عليه: لا يكون القول قولها و لو قلنا بأنّ العقد علّة تامّة لوجوب النفقة، و أنّ النشوز مانع لأنّ أصالة عدم النشوز معارضة بأصالة عدم وصول حقّ الزوج إليه أو عدم طاعته، و ليس أحد الأصلين مسببا عن الآخر، حتى يقدّم أحدهما على الآخر.

كما لا يكون القول قوله لو قلنا بأنّ التمكين شرط، إذ ليس إحراز مجرّد عدم التمكين كافيا في نفي وجوب النفقة، لأنّه ليس مساويا لعدم وجوب النفقة كما إذا كان معذورا عقلا أو شرعا في عدم التمكن، أضف إلى ذلك أنّ الأصل إنّما ينفع للطرف المقابل إذا تمكنت الزوجة من إقامة البيّنة طول الليل و النهار، و أنّى لها هذه.

2- لو لم يطالبها الزوج بالزفاف، و لم تمنعه هي منه و لا عرضت نفسها عليه و مضت لذلك مدّة فعلى القول بأنّ النشوز مانع، تجب النفقة لعدم النشوز، بخلاف

ما إذا كان التمكين شرطا، لعدم حصول تمكين قولي و لا فعلي.

يلاحظ عليه: أنّه إن أراد من التمكين القولي أو الفعلي أن تخرج من بيتها و تمضي إليه و تصرح بالتسليم فهو بيّن البطلان، يخالف روح العفة السائدة على الأبكار، و إن أراد إجابتها متى طلب، و تسليم نفسها متى أراد من غير تعلّل و لا توقف على زمان و لا مكان فهو حاصل، غير أنّ القصور من جانب الزوج حيث لم يطالبها الزفاف بل تركها في بيت أبيها تنتظر دعوة الزوج إلى الزفاف.

3- إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة، تجب النفقة على القول بكفاية العقد، لا على القول بشرطية التمكين.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 344

يلاحظ عليه: أنّ الصغيرة إمّا مميّزة أو غير مميّزة، و القول بشرطية التمكين منصرف عن الثانية و أمّا الأولى فيكفي في التمكين بذل نفسها نحو الكبيرة و حرمة وطئها لا مدخلية لها في صدق التمكين فلا ثمرة بين القولين.

4- لو كانت الزوجة كبيرة و الزوج صغيرا، فعلى شرطية التمكين، لا تجب النفقة، لعدم الموضوع بخلاف ما إذا قلنا بكفاية العقد.

يلاحظ عليه: أنّ التمكين متحقّق من جانبها و لو كان قصور فإنّما في جانب المتسلّم و على ضوء ذلك لا ثمرة بين القولين.

و الحقّ أن يقال: إنّه لا إجمال فيما دلّ على وجوب الإنفاق على الزوجة من الكتاب و السنّة على ما عرفت، كما لا إجمال فيما يدلّ على أنّه تجب عليها طاعته و أنّه لا نفقة لها مع انتفاء الطاعة. «1» و الطاعة عبارة أخرى عن عدم النشوز و أمّا وراء ذلك، فليس عليه دليل، فلو أريد من التمكين، هو عدم النشوز و إلّا فلا

دليل على عرضها نفسها على زوجها قولا و فعلا. و قد عرفت عدم صحّة الثمرات المترتبة على القولين.

هذا كلّه يعيّن موضوع وجوب النفقة، و قد علمت أنّ الموضوع هو الزوجية و أنّ النشوز مانع.

و أمّا حكم الفرعين الأخيرين أعني: ما إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة، أو بالعكس حسب الأدلة مع قطع النظر عن كون التمكين شرطا أو النشوز مانعا فقد ذهب فيها الشيخ إلى أنّه لا نفقة لها، و قال المحقّق: و الأشبه وجوب الإنفاق في الثانية، و إليك نصّ الشيخ في كلتا المسألتين.

قال: إذا كان الزوج كبيرا و الزوجة صغيرة لا يجامع مثلها لا نفقة لها و به قال

______________________________

(1)- الوسائل: 14، لاحظ الباب 79، و 91 من أبواب مقدمات النكاح و آدابه.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 345

أبو حنيفة و أصحابه و هو أحد قولي الشافعي، الصحيح عندهم و اختاره المزنيّ.

و قال أيضا: إذا كانت الزوجة كبيرة و الزوج صغيرا لا نفقة لها و إن بذلت التمكين و للشافعي فيه قولان أصحّهما أنّ لها النفقة و به قال أبو حنيفة، و الآخر أنّه لا نفقة لها.

ثمّ ذهب الشيخ إلى عدمها في كلا المقامين مستدلا بأصالة البراءة مثل ما إذا كانا صغيرين «1» و قد فرع المحقّق وجوب النفقة على تحقّق التمكين فيما إذا كانت الزوجة كبيرة و قد عرفت عدم ابتناء المسألة على شرطية التمكين.

و قال ابن إدريس بعد نقل كلام الشيخ: «و الأولى عندي أنّ على الكبير النفقة لزوجته الصغيرة لعموم وجوب النفقة على الزوجة و دخوله مع العلم بحالها و هذه ليست ناشزة، و الإجماع منعقد على وجوب نفقة الزوجات فليتأمل». «2»

و الأولى أن يقال بانصراف

أدلّة النفقة عن هاتين الصورتين أضف إليه أنّ النفقة تكليف، و الزوج الصغير غير مكلّف، و صرفها إلى الولي يحتاج إلى الدليل.

عدم سقوط النفقة إذا كانت مريضة

قال المحقّق: «و لو كانت مريضة أو قرناء أو رتقاء «3» لم تسقط النفقة لإمكان الاستمتاع بما دون الوطء قبلا و ظهور العذر فيه». «4»

أقول: التعليل في كلامه لأجل بيان الفرق بين الزوجة الصغيرة حيث حكم

______________________________

(1)- الخلاف: ج 3، كتاب النفقات، المسألة 4، 5، 6.

(2)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 655.

(3)- القرناء هي التي في فرجها عظم مانع عن الوطء، و الرتقاء هي التي في فرجها لحم زائد مانع منه.

(4)- نجم الدين: الشرائع: 2/ 569، في النفقة.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 346

المحقّق فيها بعدم وجوب النفقة لها، و بين المريضة و ما عطف عليها. بإمكان الاستمتاع في الأخيرة دون الأولى و هو كما ترى لاشتراك بعض أفراد الصغيرة في التعليل و الأولى أن يقال: بانصراف أدلّة النفقة عن الصغيرة دون هؤلاء و اللّه سبحانه أمر بالمعاشرة بالمعروف و قال: عٰاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (النساء/ 19) و قال أيضا: فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ (الطلاق/ 2). و إسقاط النفقة، يخالفها خصوصا إذا طالت مدّة العذر أو دامت، فالحكم بعدم النفقة كما ترى ضرر عظيم، و ليست النفقة في مقابل إمكان التمتع و إلّا يلزم سقوطها إذا كانت عجوزة لا تمتع بمثلها، و إنّما الاستمتاع من الحكم و الدواعي، و الغرض من التزويج تشكيل العائلة و حصول السكينة إلى نحو ذلك من المصالح الداعية.

و منه يظهر حال بعض الفروع التالية:

1- لو اتّفق الزوج عظيم الآلة و هي ضعيفة، فيمنع عن وطئها و لكن لم تسقط نفقتها. لشمول الإطلاقات جميعها، و وجود المانع عن الوطء لا يسقط،

كما هو الحال في أيّام الحيض و النفاس.

2- لو سافرت الزوجة بإذن الزوج لم تسقط نفقتها سواء كان في واجب أو مندوب أو مباح، لعدم صدق النشوز أوّلا، و لو قيل باشتراط التمكين فالإذن من الزوج آية إسقاطه لحقّه.

3- و كذا لو سافرت في واجب مضيّق بغير إذنه كالحجّ، لأنّ شرط اللّه قبل شرط الزوج و لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق «1» فلا مخرج عن إطلاق أدلّة الإنفاق و للشافعي في المقام فتوى يقضي العجب قال الشيخ: إذا أحرمت بغير إذنه فإن كان في حجّة الإسلام لم تسقط نفقتها، و إن كانت تطوعا سقطت نفقتها،

______________________________

(1)- الوسائل: 8، الباب 59 من أبواب وجوب الحجّ، الحديث 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 347

و قال الشافعي: تسقط نفقتها قولا واحدا لأنّ طاعة الزوج مقدّمة لأنّها على الفور و الحجّ على التراخي- دليلنا- إجماع الفرقة و أخبارهم على أنّه لا طاعة للزوج في حجّة الإسلام عليها فلذلك لم تسقط نفقتها، و لأنّ نفقتها واجبة و إسقاطها يحتاج إلى دليل، و أمّا الحجّ فعندنا انّه على الفور دون التراخي. «1»

4- لو سافرت بغير إذنه في مندوب أو مباح سقطت نفقتها للنشوز أوّلا و النص ثانيا.

5- لو كان الواجب موسعا، فلا يعارض حقّ الزوج المضيق. و من ذلك تعلم الحال لو صلت و صامت أو عكفت بإذنه لعدم صدق النشوز، و الإذن آية الإسقاط لحقّه.

6- لو بادرت إلى شي ء من المندوب بلا إذنه بل مع نهيه و لم يكن منافيا لما يريده من الاستمتاع صحّ العمل و لم تسقط النفقة، من غير فرق بين الصيام و الصلاة لأنّ مخالفتها بترك الأكل و الشرب لا يعدّ نشوزا، إلّا

إذا كان على خلاف العادة كأن تصوم طول السنة، على احتمال، نعم لو طلب الاستمتاع و هي صائمة فعليها التمكين و إن بطل صيامها و إلّا تكون ناشزة تسقط نفقتها. قال الشيخ:

فإذا صامت تطوعا فإن طالبها بالإفطار فامتنعت كانت ناشزة و تسقط نفقتها، و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني لا تسقط لأنّها ما خرجت عن قبضته- دليلنا- أنّ طاعة الزوج فريضة و الصوم نفل فمتى تركت ما وجب عليها من طاعته كانت ناشزة كما لو تركتها بغير صوم، و إجماع الفرقة على أنّه لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعا إلّا بإذن زوجها. 2

و الحاصل أنّ الصيام بلا إذنه مع نيّة الإطاعة لو طلب، بل مع نيّة عدمها إذا طلب، لا يوجب البطلان ما لم يطلب و لم تخالف، و إنّما يوجب إذا صدق على فعله

______________________________

(1) و 2- الطوسي: الخلاف 3، كتاب النفقات، المسألة 7 و 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 348

النشوز و هو فرع طلبه و عدم إطاعتها و إلّا فمجرّد نيّة الإطاعة، أو نيّة النشوز، لا يستلزم البطلان.

و كون الصيام استيطان النفس على ترك المفطرات لا ينافي العزم على الافطار إذا وجب، و يشهد على ذلك أنّ كلّ صائم ندبا تستوطن نفسه على ترك المفطرات و لكن يجوز له الإفطار كلّما أراد.

و الحاصل انّ الصيام بنيّة الافطار إذا طلب الزوج الاستمتاع المفطر بل مع نيّة عدمه لا يبطل إلّا إذا تحقّق النشوز بأن يطلب الاستمتاع المفطر و لا تمكّن نفسها منه.

نفقة المطلّقة الرجعية

اتّفقت كلمتهم على أنّه تثبت النفقة للمطلّقة الرجعية كما تثبت للزوجة و قد تضافرت الروايات عليه.

منها: ما رواه المشايخ الثلاثة بأسانيد متعددة عن زرارة

عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «المطلّقة ثلاثا ليس لها نفقة على زوجها إنّما ذلك للّتي لزوجها عليها رجعة». «1» و المسألة مورد اتّفاق و ربما تستثنى آلة التنظيف لأنّ الزوج لا ينتفع بها و لكن إطلاق الأدلة على خلافه، بل تدل الروايات على أنّها تكتحل و تختضب و تلبس ما شاءت من الثياب لأنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: لَعَلَّ اللّٰهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذٰلِكَ أَمْراً (الطلاق/ 1) لعلّها أن تقع في نفسه أن يراجعها. «2»

و لا تسقط نفقة المعتدة إلّا بما تسقط به نفقة الزوجة و يستمر إلى انقضاء العدّة، و لو ظهر أمارات الحمل بعد الطلاق فعلى الزوج الإنفاق عليها إلى أن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 2 و لاحظ روايات الباب.

(2)- الوسائل: 15، الباب 21 من أبواب العدد، الحديث 1 و 2 و لاحظ روايات الباب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 349

تضع. لأنّها لا تخرج عن العدّة إلّا بالحمل قال سبحانه: وَ أُولٰاتُ الْأَحْمٰالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. (الطلاق/ 4)

و لو وطئت في العدة شبهة منها و من الواطئ أو منها فقط فالأقوى وجوب الإنفاق عليها، و عدم إمكان الرجوع في الحال، لا يمنع وجوب النفقة بعد عدم نشوزها و كونها ممكّنة للاستمتاع إذا أراد الزوج، و لكن الوطء شبهة كالمانع الموقت من المرض و الصيام، و بما أنّها تعتد من الشبهة أوّلا ثمّ عن زوجها، فيرتفع المانع في العدّة الثانية.

نعم لو اختصت الشبهة بالواطئ دونها يمكن إلحاقها بالناشزة بل هي أقوى منها. و مع ذلك فالأخذ بإطلاق وجوب النفقة على الرجعية أقوى و أحوط.

سقوط نفقة البائن و سكناها

اتّفقت كلمة الأصحاب على سقوط نفقة البائن للنصوص المتضافرة، نعم

اختلفت كلمة الآخرين قال الشيخ في الخلاف: لا نفقة للبائن، و به قال ابن عباس و مالك و الأوزاعي و ابن أبي ليلى و الشافعي، و قال قوم: انّ لها النفقة، ذهب إليه في الصحابة عمر بن الخطاب و ابن مسعود و به قال الثوري و أبو حنيفة و أصحابه- دليلنا- ما قلناه في المسألة الأولى سواء، و أيضا قوله تعالى: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 6) لما ذكر: النفقة شرطه الحمل، و أيضا دليله يدل على أنّ من ليس بحامل لا نفقة لها.

و روى الشافعي عن مالك عن عبد اللّه بن يزيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن فاطمة بنت قيس انّ زوجها طلّقها ثلاثا و هو غائب بالشام فأرسل إليها كيل شعير فسخطته فقال: و اللّه مالك علينا من شي ء فأتت رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 350

فذكرت له ذلك فقال: «ليست لك نفقة» و أمرها أن تعتد في بيت أمّ شريك ثمّ قال: «تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدّي عند ابن أمّ مكتوم فانّه ضرير تضعين ثيابك حيث شئت». «1»

و من النصوص موثق ابن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن المطلّقة ثلاثا على السنة هل لها سكنى أو نفقة؟ قال: لا. «2» و قد علّق الحكم فيه، و الروايات الواردة في الباب 8 من أبواب النفقات على المطلّقة ثلاثا، و لكن الحكم عام لمطلق البائن، روى سعد بن أبي خلف، قال: سألت أبا الحسن موسى عليه السّلام عن شي ء

من الطلاق فقال: «إذا طلق الرجل امرأته طلاقا لا يملك فيه الرجعة فقد بانت منه ساعة طلّقها و ملكت نفسها و لا سبيل له عليها و تعتد حيث شاءت و لا نفقة لها». «3»

نعم دلّ موثق ابن سنان «4» على النفقة في المطلّقة ثلاثا فيحمل على الاستحباب، و ما دلّ على وجوب النفقة في مطلق المطلّقة، يحمل على الرجعيّة. 5

البائن الحامل لها النفقة

إذا كانت المطلّقة بائنا، حاملا لزمه الانفاق حتّى تضع و كذا السكنى، كتابا و سنّة. أمّا الكتاب فقوله سبحانه: وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتّٰى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ (الطلاق/ 6) و أمّا السنّة ففي موثق سماعة قال: قلت له:

المطلّقة ثلاثا، لها سكنى أو نفقة؟ فقال: «حبلى هي؟» قلت: لا، قال: «ليس لها

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 17.

(2)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 5.

(3)- الوسائل: 15، الباب 20 من أبواب العدد، الحديث 1.

(4) و 5- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 8 و 11.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 351

سكنى و لا نفقة». «1» و مورد الآية و النصوص هي البائنة بالطلاق و هل تشمل، البائنة الحبلى بالفسخ؟ و ذلك لأنّ المتلقى من الآية أنّ الموضوع هو المرأة الحبلى التي لا تتمكن من التزويج لأجل الحمل من الزوج الذي فارقته. و ذكر الطلاق لأجل كونه السبب الغالب، فيشمل ما إذا كان الفسخ سببا أيضا.

نعم المتّجه على ما ذكرنا في مفاد الآية عدمها للفراق باللعان و كان اللعان لنفي الولد خصوصا على القول بأنّها للحمل، لأنّ المتبادر من بذل النفقة للحبلى، ما إذا كان الزوج سببا للحمل و موجبا لإطالة العدّة، و المفروض أنّ الزوج

نفاه باللعان.

قال الشيخ: «إذا قذف زوجته و هي حامل فعليها الحدّ إلّا أن ينفيه باللعان، فإذا لاعنها و نفى النسب سقط الحدّ و انتفى النسب، و زالت الزوجية، و حرمت على التأبيد، و هذه أحكام اللعان، و عليها العدّة، و تنقضي عدّتها بالوضع، و لا سكنى لها، و عندهم لها ذلك و لا نفقة لها عندنا و عند بعضهم، سواء قيل إنّ الحمل له النفقة أو لها بسببه لأنّ الحمل قد انتفى». «2»

نعم اختلفوا في أنّ النفقة هنا للحامل لأجل الحمل أو انّها للحمل. قال البحراني قولان الأكثر على الثاني و هو قول الشيخ في المبسوط و تبعه عليه أكثر الجماعة. «3»

قال الشيخ في المبسوط: «و لمن تجب النفقة قيل فيه قولان: أحدهما: النفقة لها لأجل الحمل و هو أصحّهما عند المخالف».

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 8 من أبواب النفقات، الحديث 3 و لاحظ الحديث 6 و 7.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 25.

(3)- البحراني: الحدائق: 25/ 111.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 352

و الثاني: النفقة للحمل و هو أقواهما عندي، بدليل أنها لو كانت حائلا لا نفقة لها، و إذا كانت حاملا وجبت النفقة، فلما وجبت بوجوده و سقطت بعدمه- إلى أن قال:- و لأنّه لما كانت النفقة له، إذا كان منفصلا فكذلك إذا كان متصلا و لأنّ أصحابنا رووا أنّه ينفق عليها من مال الحمل، فدلّ على أنّه لا يجب لها.

و من خالف قال: لو كانت النفقة لأجل الحمل لوجب نفقته دون نفقتها «1» و لما كان نفقتها مقدّرة بحال الزوج فيجب عليه بقدره، و نفقة الأقارب غير مقدّرة، دلّ على أنّه لها، لأنّ نفقة الأقارب على الكفاية.

و أيضا لو كان لأجل الحمل

لوجبت على الجد كما لو كان منفصلا، فلما ثبت أنّها لا تجب عليه، ثبت ما قلناه. و أيضا فلو كانت نفقة الولد لوجب أن يسقط بيسار الولد، و هو إذا ورث أو أوصى له بشي ء فقبله أبوه، فلما لم تسقط بيساره، ثبت أنّها ليست نفقة الولد.

و عندنا تسقط بيساره و يقتضي المذهب أنّها يجب على الجد فيخالف في جميع ما قالوه ثمّ ذكر- قدّس سرّه- ثمرات الخلاف. «2»

و قال ابن حمزة انّ النفقة للأمّ بما هي حامل قال: و البائن: حامل و غير حامل فالحامل يلزم لها النفقة و السكنى لمكان الحامل، و غير الحامل لا يجب. «3»

و قد استدل غيره لهذا القول بما عرفت في كلام الشيخ.

ثمّ إنّ الشيخ في المبسوط أو المحقّق في الشرائع فرعوا على الاختلاف فروعا لا ينبغي ذكر الجميع لعدم الابتلاء بها في زماننا هذا، و نذكر ما يلي:

______________________________

(1)- و هذا لا يرد، فانّ رزق الولد إنّما هو دم أمّه يجري عليه من سرّته، و هذا الدم إنّما يتولد بالنفقة عليها، فكأن بطن أمّه مكينة أو مطبخ لرزق الولد، التعليق مطبوع في حاشية المبسوط.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 28.

(3)- ابن حمزة: الوسيلة: 328.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 353

1- لو لم ينفق عليها حتى مضت مدّة أو مجموع العدّة فمن قال بوجوبها للحمل فانّه لا يوجب قضاءها لأنّ نفقة الأقارب لا تقضى، و من قال إنّها لها أوجب القضاء لأنّ نفقة الزوجة تقضى.

يلاحظ عليه: أنّ القدر المتيقن من قضاء نفقة الزوجة فيما إذا كانت هناك زوجية حقيقة أو حكما و المفروض في المقام انتفائها و ليس هنا إطلاق يعمّ المقام، أي الزوجية السابقة المنتفية.

2- لو كانت ناشزة حال

الطلاق أو نشزت بعده فعلى القول بأنّ النفقة لها، تسقط لما علم من أنّ المطلّقة حيث تجب نفقتها كالزوجة، تسقط نفقتها حيث تسقط و تجب حيث تجب، و على القول بأنها للحمل لا تسقط.

يلاحظ عليه: انّه إنّما يصحّ لو كان استحقاقها للنفقة لأجل الزوجية، و إنّما تستحق لها، لأجل الحمل، و بقائه و حفظه إلى أن تلده، ففي مثله لا يكون النشوز مؤثرا، و بالجملة أنّ الحمل واسطة في الثبوت على وجوب الإنفاق على الأمّ، و ليس واسطة في العروض حتى يكون الإنفاق للحمل فينسب وجوبه إلى الأمّ مجازا.

3- لو ارتدّت بعد الطلاق فلا تسقط على القول بأنّ النفقة للحمل دون القول الآخر.

4- تسقط النفقة بموت الزوج على القول بأنّ النفقة للحمل دون الآخر فإنّ فيه قولين.

5- لا تسقط بالإبراء بناء على أنّ النفقة للحمل دون القول الآخر، فإنّ النفقة للحمل فلا وجه لإبراء الأمّ حقّ الغير.

6- وجوب الفطرة لها على الزوج على الثاني دون الأوّل مضافا إلى فطرة الولد إلى غير ذلك من الفروع التي ذكرها الشهيد في المسالك «1» و إن كان أكثرها

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 451.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 354

خاضعة للنقاش.

ثمّ إنّه يظهر من صاحب الجواهر تحرير النزاع بغير ما يتبادر من ظواهر كلمات القائلين بأنّ النفقة للحمل، و حاصل ما أفاده «أنّ مرجع القولين إلى أنّ حكم هذه النفقة، حكم نفقة الزوجة على معنى أنّ وجود الحمل يجعلها بحكمها كالرجعية في غيرها فيجري حينئذ على نفقتها حكم نفقة الزوجة أو حكم نفقة القريب، فيجري عليها حكمه لأجل انقطاع الزوجية بينهما و صار الحمل علّة في الإنفاق عليها كالإنفاق على القريب.

ثمّ إنّه- قدّس سرّه-

جعل ما هو المتبادر من كلمات القوم من المضحكات حيث قالوا: إنّ الإنفاق عليها مقدّمة للإنفاق على الحمل ليعيش. ثمّ إنّه اختار الوجه الأوّل، من أنّ الإنفاق عليها بحكم نفقة الزوجة، غاية الأمر أنّ النشوز و الارتداد، لا يؤثران في السقوط كما يؤثران في الزوجة الواقعية و ذلك لانتفاء الزوجية في المقام «1».

و لو صحّ ما ذكره من تحرير محلّ النزاع بطلت الفروع المفرعة على النزاع إلّا القليل، و هو أنّ نفقة الزوجة مقدّرة بحال الزوج، بخلاف نفقة الأقارب فهي غير مقدّرة إلّا بحد الكفاية و إن كانت أقلّ بالنسبة إلى شأنها أو شأنه.

و على كلّ تقدير ظاهر النصوص يؤيّد الأوّل لأنّ الضمير في قوله: وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ كسائر الضمائر الواردة في الآية ظاهر في أنّ الموضوع هي المرأة المطلّقة، أمكن الرجوع عليها أو لا، قال سبحانه: أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَ لٰا تُضآرُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَ إِنْ كُنَّ أُولٰاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ (الطلاق/ 6) و الضمائر ترجع إلى المطلّقات من غير فرق

______________________________

(1)- النجفي: الجواهر: 31/ 323- 324.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 355

بين الرجعيّة و البائنة، و وحدة السياق تطلب كون الإنفاق على نسق واحد في القسمين (الرجعية و البائنة) و في حديث محمّد بن قيس: «و عليه نفقتها بالمعروف حتّى تضع حملها». «1»

و الظاهر أنّه لا يمكن استكشاف أحد القولين من الفروع المذكورة لأنّ أكثرها قابلة للنقاش فلا يعدّ تسليمها دليلا على صحّة المفرع عليه. و الأولى:

الاستدلال على كونها للأمّ على نحو ما ذكرناه.

في الحامل المتوفى عنها زوجها

اتّفقت كلّمتهم على أن لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا و أمّا إذا كانت حاملا ففيه قولان:

1-

أن لا نفقة لها.

2- ينفق عليها من نصيب ولدها.

و إليك نقل كلمات فقهائنا:

1- قال الشيخ: «و لا نفقة للتي مات عنها زوجها من تركة الرجل فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها». «2»

2- و قال الحلبي: «و إذا كانت المتوفى عنها زوجها حاملا أنفق عليها من مال ولدها حتى تضع». «3»

3- و قال ابن البراج: «و إذا مات الرجل عن زوجته، اعتدّت كما قدّمناه، و لم

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 7 من أبواب النفقات، الحديث 3.

(2)- الطوسي: النهاية: 537.

(3)- الحلبي: الكافي: 313.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 356

تكن لها نفقة من تركة زوجها فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها التي هي حامل به». «1»

4- و قال ابن حمزة: «و يلزم الحداد كلّ زوجة صحيحة الزوجية تعتد من الوفاة- إلى أن قال:- و لا يلزم لها النفقة إلّا إذا كانت حاملا فينفق عليها من نصيب ولدها». «2»

5- و قال ابن إدريس: «و لا نفقة للمتوفى عنها زوجها إذا كانت حائلا و إن كانت حاملا أنفق عليها عندنا خاصة من مال ولدها الذي يعزل له حتى تضع على ما روى في الأخبار، و إليه ذهب شيخنا أبو جعفر في جميع كتبه.

و الذي يقوى في نفسي و تقتضيه أصول مذهبنا أن لا ينفق عليها من المال المعزول، لأنّ الانفاق أمر شرعيّ يحتاج إلى دليل شرعي و الأصل أن لا إنفاق، و أيضا النفقة لا تجب للوالدة الموسرة و هذه الأمّ لها مال فكيف تجب النفقة عليها؟

فإن كان على المسألة إجماع منعقد من أصحابنا، قلنا به و إلّا بقينا على نفي الأحكام الشرعية إلّا بأدلّة شرعية.

و ما اخترناه و حرّرناه

مذهب شيخنا محمّد بن محمّد بن النعمان المفيد في كتابه «التمهيد» فانّه قال: «إنّ الولد إنّما يكون له مال عند خروجه إلى الأرض حيّا فأمّا و هو جنين لا يعرف له موت من حياة، فلا ميراث له و لا مال على الإنفاق فكيف ينفق على الحبلى من مال من لا مال له لو لا السهو في الرواية أو الإدخال فيها». «3»

6- و قال ابن سعيد: «و لا يلزم المتوفى عنها زوجها ملازمة البيت، و لها

______________________________

(1)- ابن البراج: المهذّب: 2/ 319.

(2)- ابن حمزة: الوسيلة: 329.

(3)- ابن إدريس: السرائر: 2/ 737.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 357

الخروج نهارا و لا سكنى لها و لا نفقة فإن كانت معسرة حاملا أنفق عليها من نصيب الحمل». «1»

7- و قال المحقّق: «و في المتوفى عنها زوجها روايتان: أشهرهما أنّه لا نفقة لها، و الأخرى ينفق عليها من نصيب ولدها». «2»

و لعلّ مرادها من الأشهرية هي الشهرة الروائية لا الفتوائية لأنّه ورد في عدم الإنفاق عليها أربع روايات معتبرات الأسناد، بخلاف الإنفاق عليها فقد وردت فيه رواية واحدة.

7- و قال العلّامة: «و لا نفقة في المتوفى عنها و إن كانت حاملا». «3»

8- و قال الشهيد الثاني: «و عدم الإنفاق مختار ابن إدريس و المصنف و العلّامة و سائر المتأخرين و هو الأقوى». «4»

و يظهر من المختلف أنّ القول بسقوط النفقة مطلقا، بين القدماء كان مختصا بابن أبي عقيل و المفيد. و إلّا فالرأي السائد بينهم إلى عصر ابن إدريس هو القول بكون نفقتها من نصيب الولد و نقله عن ابن الجنيد و عن الصدوق في المقنع، نعم اشتهر القول بسقوط النفقة مطلقا من عصر ابن إدريس و

المحقّق و العلّامة حتى اختاره أكثر المتأخرين، و يظهر من كلام ابن إدريس اتّفاق الأصحاب غير المفيد على الإنفاق من نصيب الولد.

و قال ابن قدامة: «فأمّا المعتدة من الوفاة فإن كانت حائلا فلا سكنى لها و لا نفقة لأنّ النكاح قد زال بالموت، و إن كانت حاملا ففيها روايتان:

______________________________

(1)- ابن سعيد: الجامع للشرائع: 472.

(2)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 57.

(3)- العلّامة الحلي: ارشاد الأذهان: 2/ 49.

(4)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 454.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 358

إحداهما: لها السكنى و النفقة لأنّها حامل من زوجها فكانت لها السكنى و النفقة كالمفارقة في الحياة.

الثانية: لا سكنى لها و لا نفقة لأنّ المال قد صار للورثة، و نفقة الحامل و سكناها إنّما هو للحمل و من أجله و لا يلزم ذلك الورثة لأنّه إن كان للميت ميراث فنفقة الحمل من نصيبه و إن لم يكن له ميراث لم يلزم وارث الميّت الانفاق على حمل امرأته كما بعد الولادة قال القاضي هذه الرواية أصحّ. «1»

و يظهر من كلام ابن قدامة أنّ النزاع بينهم مركّز على كون النفقة على الميراث و عدمه و ليس في كلامه إشارة إلى كونها على نصيب الولد و كان هذا القول تختص به الإمامية.

و إليك ما ورد من الروايات في المقام:

1- صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال في الحبلى المتوفى عنها زوجها أنّه لا نفقة لها. «2»

2- خبر محمد بن الفضيل عن أبي الصباح عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة الحامل المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: «لا». 3

3- خبر زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في المرأة المتوفى عنها زوجها هل لها

نفقة؟ فقال: «لا». 4

4- خبر زيد أبي أسامة قال: سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحبلى المتوفى عنها زوجها هل لها نفقة؟ قال: «لا». 5

5- صحيح محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام، قال: سألته عن المتوفى عنها

______________________________

(1)- ابن قدامة: المغني: 9/ 291، ط عام 1403.

(2)- 5- الوسائل: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث: 1، 2، 3، 7.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 359

زوجها أ لها نفقة؟ قال: «لا، ينفق عليها من مالها». «1»

و في مقابلها ما ينافيه:

الف: ما يدلّ على أنّه ينفق عليها من مال ولدها.

6- خبر محمّد بن أبي الصباح الكناني عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «المرأة الحبلى المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من مال ولدها الذي في بطنها». «2»

و قد عرفت في روايته السابقة «3» أنّه لا نفقة لها و هل هما متنافيان، أو لا، و لو قصّرنا النظر إلى نفس روايتيه، فهما من قبيل المطلق و المقيّد، و أمّا لو قيس هذا الخبر إلى مجموع روايات الطائفة الأولى فالظاهر انّهما متنافيان إذ فيها ما يدلّ على أنّه ينفق من مالها، كصحيح محمد بن مسلم الذي مضى برقم 5، فأين هذا من هذا الخبر الدال على أنّه ينفق من مال ولده و سيوافيك تفصيله و دفعه.

ب: ما يدلّ على أنّه ينفق عليها من مال الزوج.

7- موثق السكوني عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها من جميع المال حتّى تضع». «4» و فسره الشيخ بأنّ المراد ينفق عليها من جميع المال لأنّ نصيب الحمل لم يتميز فإذا وضع و تميّز نصيبه أخذ منه مقدار النفقة، و هو كما ترى.

8- صحيح

محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «المتوفى عنها زوجها ينفق عليها من ماله». «5»

______________________________

(1)- الوسائل: الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث: 7.

(2)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 1.

(3)- الوسائل: 15، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(4)- الوسائل: 15، الباب 10 من أبواب النفقات، الحديث 2.

(5)- الوسائل: 15، الباب 9 من أبواب النفقات، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 360

و الظاهر أنّ الضمير يعود إلى الزوج، و عندئذ يكون مفاده نفس موثق السكوني، و إن عاد إلى الولد، يكون مفاده، مثل خبر أبي الصباح الكناني الثاني، و لو احتملنا التصحيف في الضمير و انّ الصحيح «من مالها» يتحد مع صحيحه الآخر برقم 6.

نعم ورد في باب الوصي عن أبي جعفر عليه السّلام عن رجل سافر و ترك عند امرأته نفقة ستة أشهر أو نحوا من ذلك ثمّ مات بعد شهر أو اثنين؟ قال: «ترد فضل ما عندها، في الميراث». «1» لكن مورده أو منصرفه الحائل و الكلام في الحامل.

نعم ورد في باب العدد عن امرأة توفي عنها زوجها أين تعتد في بيت زوجها تعتد أو حيث شاءت؟ قال: «حيث شاءت» «2» و كون منصرفه الحائل لا يضر بالمقصود بل يدلّ على أنّ كونه كذلك في الحامل بطريق أولى لكنّه إشعار و ليس بدلالة، لأنّ مجرّد جواز الإقامة في البيت لا يعد دليلا على كون نفقتها على الزوج لأنّ السكنى جزء من النفقة، على أنّ الحديث بصدد بيان حكم آخر و هو جواز خروجها عن بيت الزوج و أنّها ليس كالمطلّقة الرجعيّة.

و الذي تقتضيه صناعة الفقه، هو عدم حجّية ما يدلّ على أنّه ينفق من مال الزوج، أعني:

موثق السكوني و صحيح محمد بن مسلم الأخير بناء على رجوع الضمير إلى الزوج لإعراض الأصحاب عنهما. فلا يبقى في البين إلّا خبر أبي الصباح الكناني من كون النفقة على نصيب ولدها.

فهناك وجوه في الجمع:

الف: ما دلّ من الروايات على أنّه لا نفقة لها، يراد عدم النفقة على الزوج

______________________________

(1)- الوسائل: 13، الباب 99 من أبواب الوصايا، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 32 من أبواب العدد، الحديث 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 361

و هذا لا ينافي كون نفقتها على ولدها، و ما دلّ من أنّه ينفق عليها من مالها «1» ليس صريحا في الحامل، فيحمل على الحائل و تكون النتيجة عدم النفقة على الحائل و أمّا الحامل فانّ نفقتها على نصيب ولدها، و ما عن شيخنا المفيد أنّ الجنين لا يعرف موته و لا حياته فلا ميراث له و لا مال، كما ترى لأنّهم صرّحوا بصحّة الوصية للجنين كما صرّحوا بأنّ للورثة تقسيم التركة، غاية الأمر يخرج للحمل، السهم الأكبر.

ب: ما ذهب إليه المحدث البحراني من أنّه يحمل ما دلّ على وجوب الإنفاق من مال الولد على ما إذا كانت محتاجة لأنّه نصيب نفقتها عليه، و حمل ما دلّ على عدم الإنفاق على ما إذا لم تكن محتاجة و قال: و هو لا يخلو من قرب. «2»

و هو خيرة ابن سعيد في جامعه كما مرّ و هو صريح كلام ابن إدريس حيث قال:

و هذه الأم لها مال.

يلاحظ عليه: أنّه جمع بلا شاهد.

ج: ما ذهب إليه العلّامة من أنّه إن جعلنا النفقة للحمل فالحقّ ما قاله الشيخ، و إن جعلناها للحامل فالحقّ ما قاله المفيد «3» و لعلّه أراد بذلك الجمع بين

ما دلّ على عدم النفقة لها بالكلّية بحمله على عدم النفقة لها من حيث هي هي، و ما دلّ على وجوب الإنفاق عليها من مال ولدها الذي في بطنها بحمله على أنّ هذه النفقة للولد، لا لنفس الحامل و مرجعه إلى أنّها تستحقّ النفقة للولد و لا تستحقها لنفقتها.

يلاحظ عليه: أنّ هذا الجمع كالسابق بلا شاهد و في الوقت نفسه أشبه

______________________________

(1)- مضى برقم 5.

(2)- البحراني: الحدائق: 25/ 118.

(3)- ابن المطهر: المختلف: 7/ 475، المسألة 120، تحقيق مركز الأبحاث و الدراسات الإسلامية.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 362

باللغز.

فالأولى، هو ما اختاره المتأخّرون لتكاثر الأخبار به، غير أنّ شهرة الفتوى بين المتقدمين يصدّنا عن طرح رواية الكناني فلاحظ.

هل نفقة الزوجة بالكفاية أو بقدر خاصّ

قد عرفت أنّ النفقة تجب بأحد أسباب ثلاثة: الزوجية، و القرابة، و الملك، و سيوافيك الكلام في الثاني، و أمّا الثالث فقد مرّ أنّه خارج عن محلّ الابتلاء، أمّا الزوجة قد عرفت أنّ نفقتها على الزوج بشرط أن تكون دائمة فلا نفقة للمنقطعة و أن تكون مطيعة للزوج فيما يجب إطاعتها له، فلا نفقة للناشزة، و قد مرّ الكلام في ذلك و لا فرق بين أن تكون مسلمة أو ذمّية أخذا بإطلاق الكتاب «1» و السنّة «2»، إنّما الكلام في أنّه هل يرجع في قدر النفقة إلى العرف و العادة و كذا في الإخدام و غيره، أو مقدّر بقدر خاصّ؟ قولان:

1- القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام و إدام و كسوة و فراش و غطاء و سكنى و خادم أو خادمة، و آلة تحتاج إليها لشربها و طبخها و تنظيفها، و غير ذلك من النفقات المستجدة التي أحدثتها الحضارة الصناعية. و بالجملة يجب أن

يقوم الزوج بكلّ ما تحتاج إليه الذي يعدّ حاجة في البلد الذي تسكنه، فلا حاجة للبحث في الطعام و الإدام و جنسهما و قدرهما، و مثلهما البحث في الكسوة، و الفراش و آلة الطبخ و التنظيف و السكنى و الخادم و الخادمة، فإنّ الملاك سدّ الخلّة، و رفع الحاجة حسب شأنها في الظرف الذي يعيش فيه.

2- ذهب بعض الأصحاب كالشيخ إلى كونه مقدرة.

______________________________

(1)- البقرة/ 232، الطلاق/ 7، النساء/ 19- 34.

(2)- لاحظ الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 363

قال في الخلاف: نفقة الزوجات مقدّرة و هي مدّ، قدره رطلان و ربع، و قال الشافعي: نفقاتهنّ على ثلاثة أقسام: الاعتبار بالزوج إن كان موسرا فمدّان، و إن كان متوسطا فمدّ و نصف، و إن كان معسرا فمدّ واحد، و المدّ عنده رطل و ثلث، و قال مالك: نفقة الزوجة غير مقدّرة بل عليه لها الكفاية و الاعتبار بقدر كفايتها كنفقة الأقارب، و الاعتبار بها لا به، و قال أبو حنيفة: إن كان موسرا فمن سبعة إلى ثمانية في الشهر و إن كان معسرا فمن أربعة إلى خمسة و قال أصحابه: كان يقول هذا و النقد جيّد و السعر رخيص فأمّا اليوم فإنّها بقدر الكفاية، دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم. «1»

و قال ابن قدامة: و النفقة مقدّرة بالكفاية و تختلف باختلاف من تجب له النفقة في مقدارها و بهذا قال أبو حنيفة و مالك. و قال القاضي: هي مقدّرة بمقدار لا يختلف في القلة و الكثرة، و الواجب رطلان من الخبز في كلّ يوم في حقّ الموسر و المعسر، اعتبارا بالكفارات، و إنّما يختلفان في صفته و جودته لأنّ

الموسر و المعسر سواء في قدر المأكول و فيما تقوم به البنية، و إنّما يختلفان في جودته فكذلك النفقة الواجبة.

و قال الشافعي: نفقة المقتر مدّ بمدّ النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم لأنّ أقلّ ما يدفع في الكفارة إلى الواحد مدّ، و اللّه سبحانه اعتبر الكفارة بالنفقة على الأهل فقال سبحانه: مِنْ أَوْسَطِ مٰا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ (المائدة/ 89) و على الموسر مدّان لأنّ أكثر ما أوجب اللّه سبحانه للواحد مدّين في كفارة الأذى. و على المتوسط مدّ و نصف، نصف نفقة الموسر و نصف نفقة الفقير. «2»

و الظاهر من كلام الشيخ و ابن قدامة أنّ الخلاف منحصر في الطعام و انّه

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 3.

(2)- ابن قدامة: المغني: 9، كتاب النفقات: 231.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 364

هل هو مقدّر أو لا، و أمّا الكسوة و السكنى فليس فيهما أي تقدير بشهادة أنّهما لم يشيرا فيهما إلى شي ء فهما متروكان إلى العرف و قضائه، لكن الظاهر من الحديث التالي عمومية التقدير للطعام و الكسوة.

روى شهاب بن عبد ربه قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما حقّ المرأة على زوجها؟ قال: «يسدّ جوعتها و يستر عورتها، و لا يقبّح لها وجها فإذا فعل ذلك فقد و اللّه أدّى إليها حقّها» فقلت: فالدهن؟ قال: «غبّا يوم و يوم لا» قلت: فاللحم؟

قال: «في كلّ ثلاثة، فيكون في الشهر عشر مرّات لا أكثر من ذلك، و الصبغ في كلّ ستة أشهر و يكسوها في كلّ سنة أربعة أثواب: ثوبين للشتاء و ثوبين للصيف، و لا ينبغي أن يقفر بيته من ثلاثة أشياء: دهن الرأس، و الخلّ، و الزيت، و

يقوتهنّ بالمد فانّي أقوت به نفسي، و ليقدر لكلّ إنسان منهم قوته فإن شاء أكله، و إن شاء وهبه، و إن شاء تصدّق به، و لا تكون فاكهة عامة إلّا أطعم عياله منها و لا يدع أن يكون للعبد عندهم فضل في الطعام أن يسنى لهم في ذلك شي ء ما لم يسنى لهم في سائر الأيّام». «1»

إذا وقفت على الأقوال فاعلم أنّ القول بالتقدير خلاف المتبادر من الأدلّة قال سبحانه: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 233) و قوله سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا (الطلاق/ 7) فانّ تحديد الرزق و الكسوة بالمعروف، و الإنفاق على حدّ القدرة، دليل على أنّه لا تقدير في الإنفاق بقدر خاص و إلّا كان عليه أن يشير إليه عوض التعليق بهما. و مثله ما ورد في السنة ففي صحيح ابن سنان: «إن أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوة و إلّا فرّق بينهما». «2»

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب النفقات، الحديث 1.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 365

و في رواية إسحاق بن عمار انّه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن حقّ المرأة على زوجها قال:

«يشبع بطنها و يكسو جثّتها و إن جهلت غفر لها». «1» و في صحيح جميل قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كساها ما يواري عورتها، و يطعمها ما يقيم صلبها، أقامت معه و إلّا طلّقها». 2 كلّ ذلك يعرب عن أنّ الواجب رفع الحاجة و سدّ

الخلّة على النحو المعروف و المقدور، قد روى الفريقان أنّ النبي صلى اللّه عليه و آله و سلم قال لهند زوجة أبي سفيان: «خذي ما يكفيك و ولدك بالمعروف». «3» يأمرها بأخذ ما يكفيها من دون تقدير، و من المعلوم انّ قدر كفايتها لا ينحصر في المدّ الوارد في مرسلة شهاب بن عبد ربه.

و الحاصل: أنّ ايجاب أقلّ من الكفاية من الرزق، و إن كان مدّا، ترك للمعروف، و إيجاب قدر الكفاية و إن كان أقلّ من مدّ إنفاق بالمعروف، فيكون هذا هو الواجب.

و يؤيّد ذلك أنّ الأصحاب يرجعون في نوع الأمور الثمانية «4» إلى العرف قال المحقّق: «و يرجع في جنس المأدوم و الملبوس إلى عادة أمثالها من أهل البلد». «5»

فانّ الطعام يعمّ البرّ و الشعير و التمر و الزيت و الذرة و غيره، كما أنّ الإدام يعمّ السمن و الزيت و الشيرج و اللحم و اللبن، و الكسوة يعمّ القميص و السراويل و المقنعة و الجبّة، و جنسها يعمّ الحرير و القطن و الكتّان، و الإسكان في الدار يعمّ البيوت العالية و المتوسطة و النازلة ككوخ الفلاح و هكذا سائرها ففي كلّ ذلك يرجع إلى عادة أمثالها من أهل البلد، فإذا كان المرجع في تعيين النوع من الأمور

______________________________

(1)- 2- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 3، 4.

(3)- الطوسي: المبسوط: 6/ 3.

(4)- أعني: 1- الطعام، 2- الادام، 3- الكسوة، 4- الفراش، 5- آلة الطبخ، 6- آلة التنظيف، 7- السكنى، 8- نفقة الخادمة.

(5)- نجم الدين: الشرائع: 4/ 571.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 366

الثمانية، هو العرف فليكن هو المرجع في مقدار الطعام و تعداد اللباس شتاء وصيفا.

الحاجات المستجدّة

إنّ حصر

الحاجات في الثمانية ليس أمرا تامّا لتطور الحاجات حسب تطوّر المجتمعات فانّ الحضارة الحديثة أحدثت أمورا و أوجدت حاجات لم يكن لها سبق فيما غبر فربما تحتاج أمثالها إلى أمور ليست داخلة فيها و لذا يحمل ذكرها على أنّها من باب الأغلب.

و من الحوائج، الأدوية المتعارفة التي يكثر الاحتياج إليها بسبب الأمراض و الآلام التي قلّما تخلو منها في الشهور و الأعوام إنّما الكلام في الدواء و ما يصرف في المعالجات الصعبة التي يكون الاحتياج إليها من باب الاتّفاق سواء احتاج إلى بذل مال خطير أو لا.

و لكن الأقوى عدم الفرق، فالإمساك بالمعروف، يعمّ كلّ ذلك، كما انّ قوله: «يقيم ظهرها» يشمله. نعم ذهب السيد الاصفهاني و تبعه السيّد الأستاذ- قدّس سرّهما- إلى عدم وجوب البذل خصوصا إذا احتاج إلى بذل مال خطير. «1»

لو افترضنا قصور تمكن الزوج من بذل النفقة بما يناسب شأنها و شأن أمثالها في البلد فإن كان العجز طارئا بعد التمكن فعليها الصبر إلّا إذا كان حرجيا، و إن لم يكن طارئا و كانت الزوجة عالمة بالقدر المتمكن منه، فكذلك إلّا إذا كانت مغرورة فلها رفع الشكوى إلى الحاكم.

***

______________________________

(1)- وسيلة النجاة، فصل النفقات: 260؛ تحرير الوسيلة، ج 2، فصل النفقات، المسألة 9.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 367

الكلام في اللواحق و فيها مسائل

الأولى: لو قالت: أنا أخدم نفسي و لي نفقة الخادم هل تجب اجابتها أو لا؟

و لو بادرت بالخدمة من غير إذن أ لها المطالبة بالأجرة أم لا؟

أقول: إنّ النساء على قسمين: قسم لا تخدم نفسها بحسب عادة أمثالها و أهل بلدها لشرفها، و علوّ منزلتها بل لها من يخدمها، فهذه يجب على الزوج أن يتخذ خادما عملا بآية المعاشرة بالمعروف،

و قسم من تخدم نفسها بحسب العادة فلا يجب في حقّها ذلك إلّا لمرض و نحوه.

لو افترضنا أنّها تواضعت و أرادت أن تخدم نفسها حتى تكون لها نفقة الخادم، لم تجب إجابتها لأنّ التخيير راجع إليه دونها، أضف إلى ذلك انّه كيف تجب عليه الإجابة، مع انّه يسقط مرتبتها و له أن لا يرضى بها لانّها تصير مبتذلة و له في رفعتها حقّ و غرض صحيح و إن رضيت بإسقاطها. «1»

و قال الشيخ: «لم يكن لها ذلك لأنّ الخدمة لأجل الترفّه و الدعة فإذا لم تختر ذلك و طلبت الخدمة لم يكن لها عوض». «2»

و منه يظهر حكم الفرع الثاني لما عرفت من أنّ التخيير راجع إلى الزوج.

*** الثانية: انّ الزوج مخيّر في دفع الطعام و الإدام بين دفع عين المأكول كالخبز و التمر و اللحم المطبوخ ممّا لا يحتاج في إعداده للأكل إلى علاج و مزاولة و مئونة

______________________________

(1)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 461.

(2)- الطوسي: المبسوط: 6/ 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 368

و كلفة، و بين دفع ما يحتاج في ذلك إلى ذلك كالحبّ و الارز، و الدقيق، بشرط أن يكون كلا النحوين أمرا متعارفا و إلّا فيقتصر بالمتعارف، و لو اختار الثاني و احتاج إعداد المدفوع للأكل إلى مئونة، كانت عليه.

و يتخيّر أيضا بين دفع ثمن المأكول و الملبوس و غيرهما إليها و دفع نفس الحب لكن بشرط أن يكون متعارفا، لما عرفت من كون الواجب هو المعاشرة بالمعروف و العجب من صاحب المسالك حيث قال: «إنّ الواجب عليه دفع الحب و نحوه و مئونة إصلاحه لا عين المأكول عملا بالعادة». «1» مع أنّ العادة في أيّامنا هو

خلافه.

*** الثالثة: تملك الزوجة على الزوج نفقة كلّ يوم من الطعام و الإدام و غيرهما ممّا يصرف و لا يبقى عينه في صبيحته فلها أن تطالبه بها عندها فلو منعها و انقضى اليوم استقرّت في ذمّته و كانت عليه و لو مضت أيّام و لم ينفق عليها فيها، اشتغلت ذمّته بنفقة تلك المدّة سواء طالبته أم سكتت عنها، و سواء قدّرها الحاكم، و حكم بها أم لا، و ذلك لأنّ نفقة الزوجة اعتياض في مقابلة الاستمتاع فتصير بمنزلة الدين، من غير فرق بين المنع يوما أو أيّاما، و بين تقدير الحاكم و عدمه و مطالبتها و عدمها أخذا بحكم الدين.

نعم ليست لها مطالبة نفقة الأيّام الآتية إذ لا وثوق باجتماع الشرائط في باقي الزمان. نعم ربما يكون المعروف في خلاف التدريج، على نحو لو قام بالشراء كلّ يوم لفاتت منها أمور يجب تحصيلها في إقامة الحياة خصوصا في زماننا هذا، و اللازم اتباع المعروف، غاية الأمر لو نشزت، أو ماتت، يجب عليها ردّ الباقي.

______________________________

(1- 2)- زين الدين العاملي: المسالك: 8/ 464.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 369

نعم لو دفعت إليها نفقة أيّام و لكنّها خرجت عن الاستحقاق قبل انقضاء المدّة بموت أحدهما أو نشوزها أو طلاقها بائنا، فيوزع المدفوع على الأيّام الماضية و الآتية و يسترد منها بالنسبة حصة ما بقي من المدّة و يحتمل أن يكون كذلك فيما إذا دفع إليها نفقة يوم و عرض أحد تلك العوارض في أثنائه فيسترد الباقي من نفقة اليوم. و سيوافيك الكلام في الأخير.

[الملك]
ملك أو إمتاع

إنّ النفقة المبذولة على الزوجة تارة تتملّكها الزوجة كما إذا كان الانتفاع موجبا لاستهلاكها كالطعام، و أخرى على وجه الامتاع و

تستحقه على وجه الانتفاع كالمسكن و الثياب، لأنّ عينهما لا يستهلك بالانتفاع و ثالثة يتردد بين الأمرين بين كونه على وجه التمليك أو على وجه الإمتاع كالكسوة و غيرها من أعيان النفقة التي لا يتوقف الانتفاع بها على إتلافها و إن كان الاستعمال يتلفها تدريجا نحو فراش النوم و اليقظة و آلات التنظيف من المشط و نحوه. فذهب الشيخ في المبسوط «1» و المحقّق في الشرائع و العلّامة في الإرشاد «2» إلى التمليك و يظهر رأيهما من الفروع التي ذكروها في المقام.

و اختار القول بالإمتاع السيد الاصفهاني في وسيلته قال: «إنّما تستحقّ في الكسوة على الزوج أن يكسوها بما هو ملكه أو بما استأجره أو استعاره و لا تستحقّ عليه أن يدفع إليها بعنوان التمليك ثمّ فرع على مختاره من انّه على وجه الامتاع فروعا و هي:

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 9- 10 و سيوافيك كلامه عند البحث عن الفروع و الثمرات.

(2)- ابن المطهر: ارشاد الأذهان: 2/ 35، نعم نسب صاحب الجواهر إليه القول بالامتاع في الارشاد و لكن الفروع المذكورة فيه، تتفق مع القول بالتمليك فلاحظ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 370

1- و لو دفع إليها كسوة لمدّة جرت العادة ببقائها إليها فكستها فخلقت قبل تلك المدّة أو سرقت وجب عليه دفع كسوة أخرى إليها.

2- و لو انقضت المدّة، و الكسوة باقية ليس لها مطالبة كسوة أخرى.

3- و لو خرجت في أثناء المدّة عن الاستحقاق لموت أو نشوز أو طلاق تسترد إذا كانت باقية.

4- و كذلك الكلام في الفراش و الغطاء و اللحاف و الآلات التي دفعها إليها من جهة الإنفاق ممّا ينتفع بها مع بقاء عينها فانّها كلّها باقية على ملك

الزوج تنتفع بها الزوجة فله استردادها إذا زال استحقاقها إلّا مع التصريح بانشاء التمليك لها». «1»

أدلة القول بالملك

لا شكّ انّه إذا صرّح الزوج بانشاء التمليك، تملكه الزوجة إنّما الكلام فيما إذا لم يقصد التمليك، فيقع الكلام في أنّه هل يجب على الزوج قصد التمليك على وجه لو لم يملّكها لم يكن منفقا، و بعبارة أخرى الكلام في أنّ خطاب الانفاق يقتضي الملك شرعا و إن لم يقصده الدافع أو لا؟

أمّا عدم تحقّق الإنفاق بالإمتاع فهو كما ترى فانّ الواجب عليه أن يقيم ظهرها و يكسو عورتها و هو حاصل بالتمليك تارة، و الإمتاع أخرى، أمّا اقتضاء الخطاب التمليك، فيتوقف على وجود دليل على ذلك فقد استدل له بوجهين:

1- قوله سبحانه: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ

______________________________

(1)- الاصفهاني: وسيلة النجاة، فصل النفقات: 361 و سيوافيك انّ الفروع المذكورة مبنيّة على القول بالتمليك، أو الملك.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 371

(البقرة/ 233) قائلا بأنّ مقتضى العطف الاشتراك مع المعطوف عليه في حكمه و هو التمليك في الرزق.

يلاحظ عليه: أنّ عطف الكسوة على الرزق، يقتضي المشاركة في الحكم الذي سيق لأجله الكلام و هو نفقة الزوجة على الزوج لا الكسوة مع الرزق في الحكم الخارج عن دلالة الآية و هو التمليك في الرزق، فانّه علم من دليل خارج لا من نفس الآية، و ذلك لأنّ الانتفاع على الاستهلاك، لا ينفك عن كون المنتفع ملكا للمنتفع، و هذا ممّا علم في الخارج لا من دلالة الآية.

2- ما رواه البيهقي عن النبيّ الأكرم صلى اللّه عليه و آله و سلم قوله: «و لهنّ عليكم رزقهنّ و كسوتهن» «1» قائلا بأنّ اللام للتمليك.

يلاحظ عليه:- بعد احراز صحّة

السند- أنّ المتبادر من اللام هو الاستحقاق كقوله سبحانه: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ (التوبة/ 60) نظير قوله سبحانه: وَ لَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ (البقرة/ 228).

و على ذلك فلا دليل على التمليك لا من جهة توقّف النفقة على التمليك، و لا من جهة دلالة الدليل الشرعي عليه، فيبقى في ملك الزوج ما لم يصرح بالتمليك.

و على ذلك تظهر الحال في الفروع التي ذكرها المحقّق و إليك بيانها:

1- لو أخلقت الكسوة قبل المدّة لم يجب عليه بدلها.

إذا أعطى الكسوة لمدّة تلبس في مثلها ستة أشهر تقديرا ... و اخلقت قبل ذلك بشهرين أو ثلاثة لم يكن عليه البدل كما لو سرقت كسوتها قبل انقضاء

______________________________

(1)- البيهقي: السنن: 7/ 304.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 372

المدّة «1» و ما ذكره دليل على أنّ المختار عنده هو الملك.

أقول: إنّ الكلام فيما إذا كانت مقصّرة في الأخلاق فعلى القول بالملك لا يجب لأنّه قام بواجبه، و إخلاقها قبل المدّة المعتادة لا يكون سببا لوجوب الإبدال، كما هو الحال في الطعام، إذا قصّرت في حفظها أو تصدّقت بها و أمّا على الإمتاع فالواجب عليه أن يستر عورتها، و كونها مقصرة يوجب ضمان قيمتها و الواجب على الزوج هو المثل فلا يكون مسقطا.

و أمّا إذا انتفى التقصير فالظاهر عدم الفرق بين القولين.

2- لو انقضت المدّة، و الكسوة باقية لرفقها بها طالبته بكسوة ما يستقبل.

قال الشيخ: متى جاءت المدّة و الثياب جيدة لم تبل و لم تخلق قال قوم ليس عليه تجديد الكسوة لأنّ ما عليها فيه كفاية و قال آخرون: عليه تجديدها، و هو الأقوى. «2»

و ذلك لأنّ ملكها ترتّب على المدّة المعتادة لها، كما لو استفضلت

من طعام يومها، و على القول بالامتاع لا تجب حتى يبلى عندها لبقائها على ملكها و المفروض صلاحيتها لاكتسائها.

و أورد عليه في الجواهر بأنّ بقاء الكسوة لو كان لاتفاق حسن الكسوة أمكن منع وجوب الإبدال على الملك أيضا، ضرورة انّ ملكها بها على جهة الإنفاق لا مطلقا، و لا تقدير للمدّة شرعا و إنّما كان الزوج يزعم بقاء الكسوة إليها، لا أكثر منها فمع فرض البقاء لا دليل على خطابه بالإنفاق.

يلاحظ عليه: أنّ الخطاب بالإنفاق و إن لم يكن مقدّرا بتقدير المدّة، لكن لمّا

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 9.

(2)- المصدر نفسه/ 10.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 373

جرت السيرة على التبديل بعد مضي مدّة، وجب عليه التبديل و إن كان الثوب باقيا و إلّا لم يجب التبديل لو استفضلت و ذلك بلبس غيرها مع انّه لا يقول به.

و هناك ثمرات لم يذكرها المحقّق نأت ببعضها:

3- إذا لم يكسها مدّة صارت الكسوة دينا عليه على الأوّل كالنفقة، و على الإمتاع لا يصير دينا.

4- يجوز له أخذ المدفوع إليها و يعطيها غيره على القول بالإمتاع و على القول بالتمليك لا يجوز ذلك إلّا برضاها.

5- لا يصحّ لها بيع المأخوذ و لا التصرّف فيه بغير اللبس إن قلنا بالإمتاع، و يصحّ على القول بالتمليك، إن لم يناف غرض الزوج من التزيّن و التجمّل.

6- جواز إعطائها الكسوة بالإعارة و الإجارة على تقدير القول بالتمليك دون القول بالإمتاع. «1»

هذه هي الثمرات المترتبة على القولين، مع خضوع بعضها للنقاش، و قد مضت أيضا في كلام السيد الاصفهاني- قدّس اللّه سرّه-.

و على كلا القولين لو سلّم إليها نفقة لمدّة ثمّ طلّقها قبل انقضائها و كان الطلاق بائنا، استعاد نفقة

الزمان المتخلف إلّا نصيب يوم الطلاق، من غير فرق بين المؤنة و الكسوة لما مرّ من أنّها لا تملك عندهم إلّا بتجدّد كلّ يوم في مقابل الزوجية فإذا لم يسلم بعض العوض استردّ ما بإزائه فملكها مراعى بسلامة العوض. و أمّا استثناء يوم الطلاق و ذلك لأنّها تملكها صبيحة ذلك اليوم، و لكن التفريق غير وجيه. لأنّه مشروط بتسليم العوض و المفروض عدم تسليمه كلّه فيستعاد بمقدار ما بقي من اليوم خصوصا إذا كانت باقية، إلّا إذا ادّعى الانصراف.

______________________________

(1)- البحراني: الحدائق: 25/ 126- 127.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 374

و أولى من المئونة، الكسوة فله استعادتها ما لم تنقض المدة المضروبة لها على الإمتاع و التمليك أمّا على الإمتاع فواضح لكونها باقية على ملك الزوج و أمّا على الملك، فلأنّ التمليك في مقابل الذي لم يسلم بعضه.

*** الرابعة: إذا دخل بها و استمرت تأكل معه و تشرب على العادة لم يكن لها مطالبته بمدّة مؤاكلته. و ذلك لصدق الإنفاق عليها مضافا إلى السيرة المستمرة.

إنّما الكلام في الفرع التالي:

هل لها الامتناع من المؤاكلة، و طلب أن يكون نفقتها بيدها، تفعل بها ما تشاء من أكل و غيره الظاهر من كلام غير واحد انّ لها ذلك و كأنّه أمر مسلّم بين الأصحاب. قال السيد الاصفهاني: كيفية الإنفاق بالطعام و الإدام إمّا بمؤاكلتها مع الزوج في بيته على العادة كسائر عياله، و إمّا بتسليم النفقة لها و ليس له إلزامها بالنحو الأوّل فلها أن تمتنع من المؤاكلة معه و تطالبه بكون نفقتها بيدها تفعل بها ما تشاء. «1»

و ما ذكره قابل للنقاش فانّه على خلاف السيرة المستمرة بين الناس، و ربما يطلب الامتناع من المؤاكلة،

نفقة كثيرة على الزوج خارجة عن استعداده، على أنّ الخطاب بالانفاق ناظر إلى ما هو المألوف، و منصرف عن غيره و الغاية من النكاح حصول السكينة، و تشكيل العائلة، و هو فرع وجود انسجام و تعطف بين الزوجين فتفرد كلّ واحدة، ينتج خلاف المطلوب و ليست المرأة مجردة العوبة، يلعب بها الزوج لغاية الاستمتاع، فإذا فرغ عنه، يسلك كلّ سبيله و الأولى أن يقال إنّ الاختيار بيد الزوج يختار أيّ واحد شاء.

______________________________

(1)- وسيلة النجاة: 2، فصل النفقات، المسألة 12.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 375

فروع أربعة:
1- لو تزوجها و لم يدخل بها

لو تزوّجها و لم يدخل بها و انقضت مدّة لم تطالبه بنفقة هل تجب النفقة قال المحقّق: «لا تجب على القول بانّ التمكين موجب للنفقة أو شرط فيها إذ لا وثوق بحصول التمكين لو طلبه».

يلاحظ عليه: أنّ مبناه كون العقد جزء السبب و التمكين شرطا له، مع أنّك عرفت انّ العقد هو السبب التام على وجه لو طلب، لأطاعته، غاية الأمر انّ النشوز مانع و مع السبب التام و عدم المانع لا وجه لعدم وجوب النفقة.

أضف إلى ذلك انّ عدم الوثوق بحصول التمكين لا يكون دليلا على عدم الشرط واقعا إذ من المحتمل انّه تمكّن نفسها لو طلبه فلا مجرى لأصل البراءة، مع إمكان الفحص و سهولته. كما هو الحال في كلّ مورد، يكون الفحص أمرا سهلا.

و الأولى أن يقال في وجه عدم الوجوب: إنّ القدر المتيقن من الأدلّة هو كون الزوجة في قبضته و هو فرع كونها في بيت الزوج أو على وجه كلّما طلب الاستمتاع أمكن لها الإجابة، و لأجل ذلك، لو أعلمت استعدادها للزفاف و لكن أخّر الزوج الزفاف فيجب الإنفاق لوجود السبب التام

و عدم الانصراف، فلو لا الإعلام بالاستعداد من جانبها، لا يتحقّق الشرط و هو كونها في قبضته و لو حكما فما ذكره المحقّق صحيح بهذا البيان.

2- لو غاب الزوج و لم يكن قد دخل بها

لو غاب الزوج و كانت غيبته بعد كونها في قبضته وجبت النفقة عليه مدّة غيبته.

و إن كانت غيبته قبل كونها في قبضته و ما في حكمها، لا تجب النفقة لما

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 376

علمت من أنّ القدر المتيقن هو كونها في قبضة الرجل و المفروض انّه غائب فكيف تكون في اختياره إلّا أن تقوم بعمل تحقّق معه كونها في اختياره و لو حكما كما سيوافيك فما لم يقم به لا نفقة لعدم الشرط. و هذا من غير فرق بين القول بأنّ التمكين شرط أو كون النشوز مانعا فإن أريد من شرطية التمكين كونها في قبضة الزوج أو ما في حكمها فنعم الوفاق، و إن أريد منه تصريحها بالتسليم فلا نسلّم كونه شرطا.

و لو حضرت عند الحاكم و أعلمت استعدادها للزفاف فلا يتحقّق الشرط إلّا بعد إعلامه و وصوله إليه و يكفي أيضا اعلامها بنفسها من دون توسط الحاكم.

فلو أعلمت فلم يبادر الزوج سقط عنه نفقة زمان قدر وصوله و ألزم بنفقة ما زاد لأنّ الامتناع حينئذ منه.

فإن قلت: إنّما يصحّ ذلك على القول بشرطية التمكين و أمّا على القول بأنّ العقد هو السبب التام بشرط الطاعة لو طلب فيجب في زمان الاعلام و إن لم يصل إليه.

قلت: قد عرفت انّ أدلّة النفقة منصرفة إلى كون الزوجة في قبضة الزوج واقعا أو حكما، و لا يصدق ذلك إلّا باعلامه و بلوغ الخبر، و مضي زمان أمكن وصوله إليه.

و بعبارة أخرى كون الزوجة في اختيار

الزوج و إن كان شرطا واقعيا لا علميا، لكنّه على وجه لا يصدق إلّا مع علمه، و تمكّنه منه و لأجل ذلك يتوقف على الاعلام و مضي مدّة الوصول.

3- لو نشزت الزوجة قبل غيبته

لو نشزت الزوجة و غاب الزوج و هي ناشزة ثمّ عادت إلى الطاعة فقال المحقّق: لم تجب النفقة إلّا بعد إعلامه و وصوله و لو اعلم فلم يبادر سقطت عنه

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 377

قدر وصوله و ألزم بما زاد. «1» و هو خيرة السيّد الاصفهاني. قال: لو نشزت ثمّ عادت إلى الطاعة لم تستحقّ النفقة حتى تظهرها و علم بها و ينقضي زمان يمكن الوصول إليها. «2»

و علله في المسالك بقوله: «إنّ الزوجة إذا نشزت مع حضور الزوج فغاب عنها و هي كذلك ثمّ عادت إلى الطاعة في غيبته لم تجب نفقتها إلى أن يعلم الزوج بعودها و ينقضي زمان يمكنه الوصول إليها أو وكيله لخروجها بالنشوز عن قبضته فلا يعود إلى أن يحصل تسلّم و تسليم مستأنفين و هما لا يحصلان بمجرّد عودها بذلك فإذا عاد إليها أو بعث وكيله و استأنفت تسليمها عادت النفقة.

يلاحظ عليه: بما مرّ من أنّ العقد سبب تامّ لوجوب الإنفاق بشرط الطاعة لو طلب و مرجعه إلى أنّ النشوز مانع فلو كان النشوز ملازما لخروجها عن اختياره كما إذا تركت البيت بلا إذنه و لم ترجع إليه و غاب الزوج و الحال هذه كان ما ذكره متينا لخروجها عن اختياره و لا تعود إلى اختياره و لو حكما إلّا بتغيّر الوضع و عودها إلى البيت. و لا يتحقّق العود إليه كونها في قبضته إلّا بعلمه بالعود و أمّا إذا لم يكن النشوز ملازما للخروج

عن اختيار الزوج كعدم إزالة المنفرات المضادّة للتمتع و الالتذاذ بها فغاب الزوج و الحال هذه ثمّ عالجت النشوز بالإزالة، فلا وجه للاعلام و انتظار الوصول، نعم لو كان النشوز بالخروج عن الاختيار كما مثلناه، كان لما ذكر وجه.

4- إذا ارتدت الزوجة

إذا ارتدت الزوجة في حضرة الزوج و هي في قبضته سقطت نفقتها لتحريم

______________________________

(1)- الشرائع: 3/ 350.

(2)- الاصفهاني: وسيلة النجاة، فصل النفقات، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 378

وطئها بارتدادها، و المانع من قبل الزوجة فإذا غاب الزوج و هي مرتدة مدخولا بها، فعادت إلى الإسلام و هو غائب فذهب الشيخ و المحقّق إلى أنّه تعود نفقتها عند إسلامها من دون حاجة إلى الاعلام و الوصول إلى الزوج و مضي المدّة.

قال الشيخ: إذا ارتدت زوجته سقطت نفقتها على ما بيّنا، فإن غاب زوجها قبل ان عادت إلى الإسلام ثمّ أسلمت و هو غائب عادت نفقتها، لأنّ علّة سقوطها هي الردة، و قد زالت.

فأمّا إن نشزت امرأته سقط نفقتها، فإن غاب قبل أن أطاعته و عادت إلى بيته و هو غائب لم تعد نفقتها، حتى تكتب إليه بذلك، ليعود هو أو وكيله بقبضها.

و الفصل بينهما انّ علّة سقوط نفقة المرتدة الردة، فإذا زالت، زالت العلّة، و العلّة في الناشز خروجها عن قبضته و امتناعها عليه، فلا تعود النفقة حتى تعود إلى قبضته أو بأن تمكّنه ردّها إلى قبضته فلا يفعل فلهذا لم تعد نفقتها. «1»

و إلى ما ذكره الشيخ، يشير المحقّق بقوله: «لأنّ الردة سبب السقوط و قد زالت، و ليس كذلك الأولى الناشزة لأنّها بالنشوز خرجت عن قبضته فلا تستحق النفقة إلّا بعودها إلى قبضته.

و ما ذكره حقّ في الردة على الإطلاق

و لكن الحقّ التفصيل في النشوز بين المخرج عن القبضة و غيره كما عرفت.

نعم أشكل في المسالك في المقام و قال: «الارتداد مانع شرعي من الاستمتاع و قد حدث من جهتها و متى لم يعلم الزوج بزواله فالواجب عليه الامتناع منها و إن حضر و لا يكفي مجرّد كونها في قبضته مع عدم العلم بزوال المانع الذي جاء من

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 18.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 379

قبلها فأسقط النفقة.

أقول: الظاهر وجود الفرق بين النشوز المخرج عن «كون الزوجة عنده» فانّ عود النفقة يتوقف على حصول «كونها عنده» و لا يحصل ذلك إلّا بعلم الزوج بارتفاع النشوز، و بين الردة فانّها لا تخرجها عن كونها عنده غاية الأمر انّها مانعة عن جواز الوطء، فإذا زال المانع عاد جواز الوطء و كونه غير عالم بارتفاع المانع و عود الجواز مستند إلى غيبته و سفره لا إليها.

فتلخص من جميع ما ذكرنا من أنّ منصرف الأدلّة هو كون الزوجة عند الزوج و في قبضته و اختياره ففي الفرع الأوّل: إذا غاب و لم يكن الشرط حاصلا، فحصوله يتوقف على الاعلام و وصوله إليه و مضيّ زمان يتمكن من الوصول إليها و أمّا الفرع الثاني فالنشوز الذي يوجب خروجها عن كونها «عنده و في قبضته و اختياره» يتّحد حكمه مع الفرع الأوّل، لا ما إذا لم يكن مخلا بهذا الشرط كأن تظهر عبوسا و تقطّبا في الوجه و تثاقلا في الكلام.

و أمّا الفرع الثالث فبما انّ الردة، ليست مخلا للشرط، و إنّما هو مانع عن جواز الاستمتاع فإذا عادت إلى الإسلام يعود الوجوب، و عدم علمه بإسلامها لا يخرجه عن تحت الأدلّة لأنّ القصور

مستند إليه.

المسألة الخامسة: في المطلّقة البائن المدّعية للحمل

إذا ادّعت المطلّقة البائن أنّها حامل من دون أن يتبين صدق قولها، ففيه قولان:

1- صرفت النفقة إليها يوما فيوما فإن تبيّن الحمل و إلّا استعيدت، و هو خيرة المحقّق.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 380

2- أريت القوابل فإن شهدن بأنّها حامل، اطلق النفقة من حين الطلاق إلى حين الشهادة، ثمّ لها يوما بيوم حتى يتبيّن أمرها فإن بانت حاملا فقد استوفت حقّها، و إن بانت حائلا فعليها ردّ ما أخذت. «1»

استدل للوجه الأوّل بأنّ فيه جمعا بين الحقّين و حقّ الزوج على تقدير تبين عدمه فينجبر بالرجوع عليها و لو لا قبول قولها لأدّى إلى الإضرار مع حاجتها إلى النفقة.

يلاحظ عليه: بأنّ في الوجه الثاني أيضا جمعا بين الحقوق فلا وجه لتركه و الأخذ بالأوّل خصوصا إذا أجريت عليها فحوص طبّية رائجة في زماننا هذا و ربما تتبين الحال بشكل واضح و لو قلنا بالوجه الأوّل فالأولى أن تطالب بكفيل لجواز ظهور خلاف ما ادّعته.

ثمّ إنّ المشهور انّه لا نفقة للبائن إلّا المطلّقة الحامل، و ذلك لأنّ أسباب النفقة منحصرة في الثلاثة: الزوجية، و القرابة و الملك و ليس في البائن بغير طلاق الحامل شي ء منها، و أمّا البائن الحامل المطلّقة فقد خرجت بالنص «2» كما عرفت.

نعم يظهر من كلام الشيخ عمومية الحكم لكلّ بائن حامل و إن كان فراقها بغير طلاق قال: «فأمّا ما كان مفسوخا مثل نكاح الشغار عندنا، و عندهم مثل المتعة و النكاح، بلا وليّ و شاهدين- إلى أن قال:- و كذلك لا نفقة لها بعد الفرقة إذا كانت حائلا و إن كانت حاملا فلها النفقة عندنا لعموم الأخبار و من قال إنّ النفقة للحمل قال:

فهاهنا النفقة لأنّه ولده و من قال النفقة للحامل قال:

لا نفقة هاهنا لانّ النفقة يستند إلى نكاح له حرمة و لا حرمة هاهنا إذا وقع

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 25 ذكره قولا و لم يظهر كونه مختاره و إن نسب إليه في الجواهر: 31/ 358.

(2)- الوسائل: 15، الباب 7 و 8 من أبواب النفقات، و الآية الكريمة من سورة الطلاق/ 6.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 381

فاسدا. «1»

يلاحظ عليه: بأنّ ما أشار إليه من الأخبار كلّها مقيّدة بالطلاق إلّا رواية محمّد بن قيس حيث روى عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «الحامل أجلها أن تضع حملها و عليه نفقتها بالمعروف حتى تضع حملها». «2» و الإطلاق منصرف إلى المطلّقة لقلّة البائن من غير طلاق. و أمّا تسرية الحكم إلى البائن غير المطلّقة، لأجل كون الملاك في الإنفاق هو الحمل، فلم يثبت كونه للحمل.

المسألة السادسة: في الاختلاف في تقدّم الوضع على الطلاق أو بالعكس

إذا طلّقت الحامل رجعية فادّعت أنّ الطلاق بعد الوضع و أنكره هو قال المحقّق: القول قولها. و مع ذلك لا يجوز للزوج الرجوع أخذا بإقراره.

و لو انعكس الفرض بأن ادّعى هو تأخير الطلاق لإرادة إثبات حقّ الرجعة بها و أنكرت هي و ادّعت انّه كان قبل الوضع، كان القول قوله بيمينه- و مع ذلك- ليس للزوجة المطالبة بنفقتها لاعترافها بعدم استحقاقها. «3»

تحقيق كلامه هو أن يقال إنّ للمسألة صورا ثلاث:

1- أن يكون كلّ من الوضع و الطلاق مجهولي التاريخ، فالأصلان إمّا غير جاريين، أو متعارضين و متساقطين على فرض الجريان، فيكون المرجع بقاء العدة أو بقاء كونها معتدة فالقول قول من يدّعي بقاء العدة و هو الزوجة في الصورة الأولى، و الزوج في الثانية.

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 24.

(2)- الوسائل:

15، الباب 7 من أبواب النفقات، الحديث 3.

(3)- النجفي: الجواهر: 31/ 363.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 382

2- أن يكون تاريخ الطلاق معلوما و تاريخ الوضع مجهولا فقد قلنا في محلّه أنّ الأصل لا يجري في الحادث المعلوم لعدم الشكّ في ظرف تحقّقه، فلا يقبل التأخّر، فيختص الجريان بمجهول التاريخ فيكون الأصل عدم الوضع إلى زمان الطلاق، و لكنّه لا يثبت التقارن و لا التأخّر. لانّهما من لوازمه العقلية، فيكون المرجع أيضا هو بقاء العدّة أو كونها معتدة.

3- عكس المفروض الثاني، و الحكم في الثالث كالحكم في الثاني حرفا بحرف.

هذا و قد عنون الشيخ المسألة في المبسوط «1» و أوضحنا مرامه في محاضراتنا في الطلاق فراجع. «2»

المسألة السابعة إذا كان له على زوجته دين و امتنعت عن أدائه

مع كونها موسرة جاز للزوج أن يقاصّها يوما فيوما، و لا يجوز له ذلك مع عدم امتناعها، لأنّ التخيير في كيفية القضاء مفوض إلى المديون فإذا حاول أداء دينه من غير طريق التقاص، لم يكن للدائن، طلبه من غير هذا الطريق.

و إنّما قلنا مع كونها موسرة، لأنّ اعسارها يمنع عن طلب الدين حتّى تكون متمكّنة منه و إنّما يقضى الدين ممّا يفضل عن المؤنة، و منها القوت.

المسألة الثامنة إذ وجب على الإنسان الإنفاق على أشخاص

فإن وفى ماله فعليه الإنفاق

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 5/ 241، كتاب العدد.

(2)- نظام الطلاق: 286- 287.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 383

على الجميع و إن لم يف ابتدأ بنفقة نفسه، لأنّ نفقتها مقدّمة على جميع الحقوق من الديون و غيرها من أموال المعاوضات، فإن فضل منه نفقة واحدة و دار الأمر بين نفقة الزوجة و نفقة بعض الأقارب فالمعروف تقديمها على غيرها.

قال الشيخ: «إذا كان موسرا و له زوجة و من ذوي الأحارم من تجب عليه نفقته، فإن فضل ما يكفي الكلّ أنفق على الكلّ، و إن فضل ما يكفي أحدهم فالزوجة أحقّ، لأنّ نفقتها على سبيل المعاوضة، و نفقة ذوي الأرحام مواساة، و المعاوضة أقوى بدلالة أنّ الزوجة تستحقّ مع يسارها و إعسارها و الوالد إذا كان موسرا لا نفقة له، و تستحق مع يسار الزوج و إعساره، و الولد لا نفقة له على أب معسر. «1»

و بالإمعان في دليل الشيخ يظهر عدم ورود الاعتراض عليه الذي نقله في المسالك و قال: «و اعترض بأنّ نفقتها إذا كانت كذلك كانت كالديون و نفقة القريب مقدمة على الديون كما علم في باب المفلس، و يؤيّده ما روى عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و

سلم من أنّ رجلا جاء إلى النبيّ فقال: معي دينار فقال: «أنفقه على نفسك» فقال:

معي دينار فقال: «أنفقه على ولدك، فقال: معي آخر فقال: «أنفقه على أهلك»، فقال: معي آخر فقال: «أنفقه على خادمك» فقال: معي آخر، فقال: «أنفقه في سبيل اللّه». «2» فقدم نفقة الولد على الأهل. «3»

و ذلك لأنّ مبدأ البرهان في كلام الشيخ ليس كونه دينا حتى يرد عليه، بأنّ نفقة الأقارب مقدمة على الدين بل مبدأ البرهان انّ نفقة الزوجة من باب المعاوضة و هو تسليم نفسها للاستمتاع، فما ينفقه عوض عن المعوّض الحاضر لا الفائت

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 35.

(2)- البيهقي: 7/ 466 و رواه الشيخ في المبسوط: 6/ 3 باختلاف يسير في الذيل.

(3)- زين الدين العاملي: المسالك: 1/ 646.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 384

حتى يكون من قبل الدين، أضف إلى ذلك أنّ اهتمام الشارح بالإنفاق على الزوجة في حال الاعسار و اليسار في كلا الحالتين، بخلاف الإنفاق على الوالد، فانّه يخصّ بحالة إعساره، لا يساره، و يسار الولد المنفق، لا إعساره و هذا يكشف تقدّم نفقتها على غيرها و الحديث لم يثبت عندنا بسند يحتج به.

تمّ الكلام في نفقة الزوجة

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 385

في نفقة الأقارب و فيه مسائل:
الأولى: الإنفاق على الوالدين و الأولاد

لا خلاف و لا إشكال في وجوب الإنفاق على الأبوين و إن ارتفعا، و الأولاد، و إن سفلوا، و لم يظهر خلاف منهم إلّا أنّ المحقّق تردد في الشرائع و النافع، ثمّ جزم بالحكم.

و أمّا أهل السنّة فقد ذكر الشيخ آراءهم في الخلاف في ضمن مسألتين فقال:

1- تجب النفقة على الأب و الجدّ معا و به قال الشافعي و أبو حنيفة و قال مالك: لا

تجب النفقة على الجدّ كما لا تجب على الجدّ النفقة عليه (ولد الولد).

2- يجب عليه أن ينفق على أمّه و أمهاتها و إن علون و به قال أبو حنيفة و الشافعي، و قال مالك: لا يجب عليه أن ينفق على أمّه. دليلنا إجماع الفرقة و أخبارهم و أيضا قوله تعالى: وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً (لقمان/ 15) و هذا من المعروف، و روي عن النبيّ انّ رجلا قال: يا رسول اللّه: من أبرّ؟، قال: «أمّك»، قال: ثمّ من؟! قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟! قال: «أمّك» قال: ثمّ من؟ قال:

«أباك» فجعل الأب في الرابعة فثبت انّ النفقة عليها واجبة. «1»

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3، كتاب النفقات، المسألة 24 و 25.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 386

فظهر انّ المخالف هو مالك حيث استثنى الجد و فوقه. و استثنى الأمّ و من فوقها.

________________________________________

تبريزى، جعفر سبحانى، نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، دو جلد، قم - ايران، اول، ه ق نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء؛ ج 2، ص: 386

و قد استفاضت النصوص على وجوب النفقة على الأبوين و الأولاد جميعا ففي صحيح جميل قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد «1» و الحديث و إن كان موقوفا غير مسند إلى الإمام لكن اليقين حاصل على أنّه أخذه من الإمام و في صحيح حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قلت له: من الذي أجبر عليه و تلزمني نفقته؟ قال: الوالدان و الولد، و الزوجة. 2 إلى غير ذلك من النصوص، و أمّا دخول من علا من الآباء و الأمّهات أو سفل من الأولاد، فلأجل صدق الآباء و الأمّهات و الأولاد عليهنّ صدقا حقيقيا،

كصدقها عليهم في باب الميراث و إن كان الأقرب يمنع الأبعد، لكنّهم يرثون بملاك الأبوة و الأمومة و البنوّة كيف و قد سمّى سبحانه إبراهيم أبا للعرب و قال: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰاهِيمَ (الحج/ 78) مضافا إلى أنّه مقتضى الجمع بين ما يدلّ على انّه لا يعطى الجدّ و الجدّة من الزكاة، و ما دلّ من النصوص على حرمتها لواجبي النفقة فيستكشف أنّ ملاك النهي هو كونهما واجبي النفقة.

روى زيد الشحام عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: في الزكاة يعطى منها الأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة، و لا يعطى الجدّ و لا الجدّة. «3» و عن صحيح عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا:

الأب و الأمّ و الولد و المملوك و المرأة و ذلك انّهم عياله، لازمون له. 4

نعم لا تجب على غير العمودين من الأقارب كالإخوة و الأخوات و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات و غيرهم. و يدلّ عليه الحصر الوارد في النصوص و قد

______________________________

(1) و 2- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 2 و 3.

(3) و 4- الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقين، الحديث 3 و 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 387

مرّ روايتا جميل و حريز، و قد اتخذ جميل بن دراج «الحصر» الوارد في الروايات سندا لعدم وجوب الإنفاق على الأخت، و الحديث يعرب عن وجود الاجتهاد بين أصحاب الإمام الصادق و جميل من احداث أصحابه عليه السّلام.

روى ابن أبي عمير عن جميل بن دراج قال: لا يجبر الرجل إلّا على نفقة الأبوين و الولد. قال

ابن أبي عمير قلت لجميل: و المرأة؟ قال: قد روى عنبسة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «إذا كساها ما يواري عورتها و يطعمها ما يقيم صلبها أقامت معه و إلّا طلّقها» قلت: فهل يجبر على نفقة الأخت؟ فقال: لو أجبر على نفقة الأخت كان ذلك على خلاف الرواية. «1»

و يؤيّد ذلك ما عرفت من رواية زيد الشحام الدالّة على جواز إعطاء الزكاة للأخ و الأخت و العمّ و العمّة و الخال و الخالة. «2»

ثمّ إنّ الشيخ نقل آراء المذهب الأربعة في الخلاف في وجوب النفقة على الأقارب فانّهم على أصناف، فمن مضيّق كمالك مقتصر على الوالد و الولد و لا يتجاوز بهما، إلى موسع نسبيا كالشافعي يقف على الوالدين و المولدين و لا يتجاوز فعلى كلّ أب و إن علا و على كلّ أمّ و إن علت «و كذلك كلّ جد من قبلها و جدة أو قبل الأب» «3» و على المولدين من كانوا من ولد البنين أو البنات و إن سفلوا فالنفقة تقف على هذين العمودين و لا تتجاوز.

إلى موسّع أكثر كأبي حنيفة فانّه قال يتجاوز عمود الوالدين و المولودين فتدور على كلّ ذي رحم محرّم بالنسب فتجب على الأخ لأخيه، و أولادهم و الأعمام و العمات و الأخوال و الخالات دون أولادهم لانّه ليس بذي رحم محرم بالنسب، إلى

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 4.

(2)- الوسائل: 6، الباب 13 من أبواب المستحقين، الحديث 3.

(3)- لا يخفى عدم الحاجة إلى ما بين الجيومتين للاستغناء عنه بما تقدّم من «علا» و «علت» فلاحظ.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 388

موسّع عظيم و هو مذهب عمر بن الخطاب

و انّها تجب على من عرف بقرابته منه- ثمّ قال:- و الذي يقتضيه مذهبنا ما قاله الشافعي لانّ أخبارنا واردة متناولة بأنّ النفقة تجب على الوالدين و الولد. و إن كان قد روي في بعضها انّ كلّ من ثبت بينهما موارثة تجب نفقته و ذلك على الاستحباب. «1»

و لعلّه يشير إلى ما ورد في صحيح الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال قلت:

من الذي أجبر على نفقته؟ قال: «الولدان، و الولد و الزوجة و الوارث الصغير». «2»

أو ما في خبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتي أمير المؤمنين عليه السّلام بيتيم فقال: «خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه». «3»

و الروايتان محمولتان على الندب لما عرفت من استفاضة النصوص على الحصر- و استقرار المذهب عليه في جميع الأعصار فيكون الإنفاق على غير من ورد في الحصر من باب صلة الرحم الذي قال سبحانه: وَ اتَّقُوا اللّٰهَ الَّذِي تَسٰائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحٰامَ (النساء/ 1) مضافا إلى ما في مرفوعة زكريا المؤمن. «4» و تفسير الإمام العسكري عليه السّلام.

بقي الكلام في تفسير قوله سبحانه: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ الوارد في الآية التالية: وَ عَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَ كِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لٰا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلّٰا وُسْعَهٰا لٰا تُضَارَّ وٰالِدَةٌ بِوَلَدِهٰا وَ لٰا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ (البقرة/ 233) حيث استدل به على قول أبي حنيفة قال الشيخ: فأوجب سبحانه على الوارث مثل ما أوجب على الوالد. و قال عليه السّلام: «لا صدقة و ذو رحم محتاج» 5

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف 3، كتاب النفقات، المسألة 31.

(2)- الوسائل: 15، الباب 1 من أبواب النفقات، الحديث 9 و

10.

(3)- الوسائل: 15، الباب 11 من أبواب النفقات، الحديث 4.

(4) و 5- الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب النفقات، الحديث 1، 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 389

و المهم هو الوقوف على المراد من المماثلة أمّا من جانب الروايات ففي صحيح الحلبي: انّه نهى أن يضارّ بالصبي أو يضار أمّه في الرضاعة، و ليس لها أن تأخذ في رضاعه فوق حولين كاملين. «1»

و في مرسلة العياشي عن أبي الصباح قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن قول اللّه: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ قال: «لا ينبغي للوارث أن يضار المرأة فيقول:

لا أدع ولدها يأتيها، يضار ولدها إن كان لهم عنده شي ء و لا ينبغي أن يقتر عليه». «2»

و على هذين الروايتين لا صلة للآية بالإنفاق على الوارث.

و في مرسلة أخرى للعياشي عن محمد بن مسلم عن أحدهما قال: سألته عن قوله: وَ عَلَى الْوٰارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ قال: «هو في النفقة على الوارث مثل ما على الوالد». 3 و هو كلام مجمل لا يعرب عن شي ء واضح.

و أمّا ظاهر الآية فقد استظهر صاحب الجواهر انّ الوارث كناية عن الصبي أي عليه في ماله الذي ورثه من أبيه مثل ما كان على أبيه من الإنفاق بالمعروف على أمّه. «4» و لكنه استنباط لا يدل عليه ظاهرها.

***

المسألة الثانية: في اشتراط الفقر في الأقارب
اشارة

تفترق الزوجة عن الأقارب بأنّه يجب عليها الإنفاق و إن كانت غنيّة، فلا يشترط في استحقاق الزوجة النفقة، فقرها و احتياجها فعلى زوجها الإنفاق

______________________________

(1)- البحراني: البرهان: 1/ 484، الحديث 1.

(2) و 3- الوسائل: 15، الباب 12 من أبواب النفقات، الحديث 4، 3.

(4)- الجواهر: 31/ 369.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 390

و بذل

مقدار النفقة و إن كانت من أغنى الناس لما عرفت من أنّها باب المعاوضة للشي ء الحاضر و هذا بخلاف الأقارب، فيشترط في وجوب الإنفاق، الفقر فالأب الفقير و الأمّ الفقيرة و الأولاد الفقراء هم الذين يجب الإنفاق عليهم. لانصراف الأدلة إلى غير صورة الغنى.

إنّما الكلام في انّه هل يشترط المنفق عليه- مع ذلك- العجز عن الاكتساب اللائق بحاله، ظاهر الأصحاب هو الاشتراط لأنّ النفقة معونة على سدّ الخلّة و المكتسب قادر فهو كالغني و لذا منع من الزكاة و الكفّارة المشروطة بالفقر فعن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلم «لا تحلّ الصدقة لغني و لا لقويّ مكتسب». «1»

نعم يعتبر في الكسب كونه لائقا بحاله عادة، فلا يكلّف من كان شريف القدر و العالم بالكنس و الدباغة. و لو أمكن للمرأة التزويج بمن يليق بها و تقوم بنفقتها فهل هي بحكم القادر أو لا؟ الظاهر لا، لأنّ الظاهر هو القادر بالفعل، لا بالقوّة كما ستوافيك نظائره.

إذا أمكن له الاكتساب عن طريق الاقتراض و الاستعطاء و السؤال، فهل يمنع ذلك عن وجوب الإنفاق عليه، الظاهر لا خصوصا إذا كان غير لائق بشأنه فإن تكلّفها و سدّ الخلة و الحاجة فلا تجب الإنفاق و إلّا فينفق عليه.

و لو أمكن له الاكتساب بالقوة، بمعنى أنّه يقتدر على تعلّم الكتابة و الصياغة أو التجارة و لكن ترك التعلم فبقي بلا نفقة، فينفق عليه.

و لو أمكن له الاكتساب بالفعل كالحائك و النجّار و الكاتب و لكن ترك ذلك طلبا للراحة فلا يجب الإنفاق، لكونه قادرا بالفعل على سدّ حاجته.

______________________________

(1)- النوري: المستدرك: 7، الباب 6 من أبواب المستحقين للزكاة، الحديث 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 391

و

اعلم أنّ المراد من القريب الفقير، هو من لا يملك قوته فعلا، فمن ملك في الصيف دون الشتاء لا يجب الإنفاق ما لم يدخل الشتاء و ذلك لأنّ الوجوب يتجدد يوما فيوما فما لم يتجدد الشتاء فلا يجب الإنفاق، فهو قبل الشتاء مالك بالفعل لنفقته و أمّا الشتاء فليس تكليف بالنسبة إليه و هذا بخلاف الفقير في باب مستحق الزكاة، فهو من لا يملك قوت سنته لا فعلا و لا قوّة، فلو ملك في فترة من السنة دون فترة، فيجوز له أخذ الزكاة حتى في الفترة التي يملك فيها قوته فيها و إن كان لا يجب عليه الإنفاق، و السبب ما عرفت من أنّ الوجوب في باب النفقة يتجدد يوما فيوما بخلاف الزكاة فانّ الموضوع فيها من لا يملك قوت السنة لنفسه و عياله لا قوت يومه.

و لذلك يقول السيد الاصفهاني: «يشترط في وجوب الإنفاق على القريب فقره و احتياجه بمعنى عدم وجدانه لما يتقوى به فعلا فلا يجب إنفاق من قدر على نفقته فعلا، و إن كان فقيرا لا يملك قوت سنته و جاز له أخذ الزكاة و نحوها. «1»

ليس نقصان الخلقة و الحكم شرطا

لا عبرة بنقصان الخلقة بعمى و إقعاء و لا بنقصان الحكم بجنون أو صغر، و إنّما الملاك هو الفقر و العجز عن الكسب و يظهر الاشتراط من غيرنا، قال الشيخ: «الوالد إذا كان كامل الأحكام مثل أن يكون عاقلا و كان كامل الخلقة بأن لا يكون زمنا إلّا انّه فقير محتاج، وجب على ولده أن ينفق عليه و للشافعي فيه قولان: أحدهما مثل ما قلناه، و الثاني: لا يجب عليه.

و قال أيضا: «الولد إذا كان كامل الأحكام و الخلقة و كان معسرا وجب على

والده أن ينفق عليه و للشافعي فيه طريقان: أحدهما أنّ المسألة على قولين كالأب،

______________________________

(1)- الاصفهاني: الوسيلة: القول في نفقة الأقارب، المسألة 2.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 392

و منهم من قال ليس عليه أن ينفق عليه قولا واحدا لأنّ حرمة الأب أقوى لأنّه يقاد بوالد و لا يقاد بولد. «1»

ليس الكفر و الفسق مانعين

لا يشترط الإسلام و العدالة فيجب الإنفاق و لو كان كافرا أو فاسقا، لإطلاق الأدلّة كيف و قد أمر سبحانه مصاحبتهما بالمعروف مع كونهما مشركين قال تعالى:

وَ صٰاحِبْهُمٰا فِي الدُّنْيٰا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنٰابَ إِلَيَّ (لقمان/ 15) و أمّا النهي عن موادّة من حادّ اللّه و رسوله من غير فرق بين الآباء و الأبناء و الأخوال و العشيرة و غيرهم. فليس الإنفاق منها لأنّ المراد هو الموالاة في الدين و هو الذي لا يجتمع مع الإيمان، و أمّا المواساة و المودة بما أنّهما العمودان، فهو أمر فطري، لا ينازعه التشريع الإلهي، نعم قد نقل من الفخر أنّه جعل الكفر مانعا من الوجوب و لم نعثر عليه في موضعه من الإيضاح قال العلّامة في المتن: «و لا يشترط الموافقة في الدين بل تجب نفقة المسلم على الكافر و بالعكس». «2» و لم يعلق الفخر عليه شيئا.

اشتراط قدرة المنفق

قد تقدّم أنّه لو حصل له قدر كفايته خاصة اقتصر على نفسه المقدّمة على غيرها، شرعا و عادة، فإن فضل منه شي ء فلزوجته، و إن فضل منه شي ء فللأبوين و الأولاد.

أمّا سدّ خلة نفسه فيجب عليه بأيّ وسيلة حتى بالاستعطاء و السؤال، و الاكتساب غير اللائق بشأنه فضلا عن اللائق لصيانة النفس عن الهلكة.

______________________________

(1)- الطوسي: الخلاف: 3/ كتاب النفقات، المسألة 26 و 25.

(2)- فخر الدين: الايضاح: 3/ 285.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 393

و أمّا الإنفاق على الزوجة و الأولاد فلو توقف على الكسب اللائق بشأنه و حاله يجب من غير فرق بين الزوجة و الأقارب كالولد و الأبوين لكونه متمكنا و قادرا عرفا، و التكليف فرع القدرة العرفية، نعم لا يجب عليه التوسل إلى

تحصيله بمثل الاستيهاب و السؤال لانصراف الأدلة عن مثل هذه القدرة، نعم يدخل فيها ما إذا أمكن له الاقتراض أو الشراء نسيئة بشرط أن يتمكن من الوفاء من دون مشقة.

و ربما يحتمل أنّ وجوب الإنفاق في الأقارب مشروط بالغنى لا بالقدرة لقوله سبحانه: لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَ مَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّٰا آتٰاهُ اللّٰهُ (الطلاق/ 7) و لم يقل فليكتسب.

يلاحظ عليه:

أوّلا: الآية بصدد بيان كيفية الإنفاق و قدره لا لبيان وجوبه حتى يصحّ ما ذكره.

و ثانيا: انّ قوله سبحانه في ذيلها: لٰا يُكَلِّفُ اللّٰهُ نَفْساً إِلّٰا مٰا آتٰاهٰا بمعنى «اقدرها» و القادر على التكسب بما يليق بشأنه، داخل فيه، و لو وقف الإنفاق على بيع شي ء ممّا يتملكه كالعقار و غيره فيجب عليه البيع.

لا تقدير في الإنفاق

لا تقدير في نفقة الأقارب بل الواجب قدر الكفاية من الطعام و الإدام و الكسوة و السكنى مع ملاحظة الحال و الشأن و الزمان و المكان و لو كان هناك قول بالتقدير فإنّما كان في الزوجة اعتمادا على صحيح شهاب بن عبد ربّه «1» لكونه

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 2 من أبواب النفقات، الحديث 1.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 394

مقتضى إطلاق الأدلّة و لو كان تقدير معين لزم التصريح.

نعم فرق بين الزوجة و الأقارب بوجوه:

1- اشتراط الحاجة في الأقارب دون الزوجة.

2- انّ الإنفاق في المقام إمتاع فلا تملك الأقارب المأكول و الملبوس بخلاف الزوجة.

إذا لم تقم الزوج بواجبه تتعلّق بذمته في الزوجة دون الأقارب.

في إعفاف من تجب نفقته

المراد من الإعفاف أن يصيره ذا عفة إمّا بتزويجه أو إعطاء شي ء يتزوج به أو بتمليك جارية من غير فرق بين الولد أو الوالد في ذلك فالظاهر عدم وجوبه لأنّ الأدلة منصرفة إلى الإنفاق المتعارف.

ربما يحكي عن غيرهم القول بالوجوب للأب و إن علا، لكونه من أهمّ المصاحبة بالمعروف المأمور بها في الآية و لأنّه من حاجاته المهمّة فيجب على الولد القيام به.

يلاحظ على الأوّل: أنّ القدر المتيقن من المصاحبة بالمعروف، هو أن لا يكون الاختلاف في الدين سببا للعقوق و الخشونة بل يعامل معهما معاملة الرفق. و أين هذا من الإعفاف و لو قلنا بسعة معنى المصاحبة فيدخل فيها، الإنفاق المتعارف المقيم للظهر، و الساتر للعورة و أمّا وجوبه من باب أداء حاجاته فللقول به مجال لكن بشرط أن يكون على وجه لو لا التزويج لما استقامت حياته، يقول السيد الاصفهانى: لا تجب إعفاف من وجبت نفقته ولدا كان أو والدا ... و إن كان أحوط

مع حاجته إلى النكاح و عدم قدرته على التزويج و بذل الصداق خصوصا في الأب.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 395

نعم ورد في بعض الروايات انّ من حقوق الأولاد على الآباء التزويج «1» و لكنّه محمول على الاستحباب.

الإنفاق على زوجة الأب و أولاده

لا يجب الإنفاق على أولاد الأب لكونهم إخوة المنفق، و قد مرّ عدم وجوبه على حواشي النسب و أمّا زوجته، فلو كانت أمّه فيجب الإنفاق بملاك الأمومة. لا الزوجية، و إن لم تكن كذلك كما هو المفروض، فلا يجب الإنفاق لعدم الدليل لانحصاره في الزوجة و الأبوين و الأولاد، نعم لو كانت من جملة مئونته و ضرورته فيجب الإنفاق بهذا الملاك لا بما انّها زوجة الأب.

الإنفاق على ولد الولد

قد عرفت أنّه لا يجب على الولد الإنفاق على أولاد الأب، لكونهم إخوة المنفق و لكن تجب على الأب الإنفاق على أولاد الولد لكونهم أولادا له حقيقة، إذا كان الولد معسرا.

***

المسألة الثالثة: نفقة الأقارب لا تقضى

اشتهر بين الأصحاب انّ نفقة الأقارب إذا فاتت يوما أو أيّاما سقطت و لا تقضى بخلاف الزوجة فانّها تقضى.

قال الشيخ: «و نفقة الأقارب تجب يوما بيوم، فإن فات ذلك اليوم قبل الدفع، سقطت، و نفقة الزوجة يستحقّ أيضا يوما بيوم فإن مضى الزمان استقرّت

______________________________

(1)- راجع الوسائل: 15/ 200، الباب 86 من أبواب أحكام الأولاد، الحديث 9، و المستدرك:

15/ 166 ح 3.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 396

لما مضى. و الفصل بينهما أنّ نفقة الزوجات تجب على وجه المعاوضة و نفقة الأقارب على وجه المواساة». «1»

و قال ابن البرّاج في تقديم نفقة الزوجة على الأقارب: «و إن فضل ما يكفي أحدهم كانت الزوجة أحقّ بها لأنّ نفقتها على سبيل المعاوضة، و نفقة ذوي الأرحام مواساة، و المعاوضة أقوى، لانّها تستحق مع إعسارها و يسارها، و الوالد إذا كان موسرا لا نفقة له، و تستحق مع يسار الزوج و إعساره، و الولد لا نفقة له على أب معسر». «2».

و قال المحقّق: «لا تقضى نفقة الأقارب لأنّها مواساة لسدّ الخلّة فلا تستقر في الذمة و لو قدرها الحاكم». «3»

و قال السيد الاصفهاني: «لا تقضى نفقة الأقارب، و لا يتدارك لو فات في وقته و زمانه، و لو بتقصير من المنفق و لا يستقرّ في ذمّته بخلاف الزوجة». «4»

و الحكم بعدم القضاء مقتضى الفروع المذكورة في نفقة الأقارب التي أشار إلى بعضها صاحب المهذب، لكن القدر المسلم من الإجماع ما إذا كانت الفائت

للضيافة و التقتير و التعسر، لا ما إذا استقرض و دفع الحاجة، فانّ القول بعدم القضاء خلاف الأصل المسلّم في كلّ حقّ ماليّ لآدميّ، و لأجل ذلك ذهب صاحب الجواهر إلى القضاء في هذه الصورة و لا تخلو من قوة.

و لو امتنع من عليه النفقة من أدائها أجبره الحاكم، فإن امتنع من الدفع فإن كان له مال، و كان نقدا يبذل منه بقدر النفقة، و إن كان عروضا أو عقارا باعه

______________________________

(1)- الطوسي: المبسوط: 6/ 35.

(2)- ابن البراج: المهذب: 2/ 351.

(3)- نجم الدين: الشرائع: 2/ 574.

(4)- السيد الاصفهاني: الوسيلة: 364.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 397

الحاكم و دفع من ثمنه بقدر النفقة، و إن لم يكن له مال في متناول الأيدي أمره الحاكم بالاستدانة على المنفق الممتنع، فإذا استدان وجب عليه القضاء لكون الحاكم وليّ الممتنع و لو تعسّر الحاكم قام مقامه عدول المؤمنين و لو تعذّر جاز للمنفق عليه الاستدانة بنيّته، دفعا للحرج.

هذا من غير فرق بين المنفق الحاضر و الغائب.

و الظاهر أنّ الواجب على الحاكم هو سدّ خلته من مال المنفق، و لا ينحصر تحقيق تلك الغاية بما ذكرناه فلو كانت هناك صورة أنفع بحال المنفق، اختاره و بذلك يظهر انّ ما ذكره الشيخ في المبسوط من التفصيل في المقام ليس إلّا صورة عملية لما هو الواجب و ليس نفسه.

***

المسألة الرابعة: في ترتيب المنفقين

قد عرفت انّ وجوب الإنفاق ثابت بشروطه في عمودي النسب أعني بين الأصول و الفروع (الآباء و الأولاد)، دون الحواشي كالإخوة و الأعمام و الأخوال، و على ذلك نقدّم الكلام في المنفق، على الكلام في المنفق عليه فنقول: إنّ المنفق تارة يكون هو الأصول أي الآباء و الأمّهات، و

أخرى يكون هو الفروع أي الأولاد.

أمّا إذا كان المنفق هو الأصول فنفقة الولد ذكرا كان أو أنثى على أبيه دون أمّه، و إن كانت موسرة لقوله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ (الطلاق/ 6) فأوجب أجرة الرضاع على الأب فكذا غيرها من النفقات، و يؤيّده انّ لها الامتناع و انّها كغيرها من المستأجرات، و لو كانت النفقة واجبة عليها لما صحّ ذلك. مضافا إلى عدم ورودها في الروايات.

و لو عدم الأب أو كان معسرا فعلى أب الأب الأقرب فالأقرب لكونه أبا

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 398

حقيقة، و مقتضى ذلك و إن كان التسوية بين الأب و الجدّ في الإنفاق، لكن الظاهر التسالم على الترتيب و إن لم يكن دليل نقلي عليه.

و الاستئناس بآية وَ أُولُوا الْأَرْحٰامِ بَعْضُهُمْ أَوْلىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتٰابِ اللّٰهِ.

(الأنفال/ 75) له وجه، مثل الاستئناس بخبر غياث بن إبراهيم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: أتي أمير المؤمنين عليه السّلام بيتيم فقال: «خذوا بنفقته أقرب الناس منه من العشيرة كما يأكل ميراثه». «1»

و لو فقد الآباء أو كانوا معسرين، تجب النفقة على الأمّ و مع عدمها أو فقرها فعلى أبيها و أمّها، و إن علوا مقدما في الوجوب الأقرب فالأقرب و على ذلك فالنفقة بعد الأم، على أبيها و أمّها يشاركون في الإنفاق بالسوية لدعوى انسياق المشاركة في خطاب الإنفاق. فلو عدما أو كانا معسرين فعلى أبي أبيها و أمّ أبيها و أبي أمّها و أمّ أمّها يشاركون في الإنفاق بالسوية، و إن اختلفوا في الذكورة و الأنوثة و يترتب على ذلك انّه لو اجتمع جدّ الأمّ مع أمّ الأمّ فالنفقة على أمّ الأمّ لكونها أقرب، و

لو اجتمعت جدّتها مع أبيها فانّه على أبيها و هكذا.

و أمّا إذا كان المنفق هو الفروع فنفقة الأب أو الأمّ عند الإعسار على الولد مع اليسار من غير فرق بين الذكر و الأنثى، و مع فقده أو إعساره فعلى ولد الولد: ابن الابن، و ابن البنت، و بنت الابن، أو بنت البنت، و مع التعدد و التساوي في الدرجة يشاركون بالسوية، مثلا لو كان له ابن أو بنت مع ابن الابن، فالنفقة على الابن، و البنت، و لو كان له ابنان أو بنتان، أو ابن و بنت شاركا بالسوية.

و إذا جمعت الأصول و الفروع يراعى الأقرب فالأقرب و مع التساوي يشاركون فإذا كان له أب مع ابن أو بنت تشاركا بالسوية، و إذا كان له أب مع ابن الابن أو ابن البنت فعلى الأب وحده، و إن كان ابن و جدّ لأب فعلى الابن، و إن

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11، من أبواب النفقات، الحديث 4.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 399

كان ابن الابن، مع جدّ لأب تشاركا بالسوية، و إن كانت له أمّ مع ابن الابن أو ابن البنت مثلا فعلى الأمّ، حفظا لأصل الأقربية.

نعم إذا أجمعت الأمّ مع الابن أو البنت قال السيد الاصفهاني: فالأحوط التراضي و التصالح على الاشتراك بالسوية. لكن الظاهر، كون النفقة على الابن لما عرفت من انّه يجبر الرجل على نفقة الوالدين و الولد و الزوجة. «1»

*** هذا كلّه حول ترتيب المنفق عليه و أمّا ترتيب المنفق فإذا كان عنده زائد على نفقته و نفقة زوجته ما يكفي لإنفاق جميع أقاربه المحتاجين وجب عليه نفقة الجميع و إذا لم يكف إلّا لإنفاق بعضهم ينفق على الأقرب

فالأقرب منه.

فإذا كان معه ابن أو بنت، مع ابن الابن و كان عنده ما يكفي أحدهما ينفق على الابن و البنت دون ابن الابن.

و إذا كان عنده أبواه، مع ابن الابن و ابن البنت و كان ما عنده يكفي اثنين أنفق على الأبوين.

و إذا كان عنده أبواه مع جد و جدّة لأب أو لأمّ، انفق على الأبوين و لو كان عنده قريبان أو أزيد في مرتبة واحدة و كان عنده ما لا يكفي الجميع فالأقرب التقسيم بينهم بالسوية و الملاك هو الأقرب فالأقرب ففي صورة المساواة التقسيم بالعدل.

لو كان له ولدان و لم يقدر إلّا على نفقة أحدهما، لكن كان للمنفق أب موسر (جدّ الولدين) فهما بالخيار في أن يشاركا في الإنفاق عليهما، أو يختار كلّ واحدا منهما، و لو تشاحا يرجع إلى القرعة.

و لو كان الأقرب مثلا معسرا، و الأبعد موسرا فدفع النفقة، ثمّ أيسر الأقرب

______________________________

(1)- الوسائل: 15، الباب 11، من أبواب النفقات، الحديث 3 و 5.

نظام النكاح في الشريعة الإسلامية الغراء، ج 2، ص: 400

كانت النفقة على الأقرب لو افترضنا يسار الأقرب مع وجود عينها بيد المنفق عليه، قال في الجواهر: «أمكن الرجوع بها لأنّها امتاع بيده و الخطاب قد توجه إلى الأقرب بيساره». «1»

بقي الكلام في نفقة المملوك و البهائم، و نحن في غنى عن إفاضة الكلام في الأولى، و أمّا الثانية فتليق بالافراد في التأليف، حيث صار حقوق الحيوان موضوعا خاصا في الحضارة الغربية، و سبقهم الإسلام بوضع حدود و حقوق في ذلك المجال، لعلّنا نقوم به في المستقبل بإذنه سبحانه.

*** كلمة المؤلّف قد فرغت من تسويد هذه الأوراق في شهر رجب المرجب من شهور عام 1396 في جوار الحضرة

الفاطمية المعصومة- سلام اللّه عليها و على آبائها الطاهرين-، ثمّ أعدت النظر فيها في الدورة الثانية و قد لاح بدر تمامها يوم العشرين من جمادي الأولى من شهور عام 1410، و تمت المراجعة النهائية إليها، ليلة الرابع عشر من شهر رمضان المبارك، ميلاد الإمام الطاهر، الحسن السبط عليه السّلام، عام 1416. و أرجو منه سبحانه أن يوفقني على تبييض ما صدر من قلمي من بحوث فقهية و يجعلها ذخرا ليوم لا ينفع مال و لا بنون و يعينني على الاستنان بسنّة نبيّه و نيل الشفاعة لديه.

اللّهم اجعله لي شفيعا مشفّعا، و طريقا إليك مهيعا، و اجعلني له متّبعا، حتى ألقاك يوم القيامة عنّي راضيا، و عن ذنوبي غاضيا، و صلّى اللّه عليه و على عترته الطاهرة و النجوم الزاهرة صلاة دائمة ما دامت السماوات أبراج و الأرض ذات فجاج آمين يا ربّ العالمين.

______________________________

(1)- الجواهر: 31، 387 و ما ذكره مناف لما أفاده فيما سبق.

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.